التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

فضل صلاة التراويح

تعليمية

تعليمية

فضل صلاة التراويح

أولاً : صلاة التراويح سنة مستحبة باتفاق العلماء ، وهي من قيام الليل
ثانياً : قيام رمضان من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر .
وقد وردت بعض الأحاديث الخاصة بالترغيب في قيام رمضان وبيان فضله ، منها :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) . متفق عليه
(مَنْ قَامَ رَمَضَان) أَيْ قَامَ لَيَالِيَهُ مُصَلِّيًا .( إِيمَانًا ) أَيْ تَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ .
( وَاحْتِسَابًا ) أَيْ طَلَبًا لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ .
ثالثاً : ينبغي أن يكون المؤمن حريصاً على الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان أكثر من غيرها، ففي هذه العشر ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها :
( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) القدر/3.
وقد ورد في ثواب قيامها قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) . متفق عليه .
ولهذا ( كَانَ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِد فِي
الْعَشْر الأَوَاخِر مَا لا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا ) . رواه مسلم
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ . متفق عليه
(دَخَلَ الْعَشْرُ) أي : الْعَشْر الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان .(شَدَّ مِئْزَرَهُ) قيل هو كناية عن
الاجتهاد في العبادة ، وقيل كناية عن اعتزال النساء ، ويحتمل أنه يشمل
المعنيين جميعاً ( وَأَحْيَا لَيْلَهُ ) أَيْ سَهِرَهُ فَأَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ ، بالصلاة وغيرها .
( وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) أي : أَيْقَظَهُمْ لِلصَّلاةِ فِي اللَّيْل .
رابعاً : ينبغي الحرص على قيام رمضان في جماعة ، والبقاء مع الإمام حتى يتم الصلاة ، فإنه بذلك يفوز المصلي بثواب قيام ليلة كاملة ، وإن كان لم يقم إلا وقتاً
يسيراً من الليل ، والله تعالى ذو الفضل العظيم .
وروى الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) وصححه الألباني .
الإسلام سؤال وجواب




جزاك الله خيرا أخي على المعلومات الذهبية تعليمية

اللهم أعنا على الصيام والقيام و ختم القرآن

الكريم واغفر لنا ذنوبنا ما تقدم منها آمين




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

الحث على اغتنام ما تبقىٰ من رمضان، والحرص على تحرِّي ليلة القدر


الحث على اغتنام ما تبقىٰ من رمضان، والحرص على تحرِّي ليلة القدر

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في إحدى خطبه


أمَّا بعد: أيُّها النَّاس اتقوا الله تعالىٰ، واغتنموا مواسم الخير بعمارتها بما يُقرِّبُ إلىٰ ربِّكم، واحذروا من التَّفريط والإضاعة، فستندمون علىٰ تفريطكم وإضاعتكم.
إخواني من لم يربح في هٰذا الشهر الكريم ففي أي وقتٍ يربح؟! ومن لم يُنِب فيه إلىٰ مولاه ففي أي وقت يُنيب ويُصلِح؟! ومن لم يَزل متقاعدًا عن الخيرات، ففي أي وقت تحصل له الاستقامة، ويفلح؟!
فبادروا -يرحمكم الله- فرص هٰذا الشهر قبل فواتها، واحفظوا نفوسكم عما فيه شقاؤها وهلاكها.
ألا وإنَّ شهركم الكريم قد أخذ بالنقص والاضمحلال، وشارفت لياليه وأيامه الثمينة على الانتهاء والزوال، فتداركوا أيُّها المسلمون ما بقِيَ منه بصالح الأعمال، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم لذي العظمة والجلال.
واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فأحسنوا الختام.
لقد مضىٰ مِن هٰذا الشهر الكريم الثلثان، وبقِيَ منه الثُّلث؛ وقت العشر الحسان، فاغتنموها بالعزائم الصادقة، وبذل المعروف والإحسان، وقوموا في دياجيها لربكم خاضعين ولبره وخيراته راجين ومؤملين ومن عذابه وعقابه مستجيرين مستعيذين، فإنَّه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وهو الذي يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
وهو الذي ينزلُ كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيعرض على عباده الجود والكرم والغفران يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
وفي هٰذه العشر:ليلة القدر المباركة التي يُفرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم، ويُقدَّر فيها ما يكون في تلك السَّنَة بإذن العزيز العليم الحكيم، تنزِل فيها الملائكة من السماء، وتكثُر فيها الخيرات والمصالح والنعماء، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من الذنوب، ومن فرط فيها، وحُرِمَ خيرها فهو الملوم المحروم.
أبهمها الله تعالىٰ في هٰذه العشر، فلم يُبيِّن عينها؛ ليتزود الناس في جميع ليالي العشر من التهجد والقراءة والإحسان، وليتبين بذٰلك النشيط في طلب الخيرات من الكسلان، فإن الناس لو علموا عينها لاقتصر أكثرهم علىٰ قيام تلك الليلة دون ما سواها، ولو علموا عينها ما حصل كمال الامتحان في علو الهمة وأدناها.
فاطلبوها -رحمكم الله- بجدٍّ وإخلاص، واسألوا الله فيها الغنيمة من البرِّ والخيرات والسلامة من الإفلاس.

الضياء اللامع من الخطب الجوامع (1/ 381).




اللهم بلغنا أجره وأعنا على اغتنامه

بورك فيك واحسن الله إليك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

صيام ستة أيام من شوال

ويسن صوم ست من شوال؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله» فيسن للإنسان أن يصوم ستة أيام من شوال.

قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: والأفضل أن تكون هذه الست بعد يوم العيد مباشرة؛ لما في ذلك من السبق إلى الخيرات.
والأفضل أن تكون متتابعة؛ لأن ذلك أسهل غالباً؛ ولأن فيه سبقاً لفعل هذا الأمر المشروع.
فعليه يسن أن يصومها في اليوم الثاني من شوال ويتابعها حتى تنتهي، وهي ستنتهي في اليوم الثامن، من شهر شوال، وهذا اليوم الثامن يسميه العامة عيد الأبرار، أي: الذين صاموا ستة أيام من شوال.
ولكن هذا بدعة فهذا اليوم ليس عيداً للأبرار، ولا للفجار.
ثم إن مقتضى قولهم، أن من لم يصم ستة أيام من شوال ليس من الأبرار، وهذا خطأ، فالإنسان إذا أدى فرضه فهذا بَرُّ بلا شك، وإن كان بعض البر أكمل من بعض.
ثم إن السنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله، فلو كان عليه قضاء ثم صام الستة قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان» ومن بقي عليه شيء منه فإنه لا يصح أن يقال إنه صام رمضان؛ بل صام بعضه، وليست هذه المسألة مبنيّة على الخلاف في صوم التطوع قبل القضاء؛ لأن هذا التطوع أعني صوم الست قيده النبي صلّى الله عليه وسلّم بقيد وهو أن يكون بعد رمضان، وقد توهم بعض الناس فظن أنه مبني على الخلاف في صحة صوم التطوع قبل قضاء رمضان، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وبينا أن الراجح جواز التطوع وصحته، ما لم يضق الوقت عن القضاء.

تنبيه: لو أخر صيام الست من شوال عن أول الشهر ولم يبادر بها، فإنه يجوز لقوله صلّى الله عليه وسلّم «ثم أتبعه ستاً من شوال» فظاهره أنه ما دامت الست في شوال، ولو تأخرت عن بداية الشهر فلا حرج، لكن المبادرة وتتابعها أفضل من التأخير والتفريق، لما فيه من الإسراع إلى فعل الخير، ويستثنى من قول المؤلف «ستاً من شوال» يستثنى يوم العيد لأنه لا يجوز صومه.
مسألة: لو لم يتمكن من صيام الأيام الستة في شوال لعذر كمرض أو قضاء رمضان كاملاً حتى خرج شوال، فهل يقضيها ويكتب له أجرها أو يقال هي سنة فات محلها فلا تقضى؟
الجواب: يقضيها ويكتب له أجرها كالفرض إذا أخره عن وقته لعذر، وكالراتبة إذا أخرها لعذر حتى خرج وقتها، فإنه يقضيها كما جاءت به السنة.
فائدة: كره بعض العلماء صيام الأيام الستة كل عام مخافة أن يظن العامة أن صيامها فرض، وهذا أصل ضعيف غير مستقيم لأنه لو قيل به لزم كراهة الرواتب التابعة للمكتوبات، أن تصلى كل يوم وهذا اللازم باطل وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم والمحذور الذي يخشى منه يزول بالبيان.

الشرح الممتح لزاد المستقنع لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

باب صوم التطوع




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

فتاوى الحج لفضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله

فتاوى الحج
للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

س 449: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟ وهل يقضي ما ترك من العبادات إذا تاب إلى الله عز وجل؟

الجواب: ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة موجب للخلود في النار كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، وقول السلف- رحمهم الله- وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )(التوبة: الآية28) .
وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات لقوله تعالى: )وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:54) .
أما بالنسبة لما ترك من الأعمال السابقة فلا يجب عليه قضاؤها لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال:38) .
فعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ويستمر في فعل الطاعات، والتقرب إلى الله عز وجل بكثرة الأعمال الصالحة ويكثر من الاستغفار والتوبة وقد قال الله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) وهذه الآية نزلت في التائبين فكل ذنب يتوب العبد منه ولو كان شركاً بالله عز وجل فإن الله يتوب عليه. والله الهادي إلى سواء الصراط.


* * *
س450: كثيراً ما نلاحظ بعضاً من المسلمين وخاصة من الشباب من يتساهل في أداء فريضة الحج ويسوف في ذلك، ,أحياناً يتعذر بمشاغل فما حكم ذلك؟ وبماذا تنصحون هذا؟
وأحياناً نلاحظ بعضاً من الآباء يمنعون أبناءهم من أداء فريضة الحج بحجة الخوف عليهم، أو أنهم صغار مع أن شروط الحج متوفرة فيهم فما حكم فعل الآباء هذا؟ وما حكم طاعة الأبناء لآباءهم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما فيه خيري الدنيا والآخرة.
الجواب: من المعلوم أن الحج من أركان الإسلام ومبانيه العظام، وأنه لا يتم إسلام الشخص حتى يحج، إذا تمت في حقه شروط الوجوب؛ ولا يحل لمن تمت شروط الوجوب في حقه أن يؤخر الحج؛ لأن أوامر الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام على الفور، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فربما يفتقر ، أو يمرض، أو يموت.
ولا يحل للآباء والأمهات أن يمنعوا أبناءهم من الحج إذا تمت شروط الوجوب في حقهم، وكانوا مع رفقة مؤتمنين في دينهم وأخلاقهم.
ولا يجوز للأبناء أن يطيعوا آباءهم، أو أمهاتهم في ترك الحج مع وجوبه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، اللهم إلا أن يذكر الآباء أو الأمهات مبرراً شرعياً لمنعم فحينئذ يلزم الأبناء تأخير الحج إلى أن يزول هذا المبرر للتأخير.
أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.


* * *
س451: من عليه دين هل يلزمه الحج؟
الجواب: إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع قال الله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (آل عمران: الآية97). ومن عليه دين يستغرق ما عنده لم يكن مستطيعاً للحج، وعلى هذا فيوفي الدين، ثم إذا تيسر له بعد ذلك فليحج.
وأما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر لديه ما يحج به من بعد أداء الدين فإنه يقضي دينه، ثم يحج حينئذ، سواء كان فرضاً أم تطوعاً، ولكن الفريضة يجب عليه أن يبادر بها، وغير الفريضة هو بالخيار إن شاء تطوع، وإن شاء أن لا يتطوع ، وأن شاء أن لا يتطوع فلا إثم عليه.


* * *
س 452: من وكل شخصاً ليحج عن أمه ثم علم بعد ذلك أن هذا الشخص قد أخذ وكالات عديدة فما الحكم حينئذ؟ أفتونا غفر الله لكم.
الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه، وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخص يطمئن إليه في دينه، بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي وكل إليه فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى، أو أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه وفي دينه؛ وذلك لآن كثيراً من الناس عندهم جهل عظيم في أحكام الحج، فلا يؤدون الحج على ما ينبغي، وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء، لكنهم يظنون أن هذا هو الواجب عليهم، وهم يخطئون كثيراً ، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابة في الحج لقصور علمهم، ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس لديه أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله، أو يفعله في مناسك الحج لضعف أمانته ودينه، ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى أو أن يوكل إليه أداء الحج، فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار أفضل من يجده علماً وأمانة، حتى يؤدى ما طلب منه على الوجه الأكمل.
وهذا الرجل الذي ذكر السائل أنه أعطاه ليحج عن والدته وسمع فيما بعد أنه أخذ حجات أخرى لغيره ينظر فلعل هذا الرجل أخذ الحجات عن غيره وأقام أناساً يؤدونها، وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل؟ أي: هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاص متعددين في الحج أو في العمرة، ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك، بل يكلها إلى ناس آخرين؟
فنقول في الجواب: إن ذلك لا يجوز ولا يحل ، وهو من أكل المال بالباطل ، فإن بعض الناس يتاجر في هذا الأمر تجده يأخذ عدة حجج، وعدة عمرات على أنه هو الذي سيقوم بها، ولكنه يكلها إلى فلان وفلان من الناس بأقل مما أخذ هو، فيكسب أموالاً بالباطل، ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمرات، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وفي نفسه؛ لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق، ولأنه إذا ائتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج ، أو العمرة فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره، لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج أو هذه العمرات.


* * *
س 453: شخص كبير في السن أحرم بالعمرة ولما وصل إلى البيت عجز عن أداء العمرة فماذا يصنع؟
الجواب: أنه يبقى على إحرامه حتى ينشط إلا إذا كان قد اشترط عند الإحرام: (( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني))، فإنه يحل ولا شيء عليه، ولا عمرة، ولا طواف وداع، أما إذا لم يقل ذلك ولم يرجى زوال ما به فإنه يحتلل ويذبح فدية إذا كان واجداً لأن الله تعالى يقول: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (البقرة:196) والنبي عليه الصلاة والسلام عندما أحصر عن إتمام عمرة الحديبية ذبح هديه وحل.


* * *
س 454: إذا حج الإنسان عن غيره بأجرة فبقي منها شيء فهل يأخذه؟
الجواب: إذا أخذ دراهم ليحج بها وزادت هذه الدراهم عن نفقة الحج فإنه لا يلزمه أن يردها إلى من أعطاه هذه الدراهم كان الذي أعطاه قال له: ((حج منها)) ولم يقل: ((حج بها)) فإذا قال ((حج منها)) فإنه إذا زاد شيء عن النفقة يلزمه أن يرده إلى صاحبه، فإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذه ، وأما إذا قال: ((حج بها)) فإنه لا يلزمه أن يرد شيئاً إذا بقي، اللهم إلا إذا يكون الذي أعطاه رجلاً لا يدري عن أمور الحج، ويظن أن الحج يكلف مصاريف كثيرة فأعطاه بناء على ظنه وعدم معرفته فحينئذ يجب عليه أن يبين له، وأن يقول : إني حججت بكذا وكذا، وإن الذي أعطيتني أكثر مما أستحق، وحينئذ إذا رخص له فيه وسمح له فلا حرج.


* * *
س 455: إذا اعتمر الابن عن أبيه فهل يجوز له أن يدعو لنفسه؟
الجواب: يجوز أن يدعو لنفسه في هذه العمرة، ولأبيه ولمن شاء من المسلمين، لأن المقصود أن يأتي بأفعال العمرة لمن أرادها له.
أما مسألة الدعاء فإنه ليس بركن ولا بشرط في العمرة فيجوز أن يدعو لنفسه، ولمن كانت له هذه العمرة، ولجميع المسلمين.


* * *
س 456: ما حكم الإستنابة في الحج أو العمرة؟
الجواب: توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك في فريضة.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك في نافلة.
فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر، إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى البيت، لمرض مستمر لا يُرجى زواله، أو لكبر ونحو ذلك فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله، ويؤدي الحج بنفسه، وإن لم يكن لديه مانع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه، فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في أداء النسك عنه؛ لأنه هو المطالب به شخصياً قال الله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97) فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها ليتم له التعبد والتذلل لله – سبحانه وتعالى- ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات.
وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم:
فمنهم من أجازه.
ومنهم من منعه.
والأقرب عندي : المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه، أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة، لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما إنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عن وليه، فكذلك في الحج والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير، وإذا كانت عبادة بدنية يقوم الإنسان فيها ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد –رحمه الله- أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمرة، سواء كان قادراً أم غير قادر، ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث على الأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم، لأن بعض الناس تمضى عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج بناء على أنه يوكل من يحج عنه.


* * *
س 457: هل يجوز الاعتمار عن الميت؟
الجواب: يجوز الاعتمار عن الميت كما يجوز الحج عنه، وكذلك الطواف عنه يجوز، وكذلك جميع الأعمال الصالحة تجوز عن الميت، قال الإمام أحمد – رحمه الله-: كل قربة فعلها وجعل ثوابها لحي أو ميت مسلم نفعه، ولكن الدعاء للميت أفضل من ثوابها لحي أو ميت مسلم نفعه، ولكن الدعاء للميت أفضل من إهداء الثواب له، والدليل على هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات إنسان أنقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) 447 ، ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: (( أو ولد صالح يتعبد له، أو يقرأ، أو يصلي، أو يعتمر، أو يصوم)) أو ما أشبه ذلك، مع أن الحديث في سياق العمل، فهو يتحدث عن العمل الذي ينقطع بالموت، فلو كان المطلوب من الإنسان أن يعمل لأبيه وأمه لقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وولد صالح يعمل له))، ولكن لو عمل الإنسان عملاً صالحاً وأهدى ثوابه لأحد من المسلمين فإن ذلك جائز.


* * *
س 458: إذا حجت المرأة بدون محرم فهل حجها صحيح؟ وهل الصبي المميز يعتبر محرماً؟ والذي يشترط في المحرم؟
الجواب: حجها صحيح، لكن فعلها وسفرها بدون محرم محرَّم، ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام قال: (( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)) 448
والصغير الذي لم يبلغ ليس بمحرم؛ لأنه هو نفسه يحتاج إلى ولاية وإلى نظر، ومن كان كذلك فلا يمكن أن يكون ناظراً أو وليّاً لغيره.
والذي يشترط في المحرم أن يكون مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً فإذا لم يكن كذلك فإنه ليس بمحرم.
وهاهنا أمر نأسف له كثيراً وهو : تهاون بعض النساء في السفر بالطائرة بدون محرم، فإنهن يتهاون بذلك تجد المرأة تسافر في الطائرة وحدها، وتعليلهم لهذا الأمر يقولون: إن محرمها يشيعها في المطار الذي أقلعت منه الطائرة، والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة، وهى في الطائرة آمنة.
وهذه العلة عليلة في الواقع، فإن محرمها الذي شيعها ليس يدخلها في الطائرة، وإنما يدخلها في صالة الانتظار.
وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع فتبقى هذه المرأة ضائعة.
وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي تقصده لسبب من الأسباب، وتهبط في مكان آخر، فتضيع هذه المرأة.
وربما تهبط في المطار الذي قصدته، ولكن لا يأتي محرمها الذي يستقبلها لسبب من الأسباب لمرض، أو نوم، أو حادث في سيارته منعه من الوصول ، أو غير ذلك.
وإذا انتفت هذه الموانع كلها، ووصلت الطائرة في وقت وصولها، ووجد المحرم الذي يستقبلها، فإنه من الذي يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون إلى جانبها رجل لا يخشى الله- تعالي- ولا يرحم عباد الله فيغريها وتغتر به، ويحصل بذلك الفتنة والمحظور كما هو معلوم.
فالواجب على المرأة أن تتقي الله عز وجل، وأن لا تسافر إلا مع ذي محرم، والواجب أيضاً على أولياء النساء من الرجال الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا يفرطوا في محارمهم، وأن لا تذهب غيرتهم ودينهم، فإن الإنسان مسؤول عن أهله، لأن الله تعالى جعلهم أمانة عنده، فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).


* * *
س 459: امرأة تقول : أنوي أن أؤدي العمرة في رمضان ولكن برفقة أختي وزوجها ووالدتي فهل يجوز لي أن أذهب للعمرة معهم؟
الجواب: لا يجوز لك أن تذهبي للعمرة معهم؛ لأن زوج أختك ليس محرماً لك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم)). فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( انطلق فحج مع امرأتك)) 449 ، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل مع هذه المرأة نساء؟ وهل كانت شابة أم عجوزاً ؟ وهل كانت آمنة أم غير آمنة؟
وهذه السائلة إذا تخلفت عن العمرة من أجل أنه لا محرم لها فإنه لا إثم عليها، حتى ولو كانت لم تعتمر من قبل ، لأن من شروط وجوب العمرة والحج أن يكون للمرأة محرم.


* * *
س460: ما هي مواقيت الحج الزمانية؟
الجواب مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة، أي بيوم العيد، أو بآخر يوم من شهر ذي الحجة، وهو القول الراجح لقول الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) (البقرة: 197) وأشهر جمع ، والأصل في الجمع أن يراد به حقيقته، ومعنى هذا الزمن أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة، وليس يُفعل في إي يوم منها، فإن الحج له أيام معلومة، إلا أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك، اللهم إلا لعذر ، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة، وبقي النفاس عليها حتى خرج ذي الحجة فهي معذورة في تأخير طواف الإفاضة. هذه هي المواقيت الزمنية في الحج.
أما العمرة فليس لها ميقات زمني، تفعل في أي يوم من أيام السنة، لكنها في رمضان تعدل حجة، وفي أشهر الحج اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم كل عمره، فعمرة الحديبة كانت في ذي القعدة، وعمرة القضاء كانت أيضاً في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة أيضا كانت في ذي القعدة، وعمرة الحج كانت أيضاً مع الحج في ذي القعدة ، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل، لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر لها.


* * *
س 461: ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية؟
الجواب: اختلف العلماء- رحمهم الله- في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج.
فمن العلماء من قال أن الحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرماً بالحج، إلا أن يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره.
ومن العلماء من قالوا : أن من يحرم بالحج قبل أشهره، فإنه لا ينعقد ويكون عمرة، أي يتحول إلى عمرة ، لأن العمرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((دخلت في الحج)) 450 وسماها النبي صلى الله عليه وسلم الحج الأصغر. كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور 451، الذي تلقاه الناس بالقبول.


* * *
س 462: ما مواقيت الحج المكانية؟
الجواب: المواقيت المكانية خمسة: وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، وذات عِرق.
أما ذو الحليفة: فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي ، وهي قريبة من المدينة، وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل، وهي أبعد المواقيت عن مكة، وهي لأهل المدينة، ولمن مر به من غير أهل المدينة.
وأما الجحفة : فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وقد خربت القرية، وصار الناس يحرمون بدلاً منها من رابغ.
وأما يلملم : فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة، ويسمى اليوم : السعدية، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما قرن المنازل: فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة، ويسمى الآن: السيل الكبير، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضاً.
فأما الأربعة الأولى، وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، فقد وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذات عرق، فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن من حديث عائشة- رضي الله عنها- 452 وصح عن عمر – رضي الله عنه- أنه وقتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وأنها جور عن طريقنا ، فقال عمر رضي الله عنه -: انظروا إلى حذوها من طريقكم 453.
وعلى كل حال، فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ظاهر، وإن لم يثبت، فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أُمرنا باتباعهم، والذي جرت موافقاته لحكم الله – عز وجل- في عدة مواضع، ومنها هذا إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقتها، وهو أيضاً مقتضى القياس، فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه، فإذا حاذاه صار كالمار به، وفي أثر عمر-رضي الله عنه- فائدة عظيمة في وقتنا هذا، وهو أن الإنسان إذا كان قادماً إلى مكة بالطائرة يريد الحج، أو العمرة، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل إلى جدة كما يفعله كثير من الناس، فإن المحاذاة لا فرق أن تكون في البر، أو في الجو، أو في البحر. ولهذا يُحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذي يلملم أو رابغأً ، يحرمون إذا حاذوا هذين الميقاتين.


* * *
س 463: ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام؟
الجواب: من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين:
إما أن يكون مريداً للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، والحج أو العمرة، فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه، سواء طالت مدة غيابة عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في مروره هذا، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله أن الحج لا يجب في العمرة إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في من تجاوز الميقات بغير إحرام، أي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة ، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات.


* * *
س464: نية الدخول في النسك، هل هي التي يُتلفظ بها في التلبية؟
الجواب: التلبية أن يقول : لبيك عمرة إذا كان في عمرة، ولبيك حجّاً إذا كان في حج، أما التلبية فلا يجوز التلفظ بها، فلا يقول مثلاً : اللهم إني أريد العمرة، أو أريد الحج، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.


* * *
س 465: ما كيفية إحرام القادم إلى مكة جوّاً؟
الجواب: إحرام القادم إلى مكة جوّاً يجب عليه إذا حاذي الميقات أن يحرم، وعلى هذا فيتأهب أولاً بالاغتسال في بيته، ثم يلبس الإحرام قبل أن يصل إلى الميقات، ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في النسك، ولا يتأخر؛ لأن الطائرة مرها سريع، فالدقيقة يمكن أن تقطع بها مسافات كبيرة، وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس، تجد بعض الناس لا يتأهب، فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا الميقات، ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام، وهذا تقصير جدّاً ، على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدوا بدأوا ينبهون الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها، وهذا عمل يشكرونه عليه؛ لأنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة، جعلوا لهم فرصة في تغيير ثيابهم وتأهبهم، ولكن في هذه الحال ينبغي بل يجب على من أراد الإحرام أن ينتبه للوقت فإذا أعلن موظف الطائرة أنه قد بقي ربع ساعة، فلينظر على ساعته، حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبله بدقيقتين أو ثلاث لبى بما يريد من النسك.


* * *
س 466: ما الحكم فيمن تجاوز الميقات بدون إحرام وهو يريد العمرة؟
الجواب: الواجب على من أراد الحج أو العمرة ومرّ بالميقات أن لا يتجاوز الميقات حتى يحرم منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة….)) 454 إلخ وكلمة (( يهل)) خبر بمعنى الأمر ، وعلى هذا فيجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بالميقات أن يهل منه، ولا يتجاوزه، فإن فعل وتجاوز وجب عليه أن يرجع ليحرم منه، وإذا رجع وأحرم منه فلا فدية عليه، فإن أحرم من مكانه ولم يرجع فعليه عند أهل العلم فدية يذبحها ويوزعها على فقراء مكة.

رسالة
كيف يصلي الإنسان ويحرم في الطائرة؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: كيف يصلي الإنسان في الطائرة؟
1- يصلي النافلة في الطائرة وهو جالس على مقعده حيث كان اتجاه الطائرة ، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض.
2- لا يصلي الفريضة في الطائرة إلا إذا كان يتمكن من الاتجاه إلى القلبة في جميع الصلاة، ويتمكن أيضاً من الركوع ، والسجود ، والقيام ، والقعود.
3- إذا كان لا يتمكن من ذلك فإنه يؤخر الصلاة حتى يهبط في المطار فيصلى على الأرض، فإن خاف خروج الوقت قبل الهبوط أخرها إلى وقت الثانية إن كانت مما يُجمع إليها كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء. فإن خاف خروج وقت الثانية صلاهما في الطائرة قبل أن يخرج الوقت، ويفعل ما يستطيع من شروط الصلاة وأركانها، وواجباتها.
(مثلاً ) لو أقلعت الطائرة قبيل غروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط في المطار، وينزل فيصلي على الأرض، فإن خاف خروج وقت المغرب أخرها إلى وقت العشاء، فصلاهما جمع تأخير بعد نزوله، فإن خاف خروج وقت العشاء وذلك عند منتصف الليل صلاهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة.
4- وكيفية صلاة الفريضة في الطائرة أن يقف ويستقبل القبلة فيكبر، ويقرأ الفاتحة وما تسن قراءته قبلها من الاستفتاح، أو بعدها من القرآن، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع ويطمئن قائماً، ثم يسجد، ثم يرفع من السجود ويطمئن جالساً، ثم يسجد الثانية ثم يفعل كذلك في بقية صلاته، فإن لم يتمكن من السجود جلس وأومأ بالسجود جالساً، وإن لم يعرف القبلة ولم يخبره أحد يثق به اجتهد وتحرى وصلى حيث كان اجتهاده.
5- تكون صلاة المسافر في الطائرة قصراً فيصلى الرباعية ركعتين كغيره من المسافرين.
ثانياً: كيف يحرم بالحج والعمرة من سافر في الطائرة؟
1- يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة، وإن شاء لبس ثياب الإحرام.
2- فإذا اقتربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن لم يكن لبسها من قبل.
3- فإذا حاذت الطائرة الميقات نوى الدخول في النسك، ولبى بما نواه من حج أو عمرة.
4- فإن أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطاً خوفاً من الغفلة، أو النسيان فلا بأس.


* * *
س 467: من سافر من بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟
الجواب: لا يخلو الأمر من حالين:
1- أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة، فإنه يحرم من جدة، ولا حرج في ذلك لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- حين ذكر المواقيت قال: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشئ، حتى أهل مكة من مكة)) 455
2- أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازماً عليها فإن يجب في هذه الحالة أن يحرم من الميقات الذي يمر به ، ولا يجوز الإحرام من جدة، لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقت المواقيت فقال: (( هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة)) 456
فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال فإن عليه عند أهل العلم فدية دماً يذبحه في مكة، ويتصدق به على الفقراء وعمرته صحيحة، فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله فإنه يرجع إلى الميقات ويحرم منه، ولا شيء عليه.


* * *
س468: ما حكم الاغتسال للمحرم بعد لبس الإحرام؟
الجواب: الاغتسال للمحرم لا بأس به لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء اغتسل مرة، أو مرتين، ولكنه يجب أن يغتسل إذا احتلم وهو محرم فيغتسل عن الجنابة، وأما الاغتسال للإحرام فهو سنة.


* * *
س 469: ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان جدّاً للإنسان وقد حج النائب عن نفسه؟
الجواب: لا حرج أن يحج الإنسان عن جده الذي لم يحج لأن ذلك قد جاءت به بالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.


* * *
س 470: هل للإحرام صلاة تخصه؟
الجواب: ليس للإحرام صلاة تخصه، لكن إذا وصل الإنسان إلى الميقات، وهو قريب من وقت الفريضة فالأفضل أن يؤجل الإحرام حتى يصلي الفريضة ثم يحرم، أما إذا وصل إلى الميقات في غير وقت فريضة فإنه كما هو معلوم يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب، ويلبس ثياب الإحرام، ثم إن أراد أن يصلي صلاة الضحى فيما إذا كان في وقت الضحى، أو أن يصلى سنة الوضوء فيما إذا لم يكن وقت الضحى وأحرم بعد ذلك فحسن، وأما أن يكون هناك صلاة خاصة للإحرام فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم .


* * *
س 471: من اعتمر في أشهر الحج ثم سافر إلى المدينة وأحرم بالحج من أبيار علي فهل يكون متمتعاً؟
الجواب: ما دام هذا الرجل حين أتى بالعمرة في أشهر الحج قد عزم أن يحج من عامه فإنه يكون متمتعاً، لأن سفره بين العمرة والحج لا يبطل التمتع إلا إذا رجع إلى بلده، وأنشأ السفر من بلده إلى الحج فحينئذ ينقطع تمتعه؛ لأنه أفرد كل نسك بسفر مستقل فهذا الرجل الذي ذهب إلى المدينة بعد أن أدى العمرة ثم أحرم بالحج من أبيار علي يلزمه هدي التمتع لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (البقرة:196).


* * *
س 472: من احرم بالعمرة في شوال وأتمها وهو لم يرد الحج ثم تيسر له الحج فهل يكون متمتعاً؟
الجواب : ليس بمتمتع فلا يجب عليه هدي.


* * *
س 473: ما هي التلبية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ومتى تقطع التلبية في العمرة والحج؟
الجواب: التلبية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك 457 . وروى الإمام أحمد- رحمه الله- زيادة: لبيك إله الحق 458 . وإسناده حسن.
وتقطع التلبية في العمرة إذا شرع في الطواف، وفي الحج إذا شرع في رمي جمرة العقبة يوم العيد، لما روى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما يرفع الحديث (( أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر)) 459 ، صححه الترمذي لكن فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعفه الأكثرون، وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى فكلاهما قال: (( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) 460 ، أخرجاه في الصحيحين، وعند مالك يقطع التلبية في العمرة إذا وصل الحرم، وقيل : يقطعها إذا وصل البيت أو رآه. ومعنى لبيك: إقامة على طاعتك وإجابة لدعواتك، ولفظه لفظ المثنى ومعناه الكثرة.


* * *
س 474: هل يجوز للمحرم تمشيط شعره؟
الجواب: تمشيط المحرم شعره لا ينبغي ، لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر ، ولا حرج عليه أن يغسله ، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر، ولكن إذا سقط شعر من المحرم بدون قصد إما لحك رأسه أو لفركه وما أشبه ذلك فإنه لا حرج عليه في هذا، لأنه غير معتمد إزالته، وليعلم أن جميع محظورات الإحرام إذا لم يتعمدها الإنسان ووقعت منه على سبيل الخطأ، أو على سبيل النسيان فإنه لا حرج عليه فيها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 5). وقال سبحانه وتعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (البقرة: 286). فقال الله تعالى : قد فعلت.
وفي خصوص الصيد وهو من محظورات الإحرام قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (المائدة: من الآية95) وهذا القيد وهو قوله تعالى (مُتَعَمِّداً) يفيد أن من قتله غير متعمد فليس عليه جزاء وهذا القيد قيد احترازي؛ لأنه قيد مناسب للحكم وذلك أن المتعمد هو الذي يناسبه إيجاب الجزاء، وأما غير المعتمد فلا يناسبه إيجاب الجزاء لما علم من هذا الدين الإسلامي من أنه دين السماحة والسهولة واليسر وعلى هذا فنقول : جميع محظورات الإحرام بدون استثناء إذا فعلها الإنسان جاهلاً، أو ناسياً فإنه لا يترتب عليه شيء من أحكامها، لا من وجوب الفدية، ولا من فساد النسك فيما يفسد النسك كالجماع وغير ذلك . هذا هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية التي أشرنا إليها.


* * *
س 475: حاج قصَّر من بعض شعره جهلاً منه وتحلل فما يلزمه؟
الجواب: هذا الحاج الذي قصر من بعض شعره جاهلاً بذلك ثم تحلل لا شيء عليه في هذا التحلل ؛ لأنه جاهل ، ولكن بقى عليه إتمام التقصير لشعر رأسه.
وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني إذا أرادوا شيئاً من العبادات أن لا يدخلوا فيها حتى يعرفوا حدود الله عز وجل فيها لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة، لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) وقوله تعالى (ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر: من الآية9). فكون الإنسان يعبد الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة خير بكثير من كونه يعبد الله سبحانه وتعالى على جهل ، بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون.


* * *
س 476: إذا دخل الآفاقي مكة بدون إحرام من أجل أن يتحايل على ولاة الأمر بعدم إرادة الحج، ثم أحرم من مكة فهل حجه صحيح؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً.
الجواب: أما حجه فصحيح، وأما فعله فحرام، حرام من وجهين:
أحدهما: تعدي حدود الله – سبحانه وتعالى- بترك الإحرام من الميقات.
والثاني: مخالفة أمر ولاة الأمور الذين أمرنا بطاعتهم في غير معصية الله، وعلى هذا يلزمه أن يتوب إلى الله، ويستغفره مما وقع ، وعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء لتركه الإحرام من الميقات على ما قاله أهل العلم من وجوب الفدية على من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة.


* * *
س 477: إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهل يعتبر مفرداً؟
الجواب: نعم إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهو مفرد، وذلك لانقطاع ما بين العمرة والحج برجوعه إلى أهله ، فإنشاؤه السفر معناه أنه أنشأ سفراً جديداً للحج وحينئذ يكون حجه إفراداًَ ، فلا يجب عليه هدي التمتع حيئنذ، لكن لو فعل ذلك تحيلاً على إسقاط الهدي فإنه لا يسقط عنه؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يقتضي إسقاطه، كما أن التحيل على المحرم لا يقتضي حله.


* * *
س 478: ما حكم استعمال المظلة للمحرم؟ وكذلك الحزام مع العلم أنه مخيط؟
الجواب: حمل المظلة على الرأس وقاية من حر الشمس لا بأس به، ولا حرج فيه، ولا يدخل هذا في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الرأس – رأس الرجل- لأن هذا ليس تغطية، بل هو تظليل من الشمس والحر، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أسامة بن زيد، وبلال أحدهما أخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوباً يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة461 ، وفي رواية : والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس، وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استظل بهذا الثوب وهو محرم قبل أن يتحلل.
أما وضع الحزام على إزاره فإنه لا بأس به، ولا حرج فيه، وقول السائل : (( مع أنه مخيط)) هذا القول مبني على فهم خاطىء من بعض العامة، حيث ظنوا أن معنى قول العلماء: (( يحرم على المحرم لبس المخيط)) ظنوا أن المراد به ما كان فيه خياطة، وليس كذلك بل مراد أهل العلم بلبس المخيط ما كان مصنوعاً على قدر العضو، ولبس على هيئته المعتادة كالقميص والسراويل، والفنيلة وما أشبه ذلك، وليس مراد أهل العلم ما كان به خياطة، ولهذا لو أن الإنسان أحرم برداء مرقع أو بإزار مرقع لم يكن عليه في ذلك بأس، وإن كان قد خيط بعضه ببعض.


* * *
س 479: شخص معاق لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فكيف يصنع؟
الجواب: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يقدر عليه من اللباس الآخر، وعليه عند أهل العلم أما أن يذبح في مكة شاة يفرقها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام، هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق شعر الرأس حيث قال الله تعالى: ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (البقرة: 196) وقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم الصيام والصدقة بما ذكرناه.


* * *
س 480: ما حكم من جامع وهو محرم بالحج جاهلاً تحريم الجماع؟
الجواب: من المعلوم أن الجماع من محظورات الإحرام ، قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ) (البقرة: 197) والرفث والجماع ومقدماته، فالجماع أعظم محظورات الإحرام، إذا جامع الإنسان وهو محرم بالحج فإما أن يكون قبل التحلل الأول، أو بعد التحلل الأول، فإن كان قبل التحلل الأول ترتب على جماعه أمور:
أولاً: فساد النسك بحيث لا يجزئه عن نافلة ولا عن فريضة .
ثانياً:الإثم.
ثالثاً: وجوب المضي فيه ، أي أنه مع فساده يستمر ويكمله ويبقى هذا النسك الفاسد كالنسك الصحيح في جميع أحكامه.
رابعاً: وجوب القضاء من العام القادم، سواء كان ذلك الحج فريضة أم نافلة، أما إذا كان فريضة فوجوب القضاء ظاهر لأن الحج الذي جامع فيه لم تبرأ به ذمته، وأما إذا كان نافلة فلأن نافلة الحج يجب المضى فيها لقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه) (البقرة:196) وقد سمى الله تعالى التلبس بالحج فرضاً فقال: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج) (البقرة: 197) فلهذا قلنا إنه يجب عليه قضاء هذا الحج الفاسد سواء كان فرضاً أم نفلاً.
الأمر الخامس مما يترتب عليه : أنه يذبح بدنه، كفارة عن فعله يوزعها على الفقراء ، وإن ذبح عنها سبعاً من الغنم فلا بأس . هذا حكم الجماع قبل التحلل الأول.
أما إذا كان الجماع بعد التحلل الأول فإنه يترتب عليه الإثم وفساد الإحرام فقط، وعليه شاة يذبحها ويوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره، أو يصوم ثلاثة أيام ، فيخير بين هذه الثلاثة ، ويجدد الإحرام فيذهب إلى أدنى الحل ويحرم منه ليطوف طواف الإفاضة محرماً ، هكذا قال فقهاؤنا.
فإن قيل : متى يحصل التحلل الأول؟
قلنا: التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق، أو التقصير، فإذا رمى الإنسان جمرة العقبة يوم العيد، وحلق أو قصر فقد حل التحلل الأول وحل من كل المحظورات إلا النساء ، قالت عائشة – رضي الله عنها- (( كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) 462. وهذا الحديث دليل على أن الإحلال يليه الطواف بالبيت، وهو يقتضي أن يكون الحلق سابقاً على الإحلال كما قررناه آنفاً بأن التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد مع الحلق أو التقصير ، فالجماع الذي قبل ذلك يترتب عليه الأمور الخمسة التي ذكرناها آنفاً ،والذي بعد ذلك يترتب عليه ما ذكرناه من الإثم وفساد الإحرام دون النسك، ووجوب فدية، أو إطعام ، أو صيام سواء في مكة أو في غيره، وسواء كان متتابعاً أو متفرقاً، وإذا كان هذا الإنسان داخلاً بمعنى أنه لا يدري أن هذا الشيء حرام فإنه لا شيء عليه سواء كان ذلك قبل التحلل الأول، أو بعده، لأن الله عز وجل يقول: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة:286) فقال الله قد فعلت، ويقول تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 5).
فإن قيل :إذا كان هذا الرجل عالماً بأن الجماع حرام في حال الإحرام لكنه لم يظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور، ولو ظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور ما فعله فهل هذا عذر؟
فالجواب: أن هذا ليس بعذر؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلاً بالحكم لا يدري أن هذا الشيء حرام ، وأما الجهل بما يترتب على الفعل فليس بعذر، ولذلك لو أن رجلاً محسناً يعلم أن الزنا حرام، وهو بالغ عاقل، وقد تمت شروط الإحصان في حقه لوجب عليه الرجم، ولو قال أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو قال أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت، قلنا له : هذا ليس بعذر فعليك الرجم، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنا، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يجب عليه ألزامه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع انه كان حين جماعه جاهلاً بما يجب عليه ، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية وانتهك حرمات الله – عز وجل- ترتب عليه آثار تلك المعصية، وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها.


* * *
س 481: كيف تتحجب المرأة المحرمة؟ وهل يشترط أن لا يمس الغطاء وجهها؟
الجواب: المرأة المحرمة إذا مرت من عند الرجال، أو مر الرجال من عندها وهم من غير محارمها يجب عليها أن تغطي وجهها كما كانت نساء الصحابة – رضي الله عنهم- على هذا، وفي هذه الحال لا فدية عليها، لأن هذا أمر مأمور به، والمأمور به لا ينقلب محظوراً .
ولا يشترط أن لا يمس الغطاء ووجهها، بل لو مس الغطاء وجهها فلا حرج عليها، فيجب عليها أن تغطي وجهها ما دامت عند الرجال، وإذا دخلت الخيمة، أو كانت في بيتها كشفت الوجه؛ لأن المشروع في حق المحرمة أن تكشف وجهها.


* * *
س 482: امرأة حاجة وحاضت قبل طواف الوداع فما الحكم؟
الجواب: الحكم في هذا أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة وأتاها الحيض بعد أن أتمت مناسك الحج ولم يبق عليها إلا طواف الوداع فإن طواف الوداع يسقط عنها في هذه الحال؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال : (( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض ))463 ، ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم :" إن صفية بنت حيي حاضت وكانت قد طافت- رضي الله عنها- طواف الإفاضة قال ((فانفروا إذن))464 وأسقط عنها طواف الوداع.
أما طواف الإفاضة فإنه لا يسقط بالحيض ، فإما أن تبقى المرأة في مكة حتى تطهر وتطوف طواف الإفاضة، وإما أن تذهب إلى بلدها على ما بقي من إحرامها، فإذا طهرت عادت فأتت بطواف الإفاضة وهنا يحسن إذا عادت أن تأتي أولاً بمعرة فتطوف وتسعي وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة، وإذا كانت لا يمكنها ذلك بأي حال من الأحول فإنها تضع على محل الحيض ما يمنع نزول الحيض، وتلوث المسجد به، ثم تطوف للضرورة على القول الراحج..


* * *
س 483:امرأة أحرمت مع زوجها وهي حائض، وعندما طهرت اعتمرت بدون محرم ثم إنها رأت الدم بعد ذلك فما الحكم؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً
الجواب: نقول إن هذه المرأة فيما يبدو قدمت إلى مكة هي ومحرمها ، وقد كانت أحرمت من الميقات وهي حائض، وإحرامها من الميقات وهي حائض إحرام صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استفتته أسماء بنت عميس وهو في ذي الحليفة قالت : يا رسول الله إني نفست، قال (( اغتسلي واستثفري بثوب، واحرمي))465 . وإذا قدمت مكة وطهرت وأدت العمرة بدون محرم فلا حرج عليها؛ لأنها في وسط البلد ، لكن رجوع الدم إليها بعد قد يورث إشكالاً في هذه الطهارة التي رأتها فنقول لها : إذا كنت قد رأيت الطهر يقيناً فإن عمرتك صحيحة، وإن كنت في شك من هذا الطهر فأعيدى العمرة من جديد، لكن ليس معنى إعادة العمرة من جديد أن تذهبي إلى الميقات فتحرمي من جديد، وإنما نريد أن تعيدي الطواف والسعي والتقصير.


* * *
س 484: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى فكيف تصنع؟ أفتونا جزاكم الله خيراً
الجواب: إذا كان الأمر كما ذكر امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت، ويتعذر أن تبقى في مكة، أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف ففي هذه الحال يجوز لها أن تفعل واحداً من أمرين:
1- إما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف إذا لم يكن عليها ضرر في هذه الإبر.
2- وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول هو القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-.
وخلاف ذلك واحد من أمرين:
1- إما أن تبقي على ما بقي من إحرامها بحيث لا يحل لزوجها مباشرتها، ولا أن يعقد عيها إن كانت غير متزوجة.
2- وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً ، وتحل من إحرامها ، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها.
وكلا الأمرين أمر صعب ، الأمر الأول وهو بقاؤها على ما بقي من إحرامها ، والأمر الثاني الذي يفوت عليها حجها فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله- في مثل هذه الحال للضرورة وقد قال الله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78) وقال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (البقرة: 185). أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر، ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر، فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج، وفي هذه المدة لا تحل للأزواج ، لأنها لم تحل التحلل الثاني.


* * *
س 485: امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت فخرجت من مكة بدون عمرة فماذا عليها؟
الجواب:إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض فإن إحرامها لا يبطل بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة، ولم تطف، ولم تسع، لا تزال في عمرتها وعليها أن ترجع إلى مكة، وأن تطوف ، وتسعى، وتقصر حتى تحل من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام من الطيب وأخذ الشعر ، أو الظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجيء الحيض فاشترطت عند إحرامها ، أن محلها حيث حبست، فإنها لا شئ عليها إذا تحللت من إحرامها حينئذ.


* * *
س 486: هل يجوز للمحرمة أن تغير الثياب التي أحرمت فيها؟ وهل للإحرام ثياب تخصه؟
الجواب: يجوز للمرأة المحرمة أن تغير ثيابها إلى ثياب أخرى، سواء كان ذلك لحاجة أم لغير حاجة، لكن بشرط أن تكون الثياب الأخرى ليست ثياب تبرج وجمال أمام الرجال، وعلى هذا فإذا أرادت أن تغير شيئاً من ثيابها التي أحرمت بها فلا حرج عليها.
وليس للإحرام ثياب تخصه بالنسبة للمرأة بل تلبس ما شاءت إلا أنها لا تلبس النقاب ، ولا تلبس القفازين، والنقاب هو الذي يوضع على الوجه ويكون فيه نقب للعين، وأما القفازان فهما اللذان يلبسان في اليد، ويسميان شراب اليدين.
وأما الرجل فإن له لباساً خاصّاً في الإحرام، وهو الإزار والرداء، فلا يلبس القميص، ولا السراويل ، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف.


* * *
س 487: هل يجوز للمحرمة أن تلبس القفازين والجورب؟
الجواب: أما لبس المرأة الجورب فلا بأس به. وأما لباسها القفازين فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال في المحرمة : ((لا تلبس القفازين))466


* * *
س 488: امرأة مرت بالميقات وهي حائض فأحرمت منه ونزلت إلى مكة وأخّرت العمرة حتى طهرت فما حكم عمرتها؟
الجواب: العمرة صحيحة ولو أخرتها إلى يوم أو يومين ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد طهارتها من الحيض؛ لأن المرأة الحائض لا يحل لها أن تطوف بالبيت، ولهذا لما حاضت عائشة- رضي الله عنها- وهي قد أقبلت إلى مكة محرمة بالعمرة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ((أحرمي بالحج وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت))467 ، ولما حاضت صفية قال صلى الله عليه وسلم : ((أحابستنا هي))؟ ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فقالوا إنها قد أفاضت فقال : ((انفروا))468 فالمرأة الحائض لا يحل لها أن تطوف بالبيت، فإذا قدمت إلى مكة وهي حائض وجب عليها الانتظار حتى تطهر، ثم تطوف بالبيت، أما إذا حصل الحيض بعد طواف العمرة وقبل السعي فلتكمل عمرتها ولا شيء عليها؛ وإذا أتاها الحيض بعد السعي فلا يجب عليها طواف الوداع حينئذ؛ لأن طواف الوداع يسقط عن الحائض.


* * *
س 489: امرأة أحرمت من الميقات وهي حائض ثم طهرت في مكة وخلعت ملابسها فما الحكم؟
الجواب: المرأة إذا أحرمت من الميقات وهي حائض ، ثم وصلت مكة وطهرت فإن لها أن تغير ما شاءت من الثياب، وتلبس ما شاءت من الثياب ما دامت الثياب من الثياب المباحة، وكذلك الرجل يجوز أن يغير ثياب الإحرام بثياب إحرام أخرى، ولا حرج عليه.


* * *
س 490: ما حكم تغطية الوجه بالنقاب في الحج، فقد كنت قرأت حديثاً بما معناه ((لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين))، وقرأت قولاً آخراً لعائشة – رضي الله عنها- وهم في الحج تقول: (( كنا إذا ساوى بنا الرجال أسدلنا على وجوهنا وإذا سبقناهم كشفنا وجوهنا)) فكيف نجمع بين القولين؟
الجواب: الصواب في هذا ما دل عليه الحديث وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المحرمة ، فالمرأة المحرمة منهية عن النقاب مطلقاً سواء مرّ بها الرجال الأجانب أم لم يمروا بها، وعلى هذا فيحرم على المرأة المحرمة أن تنتقب سواء كانت في حج، أو في عمرة، والنقاب معروف عند النساء وهو أن تغطي وجهها بغطاء يكون فيه فتحة لكل واحدة من عينيها، وأما حديث عائشة فلا يعارض النهي عن الانتقاب؛ وذلك لأن حديث عائشة ليس فيه أن النساء ينتقبن، وإنما يغطين الوجه بدون نقاب، وهذا أمر لا بد منه إذا مر الرجال بالنساء، فإنه يجب عليهن أن يسترن وجوههن؛ لأن ستر الوجه عن الرجال الأجانب واجب، وعلى هذا فنقول لبس النقاب للمحرمة حرام عليها مطلقاً، وأما ستر وجهها فالأفضل لها كشف الوجه، ولكن إذا مر الرجال قريباً منها فإنه يجب عليها أن تغطيه، ولكن تغطيه بغير النقاب.


* * *
س 491: من فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فما الحكم؟
الجواب: إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن لبس إحرامه وهو لم يعقد النية بعد فلا شيء عليه؛ لأن العبرة بالنية لا بلبس ثوب الإحرام، ولكن إذا كان قد نوى ودخل في النسك فإنه إذا فعل شيئاً من المحظورات ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر فيذكر إن كان ناسياً، ويعلم إن كان جاهلاً يجب عليه أن يتخلى من ذلك المحظور.
مثال هذا : لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم فلا شيء عليه، ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب وكذلك لو نسي فأبقى سرواله عليه، ثم ذكر بعد أن عقد النية ولبى، فإنه يجب عليه أن يخلع سرواله فوراً ولا شيء عليه، وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خياط بل منسوجة نسجاً يظن أن المحرم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه، ولكن إذا تبين له أن الفنيلة وإن لم يكن بها توصيل فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها.
والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لقوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (البقرة: 286) فقال الله تعالى : قد فعلت ، ولقوله تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 5) ولقوله تعالى في خصوص الصيد هو من محظورات الإحرام : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ) (المائدة: 95). ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس ، والطيب ونحوهما، أو من قتل الصيد، وحلق شعر الرأس ونحوهما، وإن كان بعض العلماء فرق بين هذا وهذا، ولكن الصحيح عدم التفريق ، لأن هذا من المحظور الذي يعذر فيه الإنسان بالجهل، والنسيان، والإكراه.


* * *
س 492: حاج وقع في بعض الأخطاء في أداء نسكه ولم يكن معه ما يكفر به وسافر إلى بلده فهل يخرج ما وجب عليه في بلده أم يلزمه أن يكون في مكة؟ وإذا كان يلزم في مكة فهل يجوز التوكيل؟
الجواب: لا بد أن نعرف ما هو هذا الشيء الذي حصل : إن كان ترك واجب ففيه فدية يذبحها في مكة؛ لأنها تتعلق بالنسك، ولا يجزئ في غير مكة.
وإن كان فعل محظور فإنه يجزى فيه واحد من ثلاث أمور: إما إطعام ستة مساكين ، ويكون في مكة أو في مكان فعل المحظور. وإما صيام ثلاثة أيام، وفي هذه الحال يصوم ثلاثة أيام في مكة أو غيرها.
إلا أن يكون هذا المحظور جماعاً قبل التحلل الأول في الحج، فإن الواجب فيه بدنه يذبحها في مكان فعل المحظور، و في مكة ويفرقها على الفقراء، أو أن يكون جزاء صيد فإن الواجب مثله، أو إطعام، أو صيام فإن كان صوماً ففي أي مكان، وإن كان إطعاماً أو ذبحاً فإن الله تعالى يقول: ( هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) (المائدة: 95). فلا بد أن يكون في الحرم، وله أن يوكل فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عليّاً رضي الله عنه في ذبح ما بقي من هديه.


* * *
س 493: هل يجوز تقديم السعي على الطواف؟
الجواب: أما بالنسبة لتقديم سعي الحج على طواف الإفاضة فهذا جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر وجعل الناس يسألونه وقيل له سعيت قبل أن أطوف فقال: (( لا حرج))469 . فمن كان متمتعاً فقدم السعي في الحج على الطواف، أو مفرداً، أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم فقدم السعي علي الطواف فهذا لا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا حرج".


* * *
س 494: ما حكم تكرار العمرة في رمضان؟ وهل هناك مدة معينة بين العمرتين؟
الجواب: تكرار العمرة في شهر رمضان من البدع، لأن تكرارها في شهر واحد خلاف ما كان عليه السف حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ذكر في الفتاوى أنه يكره تكرار العمرة والإكثار منها باتفاق السلف، ولاسيما من يكررها في رمضان وهذا لو كان من الأمور المحبوبة لكان السلف أحرص منا على ذلك، ولكرروا العمر، وهذا النبي عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله عز وجل، وأشد الناس حبّاً للخير بقي في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، ولم يأت بعمرة، وهذه عائشة – رضي الله عنها – حين ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر، أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل لتأتي بعمرة، ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يأتي بعمرة، ولو كان هذا مشروعاً لأرشده النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان هذا معلوم المشروعية عند الصحابة لفعله عبد الرحمن بن أبي بكر لأنه خرج إلى الحل.
والمدة المعنية لما بين العمرتين قال الإمام أحمد – رحمه الله-: (ينتظر حتى يحمم رأسه)) بمعنى يسود كالحممة، والحممة هي العيدان المحترقة.


* * *
س 495: ما الحكم إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف؟ وهل يستأنف الطواف؟ وإذا لم يستأنف فيمن أين يكمل؟
الجواب: إذا أقيمت الصلاة والإنسان يطوف سواء طواف عمرة، أو طواف حج، أو طواف تطوع فإنه ينصرف من طوافه ويصلي، ثم يرجع ويكمل الطواف، ولا يستأنفه من جديد ويكمل الطواف من الموضع الذي انتهى إليه من قبل، ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد؛ لأن ما سبق بني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليل شرعي.


* * *
س 496: إذا سعى المعتمر قبل الطواف ثم طاف فماذا يلزمه؟
الجواب: إذا سعى المعتمر قبل أن يطوف ثم طاف فإنه لا يعيد إلا السعي فقط، وذلك لأن الترتيب بين الطواف والسعي واجب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رتب بينهما وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) 470 وإذا أخذنا عنه صلى الله عليه وسلم مناسكه بدأنا بالطواف أولاً، ثم بالسعي ثانياً، ولكن لو قال أنا تعبت في السعي الأول، قلنا إنه يؤجر على تعبه، ولكن لا يقر على الخطأ.
وذهب بعض التابعين وبعض العلماء إلى أنه سعى قبل الطواف من العمرة ناسياً، أو جاهلاً فلا شيء عليه، كما لو كان ذلك في الحج.


* * *
س 497: ما المراد بالاضطباع؟ ومتى يُشرع؟
الجواب: الاضطباع أن يكشف الإنسان كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر.
وهو مشروع في طواف القدوم ، وأما في غيره فإنه ليس بمشروع.


* * *
س 498: هل يجوز التطوع بالسعي؟
الجواب: لا يجوز التطوع بالسعي، لأن السعي إنما يشرع في النسك، الحج أو العمرة لقول الله تعالى : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:158).


* * *
س 499: من ترك طواف الإفاضة جهلاً ماذا يلزمه؟
الجواب: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإذا تركه الإنسان فإن حجه لم يتم، ولا بد أن يأتي به فيرجع ولو من بلده فيطوف طواف الإفاضة، وفي هذه الحال ما دام لم يطف لا يجوز أن يستمتع بزوجته؛ لأنه لم يتحلل التحلل الثاني إلا بعد طواف الإفاضة، والسعي إن كان متمتعاً ، أو كان قارناً ، أو مفرداً، ولم يكن سعى مع طواف القدوم.


* * *
س 500: رأيت بعض الطائفين يدفع نساءه لتقبيل الحجر فأيهما أفضل تقبيل الحجر ، أو البعد عن مزاحمة الرجال؟
الجواب: إذا كان هذا السائل رأى هذا الأمر العجيب فأنا رأيت أمراً أعجب منه، رأيت من يقوم قبل أن يسلم من الفريضة ليسعى بشدة إلى تقبيل الحجر فيبطل صلاته الفريضة المفروضة التي هي أحد أركان الإسلام لأجل أن يفعل هذا الأمر، الذي ليس بواجب، وليس بمشروع أيضاً إلا إذا قرن بالطواف، وهذا من جهل الناس، الجهل المطبق الذي يأسف الإنسان له، فتقبيل الحجر واستلام الحجر ليس بسنة إلا في الطواف، لأني لا أعلم أن استلامه مستقلاً عن الطواف من السنة، وأنا أقول في هذا المكان لا أعلم، وأرجو ممن عنده علم خلاف ما أعلم أن يبلغنا به جزاه الله خيراً.
إذا فهو من مسنونات الطواف، ثم إنه ليس بمسنون إلا حيث لا يكون بذلك أذية لا على الطائف ، ولا على غيره؟، فإن كان في ذلك أذية على الطائف، أو على غيره فإننا ننتقل إلى المرتبة الثانية التي شرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث أن الإنسان يستلم الحجر بيده ويقبل يده، فإن كانت هذه المرتبة لا تمكن أيضاً إلا بأذى أو مشقة فإننا ننتقل إلى المرتبة الثالثة التي شرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الإشارة إليه، فنشير إليه بيدنا، لا بيدينا الاثنين، ولكن بيدنا الواحدة اليمنى نشير إليه ولا نقبلها هكذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان الأمر أفظع وأشد كما يذكر السائل أن الإنسان يدفع بنساءه ربما تكون المرأة حاملاً، أو عجوزاً، أو فتاة لا تطيق، أو صبيًّا يرفعه بيده ليقبل الحجر كل هذا من الأمر المنكر، لأنه يحصل بذلك ضرر على الأهل، ومضايقة ومزاحمة للرجال، وكل هذا مما يكون دائراً بين التحريم، أو الكراهة، فعلى المرء أن لا يفعل ذلك ما دام الأمر، ولله الحمد واسعاً – فأوسع على نفسك، ولا تشدد فيشدد الله عليك.


* * *
س 501: امرأة حجت مع زوجها حج تمتع وفي الشوط السادس من طواف العمرة قال زوجها : إنه السابع وأصر على رأيه فهل عليها شئ؟
الجواب: إذا كانت هي تتيقن أنها في الشوط السادس وأنها لم تكمل الطواف فإن عمرتها لم تتم حتى الآن، لأن الطواف ركن من أركان العمرة لا يمكن أن تتم العمرة إلا به، فإذا أحرمت بالحج بعد صارت قارنه؛ لأنها أدخلت الحج على العمرة قبل انتهائها وإن حصل عندها شك حين رأت زوجها مصمماً على أن هذا هو الشوط السابع فإنه لا شيء عليها؛ لأنه إذا حصل عندها شك، وعند زوجها اليقين، فإنها ترجع إلى قول زوجها لترجحه، الله أعلم.


* * *
س 502: إذا كان المعتمر أو الحاج لا يعرف إلا القليل من الأدعية فهل يقرأ من كتب الأدعية في طوافه وسعيه وغير ذلك من المناسك؟
الجواب: إن الحاج أو المعتمر يكفيه من الأدعية ما يعرفه، لأن الأدعية التي يعرفها يدعو بها وهو يعرف معناها، ويسأل الله حاجته فيها، وأما إذا أخذ كتاباً أو مطوفاً يلقنه ما لا يدري عنه فإن ذلك لا ينفعه، وكثير من الناس يتبعون المطوف بما يقول وهم لا يدرون معنى ما يقول، وكثير من الناس يأخذ هذه الكتيبات ويقرؤها وهو لا يدري ما معناها، وهذه الكتيبات التي فيها لكل شوط دعاء معين هي من البدع، التي لا يجوز للمسلم أن يستعملها، لأنها ضلالة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأمته دعاء لكل شوط، : ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا و المروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله))471 ، وإذا كان كذلك فإن الواجب على المؤمن الحذر من هذه الكتيبات، وأن يسأل الله حاجته التي يريدها، وأن يذكر الله بما يستطيع وبما يعرف فذلك خير له من أن يستعمل هذه الكتيبات التي قد لا يعرف معناها، بل قد لا يعرف لفظها فضلاً عن معناها.


* * *
س 503: هل هناك دعاء خاص لمناسك الحج والعمرة من طواف وسعي وغيرهما؟
الجواب: ليس هناك دعاء خاص بالحج والعمرة، بل يقول الإنسان ما شاء من دعاء، ولكن إذا أخذ بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أكمل مثل الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)) . وكذلك ما ورد من الدعاء في يوم عرفة، وما ورد من الذكر على الصفا والمرة وما أشبه ذلك، فالشيء الذي يعلمه من السنة ينبغي أن يقوله، والشيء الذي لا يعلمه يكفي عنه ما كان في ذهنه مما يعلمه، وهذا ليس على سبيل الوجوب أيضاً بل هو على سبيل الاستحباب.
وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنما يكتب في المناسك الصغيرة التي تقع في أيدي الحجاج والعمار من الأدعية المخصصة لكل شوط أقول: إن هذا من البدع، وفيها من المفاسد ما هو معلوم، فإن هؤلاء الذين يقرؤنها يظنون أنها أمر وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يعتقدون التعبد بتلك الألفاظ المعينة، ثم إنهم يقرؤونها ولا يعلمون المراد بها، ثم إنهم يخصون هذا الدعاء بكل شوط، فإذا انتهى الدعاء قبل تمام الشوط كما يكون في الزحام سكتوا في بقية الشوط، وإذا انتهى الشوط قبل انتهاء هذا الدعاء قطعوا الدعاء وتركوه، حتى لو أنه قد وقف على قوله ((اللهم)) ولم يأتي بما يريد قطعه وتركه، وكل هذا من الأضرار التي تترتب على هذه البدعة، وكذلك ما يوجد في هذه المناسك من الدعاء عند مقام إبراهيم ، فإن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دعا عند مقام إبراهيم، وإنما قرأ حين أقبل عليه( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً ) (البقرة: 125) وصلى خلفه ركعتين، وأما هذا الدعاء الذي يدعون به، ويشوشون به على المصلين عند المقام فإنه منكر من جهتين: إنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو بدعة.
أنهم يؤذون به هؤلاء المصلين الذين يصلون خلف المقام.
وغالب ما يوجد في هذه المناسك غالبه مبتدع، إما في كيفيته وإما في وقته، وإما في موضعه. نسأل الله الهداية.


* * *
س 504: رجل بعد الفراغ من عمرته وجد في ثياب إحرامه نجاسة فما الحكم؟
الجواب: إذا طاف الإنسان للعمرة وسعى، وبعد ذلك وجد في ثوب إحرامه نجاسة فإن طوافه صحيح ، وسعيه صحيح وعمرته صحيحة؛ وذلك لأن الإنسان إذا كان على ثوبه نجاسة لم يعلم بها، أو كان عالماً بها ولكن نسي أن يغسلها، وصلي في ذلك الثوب فإن صلاته صحيحة، وكذلك لو طاف بهذا الثوب فإن طوافه صحيح والدليل لذلك قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة:286) وهذا دليل عام يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع، وهناك دليل خاص في المسألة وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم بأصحابه وكان من سنته عليه الصلاة والسلام أن يصلي في نعليه، فخلع نعاله، فخلع الناس نعالهم، فلما أتم صلاته قال: (( ما شأنكم))؟ قالوا : رأيناك يا رسول الله خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً))472 – يعني نجاسة- ولم يستأنف النبي صلى الله عيه وسلم الصلاة، مع أن أول صلاته كان قد لبس حذاءً نجساً، فدل هذا على أن من صلى بثوب نجس ناسياً، أو جاهلاً فإن صلاته صحيحة.
وهنا مسألة : إذا أكل الإنسان لحم جزور وقام يصلى ولم يتوضأ بناء على أنه أكل لحم غنم فهل يعيد الصلاة إذا علم؟
فنقول : إنه يعيد الصلاة بعد أن يتوضأ
فإذا قال قائل : لماذا قلتم في من صلى بثوب نجس جهلاً لا يعيد، وفيمن أكل لحم إبل جاهلاً إنه يعيد؟
قلنا: لأن لدينا قاعدة مفيدة مهمة وهي (( المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان، والمنهيات تسقط بالجهل والنسيان))، ودليل هذه القاعدة قول النبي صلى الله عيه وسلم : (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها))473. ولما سلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي ونسي بقية الصلاة أتمها لما ذكر، فهذا دليل على أن المأمورات لا تسقط بالنسيان، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر من نسي صلاة أن يصليها :إذا ذكر، ولم تسقط عنه بالنسيان، وكذلك أتم الصلاة ولم يسقط بقيتها بالنسيان، والدليل على أن المأمورات لا تسقط بالجهل أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا يطمئن فيها ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال له ((ارجع فإنك لم تصل))، وردده ثلاث مرات، وهو يصلي ويأتي فيقول : ((ارجع فصل فإنك لم تصلّ))474 ، حتى علمه النبي صلى الله عليه وسلم وصلى صلاة صحيحة، فهذا الرجل ترك واجباً جاهلاً لأن الرجل قال: ((والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني))، ولو كان الواجب يسقط بالجهل لعذره النبي صلى الله عليه ، وهذه القاعدة مهمة مفيدة لطالب العلم.


* * *
س 505: هل الأثر الذي في مقام إبراهيم هو أثر قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام أم لا؟
الجواب: لا شك أن مقام إبراهيم ثابت، وأن هذا الذي بني عليه الزجاج هو مقام إبراهيم، لكن الحفر الذي فيه لا يظهر أنها أثر القدمين، لأن المعروف من الناحية التاريخية أن أثر القدمين قد زال منذ أزمنة متطاولة، ولكن حفرت هذه أو صنعت للعلامة فقط، ولا يمكن أن نجزم بأن هذا الحفر هو موضع قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وبالمناسبة أحب أن أنبه على مسألة وهي أن بعض المعتمرين والحجاج يقف عند مقام إبراهيم، ويدعو بدعاء لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما يدعو بدعاء بصوت مرتفع، فيشوش على الذين يصلون ركعتي الطواف خلف المقام، وليس للمقام دعاء بل السنة تخفيف الركعتين خلفه ، ثم يقوم بعد التسليم مباشرة ليترك المكان لمن هو أحق به منه من الذين يريدون صلاة ركعتي الطواف.


* * *
س 506: هل يجوز التمسح بثوب الكعبة؟
الجواب: التبرك بثوب الكعبة والتمسح به من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما طاف معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه- بالكعبة وجعل يمسح جميع أركان البيت، أنكر عليه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- فأجاب معاوية (( ليس شيء من البيت مهجوراً ))، فرد عليه ابن عباس بقوله: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين)) يعني الحجر الأسود والركن اليماني وهذا دليل على أننا نتوقف في مسح الكعبة وأركانها على ما جاءت به السنة، لأن هذه هي الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الملتزم الذي بين الحجر الأسود والباب فإن هذا قد ورد عن الصحابة – رضي الله عنهم- أنهم قاموا به فالتزموه يدعون ، والله أعلم.


* * *
س 507: ما حكم الحلق أو التقصير في العمرة؟ وأيهما أفضل؟
الجواب: الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في حجة الوداع وطاف وسعي أمر كل من لم يسق الهدي أن يقصر ثم يحل، فلما أمرهم أن يقصروا – والأصل في الأمر الوجوب دل على أنه لابد من التقصير، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين أحصروا في غزوة الحديبية أن يحلقوا حتى إنه صلى الله عليه وسلم غضب حين توانوا في ذلك.
وأما هل الأفضل في العمرة التقصير أو الحلق؟ فالأفضل الحلق إلا للمتمتع الذي قدم متأخراً فإن الأفضل في حقه التقصير من أجل أن يوفر الحلق للحج.


* * *
س 508: حاج متمتع طاف وسعى للعمرة ولبس ملابسه العادية ولم يقصر ولم يحلق وسأل بعد الحج فأخبر أنه أخطأ فماذا يفعل؟
الجواب : هذا الرجل يعتبر تاركاً لواجب من واجبات العمرة وهو الحلق أو التقصير، وعليه عند أهل العلم أن يذبح فدية في مكة، ويوزعها على فقراء مكة، وهو باق على تمتعه وعمرته صحيحة.


* * *
س 509: من أحرم متمتعاً ولم يقصر أو يحلق لعمرته وأكمل مناسك الحج ماذا عليه؟
الجواب بقوله : هذا الحاج ترك التقصير في عمرته، والتقصير من واجبات العمرة ، وفي ترك الواجب عند أهل العلم دم يذبحه الإنسان في مكة ويوزعه على الفقراء، وعلى هذا فنقول لهذا الحاج يجب عليك على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية بمكة ويوزعها على الفقراء، وبهذا تتم عمرتك وحجك، وإن كان خارج مكة فإنه يوصي من يذبح له الفدية بمكة. والله الموفق.


* * *
س 510: متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام في الحج ولم يصم السبعة الباقية، ومضى علي ذلك ثلاث سنوات فماذا يفعل؟
الجواب: يلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام، ونسأل الله له العون.


* * *
س 511: شخص يحلق شعره للعمرة في بلده فما حكم عمرته؟
الجواب: يقول أهل العلم إن حلق الرأس لا يختص بمكان فإذا حلق في مكة، أو في غير مكة فلا بأس ،لكن الحلق في العمرة يتوقف عليه الحل، وأيضاً سيكون بعد الحلق طواف وداع فالعمرة هكذا ترتيبها إحرام، وطواف، وسعي، وحلق ، أو تقصير، وطواف وداع إذا أقام الإنسان بعد أداء العمرة، وأما إذا سافر من حين أن أتى بأفعال العمرة فلا وداع عليه، إذاً معناه لابد أن يحلق رأسه أو يقصره وهو في مكة إذا كان يريد الإقامة؛ لأنه سيأتي بعده طواف الوداع، وأما إذا طاف وسعى وخرج إلى بلده فوراً فإنه لا حرج عليه أن يقصر، أو يحلق في بلده، لكنه سيبقى على إحرامه حتى يقصر أو يحلق.


* * *
س 512: من أحرم بالعمرة متمتعاً ثم بد له أن لا يحج فهل عليه شيء؟
الجواب: لا شيء عليه، لأن المتمتع إذا أحرم بالعمرة فأتمها ثم بد له أن لا يحج قبل أن يحرم بالحج فلا شيء عليه، إلا أن ينذر فإذا نذر أن يحج هذا العام وجب عليه الوفاء بنذره، فإن كان بدون نذر فإنه لا حرج عليه إذا ترك الحج بعد أداء العمرة ، والله الموفق.


* * *
س 513: من أحرم بالحج متمتعاً واعتمر ولم يتحلل من إحرامه إلى أن ذبح الهدي جاهلاً فماذا عليه ؟ وهل حجه صحيح؟

الجواب: يجب أن يعرف أن الإنسان إذا أحرم متمتعاً فإنه إذا طاف وسعى، قصر من شعره من جميع الرأس، وحل من إحرامه، هذا هو الواجب، فإذا استمر في إحرامه فإن كان قد نوى الحج قبل أن يشرع في الطواف- إي طواف العمرة- فهذا لا حرج عليه؛ لأنه في هذه الحال يكون قارناً، ويكون ما أدى من الهدي عن القرآن.
وإن كان قد بقي على نية العمرة حتى طاف وسعى فإن كثيراً من أهل العلم يقولون إن إحرامه بالحج غير صحيح؛ لأنه لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها.
ويرى بعض أهل العلم أنه لا بأس به، وحيث إنه جاهل فالذي أرى أنه لا شيء عليه وأن حجه صحيح إن شاء الله تعالى والله الموفق.


* * *
س 514: قوم ضلوا الطريق إلى مزدلفة فلما أقبلوا عليها توقفوا وصلوا المغرب والعشاء الساعة الواحدة ليلاً ثم دخلوا مزدلفة أذان الفجر وصلوا فيها فهل عليهم شيء؟ أفتونا جزاكم الله عنا خيراً.
الجواب: هؤلاء لا شيء عليهم؛ لأنهم أدركوا صلاة الفجر في مزدلفة حين دخلوها وقت أذان الفجر، وصلوا الفجر فيها بغلس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه))475 ، لكن هؤلاء أخطأوا حين أخروا الصلاة إلى ما بعد منتصف الليل، لأن وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم.


* * *
س 515: امرأة دفعت من مزدلفة آخر الليل، ووكلت ابنها في رمي الجمرة عنها مع أنها قادرة، فما الحكم ؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: رمي الجمرات من مناسك الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وفعله بنفسه، وقال صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله))476 فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وهو عبادة لأن الإنسان يقوم برمي هذه الحصيات في هذا المكان تعبداً لله- عز وجل- وإقامة لذكره، فهي مبنية على مجرد التعبد لله – سبحانه وتعالي- لهذا ينبغي للإنسان أن يكون حين رميه للجمرات خاشعاً خاضعاً لله مهما كان ذلك وإذا دار الأمر بين أن يبادر برمي هذه الجمرات في أول الوقت، أو يؤخره في آخر الوقت لكنه إذا أخره رمى بطمأنينة وخشوع وحضور قلب كان تأخيره أفضل، لأن هذه المزية مزية تتعلق بنفس العبادة، وما تعلق بنفس العبادة فإنه مقدم على ما يتعلق بزمن العبادة أو مكانها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثان))477فيؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها من أجل قضاء الحاجة، أو دفع الشهوة الشديدة التي حضر مقتضيها وهو الطعام، إذن إذا دار الأمر بين أن يرمي الجمرات في أول الوقت، لكن بمشقة وزحام شديد، وانشغال بإبقاء الحياة، وبين أن يؤخرها في آخر الوقت ولو في الليل لكن بطمأنينة وحضور قلب كان تأخيره أفضل، ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، حتى لا يتأذوا بالزحام الذي يحصل إذا حضر الناس جميعاً بعد طلوع الفجر، إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز لإنسان أن يوكل أحداً في رمي الجمار عنه لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة: 196) ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فإذا تبين ذلك أيضاً وأن رمي الجمرات من العبادات، وأنه لا يجوز للقادر رجلاً أو امرأة أن ينيب عنه فيها، فإنه يجب أن يرمي بنفسه إلا رجلاً، أو امرأة مريضة، أو حاملاً تخشي على حملها فلها أن توكل.
وأما المسألة التي وقعت لهذه المرأة التي ذكر أنها لم ترم مع قدرتها فالذي أرى أن من الأحوط لها أن تذبح فدية في مكة توزعها على الفقراء عن ترك هذا الواجب.


* * *
س 516: حاج رمى جمرة العقبة من جهة الشرق ولم يسقط الحجر في الحوض وهو في اليوم الثالث عشر هل يلزمه إعادة الرمي كله؟
الجواب: لا يلزمه إعادة الرمي كله وإنما يلزمه إعادة الرمي الذي أخطأ فيه فقط ، وعلى هذا يعيد رمي جمرة العقبة فقط، ويرميها على الصواب، ولا يجزئه الرمي الذي رماه من جهة الشرق إذا لم يسقط الحصى في الحوض، الذي هو موضع الرمي، ولهذا لو رماها من الحسر من الناحية الشرقية أجزأ لأنه يسقط في الحوض.


* * *
س 517: إذا لم تصب جمرة أو جمرتان من الجمار السبع المرمى ومضى يوم أو يومان فهل يعيد رمي هذه الجمرة؟ وإذا لزمه فهل يعيد ما بعدها من الرمي؟
الجواب: إذا بقي عليه رمي جمرة أو جمرتين من الجمرات، أو على الأوضح حصاة أو حصاتين من إحدى الجمرات فإن الفقهاء يقولون إذا كان من آخر جمرة فإنه يكملها أي يكمل هذا النقص فقط، ولا يلزمه رمي ما قبلها، وإن كان من غير آخر جمرة فإنه يكمل الناقص ويرمي ما بعده.
والصواب عندي: أنه يكمل النقص مطلقاً ، ولا يلزمه إعادة رمي ما بعدها ، وذلك لأن الترتيب يسقط بالجهل ، أو بالنسيان، وهذا الرجل قد رمى الثانية وهو لا يعتقد أن عليه شيئاً مما قبلها فهو بين الجهل والنسيان، وحينئذ نقول له: ما نقص من الحصا فارمه، و لا يجب عليه رمي ما بعدها.
وقبل إنهاء الجواب أحب أن أنبه على أن المرمى مجتمع الحصا وليس العمود المنصوب للدلالة عليه، فلو رمى في الحوض ولم يصب العمود بشيء من الحصيات فرميه صحيح. والله أعلم.


* * *
س 518: يقال إنه لا يجوز الرمي بالحصاة التي قد رمي بها فهل هذا صحيح؟ وما الدليل عليه؟ وجزاكم الله عن المسلمين خيراً؟
الجواب: هذا ليس بصحيح، لأن الذين استدلوا بأنه لا يرمى بحصاة قد رمي بها عللوا ذلك بعلل ثلاث:
1- قالوا: أنها- أي الحصاة- التي رمي بها كالماء المستعمل في طهارة واجبة، والماء المستعمل في الطهارة الواجبة يكون طاهراً غير مطهر.
2- أنها كالعبد إذا أعتق، فإنه لا يعتق بعد ذلك في كفارة، أو غيرها.
3- أنه يلزم من القول بالجواز أن يرمي جميع الحجيج بحجر واحد، فترمي أنت هذا الحجر، ثم تأخذه وترمي، ثم تأخذه وترمي حتى تكمل السبع، ثم يجيء الثاني فيأخذه فيرمي حتى يكمل السبع فهذه ثلاث علل وكلها عند التأمل عليلة جداً.
أما التعليل الأول : فإننا نقول بمنع الحكم في الأصل، وهو أن الماء المستعمل في طهارة واجبة يكون طاهراً غير مطهر؛ لأنه لا دليل على ذلك ، ولا يمكن نقل الماء عن وصفه الأصلي وهو الطهورية إلا بدليل، وعلى هذا فالماء المستعمل في طهارة واجبة طهور مطهر، فإذا انتفى حكم الأصل المقيس عليه أنتفي حكم الفرع.
وأما التعليل الثاني وهو قياس الحصاة المرمي بها على العبد المعتق، فهو قياس مع الفارق، فإن العبد إذا أعتق حراً لا عبداً فلم يكن محلاً للعتق، بخلاف الحجر إذا رمي به فإنه يبقي حجراً بعد الرمي به، فلم ينتف المعنى الذي كان من أجله صالحاً للرمي به، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أعتق استرق مرة أخرى بسبب شرعي جاز أن يعتق مرة ثانية.
وأما التعليل الثالث: وهو أن يلزم من ذلك أن يقتصر الحجاج على حصاة واحدة فنقول إن أمكن ذلك فليكن، ولكن هذا غير ممكن، ولن يعدل إليه أحد مع توفر الحصا.
وبناء على ذلك فإنه إذا سقطت من يدك حصاة أو أكثر حول الجمرات فخذ بدلها مما عندك، وارم به سواء غلب على ظنك أنه قد رمي بها أم لا.


* * *
س 519: هل يجوز للحاج أن يقدم سعي الحج على طواف الإفاضة؟
الجواب: إن كان الحاج مفرداً أو قارناً فإنه يجوز أن يقدم السعي على طواف الإفاضة، فيأتي به بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي.
أما إذا كان متمتعاً فإن عليه سعيين ، الأول عند قدومه إلى مكة وهو للعمرة فيطوف، ويسعى ، ويقصر، والثاني في الحج والأفضل أن يكون بعد طواف الإفاضة؛ لأن السعي تابع للطواف فإن قدمه على الطواف فلا حرج على القول الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: سعيت قبل أن أطوف قال: ((لا حرج))478. فالحاج يفعل يوم العيد خمسة أنساك مرتبة: رمي جمرة العقبة، ثم النحر ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت، ثم السعي بين الصفا والمروة، إلا أن يكون قارناً أو مفرداً سعى بعد طواف القدوم فلا سعي عليه مرة أخرى، والأفضل أن يرتبها على ما ذكرنا، وإن قدم بعضها على بعض لا سيما مع الحاجة فلا حرج وهذا من رحمة الله وتيسيره فلله الحمد رب العالمين.


* * *
س 520: متى ينتهي رمي جمرة العقبة أداء ؟ ومتى ينتهي قضاءً؟
الجواب: أما رمي جمرة العقبة يوم العيد فإنه ينتهي بطلوع الفطر من اليوم الحادي عشر، ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس، وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها يبتدئ الرمي من الزوال، وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم، إذا كان في آخر أيام التشريق فإن الليل لا رمي فيه وهو ليلة الرابع عشر، لأن أيام التشريق انتهت بغروب شمسها، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم، وعدم مبالاة بعضهم ببعض إذا خاف على نفسه من الهلاك ، أو الضرر، أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط في هذه المسألة ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه, وأما قوله : ((قضاء)) فإنها تكون قضاء إذا طلع الفجر من اليوم التالي.


* * *
س 521: هل جواز تقديم السعي قبل الطواف خاص بيوم العيد؟
الجواب: الصواب أنه لا فرق بين يوم العيد وغيره في أنه يجوز تقديم السعي على الطواف حتى لو كان بعد يوم العيد لعموم الحديث حيث قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : سعيت قبل أن أطوف، قال (( لا حرج))479 وإذا كان الحديث عاماًّ فإنه لا فرق بين أن يأتي ذلك في يوم العيد أو فيما بعده.


* * *
س 522: إذا طاف من عليه سعي ثم خرج ولم يسع وأخبر بعد ذلك بأن عليه سعياً فهل يسعى فقط أم يلزمه أن يعيد الطواف؟
الجواب: إذا طاف الإنسان معتقداً أن لا سعي عليه ، ثم بعد ذلك أُخبر بأن عليه سعياً فإنه يأتي بالسعي فقط، ولا حاجة إلى إعادة الطواف، وذلك لأنه لا يشترط الموالاة بين الطواف والسعي.
حتى لو فرض أن الرجل ترك ذلك عمداً- أي أخر السعي عن الطواف عمداً – فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف.


* * *
س 523: ما رأي فضيلتكم فيمن يقصر للعمرة من بعض الرأس فقط؟
الجواب: الذي أرى في هذا أنه لم يتم تقصيره، وأن الواجب عليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ويقصر تقصيراً صحيحاً ثم بعد ذلك يتحلل.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أنه يجب على كل مؤمن أراد أن يتعبد لله بعبادة يجب عليه أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله فيها، ليعبد الله على بصيرة، لا على جهل، قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ولو أن إنساناً أراد أن يسافر من مكة إلى المدينة وليس هناك خطوط مزفلتة، فإنه لا يخرج حتى يسأل عن الطريق، فإذا كان هذا في الطرق الحسية فلماذا لا يكون في الطرق المعنوية التي هي الطرق الموصلة إلى الله؟!
والتقصير هو الأخذ من الشعر جميعه ، وأفضل ما يكون في التقصير أن يستعمل المكينة لأنها تعم الرأس كله، وإن كان يجوز أن يقصر بالمقص، لكن بشرط أن يمر على جميع الرأس، كما أنه في الوضوء يمر على جميع الرأس فكذلك في التقصير ، والله أعلم.


* * *
س 524: ما وقت رمي الجمار؟
الجواب: وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما- ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام أو كان بعيداً عن الجمرات وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر.
وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس أي من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر ويستمر إلى الليل، وإذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: (( خذوا عني مناسككم))480 وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي- إلى هذا الوقت – مع أنه في شدة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، ودليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت ، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين أن تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال، وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل لأجل أن يصلي الصلاة- صلاة الظهر- في أول وقتها؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال.


* * *
س 525: رجل أصابه المرض يوم عرفه ولم يبت في منى ولم يرم الجمار ولم يطف طواف الإفاضة فماذا يلزمه؟
الجواب: إذا كان هذا الرجل الذي مرض في يوم عرفة مرض مرضاً لا يتمكن معه من إتمام النسك، وقد اشترط في ابتداء إحرامه " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" فإنه يحل ولا شيء عليه، ولكن إن كان هذا الحج فريضة فإنه يؤديه في سنة أخرى، وإن كان لم يشترط فإنه على القول الراجح إذا لم يتمكن من إكمال حجه له أن يتحلل ولكن يجب عليه هدي لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) فقوله: (أُحْصِرْتُمْ) الصحيح أنه يشمل حصر العدو، وحصر غيره، ومعنى الإحصار : أن يمنع الإنسان مانع من إتمام نسكه.
وعلى هذا فيتحلل ويذبح هدياً ، ولا شيء عليه سوى ذلك، إلا إذا كان لم يؤد فريضة الحج فإنه يحج من العام القادم. أما إذا كان هذا المريض واحل المسير في حجه ووقف بمزدلفة ولكنه في منى لم يبيت، ولم يرم الجمرات فإنه في هذه الحال يكون حجه صحيحاً ومجزئ، ولكن عليه دم لكل واجب تركه فيلزمه على هذا دماً أحدهما: للمبيت بمنى، والثاني : لرمي الجمرات.
وأما طواف الإفاضة فيبقي ويطوف إذا عافاه الله؛ لأن طواف الإفاضة حده على القول الراجح إلى منتهى شهر ذي الحجة فإن كان لعذر فحتى ينتهي العذر.


* * *
س 526: من بات خارج مزدلفة جهلاً بالحدود فماذا عليه؟
الجواب: عليه عند أهل العلم فدية شاة يذبحها ويوزعها على فقراء مكة؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج.
وبهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني الحجاج إلى أن ينتبهوا للحدود حدود المشاعر في عرفة وفي مزدلفة ، فإن كثيراً من الناس في عرفة ينزلون خارج حدود عرفه، ويبقون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم ينصرفون ولا يدخلون إلى عرفة، وهؤلاء إذا انصرفوا بدون دخول عرفة فإنهم ينصرفون بدون حج. ولهذا يجب على الإنسان أن يتحرى حدود عرفة ويتعرف إليها وهي أميال قائمة ولله الحمد.


* * *
س 527: من حج مفرداً وسعى بعد طواف القدوم فهل عليه سعي بعد طواف الإفاضة؟
الجواب: ليس عليه سعي بعد طواف الإفاضة، فالمفرد إذا طاف للقدوم وسعى بعد طواف القدوم ، فإن هذا السعي هو سعي الحج فلا يعيده مرة أخرى بعد طواف الإفاضة.


* * *
س 528: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟
الجواب: إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج وسعي الحج عن العمرة والحج جميعاً، ويكون طواف القدوم طواف سنة، وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .وإن شاء أخره إلى يوم العيد بعد طواف الإفاضة، ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط. ولا يسعى لأنه سعى من قبل ، والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان للعمرة والحج جميعاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة-رضي الله عنها- وكانت قارنة: (( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعكِ لحجكِ وعمرتك))481 . فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً.


* * *
س 529: ما حكم من بات في منى إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً ثم دخل مكة ولم يعد حتى طلوع الفجر؟
الجواب: إذا كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً هي منتصف الليل في منى فإنه لا بأس أن يخرج منها بعدها، وإن كان الأفضل أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، وإن كانت الثانية عشرة قبل منتصف الليل فإنه لا يخرج؛ لأن المبيت في منى يشترط أن يكون معظم الليل على ما ذكره فقهاؤنا- رحمهم الله تعالى -.


* * *
س 530: إذا خرج الحاج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر بنية التعجل ولديه عمل في منى سيعود له بعد الغروب فهل يعتبر متعجلاً؟
الجواب: نعم يعتبر متعجلاً ، لأنه أنهى الحج، ونية رجوعه إلى منى لعمله فيها لا يمنع التعجل؛ لأنه إنما نوى الرجوع للعمل المنوط به لا النسك.


* * *
س 531: حاج من خارج المملكة موعد سفره الساعة الرابعة عصراً من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ولم يخرج من منى بعد الرمي من اليوم الثاني عشر وأدركه المبيت ليلة الثالث عشر، فهل يجوز له أن يرمي صباحاً ثم ينفر علماً أنه لو تأخر بعد الزوال فات السفر وترتبت عليه مشقة كبيرة؟ وإذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال؟ أفيدونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً.
الجواب: لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحال للضرورة، ونقول له: يلزمك فدية تذبحها في منى أو مكة، أو توكل من يذبحها عنك، وتوزع على الفقراء، وتطوف طواف الوداع وتمشي.
ونقول : أما قولك (( إذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال))؟
الجواب: هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال، لكنه ليس بصحيح، الصواب أن الرمي قبل الزوال في الأيام التي بعد العيد لا يجوز ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم))482 ولم يرم صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام إلا بعد الزوال.
فإن قال قائل : رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب.
قلنا : هذا صحيح إنه مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، أما كونه مجرد فعل فلأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، ولم يأمر بأن يكون الرمي بعد الزوال، ولا نهى عن الرمي قبل الزوال، وأما كون الفعل لا يدل على الوجوب فلأن الوجوب لا يكون إلا بأمر بالفعل ، أو نهي عن الترك، ولكن نقول هذا الفعل دلت القرينة على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب، إذ لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله؛ لأنه أيسر على العباد وأسهل والنبي عليه الصلاة والسلام ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فكونه لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدل على أنه إثم.
والوجه الثاني مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب كون الرسول عليه الصلاة والسلام يرمي فور زوال الشمس قبل أن يصلي الظهر فكأنه يترقب الزوال بفارغ الصبر ليبادر بالرمي، ولهذا أخر صلاة الظهر ، مع أن الأفضل تقديمها أول الوقت، كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال.


* * *
س 532: من ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظنّاً منه أن هذا هو التعجل وغادر ولم يطف للوداع فما حكم حجه؟
الجواب: حجه صحيح؛ لأنه لم يترك فيه ركناً من أركان الحج ، ولكنه ترك فيه ثلاث واجبات إن كان لم يبت ليلة الثاني عشر بمنى.
الواجب الأول : المبيت بمنى ليلة الثاني عشر.
الواجب الثاني : رمي الجمار في اليوم الثاني عشر.
والواجب الثالث: طواف الوداع.
ويجب عليه لكل واحد منها دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء ، لأن الواجب في الحج عند أهل العلم إذا تركه الإنسان وجب عليه دم يذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ الذي أرتكبه السائل فإن كثيراً من الحجاج يفهمون مثل ما فهم، يفهمون أن معنى قوله تعالى : ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْن) أي خرج في اليوم الحادي عشر فيعتبرون اليومين يوم العيد، واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم لأن الله تعالى قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأيام التشريق أولها الحادي عشر، وعلى هذا يكون قوله: ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْن) أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر فينبغي للإنسان أن يصحح مفهومه حول هذه المسألة حتى لا يخطئ.


* * *
س 533: من لم يجد مكاناً في منى فيأتي إليها في الليل ويبقى بها إلى ما بعد نصف الليل ثم يذهب إلى الحرم بقية يومه فما الحكم؟
الجواب: الحكم في هذا العمل مجزئ ولكن الذي ينبغي خلاف ذلك؛ لأن الذي ينبغي أن يبقى الحاج بمنى ليلاً ونهاراً في أيام التشريق، فإن لم يجد مكاناً فيبقى حيث انتهى الناس أي عند آخر خيمة، ولو خارج منى إذا لم يجد مكاناً إذا بحث أتم البحث ولم يجد مكاناً في منى، وقد ذهب بعض أهل العلم في زمننا هذا إلى أنه إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فإنه يسقط عنه المبيت ويجوز له أن يبيت في أي مكان في مكة أو في غيرها، وقاس ذلك على ما إذا فقد عضواً من أعضاء الوضوء، فإنه يسقط غسله، ولكن في هذا نظر؛ لأن العضو يتعلق حكم الطهارة به ولم يوجد، أما هذا فإن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج، ونظير ذلك إذا امتلأ المسجد وصار الناس يصلون حول المسجد فلا بد أن تتواصل الصفوف حتى يكون جماعة واحدة، والمبيت نظير هذا وليس نظير العضو المقطوع.


* * *
س 534: رجل طاف طواف الوداع في الصباح ثم نام وأراد أن يسافر بعد العصر فهل يلزمه شيء؟
الجواب:عليه أن يعيد طواف الوداع في العمرة والحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت))483 قال ذلك في حجة الوداع فابتداء وجوب طواف الوداع من ذلك الوقت فلا يرد علينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك ولم ينقل عنه أنه ودع؛ لأن طواف الوداع إنما وجب في حجة الوداع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك))484.
وهذا عام يستثنى منه الوقوف ، والمبيت، والرمي، لأن هذا خاص بالحج بالاتفاق، ويبقى ما عداه على العموم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العمرة حجاً أصغر485 ، كما في حديث عمرو بن حزم الطويل المشهور الذي تلقاه العلماء بالقبول، وهو حديث مرسل ، لكنه صحيح لتلقي العلماء له بالقبول.
ولأن الله تعالى قال : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) وإذا كان طواف الوداع من إتمام الحج فهو أيضاً من إتمام العمرة.
ولأن هذا الرجل المعتمر دخل المسجد الحرام بتحية فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية.
وعلى هذا فإن طواف الوداع يكون واجباً في العمرة كالحج، وهناك حديث أخرجه الترمذي : (( إذا حج الرجل أو أعتمر فلا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت))486. وهذا الحديث فيه ضعف؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطأة ولولا ضعف هذا الحديث لكان نصّاً في المسألة وقاطعاً للنزاع، ولكن لضعفه لم يقو على الاحتجاج به، إلا أن الأصول التي ذكرناها قبل قليل تدل على وجوب طواف الوداع للعمرة.
ولأنه إذا طاف للعمرة فهو أحوط وأبرأ للذمة؛ لأنك إذا طفت للوداع في العمرة لم يقل أحد إنك أخطأت، لكن إذا لم تطف قال لك من يوجب ذلك: أنك أخطأت، وحينئذ يكون الطائف مصيباً بكل حال، ومن لم يطف فإنه على خطر ومخطئ على قول بعض أهل العلم.


* * *
س 535: ما حكم طواف الوداع للمعتمر؟
الجواب: طواف الوداع للمعتمر إذا كان من نيته حين قدم مكة أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، ويرجع فلا طواف عليه، لأن طواف القدوم صار في حقه بمنزلة طواف الوداع، أما إذا بقي في مكة فالراجح أنه يجب عليه أن يطوف للوداع وذلك للأدلة التالية:
أولاً : عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت))487 و (أحد) نكرة في سياق النهي فتعم كل من خرج.
ثانياً: أن العمرة كالحج بل سماها النبي صلى الله عليه وسلم حجّاً كما في حديث عمرو بن حزم المشهور488، الذي تلقته الأمة بالقبول قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( والعمرة هي الحج الأصغر)).
ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة))489.
رابعاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليعلى بن أمية: (( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)) فإذا كنت تصنع طواف الوداع في حجك فاصنعه في عمرتك، ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع العلماء على خروجه مثل الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، فإن هذا بالإجماع ليس مشروعاً في العمرة.
ولأن الإنسان إذا طاف صار أبرأ لذمته وأحوط. والله الموفق.


* * *
س 536: رجل أحرم بالحج من الميقات ولما وصل إلى مكة منعه مركز التفتيش لأنه لم يحمل بطاقة الحج فما الحكم؟
الجواب: الحكم في هذه الحال أنه يكون محصراً حين تعذر عليه الدخول إلى مكة، فيذبح هدياً في مكان الإحصار ويحل، ثم إن كانت هذه الحجة هي الفريضة أداها فيما بعد بالخطاب الأول لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين أحصروا في غزوة الحديبية أن يقضوا تلك العمرة التي أحصروا عنها، فليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجوب القضاء على من أحصر، قال الله تعالى: ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (البقرة: 196) ولم يذكر شيئاً سوى ذلك ، وعمرة القضاء سميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً أي عاهدهم عليها، وليس من القضاء الذي هو استدراك ما فات ، والله أعلم.


* * *
س 537:من قصد الحج ثم منع منه فماذا يلزمه؟
الجواب: إذا لم يتلبس بالإحرام فلا يلزمه شيء في هذه الحال؛ لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله وإن شاء رجع إلى أهله، إلا إذا كان الحج فرضاً فإنه يجب عليه أن يبادر به، ولكن إذا حصل مانع فإنه لا شيء عليه.
أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام فإن كان قد اشترط عند إحرامه (( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني)) فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط فإن كان يرجو زوال المانع عن قرب، انتظر حتى يزول المانع ثم أتم الحج، فإن كان قبل الوقوف بعرفة وقف بعرفة وأتم حجه ، وإن كان بعد الوقوف بعرفة ولم يقف بها فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة، ويقضي الحج من العام القادم إن كان حجه فريضة، وإن كان لا يرجو زوال المانع عن قرب تحلل من إحرامه، وذبح هدياً لعموم قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ).


* * *
س 538: هل ما يفعله الحاج من المعاصي تنقص من أجر الحج؟
الجواب: المعصية مطلقاً تنقص من ثواب الحج، لقول الله تعالى : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج). بل إن بعض أهل العلم قال: إن المعصية في الحج تفسد الحج ؛ لأنه منهي عنها في الحج، ولكن جمهور أهل العلم على قاعدتهم المعروفة أن التحريم إذا لم يكن خاصّاً بالعبادة فإنه لا يبطلها، والمعاصي ليست خاصة بالإحرام، إذ المعاصي حرام في الإحرام وغير الإحرام، وهذا هو الصواب، وأن هذه المعاصي لا تبطل الحج ولكنها تنقص الحج.


* * *
س 539: من حج بجواز سفر مزور فما حكم حجه؟
الجواب:حجه صحيح؛ لأن تزوير الجواز لا يؤثر في صحة الحج، ولكن عليه الإثم ، وعليه أن يتوب إلى الله- عز وجل- وأن يعدل اسمه إلى الاسم الصحيح حتى لا يحصل تلاعب لدى المسؤولين، ولئلا تسقط الحقوق التي وجبت عليه بالاسم الأول لاختلاف اسمه الثاني عن الاسم الأول، فيكون بذلك آكلاً للمال بالباطل مع الكذب في تغيير الاسم.
وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني بأن الأمر ليس بالهين بالنسبة لأولئك الذين يزورون الأسماء ، ويستعيرون أسماءً لغيرهم من أجل أن يستفيدوا من إعانة الحكومة، أو من أمور أخرى، فإن ذلك تلاعب في المعاملات، وكذب وغش، وخداع للمسؤولين والحكام، وليعلموا أن من اتقى الله – عز وجل- جعل له مخرجاً،ورزقه من حيث لا يحتسب، وأن من أتقى الله جعل الله له من أمره يسراً، وأن من اتقى الله وقال قولاً سديداً أصلح الله له عمله وغفر له ذنبه.


تم بحمد الله تعالى وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

————————–

(447) أخرجه مسلم : كتاب الوصية/ باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1632).
(448) أخرجه البخاري: كتاب جزاء الصيد/ باب حج النساء (1862). ومسلم : كتاب الحج/ باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج وغيره (1341).
(449) تقدم تخريجه .
(550) أخرجه مسلم: كتاب الحج/ باب جواز العمرة في أشهر الحج (1241).
(451) أخرجه الدار قطني في سننه (2/285) برقم (122).
(452) أخرجه البخاري : كتاب الحج/ باب على أهل مكة الحج والعمرة (1524). ومسلم: كتاب الحج / باب مواقيت الحج والعمرة (1181).
(453) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب ذات عرق لأهل العراق (1531).
(454) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب ميقات أهل المدينة (1525).
(455) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب مهل أهل مكة للحج والعمرة (1524).
(456) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب مهل من كان دون المواقيت (1529).
(457) أخرجه البخاري: كتاب الحج / باب التلبية(1549). ومسلم : كتاب الحج/ باب التلبية وصفتها (1184).
(458) أخرجه الإمام أحمد.
(459) أخرجه أبو داود : كتاب المناسك/ باب متى يقطع المعتمر التلبية (1817). والترمذي كتب الحج/ باب ما جاء متى تقطع التلبية في العمرة (1919).
(460) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب الركوب والترادف في الحج (1543).
(461) أخرجه مسلم: كتاب الحج/ باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً (1298).
(462) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب الطيب عند الإحرام (1539) . ومسلم : كتاب الحج/ باب الطيب للمحرم عند الإحرام (1189).
(463) أخرجه البخاري: كتاب طواف الوداع (1756). ومسلم : كتاب الحج/ باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1338).
(464) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت 1757). ومسلم : كتاب الحج/ باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1211).
(465) أخرجه مسلم : كتاب الحج/ باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).
(466) أخرجه البخاري: كتاب جزاء الصيد/ باب ما ينهى عن الطيب للمحرم والمحرمة (1838).
(467) أخرجه البخاري: كتاب الحيض/ باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف (305).
(468) تقدم تخريجه .
(469) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا رمى بعدما أمسى (1734). ومسلم ، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر.
(470) أخرجه البخاري:كتاب العلم/ باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها (83) ومسلم : كتاب الحج/باب من حلق قبل النحر … (1306)
(471) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل. والترمذي، أبواب الحج باب ما جاء كيف ترمى الجمار. الإمام أحمد في المسند 6/64.
(472) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة/ باب الصلاة في النعال (650).
(473) تقدم تخريجه .
(474) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة. ومسلم ، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(475) أخرجه البخاري: كتاب الأذان / باب وجوب القراءة للإمام والمأموم.(757) ومسلم : كتاب الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397).
(476) تقدم تخرجه .
(477) تقدم تخريجه .
(478) تقدم تخريجه .
(479) تقدم تخريجه .
(480) تقدم تخريجه .
(481) أخرجه أبو داود: كتاب المناسك/ باب طواف القارن (1897).
(482) تقدم تخريجه .
(483) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (963).
(484) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب غسل الخلوق ثلاث مرات (1536) . ومسلم: كتاب الحج/ باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة (1180).
(485) تقدم تخريجه .
(486) أخرجه أبو داود: كتاب المناسك/ باب في الوداع (2002) . والترمذي: كتاب الحج/ باب ما جاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (946).
(487) تقدم تخريجه .
(488) تقدم تخريجه .
(489) تقدم تخريجه .

المصدر




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج

فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج للشيخ الفوزان حفظه الله


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه محاضرة للشيخ صالح الفوزان حفظه الله وهي في قول الله تعالى :
( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) حيث قال حفظه الله وغفر له :

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنًا، يتجهون إلى شطره أينما كانوا في صلواتهم، ويستقبلونه في عباداتهم، وتهوي إليه أفئدتهم، ويلتقون حوله من جميع الأقطار ، لتـتّحد كلمتهم ،وتعتّز أمتهم وتقوم دولتهم، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد ، بعثه الله من أرض الحرم إلى الأمم كافة ، وأمره بتطهير هذا البيت من كل نجس ورجس، فدخله عام الفتح وفوقه ثلاثمائة وستون صنمًا فجعل يطعنها بالقضيب ويقول‏:‏ ‏( ‏جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا ‏)‏ ، ثم أمر بها صلى الله عليه وسلم فأخرجت من المسجد وأحرقت وطُهِّر منها بيت الله ‏.‏
أيها الإخوة المؤمنون‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد‏:‏ سنشرح في هذا الموضع – إن شاء الله – موضوع قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏

فالحج لغة‏ :‏ القصد إلى الشيء،
وشرعًا‏:‏ قصد المسجد الحرام لأداء الحج أو العمرة ، وكان الحج من ملة إبراهيم الخليل عليه السلام حيث أمر الله ببناء البيت والأذان في الناس بالحج إليه، فالحج عبادة عظيمة وفيه منافع كثيرة، منها‏:‏ غفران الذنوب، كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏2/ 209‏)‏، ومسلم الحديث برقم ‏(‏1350‏)‏‏]‏‏.‏
ومنها‏:‏ شهود المنافع العظيمة التي قال الله عنها‏:‏ ‏{‏لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 28‏]‏ منافع دينية ومنافع دنيوية لا تدخل تحت حصر؛ ولهذا أجملها الله سبحانه ولم يحددها‏.‏
ومنها‏:‏ ذكر الله في الأيام المعلومات والأيام المعدودات بالتكبير والتلبية، والوقوف بعرفة والمزدلفة وذبح القرابين ورمي الجمار والطواف والسعي والمبيت بمنى والأكل والشرب من ضيافة الله في أيام التشريق‏.‏
ومن منافع الحج العظيمة‏:‏ تعارف المسلمين حين يلتقون في تلك البقاع الطاهرة، والمشاعر المقدسة في المسجد الحرام، وفي صعيد عرفات ومزدلفة ومنى، ويلتقون في زمن واحد وفي مكان واحد لأداء عبادة واحدة لرب واحد‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 92‏]‏‏.‏
استمر الحج بعد إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام ولكن مع تطاول الزمن دخله بعض التغيير في عهد الجاهلية فكانوا يضمنون تلبيتهم الشرك بالله عز وجل حيث يقولون‏:‏ لبيك لا شريك لك إلا شركًا هو لك تملكه وما ملك، فجعلوا له شريكًا من عبيده، فرد الله عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 28‏]‏‏.‏
وكانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون أن ذلك طاعة أمر الله بها، فرد الله عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 28‏]‏‏.‏
وأمر سبحانه باللباس وستر العورة في الصلاة والطواف وغيرهما‏:‏ ‏

( ‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏ )‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 31‏]‏
وكان سكان الحرم لا يقفون مع الناس في عرفة، وإنما يقفون في المزدلفة؛ لأنهم بزعمهم من أهل الحرم ولا يجوز لهم الخروج منه فرد الله عليهم ذلك وأمر بالوقوف بعرفة لجميع الحجاج، فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 199‏]‏ فأعاد الله سبحانه الحج كما كان على ملة إبراهيم على يد محمد خاتم النبيين على التوحيد الخالص وباللباس الساتر والوقوف بالمشاعر، وأعلن للناس قبل أن يحج بقوله‏:‏ ‏(‏لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏4/69‏)‏، ومسلم، الحديث برقم ‏(‏1347‏)‏‏]‏‏.‏ عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 28‏]‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 26‏]‏‏.‏
وهكذا يجب أن يكون البيت والحرم دائمًا وأبدًا طاهرًا مطهرًا من الشرك والبدع مباءة للتوحيد ومصدرًا للعقيدة الصحيحة السليمة إلى سائر بقاع الأرض‏.‏ لقد أوجب الله الحج على الناس كافة وحكم بالكفر على من امتنع منه مع قدرته عليه فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 97‏]‏‏.‏
لقد جعله الله أحد أركان الإسلام وأحد مبانيه العظام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإسلام‏:‏ أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏6/20‏)‏، ومسلم الحديث برقم ‏(‏8‏)‏ واللفظ له‏]‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان‏)‏ ‏[‏رواه البخاري 01/8‏)‏، ومسلم، الحديث برقم ‏(‏16‏)‏‏]‏‏.‏
وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذه الفرضية تتمثل بأداء الحج مرة واحدة في العمر وما زاد عنها فهو تطوع، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالحج، فقال بعض أصحابه‏:‏ أكل عام يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود، الحديث برقم ‏(‏1721‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏ فالحج من العبادات العظيمة التي تُؤَدّى جماعة في مواقيت مخصوصة، فالصلوات الخمس يتكرر الاجتماع لأدائها في اليوم والليلة خمس مرات في المساجد، والجمعة يتكرر الاجتماع لأدائها كل أسبوع في الجوامع، والحج يتكرر الاجتماع لأدائه كل عام في المسجد الحرام والمشاعر، وهكذا كل اجتماع أكبرمن الآخر، وكلما كان الاجتماع أكثر كان تكرره أقل دفعًا للمشقة والحرج‏.‏
والحج وإن كان يؤدى في أيام معدودات، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 203‏]‏ إلا أن الله سبحانه وسع وقت الإحرام به حيث يقول سبحانه‏:‏

{ ‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ‏ }‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏
والمراد بهذه الأشهر‏:‏ شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فإذا أحرم بالحج في هذه الأشهر صحّ إحرامه من غير خلاف، وإذا أحرم به في غيرها فمحل خلاف، ليس من غرضنا الآن الدخول في تفاصيله، إلا أننا نقول‏:‏ إن المسلم إذا أحرم بالحج فله حالة تختلف عما قبل الإحرام، وإن كانت كل أحوال المسلم ينبغي أن تكون على الاستقامة والتقى والسداد، إلا أنه بإحرامه ينتقل إلى حالة أفضل، فإن المحرم يمنع من مزاولة أشياء كانت مباحة له في غير حالة الإحرام من أمور الرفاهية والتوسع، فيتعين على المحرم تجنب المحرمات العامة والمحرمات الخاصة بالإحرام‏.‏
ولهذا قال سبحانه‏:‏ ‏{‏فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏
ومعنى ‏[‏فرض‏]‏‏.‏‏:‏ أحرم، عبر عنه بالفرض لينبه على أن المحرم يجب عليه أداء النسك الذي أحرم به ولا يجوز له رفضه، وإن كان هذا النسك قبل الإحرام به ليس بواجب، ثم نهى سبحانه عن تعاطي الأمور التي تتنافى مع الإحرام من الأقوال والأفعال، فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏
وجاء هذا النهي بصيفة النفي ليكون آكد وأبلغ في الابتعاد عن هذه الأمور‏.‏ والرفث معناه‏:‏ الجماع ودواعيه من النظر والمباشرة والتحدث، بل قد نهي فيه الخطبة وعقد النكاح‏.‏
قال الإمام ابن كثير‏:‏ أي من أحرم بالحج أو العمرة فيتجنب الرفث وهو الجماع، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 187‏]‏‏.‏
وكذا يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك وكذلك التكلم به بحضرة النساء‏.‏ ‏‏
والفسوق‏:‏ جميع المعاصي، فلا يجوز للمسلم فعلها في جميع الأحول، ولكن نهي عنها المحرم خصوصًا لأنها تؤثر على الإحرام وإثمها فيه أشد، ولأن المفترض في المحرم أن يشتغل بالطاعات لا بضدها، ولأن الإحرام مظنة التوبة من المعاصي، فإذا فعلها المحرم دل على إصراره عليها وهذا مما يتنافى مع الفرض من الإحرام، وقد فسر الفسوق بأنه فعل شيء من محظورات الإحرام، وفسر بأنه إتيان المعاصي في الحرم، وفسر بأنه السباب، وفسر بأنه الذبح للأصنام، ولا تنافي بين هذه التفاسير، فإن لفظ الفسوق يشملها كلها، فهي من أفراد الفسوق‏.‏
وقال الإمام الشوكاني‏:‏ ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من أفراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به‏.‏ انتهى‏.‏
أقول‏:‏ ومن أعظم الفسوق محاولة جعل موسم الحج وساحات المشاعر المقدسة مجالا للمهاترات والمظاهرات والهتافات والشعارات القومية وإحياء العنصريات الجاهلية والدعاية للأشخاص والمذاهب ورفع الصور لزعماء والرؤساء، كما كان أهل الجاهلية يجعلون موسم الحج مجالاً للمفاخرة بآبائهم وأمجادهم وغاراتهم وثاراتهم‏.‏
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 200‏]‏‏.‏
قال الإمام الشوكاني‏:‏ لأن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم يقفون عند الحجرة فيذكرون مفاخر آبائهم ومناقب أسلافهم، فأمرهم الله بذكره مكان ذلك الذكر‏.‏ انتهى‏.‏
وأما الجدال‏:‏ فهو المخاصمة والمماراة والمنازعة، وهو يشمل الجدال بمعنى‏:‏ المخاصمة التي توغر الصدور وتشغل عن ذكر الله‏.‏
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي‏:‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏ أي‏:‏ يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصًا الواقع في أشهره وتصونون عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث – وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصًا عند النساء بحضرتهن – والفسوق وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام ‏.‏
والجدال‏:‏ وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة، والمقصود من الحج‏:‏ الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من القربات والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبرورًا والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل زمان ومكان فإنه يتغلظ المنع عنها في الحج‏.‏ انتهى‏.‏
ويستثنى من الجدال ما كان لبيان حق أو رد على باطل فإنه واجب في الحج وغيره، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏]‏ ثم لما نهى الله عن هذه الأشياء أمر بالاشتغال بالطاعة، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏ فحثهم على حسن الكلام مكان الفحش وعلى البر والتقوى في الأخلاق مكان الفسوق والجدال؛ لأنه لا يتم فعل الأوامر إلا ترك المنهيات‏.‏
ولما كان الحج يحتاج إلى سفر وتنقلات وذلك يحتاج إلى نفقة ومئونة أمر سبحانه بالاستعداد لذلك بأخذ الزاد والنفقة التي تمون تلك الاحتياجات حتى لا يحتاج الإنسان إلى ما بيد غيره، فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وتزودوا‏}‏ وقد كان ناس يحجون بلا زاد ويقولون‏:‏ نحن المتوكلون، فيصبحون عالة على الناس، ولما أمر سبحانه باتخاذ الزاد الحسي لسفر الدنيا أمر باتخاذ الزاد المعنوي لسفر الآخرة فقال‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏
ومن ترك هذا الزاد انقطع عن الوصول إلى الجنة، وختم سبحانه الآية بقوله‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏ ،وهذا نداء عام لأصحاب العقول أن يتقوا الله في الحج وغيره ‏.‏
وقد أمر الله بأداء الحج والعمرة خالصين له فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏ مما يدل على أن كل حج وعمرة لا يتوفر فيهما التوحيد فليسا مقبولين عند الله‏.‏ وقد جعل الله مناسك الحج مظاهر لتوحيده‏.‏
فمن مظاهر التوحيد في الحج رفع الصوت بعد الإحرام بالتلبية لله ونفي الشريك عنه وإعلان انفراده بالحمد والنعمة والملك‏:‏ ‏(‏لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك‏]‏‏.‏ يرددها الحجاج بين كل فترة وأخرى حتى يشرعوا في أداء المناسك‏.‏
ومن مظاهر توحيد العبادة في الحج أن أعظم الذكر الذي يقال في يوم عرفة‏:‏ ‏(‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏)‏، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏)‏ ‏[‏تقدم تخريجه‏]‏‏.‏ فهذا إعلان في هذا المجمع العظيم وفي هذا اليوم المبارك لتوحيد العبادة من خلال النطق بهذه الكلمة وتكرارها لأجل أن يستشعر الحاج مدلولها ويعمل بمقتضاها فيؤدي أعمال حجه خالصة لله عز وجل من جميع شوائب الشرك ‏.‏
ومن مظاهر توحيد العبادة في الحج أن الله أمر بالطواف ببيته، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 29‏]‏ مما يدل على أن الطواف خاص بهذا البيت فلا يجوز الطواف ببيت غيره على وجه الأرض لا بالأضرحة ولا بالأشجار والأحجار، ومن هنا يعلم الحاج أن كل طواف بغير البيت العتيق فهو باطل وليس عبادة له عز وجل، وإنما هو عبادة لمن شرعه وأمر به من شياطين الإنس والجن،
ومن مظاهر توحيد العبادة في الطواف بالبيت العتيق أن الطائف حين يستلم الركن اليماني والحجر الأسود يعتقد أنه يستلمهما؛ لأنهما من شعائر الله، فهو يستلمهما طاعة لله واقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما استلم الحجر وقبله‏:‏ ‏(‏والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك‏)‏ ‏.‏
ومن هنا يعلم المسلم أنه لا يجوز التمسح بشيء من الأبنية والأحجار إلا بالركن اليماني والحجر السود فلا يتمسح بالأضرحة ولا بغيرها؛ لأن ذلك مخالف لشرع الله، ولأنها ليست من شعائر الله‏.‏

ومن مظاهر توحيد العبادة في الحج أن الحاج حينما يفرغ من الطواف ويصلي الركعتين فإنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ وفي الثانية يقرأ سورة الإخلاص؛ لما تشتمل عليه هاتان السورتان من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، ففي السورة الأولى البراءة من دين المشركين وإفراد الله بالعابدة، وفي السورة الثانية إفراد الله بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص، وبذلك يعرف العبد ربه ويخلص له العبادة ويتبرأ من عبادة ما سواه من خلال هذا الدرس العملي العظيم ‏.‏


ومن مظاهر توحيد العبادة في السعي بين الصفا والمروة أن العبد يسعى بينهما؛ امتثالاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 158‏]‏‏.‏
ومن ذلك يتعلم المسلم أنه لا يجوز السعي في أي مكان من الأرض إلا بين الصفا والمروة؛ لأنهما من شعائر الله وأن السعي بينهما إنما هو بأمر الله، فكل سعي في غيرهما فليس عبادة لله، لأنه سعي بغير أمره وبغير شعائره‏.‏


ومن مظاهر توحيد العبادة في الحج ما شرعه الله في يوم العيد وأيام التشريق من ذكره وحده، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 203‏]‏‏.‏
وذكر الله في هذه الأيام يتجلى في الأعمال العظيمة التي تؤدى في أيام منى من رمي الجمار وذبح الهدي وأداء الصلوات الخمس في هذا الشهر المبارك والأيام المباركة، كل هذه الأعمال ذكر لله عز وجل‏.‏
فرمي الجمار ذكر لله؛ ولهذا يقول المسلم عند رمي كل حصاة ‏(‏الله أكبر‏)‏، وذبح الهدي ذكر لله عز وجل، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 28‏]‏‏.‏ ،وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏.‏ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 36، 37‏]‏‏.‏
ومن هنا يتعلم المسلم أن الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، فلا يجوز أن يذبح لقبر ولا لولي ولا لجني أو أي مخلوق؛ لأن الذبح عبادة وصرف العبادة لغير الله شرك‏.‏

ومن مظاهر توحيد العبادة في الحج أن الله أمر بذكره أثناء أداء مناسكه وبعد الفراغ منه، ونهى عن ذكر غيره من الرؤساء والعظماء الأحياء والأموات، وعن المفاخرة بالأحساب والأنساب، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ‏.‏ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏.‏ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ‏.‏ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‏.‏ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ‏.‏ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 198- 203‏]‏‏.‏
إن الحج ليس مجرد رحلة استطلاعية أو متعة ترفيهية، أو مجرد مظاهر وشعارات ولكنه دروس وعبر، وتعليم عملي للعقيدة الصحيحة ونبذ للعقائد الجاهلية، فاحرصوا عباد الله في أداء حجكم وسائر عباداتكم على أن تكون خالصة لوجه الله، وصوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون حجكم مبرورًا، فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة‏.‏


جعلنا الله وإياكم من المقبولين الفائزين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين‏.‏

الشيخ صالح الفوزان حفظه الله




بارك الله فيكم

موضوع قيم ان شاء الله تعم الفائدة للجميع




جــــــــــــــــــــــــ ــزاك لله خير الجزاء




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

التذكير بصيام يوم عاشوراء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التذكير بصيام يوم عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فهذه ذكرى ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ جعلنا الله جميعا مؤمنين.

بصيام يوم عاشوراء

عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ، فقال: (ما هذا ؟) قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى. قال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ). فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". أخرجه البخاري ومسلم.

والأمر هنا ليس على الوجوب، اتفق العلماء أن صوم يوم عاشوراء اليوم ليس بواجب
للأحاديث التي جاءت بالتخيير في صيامه، منها:

عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قال يوم عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ على الْمِنْبَرِ: يا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ولم يَكْتُبْ الله عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وأنا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ). أخرجه البخاري ومسلم.

و عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عليه وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ فلما فُرِضَ رَمَضَانُ لم يَأْمُرْنَا ولم يَنْهَنَا ولم يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ". أخرجه مسلم.

و قد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء كما في الحديث:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( .. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ). وفي رواية: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ ). أخرجه مسلم.

وممّا يؤكد ويزيد في الحث على صيام يوم عاشوراء الحديث:

عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ رضي الله عنها قالت: "أَرْسَلَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الْأَنْصَارِ التي حَوْلَ الْمَدِينَةِ(من كان أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كان أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ)، فَكُنَّا بَعْدَ ذلك نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهم إن شَاءَ الله وَنَذْهَبُ إلى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لهم اللُّعْبَةَ من الْعِهْنِ فإذا بَكَى أَحَدُهُمْ على الطَّعَامِ أعطيناهم إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ". أخرجه البخاري و مسلم.

والسّنة في صياميوم عاشوراء أن يُصام التاسع والعاشر وهو الأفضل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم لما جاء في الحديث:

عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال. قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ). أخرجه مسلم.

ويوضح هذا الحديث ويبين مقصود النبي صلى الله عليه وسلم مه؛ أثر ابن عباس.
عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود" أخرجه الترمذي، والبيهقي. وسنده صحيح موقوفا.

ولهذا نص الإمام أحمد على مثل ما رواه ابن عباس وأفتى به.
فقال في رواية الأثرم أنا أذهب في يوم عاشوراء إلى أن يصام يوم التاسع والعاشر لحديث ابن عباس.
وقال حرب سألت أحمد عن صوم يوم عاشوراء فقال نصوم التاسع والعاشر.
قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم": ومقتضى كلام أحمد أنه يكره الاقتصار على العاشر لأنه سئل عنه فأفتى بصوم يومين وأمر بذلك وجعل هذا هو السنة لمن أراد صوم عاشوراء واتبع في ذلك حديث ابن عباس وابن عباس كان يكره إفراد العاشر على ما هو مشهور عنه.

…………… تنبيه ……………
حديث:

محَمّد بْنُ أَبِى لَيْلَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا). أخرجه أحمد، وابن خزيمة، والبيهقي.
إسناده ضعيف لسوء حفظ بن أبي ليلى، وخالفه عطاء في أثر ابن عباس المتقدم الموقوف. قاله الألباني بتصريف في صحيح ابن خزيمة.
فاللهَ اسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يوفقنا إلى طاعته سبحانه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ,,,,,,,,,

كتبه
أبو فريحان
جمال بن فريحان الحارثي

المصدر




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

معاني التوحيد في التلبية بالحج للشيخ عبد الرزاق البدر

معاني التوحيد في التلبية بالحج

إن أوّل ما يبدأ به المسلم من أعمال حجّه هو الإهلال بالتوحيد ، معلنا من خلال كلمات التلبية العظيمة توحيده لله وحده ونبذه للشرك والتنديد، ثم يمضي راشدا إلى البيت العتيق يردِّدُ تلك الكلمات "لبيك اللهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وهو عالم بما دلّت عليه من الإخلاص والتوحيد ووجوب إفرادِ الله وحده بالعبادةِ والبعدِ عن اتخاذِ الشركاء مع الله ، مستشعرٌ لذلك مستحضرٌ له ، مقرٌّ بأنَّ ربَّه سبحانه المتفردَ بالنِّعمة والعطاء والهبة والنَّعماء لا شريك له هو المتفرِّد بالتوحيد لا ندَّ له ؛ ولذا فإنَّ الملبي بهذه الكلمات حقّاً وصدقاً لا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يتوكّل إلا على الله، ولا يذبح ولا ينذر إلا لله ولا يصرف شيئًا من العبادة إلا لله .
وهذا أصل عظيم وأساس متين يجب أن تبنى عليه كلُّ طاعة يتقرب بها العبدُ إلى الله عزّ وجل ، الحجُّ وغيره ولذا قال الله تعالى في سورة الحج {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [ الحج 27، 31 ].
فحذّر سبحانه في هذا السياق المبارك من الشرك وأمر باجتنابه وبيَّن قبحَه وسوءَ عاقبته ، وأنَّ فاعله كأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الرِّيح في مكان سحيق .
ولذا فإن نعمة الله علينا ـ أمّة الإسلام ـ عظيمة ومنته كبيرة أن هدانا لتوحيده ، ووفقنا لهذا الإهلال العظيم بالإخلاص والتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد ، بعد أن كان أهل الشرك يُهلُّون باتخاذ الأنداد والشركاء مع أنهم مقرّون بأن الخالق لهم هو الله وحده وأنه المالك لكل شيء ، وأنه وحده مولي النعمة ومسديها .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ، ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه وهو يشرك به ، ألا ترى كيف قال إبراهيم: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء 75، 77 ]. قد عرَف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون . قال : فليس أحد يشرك إلا وهو يؤمن به ، ألا ترى كيف كانت العرب تلبي ، تقول لبيك لا شريك له إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، المشركون كانوا يقولون هذا " روه ابن جرير الطبري في تفسيره .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك. قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلكم قد قد" (أي: تفي)، فيقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه ومن ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت " .
فهذه حال أهل الشرك والتنديد في تلبيتهم ، حيث يُدْخِلون مع الله في التلبية الشركاءَ والأندادَ ، ويجعلون ملكها بيده ويقرُّون بأنها لا تملك شيئا ، وهذا ضلال مبين ـ عافى الله أمّة الإسلام منه وهداهم إلى الإهلال بالتوحيد بتلك الكلمات النيِّرات " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " .
وقوله: "إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" متضمّن جملة من البراهين العظيمة على وجوب توحيد الله وإخلاص العبادة له ، والإقبال عليه وحده بالذل والخضوع ، والرغبة والرهبة والركوع والسجود، والخوف والرجاء وسائر أنواع العبادة، وتتلخص هذه البراهين في أمور خمسة:
الأول : أن الحمد كله لله سبحانه ، فهو تبارك وتعالى الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، المستحقّ لكل حمد ومحبة وثناء لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفات الجمال والجلال ، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال ، فهو المحمود على كل حال ، وهو سبحانه حميد من جميع الوجوه ، لأن جميع أسمائه حمد ، وصفاته حمد، وأفعاله حمد وأحكامه حمد ، وفضله وإحسانه إلى عباده حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمد ، ووجِد بحمده ، وظهر بحمده ، وكانت الغاية منه هي حمده، وقد نبَّه الله سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأن حمد نفسه في أول الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع ، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين ، وحمد نفسه على تفرده بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذ الولد والشريك إلى غير ذلك من أنواع ما حمد الله به نفسه في كتابه ، وكلُّ ذلك برهان جليٌّ على أنه وحده المعبود بحقٍّ ولا معبودَ بحقٍّ سواه {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[غافر65].
الثاني : أنّ النعمة كلها لله؛ لهذا عرَّفها باللام المفيدة للاستغراق أي: النّعمُ كلها لك يا الله أنت موليها ومسديها والمنعم بها {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } [ النحل 53] ونعمه سبحانه على عباده لا حصر لها ولا عد ؛ من جزيل المواهب ، وسعة العطايا، وكريم الأيادي ، وسعة رحمته لهم ، وبرّه ولطفه ، وإجابته لدعوات المضطرين ، وكشف كربات المكروبين ، وإغاثة الملهوفين ، وأعظم ذلك هدايته خاصته من عبادة إلى سبيل دار السلام ، ومدافعته عنهم أحسن الدفاع ، إلى غير ذلك من نعمه وعطاياه . أفيليق بأن يُجعل مع من هذا فضله ومنّه شريكٌ { وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ، وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 51، 56].
الثالث : أن الملك كله لله ، لا مالك إلا هو ، وجميع الأشياء هو المالك لها ، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة ، وفي هذا إثبات لكمال قوّته وعزّته وقدرته، وأنّ علمه محيط بكل شيء وأن مشيئته نافذة ، وقدرته شاملة ، وحكمته واسعة، وأنّ له الحكم العام للعالم العلوي والسفلي ، والحكم العام في الدنيا والآخرة، وأنه المتصرِّف في ملكه بما يشاء تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم حكيم خبير تام الملك لا ينازعه في ملكه منازع ، ولا يعارضه فيه معارض ، وهذا من براهين وجوب توحيده كما قال سبحانه: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [الزمر6]، وقال سبحانه:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }[المؤمنون11] .
أما من سوى الله فلا يملك لنفسه نفعاً أو ضراً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً فضلا عن أن يملك شيئا من ذلك لغيره { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [المائدة76 ]، { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ } [سبأ22].
الرابع : أن هذه التلبية " متضمّنة للإخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عزّ وجل ، وهذا نوع آخر من الثناء عليه ، غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العليّة، فله سبحانه من أوصافه العلى نوعا ثناء : نوعٌ متعلّق بكل صفةٍ صفةٍ على انفرادها ، ونوعٌ متعلّق باجتماعها ، وهو كمال مع كمال وهو عامة الكمال، والله سبحانه يفرِّق في صفاته بين الملك والحمد ، وسوغ هذا المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال ، والملك وحده كمال ، والحمد كمال ، واقتران أحدهما بالآخر كمال ، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة، مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرّحمة ، مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الدّاعي إلي محبته، كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله ، وكان في ذكر العبد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبّها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قاله ابن القيم رحمه الله في كتابه تهذيب السنن ( 2/ 339 ).
الخامس: في قوله: "لا شريك له" وقد تكرّرت في التلبية مرَّتين، مرة عقب إجابته بقوله " لبيك "، ومرة عقب قوله: " إنّ الحمد والنعمة لك والملك " فالأول يتضمّن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدّعوة ، والثاني يتضمّن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك ، وإذا تقرّر أن الحمد كله من الله ، والنعمة كلها من الله، والملك كله له ، ليس له شريك في ذلك بوجه من الوجوه فليُفرد وحده بالتلبية والخضوع والمحبّة والانقياد والطاعة والإذعان. وكيف يُجعل مع الله شريكا في العبادة من لا يملك في هذا الكون من قطمير ، وليس له مع الله شركة في الملك، ولا يملك نفعاً ولا دفعاً ، وليس بيده عطاءٌ ولا منع تعالى الله عما يشركون ، بل إنّ الأمر كله لله لا شريك له وهذا من أبين ما يكون من دلالة على فساد الشرك، وأنّ أهله من أسفه الناس وأضلهم عن سواء السبيل .
فهذه خمسة دلائل عظيمة وبراهين جليلة على وجوب التوحيد والإخلاص اشتملت عليها كلمات التلبية وأرشدت إليها بوضوح وجلاء .
وقد قال الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم عندما وصف حجّة النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فأهلَّ بالتوحيد ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " فوصف رضي الله عنه هذا الإهلال بأنه إهلاك بالتوحيد لما تضمنته كلمات التلبية من تحقيق الإخلاص ونبذ الشرك وإقامة الحجة والبرهان على ذلك ، وفي هذا أيضا دلالة على أن هذه الكلمات ليست ألفاظاً مجرّدة لا تدلُّ على معان، بل لها معنى عظيم ، ومدلول جليل ، ألا وهو روح الدِّين وأساسه وأصله الذي عليه يبنى توحيد الله عزّ وجل .
ولهذا فإن الواجب على كل من أهلَّ بهذه الكلمات أن يعرف ما دلَّت عليه من معنى ، وأن يستحضر ما تضمّنته من دلالة وأن يحقِّق ذلك ، ليكون صادقا في إهلاله ، موافقاً كلامُه حقيقة حاله؛ بحيث يكون مستمسكاً بالتوحيد، محافظا عليه مراعيا لحقوقه، مجانبا لنواقضه وما يضاده من الشرك بالله ، حذِراً تمام الحذر من الوقوع فيه ، أو في شيء من أسبابه ووسائله وطرقه؛ إذ هو أعظم ذنب وأكبر جرم أجارنا الله جميعا من الشرك ، وحمانا من وسائله وذرائعه ورزقنا التوحيد والإخلاص ، إنه سبحانه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
منقول من الموقع الرسمي للشيخ عبد الرزاق البدر.
لا تنسونا من صالح دعائكم.





جزاك اللخ خير الجزاء

نسال الله ان يجعل عملك هذا في ميزان حسناتك وان يجعلك من العليين في جنة الخلد

تقبل مروري

اختكم هناء




بارك الله فيك.




بارك الله فيك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

نمادج من نعم الله في شهر رمضان

خطبة:
نمادج من نعم الله في شهر رمضان
للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان ، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، ونصر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ببدر ، وسماه يوم الفرقان ، وأعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان فيا له من عز ارتفع به صرح الإسلام ، واندك به بنيان الشرك والطغيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الرحمن ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروه ، وأعانوه ، فنعم الأنصار هم ، ونعم الأعوان ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان ، وسلم تسليما .

أما بعد أيها الناس : اتقوا الله تعالى : واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعم وافرة سابغة خصوصا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، ففيه أنزل الله كتابه المبين رحمة للعالمين ، ونورا للمستضيئين ، وهدى للمتقين ، وعبرة للمعتبرين ، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من تمسك به نجا ، ومن طلب الهدى منه اهتدى ، ومن أعرض عنه وقع في الهلاك والردى ، فبؤسا للمعرضين الهالكين .

وفي هذا الشهر غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمان ، وهزم فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج أبي سفيان بعير قريش من الشام ، ندب أصحابه إلى تلك العير ، فخرجوا في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فقط لا يريدون إلا العير لا يريدون عدوهم ، ولكن الله بحكمته جمع بينهم على غير ميعاد ليقضي سبحانه ما حكم به ، وأراد ، فإن أبا سفيان لما علم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم بعث صارخا إلى أهل مكة يستنجدهم ليمنعوا عيرهم ، فخرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ، ويصدون عن سبيل الله يقول قائلهم : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا ، ونقيم فيها ثلاثا ننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمور ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا قالوا هذا ، ولكن الله بما يعملون محيط ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأنصاره حفيظ ، فأوحى الله إلى ملائكته : { أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا }{ الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوااللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } . فقيض الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أسباب النصر ما به انتصروا ، ولأعدائه وحربه كسروا ، فقتلوا من صناديد قريش وفريقا أسروا ، ورجع فل قريش مهزومين موتورين خائبين ، فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين .

وفي هذا الشهر المبارك فتح الله مكة البلد الأمين على يد خليله ونبيه محمد أفضل النبيين ، وطهرها من الأصنام والمشركين ، وذلك هو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ، ودخل به الناس في دين الله أفواجا ، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في عشرة آلاف من أصحابه لعشر مضين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة يريد غزو قريش حين نقضوا صلح الحديبية ، فدخل مكة مؤزرا منصورا على إحدى مجنبتيه حواريه الزبير بن العوام ، وعلى الآخرى سيف الله خالد بن الوليد ، فدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم خاضعا لربه مطأطئا رأسه تواضعا ، وتعظيما لله رب العالمين ، وركزت رايته بالحجون ، ثم نهض وأصحابه المهاجرون والأنصار بين يديه ، وخلفه ، وعن يمينه ، وشماله رضي الله عنهم ، فطاف بالبيت ، وكان على البيت وحوله ثلثمائة وستون صنما ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطعنها بقوس في يده ، ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" . فلما أكمل طوافه دخل الكعبة ، فرأى فيها الصور ، فأمر بها ، فمحيت ، ثم أخذ بباب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ماذا يصنع ، ثم قال :

« لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم قال : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم : كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء » .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على عباده بفرض الصيام ، وجعله أحد أركان الإسلام ، وجعل ثواب من صامه إيمانا وإحتسابا أن يكفر عنه ما تقدم من الآثام .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على العباد بمشروعية القيام ، فمن قامه إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على هذه الأمة بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر من قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
وبركات هذا الشهر كثيرة وفيرة ، فاحمدوا الله على ما أنعم به عليكم فيه ، وإياكم أن تضيعوا فرص أيامه ولياليه ، فلو علمتم ما فيها لتمنيتم أن يكون السنة كلها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .

الضياء اللامع من الخطب الجوامع
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله




نشكرك اختي على موضوع
بارك لله فيك





جزاكم الله خيرا ورحم الله الشيخ العثيمين ونفعنا بعلمه




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

ما يكره وما يستحب في الصوم

إن للصيام آداب مستحبة حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب فيها ومن هاته المستحبات نذكر ما تيسر لنا منها :
السحور: وهو الأكل في آخر الليل، سمى بذلك لأنه يقع في السحر، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: (تسحروا، فإن في السحور بركة) متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر).
وأثني صلى الله عليه وسلم على سحور التمر فقال:(نعم سحور المؤمن التمر) رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: (السحور كله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) رواه أحمد.
وينبغي للمتسحر أن ينوي بسحوره امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بفعله، ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوّي على الصيام ليكون له به أجر.

تأخير السحور: ومن السنة تأخير السحور الى قبيل الفجر بقليل ، فعن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد ابن ثابت تسحّرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى. قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟، قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية) رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها: أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) رواه البخاري.
تعجيل الفطور:
ومن المستحبات كذلك تعجيل الفطور ويكون ذلك إذا تحقق من غروب الشمس بمشاهدتها، أو غلب على ظنه الغروب بخبر موثوق به بأذان أو غيره، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه.
الفطر على رطبات:
ومن السنن المستحبة الفطر على رطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء، لقول أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. فإن لم يجد رطباً ولا تمراً ولا ماءً أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال، فإن لم يجد شيئاً نوى الإفطار بقلبه.
الاكثار من الدعاء:
وذلك في حين الصيام وعند الافطار لما ورد في صحيح ابن خزيمة وابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) ورواه أحمد والترمذي.
الاكثار من تلاوة القرآن والصدقة
: ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة).
تفطير الصائمين:
لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تفطير الصائمين كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في جامعه عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم) قال الترمذي حديث صحيح وصححه الالباني رحمه الله
الاجتهاد في صلاة الليل وبالأخص في العشر الأواخر من رمضان
: كما روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) ، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه)
مكروهات الصيام:
ومكروهات الصيام هي ما ينقص من أجر الصيام وربما تؤدي إلى إفساده ومنها:
المبالغة في المضمضة والاستنشاق:
وذلك خشية أن يتسرب الماء إلى جوفه فيفسد صومه لحديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) رواه أبو داود .
القُبْلَة لمن تحرك شهوته، وكان ممن لا يأمن على نفسه
: فيكره للصائم أن يقبل زوجته، أو أمته؛ لأنها قد تؤدي إلى إثارة الشهوة التي تجر إلى فساد الصوم بالإمناء أو الجماع، فإن أمن على نفسه من فساد صومه فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم
ذوق الطعام لغير الحاجة
: فإن كان محتاجاً إلى ذلك – كأن يكون طبَّاخاً يحتاج لذوق ملحه وما أشبهه – فلا بأس، مع الحذر من وصول شيء من ذلك إلى حلقه لان حكمه حكم المضمضة ما لم يتسرب شيئ لجوفه
إستعمال معجون الاسنان
: استعمال المعجون للصائم لا بأس به إذا لم ينزل إلى معدته، ولكن الأولى عدم استعماله، لأن له نفوذاً قويًّا قد ينفذ إلى المعدة والإنسان لا يشعر به.
الغيبة والنميمة
: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) والغيبة والنميمة وغير ذلك من الأقوال المحرمة، وكذلك الأفعال المحرمة كل هذا ينقص الصيام كثيراً، والواجب تركه في حال الصوم وغيره، ولكنه في حال الصيام أوكد، لأنه يخل بالصيام وينقصه .
وأما إستعمال الطيب والسواك فقد ذهب بعض أهل العلم أنها من مكروهات الصيام والأصح في ذلك أنها مباحة لأن الأصل في الاشياء الحل إلا ما ثبت بدليل شرعي ولا يوجد نص في الكتاب والسنة يحرم إستعمالها والله أعلم




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

10 وقفات للنساء في رمضان


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
* فهذه كلمات وجيزة , ونداءات غالية , نهديها إلى المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة , بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك , تسأل الله أن ينفع بها كل من قرأتها من أخواتنا المؤمنات ,وأن تكون عونا لهن على طاعة الله تعالى والفوز برضوانه ومغفرته في هذا الشهر العظيم .

http://www.saaid.net/female/r17.htm




جزاكم الله خير

للرفع بمناسبة قدوم شهر رمضان 2022

اعاده الله علينا بالاجر والثواب