التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

فصل الخطاب في بيان عدد ركعات صلاة التراويح في زمن عمر بن الخطاب

فصل الخطاب في بيان عدد ركعات صلاة التراويح في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
للشيخ د/ كمال قالمي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
أمّا بعد؛ فهذا بحث في دراسة الرّوايات الواردة في عدد ركعات صلاة التراويح التي أقامها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمسجد النبوي زمن خلافته، وقد وقع في هذه المسألة خلاف كبير بين أهل العلم قديماً وحديثاً ولا سيما علماء العصر، فمنهم من يرى أن عدد ركعات صلاة التراويح التي أمر بها عمر رضي الله عنه هي إحدى عشرة ركعة كما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، ولا يجوز الزيادة عليها بحال، ومنهم من يرى أنها ثلاث وعشرون ركعة، ولا مانع عندهم من الزيادة على إحدى عشرة ركعة، بل كل ذلك جائز سائغ؛ وهذا الذي عليه جمهور علماء نجد والحجاز؛ ولذا تقام صلاة التراويح في المسجد الحرام والمسجد النبوي بثلاث وعشرين ركعة، وفي العشر الأواخر يقومون بعشرين ركعة ويزيدون في النصف الثاني من الليل عشر ركعات ويوترون بثلاث.
ولما كان الزّوار والمعتمرون في شهر رمضان يأتون من بلدان مختلفة إلى أرض الحرمين، فيقع الذين اعتادوا القيام في صلاة التراويح بإحدى عشرة ركعة في حرج وحيرة هل يصلونها مع أئمّة الحرمين كلّها؟ أو ينصرفون بعد العشر الأوّل؟ أو يصلون العشر الأواخر؟ أو يصلون ثمان ركعات ويوترون مع الإمام؟(1).
كان ذلك وغيره من الدّوافع القويّة على بحث هذه المسألة المهمّة وجمع شتاتها وسبر أطرافها؛ بغية معرفة الحقّ بدليله وسلوك سبيله، أسأل الله تعالى أن يرينا جميعاً الحقَّ حقّاً ويرزقنا اتّباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يتقبل منا الصيام والقيام إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول مستعينا بالله الملك المعبود:
اعلم – علمني الله وإياك – أنّ قيام ليالي رمضان هو من أجلّ الطاعات وأعظم القربات المضاعفة للأجور والحسنات، حيث رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر فيه بعزيمة، ففي الصّحيحين(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه».
وعنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغّبُ في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه»(3).
وأداء هذه الصلاة في المسجد مع الجماعة سنّة دلَّت عليها جملة من الأحاديث:
منها ما رواه الشيخان(4) عن عائشة رضي الله عنها، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجد ذات ليلة، فصلَّى بصلاته ناسٌ، ثم صلَّى الليلة القابلة فكثُر النّاس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسولُ الله (5)، فلما أصبح قال: «قد رأيتُ الذي صنعتُم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أني خشيتُ أن تُفرض عليكم» وذلك في رمضان.
ومنها ما رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم(6) من طريق داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: صُمنا مع رسول الله (7) رمضان، فلم يقُمْ بنا شيئاً من الشَّهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهب شطر الليل. فقلت: يا رسول الله، لو نفّلتنا قيام هذه الليلة؟ قال: فقال: «إنّ الرجل إذا صلّى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة». قال: «فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السَّحور، ثم لم يقُمْ بنا بقية الشّهر». وإسناده صحيح، وقال الترمذي: «حسن صحيح».
ومنها ما رواه أحمد، والنسائي، وابن خزيمة، والحاكم(8) من طريق معاوية بن صالح، قال: حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة، قال: سمعتُ النّعمان بن بشير على منبر حمص يقول: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثُلث الليل الأوّل، ثم قُمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظنّنا أن لا ندرك الفلاح وكانوا يسمُّونه السُّحور».
وإسناده حسن لأجل معاوية بن صالح الحمصي.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط البخاريّ».
فتعقبه الذهبي بقوله: «معاوية إنما احتجّ به مسلم وليس الحديث على شرط واحد منهما، بل هو حسن».
ففي هذه الأحاديث دليل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام على قيامهم بعض ليالي رمضان خلفه في جماعة، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم العلّة التي من أجلها لم يخرج إليهم بعد ذلك، وهي خشية أن تفترض على هذه الأمّة، وهو صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمّته، وفي ذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم» متفق عليه(9).
ثم لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم زال ما كان يخشاه عليه الصّلاة والسلام؛ ولذلك كان بعض الصّحابة يقومون رمضان في المسجد جماعات ووحدانا حتى جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على إمام واحد لما رواه مالك(10) – ومن طريقه البخاريّ – عن ابن شهاب الزهري، عن عروة ابن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرِّقون، يصلّي الرجلُ لنفسه، ويصلي الرجل فيصلّي بصلاته الرَّهْط.
فقال عمر: والله إنّي لأراني لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبيّ بن كعب. قال: ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والنّاسُ يصلُّون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعمتِ البدعةُ هذه! والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يعني آخر الليل، وكان الناسُ يقومون أوله».
وأما قول عمر: «نعمت البدعة هذه» فالمراد بالبدعة هنا المعنى اللّغوي وهو الاختراع والابتداء من غير مثال سابق، وليس المراد بها المعنى الشّرعي؛ لأنّ البدع في الشّرع كلّها مذمومة وليس فيه بدعة حسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلّ بدعة ضلالة» (11). فهذه قاعدة كليّة جامعة(12).
ولا شكّ ولا ريب في أن ما فعله عمر رضي الله عنه مشروع بل موافق للسنة الفعلية للأحاديث السابقة، بل وموافق للسنة القولية أيضاً – كما في حديث أبي ذر السابق -: «إنّ الرجل إذا صلّى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة».
يقول ابن بطال رحمه الله: إنّ قيام رمضان سنة؛ لأنّ عمر لم يسنّ منه إلاّ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّه، وقد أخبر عليه السلام بالعلّة التي منعته من الخروج إليهم، وهي خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيماً، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي أقام هذه السّنة وأحياها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته(13).
وأما عدد الرّكعات التي قام بها أبي بن كعب رضي الله عنه بالناس ففيه روايات:
الأولى – أنها إحدى عشرة ركعة.
أخرجها مالك بن أنس في "الموطأ"(14) عن محمد بن يوسف، عن السّائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميماً الدّاريَّ أن يقوما للنّاس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئُ يقرأ بالمئين، حتّى كُنّا نعتمد على العصِيّ من طول القيام، وما كُنّا ننصرف إلاّ في فروع الفجر.
ومن طريق مالك رواه الطّحاويّ في "شرح معاني الآثار"(15)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(16).
ورجاله ثقات؛ السّائب بن يزيد صحابيّ صغير، ففي صحيح البخاريّ أنه قال: «حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين»(17).
ومحمد بن يوسف هو الكِنْديّ المدنيّ الأعرج، وهو ابن أخت السائب بن يزيد – كما جاء ذلك في رواية البيهقيّ -، ويقال: ابن بنت السّائب بن يزيد. ثقة جليل، وثقه يحيى القطّان، وعلي ابن المديني، وابن معين، والنسائي وغيرهم.
وقال مصعب الزُّبيريّ: كان له شرف وقدر بالمدينة.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار"(18): « هكذا قال مالك في هذا الحديث: «إحدى عشرة ركعة»، وغير مالك يخالفه فيقول في موضع «إحدى عشرة ركعة» «إحدى وعشرين». ولا أعلم أحدا قال في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة غير مالك» اهـ.
كذا قال أبو عمر رحمه الله! وهو متعقّب بجماعة وافقوا مالكاً على قوله: «إحدى عشرة»، وهم:
1 – يحيى بن سعيد القطّان عند أبي بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(19).
2 – وإسماعيل بن جعفر المدنيّ عند علي بن حجر في "حديثه"(20).
3 -وعبد العزيز بن محمد الدّراورديّ عند سعيد بن منصور في "سننه"(21).
4 – وإسماعيل بن أمية عند أبي بكر النّيسابوريّ في "فوائده"(22).
هكذا رواه هؤلاء كلّهم عن محمد بن يوسف، فقالوا: «إحدى عشرة».
الرواية الثانية: أنها ثلاث عشرة ركعة.
أخرجها أبو بكر النّيسابوريّ في "فوائده"(23) قال: حدّثنا أبو الأزهر، ثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمد بن يوسف بن عبد الله ابن أخت [نَمر](24)، عن [جدّه](25) السّائب، قال: « كنّا نصلي في زمن عمر رمضان ثلاث عشرة ركعة، وما كنا نخرج إلاّ في وِجاه الصُّبح. كان القارئ(26) يقرأ في كل ركعة خمسين آية ستين آية ».
ومن طريق ابن إسحاق رواه ابن نصر المروزي في كتاب "قيام رمضان" – كما في مختصره(27)- وزاد: قال ابن إسحاق رحمه الله: « وما سمعت في ذلك حديثاً هو أثبت عندي ولا أحرى بأن يكون كان من حديث السائب؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له من اللّيل ثلاث عشرة ركعة ».
الرواية الثالثة: أنها إحدى وعشرون ركعة.
أخرجها عبد الرزاق في "مصنفه"(28) عن داود بن قيس وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السّائب بن يزيد: «أنّ عمر جمع النّاس في رمضان على أبي بن كعب، وعلى تميم الدّاري على إحدى وعشرين ركعة، يقرأون بالمئين وينصرفون عند بزوغ الفجر».
وداود بن قيس أبو سليمان المدنيّ، وثقه الشافعي وأحمد وابن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وغيرهم.
الرواية الرابعة: أنها عشرون ركعة.
أخرجها الفريابي في كتاب "الصيام"(29) من طريق يزيد بن هارون.
وأبو القاسم البغوي في "حديث علي بن الجعد"(30) – ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(31) – من طريق محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب.
ورواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (5409) من طريق محمد بن جعفر.
ثلاثتهم (يزيد بن هارون، وابن أبي ذئب، ومحمد بن جعفر) عن يزيد بن خُصيفة، عن السّائب ابن يزيد، قال: «كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة ، ولكن كانوا يقرؤون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكئون على عِصيِّهم من شدّة القيام». واللّفظ للفريابي.
ولفظ البيهقي في "المعرفة": «كنّا نقوم في زمان عمر بن الخطّاب بعشرين ركعة والوتر».
وصحَّح إسناده النّووي في "المجموع"(32)، و"الخلاصة" – كما في "نصب الرّاية"(33) -، وابن الملقن في "البدر المنير"(34)، وبدر الدّين العيني في "عمدة القاري"(35).
الرواية الخامسة: أنها ثلاثة وعشرون ركعة.
أخرجها عبد الرزّاق في "مصنفه"(36) عن الأسلميّ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب، عن السّائب بن يزيد، قال: «كنّا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر، وكان القيام على عمر ثلاثة وعشرين ركعة».
وإسناه ضعيف جدّاً، فيه الأسلميّ وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وهو متروك كما في "التقريب".
وأمّا الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذُباب، فمختلف فيه؛ فقال أبو حاتم: يروي عنه الدّراورديّ أحاديث منكرة، ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. وجمع الحافظ بين القولين فقال: «صدوق يهم» فمثله يعتبر بحديثه على أقل الأحوال؛ لكن علته إبراهيم الأسلمي، كما سبق.
فهذه أشهر الروايات في عدد ركعات التراويح في عهد عمر رضي الله عنه، ويلاحظ أنّ الخلاف وقع فيها من الرواة على السائب بن يزيد؛ حيث رواه عنه ثلاثة:
أحدهم: محمد بن يوسف وقد اختلف عليه كما في الروايات الثلاثة الأول.
والثاني: الحارث بن أبي ذباب.
والثالث: يزيد بن خصيفة.
وإذا استبعدنا رواية الحارث – لوهائها – يبقى الترجيح بين رواية ابن يوسف، ورواية ابن خصيفة، ورواية الأخير أولى بالترجيح؛ لأمور:
أولاً – أنه لم يختلف عليه.
بخلاف محمد بن يوسف فقد اختلف عليه أصحابه الثقات:
فرواه مالك وجماعة عنه بلفظ: «إحدى عشرة».
ورواه ابن إسحاق عنه بلفظ: «ثلاث عشرة».
ورواه داود بن قيس وغيره عنه، فقال: «إحدى وعشرين».
ولعلّ في سياق القصة الآتية ما يدل على عدم ضبطه للعدد كما ينبغي، وهي ما رواه أبو بكر النيسابوريّ في "فوائده"(37) قال: حدّثنا يوسف بن سعيد، ثنا حجاج، عن ابن جريج، حدثني إسماعيل بن أمية، أنّ محمد بن يوسف ابن أخت السّائب بن يزيد أخبره، أنّ السّائب بن يزيد أخبره قال: جمع عمر بن الخطاب الناس على أبي بن كعب وتميم الداري، فكانا يقومان بمائة في ركعة، فما ننصرف حتى نرى أو نشك في فروع الفجر. قال: فكنا نقوم بأحد عشر. قلت (القائل هو إسماعيل بن أمية): أو واحد وعشرين؟! قال: لقد سمع ذلك من السائب بن يزيد ابنُ خصيفة. فسألتُ يزيد بن خصيفة، فقال: حسبتُ أنّ السّائب قال: أحد وعشرين. قال محمد: […](38) لإحدى وعشرين».
قال أبو بكر: هذا حديث حسن لو كان عند علي بن المديني لفرح به إلا أنه قال: ابن أخت السائب.
قلت: وصحّح إسناده العّلامة الألباني رحمه الله(39).
فهذا النّص يشعر بأن محمد بن يوسف لم يكن بذاك الضابط المتقن للعدد؛ ولذلك جعل إسماعيل بن أمية يراجعه ويستوثقه بقوله: «أو واحد وعشرين» وكأنّه سمع ذلك من غيره.
وفي النّص أيضاً إشارة لطيفة وهي وثوق محمد بن يوسف بحفظ يزيد بن خصيفة حينما أحال السائلَ عليه بقوله: «لقد سمع ذلك من السائب بن يزيد» وقوله هذا يحتمل أحد أمرين: إمّا أنه سمع ذلك (أي أحد عشر) كما سمعته أنا، وإما أنه سمع ذلك العدد الذي ذكره إسماعيل بن أمية أي أحد وعشرين؛ وهذا أظهر للإشارة إلى أقرب مذكور، وعلى الاحتمال الأول ظنّاً منه أنه سيوافقه. وعلى كل حال فقد أجابه يزيد بن خصيفة بأنها إحدى وعشرين ركعة.
وقوله: «حسبت» لا يضره إن شاء الله؛ لأنّ الراوي ربما قال ذلك احترازاً وتحفظاً لا شكاً ومهما يكن فقد رواه عنه الجماعة على الجزم كما سبق.
وقوله أيضاً «أحد وعشرين» لا يخالف قول الجماعة عنه: «عشرين» أي من غير الوتر، وفي رواية عنه – كما سبق -: «عشرين ركعة والوتر» والوتر أقله ركعة.
ثانياً – أنها موافقة لأحد الأوجه المروية عن محمد بن يوسف أعني الرواية الثالثة من طريق داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد التي فيها «إحدى وعشرين».
ثالثاً – أنها وردت آثار كثيرة تشهد للعشرين ركعة من غير الوتر، فمن ذلك:
1 – ما رواه الضّياء المقدسيّ في "الأحاديث المختارة"(40) من طريق أحمد بن منيع، أنا الحسن ابن موسى، نا أبو جعفر الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب: أنّ عمر أمر أُبيّاً أن يصلِّي بالنّاس في رمضان، فقال: إنّ النّاس يصومون النّهار ولا يحسنون أن يقرؤوا فلو قرأتَ عليهم باللّيل؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا شيءٌ لم يكن! فقال: قد علمتُ، ولكنه أحسن. فصلّى بهم عشرين ركعة.
أبو العالية اسمه رُفيع بن مهران الرِّياحيّ، ثقة يرسل، وروايته عن أُبَيّ في السنن.
والرّبيع بن أنس البصريّ ثم الخراسانيّ قال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات"(41) وقال: الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر (يعني الرّازي) عنه؛ لأنّ في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً.
وأبو جعفر الرّازيّ مشهور بكنيته واسمه عيسى بن أبي عيسى ماهان، مختلف فيه. ولخصه الحافظ ابن حجر بقوله في "التقريب": «صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة».
2 – ومنها ما رواه مالك في "الموطأ"(42) عن يزيد بن رُومان أنه قال: «كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة».
ومن طريق مالك رواه الفريابي في "الصيام"(43)، والبيهقي في "الكبرى"(44) ، والمعرفة(45).
ويزيد بن رومان من أقران ابن شهاب الزهريّ، روايته عن صغار الصحابة، وقال المزي: حديثه عن أبي هريرة مرسل.
وقد نصَّ الزّيلعي في "نصب الراية"(46) على أنه لم يدرك عمر بن الخطّاب.
3 – ومنها ما رواه محمد بن نصر المروزيّ في "قيام رمضان" – كما في مختصره (ص220) – عن محمد بن كعب القرظيّ قال: «كان النّاسُ يصلون في زمان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في رمضان عشرين ركعة، يطيلون فيها القراءة، ويوترون بثلاث».
ومحمد بن كعب القرظيّ أبو عبد الله المدنيّ أحد العلماء الثقات روى عن جماعة من الصّحابة كابن عمر، وأنس، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وروايته عن عمر مرسلة؛ لأنه مات سنة (108هـ) في قول الأكثر وله (78 أو 80 سنة).
4 – ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(47) عن وكيع، عن مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد: «أنّ عمر بن الخطّاب أمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة».
ويحيى بن سعيد هو أبو سعيد الأنصاريّ المدنيّ لم يدرك عمر بن الخطّاب. قال علي بن المديني في "العلل": «لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس»(48).
5 – ومنها ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً عن حميد بن عبد الرحمن، عن حسن، عن عبد العزيز ابن رُفيع قال: «كان أبي بنُ كعب يصلّي بالنّاس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويُوتر بثلاث».
ورجاله ثقات، عبد العزيز بن رُفيع وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائيّ، لكنه لم يدرك أبيّ بنَ كعب فإنّه مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها، وقد أتى عليه نيّف وتسعون سنة، فيكون مولده بعد الثلاثين، وأمّا أُبي بن كعب رضي الله عنه فإنه مات في خلافة عثمان سنة (30هـ).
وحسن هو ابن صالح بن صالح بن حَيّ أبو عبد الله الكوفيّ ثقة رمي برأي الخوارج.
وحميد بن عبد الرحمن الرّؤاسيّ الكوفيّ، ثقة.
والحاصل أنّ هذه الآثار أسانيدها صحيحة إلى مرسليها باستثناء الأثر الأول فهو موصول وفي إسناده ضعف، ولكن إذا ضمّ بعضها إلى بعض اكتسبت قوّة ودلّت بمجموعها على صحّة رواية العشرين ركعة.
وأمّا «الاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر، وكأنه كان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث» (49).
وقد جزم غير واحد من أهل العلم بصحة ذلك، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (5/158): « وهو الصّحيح عن أُبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "فتاويه"(50): «قد ثبت أنّ أُبي بن كعب كان يقوم بالنّاس عشرين ركعة في قيام رمضان ويوتر بثلاث».
قلت: وهذا بناء على ترجيح رواية ابن خصيفة على رواية محمد بن يوسف، وعلى التسليم بأنّ ما رواه مالك والجماعة عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد: « أنّهم كانوا يقومون في زمن عمر بإحدى عشرة ركعة » محفوظ أيضاً، فهو محمول على أنّ ذلك كان في أوّل الأمر، ثم لما شقَّ على النّاس طول القيام زادوا في عدد الركعات إلى العشرين مع الإيتار بواحدة أو بثلاث.
قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار"(51): «يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشر ركعة، ثم خفّف عليهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة، يخفّفون فيها القراءة، ويزيدون في الركوع والسجود».
وإلى نحو هذا الجمع جنح الحافظ البيهقيّ فقال في "السنن"(52): « ويمكن الجمع بين الرّوايتين؛ فإنّهم كانوا يقومون بإحدى عشرة، ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث ».
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري"(53): «وقال الداودي وغيره: وليست رواية مالك عن السائب بمعارضة برواية من روى عن السائب ثلاثاً وعشرين ركعة؛ لأنّ عمر جعل الناس يقومون في أول أمره بإحدى عشرة ركعة كما فعل النبيّ عليه السلام، وكانوا يقرؤون بالمئين ويطولون القراءة، ثم زاد عمر بعد ذلك فجعلها ثلاثاً وعشرين ركعة، فليس ما جاء من اختلاف أحاديث قيام رمضان يتناقض، وإنما ذلك في زمان بعد زمان، والله الموفق» اهـ باختصار.
قلت: وهو الذي استقر عليه الأمر زمن عمر والخليفتين بعده وجرى عليه العمل في الحجاز والكوفة والبصرة وغيرها من عواصم الإسلام.
فقد روى محمد بن نصر المروزيّ في "قيام رمضان" – كما في "مختصره"(54)، وذكره العينيّ بإسناده في "عمدة القاري"(55)- قال: أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: «كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل».
قال الأعمش: كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث.
وإسناده صحيح إلاّ قول الأعمش: «كان يصلي… » فهو منقطع؛ لأنّه لم يدرك ابن مسعود.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(56)، وابن أبي الدنيا في "فضائل شهر رمضان"(57) من طريق عبد الملك، عن عطاء قال: «أدركتُ النّاس وهم يصلون ثلاثة وعشرين ركعة بالوتر».
وإسناده صحيح؛ عطاء هو ابن أبي رباح المكيّ وُلد في خلافة عثمان بن عفّان، ومات في سنة (114هـ) أو بعدها بسنة.
وعبد الملك هو ابن أبي سليمان العرْزميّ، أحد الثقات.
وروى ابن أبي الدنيا في "فضائل شهر رمضان"(58)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(59) من طريق هشيم، أنا يونس بن عبيد قال: «شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان، فكان يؤمُّهم عبد الرحمن بن أبي بكرة(60) – صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وسعيد بن أبي الحسن، ومروان العبدي، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة، ولا يقنتون إلاّ في النّصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرّتين». وإسناده صحيح.
هشيم هو ابن بشير الواسطيّ ثقة ثبت كثير التدليس، لكنه صرّح بالتحديث.
ويونس بن عبيد العبْدي البصري ثقة كثير الحديث، يروي عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح، مات سنة (139هـ) أو بعدها بسنة.
وفتنة ابن الأشعث كانت سنة إحدى وثمانين بالبصرة(61)، وهؤلاء الأئمة الثلاثة القرّاء كلّهم بصريّون.
وقال أبو عيسى الترمذي في "جامعه"(62): «أكثر أهل العلم على ما رُوي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي. وقال الشافعي: وهكذا أدركتُ ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة».
قلت: ثم زاد أهل المدينة بعد الخلفاء الراشدين في عدد الركعات إلى ست وثلاثين مع الإيتار بثلاث(63).
قال داود بن قيس: « أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز يصلون ستة وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث »(64).
وقال نافع مولى ابن عمر: « لم أدركْ الناسَ إلاّ وهم يُصلُّون تسعاً وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث »(65).
وقال ابن القاسم عن مالك في "المدونة" (1/287): « بعث إليَّ الأميرُ(66) وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة – قال ابن القاسم : وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر ستٌّ وثلاثون ركعةً والوتر ثلاث – قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئاً. وقلت له: هذا ما أدركتُ الناسَ عليه، وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه ».
وعن ابن أيمن عن مالك قال: « أستحبُّ أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلّم الإمام والناس ثم يوتر بهم واحدة وهذا العمل بالمدينة قبل الحرّة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم »(67).
قلت: وما استجاز الصحابة من لدن زمن عمر بن الخطاب إلى عهد أئمة السلف الزيادة في عدد الركعات إلا أنهم رأوا في ذلك فسحة وسعة، وأنّ قيام الليل في رمضان وغيره من النوافل المطلقة غير محصورة في عدد بعينه.
قال الزعفراني عن الإمام الشافعي أنه قال: رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعاً وثلاثين ركعة. قال: وأحبُّ إليَّ عشرون. قال: وكذلك يقومون بمكة. قال: وليس في شيء من هذا ضيق ولا حدّ ينتهي إليه؛ لأنه نافلة فإن طالوا القيام وأقلُّوا السجود فحسن وهو أحبُّ إليَّ، وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن(68).
وقال إسحاق بن منصور المروزيّ للإمام أحمد في "مسائله للإمام أحمد وإسحاق بن راهويه": قلت كم من ركعة يصلي في قيام شهر رمضان؟ قال: قد قيل فيه ألوان، يروى نحواً من أربعين، إنّما هو تطوّع(69).
بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، فقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (5/244): «قد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدّراً في صلاة الليل، وأنّها نافلة، فمن شاء أطال فيها القيام وقلّت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسّجود».
ونقله عنه أبو الحسن بن القطان في كتابه "الإقناع في مسائل الإجماع"(70) وأقرّه.
وحكاه أيضاً القاضي عياض اليحصبيّ فقال في "إكمال المعلم"(71): «ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأنّ صلاة الليل من الفضائل والرّغائب التي كلّما زيد فيها زيد في الأجر والفضل؛ وإنّما الخلاف في فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه».
ونقله عنه النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/19)، والعراقي في "طرح التثريب"(72) مقرين به.
ومما يدل على ذلك ما رواه مالك في "الموطأ" عن عبد الله بن عمر: أنّ رجلا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة اللّيل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاةُ اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصُّبحَ صلَّى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى ». ومن طريق مالك رواه البخاريّ، ومسلم(73).
وعن عمرو بن عبسة السُّلمي أنه قال: قلت: يا رسول الله أيّ الليل أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، فصلِّ ما شئت؛ فإنّ الصّلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح… » الحديث.
رواه أبو داود، وابن خزيمة(74) من طريق الربيع بن نافع، حدثنا محمد بن المهاجر، عن العباس ابن سالم، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، فذكر الحديث بطوله في قصة إسلامه، وهو عند أبي داود مختصر، وإسناده صحيح، وهو في صحيح مسلم(75) من وجه آخر عن أبي أمامة، وليس فيه موضع الشاهد.
وقد فسَّر الحافظ العراقي في "طرح التثريب"(76) قوله صلى الله عليه وسلم: «مثنى مثنى» بقوله: «المراد أنه يسلِّم من كلِّ ركعتين من غير حصر في هذا العدد(77)؛ ولهذا عقّبه بقوله: «فإذا خشيت الصبح» فدلّ على أنه يصلي من غير حصر بحسب ما يتيسر له من العدد إلا أنه يكون على هذا الوجه وهو السلام من كل ركعتين إلى أن يخشى الصبح فيضيق حينئذ وقت صلاة الليل فيتعيّن الإتيان بآخرها وخاتمتها وهو الوتر، وهذا هو الذي فهمه جميع الناس».
قلت: وهذا هو الذي فهمه الصحابة كعبد الله بن عمر رضي الله عنهما رواي الحديث، فقد روى محمد بن نصر المروزي في "كتاب الوتر" – كما في مختصر المقريزي(78) – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، كلاهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: سأله رجل عن الوتر. فقال: أما أنا فإني إذا صليت العشاء الآخرة صليتُ ما شاء الله أن أصلي مثنى مثنى، فإذا أردت أن أنام ركعت ركعة واحدة أوترت لي ما قد صليت، فإن هببتُ من الليل فأردت أن أصلي شفّعتُ بواحدة ما مضى من وتري، ثم صليت مثنى مثنى، فإذا أردت أن أنصرف ركعت ركعة واحدة فأوترت لي ما صليت، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل آخر الصلاة من الليل الوتر. فقال له رجل: أفرأيت إن أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح؟ قال: ليس بذلك بأس حسن جميل.
وروى محمد بن نصر أيضاً – كما في الفتح(79)- من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل ابن عمر عن ذلك (يعني عن نقض الوتر) فقال: إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صلِّ ما بدا لك ثم أوتر، وإلا فصلِّ وِتْرَك على الذي كنت أوترت.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(80) عن وكيع، عن عمران بن حُدَيْر(81)، عن أبي مِجْلَز(82) أنّ أسامة بن زيد وابن عباس قالا: «إذا أوترت من أول الليل ثم قمتُ تصلي فصلِّ ما بدا لك واشفع بركعة ثم أوتر». وإسناده صحيح.
والشاهد في قولهم: «صلِّ ما بدا لك» أي من غير تحديد بعدد معين.
وأمّا التمسّك بما جاء في الصّحيحين(83) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة». على عدم جواز الزيادة على إحدى عشرة في قيام رمضان، فجوابه أنه إخبار منها رضي الله عنها بما كان عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل في أغلب أحيانه، ومع ذلك فكان أحياناً يزيد على ذلك العدد كما أخبرت بذلك عائشة نفسها رضي الله عنها، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يُصلي إذا سمع النداء بالصبحِ ركعتين خفيفتين. »وعن عبد الله بن أبي قيس قال: قلتُ لعائشة: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يُوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يُوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة. رواه أحمد، وأبو داود وغيرهما(84) بإسناد صحيح.
كما صحّ ذلك عن غيرها أيضاً، ففي الصحيحين(85) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كانت صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل».
وفي صحيح مسلم(86) عن زيد بن خالد الجُهني أنه قال: لأرمُقَنَّ الليلةَ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتوسدتُ عَتَبَتَه، أو فُسْطاطَه. فقام رسول الله الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلَّى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما. ثم أوتر. فتلك ثلاث عشرة ركعة.
كما أخبرت عائشة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقص عن إحدى عشرة، كما في حديث عبد الله بن قيس السابق.
ولما رواه مسلم(87) من حديث سعد بن هشام بن عامر أنه أتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: من؟ قال: عائشة، فأتها فاسألها… قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوصفت له صلاته إحدى عشرة ركعة، ثم قالت: «فلما سنَّ نبيُّ الله وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسعٌ يا بُنيّ» الحديث.

وقالت في حديث آخر: كان رسول الله الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي من الليل تِسعاً، فلما أسَنَّ وثقل صلَّى سبعاً.
رواه أحمد، والنسائي بإسناد رجاله ثقات(88).
فهذه الصفات والكيفيات كلّها صحيحة محفوظة عن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم وسبب هذا التنوع «لما كان يتفق من اتساع الوقت له أو ضيقه، إما بتطويل قراءته في بعضها كما جاء، أو طول نومه، أو لعذرٍ من مرض أو كبر سنًّ»(89).
فالشاهد أنّه صلى الله عليه وسلم كان يزيد على إحدى عشرة ركعة أحياناً.
فإذا كان كذلك فمن منع من الزيادة بحجة أنّ النبي الله صلى الله عليه وسلم لم يزد على إحدى عشرة يلزمه منع الإيتار بواحدة وبثلاث وبخمس؛ لأنّ النبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ينقص عن سبع ركعات.
فإن قيل الإيتار بأقل من سبع صحَّ عن النبي الله صلى الله عليه وسلم من قوله كما في حديث أبي أيوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم: « الوتر حقٌّ على كلِّ مسلم، فمن أحبَّ أن يُوتِرَ بخمس فليفعل، ومن أحب أن يُوتِرَ بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يُوتِرَ بواحدةٍ فليفعل ». رواه الثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه(90).
فدلّ الحديث على جواز الاقتصار على ركعة واحدة في صلاة الوتر، وقد صح فعله عن جماعة من الصحابة كما قاله الحافظ ابن حجر.
والجواب: كذلك يقال في الزيادة إنه صحَّ عنه الله صلى الله عليه وسلم أنه قال – كما سبق -: «صلاة الليل مثنى مثنى»، وأنه قال: «صلّ ما شئت» حيث فوّض للمتنفل في صلاة الليل العدد بحسب ما يتيسر له من الوقت إلى صلاة الصبح، وبقدر ما يجد في نفسه من قوة ونشاط؛ ولو كان العدد مطلوباً لذاته لبينه صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما بيّن بعض النوافل كرواتب الصلوات المفروضة وغيرها.
كما جرى عمل السلف من الصحابة ومن بعدهم على الزيادة على إحدى عشرة ركعة فلا فرق بين الزيادة والنقصان على ما كان من فعله صلى الله عليه وسلم.
ثم يقال أيضاً: من تمسّك بالعدد في حديث عائشة ورأى عدم الزيادة على ذلك يلزمه أن يتمسك بالكيفية التي سئلت عنها عائشة رضي الله عنها وأخبرت بها في تمام الحديث بقولها: «يُصَلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصَلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصَلِّي ثلاثاً».
وتقول في حديث آخر مبيّنةً طول سجوده: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاتَه، يسجد السجدة من ذلك قَدْرَ ما يقرأُ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه. رواه البخاري(91).
ومن حسن صلاته صلى الله عليه وسلم وطولها أنه كان سجوده وركوعه قريبا من قيامه، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: صلَّيتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يُصَلِّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها. ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسِّلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سَبَّح. وإذا مرَّ بسُؤَال سأَل. وإذا مرَّ بتعوذٍ تعوَّذَ. ثمَّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: «سبحان ربي الأعلى» فكان سجوده قريباً من قيامه. رواه مسلم(92).
فمن يحتمل ذلك منا أو يطيقه ؟!.
بل حتى إنّ بعض الصّحابة كان يشقّ عليهم قيامه صلى الله عليه وسلم، ففي الصّحيحين(93) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي الله صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمرِ سوءٍ، قلنا: وما هممتَ؟ قال: هممتُ أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يشقّ ذلك اليوم على آحاد الناس، فهل يطيقه جميع الناس في صلاة الجماعة؟!.
ومن المعلوم من السنّة أنّ التطوع بالصّلاة حال الانفراد يختلف عنه في جماعة من حيث التخفيف وعدم التطويل؛ كما جاء في الصّحيحين(94) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلّى أحدكم للناس فليُخفِّف، فإنّ منهم الضعيف والسَّقيم والكبير، وإذا صلّى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء».
بل هو الأمر الذي فعله عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في قيام رمضان، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليهم في رمضان فخفَّف بهم، ثم دخل فأطال، ثم خرج فخفَّف بهم، ثم دخل فأطال، فلما أصبحنا قلنا: يا نبي الله! جلسنا الليلة فخرجتَ إلينا فخفَّفتَ، ثم دخلتَ فأطلتَ؟ قال: «من أجلكم ». رواه الإمام أحمد(95) بإسناد صحيح.
والمقصود أنّ ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه لا يعارض قوله الذي هو تشريع عام للأمة؛ ولذلك لم يتحرّج عمر رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة من الزيادة في عدد الركعات، وذلك لأجل التخفيف عن المأمومين، ولعلمهم أيضاً بأنّ قيام الليل في رمضان وفي غيره يعدُّ من النوافل المطلقة التي لم يُوقّت فيها عددٌ معين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «قد ثبت أن أبى بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان ويوتر بثلاث ، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره مُنْكِر .
واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم . وقال طائفة : قد ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبي لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة.
واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصّحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين .
والصّواب أن ذلك جميعه حسن – كما قد نص على ذلك الإمام أحمد رضى الله عنه(96) – وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُوقِّت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الرّكعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبيّ كان يطيل القيام بالليل، حتى إنه قد ثبت عنه في الصّحيح من حديث حذيفة «أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران» (97)، فكان طولُ القيام يغني عن تكثير الركعات.
وأبيّ بن كعب لما قام بهم – وهم جماعة واحدة- لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثَّر الركعات ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام وجعلوا ذلك ضِعْفَ عدد ركعاته، فإنه [صلى الله عليه وسلم] كان يقوم باللّيل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كأنّ الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثَّروا الرّكعات حتى بلغت تسعا وثلاثين» انتهى(98).
ولا شكّ أن الالتزام بهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم كمًّا وكيفاً هو الأكمل والأفضل، ولكن ذلك لا يمنع من جواز الزيادة لما سبق بيانه، فلا ينبغي الإنكار على من أجاز الزيادة وتبديع فعله فضلا عن فاعله، مادام «ليس في عدد الركعات من صلاة الليل حدّ محدود عند أحد من أهل العلم لا يُتعدّى، وإنّما الصّلاة خير موضوع، وفعل برّ وقربة، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل، والله يوفق ويعين من شاء برحمته لا شريك له» (99).
وصلى الله وسلّم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه.

_________________________ _____ __________
(1) وبعض الناس – هدانا الله وإياهم – يصلون في المسجد النبوي ثمانَ ركعات أو عشراً ثم يجلسون ينتظرون صلاة الوتر، ويتبادلون أطراف الحديث فيحصل منهم إزعاج وتشويش على المصلّين، ومثل هذا لا يليق ولا ينبغي.
(2) صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759).
(3) الموطأ (1/113)، وصحيح مسلم (759: 174).
(4) صحيح البخاري (2012)، وصحيح مسلم (761: 177) واللفظ له.
(5) صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759).
(6) المسند (5/163)، وسنن أبي داود (1375)، وجامع الترمذي (806)، وسنن النسائي (1364)، وسنن ابن ماجه (1327)، وصحيح ابن خزيمة (2206)، وصحيح ابن حبان (2547) وغيرهم.
(7) صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759).
(8) المسند (4/272)، وسنن النسائي (1606)، وصحيح ابن خزيمة (2204)، والمستدرك (1/440).
(9) صحيح البخاري (1128)، وصحيح مسلم (718).
(10) الموطأ (1/114 – 115)، وصحيح البخاري (2010).
(11) رواه مسلم (867) من حديث جابر رضي الله عنه.
(12) ينظر في ذلك "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/93-97) لشيخ الإسلام، و"جامع العلوم والحكم" (2/128 – 131) لابن رجب. وللشاطبي كلام جيد في الرّد على من قسم البدع إلى الأحكام الخمسة، وجوابه على من استند إلى قول عمر: «نعمت البدعة» فراجعه إن شئت في كتابه "الاعتصام" (1/142) فما بعدها.
(13) شرح صحيح البخاري (4/147).
(14) (1/115).
(15) (1/293).
(16) (2/496).
(17) صحيح البخاري (1858).
(18) (5/154).
(19) (2/391).
(20) رقم (440).
(21) ينظر: "المصابيح في صلاة التراويح" للسيوطي (ص38).
(22) (135/ب) والجزء يوجد في ضمن مجموع، وهو من محفوظات المكتبة الظاهرية – سابقاً – وله مصورة فيلمية بمكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم (7046).
(23) (136/أ).
(24) هنا كلمة غير واضحة في المخطوطة، وأثبتها من عمدة القاري (11/127).
(25) زيادة من المصدر السابق، فقد ذكره بإسناد ابن نصر المروزيّ.
(26) في المخطوطة: «الداراني» والمثبت من مختصر قيام الليل.
(27) (ص220).
(28) (4/260).
(29) (158).
(30) المعروف بالجعديات (2844).
(31) (2/496).
(32) (4/32).
(33) (2/154).
(34) (4/350).
(35) (5/267).
(36) (4/261 – 262).
(37) (135/ب).
(38) هنا كلمة غير واضحة في المصورة بسبب الرطوبة التي طرأت على الأصل أو غير ذلك.
(39) صلاة التراويح (ص50).
(40) (3/367) رقم (1161).
(41) (4/228).
(42) (1/115).
(43) (160).
(44) (2/496).
(45) (4/42).
(46) (2/154).
(47) (2/163).
(48) تهذيب التهذيب (11/223).
(49) كما قاله الحافظ في "الفتح" (4/253).
(50) (23/112).
(51) (5/154).
(52) (2/496).
(53) (4/148) وينظر "فتح الباري" (4/253)، و"عمدة القاري" (11/127).
(54) (ص221).
(55) (11/127).
(56) (2/393).
(57) رقم (49).
(58) رقم (50).
(59) (36/13).
(60) الموصوف بالصحبة هو أبو بكرة واسمه نفيع بن الحارث نزيل البصرة رضي الله عنه.
تنبيه: وقع في طبعة "فضائل شهر رمضان" عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ ظاهر؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق صحابي أيضاً مات في حياة أخته أم المؤمنين عائشة في طريق مكة سنة (53) فلا يمكن أن يدركه يونس بن عبيد.
(61) انظر: تاريخ خليفة (ص280)، والعبر للذهبي (1/68).
(62) (3/169).
(63) قال النووي في "المجموع" (4/33): قال أصحابنا: سببه أنّ أهل مكة كانوا يطوفون بين كلّ تروحتين طوافاً ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كلّ طواف أربع ركعات، فزادوا ست عشرة ركعة وأوتروا بثلاث فصار المجموع تسعاً وثلاثين.
(64) انظر مختصر كتاب قيام رمضان (ص221).
(65) نفسه.
(66) هو جعفر بن سليمان كما في رواية المروزيّ (خصر قيام رمضان ص222).
(67) انظر مختصر كتاب قيام رمضان (ص222).
(68) انظر مختصر "كتاب قيام رمضان" (ص222)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (4/42).
(69) مسائل إسحاق بن منصور (2/755) فقرة (387)، وانظر مختصر "كتاب قيام رمضان" (ص222).
(70) فقرة (948).
(71) (3/82).
(72) (3/50 – 51).
(73) الموطأ (1/132)، وصحيح البخاري (990)، وصحيح مسلم (749).
(74) سنن أبي داود (1277)، وصحيح ابن خزيمة (260).
(75) (832).
(76) (3/81).
(77) أي الاقتصار على أربع ركعات فقط! كما فهمه ابن حزم.
(78) (ص311).
(79) (2/481).
(80) (2/82).
(81) أبو عبيدة البصري، ثقة ثقة كما في "التقريب".
(82) مشهور بكنيته واسمه لاحق بن حميد البصري، ثقة. كما في التقريب.
(83) رواه مالك في الموطأ (1/120) ومن طريقه البخاري (1147)، ومسلم (738).
(84) المسند (6/149)، وسنن أبي داود (1362).
(85) البخاري (1138)، ومسلم (764).
(86) (765).
(87) (746).
(88) المسند (6/32)، وسنن النسائي (1708).
(89) من كلام القاضي عياض في كتابه "إكمال المعلم" (3/81).
(90) سنن أبي داود (1422)، والنسائي (1710، 1711)، وابن ماجه (1190)، وابن حبان (2407، 2410، 2411)، والمستدرك (1/302).
(91) (1123).
(92) (772).
(93) صحيح البخاري (1135)، وصحيح مسلم (773).
(94) صحيح البخاري (703)، وصحيح مسلم (467).
(95) (3/154).
(96) سبق نقل كلامه من رواية إسحاق بن منصور عنه.
(97) رواه مسلم (772) وقد سبق ذكره قريباً.
(98) مجموع الفتاوى (23/113).
(99) من كلام الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (13/214).

منقول من موقع منابر النور




جزاكم الله خيرا ونفع بكم




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

خطبة العيد



خطبة العيد لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبهم بإحسان وسلّم تسليمًا .
والحمدُ لله الذي سهّل لعباده طرق العبادة ويسّر، وتابَعَ لهم مواسم العبادة لتزدان أوقاتهم بالطاعة وتُعمر، فما انتهى شهر الصيام إلا بدخول أشهر حج بيت الله المطهّر، أحمده على صفاته الكاملة وأشكره على آلائه السابغة التي لا تُحصر، وأُقرّ بوحدانيته وتقديره وتدبيره فهو المتفرّد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدّر .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد؛ فإنه اليوم الذي توّج الله به شهر الصيام وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وهو أحد الأعياد الشرعية الثلاثة وثانيها عيد الأضحى وثالثها عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة وليس في الإسلام سواها عيد، ليس في الإسلام عيد لمولد نبيّ ولا لمولد زعيم ولا لانتصار على عدو ولا لقيام دولة، ليس في الإسلام سوى هذه الأعياد الثلاثة: عيد الأضحى وعيد الفطر وعيد الأسبوع .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
أيها المسلمون، في هذا اليوم تُخرجون قبل الصلاة زكاة الفطر تقرّبًا إلى الله تعالى وأداءً للفريضة، فقد فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «زكاة الفطر وأمر أن تُخرَج قبل صلاة العيد، فمَن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدّاها بعد الصلاة ولو في يوم العيد فهي صدقة من الصدقات»(1) لا تجزئ عن فريضة الزكاة إلا أن يكون الإنسان معذورًا .
فرضها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المسلمين «تطهيرًا لصيامهم وطعمةً لمساكينهم»(2)، فرضها «على الصغير والكبير والذكَر والأنثى والحر والعبد»(3)، فرضها صلى الله عليه وسلم «صاعًا من طعام الآدميين من تَمْر أو بُرٍّ أو رزٍّ أو غيرها»(4)، فلا تُخرج من الدراهم ولا من الثياب والأمتعة وإنما تُخرج مِمَّا فرضه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من طعام الآدميين خاصة، فمَن أخرجها من غيره فهي مردودة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(5) .
أيها المسلمون، في هذا اليوم تَخرجون إلى مصلى العيد معظّمين لربكم بأفئدتكم وألسنتكم تكبِّرون الله – عزَّ وجل – وتوحّدونه وتحمدونه على ما هداكم ويسّر لكم من نعمة الصيام والقيام وغيرهما من الطاعات، في هذا اليوم تؤدون صلاة العيد تعظيمًا لله – عزَّ وجل – وإقامة لذكْره وبرهانًا على ما في قلوبكم من محبته وشكره، تؤدّونها – أيها المسلمون – في الصحراء إظهارًا لشرائع الله واتّباعًا لسنَّة رسوله الله – صلى الله عليه وسلم – تنتظرون جوائز ربكم وتُحسنون الظن أن يتقبّل منكم .
أيها المسلمون، في هذا اليوم ودّعتم بالأمس شهر رمضان وانقسم الناس فيه إلى قسمين: قسم فرح بالتخلّص منه؛ لأنه ثقيل عليه مُتعبٌ لنفسه وبدنه فهو يريد أن يتخلّص من رمضان ويفارقه، وقسم آخر فرح بفطره، فرح بتخلّصه به من الذنوب؛ «فإن مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(6)، «ومَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(7)، «ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(8).
الله أكبر، الله أكبر،لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
الله أكبر على ما هدانا للإسلام وعلى ما منَّ به علينا من إتمام الصيام والقيام، والحمدُ لله على ما أنعم به علينا من دين الإسلام ذلك الدين القيّم الذي أكمله الله تعالى لنا عقيدة ومنهجًا، ثم نحمده أن هدانا له وقد أضلّ عنه كثيرًا .
أيها المسلمون، إن دين الإسلام هو الذي ارتضاه الله لنفسه وفرَضَه على عباده إلى يوم القيامة،﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: 19]، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]؛ولذلك ختمَ الله بهذا الدين الأديانَ كلّها بِما بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده ولا دين سوى ما جاء به، وفيه إصلاح الخلق والعزّ والتمكين في كل زمان ومكان، فمَن تمسَّك بهذا الإسلام عقيدة ومنهجًا، مَن تمسّك به نالَ العزّة والرفعة في الدنيا والآخرة، واسمعوا قول الله – عزَّ وجل – وهو سبحانه لا يخلف الميعاد: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، ويقول الله تعالى:﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40] .
أيها المسلمون، إن ذلك لوعدٌ حقّ مثلما أنكم تنطقون، ولقد كان ذلك في سلف هذه الأمة حين تمسّكوا بهذا الدين فصاروا قادة العالَم بالعلْم والعقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة والحضارة الراقية وفتحوا بدينهم وأخلاقهم مشارق الأرض ومغاربها، فلو عُدْنا نحن المسلمين اليوم إلى ما كان عليه سلفنا بالأمس لَحَصَلَ لنا من العزّ والتمكين ما حصل لهم .
أيها المسلمون، لقد فهم أعداء الإسلام ذلك، فهموه منذ ظهر الإسلام، «فها هو هرقل ملك الروم قال لأبي سفيان حين سأله عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وما يدعو إليه، قال له هرقل وهو ملك الروم، قال: إن كان ما تقول صدقًا فَسَيَمْلِكُ موضع قدميّ هاتين»(9)، ولقد كان صدقًا ولقد ملكت الأمة الإسلامية، ملكت ما تحت قدمي هرقل وكسرى وسادوا العالَم، وفي هذا القرن قال أحد رؤساء الوزارة البريطانية: ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان، وقال أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية: إن الخطر الذي يهدّدنا تهديدًا مباشرًا وعنيفًا هو الخطر الإسلامي؛ ومن أجل خوف أعداء الإسلام من ظهور المسلمين عليهم حاوَلَ أعداء المسلمين والإسلام بكل ما أوتوا من قوّة بالمكر والخديعة، حاولوا أن يقضوا على الإسلام بالغزو العسكري المسلّح وبالغزو الفكري والخلقي فاحتلّوا كثيرًا من بلاد المسلمين في مِصْر والعراق والشام وأفسدوا عقائد كثير منهم وأخلاقهم وغزوا كثيرًا من المسلمين ولا سيما ذوي الضعف في الدين والبصيرة حتى خفَّفوا الدين في نفوسهم وأخرجوهم من الإسلام أو كادوا لولا أنْ مَنَّ الله على هذه البلاد بالتخلّص من استعمارهم .
لقد أدخل أعداء الإسلام على المسلمين أنواعًا من اللهو واللعب ليصرفوهم عن دينهم وعن الجد في أمورهم، زيَّنوا في قلوبهم الشهوات وأدخلوا في عقولهم الشبهات وثقَّلوا عليهم الصلوات والعبادات بل صوّروا لهم الصلاة والعبادة بالأمور التقليدية الفانية التي لا مكان لها في هذا العصر فانخدع كثيرٌ من الناس بهذه الدعاية الباطلة واستهانوا بشرائع دينهم وأنكروا عقائده وصاروا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً، يتّبعون الشهوات ويُضيعون الصلوات كما قال الله عزَّ وجل: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا[مريم: 59-60] .
أيها المسلمون، إن هذه الدعاية الباطلة وهذا الترويج الكاذب إنه خدعَ كثيرًا من الناس ولا سيما الشباب الذين يذهبون إلى بلاد الكفر والذين يشاهدون ما يشاهدون من أنواع الفسق والفجور حتى هانَ عليهم الدِّين وهانَ عليهم ما كان أسلالفهم الصالحة .
أيها المسلمون، إن ترك الصلاة كفرٌ مخرج عن الملّة كما قال الله عزَّ وجل: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11]، ومفهوم الآية الكريمة: أنهم إن لم يفعلوا ذلك فليسوا إخوانًا لنا في الدِّين، والأخوّة في الدِّين لا تنتفي إلا بالكفر؛ ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما صَحَّ عنه: «بين الرَّجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»(10)، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا حظّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاة»(11) و«حظ» نكرةٌ في سياق النفي العام، فلا حظّ من قليل ولا كثير في الإسلام لِمَن ترك الصلاة، هذا ما يدل عليه كتاب الله وسنَّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وإذا كفر المسلم بعد إسلامه صار مرتدًّا يجب قتله إلا أن يتوب ويترتَّب على ردَّته أحكام دنيويَّة وأحكام أخرويَّة، أما الأحكام الدنيويَّة فإن مَن كفر فإن زوجته ينفسخ نكاحها منه ولا تَحِل له حتى يرجع إلى الإسلام ويصلي، فلا يحل له النظر إلى زوجته ولا مباشرتها ولا جِماعها ولا يَحِل لنا أن نأكل ذبَحه .
فتصورا أيها المسلمون، يذبح اليهودي أو النصراني فنأكلها لقول الله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5]، ويذبح تاركُ الصلاة الذبيحة فلا نأكلها؛ لأنها ميتة فلا تَحِل .
أيها المسلمون، وإذا مات تاركُ الصلاة على تركها فإنه لا يُصلّى عليه ولا يُدعى له ولا يُدفن مع المسلمين ولا يَحِل لأحد من أقاربه أن يرث شيئًا من ماله بل يكون ماله في بيت مال المسلمين للدولة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ»(12) .
هذه أحكام الدنيا في تارك الصلاة أما أحكام الآخرة فإن تارك الصلاة كما جاء به الحديث «يُحشر مع فرعون وهامان وقارون وأُبيّ بن خلف»(ث1)رؤساء الكفر ويُخلّد في النار، وهذه الأحكام كلّها ترتفع إذا رجع الإنسان إلى الإسلام وتابَ إلى ربه وأقام الصلاة .
أيها المسلمون، كُنَّا نتكلم في كل يوم عيد بِما يناسب من المشاكل الاجتماعية وإننا قبل سنتين تكلّمنا عن حكم تارك الصلاة وتكلّمنا أيضًا عن هؤلاء الذين يَجلبون اليهود والنصارى والوثنيين إلى جزيرة العرب وبيَّنا أن هؤلاء مخالفون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْرجوا المشركين من جزيرة العرب»(13)، هكذا قال صلى الله عليه وسلم، عهِدَ به إلى أمته وهو في مرض موته، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَخْرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب»(14)، فجزيرةُ العرب – أيها المسلمون – ليست كغيرها من بلدان الإسلام؛ لأنها مهدُ الإسلام ومنها خرج الإسلام وإليها يعود الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليأزِرُ إلى المدينة كما تأزِرُ الحيَّة إلى جحرها»(15)، وإني أقرع على رؤوس هؤلاء، أقرع عليهم وأقرع رؤوسهم أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْرجوا المشركين من جزيرة العرب»(16)، وإنني أقول لهم: إن الله سائلكم يوم القيامة إذا وقفتم بين يديه ولم يكن عندكم مالٌ ينجيكم ولا ولد يفديكم، إنكم مسؤولون عن هذا الحديث الذي قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في مرض موته في آخر حياته يعهد به إلى أمته صلى الله عليه وسلم، فأعِدُّوا لأنفسكم جوابًا وأعدّوا لأقدامكم مرتقًى وإلا فما أدري ماذا يكون حالكم ؟
أما المشكلة التي هي موضوع بحثنا هذا العام فإنها مشكلة الزواج وهي مشكلة اجتماعية عامة وسنتناولها من وجوه أربعة:
أولاً: من جهة ارتفاع المهور هذا الارتفاع الفاحش الذي هو خلاف شريعة الله؛ فإن المشروع تقليل المهور وإن أعظم النكاح بركةً أيْسَرُه مؤونة .
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المواطنون، أَتُريدون أن يخرج شبابكم إلى بلاد أخرى يتزوّجون منها وحينئذٍ تحدث مشاكل ومشاكل ؟ رويدكم أيها الناس؛ إن ارتفاع المهور خلاف السنَّة وإن فيه مشاكل ومضارّ عديدة؛ ولهذا أدعوكم وأبدأ أولاً بولاة الأمور من الأمراء والعلماء والوجهاء والأعيان أن يكونوا قدوةً في هذا الأمر حتى يحلّوا هذه المشكلة العظيمة .
أما الأمر الثاني فهو: عزوف كثير من الشباب والشابات عن الزواج خصوصًا المتعلّمين منهم وهذا جهلٌ وخلافُ ما أمَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج»(17) .
إذن: ألا يجدر بكم – أيها الشباب – من ذكور وإناث أن تقولوا سمعنا وأطعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أَتُريدون أن تُذهبوا شبابكم بدون زواج حتى إذا بردت الشهوة فيكم وكبرت سنّكم ذهبتم تطلبون الزواج بعد فوات الأوان ؟
أما الأمر الثالث فهو: الإسراف في الولائم، ذلك الإسراف الذي هو وقوع فيما نهى الله عنه؛ فإن الله يقول: ﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31] .
أيها الناس، ما هذا الإسراف الذي نسمع به والذي قد نشاهده نحن في هذه الولائم، إن هذه الأطعمة وإن هذه اللحوم إنها ربما تُلقى في المزابل وربما تُلقى في البراري، مالٌ ضائع ووقوعٌ في الإسراف الذي نهى الله عنه .
فيا أيها الأغنياء، تذكَّروا حال الفقر السابقة وتذكَّروا حال الفقراء في بلاد المسلمين ولا تُذهبوا أموالكم فيما ينهى الله عنه ورسوله، اتّقوا الله تعالى في الإسراف واحذوره؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141] .
أما الأمر الرابع وما أدراك ما الأمر الرابع فهو: اتخاذ بعض الأولياء موليّاتهن بمنزلة السلعة، يزوجوهنّ حسب رغبتهم لا حسب ما تقضيه الأمانة ومصلحتهن؛ إن بعض الناس يحتكر بناته وأخواته ومَن له ولاية عليها من النساء حتى لا يزوّجها إلا إذا دُفع له مال يرضيه، وإنه لا يَحل للأب ولا لغيره أن يشترط لنفسه شيئًا من مهر المرأة؛ لأن المهر لها كما قال الله عزَّ وجل: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: 4]، فأضاف الصدقات وهي المهور إلى الزوجات لا إلى أوليائهن، فلا يَحل للأب ولا للأم من حضر وبدو أن يشترط لنفسه شيئًا من مهر المرأة؛ فإن ذلك حرام عليه ولكن المرأة إذا ملكته فلها أن تُكرم به أو منه مَن شاءت من أبيها أو أخيها أو أحدًا من أقاربها .
أيها المسلمون، وإن بعض الناس يحتكر ابنته: يخطبها الكفؤ ولكنه يمنع: هذه صغيرة، هذه قد فاتت وهو كاذب في هذا ولكنه قد لا يرضى الرجل الخاطب لغرض شخصي بينه وبينه وهذا حرام عليه ولا يَحل له .
أيها المسلمون، إني أقُصُّ عليكم قصّة ولو أطلت عليكم فالأمر مهم: سمعت أن أحدًا من الناس عنده ثلاث بنات وكانت الكبيرة منهنّ تُخطب ولكنه يمنعها، فأراد الله – عزَّ وجل – فمُرضت الكبيرة وحضرها الموت فكانت في سياق الموت توصي مَن حولها وتقول: قولوا لأبي حسبي الله عليه؛ حيث منعني شبابي ومنعني شهوتي وإني واقفة بين يدي الله أنا وهو فلْيعدّ لنفسه جوابًا أو كما قالت، أفلا تخافون أن تكون هذه عاقبة بناتكم إذا منعتموهنّ ؟ فاتّقوا الله عباد الله .
ولا يَحل للرّجل كذلك أن يُجبر ابنته على زواج مَن لا تريد النكاح به؛ لأن ذلك محرّم عليه سواء كان الأب أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تُنكح البِكر حتى تستأذن»(18)، وفي رواية لمسلم: «والبِكر يستأمرها أبوها»(19) .
فاتّقوا الله عباد الله، تمسّكوا بدينكم واعتصموا به واحذورا كيد أعدائكم ومكرهم ولا ﴿تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: 33] .
وإني مواصل معكم في الخطبة الثانية نرجو الله تعالى أن ينفعنا جميعًا بِما سمعنا .
فأما بعد:
أيها الناس، اتّقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام واسألوه قبول ذلك فإنما المعوّل على القبول، واعملوا – أيها المسلمون – أنه وإن كان شهركم ناقص العدد فهو كامل الأجر؛ لأن الله إنما فرض عليكم صوم الشهر وقد صمتموه ولله الحمد، وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «شهرا عيدٍ لا ينقصان: رمضان وذو الحجة»(20) .
أيها المسلمون، إنكم تجتمعون في هذا المكان على طبقات مختلفة ما بين صغير وكبير وغنيّ وفقير وذكَر وأنثى فتذكّروا بهذا الاجتماع والاختلاف اجتماعكم يوم الجمع الأكبر – يوم القيامة – فذلك واللهِ يوم التغابن، ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: 21] .
تذكَّروا – أيها المسلمون – يوم يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الداعي وينفذهم البصر حافية أقدامهم عارية أجسامهم ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 2]، يوم توضع الموازين ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[المؤمنون: 102] .
أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يجعلني وإياكم من هؤلاء .
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: 103]، أعوذ بالله منها، أسأله تعالى أن يعيذني وإياكم منها .
تذكّروا يوم يُنصب الصراط على نار جهنم فتمرّون عليه على قدر أعمالكم فمُسلّم ناجٍ ومُكَرْدسٌ في نار جهنم، مَن كان مستقيمًا في هذه الدنيا على دين الله كان مستقيمًا يوم القيامة على الصراط، ومَن كان منحرفًا وزائغًا في هذه الدنيا زلّت به قدمه على الصراط يوم القيامة .
أيها المسلمون، إنكم بعد اجتماعكم هنا سوف تتفرّقون إلى منازلكم فتذكّروا بذلك تفرّق الناس من المجتمع العظيم يوم القيامة، ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ[الروم: 14-16]، ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان: 24] .
أيها المسلمون، تذكَّروا ذلك واعملوا ما ينجيكم في ذلك اليوم .
اللهُ أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – «أنه إذا خرجَ صلاة العيد من طريق رجع من طريق أخرى»(21)لتظهر بذلك شعائر العيد فاتّبعوه في ذلك فإنه بكم أجدر وأحرى .
ولا بأس أن يهنئ الناس بعضهم بعضًا بالعيد؛ لأنه فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ ولأن التهنئة بالعيد تجلب المودّة والألفة ويحصل بها التزاور والمودّة ولكنْ لا يهنئ الرجل المرأة إلا أن تكون من محارمه فإن بدأته هي بالتهنئة وهي من معارفه فلا بأس أن يردّ عليها إذا لم يحصل بذلك خلْوة بها أو فتنة .
ولا يصافح الرجل المرأة إلا أن تكون من محارمه؛ وإن كثيرًا من الناس يصافح المرأة مَن ليس من محرمها لكونه ابن عمّها أو ابن خالها أو أخا زوجها أو ما أشبه ذلك وهذا حرام عليهم سواء كانوا من الحاضرة أو من البدو لا فرق في ذلك، فلا يجوز لامرأة أن تصافح أحدًا بيدها مباشرة إلا أن يكون من محارمها، أما إذا كان من وراء حائل فإنه لا بأس به إذا لم تُخشَ الفتنة، ولا يقبّل الإنسان امرأة على فمِها إلا أن تكون زوجته، أما إذا كانت ليست زوجةً له ولكنّها من محارمه فلا بأس أن يقبّل رأسها وجبهتها، أما إذا كانت ليست زوجته ولكنها من محارمه كأمه وأخته فلا بأس أن يقبِّل رأسها وجَبْهَتِها .
وأما زيارة القبور باسم المعايدة فإنه بدعة لا أعلم له أصلاً في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يتقصَّد الخروج إلى المقبرة يوم العيد ولا أمر به وإنما أمر بزيارتها أمرًا عامًّا في كل وقت، وكان يزورها كلما سنحت له الفرصة وربما زارها في الليل .
وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وكمال تعليمه وتبليغه أنه إذا فرغ من خطبة الرجال يوم العيد توجَّه إلى النساء فوعظهن وخوّفهن .
ولنعم النساء نساء الصحابة رضي الله عنهم، وعظهن ذات يوم وحثَّهن على الصدقة، وكان معه بلال رضي الله عنه، فجعلن يُلقين في ثوب بلال من حُليِّهن، تُلقي المرأة خاتمها، والمرأة تُلقي قرطها وخُرَصها، والمرأة تُلقي قلادتها، والمرأة تُلقي سوارها كما في صحيح البخاري .
فيا إماء الله، إنني أتوجه إليكن كما توجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى النساء، أتبعه في ذلك إن شاء الله، وأرجو الله تعالى أن نكون جميعًا لربنا مُخلصين، ولنبيِّنا متَّبعين، وبهديه من المتمسكين .
يا إماء الله، اتَّقينَ الله واحفظنَ حدوده، وقمنَ بما أوجب الله عليكن من شرائع دينه، أقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، أكثرن من الصدقة؛ فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، اِلْزَمْنَ بيوتكن ولا تخرجن إلا لحاجة؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «بيوتهن خير لهن»(22)، وإذا خرجتن للسوق لا تخرجن متبرجات بزينة ولا متطيبات فقد قال الله تعالى لأمهات المؤمنين وهنَّ القدوة: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، وقال في القواعد من النساء وهن العجائز اللاتي يئسن من النكاح لكبرهن وعدم الرغبة فيهن، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ [النور: 60]، هكذا يقول سبحانه في حق العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا، فما بالكن بِمَن تتبرَّج بالزينة وهي محل الفتنة والرغبة من الشوَّاب ؟
ولقد قال سبحانه: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، فهل يُعقل أن ينهى الله سبحانه المرأةَ أن تضرب برجلها خوفًا من أن يسمع خلخالها الذي لا يرى ثم تسمح لنفسها أن تبدي ذراعيها بما عليهما من الساعة والحلي ؟ هل يُعقل أن ينهى الله سبحانه المرأة أن تضرب برجلها خوفًا من أن يعلم خلخالها الذي لا يرى ثم تسمح لنفسها أن تكشف عن ثيابها الجميلة التي تحت عباءتها ؟ هل يعقل هذا أيها المسلمون؟
إن ربكم الذي ينهى أن تضرب المرأة برجلها خوفًا من أن يعلم ما تخفي من زينتها إنما ينهاها عن ذلك وعمَّا هو مثله أو أشد فتنة، وإخراج المرأة ذراعيها المملوءين بالحلي أشد فتنة، ورفع المرأة عباءتها لتخرج ثيابها الجميلة أشد فتنة وأعظم تبرّجًا .
فيا إماء الله، ويا نساء المسلمات، لا تنخدعن ولا تغركن الحياة الدنيا، وإياكن ومزاحمة الرجال والاختلاط بهم؛ فإن ذلك من أسباب الفتنة التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد أشار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رغبة الإسلام في ابتعاد المرأة عن مزاحمة الرجال والاختلاط بهم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صفوفِ النساءِ آخرها وشرُّها أولها»(23)؛ وذلك لأن آخرها أبعد عن الرجال وأولها أقرب إليهم، فكلما ابتعدت المرأة عن الرجال حتى في أماكن العبادة فهو خير لها .
أيتها النساء، إن بعضًا من النساء يصلْنَ رؤوسهن بشيء وقد زجر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تصل المرأة بشعرها شيئًا، ولعن الواصلة والمستوصلة، وإن بعضًا من النساء تجمع شعر رأسها فوقه حتى يكون كسنام البعير، وهذا حرام؛ لأنه من فعل نساء أهل النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد» – وذكر صنفًا – ثم قال: «ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها»(24).
فاتّقينَ الله – أيتها النساء – والتزمنَ حدود الله وحافظنَ على تربية بناتكن على الشيمة والحياء؛ فإن الحياء من الدين .
ويا أيها الرجال، أنتم قوامون على النساء والمسؤولون عنهن، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته»(25)، فأَلْزِمُوهن بأحكام الإسلام بالحجاب والحشمة والبعد عن محلات الفتن؛ فإنكم مسؤولون أمام الله وأمام التاريخ، فإذا أهمل الرجل أهله وأهمل الثاني أهله وأهمل الثالث والرابع فسَدَ المجتمع كله؛ لأن المجتمع هو الأفراد، فإذا صلح الأفراد صلح المجتمع، فأصلحوا أنفسكم وأصْلحوا أهليكم، ولا تنخدعوا بما يُزَيِّنه أعداؤكم في قلوبكم .
أيها المسلمون، إن مكاننا هذا مكان دعاء وخير، وإنني داعٍ فأَمِّنوا بقلوب حاضرة ونفوس راجية .
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله، الأحد الصمد، الحي القيوم، الجواد الكريم، أن تجود علينا بالقبول والصلاح والإصلاح، وأن تجعلنا في يومنا هذا من الفائزين المفلحين، نفوز بجائزتك، ونفلح برضوانك .
اللهم أتْمِم علينا نعمتك بالتمسك بدين الإسلام، والاقتداء بنبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم الرسل الكرام .
اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا مِمَّن يحشرون إليك وفدًا، ويفوزون بصحبة نبيهم في دار النعيم، وينعمون بالنظر إلى وجهك الكريم، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وصلِّ الله وسلّم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



——————–
(1) أخرجه أبو داوود في سننه رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: زكاة الفطر، رقم [1371]، وأخرجه ابن ماجه -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: صدقة الفطر، رقم [1817] ت ط ع .
(2) سبق تخريجه في الحديث الأول في نفس الصفحة .
(3) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: فرض صدقة الفطر، رقم [1407]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، رقم [1635] .
(4) أخرجه النسائي رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة، رقم [2462] [2466]، وأخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الزكاة] باب: ما جاء في صدقة الفطر، رقم [609] .
(5) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الأقضية] باب: نقص الأحكام الباطلة ورَدُّ محدثات الأمور، رقم [3243] .
(6) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الإيمان] باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان، رقم [37]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم [1268] ت ط ع .
(7) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الصوم] باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان، رقم [36]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم [1266] ت ط ع .
(8) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الصوم] باب: مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيَّته، قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يبعثون على نياتهم» رقم [1768]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- سابقًا في نفس الصفحة في حديث رقم [6] ت ط ع .
(9) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه مطولاً، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في كتاب [بدء الوحي] باب: بدء الوحي، رقم [6] ت ط ع .
(10) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الإيمان] باب: بيان إطلاق اسم الكفر على مَن ترك الصلاة، رقم [116-117] ت ط ع .
(11) أخرجه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في [الموطأ]، من حديث أمير المؤمنين أبي حفص -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الطهارة] باب: العمل فيمن عليه الدم من جرح أو رعاف، رقم [74] ت ط ع .
(12) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الفرائض] باب: لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا إرث له، رقم [6267]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الفرائض] رقم [3027] ت ط ع .
(13) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الجهاد والسير] باب: يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم، رقم [2825]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الوصية] باب: ترك الوصية لِمَن ليس له شيء يوصي فيه، رقم [3089] ت ط ع .
(14) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد والسير] باب: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، رقم [3313]، وأخرجه البزار -رحمه الله تعالى- في مسنده في الجزء [1] في الصفحة [349] [230] واللفظ له، ت م ش .

(15) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الحج] باب: الإيمان يأزر إلى المدينة، رقم [1743]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الإيمان] باب: بيان أن الإسلام يبدأ غريبًا وسيعود غريبًا وأنه يأزر بين المسجدين، رقم [210] ت ط ع .
(16) سبق تخريجه في الحديث رقم [14] .
(17) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [النكاح] باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج» وهل يتزوج مَن لا إرب له في النكاح، رقم [4677]، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [النكاح] باب: استحباب النكاح لِمَن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونة واشتغال من عجز عن المؤونة بالصوم، رقم [2485] [2486] ت ط ع .
(18) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [النكاح] باب: لا ينكح الأب وغيره البكر ولا الثيب إلا برضاها، رقم [4741]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب [النكاح] باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبِكر بالسكوت، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم [2546] ت ط ع .
(19) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [النكاح] باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبِكر بالسكوت، رقم [2546]، وأخرجه النسائي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [النكاح] باب: استئمار البِكر في نفسها، رقم [3212] ت ط ع .
(20) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الصوم] باب: «شهرا عيد لا ينقصان»، رقم [1779] ت ط ع .
(21) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم [5612] ت ط ع .
(22) جزء من حديث أخرجه أبو داوود، رقم [567]، وأحمد برقم [2/76]، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
(23) أخرجه مسلم، رقم [440] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(24) أخرجه مسلم، رقم [2128] من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
(25) أخرجه أحمد، رقم [2/5]، والبخاري برقم [893]، ومسلم برقم [1829]، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما .
(ث1) انظر إلى هذا الأثر في [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد] للهيثمي رحمه الله تعالى، الجزء [2] في الصفحة [21] [1611]، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، ت م ش .




بارك الله فيكم و نفع بكم




بارك الله فيك و جزاك ألف خير

و عيد سعيد على الجميع




وفيكم بارك الله
تقبل الله منا ومنكم صالح لأعمال




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

حكم التمسح بحيطان الكعبة وفي كسوتها، وبالمقام والحجر

السؤال : ما حكم التمسح بحيطان الكعبة وفي كسوتها، وبالمقام والحجر؟



الجواب : بدعة، كله بدعة لا يجوز؛ لأن الرسول ما فعل ذلك، ويقول الرسول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ويقول رسول – صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ويقول: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، وإذا قصد أن التمسح بالجدار أو بالكسوة يحصل له البركة من نفس الكسوة أو من الجدار؛ شرك أكبر، أما إذا ظن أنها مباركة وأن الله شرع هذا، يحسب أن شرع هذا، مشروع أنه يقبل هذا الجدار أو الكسوة؛ فهذه بدعة تصير بدعة، أما إذا فعله يطلب البركة شركٌ أكبر نسأل الله العافية، إنما يشرع تقبيل الحجر الأسود، يقبل الحجر يستلمه يقبله، هذا سنه فعله النبي – صلى الله عليه وسلم-، وهكذا الركن اليماني يستلمه بيده ويقول: بسم الله والله أكبر ولا يقبله، لما قبل عمر – رضي الله عنه – الحجر قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم- ما قبلتك)، فنحن نقبله تأسياً بالنبي-صلى الله عليه وسلم-، ولا نطلب البركة من الحجر، إنما تأسياً بالنبي – صلى الله عليه وسلم-، واتباعاً له وعملاً بسنته، لقوله – صلى الله عليه وسلم-: (خذوا عني مناسككم)، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فنصلي كما صلّى ونحج كما حج عيه الصلاة والسلام، ولا نتمسح بمقام إبراهيم ولا بالجداران ولا بالشبابيك ولا بالكسوة كل هذا لا أصل له من البدعة، أما الملتزم .. هذه عبادة، جعل وجهه يُقصد الملتزم من الركن إلى الباب هذا عبادة لله، مو بطلب من الكعبة ولا تبرك بها بل خضوع لله عند الباب وهكذا في داخل الكعبة إذا طاف بنواحيها وكبر في نواحيها أو التزمها، جعل صدره عليها ويديه ودعا كما فعله النبي-صلى الله عليه وسلم-؛كل هذا لا بأس به، هذا من باب التعبد والتقرب إلى الله جل وعلا.




جزاكم الله خيرا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : التمسح بحيطان الكعبة غير الركنين اليمانيين وتقبيل شيء منها غير الحجر الأسود ليس بسنة، .. فعلم أن سائر المقامات لا تقصد للصلاة فيها كما لا يحج إلى سائر المشاهد ولا يتمسح بها ولا يقبل شيء من مقامات الأنبياء ولا المساجد ولا الصخرة ولا غيرها ولا يقبل ما على وجه الأرض إلا الحجر الأسود(مجموع الفتاوى 27/472)




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

أحكام الأضحية والزكاة-العثيمين

أحكام الأضحية والزكاة-العثيمين
http://www.4shared.com/document/fpYes9Po/__-.html




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

تنبيه الفطناء لأحاديث ضعيفة في فضل عاشوراء



جميع الأحاديث الواردة في الاغتسال يوم عاشوراء والكحل والخضاب وغير ذلك مما يفعله أهل السنة يوم عاشوراء ضد الشيعة فهو موضوع ما عدا الصيام.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج4 ص513 ما نصه:

(وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعاراً في هذا اليوم – يعني يوم عاشوراء – يعارضون به شعار ذلك القوم -يعني الرافضة- فقابلوا باطلاً بباطل وردوا بدعة ببدعة، وإن كانت إحداهما -يعني بدعة الرافضة- أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل: الحديث الطويل الذي روي فيه: ((من اغتسل عاشوراء لم يمرض ذلك العام، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام)) وأمثال ذلك من الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه ونحو ذلك، فإن هذا الحديث ونحوه كذب مختلق باتفاق من يعرف علم الحديث، وإن كان قد ذكره بعض أهل الحديث، وقال: إنه صحيح وإسناده على شرط الصحيح، فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع، ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك، ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم، ولا ذكر مثل هذا الحديث في شيء من الدواوين التي صنفها علماء الحديث لا في المسندات كمسند أحمد وإسحاق وأحمد بن منيع الحميدي والدالاني وأبي يعلى الموصلي وأمثالها، ولا في المصنفات على الأبواب كالصحاح والسنن، ولا في الكتب المصنفة الجامعة للمسند والآثار مثل موطأ مالك ووكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأمثالها) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه (لطائف المعارف) عند الكلام على صوم عاشوراء ما نصه: وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح، وأما الصدقة فيه فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ((من صام عاشوراء فكأنما صام السنة ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة)) أخرجه أبو موسى المديني.
وأما التوسعة فيه على العيال، فقال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء ((من وسَّع على أهله يوم عاشوراء)) فلم يره شيئاً. وقال ابن منصور: قلت لأحمد: هل سمعت في الحديث ((من وسَّع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة))، فقال: نعم. رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه أنه ((من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته))، قال ابن عيينة جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيراً، وقول حرب: إن أحمد لم يره شيئاً إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح إسناده.
وقد روي من وجوهٍ متعددة لا يصح منها شيء، وممن روى ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال العقيلي: هو غير محفوظ، وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف.
وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين رضي الله عنه فيه، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم… أ هـ. كلامه رحمه الله.
وبما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب رحمهما الله يعلم أن الأحاديث الواردة في تخصيص يوم عاشوراء بالاكتحال أو الاغتسال أو الاختضاب موضوعة، وهكذا أحاديث التوسعة على العيال كلها غير صحيحة، وأما ما نقله إبراهيم بن محمد المنتشر وهو من صغار التابعين عن غيره ولم يسمه وهكذا عمل سفيان بن عينية الإمام المشهور فلا يجوز الاحتجاج بذلك على شرعية التوسعة على العيال؛ لأن الحجة في الكتاب والسنة لا في عمل التابعين ومن بعدهم؛ وبذلك يعتبر أمر التوسعة على العيال يوم عاشوراء بدعة غير مشروعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، خرجه مسلم في صحيحه وعلقه البخاري جازماً به؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأما الصدقة فيه: ففيها حديث عبد الله بن عمرو المذكور آنفاً في كلام الحافظ ابن رجب وهو موقوف عليه رواه عنه أبو موسى المديني، ولم يتكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله على سنده والغالب على أبي موسى المديني الضعف وعدم الصحة فلا يشرع الأخذ به إلا بعد صحة سنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ومتى صح عنه وهو في حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من جهة الرأي، وأما اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً فهو من البدع المنكرة التي أحدثها الرافضة، وخالفوا بها أهل السنة والجماعة، وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز التشبه بهم في ذلك. والله المستعان.

التحفة الكريمة في بيان بعض الأحاديث الموضوعة والسقيمة لفضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي على التنبيه

جزاك الله خيرا اخي ابو سليمان

تقبل مرور اخوك الضغير حمزة




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمزة بل العزيز تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي على التنبيه

جزاك الله خيرا اخي ابو سليمان

تقبل مرور اخوك الضغير حمزة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وفيك بارك الله أخي حمزة وجزاك بالمثل

مرور طيب باذن الله




جزاك الله خيرا يا اخي على التنبيه و المعلومات القيمة

اللهم بلغنا عاشوراء

تقبل مروري اخي




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

الوصية باغتنام الأيام العشر بأحسن الأعمال الشرعية و التأدب بأحكام الأضحية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم نلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله و أمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله أهله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فيا عباد الله، إنكم تستقبلون في هذه الأيام عشر ذي الحجة، التي بينَّ النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فضل العمل فيها بقوله:(ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)، فالعمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في عشر رمضان الأخيرة، بل أفضل من العمل الصالح في أي يوم من أيام السنة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن كثيراً من الناس يجهلون قدر هذه الأيام العشر، فلا تكاد تجد أحداً يميزها عن غيرها بكثرة العمل الصالح ولكني أقول: إن من بلغته سنة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فإن الأولى به أن يكون متبعاً لها وجوباً في الواجبات واستحباباً في المندوبات .
إذاً: فأكثروا من العمل الصالح في هذه الأيام العشر، أكثروا من الصلاة، أكثروا من قراءة القرآن، أكثروا من الذكر، أكثروا من الصدقة، صوموها فإن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، قال الله – عزَّ وجل – في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»(1)، وفي هذه الأيام العشر احترموا أضحيتكم بحرماتها التي جعلها النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حيث قال:(إذا دخل العشر و أراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره ولا من بشره أي: من جلده شيئاً)، فمن أراد أن يضحي فلا يأخذن من ذلك شيئاً إلى أن يضحي؛ وذلك احتراماً للأضحية التي هي من شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه، وفي هذا دليل على أهمية الأضحية، حيث جعل لها النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حرمات يحترمها الإنسان عند إرادة فعلها ولكن في أي مكان تكون الأضحية ؟ تكون الأضحية في بلد الإنسان، تكون الأضحية في بيته يقيم بذلك شعائر الله في بلاد الله عزَّ وجل وليست الأضحية مجرد صدقة؛ حتى يتوخى الإنسان فيها أحوج بلاد المسلمين ولكنها قربة خاصة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، ولو كانت مجرد صدقة لكانت جائزة قبل صلاة العيد لا بعدها، ولكانت جائزة من بهيمة الأنعام وغيرها، ولكانت جائزة فيما بلغ السنة وما لم يبلغه ولكنها عبادة موقتة محددة بكيفيتها ووقتها وحينئذٍ نعرف أنه من الغلط أن يرسل الإنسان دراهمه إلى بلاد أخرى ليضحى بها هناك فإن هذا ليس من سنة الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وإنما كان يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة؛ من أجل اختصاص المكان لا من أجل حاجة الناس، أما الأضحية فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يضحي في المدينة، وإن إرسال الدراهم ليضحى بها في مكان آخر تفوت به مصالح كثيرة؛ يفوت به إظهار الشعيرة في البلاد فإن ذبح الأضاحي من شعائر الله، فإذا أرسل الناس دراهمهم إلى بلاد أخرى يضحى بها بقيت البلاد بلا شعيرة، يفوت بها: أن يذكر الإنسان ربه على هذه البهيمة التي ضحى بها والله تعالى يقول: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَام﴾ [الحج: 34]، يفوت بها اتباع سنة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حيث كان يضحي بنفسه ويذبح أضحيته ويذكر اسم الله عليها ويسأل الله قبولها، وإذا أرسلت الدراهم إلى هناك فمن الذي يتولى ذلك، أليس هو الذابح ؟ هذا إن أحسنَّا الظن به ووثقنا بمن نرسل الدراهم معه، أما إذا كانت أضحيتك في بيتك فتولَّ ذبحها بنفسك إن كنت تحسنه أو تحضره ويحصل بذلك تعظيم شعائر الله في البيت فإن أرسلها إلى بلاد أخرى يفوت به هذه المصلحة العظيمة، يفوت في إرسالها إلى بلاد أخرى: أن يأكل الإنسان منها والله – تعالى – قد أمر بالأكل منها فقال: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج:36] ، ومن المعلوم أنه إذا كانت الأضحية في غير بلدك فإنه لا يمكنك أن تمتثل أمر الله بالأكل منها؛ لأنها ليست عندك وحينئذٍ تفوّت أمر الله – عزَّ وجل – فيها، وقد قال بعض أهل العلم: إن الأكل من الأضحية واجب، وأما الإنسان إذا لم يأكل منها فهو آثمٌ عاصٍ لله، ولاشك أنه عاصٍ للأمر، ولكن هل يأثم لهذا العصيان أو لا يأثم ؟ هذا محل الخلاف بين العلماء، وإنك إذا أرسلت الدراهم ليضحى بها في بلد آخر فلا تدري متى تكون الأضحية، هل تكون في اليوم الأول الذي هو أفضل من الأيام الثلاثة بعده، أو تكون قبل الصلاة، أو تكون بعد أيام التشريق ؟ ثم تبقى معلقاً – أيضاً – بالنسبة لأخذ الشعر والظفر والبشرة، وأنت إذا أرسلتها إلى بلد آخر فلا تدري أيقوم المشتري بالاحتياط التام في تمام سِنِّها وخلوها من العيوب المانعة من الإجزاء وخلوها من العيوب التي تكره فيها، كل هذا سيفوتك .
أيها الإخوة، إن من الغلط أن يرسل الإنسان دراهمه إلى بلد آخر ليضحى بها هناك لتفويت هذه المصالح التي سمعتموها، وإذا كان عند الإنسان فضل مال فإني أحثه على أن يرسله إلى البلاد الفقيرة والمحتاجة للجهاد في سبيل الله والله – سبحانه وتعالى – ذو الفضل العظيم، وإن من خلاف السنة ما يفعله بعض الناس اليوم من الإسراف في الأضحية، حيث يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالأضحية وهذا لا شك أنه إذا اقتصر عليه فهو السنة الموافقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهو أكرم الخلق بلا شك وأحب الخلق للخير بلا شك، وهو صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى فعل الخير بلا شك، وهو صلى الله عليه وسلم المشرِّع لأمته بلا شك لم يضحِ عنه وعن أهل بيته إلا بأضحية واحدة، ومن المعلوم أن نساءه تسع وكل امرأة في بيت لم يضحِ بأكثر من ذلك، ولكن مع الأسف أن بعض الناس عندنا يضحي بعشر ضحايا لا حاجة إليها، تجد الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته كما قلت ثم تأتي البنت وتقول أريد أن أضحي عن جدي من قِبَلِ الأب وعن جدَّتي من قِبَلِ الأب و عن جدتي من قِبَلِ الأم و عن جدي من قِبَلِ الأم وهكذا تأتي الأخت وهكذا تأتي الزوجة حتى يصبح في البيت الواحد إلى عشر ضحايا لا حاجة إليها بل هي من الإسراف، وإني أقول: إن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – توفيت زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه وهي أم أكثر أولاده وهي التي لم يتزوج عليها حين وجودها ومع ذلك لم يضحِ عنها، وتوفي عمه حمزة بن عبد المطلب واستشهد في أُحد – رضي الله عنه – وهو أسد الله وأسد رسوله ومع ذلك لم يضحِ عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، توفيت بناته الثلاث قبل أن يموت إلا أن فاطمة بقيتْ بعده ولم يضحِ عن بناته، فمِنْ أين جاءنا أن يُضحى عن الأموات؟ الوصايا تبقى بحالها ويضحى بها، أما أن نضحي عن أمواتنا فمن كان عنده حرف واحد صحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه ضحى عن أحد من أمواته أو أنه أمر أن يضحي أحد عن أمواته فليسعفنا به فإنا له قابلون وله متبعون إن شاء الله، أما أن نفعل عبادة نتقرب بها إلى الله لمجرد عواطف تكون في قلوبنا وصدورنا فليس لنا ذلك، إنما الشرع من عند الله، ألم تعلموا أن بعض العلماء يقول: الأضحية عن الميت غير صحيحة؛ لأنها لم ترد في السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(2)، ألم تعلموا أن الذين أجازوا الأضحية عن الميت إنما قاسوها على الصدقة؛ لأن الصدقة وردت بها السنة في حديث سعد بن عبادة حيث تصدق بمخرافة عن أمه بإذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومخرافه هو: البستان الذي يخرف، وكذلك الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها ؟ قال: نعم،ولكن هل قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يوماً من الأيام لأمته: تصدقوا عن أمواتكم ؟ هل قال: ضحوا عن أمواتكم ؟ هل ضحى عن أمواته ؟ هذا هو محل الحكم، وهذا مناط الحكم .
إذاً: ما بالنا نجعل في البيت الواحد عشر ضحايا أو أقل أو أكثر لأموات في سنة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا كان عند هؤلاء فضل مال فنقول: إن أضحية قِيمّ البيت كافية عن الجميع فلا تتجاوزوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنتم خير أم رسول الله، أنتم أكرم أم رسول الله، أنتم أحب في الطاعة من رسول الله، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، واللهِ لسنا أكرم من رسول الله، ولا أعلم بما يحب الله، ولا أسبق لما يحب الله بل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكرم الخلق على الإطلاق وأحب ما يكون للخير: فنقول يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بشاة واحدة ومن عنده فضل مال فليسعف به إخوانه المسلمين في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، هناك أناس فقراء لا يأكلون إلا ورق الشجر إن تهيأ لهم، هناك أناس عراة لا يتقون برداً ولا حراً فما بالنا نحرم هؤلاء مما أعطانا الله ثم نسرف به ﴿والله لا يحب المسرفين﴾، نقول لهؤلاءِ الذين يحرصون على أن ينفعوا أمواتهم: ابذلوا هذه الأموال في غير الأضحية، ابذلوها في الصدقة، تصدقوا على إخوان لكم موتى من الجوع منهم عدد كثير .
أيها الإخوة، أدعوكم ونفسي إلى اتباع السنة لا إلى اتباع العاطفة، أدعوكم ونفسي إلى أن يترسم الخطى إمامنا وقدوتنا وأسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، وألا نتجاوز ما فعل وألا نسرف فيما لا يحب الله الإسراف فيه .
إن بعض الناس يعتمدون على حديث ضعيف أن الأضحية في كل شعرة منها حسنة وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أهم شيءٍ في الأضحية أن ينهر الدم ابتغاء وجه الله وتعظيماً لله عزَّ وجل هذا هو المهم، قال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37] ، هذا الذي يناله الله أن نتقي الله – عزَّ وجل – في التقرب إلى الله – تعالى – بذبحها وذكر اسم الله عليها، وأن نتمتع بالأكل منها نحن وأولادنا وجيراننا وإخواننا وفقراءنا، وأعظم من ذلك وأدهى أن من الناس من يرسل الوصايا التي في أوقاف أمواته إلى بلاد أخرى يضحي بها فكيف يسوغ ذلك لنفسه الوصي وكيل، والوكيل لا يجوز أن يتصرف فيوكِّل إلا بإذن موكِّله والإذن هنا مستحيلاً، ثم إن الأموات يظهر من قصدهم – فيما أوصي به من الضحايا – يظهر من قصدهم أنهم أرادوا أن يتمتع من خلفهم بهذه الأضحية، يأكلون ويسمون على الأكل ويحمدون الله على الأكل ويدعون للأموات هذا هو القصد من وصية الموصين، لا أن تذبح من وراء البراري والبحار، فيا عباد الله، لا تَنْسَابوا وراء العاطفات، عندكم العلماء اسألوهم، فإن ما يُبنى على العلم والبرهان هو العبادة الصحيحة، وأما ما يبنى على الظن والوهم والعاطفة التي لا مستند لها لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من سنة الخلفاء الراشدين، إنها باطلة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
خلاصة قولي في هذه الخطبة أنني أقول: مَنْ كان عنده ضحايا فلا يرسلها لا إلى البوسنة والهرسك ولا إلى غيرها من البلاد بل يضحي بها في بلده إظهاراً لشعائر الله واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحصولاً للمصالح العظيمة التي ذكرنا: أنه إذا أرسلها خارج البلاد فإن هذه المصالح تفوت هذه واحدة.

ثانياً: الإسراف في الأضاحي لا داعي له، فالأضحية الواحدة تكون للرجل عنه وعن أهل بيته كافية، ومن كان عنده فضل مال وأراد أن ينفع أمواته فليتصدق به على من كانوا في بلاد أخرى محتاجين للصدقة أكثر ممن كانوا في بلادنا.
ثالثاً أقول: ذكرنا أن الإنسان إذا أراد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا من بشرته شيئاً من حين أن يدخل شهر ذي الحجة إلى أن يضحي، و أما من يضحى عنه فلا حرج، فليأخذوا من ذلك ما شاؤوا، فأهل البيت – مثلاً – إذا كان قيم البيت يريد أن يضحي عنهم لا حرج عليهم أن يأخذوا من شعورهم و أظفارهم؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما قال: وأراد أحدكم أن يضحي ولم يقل: أن يضحي أو يضحى عنه؛ ولأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لم يُنْقل عنه أنه قال لأهله وهو يريد أن يضحي عنهم – لم يُنْقل عنه أنه قال: لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً، والأصل براءة الذمة والأصل الحِل حتى يقوم دليل على التحريم، وعلى هذا فلا يشمل النهي أهل البيت وإنما يختص بقيّم البيت الذي هو يريد أن يضحي .

أيها الإخوة، اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأسأل الله – تعالى – أن يلزمني وإياكم هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى أن نلقاه وهو راضٍ عنا، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَنْ شذ شذَّ في النار، واعلموا أن الله – تعالى – أمركم أن تصلوا وتسلموا على نبيكم محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56] .
إن صلاتكم وسلامكم على نبيكم محمد – صلى الله عليه وعلى وآله وسلم – إنها امتثال لأمر الله عزَّ وجل، إنها قيامٌ بحق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنها أجرٌ وغنيمة لكم، فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً،فأكثروا – أيها الإخوة – من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإكثار من ذلك ليس أمراً شاقاً ولا أمر متعِباً؛ لأنه قول اللسان وأسهل ما يكون حركة هو اللسان، أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – واحتسبوا بذلك الأجر من الله، احتسبوا أنكم إذا صليتم عليه مرة واحدة صلى الله عليكم بها عشراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم أحسن عواقبنا في الأمور كلها، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاك يا رب العالمين، يا ذا الجلال و الإكرام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم مَنْ أراد بالمسلمين سوءاً فاجعل كيده في نحره، اللهم من أراد بالمسلمين سوءاً فاجعل كيده في نحره وأفسد عليه أمره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في البوسنة والهرسك والشيشان، اللهم إنا نسألك أن تنزل بالروس بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم فرِّق جمعوهم واهزم جنودهم وشتِّت كلمتهم يا رب العالمين، اللهم أنزل بهم البلاء وألقِ بينهم العداوة والبغضاء؛ حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، اللهم وافعل مثل ذلك في الصرب المعتدين الخائنين يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم أصلح شبابهم وشيوخهم و ذكورهم وإناثهم يا رب العالمين، اللهم ألِّف بين قلوبهم، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم يسرهم لليسرى وجنبهم العسرى واغفر لهم في الآخرة و الأولى يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر:10]، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

منقول من الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغفر له

——————————

(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين ( 10136) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وأخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الصيام (1771) ، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب الصيام ( 1945)، وأخرجه أصحاب السننه في سننهم .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية ( 3243 ) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلح ( 2499) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .




جزاكم الله خيرا على النقل الطيب




واياك أخي الفاضل.




بارك الله فيك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

حكم صوم الصبي


سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
: طفلي الصغير يصر على صيام رمضان رغم أن الصيام يضره لصغر سنه واعتلال صحته، فهل أستخدم معه القسوة ليفطر؟

فأجاب رحمه الله : إذا كان صغيراً لم يبلغ فإنه لا يلزمه الصوم، ولكن إذا كان يستطيعه دون مشقة فإنه يؤمر به، وكان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون أولادهم، حتى إن الصغير منهم ليبكي فيعطونه اللعب يتلهى بها، ولكن إذا ثبت أن هذا يضره فإنه يمنع منه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى منعنا من إعطاء الصغار أموالهم خوفاً من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن يمنعهم منه، ولكن المنع يكون عن غير طريق القسوة، فإنها لا تنبغي في معاملة الأولاد عند تربيتهم.
وسئل كذلك رحمه الله تعالى: هل يؤمر الصبيان بالصيام دون الخامسة عشرة كما في الصلاة؟
فأجاب: نعم يؤمر الصبيان الذين لم يبلغوا بالصيام إذا أطاقوه، كما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفعلون ذلك بصبيانهم، وقد نص أهل العلم على أن الولي يأمر من له ولاية عليه من الصغار بالصوم، من أجل أن يتمرنوا عليه ويألفوه، وتتطبع أصول الإسلام في نفوسهم حتى تكون كالغريزة لهم.
ولكن إذا كان يشق عليهم أو يضرهم فإنهم لا يلزمون بذلك، وإنني أنبه هنا على مسألة يفعلها بعض الاۤباء أو الأمهات وهي منع صبيانهم من الصيام على خلاف ما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يفعلون. يدعون أنهم يمنعون هؤلاء الصبيان رحمة بهم وإشفاقاً عليهم، والحقيقة أن رحمة الصبيان أمرهم بشرائع الإسلام، وتعويدهم عليها، وتأليفهم لها فإن هذا بلا شك من حسن التربية وتمام الرعاية. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إن الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته». والذي ينبغي على أولياء الأمور بالنسبة لمن ولاهم الله عليهم من الأهل والصغار أن يتقوا الله تعالى فيهم، وأن يأمروهم بما أمروا أن يأمروهم به من شرائع الإسلام.

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين المجلد السابع عشر




شكرا جزيلا على الموضوع القيم




جزاكم الله خير الجزاء





جزاكم الله بالمثل




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

فضل صيام ست من شوال

السلام عليكم

فضل صيام ست من شوال
لا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات، والاستمرار في الحرص على تزكية النفس. ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر
تفريطه يكون بُعده عن التزكية. وصيام ست من شوال بعد رمضان، فرصة من تلك الفرص الغالية، بحيث يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى، بعد أن فرغ من صيام رمضان.

وقد أرشد النبي الكريم أمته إلى فضل صيام ست من شوال، وحثهم بأسلوب يرغِّب في صيام هذه الأيام.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: {من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر} [رواه مسلم وغيره].

قال الإمام النووي – رحمه الله -: قال العلماء: (وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين..).

ونقل الحافظ بن رجب عن ابن المبارك: (قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل، فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً).

وهذه الست ليس لها وقت محدد من شوال ، بل يصومها المسلم في أي جزء من أجزاء الشهر ، في أوله ، أو في أثنائه أو في آخره ، وله كذلك أن يصومها متتابعة أو مفرقة ، ولكن الأفضل أن يبادِر إلى صيامها عقب عيد الفطر مباشرة ، وأن تكون متتابعة – كما نص على ذلك أهل العلم – لأن ذلك أبلغ في تحقيق الإتباع الذي جاء في قوله – صلى الله عليه وسلم – ( ثم أتبعه )، كما أنه من المسابقة إلى الخيرات والمسارعة في الطاعات والذي جاءت النصوص بالترغيب فيه والثناء على فاعله ، وهو أيضاً من الحزم الذي هو من كمال العبد ، فإن الفُرص لا ينبغي أن تفوت ، والمرء لا يدري ما يعرض له من شواغل وقواطع تحول بينه وبين العمل ، فإن أخرها أو فرَّقها على الشهر حصلت الفضيلة أيضاً .

فوائد صوم ست من شوال

وإليك هذه الفوائد أسوقها إليك من كلام الحافظ بن رجب – رحمه الله -:

إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.

إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال.

إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.

إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، كان النبي يقوم حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟! فيقول: {أفلا أكون عبداً شكورا}.

وقد أمر الله – سبحانه وتعالى – عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقب ذلك




شكرا بارك الله فيكم




بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

العمرة في العشر الأواخر من رمضان

تعليمية تعليمية

العمرة في العشر الأواخر من رمضان

تعليمية



هل من المستحب أداء العمرة في العشر الأواخر من رمضان، وهل هي أفضل من العشر الأوائل؟، وما مكانة محاولة تقبيل الحجر الأسود؟


العمرة في رمضان تعدل حجة؛ كما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي العشر الأخيرة فهي أفضل؛ لأن العشر الأخيرة هي أفضل الشهر، وهكذا في العشر الأول من ذي الحجة لها فضل عظيم، لأن عشر ذي الحجة أفضل الأيام، والعمل الصالح فيها أفضل الأعمال، فإذا اعتمر في العشر الأول من ذي الحجة فلها فضل عظيم العمرة، لكن في رمضان أفضل، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عمرة في رمضان تعدل حجة).

الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

تعليمية تعليمية




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله خيرا ونفع بكِ




بارك الله فيكم على الموضوع القيم

اللهم ارزقنا عمرة في رمضان




السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا اختي على الافادة

مشكورة




يرفع للفائدة ،،
وفقكم الله




جزاكم الله خير

للرفع بمناسبة قدوم شهر رمضان 2022

اعاده الله علينا بالاجر والثواب




جزاكم الله خير

للرفع بمناسبة قدوم شهر رمضان 2022

اعاده الله علينا بالاجر والثواب




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

تعليق الشَّيخ الألبانيُّ على قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ في آية الصيام

تعليق الشَّيخ الألبانيُّ -رحمه الله- على قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ في آية الصِّيام

بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال الشَّيخ الألبانيُّ -رحمه الله تعالى-:
نعلم جميعًا قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[1].
هذه الآية طالما سمعتم تعليقًا حولها، وكلامًا مفيدًا فيما يتعلَّق بها؛ ولكني أعتقد أنكم قلَّما تكونون قد سمعتم تعليقًا خاصًا حول آخر هذه الآية: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
كُتِبَ هذا الصِّيام، لماذا؟ ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
هذه الآية من الآيات القليلة؛ بل ومن النَّصوص الشَّرعية القليلة التي يقترنُ الحكم الشرعيُّ فيها، مع بيان الغاية والعلَّة منها.
هنا تصريحٌ بفرضِيَّة صيام شهر رمضان، وعلى المسلمين أن يُباشرو إلى تبنِّي وتطبيق هذا الحكم دون أن يسألوا لما؟ وكيف؟ وما شابه ذلك، مما يكثُر -الآن- التسائل عن ما يُسمى بـ: "حكم التَّشريع".

كثيرًا ما تسمع من بعض النَّاس: لماذا كذا؟ ولماذا كذا؟ ولماذا كذا؟

لهذا نحن لا نستحسِنُ التَّوسُّع في تلمُّسِ حكمِ التَّشرِيع إلا ما كان منها منصوصًا في الشَّرع؛ كمثل ما نحن فيه الآن.

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ إلى آخر الآية، لماذا؟ قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
أي: إنَّ المقصد من الصِّيام؛ هو أنْ يكون هذا الصِّيامُ وسيلةً ليزداد الصَّائم تقوًى لله -عزَّ وجلَّ- وتقربًا إليه، فإذا ما صام الصَّائم، ولم يتطور وضعه عمَّا كان عليه من قبل -أي: قبل رمضان-؛ فمعنى ذلك أنَّ هذا الصَّائم لم يحقِّق الغاية المرجوَّة مِن فريضة هذا الصِّيام.
وقد جاءت بعض الأحاديث الصَّحيحة -طبعًا- عن النِّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم تبيِّنُ وتؤكِّد هذه الغاية التي نصَّت عليها الآية؛ مثلاً: الحديث القدسي الذي يرويه النبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم عن ربه -عزَّ وجلَّ-؛ حيث قال: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))[2].
هذا حديثٌ عظيمٌ جدًا، ويلتقي كلَّ الالتقاء مع خاتمة تلك الآية : ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
إذن ليس المقصود إذا جمعنا بين الآية والحديث، ليس المقصود "كلَّ القصد
" -أقول كلَّ القصد؛ حتى لا يُسيء البعض فَهْمَ كلامي-، ليس المقصود كلَّ القصد من الصَّائم أنْ يمسك نفسه عن الطَّعام والشَّراب والجماع المنصوص على أنها مِن المفطِّرات في القرآن وفي السُّنة، فضلاً عن المفطِّرات الأخرى التي فيها خلافٌ كبيرٌ بين الفقهاء.
ليس المقصود الإمساك عن هذه المفطِّرات فقط؛ وإنَّما هناك من الواجبات الأخرى التي يجب على المسلم أنْ يُمسِكَ عنها -أيضًا- كما أمسك عن هذه المفطِّرات.

على ضوء التَّعليل المذكور في الآية، والحديث الصَّريح الصَّحيح المذكور آنفًا؛ أستطيع أنْ أقول لكم شيئًا قد يكونُ أمرًا جديدًا في التَّعبِير، وليس شيئًا جديدًا في الأحكام؛ لأنَّ ذلك منصوصٌ في القرآن والسُّنَّة.
التَّعبير الجديد هو أنَّ كتب الفقه قاطبة جرت على ذكر المفطِّرات، وهذا شيٌ لابدَّ مِنه؛ ولكن أنا أقول -بيانًا وتوضيحًا لما سبق من الآية والحديث-.

أقول: إنَّ المفطِّرات قسمان:
يجب أن تكون هذه القسمة الحقَّة ثابتة في أذهان الجميع؛ لأهميتهما-
القسم الأول: المفطِّرات الماديَّة؛ وهي التي يتعرض لبيانها كتب الفقه، كما ذكرت آنفًا.
والقسم الآخر من المفطِّرات
-لنُسمِّهَا-: بالمفطِّرات المعنويَّة.
هذه المفطِّرات المعنويِّة هي التي أشارت إليها الآية الكريمة: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، وأوضح ذلك قوله عليه الصَّلاة والسَّلام، عن ربه -تبارك وتعالى-: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))[3].

إذن يجب أنْ يَقرِن مع تركه مع طعامه وشرابه وشهوته الجنسيَّة؛ يجب أن يضمَّ إلى ذلك الانتهاء عما حرَّم الله -عزَّ وجلَّ- عليه، وفرض على كلِّ مسلمٍ أنْ يكون بعيدًا عنه.
عنْ النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم أنَّه قال: ((ليس الصيام بترك الطَّعام والشَّراب؛ وإنما الصيام بالانتهاء عما نهى الله -عزَّ وجلَّ- عنه))[4] أو كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم.
ومن أراد أن يقفَ على هذه الأحاديث وما يشابهها في تحذير النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن إتيان المعاصي بالنسبة للصَّائم، وأنَّ هذا النَّهي هو من عموم قوله تبارك وتعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ من أراد أن يقف على هذا النَّوع من الأحاديث؛ فعليه بكتاب: "التَّرغِيب والتَّرهِيب" للحافظ الْمُنذِريُّ -رحمه الله-.

المصدر

المصدر: سلسلة الهدى والنور الشريط رقم: 692، الدقيقة: 12 و 20 ث
** ** ** ** **
للتحميل المباشر
من هـنا




جزاكم الله خيرا على النقل الطيب ورحم الله الشيخ ونفعنا بعلمه
وقال أهل العلم أن التقوى هي فعل المأمور وترك المحضور وكما يجب على الصائم ترك شهوته من المباحات فكذلك يجب عليه ترك المحرمات
اللهم بلغنا رمضان




و خيرًا جزاكمُ الله .




للرفع

up

up

حلول شهر رمضان 2022




جزاكم الله خير

للرفع بمناسبة قدوم شهر رمضان 2022

اعاده الله علينا بالاجر والثواب