التصنيفات
العقيدة الاسلامية

أول مخلوق-للعلامة المحدث ناصرالدين الألباني رحمه الله

تعليمية تعليمية
أول مخلوق-للعلامة المحدث ناصرالدين الألباني رحمه الله


قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة – حديث رقم (133):

( إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ، وأمره أن يكتب كل شيء يكون ) .

في الحديث إشارة إلى رد ما يتناقله الناس , حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم , وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى , وليس لذلك أساس من الصحة , وحديث عبدالرزاق غير معروف إسناده , ولعلنا نفرده بالكلام في الأحاديث الضعيفة إن شاء الله تعالى .

وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق , ولا نص في ذلك عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإنما يقول به من قال كابن تيمية وغيره استنباطاً واجتهاداً , فالأخذ بهذا الحديث – وفي معناه أحاديث أخرى – أولى , لأنه نص في المسألة , ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم .

وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل , لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها , ومنها القلم , أما ومثل هذا النص مفقود , فلا يجوز هذا التأويل .

وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها , وأنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق قبله , وهكذا إلى ما لا بداية له , بحيث لا يمكن أن يقال : هذا أول مخلوق , فالحديث يبطل هذا القول , ويعين أن القلم أول مخلوق , فليس قبله قطعاً أي مخلوق .

ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله في الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً إثبات حوادث لا أول لها , وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول , ولا تقبله أكثر القلوب , حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها , مع أنه يقول ويصرح بأن ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم , ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له , كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية , فذلك القول منه غير مقبول , بل هو مرفوض بهذا الحديث , وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج , لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير والتنفير منه ,

ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال : ( ما منا من أحد إلا رد عليه إلا صاحب هذا القبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) . ا.هـ

منقول من موقع الشيخ

للامانة الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

خلاصة النصيحة للشيخ رمضاني

أكثر القراء ـ في زمن الوهن العلمي ـ يخطبون من فهارس الكتب الأخبار، خاصة إذا زيَّنتْها السياسةُ!

فبعضهم لا يتمالك عندها حتى لعله لا يعلق بذهنه منها إلا هي! وبعضهم ينثني عن متابعة القراءة؛ لأنه انتقِد له فيها متبوعه، وما أقل من ينتصر للحق قبل الرجال! فكل هؤلاء لا يستفيدون من الخير إن وُجِد في كتابي هذا؛ لأن أخبار الناس عُرفَت أو أُنكرت لا تغيرها {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرآءً ظَاهِراً}.
فأرجو حينئذ من القاريء إمعان النظر في الأصول والقواعد العلمية التي نقلتها عن أهل العلم، والتي منها:

1 ـ أنني بذلت نصحي للمتصدين للدعوة أنه بدلاً من أن يستجيبوا للاستفزازات السياسية، ويُضيِّعوا مواهبهم في المهاوشات الحزبية، فليُعْنَوا بتعظيم الشريعة: تعلُّمًا وتعليمًا؛ حتى يُخرج الله منهم أو من أصلابهم علماء مجتهدين، يكونون على مستوى ما استعجلوه الآن، ليحققوا الأصل الذي من أجله ألَّفت هذا الكتاب، ألا وهو ألاّ يُفتي في النوازل السياسية إلا عالم مجتهد. وما تَغَوُّل سفلة من رجال القانون للتوغّل في هذا الميدان ـ بزعم أن الشريعة ليست حكراً على أحد ـ إلا عدوان عظيم؛ جرَّؤوا به نوابت من شباب الإسلام على ولوج هذا الباب زاعمين أن الشريعة أمرت كل مسلم بالاجتهاد في كل المستجدات!

2 ـ ومنها ما جعلته مدخلاً لكتابي، وهي:
ـ أن الطريق الذي ارتضاه لنا ربنا واحد.
ـ وأن هذا الطريق منضبط بفهم السلف الصالح للكتاب والسنة.
ـ وأن المتمسك بالسنة في أمن من الهزيمة والكفر.
ـ وأن الرد على المخالف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ـ وأن نيل السؤدد منوط بالعلم.
ـ وأن تفصيل ذلك بسلوك سبيل التصفية والتربية.
لا الثورات! وتعدد الجماعات! وتكفير المسلمين والمسلمات!

3 ـ بيّنتُ أن الزّجّ بالشباب في خنقة التحزب هو سبب الجناية على هذه الأصول، ومن حُرِم الأصول حُرِم الوصول؛ قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: " العلم .. العلم .. أيها الشباب! لا يُلهيكم عنه سمسارُ أحزاب ينفخ في ميزاب! ولا داعية انتخاب في المجامع صخاب! ولا يَلفتنَّكم عنه معلِّلٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولاعاوٍ في خراب يأتمُّ بغراب([1])، ولا يَفتننّكم عنه مُنْزَوٍ في خنقة، ولا مُلْتَوٍ في زَنقة([2])، ولا جالسٌ في ساباط([3]) على بساط، يُحاكي فيكم سنّة الله في الأسباط([4])
فكل واحد من هؤلاء مشعوِذ خلاّب! وساحر كذاب! إنكم إن أطعتم هؤلاء الغواة، وانصَعْتم إلى هؤلاء العُواة، خسرْتم أنفسكم وخسرَكم وطنُكم، وستندمون يوم يَجني الزارعون ما حصدوا، ولاتَ ساعة ندَم " ([5]).

4 ـكما بيَّنتُ أن تضييع الدعوة إلى الدين الحق وتنكّب طريق الأنبياء سببه تفسيرُ أكثرِ الدعاة اليوم الدينَ تفسيراً سياسياً وحَصْرُ الدعوة في السبيل السياسية أو التركيز عليها؛ يُخَيَّل إليهم من سحرها أنها تسعى!! مع أنها تزيدهم كل يوم نكسة، وترجع بهم القهقرى، وهذا أيضا من إفرازات الحزبية، التي كثيراً ما تَخدع، حتى يظن الظّانُّ أن الطرق مسدودة إلا بمخالفة الأنبياء!!!

5 ـ لذا بذلت وسعي في ربط هذه الأمة بعلمائها: علماء الكتاب والسنة لا علماء ضرائر كتب العلم: الجرائد …
ولعل القاريء يلاحظ أنه ليس لقلمي في هذا المؤلَّف سوى النقول عنهم؛ أبيِّن هذا كي لا يقال: كيف تكتب في السياسة ولستَ من أهل الاجتهاد؟!
هذا، وشباب الدعوة مع هذه المؤلفات في أمر عجب! فمنهم من أقعده العجز عن طلب معالي الأمور، وطمع في دخول حمى غيره، فزعم أن باب الاجتهاد قد أُقفل! فالكل إذًا يتكلم في السياسة؛ لأنهم في مستوى واحد!!!

ومنهم من يعبد الله على حرف، فلا يرضى بانتقاد المخِلِّين بمنهج الأنبياء؛ حتى ينظر لعلهم يَصِلون إلى الحكم! أما نحن، فلو رأيناهم يتقلَّبون في كل بلاد الله، يَطيرون من مُلْك إلى ملك لقلنا كما أمر الله نبيه e أن يقول: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
ومنهم الهالك في باطن الإثم، فيرى أن هذه الكتابة في زمن الجهاد تثبيط! ولا يكتب فيها إلا ( عميل ) صُنِع على عين تخطيط!!
ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، كلما صاح باطل لم يُسمَع لهم حسّ، وإذا نطق فيه حقٌّ بحقٍّ قاموا ولم يقعدوا، وضجّوا ولم يسكتوا: ليس ذا الوقت! وليس ذا الأسلوب! هذا تنفير! ما الفائدة من هذه الكتابات والفتنة قد غلت مراجلها، وأُضرِمت نارها!!!
وهؤلاء يتظاهرون بالرجوع إلى المنهج الحق كلما طاردتهم الأدلة أو غالبتهم مطارق الأنظمة، ولا يُؤتَمَنون؛ لأنهم {كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا}، ومن أبرز أماراتهم قولُهم: لماذا لايَرُدّ على الحكومة كما رَدَّ على إخوانه؟!
ومنهم .. ومنهم .. ولله في خلقه شئون.

([1]) لعله يريد قول الشاعر:

ومَن يكن الغراب له دليلا يَمُرَّ به على جِيَف الكلابِ


([2]) الزَّنَقة: بالتحريك، هي السكة الضيّقة، كما في لسان العرب مادة: زنق، ولا يزال أهل المغرب إلى اليوم يستعملونها كثيرا، لكن بتسكين النون.

([3]) الساباط: "سقيفة تحتها ممرّنافذ " المصباح المنير مادة: سبط.

([4]) سنة الله في الأسباط هي التفرق، قال تعالى:{وقطَّعْناهمُ اثْنَتَيْ عشرْةَ أَسْباطاً أُمَمًا}. وما أصدق هذه الأوصاف التي ذكرها الشيخ على التحزب! لذا لم يكن هذا السجع كسجع الكهان؛ لأن الكهان يكذبون، وهذا حق مثلما أنكم تنطقون؛ فإنه وإن بدا التحزب واصلا جامعا، فإنه لا يلبث أن يكون ممزقا قاطعا. وإن بدا أنه يحيي في الناس الغيرة على المحارم، فإن حقيقته أنه يحيي فيهم الغيرة على (محارم الحزب) ويقتل فيهم الغيرة على محارم الله؛ ألا ترى الواحد منهم إذا انتُقِد قطب حزبه كيف يفارق، وتحيَى فيه معاني البراء؟! وإذا جاءه الطاعن في الصحابة فلا بأس أن يعانق، ويذكر معه معاذير الولاء؟! بل لا يمانع من التقارب مع الطاعن في صفات ربه بخنجر التأويل والتحريف، أو بتسليط سيف التكذيب والتكييف. وهكذا يجمع الحزبُ ما صفا وكدر من المعتقد، كما يجمع الميزاب من الماء ما صلح وفسد، كما أن التحزب تغرير بسراب الأماني، وحسبك أنه حرب على العلم؛ كما يظهر من أول كلام الشيخ. ثم إنني حين كنت أعدّ الكتاب للطبع جاءني الخبر المتواتر بأن الثوار عندنا وصل بهم الحد إلى منع التعليم الشرعي؛ فأقفلوا المعهد الوطني العالي لأصول الدين بالجزائر زمناً؛ لأنه مؤسسة من مؤسسات دولة الطاغوت!! فاللهم رحماك.

([5]) آثاره (2/350ـ351 ).

منقول للامانة من كتاب/ مدارك النظر/




جزاكم الله خيرا

و للاستزادة هذا هو الكتاب ، نفعنا الله و إياكم به



عنوان الكتاب: مدارك النظر في السياسة

قرأه وقرّظه:

العلاّمة الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني

والعلاّمة الشيخ: عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر

——————————

تجد في هذا الكتاب : –

تأصيلاً لقاعدة: الفتوى في النوازل السياسية قاصرة على المجتهد: قال الله تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وقال ابن القيم: " العالِم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها )) ".


وبيانَ أنه لا يفتي في دقائق الجهاد إلا هو، وأنه يَحرُم استفتاء طلبة العلم فيها ـ فضلاً عن غيرهم ـ مهما زعموا أنهم فقهاء الواقع:
قال ابن تيمية: " وفي الجملة فالبحث في هذه الدقائق ـ أي دقائق أحكام الجهاد ـ من وظيفة خواص أهل العلم .. ".


وبيانَ أنه لو أفتى فيها مَن ليس في رتبة العالم المجتهد أفسد البلاد وأرهق العباد؛ لأن العالِم يشمّ الفتنة قبل وقوعها، وأما غيره فلا يعرفها إلا إذا وقع فيها، وقد لا يعرفها:
قال الحسن البصري: " إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلُّ عالم، و إذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل ".


وتحذيراً من مسالك الحركيين من الإسلاميّين الذين اتَّخذوا من السياسة جارحةَ صيد، واتَّخذها الأعداء آلةَ كيد:
قال عبد الحميد بن باديس: " فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها عن علم وبصيرة … ولو أردنا أن ندخُل الميدان السياسي لدخلناه جهراً … ولقُدنا الأمّة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نَبْلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها؛ فإن مما نعلمه، ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمّة: (إنّكِ مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها)، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: (إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك)، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها …".


وتحذيراً من الحزبية التي فرّقت شمل المسلمين:
قال محمد البشير الإبراهيمي: " أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب! كالميزاب؛ جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع! ".

وتحذيراً من مسالك الثوار:
قال ابن خلدون: " ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء؛ فإن كثيرا من المنْتَحِلين للعبادة وسلوك الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجَور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله، فيَكثُر أتباعُهم والمتشبِّثون بهم من الغوغاء والدهماء، ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يَهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين؛ لأن الله سبحانه لم يَكتب ذلك عليهم … ".


وبيانَ مغبَّة الخروج على السلطان:
قال الحسن البصري: " والله! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن قِبَل سلطانهم صبروا، ما لبِثوا أن يرفع اللهُ ذلك عنهم؛ وذلك أنهم يَفزَعون إلى السيف فيوكَلُوا إليه! ووالله! ما جاؤوا بيوم خير قطّ!"، ثم تلا:{وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ودَمَّرْنا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون}.


الكاتب : الشيخ عبد المالك بن أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري حفظه الله



تحميل الكتاب:

تعليمية




شكرا على التعديل و الاضافة
قال الحسن البصري: " والله! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن قِبَل سلطانهم صبروا، ما لبِثوا أن يرفع اللهُ ذلك عنهم؛ وذلك أنهم يَفزَعون إلى السيف فيوكَلُوا إليه! ووالله! ما جاؤوا بيوم خير قطّ!"، ثم تلا:{وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ودَمَّرْنا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون}.




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

سلسلة السيوف الباترة في نحور المتكلمة والأشاعرة

تعليمية تعليمية

السيوف الباترة في نحور المتكلمة والأشاعرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه فهذه سلسلة "السيوف الباترة في الرد على المتكلمة والأشاعرة" انطلقت فيها بعد استخارة
الله جل وعلا مع سلاسلي الأخرى"انفجار البركان على اليهود وعباد الصلبان" ,"الخناجر في كبد الرافضة سابي الصحابة الأكابر" ,"حز رؤوس الرافضة المجوس" ,"فرق تحت المجهر" ,"إضاءة الفانوس على كفر الرافضة المجوس","خيانات الشيعة" و"تصويب قذائف المدفعية إلى عقائد الصوفية" و هذه السلاسل عبارة عن بحوث و مواضيع ورسائل متفرقة لأصحابها حاولت تقريبها وترتيبها و أحيانا تلخيصها وتصفيتها من المسائل المخالفة للعقيدة والمنهج راجيا من الله جل وعلا أن يكتبني و زوجتي وكل المسلمين عنده من المجاهدين المنافحين عن دينه وسنة نبيه و الله من وراء القصد.

أموت ويبقى ما كتبته … فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني … ويغفر لي سوء فعاليا

أبو جهاد الجزائري

الرد على علماء الكلام

"تدبرتُ عامةَ ما يذكره المتفلسفةُ والمتكلمةُ من الدلائل العقلية، فوجدتُ دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصته الصافيه عن الكدر، وتأتي بأشياء لم يهتدوا لها، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها" ابن تيمية (19|233).

قال أبو العلاء المعري:
لولا التنافُسُ في الدنيا لما وضِعَت … كتُبُ التناظر لا المُغني ولا العُمَدُ
يحلّلون -بزعمٍ منهمُ– عقداً… وبالذي وضعوه زادت العقد
قد بالغوا في كلامٍ بانَ زُخرُفُهُ … يوهي العُيونَ ولم تثبُت له عَمَدُ
وما يزالون في شامٍ وفي يمنٍ … يستنبطونَ قياساً ما لهُ أمَدُ
فذَرهمُ ودَنياهمُ فقد شَغَلوا… بها ويَكفيهم مِنها القادرُ الصَمَدُ
كتاب المغني هو للقاضي عبد الجبار المعتزلي.
الرد على علماء الكلام

قال الإمام ابن قتيبة –رحمه الله في "تأويل مختلف الحديث" (1|13): وقد تدبرت رحمك الله مقالة أهل الكلام، فوجدتهم: يقولون على الله ما لا يعلمون، ويفتنون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا يُدرَكُ بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والأينية.

ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج. ولكن يمنع من ذلك: طلب الرياسة وحب الأتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات. والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضاً. ولو ظهر لهم من يدعي النبوة –مع معرفتهم بأن رسول الله r خاتم الأنبياء– أو من يدعي الربوبية، لوجد على ذلك أتباعاً وأشياعاً.

وقد كان يجب مع ما يدَّعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر، أن لا يختلفوا، كما لا يختلف الحُسّاب والمُسّاح والمهندسون، لأن آلتهم لا تدل إلا على عددٍ واحِدٍ، وإلا على شكلٍ واحدٍ. وكما لا يختلف حُذّاق الأطباء في الماء وفي نبض العروق، لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمرٍ واحدٍ. فما بالهم أكثر الناس اختلافاً؟ لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين! فأبو الهذيل العلاف يخالف النّظّام. والنجار يخالفهما. وهشام بن الحكم يخالفهم. وكذلك ثمامة ومويس وهاشم الأوقص وعبيد الله بن الحسن وبكر العمى وحفص وقبة وفلان وفلان. ليس منهم واحد إلا وله مذهب في الدين يدان برأيه، وله عليه تبع.

ولو كان اختلافهم في الفروع والسنن، لاتسع لهم العذر عندنا. وإن كان لا عذر لهم مع ما يدعونه لأنفسهم، كما اتسع لأهل الفقه ووقعت لهم الأسوة بهم. ولكن اختلافهم في التوحيد، وفي صفات الله تعالى، وفي قدرته، وفي نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، وعذاب البرزخ، وفي اللوح، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلمها نبي إلا بوحي من الله تعالى.

ولن يعدم هذا من رد مثل هذه الأصول إلى استحسانه ونظره وما أوجبه القياس عنده، لاختلاف الناس في عقولهم واختياراتهم. فإنك لا تكاد ترى رجلين متفقين، حتى يكون كل واحد منهما يختار ما يختاره الآخر، ويرذل ما يرذله الآخر، إلا من جهة التقليد. والذي خالف بين مناظرهم وهيئاتهم وألوانهم ولغاتهم وأصواتهم وخطوطهم وآثارهم –حتى فرق القائف بين الأثر والأثر وبين الأنثى والذكر– هو الذي خالف بين آرائهم.

والذي خالف بين الآراء، هو الذي أراد الاختلاف لهم. ولن تكمل الحكمة والقدرة، إلا بخلق الشيء وضده، ليعرف كل واحد منهما بصاحبه. فالنور يُعرَفُ بالظلمة. والعلم يعرف بالجهل. والخير يعرف بالشر. والنفع يعرف بالضر. والحلو يعرف بالمر. لقول الله تبارك وتعالى: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون}. والأزواج: الأضداد. والأصناف: كالذكر والأنثى واليابس والرطب. وقال تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى}.

ولو أردنا –رحمك الله– أن ننتقل عن أصحاب الحديث، ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام، ونرغب فيهم، لخرجنا من اجتماعٍ إلى تشتّتٍ، وعن نِظامٍ إلى تفرقٍ، وعن أُنْسٍ إلى وِحشة، وعن اتفاق إلى اختلاف. لأن أصحاب الحديث كلهم مجمعون على أن: ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون، وعلى أنه خالق الخير والشر، وعلى أن القرآن كلام مخلوق، وعلى أن الله تعالى يُرى يوم القيامة، وعلى تقديم الشيخين، وعلى الإيمان بعذاب القبر. لا يختلفون في هذه الأصول. ومن فارقهم في شيء منها، نابذوه وباغضوه وبدّعوه وهجروه. وإنما اختلفوا في اللفظ بالقرآن، لغموضٍ وقَعَ في ذلك. وكلهم مجمعون على أن القرآن بكل حال –مقروءاً ومكتوباً ومسموعاً- غير مخلوق مخلوق. فهذا الإجماع.
وأما الإيتساء، فبالعلماء المبرزين والفقهاء المتقدمين والعباد المجتهدين الذين لا يجارون ولا يبلغ شأوهم. مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وشعبة والليث بن سعد، وعلماء الأمصار وكإبراهيم بن أدهم ومسلم الخواص والفضيل بن عياض وداود الطائي وأحمد بن حنبل وبشر الحافي، وأمثال هؤلاء ممن قرب من زماننا. فأما المتقدمون فأكثر من أن يبلغهم الإحصاء ويحوزهم العدد. ثم بسواد الناس ودهمائهم وعوامهم في كل مصر وفي كل عصر، فإن من أمارات الحق إطباق قلوبهم على الرضاء به. ولو أن رجلا قام في مجامعهم وأسواقهم بمذاهب أصحاب الحديث –التي ذكرنا إجماعهم عليها– ما كان في جميعهم لذلك منكر ولا عنه نافر. ولو قام بشيء مما يعتقده أصحاب الكلام –مما يخالفه– ما ارتد إليه طرفه إلا مع خروج نفسه.

فإذا نحن أتينا أصحاب الكلام لما يزعمون أنهم عليه من معرفة القياس وحسن النظر وكمال الإرادة، وأردنا أن نتعلق بشيء من مذاهبهم ونعتقد شيئا من نحلهم، وجدنا النّظَّام (من كبار زعماء المعتزلة) شاطرا من الشطار (أي قاطع طريق). يغدو على سكر، ويروح على سكر، ويبيت على جرائرها. ويدخل في الأدناس، ويرتكب الفواحش والشائنات. وهو القائل:
ما زلت آخذ روح الزّق في لطف * وأستبيح دماً من غير مجروح
حتى انثنيت -ولي روحان في جسدي * والزق مطرح- جسم بلا روح

ثم نجد أصحابه يعدون من خطئه قوله: «إن الله عز وجل يحدث الدنيا وما فيها في كل وقت إفنائها». قالوا: «فالله في قوله يحدث الموجود ولو جاز إيجاد الموجود لجاز إعدام المعدوم». وهذا فاحش في ضعف الرأي وسوء الاختيار. وحكوا عنه أنه قال: «قد يجوز أن يجمع المسلمون جميعا على الخطأ»! قال: «ومن ذلك إجماعهم على أن النبي r بعث إلى الناس كافة دون جميع الأنبياء، وليس كذلك. وكل نبي في الأرض بعثه الله تعالى فإلى جميع الخلق بعثه. لأن آيات الأنبياء لشهرتها تبلغ آفاق الأرض، وعلى كل من بلغه ذلك أن يصدقه ويتبعه». فخالف الرواية عن النبي r أنه قال: «بعثت إلى الناس كافة وبعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبي يبعث إلى قومه». وأوَّلَ الحديث. وفي مخالفة الرواية وحشة. فكيف بمخالفة الرواية والإجماع لما استحسن؟ انتهى كلام الإمام ابن قتيبة.

قال شيخ الإسلام في الرد على بعض أئمة أهل الكلام –لما تكلموا في المتأخرين من أهل الحديث، وذموهم بقلة الفهم، وأنهم لا يفهمون معاني الحديث، ولا يميزون بين صحيحه من ضعيفه، ويفتخرون عليهم بحذقهم ودقة علومهم فيها– فقال –رحمه الله تعالى– في مجموع الفتاوى (18|52):
«لا ريب أن هذا موجود في بعضهم، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الفروع والأصول وآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة، ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه. وقد رأيت من هذا عجائب. لكنهم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك، كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل. فكل شرٍّ في بعض المسلمين، فهو في غيرهم أكثر. وكل خيرٍ يكون في غيرهم، فهو فيهم أعظم. وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم. وبإزاء تكلم أولئك بأحاديث لا يفهمون معناها، تكلف هؤلاء (الأصوليون) من القول بغير علم، ما هو أعظم من ذلك و أكثر. وما أحسن قول الإمام أحمد: "ضعيف الحديث خيرٌ من الرأي".

وقد أمر الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح بانتزاع مدرسة معروفة من أبى الحسن الآمدي. وقال: "أخذُها منه، أفضل من أخذ عكا" (أي من الإفرنج أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المئة السادسة). مع أن الآمدي لم يكن في وقته أكثر تبحراً في الفنون الكلامية والفلسفية منه. ومن المعلوم أن الأمور الدقيقة سواء كانت حقاً أو باطلاً، إيماناً أو كفراً، لا تُدرك إلا بذكاءٍ وفِطنة. فلذلك يستجهلون (أي المتكلمين) من لم يشركهم في عملهم، وإن كان إيمانه أحسن من إيمانهم، إذا كان منه قصورٌ في الذكاء والبَيان. وهُم كما قال الله تعالى: ]إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وإذا مروا بهم يتغامزون…[ الآيات. فلذا تقلدوا عن طواغيتهم: أن كل ما لم يحصل بهذه الطرق القياسية ليس بعلم.

وقد لا يحصل لكثير منهم منها ما يستفيد به الإيمان الواجب، فيكون كافراً زنديقاً منافقاً جاهلاً ضالاً مضلاً ظلوماً كفوراً، ويكون من أكابر أعداء الرسل ومنافقي الملة من الذين قال الله فيهم: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين}. وقد يحصل لبعضهم إيمان ونفاق، ويكون مرتداً: إما عن أصل الدين، أو بعض شرائعه. إما ردة نفاق، وإما ردة كفر. وهذا كثير غالب، لا سيما في الأعصار والأمصار التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق. فلهؤلاء (الأصوليين) من عجائب الجهل والظلم والكذب والكفر والنفاق والضلال، مالا يتسع لذكره المقال.
وإذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال أنه: فيها مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها. لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين المسلمين. بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمداً بُعِثَ بها وكَفَّرَ من خالَفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين وغيرهم. فإن هذا أظهر شعائر الإسلام. ومثل: معاداة اليهود والنصارى والمشركين. ومثل: تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر، ونحو ذلك. ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع، فكانوا مرتدين. وإن كانوا قد يتوبون من ذلك، ويعودون كرؤوس القبائل، مثل الأقرع وعيينة ونحوهم ممن ارتد عن الإسلام ثم دخل فيه. ففيهم من كان يتهم بالنفاق ومرض القلب، وفيهم من لم يكن كذلك.

فكثير من رؤوس هؤلاء (الأصوليين) هكذا: تجده تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة، وتارة يعود إليها ولكن مع مرض في قلبه ونفاق. وقد يكون له حال ثالثة يغلب الإيمان فيها النفاق. لكن قلّ أن يَسلَموا من نوع نفاق. والحكايات عنهم بذلك مشهورة. وقد ذكر ابن قتيبة عن ذلك طرفاً في أول "مختلف الحديث". وقد حكى أهل المقالات بعضهم عن بعض من ذلك طرفاً، كما يذكره أبو الحسن الأشعري (ت 324هـ) والقاضي أبو بكر ابن الباقلاني (الأصولي المالكي، ت 403هـ) وأبو عبد الله الشَّهْرَسْتاني (أبو الفتح ت 548هـ) وغيرهم.
وأبلغ من ذلك أن منهم من يُصنِّف في دين المشركين والردة عن الإسلام، كما صنفَ الرازي (606هـ) كتابه في عبادة الكواكب، وأقام الأدلة على حُسن ذلك ومنفعته، ورغَّبَ فيه. وهذه ردةٌ عن الإسلام باتفاق المسلمين. وإن كان قد يكون عاد إلى الإسلام».

جهل علماء الأصول بعلم الحديث

قال الحافظ ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" (2|16) (في ترجمة الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي): «ولقد عُقِد مرةً مجلسٌ لشيخِ الإسلامِ أبي العباسِ ابنِ تيميةَ، فتكلمَ فيهِ بعضُ أكابرِ المخالفينَ، وكان خطيبُ الجامعِ. فقالَ الشيخُ شرفُ الدينِ عبدُ اللهِ أخوْ الشيخِ: "كلامُنا معَ أهلِ السنةِ، أما أنتَ: فأنا أكتبُ لكَ أحاديثَ من الصحيحينِ، وأحاديثَ من الموضوعاتِ، وأظنُهُ قالَ: وكلاماً من سيرةِ عنترَ فلا تـُمَيّزُ بينهما"! أو كما قالَ، فسكتَ الرجلُ».

ونحو هذا ما قاله أخوه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4|71): «فإن فرض أن أحدا نقل مذهب السلف كما يذكره، فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي، وأبي حامد الغزالي، وابن الخطيب، وأمثالهم، ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يعدون به من عوام أهل الصناعة، فضلا عن خواصها، ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف بالبخاري، ومسلما، وأحاديثهما إلا بالسماع، كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث، وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك، ففيها عجائب، وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك إما عند الموت، وإما قبل الموت، والحكايات في هذا كثيرة معروفة.. [ثم ذكر شيئا منها] ».
ورحم الله الشوكاني حين قال في "البدر الطالع" (2|262): «وليس في علم إنسان خير، إذا كان لا يعرف علم الحديث، وإن بلغ في التحقيق إلى ما ينال».


منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




تعليمية




بارك الله فيكم وسدد خطاكم وجعلكم من اهل الجنة ومن الطيبن يارب العالمين




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

طلب / شرح المنظومة الحائية لابن أبي داوود رحمه الله للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله

تعليمية تعليمية
طلب / شرح المنظومة الحائية لابن أبي داوود رحمه الله للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (( مفرغ))

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أخواني أرجو ممن لديه شرح المنظومة الحائية لابن أبي داوود رحمه الله للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله(( مفرغ)) أن يعطيني إياه وجزاكم الله خيراً

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

الرد علي من أنكر تقسيم التوحيد للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله

تعليمية تعليمية
الرد علي من أنكر تقسيم التوحيد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فقد إنتشرت شبهة بثها بعض أهل الزيغ بين المسلمين وهي إنكار تقسيم التوحيد الي توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وهاتين رسالتين للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالي أرجوا من الله أن ينفعكم بها

الملفات المرفقة تعليمية القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد-عبد الرزاق البدر.PDF‏ (991.3 كيلوبايت) تعليمية المختصر المفيد في بيان دلائل اقسام التوحيد-عبد الرزاق البدر.pdf‏ (1.21 ميجابايت)

منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

هل الكفار يمرون علي الصراط؟ الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله

تعليمية تعليمية
هل الكفار يمرون علي الصراط؟ الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله يجيب

الســؤال

هل الكفار يمرون علي الصراط؟

الجـــواب

الله عزوجل يقول:"يومَ يُسحَبونَ في النَّارِ عَلَيَ وُجُوهِهِم ذُقُوا مسَّ سَقَرَ"
الكافر يؤتى به إلي النار يسحب علي وجهه..يسحب علي وجهه إلي أن يطرح في النار علي هذه الصفة.
وجاء في الحديث أن أحد الصحابة رضي الله عنهم سأل النبي عليه الصلاة والسلام،قال:"أويمشي الكافر علي وجهه !!؟
لأنه يؤتى به إلي النار يمشي علي وجهه يعني رجلاه إلي اعلي ورأسه إلي أسفل,ويمشي إلي أن يسقط في النار علي هذه الصفة..يمشي علي وجهه..يسحبون في النار علي وجوههم، أي يمشي علي وجهه رجلاه إلي أعلي ورأسه إلي أسفل إلي أن يلقى ويطرح في النار علي هذه الهيئة.
فأحد الصحابة قال يارسول الله :
أويمشي الكافر علي وجهه يوم القيامة
فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
"أوليس الذي أمشاه علي قدميه في الدنيا قادر علي أن يمشيه علي وجهه يوم القيامة.

قال رواة الحديث:"بلى وعزة ربنا"

<font color="blue">أي أن الله سبحانه وتعالى قادر ..الذي أمشاه علي قدميه في الدنيا قادر علي أن يمشيه علي وجهه يوم ….
المقطع الصوتي في المرفقات

الملفات المرفقة تعليمية هل يمشي الكافر علي الصراط-البدر.mp3&rlm; (474.3 كيلوبايت)

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

حكمة خلق القلب||||

تعليمية تعليمية
حكمة خلق القلب

ثم إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق القلب للإنسان يعلم به الأشياء، كما خلق له العين يرى بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأشياء، كما خلق له ـ سبحانه ـ كل عضو من أعضائه لأمر من الأمور، وعمل من الأعمال، فاليد للبطش، والرجل للسعي، واللسان للنطق، والفم للذوق، والأنف للشم، والجلد للمس، وكذلك سائر الأعضاء الباطنة والظاهرة‏.‏
فإذا استعمل الإنسان العضو فيما خلق له وأعد لأجله، فذلك هو الحق القائم، والعدل الذي قامت به السموات والأرض، وكان ذلك خيرًا وصلاحًا لذلك العضو ولربه وللشيء الذي استعمل فيه، وذلك الإنسان الصالح هو الذي استقام حاله ،و ‏{‏أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 5 ‏]‏ ‏.‏
وإذا لم يستعمل العضو في حقه، بل ترك بطالًا فذلك خسران، وصاحبه مغبون، وإن استعمل في خلاف ما خلق له فهو الضلال والهلاك، وصاحبه من الذين بدلوا نعمة الله كفرًا ،ثم إن سيد الأعضاء ورأسها هو القلب، كما سمى قلبًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب‏)‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإسلام علانية والإيمان في القلب‏)‏ ثم أشار بيده إلى صدره وقال‏:‏ ‏(‏ألا إن التقوى ها هنا إلا إن التقوى ها هنا‏)‏‏.‏
وإذ قد خلق القلب لأن يعلم به فتوجهه نحو الأشياء ابتغاء العلم بها هو الفكر والنظر، كما أن إقبال الأذن على الكلام ابتغاء سمعه هو الإصغاء والاستماع، وانصراف الطرف إلى الأشياء طلبًا لرؤيتها هو النظر، فالفكر للقلب، كالإصغاء للأذن، ومثله نظر العينين فيما سبق، وإذا علم ما نظر فيه فذاك مطلوبه، كما أن الأذن كذلك إذا سمعت ما أصغت إليه، أو العين إذا أبصرت ما نظرت إليه، وكم من ناظر مفكر لم يحصل العلم ولم ينله، كما أنه كم من ناظر إلى الهلال لا يبصره، ومستمع إلى صوت لا يسمعه‏.‏
وعكسه من يؤتي علمًا بشيء لم ينظر فيه ولم تسبق منه إليه سابقة تفكير فيه، كمن فاجأته رؤية الهلال من غير قصد إليه، أو سمع قولًا من غير أن يصغى إليه، و ذلك كله لا لأن القلب بنفسه يقبل العلم، وإنما الأمر موقوف على شرائط واستعداد قد يكون فعلا من الإنسان فيكون مطلوبًا، وقد يأتي فضلا من الله فيكون موهوبًا‏.‏
فصلاح القلب وحقه، والذي خلق من أجله، هو أن يعقل الأشياء، لا أقول أن يعلمها فقط، فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلًا له، بل غافلًا عنه ملغيًا له، والذي يعقل الشيء هو الذي يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه، فيكون وقت الحاجة إليه غنيًا فيطابق عمله قوله، وباطنه ظاهره، و ذلك هو الذي أوتى الحكمة، ‏{‏وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 269‏]‏، وقال أبو الدرداء‏:‏ إن من الناس من يؤتي علمًا ولا يؤتي حكمًا، وإن شداد بن أوس ممن أوتي علمًا وحكمًا‏.‏
وهذا، مع أن الناس متباينون في نفس عقلهم الأشياء من بين كامل وناقص، وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير، وجليل ودقيق، وغير ذلك‏.‏
ثم هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما ينال به العلم ويدرك، أعنى العلم الذي يمتاز به البشر عن سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه، من الشم والذوق واللمس، وهنا يدرك به ما يحب ويكره وما يميز به بين من يحسن إليه ومن يسيء إليه إلى غير ذلك، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 78‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 9‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 26‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 7‏]‏‏.‏
وقال فيما لكل عضو من هذه الأعضاء من العمل والقوة‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 179‏]‏‏.‏
ثم إن العين تقصر عن القلب والأذن، وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص، فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية، والمعلومات المعنوية، ثم بعد ذلك يفترقان، فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم هو غذاءه وخاصيته، أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب، فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام، فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم، فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حجبة له توصل إليه من الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه، حتى إن من فقد شيئًا من هذه الأعضاء فإنه يفقد بفقده من العلم ما كان هو الواسطة فيه‏.‏
فالأصم لا يعلم ما في الكلام من العلم، والضرير لا يدري ما تحتوي عليه الأشخاص من الحكمة البالغة، وكذلك من نظر إلى الأشياء بغير قلب، أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير قلب، فإنه لا يعقل شيئًا فمدار الأمر على القلب، وعند هذا تستبين الحكمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏‏[‏الحج‏:‏ 46‏]‏، حتى لم يذكر هنا العين كما في الآيات السوابق، فإن سياق الكلام هنا في أمور غائبة، وحكمة معقولة من عواقب الأمور لا مجال لنظر العين فيها، ومثله قوله‏:‏ ‏{‏أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 44‏]‏ ،وتتبين حقيقة الأمر في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏‏[‏ق‏:‏ 37‏]‏‏.‏

فإن من يؤتي الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين، إما رجل رأى الحق بنفسه فقبله فاتبعه و لم يحتج إلى من يدعوه إليه، فذلك صاحب القلب؛ أو رجل لم يعقله بنفسه بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه، فهذا أصغى فـ ‏{‏أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ حاضر القلب ليس بغائبه، كما قال مجاهد‏:‏ أوتي العلم وكان له ذكرى‏.‏
ويتبين قوله‏:‏ ‏{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 42، 43‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ‏}‏‏[‏الأنعام‏:‏ 25‏]‏‏.‏
ثم إذا كان حق القلب أن يعلم الحق، فإن الله هو الحق المبين، ‏{‏فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ‏}‏‏[‏يونس‏:‏ 32‏]‏، إذ كان كل ما يقع عليه لمحة ناظر أو يجول في لفتة خاطر، فالله ربه ومنشئه، وفاطره ومبدئه، لا يحيط علما إلا بما هو من آياته البينة في أرضه و سمائه، وأصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد‏:‏
ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
أي‏:‏ ما من شيء من الأشياء إذا نظرت إليه من جهة نفسه إلا وجدته إلى العدم، وما هو فقير إلى الحي القيوم، فإذا نظرت إليه وقد تولته يد العناية بتقدير من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى رأيته حينئذ موجودًا مكسوًا حلل الفضل والإحسان، فقد استبان أن القلب إنما خلق لذكر الله سبحانه ؛ و لذلك قال بعض الحكماء المتقدمين من أهل الشام ـ أظنه سليمان الخواص رحمه الله ـ قال‏:‏ الذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذكر مع حب الدنيا، أو كما قال‏.‏
فإذا كان القلب مشغولًا بالله، عاقلا للحق، متفكرًا في العلم، فقد وضع في موضعه، كما أن العين إذا صرفت إلى النظر في الأشياء فقد وضعت في موضعها، أما إذا لم يصرف إلى العلم ولم يوع فيه الحق فقد نسي ربه، فلم يوضع في موضع بل هو ضائع، ولا يحتاج أن نقول‏:‏ قد وضع في موضع غير موضعه، بل لم يوضع أصلا ؛ فإن موضعه هو الحق، وما سوى الحق باطل، فإذا لم يوضع في الحق لم يبق إلا الباطل، والباطل ليس بشيء أصلا، وما ليس بشيء أحرى ألا يكون موضعًا‏.‏
والقلب هو نفسه لا يقبل إلا الحق، فإذا لم يوضع فيه فإنه لا يقبل غير ما خلق له، ‏{‏ِسُنَّةِ اللَّهِ‏}‏ ‏{‏وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 62‏]‏ وهو مع ذلك ليس بمتروك مخلي، فإنه لايزال في أودية الأفكار وأقطار الأماني لا يكون على الحال التي تكون عليها العين والأذن من الفراغ والتخلي، فقد وضع في غير موضع لا مطلق ولا معلق، موضوع لا موضع له، و هذا من العجب فسبحان ربنا العزيز الحكيم، وإنما تنكشف للإنسان هذه الحال عند رجوعه إلى الحق، إما في الدنيا عند الإنابة، أو عند المنقلب إلى الآخرة، فيرى سوء الحال التي كان عليها، وكيف كان قلبه ضالا عن الحق، هذا إذا صرف في الباطل‏.‏
فأما لو ترك وحاله التي فطر عليها فارغًا عن كل ذكر، خاليًا عن كل فكر، فقد كان يقبل العلم الذي لا جهل فيه، ويرى الحق الذي لا ريب فيه، فيؤمن بربه وينيب إليه، فإن كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، لا يحس فيها من جدع ‏{‏فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 30‏]‏، وإنما يحول بينه وبين الحق في غالب الحال شغله بغيره من فتن الدنيا، ومطالب الجسد، وشهوات النفس، فهو في هذه الحال كالعين الناظرة إلى وجه الأرض لا يمكنها أن ترى مع ذلك الهلال، أو هو يميل إليه فيصده عن اتباع الحق، فيكون كالعين التي فيها قذى لا يمكنها رؤية الأشياء‏.‏
ثم الهوى قد يعترض له قبل معرفة الحق فيصده عن النظر فيه، فلا يتبين له الحق كما قيل‏:‏ ‏(‏حبك الشيء يعمي ويصم‏)‏، فيبقى في ظلمه الأفكار،وكثيرًا ما يكون ذلك عن كبر يمنعه عن أن يطلب بالحق، ‏{‏فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 22‏]‏‏.‏
وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف الحق فيجحده ويعرض عنه، كما قال ربنا ـ سبحانه ـ فيهم‏:‏ ‏{‏سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 146‏]‏‏.‏
ثم القلب للعلم كالإناء للماء، والوعاء للعسل، والوادي للسيل،كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا‏}‏ الآية ‏[‏الرعد‏:‏ 17‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا، وأصاب منها طائفة، إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ،فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما أرسلت به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به‏)‏، وفي حديث كميل بن زياد عن علي – رضي الله عنه- قال‏:‏ القلوب أوعية فخيرها أوعاها‏.‏ وبلغنا عن بعض السلف قال‏:‏ القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إلى الله تعالى أرقها وأصفاها، وهذا مثل حسن، فإن القلب إذا كان رقيقًا لينًا كان قبوله للعلم سهلا يسيرًا، ورسخ العلم فيه وثبت وأثر، وإن كان قاسيًا غليظًا كان قبوله للعلم صعبًا عسيرًا‏.‏
ولابد مع ذلك أن يكون زكيا صافيًا سليما، حتى يزكو فيه العلم ويثمر ثمرًا طيبًا، وإلا فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفسد ذلك العلم، وكان كالدغل في الزرع إن لم يمنع الحب من أن ينبت منعه من أن يزكو ويطيب، وهذا بين لأولي الأبصار‏.‏
و تلخيص هذه الجملة‏:‏ أنه إذا استعمل في الحق فله وجهان‏:‏
وجه مقبل على الحق، ومن هذا الوجه يقال له‏:‏ وعاء وإناء ؛ لأن ذلك يستوجب ما يوعي فيه ويوضع فيه، وهذه الصفة صفة وجود وثبوت‏.‏
ووجه معرض عن الباطل، ومن هذا الوجه يقال له‏:‏ زكي وسليم وطاهر؛ لأن هذه الأسماء تدل على عدم الشر وانتفاء الخبث والدغل، وهذه الصفة صفة عدم ونفي‏.‏
وبهذا يتبين أنه إذا صرف إلى الباطل فله وجهان كذلك‏:‏
وجه الوجود‏:‏ أنه منصرف إلى الباطل مشغول به‏.‏
ووجه العدم‏:‏ أنه معرض عن الحق غير قابل له، وهذا يبين من البيان والحسن والصدق ما في قوله‏:‏
إذا ما وضعت القلب في غير موضع ** بغيـر إناء فهو قلـب مضـيع
فإنه لما أراد أن يبين حال من ضيع قلبه، فظلم نفسه بأن اشتغل بالباطل وملأ به قلبه حتى لم يبق فيه متسع للحق، ولا سبيل له إلى الولوج فيه ذكر ذلك منه، فوصف حال هذا القلب بوجهيه، ونعته بمذهبيه، فذكر أولا وصف الوجود منه فقال‏:‏
إذا ما وضعت القلب في غير موضع‏.‏
يقول‏:‏ إذا شغلته بما لم يخلق له فصرفته إلى الباطل حتى صار موضوعا فيه، ثم الباطل على منزلتين‏:‏
إحداهما‏:‏ تشغل عن الحق ولا تعانده مثل الأفكار والهموم التي في علائق الدنيا وشهوات النفس‏.‏
والثانية‏:‏ تعاند الحق وتصد عنه، مثل الآراء الباطلة، والأهواء المردية من الكفر والنفاق والبدع وشبه ذلك، بل القلب لم يخلق إلا لذكر الله، فما سوى ذلك فليس موضعًا له‏.‏
ثم ذكر ثانيًا وصف العدم فيه، فقال‏:‏ بغير إناء، ثم يقول‏:‏ إذا وضعته بغير إناء ضيعته، ولا أنا معك، كما تقول‏:‏ حضرت المجلس بلا محبرة‏.‏ فالكلمة حال من الواضع، لا من الموضوع ،والله أعلم‏.‏
وبيان هذه الجملة ـ والله أعلم ـ أنه يقول‏:‏ إذا ما وضعت قلبك في غير موضع فقد شغل بالباطل، ولم يكن معك إناء يوضع فيه الحق، و ينزل إليه الذكر والعلم الذي هو حق القلب، فقلبك إذًا مضيع ضيعته من وجهي التضييع، وإن كانا متحدين من جهة أنك وضعته في غير موضع، ومن جهة أنه لا إناء معك يكون وعاء للحق الذي يجب أن يعطاه،كما لو قيل لملك قد أقبل على اللهو‏:‏ إذا اشتغلت بغير المملكة وليس في المملكة من يدبرها فهو ملك ضائع، لكن الإناء هنا هو القلب بعينه،وإنما كان ذلك كذلك؛لأن القلب لا ينوب عنه غيره فيما يجب أن يوضع فيه ‏{‏وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 15‏]‏‏.‏
وإنما خرج الكلام في صورة اثنين بذكر نعتين لشيء واحد، كما جاء نحوه في قوله تعالى‏:‏ ‏{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ‏.‏ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 3، 4‏]‏ قال قتادة والربيع‏:‏ هو القرآن‏:‏ فرق فيه بين الحلال والحرام، والحق والباطل، وهذا لأن الشيء الواحد إذا كان له وصفان كبيران فهو مع وصف واحد كالشيء الواحد، ومع الوصفين بمنزلة الاثنين، حتى لو كثرت صفاته لتنزل منزلة أشخاص، ألا ترى أن الرجل الذي يحسن الحساب والطب يكون بمنزلة حاسب وطبيب والرجل الذي يحسن التجارة والبناء يكون بمنزلة نجار وبناء‏.‏
والقلب لما كان يقبل الذكر والعلم، فهو بمنزلة الإناء الذي يوضع فيه الماء وإنما ذكر في هذا البيت الإناء من بين سائر أسماء القلب؛ لأنه هو الذي يكون رقيقًا وصافيا، و هو الذي يأتي به المستطعم المستعطى في منزلة البائس الفقير‏.‏ ولما كان ينصرف عن الباطل فهو زكي وسليم، فكأنه اثنان‏.‏
وليتبين في الصوة أن الإناء غير القلب، فهو يقول‏:‏
إذا وضعت قلبك في غير موضع‏.‏
وهو الذي يوضع فيه الذكر والعلم، ولم يكن معك إناء يوضع فيه المطلوب فمثلك مثل رجل بلغه أن غنيا يفرق على الناس طعامًا وكان له زبدية أو سكرجة فتركها، ثم أقبل يطلب طعامًا، فقيل له‏:‏ هات إناء نعطيك طعامًا ،فأما إذا أتيت وقد وضعت زبديتك ـ مثلا ـ في البيت وليس معك إناء نعطيك فلا نأخذ شيئًا فرجعت بخفي حنين‏.‏
وإذا تأمل من له بصيرة بأساليب البيان وتصاريف اللسان وجد موقع هذا الكلام من العربية والحكمة كليهما موقعًا حسنًا بليغًا؛ فإن نقيض هذه الحال المذكورة أن يكون القلب مقبلا على الحق والعلم والذكر معرضا عن غير ذلك ‏.‏ وتلك هي الحنيفية ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ فإن الحنف هو إقبال القدم وميلها إلى أختها ،فالحنف الميل عن الشيء بالإقبال على آخر، فالدين الحنيف هو الإقبال على الله وحده والإعراض عما سواه، وهو الإخلاص الذي ترجمته كلمة الحق، والكلمة الطيبة‏:‏ ‏[‏لا إله إلا الله‏]‏‏.‏ اللهم ثبتنا عليها في الدنيا والآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وهذا آخر ما حضر في هذا الوقت‏.‏ والله أعلم ‏.‏وصلى الله على محمد‏.
مجموع فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية/المنطق/فصل في حكمة خلق القلب

__________________

اللهم اجعلني خيراً مما يظنون

ولاتؤاخذني بما يقولون

واغفر لي ما لا يعلمون

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

من دعا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت فقد أشرك

من دعا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت فقد أشرك

هل يكون من الشرك إذا قال أحد في أي بقاع الأرض: يا محمد يا رسول الله، يناديه؟

قد بين الله سبحانه في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم أن العبادة حق الله ليس فيها حق لغيره، وأن الدعاء من العبادة، فمن قال من الناس في أي بقعة من بقاع الأرض: يا رسول الله، أو يا نبي الله، أو يا محمد أغثني، أو أدركني، أو انصرني، أو اشفني، أو انصر أمتك، أو اشف مرضى المسلمين، أو اهد ضالهم، أو ما أشبه ذلك، فقد جعله شريكاً لله في العبادة، وهكذا من صنع مثل ذلك مع غيره من الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غيرهم من المخلوقات، لقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[1] وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[2].
ولقوله تعالى في سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[3]، وقوله سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[4]، وقوله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[5]، فسمى الدعاء عبادة وأخبر أن من استكبر عنها سيدخل جهنم داخراً أي: صاغراً، وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[6]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[7]، وقال عز وجل: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[8]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[9]، وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[10].

وهذه الآيات وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن العبادة حق الله وحده، وأن الواجب تخصيصه بها لكونه خلق العباد لذلك وأمرهم به، كما تدل على أن جميع المعبودين من دون الله لا يسمعون دعاء من يدعوهم، ولو فرض سماعهم لم يستجيبوا له، كما دلت أيضا على أن المعبودين من دون الله يتبرءون من عابديهم يوم القيامة، وينكرون عليهم ذلك، ويخبرونهم أنهم كانوا غافلين عن عبادتهم إياهم، وبين أنهم يكونون يوم القيامة أعداء لعابديهم من دون الله، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعون الناس إلى عبادة الله وحده، ويحذرونهم من عبادة ما سواه، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[11]، وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[12]، وقال عز وجل في سورة الرعد آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم ما أمره به: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ[13]، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)) متفق عليه من حديث معاذ رضي الله عنه، وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة))، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار))، وفي صحيح مسلم أيضا عن طارق الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل)).

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: (أي الذنب أعظم؟) قال: ((أن تجعل لله ندا وهو خلقك)) الحديث، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ولا شك أن المستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأولياء والأنبياء والملائكة أو الجن، إنما فعلوا ذلك معتقدين أنهم يسمعون دعاءهم ويقضون حاجاتهم، وأنهم يعلمون أحوالهم وهذه أنواع من الشرك الأكبر، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولأن الأموات قد انقطعت أعمالهم وتصرفاتهم في عالم الدنيا، سواء كانوا أنبياء أو غيرهم؛ ولأن الملائكة والجن غائبون عنا مشغولون بشئونهم.

وليس لنا أن نصرف لهم شيئاً من حق الله أو ندعوهم مع الله عز وجل. لأن الله سبحانه أمرنا أن نعبده وحده دون ما سواه، وأخبر أنه خلق الثقلين لذلك، كما تقدم ذكر الآيات في هذا المعنى؛ ولأن جميع المعبودين من دون الله لا يستطيعون قضاء حاجات عابديهم ولا شفاء مرضاهم، ولا يعلمون ما في نفوسهم، وإنما الذي يقدر على ذلك ويعلم ما في الصدور. هو الله وحده، ومن الآيات الدالة على ذلك، قوله سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[14]، وسمى سبحانه في هذه الآية دعاء غيره شركا، وفي آية أخرى سماه كفراً، كما في قوله: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[15].

وبين عز وجل في آية أخرى أن المعبودين دون الله من الأنبياء وغيرهم لا يملكون كشف الضر عن داعيهم ولا تحويله من حال إلى حال ولا من مكان إلى مكان أو من شخص إلى شخص آخر، كما قال عز وجل في سورة الإسراء: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[16]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

تنبيه هام:

ليس من عبادة غير الله التعاون بين العباد الأحياء القادرين بمقتضى الأسباب الحسية، كطلب الإنسان من الإنسان الحي القادر الحاضر أو الغائب بالمكاتبة ونحوها أن يعينه على تعمير بيته أو إصلاح سيارته، أو أن يقرضه شيئاً من المال، أو يساعده في الجهاد، أو على التحرز من اللصوص، أو قطاع الطرق أو نحو ذلك، وهكذا خوف الإنسان من عدوه الحي، أو من اللصوص أو من المؤذين طبعاً كالسباع والحيات والعقارب، فيعمل بما يحرزه من ذلك.

ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه في سورة القصص في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ[17]، وقوله عز وجل: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ[18]الآية، وقوله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[19]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فينبغي التنبه لهذا الأمر والعناية به؛ لأن كثيرا من الجهال والمشركين يلبسون على بعض دعاة التوحيد بمثل هذه الأمور، والله المستعان.

[1] سورة الذاريات الآية 56.

[2] سورة البقرة الآية 21.

[3] سورة الفاتحة الآية 5.

[4] سورة غافر الآية 14.

[5] سورة غافر الآية 60.

[6] سورة البقرة الآية 186.

[7] سورة البينة الآية 5.

[8] سورة فاطر الآيات 13-14.

[9] سورة الأحقاف الآيات 5-6.

[10] سورة الجن الآية 18.

[11] سورة النحل الآية 36.

[12] سورة الأنبياء الآية 25.

[13] سورة الرعد الآية 36.

[14] سورة فاطر الآيات 13-14.

[15] سورة المؤمنون الآية 17.

[16] سورة الإسراء الآيات 56-57.

[17] سورة القصص الآية 15.

[18] سورة القصص الآية 21.

[19] سورة المائدة الآية 2.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحسن الله إليكم ، و رحم الله الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة واسعة و جزاه عن الإسلام و المسلمين خير جزاء

النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع ولا يضر

سؤال للشيخ صالح السحيمي حفظه الله

قلتم يا شيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع ولا يضر
فما توجيه قول الله تعالى
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)؟

الجواب

المقطع mp3 1.05 mg

من هنا

التفريغ:

يقول السائل : قلتم أنفاً إن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع ولا يضر ماذا نفعل بقوله تعالى ؟
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا

الشيخ : أحسنت ,, طيب ,,, جميل ,,, وأنا أوجه لك سؤالا كيف تفسر قول الله تعالى (قُلْ لَا أَمْلِكُ ( أكمل ) لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ),,( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ) ماذا تقول في هذه الآية , هذه الآية تؤيد ما قلته لك ,, أما هذه الآية , فهذا خطاب لأولئك المنافقين الذين اعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبهم الله ويناديهم يقول لهم ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ( بنفاقهم وذنوبهم ) جَاءُوكَ ( يا رسول الله واستغفرت لهم )فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)) كما جاء بعضهم وهم يكذبون فقال الله له (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)

فيا عبد الله ذاك لما كان حيا والله لو كان حيا لهرعنا جميعا إليه وطلبنا منه أن يستغفر لنا وان يدعوا لنا ولذلك يا عبد الله الصحابة رضوان الله عليهم عندما كانو في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانو يذهبون إليه ويستسقون به ويتوسلون بدعائه بعد وفاته هل توسلوا بدعائه إنما توسلوا بما ذا ؟ بعمه العباس وتوسل معاوية بيزيد ابن الأسود وتوسل عمر بالعباس أكثر من مرة
يعني بالدعاء لأنهم يعلمون أن المقام مقام دعاء والدعاء لا يطلب من الميت و إنما يطلب من ماذا ؟ من الحي,, فهذا هو الجواب يا عبد الله إما ما يحكى من قصة ابن العتبي التي تذكر في بعض التفاسير وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاءه وذكر قصيدة يستغيث فيها النبي صلى الله عليه وسلم وانه اخرج له يده وصافحه وقضى حاجته الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أن دفن إلى يومنا هذا ما اخرج يده لأحد حتى لأبي بكر وعمر وحتى لعائشة وأزواجه وحتى لأصحابه ها ,, يخرجها لهذا المخرف ( ضحك الشيخ )
انتبهوا يا إخوان ليس كل القصص التي تذكر بالتفاسير صحيحة بعضها غير صحيحة بعضها مغلوطة بعضها مزيفة لا اصل لها ومنها قصة ابن العتبي هذي لا اصل لها والله , والله لا اصل لها , إنما نحن نتقرب إلى الله بما ذا ؟ الله بحبه نتقرب إلى الله بما ذا ؟ بإتباعه نتقرب إلى الله تعالى بالسير على سنته , بمحبته محبته تقربنا إلى الله إتباع سنته يقربنا إلى الله السير على منهجه يقربنا إلى الله أما دعاءه والإتيان إليه والله لا يقرب في قبره يعني ودعاءه من دون الله والله لا يقرب بل يبعدك عن الله لأنه دعاء لغير الله سبحانه وتعالى كقول ذلك القائل من حكى الله عنهم من المشركين (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) , فعلينا أن نفهم هذه الأمور فرق بين أن نتقرب إلى الله بحبه بإتباعه بالسير على نهجه بمحبته بفداء دينه بفدائه بكل شي وبين أن ندعوه من دون الله أو أن نستغيث به كيف وهو القائل عندما قال رجل ما شاء الله وشئت , أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده فانتبه لهذا يا عبد الله فإنه في غاية الخطورة , نعم أ.هــ

المصدر





التصنيفات
العقيدة الاسلامية

التوحيد أولاً يا دعــاة الإسلام للعلامة محدث الشام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

تعليمية تعليمية

التوحيد أولاً


يا دعــاة الإسلام

للعلامة محدث الشام

محمد ناصر الدين الألباني

رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70-71) .
وبعد :

فهذه رسالة عظيمة(1) النفع والفائدة للعامة والخاصة يجيب فيها عالم من علماء هذا العصر وهو فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ونفع به ، يجيب فيها على سؤال يدور على ألسنة الغيورين على هذا الدين الذي يحملونه في قلوبهم ويشغلون فكرهم به ليلاً ونهاراً ومجمل السؤال هو :

ما هو السبيل إلى النهوض بالمسلمين وما هو الطريق الذي يتخذونه حتى يمكن الله لهم ويضعهم في المكان اللائق بهم بين الأمم ؟

فأجاب العلامة الألباني نفع الله به على هذا السؤال إجابة مفصلة واضحة . ولما لهذه الإجابة من حاجة ، رأينا نشرها . فأسال الله تعالى أن ينفع بها وأن يهدي المسلمين إلى ما يحب ويرضى إنه جواد كريم .

التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام

سؤال : فضيلة الشيخ لا شك أنكم تعلمون بأن واقع الأمة الديني واقع مرير من حيث الجهل بالعقيدة ، ومسائل الاعتقاد ، ومن حيث الافتراق في المناهج وإهمال نشر الدعوة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض طبقاً للعقيدة الأولى والمنهج الأول الذي صلحت به الأمة ، وهذا الواقع الأليم لا شك بأنه قد ولد غيرة عند المخلصين ورغبة في تغييره وإصلاح الخلل ، إلا أنهم اختلفوا في طريقتهم في إصلاح هذا الواقع ؛ لاختلاف مشاربهم العقدية والمنهجية – كما تعلم ذلك فضيلتكم – من خلال تعدد الحركات والجماعات الإسلامية الحزبية والتي ادعت إصلاح الأمة الإسلامية عشرات السنين ، ومع ذلك لم يكتب لها النجاح والفلاح ، بل تسببت تلك الحركات للأمة في إحداث الفتن ونزول النكبات والمصائب العظيمة ، بسبب مناهجها وعقائدها المخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به ؛ مما ترك الأثر الكبير في الحيرة عند المسلمين – وخصوصاً الشباب منهم – في كيفية معالجة هذا الواقع ، وقد يشعر الداعية المسلم المتمسك بمنهاج النبوة المتبع لسبيل المؤمنين ، المتمثل في فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء الإسلام ؛ قد يشعر بأنه حمل أمانة عظيمة تجاه هذا الواقع وإصلاحه أو المشاركة في علاجه .

فما هي نصيحتكم لأتباع تلك الحركات أو الجماعات ؟

وما هي الطرق النافعة الناجعة في معالجة هذا الواقع ؟

وكيف تبرأ ذمة المسلم عند الله عز وجل يوم القيامة ؟

الجواب

يجب العناية والاهتمام بالتوحيد أولاً كما هو منهج الأنبياء والرسل عليهم السلام :

بالإضافة لما ورد في السؤال – السابق ذكره آنفاً – من سوء واقع المسلمين ، نقول :إن هذا الواقع الأليم ليس شراً مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية حينما بعث إليهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛لوجود الرسالة بيننا ، وكمالها ، ووجود الطائفة الظاهرة على الحق ، والتي تهدي به ، وتدعو الناس للإسلام الصحيح :عقيدة ، وعبادة ، وسلوكاً ، ومنهجاً ، ولا شك بأن واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم !.

بناء على ذلك نقول : العلاج هو ذاك العلاج ،والدواء هو ذاك الدواء ، فبمثل ما عالج النبي صلى الله عليه وسلم تلك الجاهلية الأولى ، فعلى الدعاة الإسلاميين اليوم – جميعهم – أن يعالجوا سوء الفهم لمعنى " لا إله إلا الله " ، ويعالجوا واقعهم الأليم بذاك العلاج والدواء نفسه . ومعنى هذا واضح جداً ؛ إذا تدبرنا قول الله عز وجل { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21) .

فرسولنا صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة في معالجة مشاكل المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين ، ويقتضي ذلك منا أن نبدأ بما بدأ به نبينا صلى الله عليه وسلم وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولاً ، ومن عبادتهم ثانياً ، ومن سلوكهم ثالثاً .ولست أعني من هذا الترتيب فصل الأمر الأول بدءاً بالأهم ثم المهم ، ثم ما دونه ! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديداً كبيراً ، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة ، ولعل الأصح أن نقول : العلماء منهم ؛لأن الدعاة اليوم – مع الأسف الشديد – يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم ، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام ، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة – لا أقول : عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعاً – تلك القاعدة التي تقول : "فاقد الشيء لا يعطيه " / فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جداً يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة : الدعاة . وأعني بهم :جماعة الدعوة ، أو : جماعة التبليغ " ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }(لأعراف: من الآية187) .

ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول – أو بالأمر الأهم – من الأمور التي ذكرت آنفاً ، وأعني : العقيدة والعبادة والسلوك ، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم بل بدأ به كل الأنبياء ، وقد بينه الله تعالى بقوله :{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }(النحل: من الآية36) . فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام – كما هو معلوم لدى المسلمين جميعاً – هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح صلى الله عليه وسلم قرابة ألف سنة ، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان ، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد ، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بين الله – عز وجل – ذلك في محكم التنزيل {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } (نوح:23) .

فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي على الدعاة إلى " الإسلام الحق" الاهتمام به دائماً هو الدعوة إلى التوحيد وهو معنى قوله – تبارك وتعالى- :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }(محمد: من الآية19) .
هكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم عملاً وتعليماً .
أما فعله : فلا يحتاج إلى بحث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي إنما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له .

أما تعليماً : ففي حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – الوارد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له : " ليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك ….."(1) .إلخ الحديث .وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى .

إذاً ، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد ، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين – من حيث إنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم – ، وبين أغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يدعوا إلى أن يقولوا : لا إله إلا الله ؛ لأنهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم ، فكلهم يقولون : لا إله إلا الله ، لكنهم في الواقع بحاجة أن يفهموا – أكثر – معنى هذه الكلمة الطيبة ، وهذا الفرق فرق جوهري – جداً – بين العرب الأولين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا : لا إله إلا الله يستكبرون ، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم (2) لماذا يستكبرون ؟ ؛ لأنهم يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أنداداً وألا يعبدوا إلا الله ، وهم كانوا يعبدون غيره ، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله ؛ فضلاً عن النذر لغير الله ، والتوسل بغير الله ، والذبح لغيره والتحاكم لسواه ….إلخ.
هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها ، ومع ذلك كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة – لا إله إلا الله – من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور ؛ لمنافاتها لمعنى " لا إله إلا الله ".

غالب المسلمين اليوم لا يفقهون معنى لا إله إلا الله فهماً جيداً :

أما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن " لا إله إلا الله " فهم لا يفقهون معناها جيداً ، بل لعلهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً ؛ أضرب لذلك مثلاً : بعضهم (1) ألف رسالة في معنى " لا إله إلا الله " ففسرها :" لا رب إلا الله!! " وهذا المعنى هو الذي كان المشركون يؤمنون به وكانوا عليه ، ومع ذلك لم ينفعهم إيمانهم هذا ، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}(لقمان: من الآية25).

فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً لا شريك له ،ولكنهم كانوا يجعلون مع الله أنداداً وشركاء في عبادته ، فهم يؤمنون بأن الرب واحد ولكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة ، ولذلك رد الله تعالى – هذا الاعتقاد – الذي سماه عبادة لغيره من دونه بقوله تعالى :{….وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى….}(الزمر: من الآية3).
لقد كان المشركون يعلمون أن قول : " لا إله إلا الله " يلزم له التبرؤ من عبادة ما دون الله عز وجل ، أما غالب المسلمين اليوم ؛ فقد فسروا هذه الكلمة الطيبة " لا إله إلا الله " بـ : " لا رب إلا الله !! " فإذا قال المسلم : لا إله إلا الله " ، وعبد مع الله غيره ؛ فهو و المشركون سواء ، عقيدة ، وإن كان ظاهره الإسلام ؛ لأنه يقول لفظة :لا إله إلا الله فهو بهذه العبارة مسلم لفظياً ظاهراً ، وهذا مما يوجب علينا جميعاً – بصفتنا دعاة إلى الإسلام- الدعوة إلى التوحيد وإقامة الحجة على من جهل معنى" لا إله إلا الله " وهو واقع في خلافها ؛ بخلاف المشرك ؛ لأنه يأبى أن يقول :" لا إله إلا الله " فهو ليس مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً فأما جماهير المسلمين اليوم هم مسلمون لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى "(2).
لذلك ، فإني أقول كلمة – وهي نادرة الصدور مني – ، وهي :إن واقع كثير من المسلمين اليوم شر مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة ؛ لأن المشركين العرب كانوا يفهمون ، ولكنهم لا يؤمنون ، أما غالب المسلمين اليوم ، فإنهم يقولون ما لا يعتقدون ، يقولون : لا إله إلا الله ، ولا يؤمنون –حقاً – بمعناها (1)، لذلك فأنا أعتقد أن أول واجب على الدعاة المسلمين – حقاً – هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بتلخيص ، ثم بتفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة بالإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها ، لأن الله عز وجل لما حكى عن المشركين قوله : { … مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى… }(الزمر: من الآية3)، جعل كل عبادة توجه لغير الله كفراً بالكلمة الطيبة : لا إله إلا الله ؛ لهذا ؛ أنا أقول اليوم : لا فائدة مطلقاً من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم ، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيبة ، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة ! نحن نعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار " وفي رواية أخري :" دخل الجنة "(2) . فيمكن ضمان دخول الجنة لمن قالها مخلصاً حتى لو كان بعد لأي وعذاب يمس القائل ، والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهذه الكلمة ، فإنه قد يعذب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام ، ولكن سيكون مصيره في النهاية دخول الجنة ، و على العكس من ذلك ؛ من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه ، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه ؛ فذلك لا يفيده شيئاً في الآخرة ، قد يفيده في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل إذا كان للمسلمين قوة وسلطان ، وأما في الآخرة فلا يفيد شيئاً إلا إذا كان قائلاً لها وهو فاهم معناها أولاً ، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً ؛ لأن الفهم وحده لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم ، وهذه النقطة ؛ أظن أن أكثر الناس عنها غافلون ! وهي : لا يلزم من الفهم الإيمان بل لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً ، ذلك لأن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة ، ولكن مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا عز وجل حين قال:{…يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ….} (البقرة: من الآية146). ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئاً لماذا ؟ لأنهم لم يصدقوه فيما يدعيه من النبوة والرسالة ، ولذلك فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها ، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان ، لأن المولى عز وجل يقول في محكم التنزيل : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ……}(محمد: من الآية19).

وعلى هذا ، فإذا قال المسلم : لا إله إلا الله بلسانه ؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل ، فإذا عرف وصدق وآمن ؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفاً ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفاً : " من قال : لا إله إلا الله ، نفعته يوماً من دهره "(1).

أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار – وهذا اكرره لكي يرسخ في الأذهان – وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي ولكنه سلم من الشرك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية – والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه –(2)؛ وهو تحت المشيئة ، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعل من المعاصي أو أخل ببعض الواجبات ، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة أو يعف الله عنه بفضل منه وكرمه ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره : " من قال : لا إله إلا الله ، نفعته يوماً من دهره "(1)، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها ، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى ؛ فهذا لا ينفعه قوله : لا إله إلا الله ، إلا في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس في الآجلة .
لذلك لا بد من التركيز على الدعوة إلى التوحيد في كل مجتمع أو تكتل إسلامي يسعى- حقيقة وحثيثاً – إلى ما تدندن به كل الجماعات الإسلامية أو جلها ، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله على أي أرض لا تحكم بما أنزل الله ، هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقق هذه الغاية – التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي- حثيثاً إلى جعلها حقيقة واقعية – إلا بالبدء بما بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجوب الاهتمام بالعقيدة لا يعنى إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك ومعاملات وأخلاق :

وأعيد التنبيه بأنني لا أعنى الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه على أن يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها ، بعد أن أتم الله عز وجل علينا النعمة بإكماله لدينه ! بل لا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوا الإسلام كُلاً لا يتجزأ ، وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته : أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقاً بأهم ما جاء به الإسلام ، وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله "، أريد أن استرعي النظر إلى هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى :" لا إله إلا الله " ، هو لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط ! بل هذه يستلزم أيضاً أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يعبد ربنا- عز وجل – بها ، ولا يوجه شيء منها لعبد من عباد الله تبارك وتعالى ، فهذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً بذلك المعنى الموجز للكلمة الطيبة ، ويحسن أن أضرب مثلاً – أو أكثر من مثل ، حسبما يبدو لي – لأن البيان الإجمالي لا يكفي .

أقول : إن كثيراً من المسلمين الموحدين حقاً والذين لا يوجهون عبادة من العبادات إلى غير الله عز وجل ، ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة ، فكثير من هؤلاء الموحدين يمرون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمن عقيدة وهم غير منتبهين إلى ما تضمنته ، مع أنها من تمام الإيمان بالله عز وجل ، خذوا مثلاً عقيدة الإيمان بعلو الله عز وجل ، على ما خلقه ، أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل ، ودون تكييف ، ولكنهم حين يأتيهم معتزليون عصريون ،أو جهميون عصريون ، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لا يفهم معناها الموسوس ولا الموسوس إليه ، فيحار في عقيدته ، ويضل عنها بعيداً ، لماذا؟ لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرض لبيانها كتاب ربنا –عز وجل – وحديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فحينما يقول المعتزلي المعاصر : الله – عز وجل – يقول : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ….} (الملك:الآيتان 15-16). و أنتم تقولون : إن الله في السماء ، وهذا معناه أنكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة!! فإنه يلقى شبهة على من أمامه .

بيان عدم وضوح العقيدة الصحيحة ولوازمها في أذهان الكثيرين :

أريد من هذا المثال أن أبين أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة – للأسف في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة السلفية نفسها ، فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد الأشعرية أو الماتريدية أو الجهمية في مثل هذه المسألة ، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست بهذا اليسر الذي يصوره اليوم بعض الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة إن الأمر ليس بالسهولة التي يدعيها بعضهم ، والسبب ما سبق بيانه من الفرق بين جاهلية المشركين الأولين حينما كانوا يدعون ليقولوا : لا إله إلا الله فيأبون ؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة ، وبين أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة ؛ ولكنهم لا يفهمون معناها الصحيح ، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة ، وأعني بها علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها ، فهذا يحتاج إلى بيان ، ولا يكفي أن يعتقد المسلم{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طـه:5)
. "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "(1).دون أن يعرف أن كلمة "في " التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية ، وهي مثل "في " التي وردت في قوله تعالى : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ….} (الملك:الآيتان 15-16). ؛ لأن " في " هنا بمعنى " على " والدليل على ذلك كثير وكثير جداً ؛ فمن ذلك : الحديث السابق المتداول بين ألسنة الناس ، وهو مجموع طرقه –والحمد لله – صحيح ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" ارحموا من في الأرض " لا يعني الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض ! وإنما من على الأرض ؛ من إنسان وحيوان ، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم :" …يرحمكم من في السماء " ، أي : على السماء ، فمثل هذا التفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق أن يكونوا على بينة منه ، ويقرب هذا : حديث الجارية وهي راعية غنم ، وهو مشهور معروف ، وإنما أذكر الشاهد منه ؛ حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أين الله ؟" قالت له : في السماء"(1) . لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر – مثلاً – أين الله ؟ لقالوا لك : في كل مكان ! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء ، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم ، لماذا ؟ ؛ لأنها أجابت على الفطرة ، وكانت تعيش بما يمكن أن نسميه بتعبيرنا العصري ( بيئة سلفية) لم تتلوث بأي بيئة سيئة – بالتعبير العام -؛ لأنها تخرجت كما يقولون اليوم – من مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم – هذه المدرسة لم تكن خاصة ببعض الرجال ولا ببعض النساء ، وإنما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرجال والنساء وتعم المجتمع بأكمله ، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة ؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة وهو مالم يعرفه كثير ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة ، فلا يعرف أين ربه! مع أنه مذكور في الكتاب والسنة ، واليوم أقول : لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت –لا أقول : راعية غنم – بل راعي أمة أو جماعة ؛ فإنه قد يحار في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم !!!

الدعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر :

فإذاً ، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأول ؛ لأنهم – أولاً – كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر ، وثانياً لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام ، فقام ما يعارض العقيدة السليمة ، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان عليه المسلمون الأوائل ، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول ، وأقرب هذا في مثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان – إن شاء الله تعالى- :

من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة … وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية ، ونسأل : هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث ؟ الجواب : لا ، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل ؟ الجواب : لا ، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم ، وهما من فروض الكفاية ؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحاً أو ضعيفاً ، فالأمر لم يعد ميسراً سهلاً كما كان ذلك ميسراً للصحابي ، لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله – عز وجل – لهم ….إلخ . فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي ، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين ، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة ، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط ! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام .

ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث ، قال :" للواحد منهم خمسون من الأجر " ، قالوا : منا يا رسول الله أو منهم ؟ قال : " منكم"(1) .

وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول ، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة ، بين كفر بواح وإيمان صادق ، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب ، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان ؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولاً ،و ثانياً : لا ينبغي أن يقول بعض الناس : إننا لا بد لنا من الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي !! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً ، فلا ينبغي أن نقول : نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا ، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا ، بسبب بعدهم عن لغتهم ، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم ، فهب أننا – نحن العرب – قد فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً ، فليس من الواجب علينا بأن نعمل عملاً سياسياً ، ونحرك الناس تحريكاً سياسياً ، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به ، في فهم الإسلام : في العقيدة ، والعبادة ، والمعاملة والسلوك !! فأنا لا أعتقد أن هناك شعباً يعد بالملايين قد فهم الإسلام فهماً صحيحاً –أعني : العقيدة ، والعبادة ، والسلوك –وربي عليها.

أساس التغيير هو منهج التصفية والتربية :

ولذلك نحن ندندن أبداً ونركز دائماً حول النقطتين الأساسيتين اللتين هما قاعدة التغيير الحق ، وهما : التصفية والتربية ، فلا بد من الأمرين معاً ؛ التصفية والتربية ، فإن كان هناك نوع من التصفية في بلد فهو في العقيدة ، وهذا – بحد ذاته – يعتبر عملاً كبيراً وعظيماً أن يحدث في جزء من المجتمع الإسلامي الكبير- أعني : شعباً من الشعوب – ، أما العبادة فتحتاج إلى أن تتخلص من المذهبية الضيقة ، والعمل على الرجوع إلى السنة الصحيحة ، فقد يكون هناك علماء أجلاء فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب ، لكني لا أعتقد أن فرداً أو اثنين ، أو ثلاثة ، أو عشرة ، أو عشرين يمكنهم أن يقوموا بواجب التصفية ، تصفية الإسلام من كل ما دخل فيه ؛ سواء في العقيدة ، أو العبادة ، أو السلوك ، إنه لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون يقومون بتصفية ما علق به من كل دخيل ويربوا من حولهم تربية صحيحة سليمة ، فالتصفية والتربية الآن مفقودتان .

ولذلك سيكون للتحرك السياسي في أي مجتمع إسلامي لا يحكم بالشرع آثار سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين ، أما النصيحة فهي تحل محل التحرك السياسي في أي بلد يحكم بالشرع من خلال المشورة أو من خلال إبدائها بالتي هي أحسن بالضوابط الشرعية بعيداً عن لغة الإلزام أو التشهير ، فالبلاغ يقيم الحجة ويبرئ الذمة .

ومن النصح أيضاً ، أن نشغل الناس فيما ينفعهم ؛بتصحيح العقيدة ، والعبادة ،و السلوك ، والمعاملات .
وقد يظن بعضهم أننا نريد تحقيق التربية والتصفية في المجتمع الإسلامي كل! هذا ما لا نفكر فيه ولا نحلم به في المنام ؛ لأن هذا تحقيقه مستحيل ؛ ولأن الله عز وجل يقول في القرأن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}(هود:118).
وهؤلاء لا يتحقق فيهم قول ربنا تعالى هذا إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وربوا أنفسهم وأهليهم ومن كان حولهم على هذا الإسلام الصحيح .

من يشتغل بالعمل السياسي ؟ ومتى ؟

فالاشتغال الآن بالعمل السياسي مشغلة ! مع أننا لا ننكره ، إلا أننا نؤمن بالتسلسل الشرعي المنطقي في آن واحد ، نبدأ بالعقيدة ، ونثني بالعبادة ثم بالسلوك ؛ تصحيحاً وتربية ثم لا بد أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة السياسة بمفهومها الشرعي ؛ لأن السياسة معناه : إدارة شؤون الأمة ، من الذي يدير شؤون الأمة ؟ ليس زيداً ، وبكراً ، وعمراً ؛ممن يؤسس حزباً أو يترأس حركة ، أو يوجه جماعة !! هذا الأمر خاص بولي الأمر ؛ الذي يبايع من قبل المسلمين ، هذا هو الذي يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته ، فإذا كان المسلمون غير متحدين – كحالنا اليوم – فيتولى ذلك كل ولي أمر حسب حدود سلطاته ، أما أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أننا عرفناها حق المعرفة فلا تنفعنا معرفتنا هذه ؛ لأننا لا نتمكن من إدارتها ، ولأننا لا نملك القرار لإدارة الأمة ، وهذا وحده عبث لا طائل تحته ، ولنضرب مثلاً الحروب القائمة ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أ ن نشعل حماسة المسلمين تجاهها ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عقدت له البيعة ؟! لا فائدة من هذا العمل ، ولا نقول : إنه ليس بواجب ! ولكننا نقول : إنه أمر سابق لأوانه ، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا ؛ بتفهيمهم الإسلام الصحيح ، وتربيتهم تربية صحيحة، أما أن نشغلهم بأمور حماسية وعاطفية ، فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في فهم الدعوة التي يجب أن يقوم بها كل مكلف من المسلمين ؛ كتصحيح العقيدة ،وتصحيح العبادة ، وتصحيح السلوك ، وهي من الفروض العينية التي لا يعذر المقصر فيها ،و أما الأمور الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية ، كمثل ما يسمى اليوم بـ (فقه الواقع ) والاشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية من لهم الحل والعقد ، الذين بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً ، أما أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهم عن الأهم ، فذلك مما صرفهم عن المعرفة الصحيحة ! وهذا مما نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم ، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة من أجل أن يتعلم ويفهم العقيدة الصحيحة ، والعبادة الصحيحة ، والسلوك الصحيح ، وإذا ببعض هؤلاء الدعاة ينشغلون بالعمل السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات التي تحكم بغير ما أنزل الله ! فصرفهم هذا عن الأهم واشتغلوا بما ليس مهما ً في هذه الظروف القائمة الآن .

أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع الأليم ؛ فنقول : كل من المسلمين بحسبه ، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم ، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة : أن الله عز وجل قد أكمل النعمة بكتابه ، وجعله دستوراً للمؤمنين به ، من ذلك أن الله تعالى قال :{ … فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(الانبياء: من الآية7) فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين : عالماً ، وغير عالم ، وأوجب على كل منهما مالم يوجبه على الآخر ، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم ، وعلى العلماء أن يجيبوهم عما سئلوا عنه ، فالواجبات – من هذا المنطلق – تختلف باختلاف الأشخاص ، فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة ، وغير العالم عليه أن يسأل عما يهمه بحق نفسه أو من كان راعياً ؛ كزوجة أو ولد أو نحوه ، فإذا قام المسلم –من كلا الفريقين – بما يستطيع ؛ فقد نجا ، لأن الله عز وجل يقول : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا }(البقرة: من الآية286) .

نحن – مع الأسف نعيش في مأساة ألمت بالمسلمين ، لا يعرف التاريخ لها مثيلاً ، وهو تداعي الكفار على المسلمين ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في مثل حديثه المعروف والصحيح :" تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : "لا ، أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم لكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن" ، قالوا: وما الوهن يارسول الله ؟ قال : "حب الدنيا وكراهية الموت".(1)

فواجب العلماء إذاً ، أن يجاهدوا في التصفية والتربية ، وذلك بتعليم المسلمين التوحيد الصحيح وتصحيح العقائد والعبادات ، والسلوك ، كل حسب طاقته وفي البلاد التي يعيش فيها ، لأنهم لا يستطيعون القيام بجهاد اليهود في صف واحد ماداموا كحالنا اليوم ، متفرقين ، لا يجمعهم بلد واحد ولا صف واحد ، فإنهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا الجهاد لصد الأعداء الذين تداعوا عليهم ، ولكن عليهم أن يتخذوا كل وسيلة شرعية بإمكانهم أن يتخذوها ، لأننا لا نملك القدرة المادية ، ولو استطعنا ، فإننا لا نستطيع أن نتحرك فعلاً ، لأن هناك حكومات وقيادات وحكاماً في كثير من بلاد المسلمين يتبنون سياسات لا تتفق مع السياسة الشرعية – مع الأسف الشديد – لكننا نستطيع أن نحقق – بإذن الله تعالى _ هذين الأمرين العظيمين اللذين ذكرتهما آنفاً وهما التصفية والتربية ، وحينما يقوم الدعاة المسلمون بهذا الواجب المهم جداً في بلد لا يتبنى سياسة لا تتفق مع السياسة الشرعية ، ويجتمعون على هذا الأساس ، فأنا أعتقد – يومئذ- أنه سيصدق عليهم قول الله عز وجل :{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه)(الروم: من الآية4-5) .

الواجب على كل مسلم أن يطبق حكم الله في شئون حياته كلها فيما يستطيعه :

إذاً ، واجب كل مسلم أن يعمل ما باستطاعته ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وليس هناك تلازم بين إقامة التوحيد الصحيح والعبادة الصحيحة ، وبين إقامة الدولة الإسلامية في البلاد التي لا تحكم بما أنزل الله ، لأن أول ما يحكم بما أنزل الله –فيه- هو إقامة التوحيد ، وهناك – بلا شك – أمور خاصة وقعت في بعض العصور وهي أن تكون العزلة خيراً من المخالطة ، فيعتزل المسلم في شعب من الشعاب ويعبد ربه ، ويكف من شر الناس إليه ، وشره إليهم ، هذا الأمر قد جاءت فيه أحاديث جداً وإن كان الأصل كما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنه -:"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم "(1). فالدولة المسلمة – بلا شك – وسيلة لإقامة حكم الله في الأرض ، وليست غاية بحد ذاتها .

ومن عجائب بعض الدعاة أنهم يهتمون بما لا يستطيعون القيام به من الأمور ، ويدعون ما هو واجب عليهم وميسور !وذلك بمجاهدة أنفسهم كما قال ذلك الداعية المسلم؛ الذي أوصى أتباعه بقوله:" أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم في أرضكم"

ومع ذلك فنحن نجد كثيراً من أتباعه يخالفون ذلك ، جاعلين جل دعوتهم إلى إفراد الله عزوجل بالحكم ، ويعبرون عن ذلك بالعبارة المعروفة : " الحاكمية لله ". ولا شك بأن الحكم لله وحده ولا شريك له في ذلك ولا في غيره ، ولكنهم ؛ منهم من يقلد مذهباً من المذاهب الأربعة ، ثم يقول – عندما تأتيه السنة الصريحة الصحيحة -: هذا خلاف مذهبي !فأين الحكم بما أنزل الله في اتباع السنة؟!.
ومنهم من تجده يعبد الله على الطرق الصوفية ! فأين الحكم بما أنزل الله بالتوحيد ؟!فهم يطالبون غيرهم بما لا يطالبون به أنفسهم ، إن من السهل جداً أن تطبق الحكم بما أنزل الله في عقيدتك ، في عبادتك ، في سلوكك ، في دارك ، في تربية أبنائك ، في بيعك ، في شرائك ، بينما من الصعب جداً ، أن تجبر أو تزيل ذلك الحاكم الذي يحكم في كثير من أحكامه بغير ما أنزل الله ، فلماذا تترك الميسر إلى المعسر؟! .
هذا يدل على أحد شيئين : إما أن يكون هناك سوء تربية ، وسوء توجيه . وإما أن يكون هناك سوء عقيدة تدفعهم وتصرفهم إلى الاهتمام بما لا يستطيعون تحقيقه عن الاهتمام بما هو داخل في استطاعتهم ، فأما اليوم فلا أرى إلا الاشتغال كل الاشتغال بالتصفية والتربية ودعوة الناس إلى صحيح العقيدة والعبادة ، كل في حدود استطاعته ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد عليه وآله وسلم .

(1) أصل هذه الرسالة شريط مسجل ثم كتب ، وطبع في مجلة السلفية ، العدد الرابع عام 1419 هـ .

(1) حديث صحيح : رواه البخاري (1395) وفي غير موضع ، ومسلم (19) ، وأبو داود(1584) ، والترمذي (625) ، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه .

(2) يشير إلى قوله تعالى في سورة الصافات:{ )إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ . وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:35-36)

(1) هو الشيخ محمد الهاشمي ، أحد شيوخ الصوفية " الطريقة الشاذلية " في سوريا من نحو 50 سنة .

(2) حديث صحيح : رواه البخاري (25) وفي غير موضع ، ومسلم (22) ، وغيرهم ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

(1) يعبدون القبور ، ويذبحون لغير الله ، ويدعون الأموات ، وهذا واقع وحقيقة ما تعتقده الرافضة ،و الصوفية ، وأصحاب الطرق ، فالحج إلى القبور وبناء المشاهد الشركية والطواف عليها والاستغاثة بالصالحين والحلف بهم عقائد ثابتة عندهم .

(2) حديث صحيح : رواه أحمد (5/236)، وابن حبان (4)زوائد ، وصححه الألباني في الصحيحة(3355) .

(1) حديث صحيح : صححه لألباني في السلسلة الصحيحة (1932)وعزاه لأبي سعيد الأعرابي في معجمه وأبي نعيم في الحلية (5/46)، والطبراني في الأوسط (6533)، وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(2) هذه عقيدة السلف الصالح ، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة .

(1) حديث صحيح : رواه أبو داود (4941)، والترمذي(1925) ، وصححه الألباني في الصحيحه (925) .

(1) حديث صحيح : رواه مسلم (537) ، وأبو داود (930) ،والنسائي (1/14-18)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه .

(1) حديث صحيح : رواه الطبراني في الكبير (10/255) رقم (10394) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .وله شاهد من حديث عقبة بن غزوان الصحابي رضي الله عنه رواه البزار كما في الزوائد (7/282)وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه رواه أبو داود (4341) ، وصححه الألباني في الصحيحة (494) .

(1) حديث صحيح : رواه أبو داود (4297) ، وأحمد (5/287) ، من حديث ثوبان رضي الله عنه ، وصححه بطريقيه الألباني في الصحيحة (958) .

(1) حديث صحيح : رواه الترمذي (2507) ، وابن ماجه (4032) ، والبخاري في الأدب المفرد (388) ، وأحمد (5/365) ، من حديث شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في الصحيحة (939) .

للامانة الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




موضوع مهم جدا جدا..

أحسن الله إليكِ، نقلٌ موفقٌ، جعله الله في ميزان حسناتكِ..

وفقكِ الله




بورك فيك وأحسن الله إليك

تحياتي…




تعليمية




شكرا وبارك الله فيك
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك




جزاكم الله خيرا

نصائح و أسس تكتب بماء من ذهب

رحم الله الإمام العلامة ناصر الدين الألباني




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

المختصرٌ اللطيف في مسألة: التوحيد؛ تعريفه وأقسامه

تعليمية

المختصرٌ اللطيف في مسألة: التوحيد؛ تعريفه وأقسامه للشيخ جمال الحارثي حفظه الله

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد:

فهذا مختصرٌ لطيف في مسألة:

التوحيد؛تعريفه وأقسامه.

التوحيد:هو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وهو دين الرسل كلهم -عليهم الصلاة والسلام- الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، ولا تصح الأعمال إلا به، وهو أصلهـا الذي تُبنى عليه جميع العبادات.

أقسام التوحيد:
ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفا ت، وتوحيد الألوهية.
ومن العلماء من جعل التوحيد قسمين:
الأول: توحيد الطلب والقصد. ويعنون به؛ توحيد الألوهية، وسيأتي التوضيح.
الثاني: توحيد المعرفة والإثبات. وهذا هو؛ توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
ومعنى توحيد المعرفة: أي؛ الذي إذا عرفه العبد عرف ربه.
ومعنى توحيد الإثبات: أي؛ ما يجب إثباته لله تعالى من الأسماء والصفات.
و توحيد المعرفة والإثبات؛ يسمى: التوحيد العلمي، ويسمى: التوحيد الاعتقادي، يعتقد العباد صفات الله تعالى وأسمائه وربوبيته، ويسمى التوحيد الخبري، لأنه يعتمد على الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وتوحيد الأسماء والصفات؛ يسمى: توحيد الذات، لأن لله ذاتاً لا تشبهها الذوات.




نعود إلى التقسيم المشهور للتوحيد:

1. توحيد الربوبية:
وهو الإقرار بأن لا رب للعالمين إلا الله الذي خلقهم، ورزقهم، وهذا النوع من التوحيد قد أقر به المشركون الأوائل، فهم يشهدون أن الله هو الخالق، والمالك، والمدبر، والمحيي، والمميت وحده لا شريك له، قال تعالى:"ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون" [العنكبوت: 61].
ولكن إقرارهم هذا وشهادتهم تلك لم تدخلهم في الإسلام، ولم تنجهم من النار، لأنهم لم يحققوا توحيد الألوهية، وأشركوا مع الله في عبادته.

2. توحيد الأسماء والصفات:
وهو الإيمان بأن لله تعالى ذاتاً لا تشبهها الذوات وصفـات لا تشبهها الصفات وأن أسماءه دلالة قطعية على ما له سبحانه من صفات الكمال المطلق كما قال تعالى:"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11]. وطريق معرفة ذلك هو الوحي وحده.
فيجب علينا : إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً يليق بجلاله من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تأويل، ولا تكييف.

3. توحيد الألوهية:
وهو توحيد العبادة أي: إفراد الله -سبحانه وتعالى- بجميع أنواع العبادة التي أمر بها كالدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها كلها، والدليل قوله تعالى:"وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً "[الجن: 18]، فلا يجوز أن يصرف الإنسان شيئاً من هذه العبادات لغير الله -سبحانه وتعالى- لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله، فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك بالله شركاً أكبر وحبط عمله.

يتبع إن شاء الله




بوركتي أختاه على هاته الجهود المقبولة بإذن الله

جعلها الله بميزان حسناتك

واصلي بحول الله

أخوك الــــــــجنرال




بارك الله فيك اختاه
و شكراااااااا
على الموضوع القيم




بارك الله فيكما على المرور الطيب، أسأل الله تعالى أن ينفع بما نكتب و نقرأ




(معنى لا إله إلا الله):

أي لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده لا شريك له، لأن المعبودات الباطلة كثيرة، لكن المعبود الحق هو الله وحـده لا شريك لـه، قـال تعالى:" ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير "[الحج: 62].
وليس معناها لا خالق إلا الله، كما قد يظنه بعض الجهلة فإن كفار قريش الذين بعث فيهم -رسول الله صلى الله عليه وسلم- كانوا يقرون بـأن الخالـق المدبـر هو الله -تعالى- ولكنهم أنكروا أن تكون العبادة كلها لله وحده لا شريك له، كما في قوله تعالى عنهم:" أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب "[ص: 5].
وبهذا يبطل ما يعتقده المبتدعة من أن معنى لا إله إلا الله: هو الإقرار بأن الله موجود، أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع، وأشباه ذلك، وأن من اعتقد ذلك فقد حقق التوحيد المطلق، ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله، ودعاء الأموات، والتقرب إليهم بالنذور وبالطواف بقبورهم والتبرك بتربتهم.
ولقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبيّن أن معنى لا إله إلا الله هو: البراءة من عبادة ما سوى الله من الشفعاء والأنداد، وإفراد الله بالعبادة؛ فهذا هو الهدى ودين الحق، الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه.
قال ابن رجب: فإن تحقق القلب بمعنى لا إله إلا الله، وصدقه فيها، وإخلاصه، يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالاً، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيماً، وتوكلاً، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم تبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفس وإرادتها، ووسواس الشيطان.

للمتابعة بإذن الله




(فضل كلمة الإخلاص):

لكلمة الإخلاص فضائل ، وثمرات عديدة، ولكن هذه الفضائل لا تنفع قائلها بمجرد النطق بها فقط، ولا تتحقق إلا لمن قالها مؤمناً بها عاملاً بمقتضاها.
جاء في حديث عتبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" متفق عليه. وغير ذلك من الأحاديث التي تبين أن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، لكن هذه الأحاديث جاءت مقيدة بالإخلاص لله تعالى واليقين التام.

(أركانها):

للشهادة ركنان: نفي، في قوله: "لا إله". إثبات، في قوله: "إلا الله".

فـ "لا إله": نفت الألوهية عن كل شيء سوى الله، و"إلا الله": أثبتت الألوهية لله وحده لاشريك له.

شروط لا إله إلا اللّه:

لكلمة الإخلاص شروطاً سبعة، ولا تصح إلا إذا اجتمعت، واستكملها العبد، والتزمها بدون مناقضة لشيء منها، وليس المراد من ذلك عدّ ألفاظها وحفظها، فكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها!

وهذه الشروط هي:

1. العلم:

والمراد به: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، وما تستلزمه من عمل، فإذا علم العبد أن -الله عز وجل- هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالم بمعناها، وضد العلم الجهل، بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة، بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله، قال تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله"[محمد: 19]، وقال تعالى: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون"[الزخرف: 86]، أي: من شهد بلا إله إلا الله، وهم يعلمون بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.

2. اليقيـن:

وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقناً بمدلولها يقيناً جازماً، قال تعالى: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا" [الحجرات: 15].