الحمد الله وحده نحمده ونشكره ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
أشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بالإحسان الى يوم الدين
ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الخبير
ربنا لا فهم لنا إلا ما أفهمتنا إنك أنت الجواد الكريــم
ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل
عقدة من لساني يفقهوا قولي…
ظنّ و أخواتها
تعريفها :
ظنّ و أخواتها أفعال تامة ناسخة، تدخل – في الغالب – على المبتدأ و الخبر بعد استيفاء فاعلها، فتنصبهما معًا و تغيّر اسمهما، بحيث يصبح اسم كلّ من المبتدأ والخبر مفعولا به (1) للناسخ.
فـ"ظنّ و أخواتها" أفعال كلّها، ليس فيها حروف، و تنقسم إلى قسمين: أفعال القلوب و أفعال التحويل.
1/ أفعال القلوب :
سميت بذلك لأنّ معانيها قائمة بالقلب، متصلة به، و هي المعاني التي نسميها نحن اليوم بالأمور النفسية، و يسميها القدماء بالأمور القلبية لاعتقادهم أنّ مركزها القلب(2) .
فأفعال القلوب لا بدّ لها من فاعل بخلاف الأفعال الناسخة الأخرى "كان" و أخواتها التي لا ترفع فاعلا.
و لأفعال القلوب التي تنصب مفعولين أصلهما مبتدأ و خبر معنيان، فمن هذه الأفعال ما يكون معناه العلم، أي الدلالة على اليقين و القطع، و منها ما يكون معناه الرّجحان، و يعني النحاة بالرّجحان ما ينشأ في النفس من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر ما، بحيث يصبح أقرب إلى اليقين، فالأمر الراجح يحتمل الشكّ و اليقين، لكنّه أقرب إلى اليقين منه إلى الشكّ.
و الأفعال الدالة على اليقين سبعة أفعال:
عَلِمَ ، مثل : "( علمْتُ الإحسانَ سبيلَ المحبّة )".
رَأَى ، مثل قول الشاعر:
رأيْتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ محاولةً، و أكثرَهم جنودَا
فاستعمال "رأى" في البيت الشعري يدلّ على اليقين، و قد تستعمل بمعنى ظنّ كما في قوله تعالى: "(( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ))"، أي يظنّونه بعيدا.
وَجَدَ، مثل: "( وجدتُ المحبّةَ طريقًا إلى السّلام )".
دَرَى، مثل: "( دريتُ النجاحَ قريبًا من المجتهدِ )".
أَلْفَى، مثل: "( ألفيتُ الصّبرَ مفتاحَ الفرجِ )".
جَعَلَ، مثل جعل الطالبُ الاجتهادَ هدفًا له )".
تَعَلَّمْ، فعل أمر جامد بمعنى اِعْلَمْ، مثل قول الشاعر:
تعلّمْ شفاءَ النفسِ قهرَ عدوِّها فبالغِ بلطفٍ في التحيُّلِ و المكرِ
ملاحظة :
و من النحاة من أضاف الفعل "اعتقد" مثل: "( اعتقدتُ الرجلَ نزيهًا )".
أمّا أفعال القلوب الدالة على الرّجحان، فهي:
ظنّ، مثل: "( ظنَّ الأبُ ابنَهُ مجتهدًا )".
خَالَ، مثل: "( خالَ المسافرُ الحافلةَ أريحَ له )".
حَسِبَ، مثل قول الشاعر:
حسبتُ التُّقى و الجودَ خيرَ تجارةٍ رباحًا، إذا ما المـرءُ أصبحَ ثاقلا
زَعَمَ، مثل قول أبي طالب يخاطب الرسول صلى الله عليه و سلّم:
و دعوتني و زَعَمْتَ أنّكَ ناصحُ و لقدْ صدقْتَ، و كنتَ ثمَّ أمينَا
عَدَّ، مثل: "( عددْتُ الصديقَ أخًا وفيًّا )".
حَجَا، مثل: "( حَجَا السائحُ المئذنةَ برجَ مراقبةٍ )"، و لهذا الفعل معان أخرى غير الرّجحان يتغيّر بسببها حكمه.
جَعَلَ، مثل قولـه تعالى عن المنافقين: "(( و جعلوا الملائكةَ الذينَ هم عبادُ الرّحمن إناثَا ))".
هَبْ، مثل: "( هبْ أنّكَ مجرّدًا من السلاحِ، أفلا تعتمدُ على اللهَ )".
فأفعال القلوب بنوعيها اليقين و الرّجحان تدخل على مصدر مؤوّل من "أنَّ" مع معموليها، أو من "أنْ" و الفعل مع مرفوعه. و أنّها تنصب المبتدأ و الخبر سواء أكانت أفعالا أم أسماء تعمل عملها كالمصدر و المشتقات العاملة كاسم الفاعل، و اسم المفعول، و الصفة المشبّهة،…
2/ أفعال التحويل :
هي أفعال تامة ناسخة تدلّ على انتقال شيء من حالة إلى حالـة أخرى تخالفها، و تسمى أيضا أفعال التصيير، لأنّ كلّ فعل منها بمعنى "صيّر".
و هذه الأفعال لا تدخل على مصدر مؤوّل من "أنَّ" مع معموليها أو من "أنْ" والفعل مع مرفوعه، و أشهرها سبعة، و هي :
صَيَّرَ، مثل: "( صيّرَ الصائغُ الذهبَ سبيكةً )".
جَعَلَ، مثل قول الشاعر:
اجعلْ شعارَكَ رحمةً و مودّةً إنَّ القلوبَ مع المودّةِ تُكسبُ
اِِتَّخَذَ، مثل: "( اِتَّخذَ الكسولُ اللعبَ هوايةً )".
تَرَكَ، مثل: "( تركَ الرجلُ اللّصَ طريحًا )".
رَدَّ، مثل: "( ردَّ الأستاذُ الطلبةَ مجتهدينَ )"
وَهَبَ، مثل: "( وَهَبَتِ الآلاتُ السنابلَ حَبًّا، و الحبَّ طحينًا )".
ملاحظة :
و من النحاة من ألحق بهذه الأفعال الفعلين: غَادَرَ، و خَلَّفَ، مثل: "( غادرَ الجرادُ الأشجارَ عاريةً )"، و مثل: "( خلّفَتِ الأمطارُ الساحةَ بركةً )".
حكم هذه الأفعال :
لأفعال القلوب و التحويل ثلاثة أحكام:
1/ الإعمال، أي أن تعمل، و هذا هو الأصل، و هو حاصل في جميع الأفعال.
2/ الإلغاء، و هو إبطال العمل لفظا و محلا لضعف العامل، أي الإهمال، و ذلك لأسباب لغوية، كتوسط العامل "الفعل" معموليه، مثل: "( محمدٌ ظننتُهُ حاضرٌ )"، أو كتأخره عنهما، مثل: "( محمدٌ حاضرٌ ظننتُ )".
3/ التعليق، و هو إبطال العمل لفظا لا محلاّ لمجيء ما له الصدارة في الكلام بعده، مثل:
– لام الابتداء، مثل: "( ظننتُ لَمحمدٌ آتٍ )"، التي تقتضي ما بعدها يكون مبتدأ.
– أسماء الشرط، مثل: "( … مَنْ يكثرْ مزاحُـهُ تقِّلْ هيبتُهُ )".
– أسماء الاستفهام، مثل: "( مَنْ ذَا الذي ما ساءَ قطُّ ؟ )".
– كم الخبرية، مثل قول الشاعر:
كم منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى و حنينُهُ أبدًّا لأولِ منـزلِ
هذه الأسماء و غيرها من الأسماء الأخرى التي لم نذكرها، و التي لا تستعمل إلاّ مبتدأ، لا تعمل فيها هذه الأفعال المذكورة لأنّ لها الصدارة في جملتها.