التصنيفات
العربية والعرب,صرف,نحو,إملاء...إلخ

إن من البيان لحكمة

حكي أن هرقل ملك الروم كتب إلى معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه يسأله :
عن الشيء ولا شيء .. وعن دين لا يقبل الله غيره… وعن مفتاح الصلاة… وعن غرس الجنة… وعن صلاة كل شيء
وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء .. وعن رجل ولا أب له .. وعن رجل لا أم له.. وعن قبر جرى بصاحبه … وعن قوس قزح ما هو … وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها .. وعن ظاعن ظعن مرة واحدة ولم يظعن قبلها ولا بعدها … وعن شجرة نبتت من غير ماء… وعن شيء تنفس ولا روح له … وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد … وعن البرق والرعد وصوته … وعن المحو الذي في القمر
فقيل لمعاوية لست هناك ومتى أخطأت في شيء من ذلك سقطت من عينه فاكتب إلى ابن عباس يخبرك عن هذه المسائل فكتب إليه فأجابه
أما الشيء فالماء قال الله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )
وأما لا شيء فانها الدنيا تبيد وتفنى
وأما دين لا يقبل الله غيره فلا إله إلا الله
وأما مفتاح الصلاة فالله أكبر
وأما غرس الجنة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
واما صلاة كل شيء فسبحان الله وبحمده
واما الأربعة الذين فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء فآدم وحواء وناقة صالح وكبش إسماعيل
وأما الرجل الذي لا أب له فالمسيح
وأما الرجل الذي لا ام له فآدم عليه السلام
وأما القبر الذي جرى بصاحبه فحوت يونس عليه السلام سار به في البحر
وأما قوس قزح فأمان من الله لعباده من الغرق
وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس مرة واحدة فبطن البحر حين انفلق لبني إسرائيل
وأما الظاعن الذي ظعن مرة ولم يظعن قبلها ولا بعدها فجبل طور سيناء كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله تعالى بجناحين فنادى مناد إن قبلتم التوراة كشفته عنكم ولا ألقيته عليكم فأخذوا التوراة معذرين فرده الله تعالى إلى موضعه فذلك قوله تعالى ( وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ظنوا أنه واقع بهم ) الآية
وأما الشجرة التي تنبت من غير ماء فشجرة اليقطين التي أنبتها الله تعالى على يونس عليه السلام وأما الشيء الذي يتنفس بلا روح فالصبح قال الله تعالى ( والصبح إذا تنفس )
وأما اليوم فعمل وأمس فمثل وغد فأجل وبعد غد فأمل
وأما البرق فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب
وأما الرعد فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره
وأما المحو الذي في القمر فقول الله تعالى ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ودعا بعض البلغاء لصديق له فقال تمم الله عليك ما أنت فيه وحقق ظنك فيما ترجوه وتفضل عليك بما لم تحتسبه
********

عرضت على المتوكل جارية شاعرة فقال أبو العيناء يستجيزها أحمد الله كثيرا

فقالت :
حيت أنشأك ضريرا
فقال يا امير المؤمنين:
قد أحسنت في إساءتها فاشترها

***

ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله تعالى عنها ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلا فتحته ولا فتحت بابا فأرادت إغلاقه إلا أغلقته
****

ومن غريب الكنايات الواردة على سبيل الرمز وهو من الذكاء والفصاحة ما حكي أن رجلا كان أسيرا في بني بكر بن وائل وعزموه على غزو قومه فسألهم في رسول يرسله إلى قومه فقالوا لا ترسله إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم وتحذرهم
فجاؤا بعبد أسود ، فقال له: أتعقل ما أقوله لك
قال: نعم إني لعاقل فأشار بيده إلى الليل
فقال: ما هذا
قال: الليل
قال: ما أراك إلا عاقلا ثم ملأ كفيه من الرمل
وقال: كم هذا
قال: لا أدري وإنه لكثير

فقال: أيما أكثر النجوم أم النيران
قال: كل كثير
فقال: أبلغ قومي التحية وقل لهم يكرموا فلانا يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر بن وائل فإن قومه لي مكرمون وقل لهم إن العرفج قد دنا وشكت النساء وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها وان يركبوا جملي الأصهب بأمارة ما اكلت معكم حيسا واسألوا عن خبري أخي الحرث فلما أدى العبد الرسالة إليهم
قالوا: لقد جن الأعور والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب ثم دعوا بأخيه الحرث فقصوا عليه القصة
فقال: قد أنذركم أما قوله قد دنا العرفج يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح وأما قوله شكت النساء أي أخذت الشكاء للسفر واما قوله أعروا ناقتي الحمراء أي ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الجمل الأصهب أي الجبل وأما قوله أكلت معكم حيسا أي أن أخلاطا من الناس قد عزموا على غزوكم لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط فامتثلوا أمره وعرفوا لحن الكلام وعملوا به فنجوا
*****

وأسرت طيء غلاما من العرب فقدم أبوه ليفديه فاشتطوا عليه فقال أبوه والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيء ما عندي غير ما بذلته ثم انصرف وقال لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خير فهمه فكأنه قال له الزم الفرقدين يعني في هروبك على جبل طيء ففهم الإبن ما أراده أبوه وفعل ذلك فنجى
****

ومن ذلك قولهم تركت فلانا يأمر وينهي وهو على شرف الموت أي يأمر بالوصية وينهي عن النوح ويقال ما رأيت فلانا أي ما ضربته في رئته ولا كلمته أي ما جرحته فإن الكلوم الجراح

****

وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب : إن عليا قد قطعك وأنا وصلتك ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر
قال أفعل: فصعد المنبر ثم
قال: بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه أيها الناس إن معاوية بن ابي سفيان قد امرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه فعليه لعنة الله ثم نزل
فقال له معاوية: إنك لم تبين من لعنت منهما بينه
فقال: والله لا زدت حرفا ولا نقصت حرفا والكلام إلى نية المتكلم
*****

ودخلت امرأة على هرون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه
فقالت: يا أمير المؤمنين أقر الله عينك وفرحك بما آتاك واتم سعدك لقد حكمت فقسطت
فقال لها: من تكونين أيتها المرأة
فقالت: من آل برمك ممن قتلت رجالهم وأخذت أموالهم وسلبت نوالهم
فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله ونفذ فيهم قدره وأما المال فمردود إليك ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه فقال أتدرون ما قالت هذه المرأة
فقالوا: ما نراها قالت إلا خيرا
قال: ما أظنكم فهمتم ذلك
أما قولها أقر الله عينك أي أسكنها عن الحركة وإذا سكنت العين عن الحركة عميت
وأما قولها وفرحك بما آتاك فأخذته من قوله تعالى
( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة )
وأما قولها وأتم الله سعدك فأخذته من قول الشاعر
( إذا تم أمر بدا نقصه … ترقب زوالا إذا قيل تم )
وأما قولها لقد حكمت فقسطت فأخذته من قوله تعالى
( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) فتعجبوا من ذلك

*****

وحكي أن بعضهم دخل على عدوه من النصارى
فقال له: أطال الله بقاءك وأقر عينك وجعل يومي قبل يومك والله إنه ليسرني ما يسرك فأحسن إليه وأجازه على دعائه وامر له بصلة
وكان ذلك دعاء عليه لأن معنى قوله أطال الله بقاءك حصول منفعة المسلمين به في اداء الجزية
واما قوله وأقر عينك فمعناه سكن الله حركتها أي أعماها
وأما قوله وجعل يومي قبل يومك أي جعل الله يومي الذي أدخل فيه الجنة قبل يومك الذي تدخل فيه النار وأما قوله إنه ليسرني ما يسرك فإن العافية تسره كما تسر الآخر
فانظر إلى الاشتراك وفائدته ولولا الاشتراك ما تهيأ لمتستر مراد ولا سلم له في التخلص قياد
****

وحكي أن المأمون ولي عاملا على بلاد وكان يعرف منه الجور في حكمه فأرسل إليه رجلا من أرباب دولته ليمتحنه فلما قدم عليه أظهر له أنه قدم في تجارة لنفسه ولم يعلمه أن أمير المؤمنين عنده علم منه فأكرم نزله وأحسن إليه وسأله أن يكتب كتابا إلى أمير المؤمنين المأمون
يشكر سيرته عنده ليزداد فيه أمير المؤمنين رغبة
فكتب كتابا فيه بعد الثناء على أمير المؤمنين
أما بعد فقد قدمنا على فلان فوجدناه : آخذا بالعزم عاملا بالحزم : قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته: أغنى القاصد وأرضى الوارد وأنزلهم منه منازل الأولاد: وأذهب ما بينهم من الضغائن والأحقاد : وعمر منهم المساجد الداثرة: وأفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة: وهم مع ذلك داعون لأمير المؤمنين يريدون النظر إلى وجهه والسلام .
فكان معنى قوله: آخذا بالعزم أي إذا عزم على ظلم أو جور فعله في الحال : وقوله قد عدل بين رعيته وساوى في أقضيته أي أخذ كل ما معهم حتى ساوى بين الغني والفقير: وقوله عمر منهم المساجد الداثرة وأفرغهم من عمل الدنيا وشغلهم بعمل الآخرة يعني أن الكل صاروا فقراء لا يملكون شيئا من الدنيا : ومعنى قوله يريدون النظر إلى وجه أمير المؤمنين أي ليشكوا حالهم وما نزل بهم فلما جاء الكتاب إلى المأمون عزله عنهم لوقته وولى عليهم غيره

****

وكما حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه لما سأله بعض المعتزلة بحضرة الرشيد ما تقول في القرآن
فقال الشافعي أياي تعني
قال نعم
قال مخلوق فرضى خصمه منه بذلك ولم يرد الشافعي إلا نفسه
*******

وكما حكي عن ابن الجوزي رحمه الله تعالى أنه سئل وهو على المنبر وتحته جماعة من مماليك الخليفة وخاصته وهم فريقان قوم سنية وقوم شيعة
فقيل له من أفضل الخلق بعد رسول الله أبو بكر أم علي رضي الله عنهما
فقال أفضلها بعده من كانت ابنته تحته فأرضى الفريقين ولم يرد إلا أبا بكر رضي الله عنه لأن الضمير في ابنته يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه وهي عائشة رضي الله عنها وكانت تحت رسول الله والشيعة ظنوا أن الضمير في ابنته يعود إلى رسول الله وهي فاطمة رضي الله عنها وكانت تحت علي رضي الله عنه فهذه منه جيدة حسنة وكلمة باتت جفون الفريقين منها وسنة

*****

ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أتته الوفود فإذا فيهم وفد الحجاز فنظر إلى صبي صغير السن وقد أراد أن يتكلم
فقال ليتكلم من هو أسن منك فإنه أحق بالكلام منك
فقال الصبي يا امير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك
قال صدقت فتكلم
فقال يا أمير المؤمنين إنا قدمنا عليك من بلد تحمد الله الذي من علينا بك ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك أما عدم الرغبة فقد امنا بك في منازلنا وأما عدم الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك فنحن وفد الشكر والسلام
فقال له عمر رضي الله عنه عظني يا غلام
فقال يا أمير المؤمنين إن أناسا غرهم حلم الله وثناء الناس عليهم فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )
فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه
( تعلم فليس المرء يولد عالما … وليس أخو علم كمن هو جاهل )
( فإن كبير القوم لا علم عنده … صغير إذا التفت عليه المحافل




( تعلم فليس المرء يولد عالما … وليس أخو علم كمن هو جاهل )
( فإن كبير القوم لا علم عنده … صغير إذا التفت عليه المحافل

مشكورة استاذتنا و الله يعطيك العافية




مشكورة سيدتي الكريمة على هذا الكنز
دمت لنا و للمنتدى




بورك فيكما " رنين وكمال "

أدامكما للعطاء واقتناء المعرفة

تحياتــــــــــــــــــــ ي…

تعليمية




جزاك الله كل خير ع التميز الدائم




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.