التصنيفات
الفقه واصوله

فائدة جليلة :: للعلامة ابن القيم -رحمه ال

تعليمية تعليمية

قال شيخ الإسلام الثاني ابن القيم – رحمه الله-في كتابه ((الفوائد))

فائدة جليلة

قال سهل بن عبد الله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي، لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.

قلت هي مسألة عظيمة لها شأن وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وذلك من وجوه عديدة:
الوجه الأول:ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس.
الوجه الثاني:أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة، و لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنى وسرق.
الوجه الثالث:أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي، كما دل على ذلك النصوص كقوله r: (( أَحَبُّ الأَعْمَال إلى الله الصلاة على وقتها))وقوله: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله)) وقوله: ((واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة))وغير ذلك من النصوص.

وترك المناهي عمل؛ فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علّق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " سورة الصف الآية:4 ، " و الله يحب الحسنين " آل عمران: 134 ، و قوله: " و أقسطوا إن الله يحب المقسطين " الحجرات:9 " و الله يحب الصابرين " آل عمران:146.

.
وأما في جانب المناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله: " و الله لا يحب الفساد " البقرة: 205 و قوله: "و الله لا يحب كل مختال فخور" الحديد:23 و نظائره

وأخبر في موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها، كقوله: " كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها "البقرة: 190
وقوله: " ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله " النساء:36
إذا عرف هذا ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات، ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء. وحصول التوبة من العبد والتضرّع إليه والاستكانة وإظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه. وحصول الموالاة والمعاداة لأجله، وغير ذلك من الآثار التي وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها، وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لإفضائه إلى حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لإفضائه إلى ما يحبه، فعلم أن فعل ما يحبه أحب إليه مما يكرهه.
يوضحه الوجه الرابع: ……………………. …

يتبع إن شاء الله

تعليمية تعليمية




التصنيفات
اسلاميات عامة

المنهج القيم في قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم

تعليمية تعليمية

المنهج القيم في قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( أما بعد :فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

ثم أما بعد :
فإنه يجدر بطالب العلم أن يهتم بدراسة التوحيد والعقيدة مُتبعاً في ذلك كتاب الله وسنة رسوله وآثار الصحابة والسلف الصالح وذلك ليسلم من غوائل الانحرافات العقدية وشبهات الفكر المردية ومن المشهور عند من له أدنى انصراف إلى العلم ما لشيخ الإسلام من جهود كبيرة مشكورة في نصرة مذهب الطائفة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة من أهل السنة والجماعة بل من تأمل حاله عَلِم أن الله أقامه في عصره مجدداً لما اندرس من مفهوم العقيدة الصحيحة في وقت أعيت فيه الحجة وكانت أن تنسد فيه المحجة وقد ترسّم خطاه تلميذه ابن القيم فأصبح لا يشك شاك في أهمية قراءة ودراسة كتب هذين الشخصين ولا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه الشبهات وتعددت فيه الانحرافات العقدية الفكرية وقلَّ فيه التمييز بين الحق والباطل لغلبة الجهل وقلة المعرفة بطريق القرآن والسنة وخُبُو أنوار الرسالة المحمدية وكان لزاماً على من نصح نفسه وطلب نجاتها وخاف من الانجراف في تيارات الزيغ والباطل أن يهتم بكتب هذين الشيخين لكي يطمئن قلبه إلى العقائد الصحيحة بأدلتها النقلية والعقلية ويكون عنده يقين بها مع سؤال الله أن يثبته على المعتقد الحق كما قال ابن القيم في النونية :
حتى أتاح لي الإله بفضله مَنْ ليس تجزيه يدي ولساني
حَبْر أتى من أرض حران فيا أهلا بمن قد جاء من حران
فالله يجزيه الذي هو أهله من جنة المأوى مع الرضوان
أخذت يداه وسار فلم يَرِمْ حتى أراني مطلع الإيمان
ورأيت آثاراً عظيماً شأنها محجوبة عن زمرة العميان
وهذا منهج مطروح مقترح في ترتيب كتب هذين الشيخين لتسهيل مطالعتها وقراءتها وليسير الوصول إلى الفائدة منها وهذا المنهج يعتمد على طريقة التدرج من الأسهل الواضح القريب التناول إلى ما هو أرفع منه عُمقا وبسطاً مما يحتاج في فهمه إلى النظرً وإعمال الذهن وسميته المنهج القَّيم لقراءة كتب شيخ الإسلام وابن القيم أو هداية الطريق إلى المنهج العتيق أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلها خالصة لوجه الكريم ووسيلة عنده لنيل رضاه وجنات النعيم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه : فهد بن عبد الله التركي القصيم – بريدة 30/4/1425هـ

أولاً : كتب ابن القيم
ولتكن بداية القارئ بها ولتكن مقدِّمة بين يدي كتب شيخ الإسلام لأنه أهتم بنقل أفكار واختيارات شيخه وتنقسم كتب ابن القيم إلى ثلاث مجموعات :
المجموعة الأولى :
تتسم هذه المجموعة بسهولة في الصياغة والأسلوب وفائدتها قريبة إلى العقول والأذهان وموضوعاتها مهمة للمبتدئ مع كون كل كتاب منها لا يزيد عن مجلد واحد وليُراعَ في قراءتها الترتيب التالي :
1- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء مجلد واحد.
2- الوابل الصيب من الكلام الطيب مجلد واحد.
3- الصلاة وأحكامها وحكم تاركها مجلد صغير.
4- الرسالة التبوكية أو زاد المهاجر إى ربه رسالة صغيرة.
5- جواب في صيغ الحمد رسالة صغيرة.
6- فوائد حديثية مجلد صغير.
7- كتاب أرسله ابن القيم إلى بعض إخوانه رسالة صغيرة ومعه كتاب مختصر المعوِّذتين للإمام ابن قيم اختصره الإمام محمد بن عبد الوهاب وهذا المختصر أخذه الإمام من كتاب بدائع الفوائد ويقع في بدائع الفوائد ص (2/291 -341).
8- المنار المنيف في الحديث الضعيف مجلد واحد.
9- أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية مجلد صغير.
10- اجتماع الجيوش الإسلامية لغزو المعطلة والجهمية مجلد صغير.
11- تحفة المودود بأحكام المولود مجلد واحد.
12- جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام مجلد واحد.
13- الفوائد مجلد واحد.
14- حكم سماع الغناء مجلد واحد.
15- عِدةُ الصابرين وذخيرة الشاكرين مجلد واحد.

المجموعة الثانية
وتشتمل على كتب أكبر من الأولى عموماً ذات مواضيع أعمق وأطول في التقرير مع كونها فقهية عقدية حديثية وعظية ويكون القارئ قد تمرس وتدرب على أسلوب ابن القيم من خلال المرحلة السابقة وليراع فيها الترتيب الآتي :
1- روضة المحبين ونزهة المشتاقين مجلد واحد.
2- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح مجلد واحد.
3- التبيان في أقسام القرآن مجلد واحد.
4- إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان مجلد واحد وهو غير إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان فذاك مجلدان.
5- الفروسية مجلد واحد.
6- الروح مجلد واحد.
7- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى مجلد واحد.
8- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية مجلد واحد.

المجموعة الثالثة
تشتمل على كتب هي أكبر في الحجم وأوسع في عرض المسائل والردود مع الحاجة إلى مزيد الفكر وإعمال ذهن عند قراءتها وليُراع فيها الترتيب التالي :
1- زاد المعاد في هدى خير العباد خمسة مجلدات.
2- أحكام أهل الذمة في مجلدين.
3- إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان في مجلدين وللشيخ عبد الله أبا بطين مختصر له في مجلد واحد.
4- النونية وتقع قريباً من ستة آلاف بيت إلا قليلاً في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات ولها عدة شروح منها شرح الشيخ أحمد بن عيسى متوسط يميل إلى التطويل في مجلدين واسمه توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام بن القيم ومنها شرح الشيخ محمد بن خليل الهراس في مجلدين شرح مفيد ومتوسط ومنها شرح للشيخ السعدي مفيد مختصر في مجلد صغير منها شرح للشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ لكنه لم يكمل في مجلد لطيف وللشيخ السعدي شرح لفصل منها وهو فصل في توحيد المرسلين
5- طريق الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضخم.
6- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل مجلد واحد.
7- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة مجلد جزآن وطبع في طبعة محققة ثلاثة أجزاء.
8- تهذيب السنن مطبوع على هامش مختصر أبي داود للمنذري.
9- بدائع الفوائد وله طبعات وهو أربعة أجزاء.
10- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة الأصل لم يكمل طبعة صدر إلى الآن 4 أجزاء بتحقيق الدكتور الدخيل الله
11- مختصر الصواعق مطبوع في مجلد في جزأين اختصره الموصلي.
12- إعلام الموقعين عن العالمين له طبعات وقد طبع مؤخراً بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن وهو أحسنها.
13- مدارك السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين مطبوع في 3 أجزاء صدر بتحقيق جيد للشيخ عبد العزيز الجليل.
وتعتبر هذه الخمسة الكتب الأخيرة أكبر وأوسع وأعمق كتب ابن القيم ولذلك أخرتها عند الآخر حتى يحصل للقارئ من خلال مروره على كتب ابن القيم الأخرى دِرْبة فإذا قرأ هذه الكتب وجد ذهنه يستوعب ما يقرأ مع الاستفادة والفهم لها.

ثانياً: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية

المقترح فيها أن تُقرأ الكتب المتعلقة بموضوعات العقيدة أولاً لأن كتابه شيخ الإسلام في العقيدة أوسع مما كتبه في غيرها وأعمق لأنه حامل راية السلف في الاعتقاد فأوضح معتقد السلف وانتصر من المعقول والمنقول وزيَّف أقوال المخالفين لهذا نجد أكبر كتبه قد كتبها في مجال العقيدة لاهتمامه بالرد على الزائغين المبتدعين ونلاحظ أن كتبه في العقيدة تحمل طابع البسط والتطويل من عمق المعاني والاحتياج في فهمها إلى تأمل لهذا أقترح أن يقرأ الطالب كتبه في العقيدة مع التفهم لها والتأني والتجرد من الهوى وقصد معرفة الحق لاعتقاده والعمل به لا سيما في مثل هذه الأيام التي كثرت فيها الدعاة إلى المذاهب الفاسدة وكثر التشكيك في معتقد أهل السنة والجماعة ثم إذا انتهى من مجال العقيدة قرأ في التفسير ثم في الفقه ثم في غيره واعلم أنه يتعذر إحصاء وضبط كتب شيخ الإسلام كما صرَّح بذلك مترجموه لكثرة كتابة الشيخ وكون بعض من كتب له الشيخ أو وقع في يده شيء من كتبه احتفظ بها لنفسه وقد بقي شيء منها مخطوطاً ولذلك قد يصل إلى بعض أهل العلم من كتبه ما لا يصل إلى آخرين وهكذا وهذا السَّرْدُ لكتبه بحسب ما أطلعنا عليه من كتبه المطبوعة التي وصلت إلينا ولم أتتبَّع في هذا المسْرَدِ ذكر الأجزاء الصغيرة من مؤلفاته لأن أغلبها مذكور في كتب المجاميع التي تُعنى بجمع رسائل شيخ الإسلام ولذلك أحلتُ عليها ولتفرقها وعدم انضباطها فما لم يُذكر يُعظم إلى نظيره مما ذُكر ومن أكمل من جمع في تسمية كتب شيخ الإسلام ابن القيم في كتابه تسمية مؤلفات شيخ الإسلام وكذلك ابن عبد الهادي في العقود الدُّرية وكذلك ذكر المحققان لكتاب الصارم المسلول فِهرساً طويلاً لكتب الشيخ حاولا فيه استيعابها فقالا (1/70):
"وقد جمعنا أسماء مصنفات شيخ الإسلام من جميع المصادر والمراجع التي بين أيدينا ورتبناها على حروف المعجم ونعتذر عما لم يكن ذكره لاختلاف عنوانه لأن الكثير منها لم يحصل الوقوف إلا على تسميته وهي كما يأتي" فذكرا702 بدون المكرر ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض مصنفات الشيخ قد يكون لها أكثر من عنوان فيظن من وقف عليه أنهما كتابان وهو واحد وقال ابن القيم في النونية في تعداد الشيخ فصل في مصارع النفاة والمعطلين بأسنة أمراء الإثبات الموحدين:
وإذا أردت ترى مصارع من خلا من أمة التعطيل والكفران
وتراهم أسرى حقيراً شأنهم أيديهم غُلَّتْ إلى الأذقان
وتراهم تحت الرماح دَرِيْئَةً ما فيهم من فارس طَعَّانِ وتراهم تحت السيوف تَنُوْشُهم مِنْ عَنْ شمائِلهم وعن أيمانِ
وتراهم انسلخوا من الوحين والـ ـعقل الصريح ومقتضى القرآن
وتراهم والله ضِحْكةَ ساخر ولطالما سخروا من الإيمان
قد أوحشت منهم ربوع زادها الـ ـجبار إيحاشاً مدى الأزمان
وخلت ديارهم وشُتِّتَ شملهم ما فيهم رجلان مجتمعان
قد عطل الرحمن أفئدة لهم من كل معرفة ومن إيمان
فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة شيخ الوجود العالم الرباني
أعني أبا العباس أحمدَ ذلك الـ ـبحر المحيط بسائر الخاجان
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له نظير ثان
وكذلك منهاج له في رده قول الروافض شيعةِ الشيطان
وكذلك أهل الإعتزال فإنه أرادهم في حفرة الجُبَّان
وكذلك التأسيس أصبح نقضه أعجوبة للعالم الرباني
وكذلك أجوبة له مصرية في ست أسفار كُتبن سِمانِ
وكذا جواب للنصارى فيه ما يشفي الصدور وإنه سِفران
وكذلك شرح عقيدة للأصبها ني شارح المحصول شرحَ بيان
فيها النبوات التي إثباتها في غاية التقرير والتبيان وكذا قواعد الاستقامة إنها سِفران فيما بيننا ضحمان
وقرأت أكثرها عليه فزادني والله في علم وفي إيمان
هذا ولو حدثت نفسي أنه قبلي يموت لكان نغير الشان
وكذلك توحيد الفلاسفة الأُلى توحيدهم هو غاية الكفران
سفر لطيف فيه نقض أصولهم بحقيقة المعقول والبرهان
وكذاك تسعينية فيها له رد على مَنْ قال بالنفساني
تسعون وجهاً بينت بطلانه أعني كلام النفس ذا الوحدان
وكذا قواعده الكبار وإنها أوفى من المائتين في الحسبان
لم يتسع نظمي لها فأسوقها فأشرت بعض إشارة لبيان
وكذا رسائله إلى البلدان والـ ـأطراف والأصحاب والأخوان
هي في الورى مبثوثة معلومة تبتاع بالغالي من الأثمان وكذا فتاواه فأخبرني الذي أضحى عليها دائم الطَّوَفَان
بلغ الذي ألقاه منها عدة الـ ـأيام من شهر بلا نقصان
سِفر يقابل كل يوم والذي قد فاتني منها بلا حسبان
هذا وليس يُقَصِّر التفسير عن عشر كبار ليس ذا نقصان وكذا المفاريد التي في كل مس ألة فسفر واضح التبيان
ما بين عشر أو تزيد لضعفها هي كالنجوم لسالك حيران
وله المقامات الشهيرة في الورى قد قامها لله غير جبان
نصر الإله ودينه وكتابه ورسوله تناقضهم بكل مكان
أبدى فضائحهم وبيَّن جهلهم وأرى تناقضهم بكل مكان
ومن العجائب أنه بسلاحهم أرادهم تحت الحضيض الداني
كانت نواصينا بأيديهم فما مِنّا لهم إلا أسير عان
فغدت نواصيهم بأيدينا فلا يلقوننا إلا بحبل أمان
وبعد فغالب هذه الرسائل ذكرت في تلك المجاميع لذلك ذكرنا نفس المجاميع لشهرتها وهذا تقسيم لكتبه في العقيدة والتوحيد نبدأ فيه بالأسهل فالأسهل بناءً على طريقة التدرج والتدرب على هذه الكتب حتى تسهل الإفادة منها وتقترب ثمراتها من المجتني القاطف وقد قسمتها إلى ثلاث مجموعات.

المجموعة الأولى :
وتشتمل على كتب العقيدة المجملة الاعتقاد مع اختصارها ووضوح معانيها وليُراع في ترتيبها الآتي:
1- العقيدة الواسطية مع شروطها.
2- الفتوى الحمودية مع شروحها.
3- قاعدة في التوسل والوسيلة رسالة صغيرة.
4- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان مجلد صغير.
5- اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم مجلد وقد طبع محققاً في مجلدين.
6- الصارم المسلول على شاتم الرسول مطبوع في مجلد وقد طبع في ثلاثة أجزاء محققة تحقيقاً جيداً.
7- الاستغاثة في الرد على البكري مجلدان.
8- التدمرية مع شروحها.
9- قسم العقيدة من الفتاوي المصرية. ويقع قسم العقيدة منها في المجلد الأول في قرابة المائتي صفحة.
10- الأجزاء الأولى من مجموع الفتاوى جَمْع الشيخ ابن قاسم وابنه محمد من الجزء 1 وحتى الجزء 12 باستثناء الجزء 9 المتعلق بالمنطق فتؤخر قراءته كما سيأتي إن شاء الله.
11- جامع المسائل تحقيق محمد عزيز شمس وتشتمل على رسائل ليست في مجموع الفتاوى. 12- المستدرك على مجموع الفتاوى للشيخ محمد بن قاسم قسم العقيدة منه.
13- مجموعة الرسائل بعناية الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله.

المجموعة الثانية :
وتتسم بالطول مع ظهور موضوعاتها عموماً وليراع في ترتيبها الآتي :
1- الاستقامة وفيه الرد على رسالة القيشري مطبوع في مجلدين بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله.
2- الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح ط : دار العاصمة وهي أحسن الطبعات الموجودة.
3- منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية مطبوع في9 مجلدات التاسع فهارس تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم وللذهبي مختصر له سماه المنتقى من منهاج السنة وكذلك للشيخ عبد الله العنيمان وفقه الله.

المجموعة الثالثة :
وتتسم بالطول مع أسلوب الحوار والرد والإقناع بالإضافة إلى استخدام المصطلحات الكلامية والفلسفية فلذا تحتاج إلى تأمل أكثر وليراعَ في ترتيبها الآتي :
1- النبوات هو مِنْ آخر ما صنفه ابن تيمية وقيل ألفه في السجن مطبوع في مجلد متوسط وطبع في مجلدين بتحقيق الطويان
2- الرسالة الصفدية طبعت في مجلد تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ثم طبعت في مجلد واحد بتحقيق الحليمي والدمشقي.
3- بيان تلبيس الجهمية ولم يكمل لا تزال أجزاء مخطوطة طُبع منه مجلدان بتحقيق الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن قاسم.
4- درء تعارض العقل والنقل مطبوع في 10 مجلدات بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم طبع أولاً على هامش منهاج السنة النبوية ولكنه كان ناقصاً.
5- الرد على المنطقيين مطبوع في مجلد واحد.
6- المجلد التاسع من مجموع الفتاوى وهو المتعلق بالمنطق.

ثانياً :
قسم التفسير ثم ينتقل القارئ إلى قراءة كتب ابن تيمية المتعلق بالتفسير وعلومه فيرتبها في القراءة كالتالي :
1- الأجزاء المختصة بالتفسير ضمن مجموع الفتاوي والتي تحمل الأرقام : ج13, ج14, ج16, ج17.
2- تفسير الشيخ الكبير وهو مطبوع في سبعة مجلدات بعناية الدكتور عبد الرحمن عميرة وهو مجموع من كلام الشيح.
3- تفسير آيات أشكلت في مجلدين وهو موجود ضمن مجموع الفتاوى.
4- دقائق التفسير وهو مجموع من كلام الشيخ.

ثالثاً :
قسم الفقه ثم ينتقل القارئ إلى قسم الفقه هنا أحبذ أن يبدأ الطالب باختيارات الشيخ العلمية الفقهية لكي يعرف فقه الشيخ مجملاً فمن الكتب التي تُعنى باختيارات الشيخ :
1- الاختيارات العلمية للبعلي وهو أكبر كتب الاختيارات وأوفاها لكن الطبعة التي رأيناها كثيرة الأخطاء فلعلها تُحقق.
2- اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه الحافظ ابن عبد الهادي مجلدا صغير.
3- اختيارات شيخ الإسلام التي خالف فيها الأئمة الأربعة لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية وهو رسالة
4- اختيارات شيخ الإسلام ابن الإسلام ابن تيمية لدى مترجميه جمعها من كُتب تراجم شيخ الإسلام سامي بن محمد جاد الله.
ثم بعد ذلك يقرأ ما كتبه الشيخ من المسائل الفقهية في قسم العبادات لوضوحها وسهولتها وظهور مسائلها وهذا يشمل :
1- الجزء 21 و22و23و24و25و26و27 من مجموع الفتاوى.
2- شرح العمدة ولم يكمل الشيخ بل شرح أبواب العبادات كتبه الشيخ وهو في متقبل الغمر.
3- الجزء الأول والثاني من الفتاوى المصرية.
4- القواعد النورانية بتحقيق الدكتور : أحمد خليل.
5- المسائل الماردينية مجلد صغير.
6- مستدرك الشيخ محمد بن قاسم قسم العبادات منه.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الأبواب الفقهية الأخرى من أبواب المعاملات والعقود وغيرها ويشمل :
1- الجزء 28 و29و30و31و32و33و34و35 من مجموع الفتاوى.
2- الجزء الثالث والرابع والخامس من الفتاوى المصرية.
3- مستدرك ابن قاسم قسم المعاملات والعقود وغيرها.
ثم ينتقل إلى كتابات الشيخ الأخرى وتشمل :
1- الجزء الثامن عشر من مجموع الفتاوى وهو قسم الحديث.
2- الجزء التاسع عشر من مجموع الفتاوى وكذلك الجزء العشرين وهما في "أصول الفقه".
3- المسوّدة لآل تيمية.
ومما يحسن لمن أراد أن يبتدئ بقراءة كتب الشيخين أن يقرأ كتب أهل العلم التي تُعْنى بكلام الشيخين واختياراتهما ولعلي هنا أرتب تلك الكتب ليسير الطالب عليها قبل قراءته لكتب الشيخين :
1- فمنها كتب الشيخ عبد العزيز والشيخ محمد بن عثيمين في العقيدة والتوحيد والفقه وغيرهما.
2- ثم مجموعة الشيخ السعدي وتشمل على 13 مجلداً بما في ذلك التفسير والشيخ له عناية بكتب الشيخين وهو ممن تأثر بهما في الأسلوب والاختيارات. 3- ثم ينتقل إلى كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتشتمل مجموعة الشيخ على 13 مجلداً وهي طابعة جامعة الإمام لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب اعتني بكتب الشيخين وخاصة شيخ الإسلام وقد نهج المجدد الإمام لمن بعده من تلامذته فمن بعدهم منهجاً حسناً في كتب الشيخين بحيث جعل للقراءة في كتب الشيخين مجالس يُعلق فيها على كتبهما ودرَّب تلامذته على ذلك وجعل كتب الشيخين يستنار بهما لمعرفة العقائد الصحيحة ورد ما سواها من العقائد الباطلة وكان الفقهاء ونجد والعالم الإسلامي عموماً الحنابلة منهم يهتمون بنقل كلام شيخ الإسلام وابن القيم في المسائل الفقهية كما يفعله فقهاء الحنابلة والقلة منهم الذي يستنير بكتبه في آراء العقيدة حتى جاء الإمام محمد بن عبد الوهاب فأشرع جادة له ولمن بعده في الإفادة من كتب الشيخين وجعلهما من باب الأساسيات في معرفة معتقد السلف
4- ثم ينتقل إلى كتب أئمة الدعوة النجدية وذلك لأنهم قرَّروا العقيدة والتوحيد واهتموا بها اهتماماً بالغاً لأن المجتمع في عهدهم وعهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان منحرفاً اعتقادياً فلذلك جرَّدوا دراسة كتب شيخ الإسلام وابن القيم واهتموا بها حتى أدركوها وفهموها وفهموا العقيدة فألفوا فيها التصانيف المفيدة النافعة.
وهذا سَرْد لما يحضرنا من كتبهم :
1- فأولها وأجمعهما الدرر السنية مطبوع في 16 مجلداً جَمْع الشيخ ابن قاسم ولو اكتفى به الطالب وردّده مراراً لكفاه عن أكثر كتب أئمة الدعوة لأنه جامع لعموم كتبهم.
2- مجموعة الرسائل والمسائل مطبوع في 5مجلدات لكنها كثيرة الأخطاء تحتاج إلى تحقيق وإعادة طبع 3- شرح كتاب التوحيد وأحسنها وأوسعها تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن حسن وله أيضاً حاشية مفيدة على كتاب التوحيد أسماها قرة عيون الموحدين منها إبطال التنديد للشيخ حمد بن عتيق وحاشية كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن قاسم.
4- المجاميع :
فمنها : مجموع الرسائل للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مجلد واحد تحقيق الدكتور الفريان.
ومنها : رسائل وفتاوى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين جمع الحازمي.
ومنها : هداية الطريق من رسائل وفتاوى الشيخ حد بن عتيق تقديم ومراجعة الشيخ إسماعيل بن سعد بن حمد بن عتيق.
ومنها : المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق جمع وترتيب الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق.
ومنها : مجموع يضم عدة رسائل باسم إجماع أهل السنة والجهمية على تكفير المعطلة والجهمية وفيه ثلاث رسائل : أحدهما للشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ والثانية للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ والثالثة للشيخ سليمان بن سحمان.
ومنها: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى مطبوعة في سبعة مجلدات وهي ثلاثة عشر جزءاً.
5- أما الأجزاء المفاريد فمنها ما لا يزال مخطوطاًً ومنها ما هو مطبوع ضمن الدرر السنية كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيش للشيخ عبد الرحمن بن حسن مجلد واحد.
6- منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيش للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن سعد.
7- مصباح الظلام في الرد على مَنْ كذب على الشيخ الإمام للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن.
8- البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن مجلد صغير.
9- شرح الكفاية الشافية مجلد صغير جداً لم يكمل فيه شرحها للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن.
10- الرد على عُبّاد الصليب مطبوع في مجلدين لابن معمر. 11- الفواكه العذاب في الرد على مَنْ لم يحكم السنة والكتاب مجلد صغير للشيخ حمد بن ناصر بن معمر.
12- إتمام المنة والنعمة في ذم اختلاف الأمة مجلد صغير للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ.
13- الرسالة المدنية في بيان العقيدة السنية رسالة صغيرة للشيخ حمد بن ناصر بن معمر.
14- تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود جرجيس للشيخ عبد الله أبابطين, مطبوع في مجلد واحد.
15- إقامة الحجة والدليل وإيضاح المحجة والسبيل مجلد لطيف للشيخ سليمان بن سمحان.
16- الحجج الواضحة الإسلامية في رد شبهات الرافضة الإمامية للشيخ سليمان بن سمحان.
17- حكم اللجوء والإقامة في بلاد الكفار مجلد صغير للشيخ صالح بن محمد الشثري.
18- تأييد الملك المنان في نقض ضلالات دحلان مجلد صغير للشيخ صالح بن محمد الشثري.
19- الرد على شبه المستغيثين بغير الله للشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى مجلد صغير.
20- وله أيضاً : شرح النونية مطبوع في مجلدين كبيرين.
21- حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة رسالة صغيرة للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن.
22- شرح كشف الشبهات للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
23- شرح آداب المشي إلى الصلاة له أيضاً.
24- التعليق على المقنع لابن قدامة حاشية منسوبة للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ. مطبوع في ثلاث مجلدات.
25- حاشية العنقري على الروض المربع ثلاثة مجلدات.
26- حواشي الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ومن أكبرها وأبرزها حاشية الروض المربع مطبوع في سبعة مجلدات وهو رحمه الله تعالى مما يُعنى بنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومنها : حاشية ثلاثة الأصول ومنها حاشية مقدمة التفسير ومنها حاشية الرحبية ومنها حاشية الآجرومية ومنها حاشية كتاب التوحيد ومنها كتابة إحكام الأحكام. أسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو جهاد سمير الجزائري

تعليمية تعليمية




جزاك الله كل خير على هذه الافادة الطيبة




شكرا لك اخي عبدو على هذا المنهج المفيد
بارك الله فيك وجزاك خيرا
تحياتي
فارس البرايجي




تعليمية

بارك الله فيك اخي التوام على الجلب الطيب للموضوع .
جعله الله في ميزان حسناتك .
دمت مميزا .
تقبل تحيتي .




مشكور أخي عبدو

تعليمية




جزاك الله خيرا




بارك الله فيك على الموضوع القيم

لي عودة لمحاولة فهمه




التصنيفات
الفقه واصوله

هل يصح تسمية الأحكام الشرعية بالتكليفية؟ وما هو موقف ابن تيمية وابن القيم من ذلك ||-

تعليمية تعليمية

هل يصح تسمية الأحكام الشرعية بالتكليفية؟ وما هو موقف ابن تيمية وابن القيم من ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبد الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد:

فقد شاع عند الأصوليين تسمية الأحكام الشرعية بالتكليفية، وفسروا التكليف بأنه إلزام بما فيه مشقة وكلفة. ووصفوا الأحكام الشرعية بذلك.
وهذا الإطلاق يعد من المزالق الدقيقة في علم أصول الفقه

فإن في هذه التسمية وهذا الإطلاق نظرا من عدة وجوه:

الوجه الأول: أن القول بأن الأحكام الشرعية لابد فيها من الكلفة والمشقة حتى يثاب عليها هو مبني على عقيدة المعتزلة في التحسين والتقبيح العقلي، حيث قالوا: إن العقل يقضي بأن العبد لا يثاب إلا على فيه مشقة وكلفة، وما خلا عن المشقة والكلفة فلا ثواب فيه، فاشترطوا المشقة في التكاليف الشرعية، وزعموا أن العقل يحكم بذلك.
وهذا باطل؛ فالعقل عند أهل السنة والجماعة لا مدخل له في إثبات الثواب والعقاب أو نفيهما، على ما هو مفصل في الكلام على مسألة التحسين والتقبيح العقليين.

الوجه الثاني: أن هذه التسمية مبنية على القول بأن الأحكام الشرعية مشتملة على المشقة والكلفة، وهذا الإطلاق والتعميم ليس بصحيح لأن الأحكام الشرعية منها ما لا مشقة فيه، بل هو لذة، كما قال على الصلاة والسلام: (( وفي بضع أحدكم صدقة )) رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وبعض الأحكام الشرعية قد يقال أن فيها تكليفا ومشقة بالنظر إلى ذات الفعل وأدائه، ولكن هذه المشقة والكلفة تذهب وتزول وتتلاشى بمقابل ما يكون في قلب المؤمن من لذة وأنس بالعبادة وسرور وفرح بطاعة الله، وهذا طبعا لمن زرقه الله حلاوة الإيمان، فالأحكام والتكاليف الشرعية عند هذا الصنف هي لذة ونعيم لا مشقة وكلفة.

الوجه الثالث: أن المشقة الواقعة في بعض التكاليف ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي واقعة تبعا، ولا يجوز للمكلف أن يقصد المشقة في العبادة. والشرع لم يأت بالمشقة على العباد بل بالتخفيف عليهم ونفي الحرج، وفي هذه التسمية إيهاما بعكس ذلك. يوضحه:

الوجه الرابع: أن المشقة والكلفة في الأحكام الشرعية جاء نفيها في النصوص، كما قال تعالى: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) فالله عز وجل لم يكلفنا إلا ما هو في وسعنا، والوسع هو ما لا حرج فيه ولا مشقة.

الوجه الخامس: أن الشارع لم يسم الأحكام الشرعية بالتكليفية، وهذه التسمية ليست شرعية ولم ترد في النصوص بل الوارد أن الله تعالى سمى شرعه: روحا، ووحيا، وهدى، ونورا، ونحو ذلك.

وهذا المعنى قد قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى 1/25:

(( وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَعِبَادَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَإِجْلَالَهُ هُوَ غِذَاءُ الْإِنْسَانِ وَقُوتُهُ وَصَلَاحُهُ وَقِوَامُهُ كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ ، وَكَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ؛ لَا كَمَا يَقُولُ مَنْ يَعْتَقِدُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِمْ : أَنَّ عِبَادَتَهُ تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ . وَخِلَافُ مَقْصُودِ الْقَلْبِ لِمُجَرَّدِ الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ ؛ أَوْ لِأَجْلِ التَّعْوِيضِ بِالْأُجْرَةِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ ؛
فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا هُوَ عَلَى خِلَافِ هَوَى النَّفْسِ – وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْجُرُ الْعَبْدَ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَعَ الْمَشَقَّةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ } الْآيَةَ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ : { أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ } – فَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودَ الْأَوَّلَ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِأَسْبَابِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهَا ، وَهَذَا يُفَسَّرُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنَّهُ تَكْلِيفٌ كَمَا يُطْلِقُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ ؛ وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْرُ التَّكْلِيفِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ ؛ كَقَوْلِهِ : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } .{ لَا تُكَلَّفُ إلَّا نَفْسَكَ } { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا } أَيْ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْأَمْرِ تَكْلِيفٌ ؛ فَلَا يُكَلَّفُ إلَّا قَدْرَ الْوُسْعِ ، لا أَنَّهُ يُسَمِّي جَمِيعَ الشَّرِيعَةِ تَكْلِيفًا ، مَعَ أَنَّ غَالِبَهَا قُرَّةُ الْعُيُونِ وَسُرُورُ الْقُلُوبِ ؛ وَلَذَّاتُ الْأَرْوَاحِ وَكَمَالُ النَّعِيمِ )). انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان 1/31-32:

(( … لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان وبخس حظه من الإحسان : إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان كما هي مقالات من بخس حظه من معرفة الرحمن وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزبالة الأذهان.
بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان وأفضل لذة للروح والقلب والجنان وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان والله المستعان وعليه التكلان

وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا في بعضها لأسباب اقتضته لابد منها هي من لوازم هذه النشأة

فأوامراه سبحانه وحقه الذي أوجبه على عباده وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب ونعيم الأرواح وسرورها وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها وكمالها في معاشها ومعادها بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك كما قال تعالى : { يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } …

فإن قيل : فقد وقع تسمية ذلك تكليفا في القرآن كقوله : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ، وقوله :{ لا نكلف نفسا إلا وسعها} .

قيل : نعم إنما جاء ذلك في جانب النفي ولم يسم سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفا قط بل سماها روحا ونورا وشفاء وهدى ورحمة وحياة وعهدا ووصية ونحو ذلك )) انتهى

وبالرغم من ظهور هذه الأوجه والانتقادات المذكورة آنفا، إلا أنه يمكن أن تعد هذه التسمية اصطلاحا محضا، فلا مانع من إطلاقها بهذا الاعتبار لكن مع مراعات منـزع هذا الإطلاق، والتنبيه على مأخذه وأصله وأنه ليس على إطلاقه والله أعلم.

ملاحظة: النصوص نقلتها من المكتبة الشاملة، ومن يقف على نصوص أخرى لأهل العلم المتقدمين والمعاصرين فليذكرها ولا يبخل بها، بارك الله فيكم.

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




التصنيفات
اسلاميات عامة

جمال المرأة نوعان للعلامة ابن القيم رحمه الله

جمال المرأة نوعـان :

قال الإمام المحقق ابن القيم في الباب التاسع عشر من روضة المحبين ونزهة المشتاقين:

اعلم أنّ الجمال ينقسم قسمين ظاهراً وباطناً :

فالجمال الباطن: هو المحبوب لذاته ، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة ، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله تعالى من عبده وموضع محبته كما في الحديث الصحيح (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظرإلى قلوبكم وأعمالكم ) .
وهذا الجمال يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال ، فيكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات ، فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه ، فمن رآه هابه ، ومن خالطه أحبه ، وهذا أمر مشهود بالعيان ، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل ،ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه . وقدكان بعض النساء تكثر صلاة الليل فقيل لها في ذلك فقالت : إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي .
ومما يدل على أن الجمال للباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه .

وأما الجمال الظاهر:فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض ، وهي من زيادة الخلق التي قال الله فيه) يزيد في الخلق ما يشاء( قالوا هو الصوت الحسن والصورة الحسنة والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه . وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قالوا يا رسول الله الرجل يحب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنا أفذلك من الكبر ؟ فقال لا إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس)فبطر الحق جحده ودفعه بعد معرفته ، وغمط الناس النظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار والاستصغار لهم ، وتقدم هذا مبسوطا.
والجمال الظاهر من نعم الله أيضا على عباده يوجب الشكر.
وشكره التقوى والصيانة ، فكلما شكر مولاه على ما أولاه زاده الله جمالا ومنحه كمالا . وأما إن بذل الجمال في المعاصي عاد وحشة وشينا كما شوهد من عالم كثير في الدنيا قبل الآخرة .
فكل من لم يتق الله سبحانه وتعالى في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه الله به بين الناس . انتهى.

وما أحسن قول القائل:

وما ينفع الفتيان حسن وجوههم* * *إذا كانت الأفعال غير حسان
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى * * * فما كل مصقول الحديد يماني

وقال آخر وأحسن :

صن الحسن بالتقوى وإلا فيذهب* * *فنور التقى يكسو جمالا ويكسب

وما ينفـع الوجه الجميـل جماله* * * وليس له فعـل جميـل مهذب

فيا حسن الوجه اتـق الله إن تـرد * * *دوام جمـال ليس يفنى ويذهب

يزيد التقى ذا الحسن حسنا وبهجة * * *وأما المعاصي فهي للحسن تسلب

وتكسف نور الوجه بعـد بهـائه * * * وتكسوه قبحـا ثم للقلب تقلب

فسارع إلى التقوى هنا تجد الهنـا * * *غدا في صفا عيش يدوم ويعذب

فما بعد ذي الدنيا سوى جنة بهـا * * * نعيم مقيم أو لظـى تتلهب




بارك الله فيك اخي
موضوع رائع
الله يوفقك دنيا واخرة




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة الإمام ابن القيم

بسم الله الرحمن الرحيم

نسبه ونسبته:

هو الفقيه، المفتي، الإمام الربّاني شيخ الإسلام الثاني أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرعي ثم الدِّمشقي الشهير بـ"ابن قيم الجوزية" لا غيره خلافًا للكوثري الذي نبزه بـ"ابن زفيل" .


ولادته:


ولد -رحمه الله- في السابع من شهر صفر الخير سنة (691هـ).


أسرته ونشأته وطلبه للعلم:


نشأ ابن قيِّم الجوزية في جوِّ علمي في كنف والده الشيخ الصالح قيم الجوزية، وأخذ عنه الفرائض، وذكرت كتب التراجم بعض أفراد أسرته كابن أخيه أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن الذي اقتنى أكثر مكتبة عمّه، وأبناؤه عبد الله وإبراهيم، وكلهم معروف بالعلم وطلبه.

وعُرف عن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- الرغبة الصادقة الجامحة في طلب العلم، والجَلَد والتَّفاني في البحث منذ نعومة أظفاره؛ فقد سمع من الشِّهاب العابر المتوفى سنة (697هـ) فقال -رحمه الله- : "وسمّعت عليه عدّة أجزاء، ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه؛ لصغر السِّنِّ ، واخترام المنية له -رحمه الله- " وبهذا يكون قد بدأ الطلب لسبع سنين مضت من عمره.


رحلاته:


قَدم ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- القاهرة غير مرّة ، وناظر ، وذاكر.

وقد أشار إلى ذلك المقريزي فقال : "وقدم القاهرة غير مرّة" .

قال: "وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر" .

وقال: "وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة" .

وزار بيت المقدس، وأعطى فيها دروسًا.

قال: "ومثله لي قلته في القدس" .

وكان -رحمه الله- كثير الحجِّ والمجاورة كما ذكر في بعض كتبه . قال ابن رجب: وحج مرات كثيرةً، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدّة العبادة وكثرة الطواف أمرًا يُتعجب منه" .


مكتبته:


كان ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- مُغرمًا بجمع الكتب، وهذا دليلُ الرَّغبة الصّادقة للعلم بحثًا وتصنيفًا، وقراءةً وإقراءً يظهر ذلك في غزارة المادة العلمية في مؤلفاته، والقدرة العجيبة على حشد الأدلة.

وقد وصف تلاميذه -رحمهم الله- مكتبته فأجادوا:

قال ابن رجب: "وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره" .

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "واقتنى من الكتب ما لم لا يتهيأ لغيره تحصيل عُشْرِه من كتب السلف والخلف" .

قلت: ومع هذا كله يقول بتواضع جم: "بحسب بضاعتنا المزجاة من الكتب" .

ورحم اللهُ شيخه شيخَ الإسلام ابن تيمية القائل: "فمن نوّر الله قلبه هداه ما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزدْهُ كثرةُ الكتب إلا حيرة وضلالةً" .


مشاهير شيوخه:


تلقى ابن قيم الجوزية -رحمه الله- العلم على كثير من المشايخ ، ومنهم:

1- قيم الجوزية والده -رحمه الله-.

2- شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لازمه ، وتفقه به، وقرأ عليه كثيرًا من الكتب ، وبدأت ملازمته له سنة (712هـ) حتى توفي شيخ الإسلام سجينًا في قلعة دمشق (728هـ).

3- المزي -رحمه الله- .


تلاميذه :

1- ابن رجب الحنبلي ، صرح بأنه شيخه، ثم قال: "ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة ، وسمّعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السّنة ، وأشياء من تصانيفه وغيرها" .

2- ابن كثير -رحمه الله- قال : "وكنت من أصحب الناس له وأحبّ الناس إليه" .

3- الذهبي -رحمه الله- ترجم لابن القيم الجوزية في "المعجم المختص" بشيوخه .

4- ابن عبد الهادي -رحمه الله- ؛ كما قال ابن رجب:"وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له كابن عبد الهادي وغيره" .

5- الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط" ، كما قال الشوكاني: "ثم ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة (755هـ) فسمع من التقي السبكي وجماعة زيادة عن مائة كابن القيم" .


علاقته بشيخه ابن تيمية ومنهجه :


بدأت ملازمة ابن قيم الجوزية لشيخ الإسلام ابن تيمية عند قدومه إلى دمشق سنة (712هـ) ، واستمرت إلى وفاة الشيخ سنة (728هـ) ، وبهذا تكون مدة مرافقة ابن قيم الجوزية لشيخه ستة عشر عامًا بقي طيلتها قريبًا منه يتلقى عنه علمًا جمًا ، وقرأ عليه فنونًا كثيرة.

قال الصفدي:"قرأ عليه قطعة من "المحرّر" لجدّه المجد، وقرأ عليه من "المحصول" ، ومن كتاب "الأحكام" للسيف الآمدي، وقرأ عليه قطعة من "الأربعين" و"المحصل" وقرأ عليه كثيرًا من تصانيفه" .

وبدأت هذه الملازمة بتوبة ابن قيم الجوزية على يدي شيخه ابن تيمية ؛ كما أشار إلى ذلك بقوله

يـا قـوم والله العظيـم نصـيحة
مـن مشـفق وأخ لكـم معـوان

جربت هـذا كلـه ووقعت فـي
تلك الشبــاك وكنت ذا طيـران

حتى أتـاح لـي الإلـه بفضلـه
مـن ليس تجـزيه يـدي ولسـاني

فتـى أتى مـن أرض حـرّان فيا
أهلًا بمـن قـد جـاء من حــران

وكان لهذه الملازمة أثرٌ بالغٌ في نفس ابن قيم الجوزية ؛ فشارك شيخه في الذَّبِّ عن المنهج السلفي، وحمل رايتَه من بعده ، وتحرر من كل تبعية لغير كتاب الله وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفهم السلف الصالح.

قال الشوكاني : "وليس له على غير الدليل مُعَوَّل في الغالب، وقد يميل نادرًا إلى المذهب الذي نشأ عليه، ولكنه لا يتجاسر على الدَّفع في وجوه الأدلة بالمحامل الباردة ؛ كما يفعله غيرُه من المتمذهبين، بل لا بد له من مستند في ذلك ، وغالب أبحاثه الإنصافُ والميلُ مع الدليل حيث مال، وعدم التعويل على القيل والقال، وإذا استوعب الكلام في بحث وطوَّل ذيولَه أتى بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدورُ الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل، وأظنها سرت إليه بركةُ ملازمته لشيخه ابن تيمية في السَّراء والضّراء والقيام معه في محنه، ومواساته بنفسه، وطول تردده إليه.

وبالجملة فهو أحد من قام بنشر السُّنة، وجعلها بينه وبين الآراء المحدثة أعظم جُنَّة ، فرحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرًا .

ومع هذا كله فلم يكن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- نسخةً من شيخه ابن تيمية، بل كان متفننًا في علوم شتى -باتفاق المتقدمين والمتأخرين- تدل على علو كعبه، ورسوخه في العلم.

وكيف يكون ابن قيم الجوزية مُرَدِّدًا لصدى صوت شيخه ابن تيمية -رحمه الله- وهو ينكرُ التقليدَ ويحاربُه بكلِّ ما أتي من حَوْل وقوَّة؟!


ثناء العلماء عليه:

قال ابن كثير -رحمه الله- : "سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وبرع في علوم متعددة ، ولا سيما علم التفسير والحديث الأصلين ، ولما عاد الشيخُ تقي الدين ابن تيمية من الدّيار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علمًا جمًّا ، مع ما سلف له من الاشتغال؛ فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال ، وكان حسنَ القراءة والخُلُق ، وكثيرَ التَّودُّد لا يحسدُ أحدًا ولا يؤذيه ، ولا يستغيبُه ولا يحقدُ على أحد ، وكنت أصحب الناس له ، وأحب الناس إليه ، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثرَ عبادة منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جدًا ، ويمدُّ ركوعَه وسجودَه ويلومُه كثير من أصحابه في بعض الأحيان ، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك -رحمه الله- ، وله من التّصانيف الكِبار والصِّغار شيءٌ كثير ، وكتَبَ بخطّه الحسنِ شيئًا كثيرًا ، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف.

وبالجملة كان قليلَ النظير في مجموعه وأموره وأحواله ، والغالب عليه الخيرُ والأخلاقُ الصالحةُ ، سامحه الله ورحمه" .

قال ابن رجب -رحمه الله- : "وتفقه في المذهب ، وبرع وأفتى ، ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه ، وتفنَّن في علوم الإسلام ، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه ، وبأصول الدين ، وإليه فيهما المنتهى ، والحديث معانيه وفقهه ، ودقائق الاستنباط منه ، لا يُلحق في ذلك ، وبالفقه وأصوله وبالعربية ، وله فيها اليَدُ الطولى ، وتعلم الكلام والنَّحو وغير ذلك ، وكان عالمًا بعلم السّلوك ، وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم ودقائقهم ، له في كل فَنّ من هذه الفنون اليد الطولى.

وكان -رحمه الله- ذا عبادة وتَهَجد ، وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، وَتَألُّه ولهج بالذّكر ، وشغف بالمحبة ، والإنابة والاستغفار ، والافتقار إلى الله والانكسار له ، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته ، لم أشاهد مثله في ذلك ، ولا رأيت أوسع منه علمًا ، ولا أعْرَف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله " .

وقال ابن ناصر الدين الدمشقي -رحمه الله- : "وكان ذا فنون في العلوم ، وخاصة التفسير والأصول في المنطوق والمفهوم" .

وقال السيوطي -رحمه الله- :"قد صَنَّفَ ، وناظر ، واجتهد ، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث ، والفروع ، والأصلين ، والعربية" .


مؤلفاته :


ضرب ابن قيم الجوزية بحظ وافر في علوم شتى يظهر هذا الأمر جَليًّا لمن استقصى كتبه التي كانت للمتقين إمامًا، وأفاد منها الموافق والمخالف.

قال ابن حجر -رحمه الله- ، "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته" .

وإليك أشهرها مرتَّبة على حروف المعجم:

1-اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.

2- أحكام أهل الذمة.

3- إعلام الموقعين عن رب العالمين.

4- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.

5-بدائع الفوائد.

6- تحفة المودود في أحكام المولود.

7- تهذيب مختصر سنن أبي داود.

8- الجواب الكافي، وهو المسمى "الداء والدواء".

9- جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام.

10- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.

11- حكم تارك الصلاة.

12- "الرسالة التبوكية "وهو الذي بين يديك.

13- روضة المحبين ونزهة المشتاقين.

14- الروح.

15- زاد المعاد في هدي خير العباد.

16- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

17- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.

18-طريق الهجرتين وباب السعادتين.

19- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.

20- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، وقد انتهيت من تحقيقه بحمد الله وفضله على نسختين خطيتين.

21- الفروسية.

22- الفوائد.

23- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ، وهي "القصيدة النونية".

24- الكلام على مسألة السماع.

25- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

26- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة.

27- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.

28- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.

29– الوابل الصيب في الكلم الطيب.


محنة وثبات :


حُبس مع شيخه ابن تيمية في المرة الأخيرة في القلعة منفردًا عنه بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبًا بالدرة سنة (726هـ) ، ولم يفرج عنه إلا بعد موت شيخه سنة (728هـ) .

وحبس مرة لإنكاره شدّ الرحال إلى قبر الخليل.

قال ابن رجب -رحمه الله- : "وقد امتحن وأوذي مرات" .


وفاته :


توفي -رحمه الله- ليلة الخميس ثالث عشرين من رجب الفرد سنة (751هـ) ، ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير -رحمه الله- وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجمعنا وإياه في عليين مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا.


مصادر ترجمته:

1- "أبجد العلوم" ، صديق حسن خان ، (3 / 138).

2- "البداية والنهاية" ، ابن كثير ، (14 / 234).

3- "البدر الطالع" ، الشوكاني ، (2 / 143).

4- "بغية الوعاة" ، للسيوطي ، (1 / 62).

5- "التاج المكلل" ، صديق حسن خان ، (ص416).

6- "الدرر الكامنة" ، ابن حجر ، (4 / 21-23).

7- "ذيل طبقات الحنابلة" ، ابن رجب ، (2 / 447).

8- "ذيل العبر في خبر من عبر" ، (5 / 282).

9- "الرد الوافر" ابن ناصر الدين الدمشقي (ص68).

10- "شذرات الذهب" ، ابن العماد ، (6 / 168).

11- "طبقات المفسرين" ، للداوودي ، (2 / 93).

12- "الفتح المبين في طبقات الأصوليين" ، المراغي ، (2 / 76).

وقد صنفت كتب مفردة مثل:

1- "ابن قيم الجوزية" ، محمد مسلم الغنيمي.

2- "ابن قيم الجوزية حياته وآثاره" ، بكر بن عبد الله أبو زيد.

3- "ابن قيم الجوزية وموقفه من التفكير الإسلامي" ، عوض الله حجازي.

4- "ابن القيم وآثاره العلمية" ، أحمد ماهر البقري.

5- "ابن القيم اللغوي" ، أحمد ماهر البقري.

6- "ابن قيم الجوزية عصره ومنهجه" ، عبد العظيم عبد السلام.




تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاكم الله خير الجزاء.




بارك الله فيك




التصنيفات
اسلاميات عامة

أنواع القلوب لابن القيم رحمه الله


أنواع القلوب لابن القيم رحمه الله


القلوب ثلاثة :
قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذ بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن
القلب الثاني قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الاهوية فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع فالحرب دول وسجال وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر ومنهم من هو تارة وتارة .
القلب الثالث قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات فلنوره في صدره إشراق ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه وقد مثل ذلك بمثال حسن وهو ثلاثة بيوت : بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وليس جواهر الملك وذخائره وبيت خال صفر لا شئ فيه فجاء اللص يسرق من أحد البيوت فمن أيها يسرق ؟ فإن قلت من البيت الخالي كان محالا لأن البيت الخالي ليس فيه شئ يسرق ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما : إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها فقال : وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب ؟ وإن قلت : يسرق من بيت الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع فإن عليه من الحرس واليزك وما لا يستطيع اللص الدنو منه كيف وحارسه الملك بنفسه ؟ وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله ؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات .
فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل ولينزله على القلوب فإنها على منواله فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنا ومستقرا فأي شئ يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه وقلب قد امتلأ من جلال الله عز و جل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فأي شيطان يجترئ على هذا القلب ؟ وإن أراد سرقة شيء منه فماذا يسرق وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له إذ هو بشر وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع وقد ذكر عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى أنه قال : وفي بعض الكتب الإلهي لست أسكن البيوت ولا تسعني وأي شئ يسعني والسماوات حشو كرسي ؟ ولكن أنا في قلب الوداع التارك لكل شئ سواي وهذا معنى الأثر الآخر ما وسعتني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع وقلب بين هذين الداعيين : فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وارادته وحده ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع ويعطي الله النصر من يشاء ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ).
وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة فيأخذها ويصول بها على القلب فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان وإلا فالدولة لعدوه عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم

فنفسك لم ولا تلم المطايا … ومت كمدا فليس لك اعتذار


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

الوابل الصيب من الكلم الطيب




أحسن الله إليكِ على النقل الطيب..




و اياك اختي
بارك الله فيك





يــآربي يسعدك علــى الموضوع النــآيس ..

لآعدمنـآ آطلآلتك ..

يعطيك العــآفية وتسســلم الآنــآمل ..

دمتـ بخير ..




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على مواضيعك الهادفة جعلها الله في ميزان حسناتك

وما ذكرته جاء في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لبن قيم الجوزية رحمه الله
وقد ذكر أيضا في كتاب
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل

"القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إليه أصلبها وأرقها وأصفاها" وقد ذكر سبحانه أنواع القلوب في قوله: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم} فذكر القلب المريض وهو الضعيف المنحل الذي لا تثبت فيه صورة الحق والقلب القاسي اليابس الذي لا يقبلها ولا تنطبع فيه فهذان القلبان شقيان معذبان ثم ذكر القلب المخبت المطمئن إليه وهو الذي ينتفع بالقرآن ويزكو به قال الكلبي: "فتخبت له قلوبهم فترق للقرآن قلوبهم" وقد بين سبحانه حقيقة الإخبات ووصف المخبتين في قوله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فذكر للمخبتين أربع علامات وجل قلوبهم عند ذكره والوجل خوف مقرون بهيبة ومحبة وصبرهم على أقداره وإتيانهم بالصلاة قائمة الأركان ظاهرا وباطنا وإحسانهم إلى عباده بالإنفاق مما آتاهم وهذا إنما يتأتى للقلب المخبت قال ابن عباس: "المخبتين المتواضعين" وقال مجاهد: "المطمئنين إلى الله" وقال الأخفش: "الخاشعين" وقال ابن جرير: "الخاضعين" قال الزجاج: "اشتقاقه من الخبت وهو المنخفض من الأرض وكل مخبت متواضع فالإخبات سكون الجوارح على وجه التواضع والخشوع لله"، فإن قيل كان معناه التواضع والخشوع فكيف عدى بالي في قوله: {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِم} قيل ضمن معنى أنابوا واطمأنوا وتابوا وهذه عبارات السلف في هذا الموضع والمقصود أن القلب المخبت ضد القاسي والمريض وهو سبحانه الذي جعل بعض القلوب مخبتا إليه وبعضها قاسيا وجعل للقسوة آثارا وللإخبات آثارا فمن آثاره القسوة تحريف الكلم عن مواضعه وذلك من سوء الفهم وسوء القصد وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب ومنها نسيان ما ذكر به وهو ترك ما أمر به علما وعملا ومن آثار الإخبات وجل القلوب لذكره سبحانه والصبر على أقداره والإخلاص في عبوديته والإحسان إلى خلقه.




و اياكم
بارك الله فيكم على الاضافة الطيبة




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

من حكم الصوم لابن القيم رحمه الله

من حكم الصوم لابن القيم رحمه الله

وأما الصوم فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له وإيثارا لمرضاته وتقربا إليه فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقا بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبي صلى الله عليه و سلم هذه الإضافة في الحديث فقال:" يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها قال الله إلا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلى "حتى أن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضى الله وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحي القلب وتفرحه وتزهد في الدنيا وشهواتها وترغب فيما عند الله وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم فتعطف قلوبهم عليهم ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكراً

مفتاح دار السعادة-الجزء الثاني




جزاك الله خيرا




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
اسلاميات عامة

فضول المخالطة لابن القيم رحمه الله

فضول المخالطة

لابن القيم رحمه الله

ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "بدائع الفوائد" عشرة أسباب يعتصم بها العبد من الشيطان وذكر منها:
الحرز العاشر: إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة… ثم قال:
إن فضول المخالطة هي الداء العضال، الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكمغرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول، ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة، ويجعل الناس فيها أربعة أقسام، متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر:
الاول: منْ مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثم إذا احتاج إليه خالطه، هكذا على الدوام، وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر: وهم العلماء بالله تعالى وأمره ومكايد عدوه وأمراض القلوب وأدويتها، الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه، فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله.
القسم الثاني: من مخالطته كالدواء؛ يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش، وقيام ما أنت محتاج إليه؛ من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها، فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من:
القسم الثالث: وهم من مخالطته كالداء، على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه، فمنهم من مخالطته كالداء العضال، والمرض المزمن؛ وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا، ومع ذلك فلا بد من أن تخسر عليه الدين والدنيا أو أحدهما، فهذا إذا تمكّنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف، ومنهم من مخالطته كوجع الضرس، يشتد ضربا عليك فإذا فارقك سكن الألم، ومنهم من مخالطته حمى الروح؛ وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين، مع إعجابه بكلامه، وفرحه به فهو يحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض، ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال: "ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر" ورأيت يوما عند شيخنا قدس الله روحه رجلا من هذا الضرب والشيخ يحمله وقد ضعف القوى عن حمله فالتفت إلي وقال: "مجالسة الثقيل حمى الربع ثم قال: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى فصارت لها عادة" أو كما قال، وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح، فعرضية ولازمة، ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا.
القسم الرابع: من مخالطته الهلك كله، ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لأكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى خلافها {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} فيجعلون البدعة سنة، والسنة بدعة، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، إن جردت التوحيد بينهم قالوا: تنقصت جناب الأولياء والصالحين، وإن جردت المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أهدرت الأئمة المتبوعين، وإن وصفت الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا: أنت من المشبهين، وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر قالوا: أنت من المفتنين، وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا: أنت من أهل البدع المضلين، وإن انقطعت إلى الله تعالى وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا قالوا: أنت من الملبسين، وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم فأنت عند الله تعالى من الخاسرين وعندهم من المنافقين، فالحزم كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم، وأن لا تشتغل بإعتابهم ولا باستعتابهم، ولا تبالي بذمهم ولا بغضبهم، فإن عين كمالك كما قال:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ….فهي الشهادة لي بأني فاضل

وقال آخر:

وقد زادني حبا لنفسي أنني …. بغيض إلى كل امريء غير طائل

فمن كان بواب قلبه وحارسه من هذه المداخل الأربعة التي هي أصل بلاء العالم؛ وهي فضول النظر، والكلام، والطعام، والمخالطة، واستعمل ما ذكرناه من الأسباب التسعة التي تحرزه من الشيطان؛ فقد أخذ بنصيبه من التوفيق، وسد على نفسه أبواب جهنم، وفتح عليها أبواب الرحمة، وانغمر ظاهره وباطنه، ويوشك أن يحمد عند الممات عاقبة هذا الدواء، فعند الممات يحمد القوم التقي، وعند الصباح يحمد القوم السرى، والله الموفق، لا رب غيره، ولا إله سواه.
ملخص أقسام المخالطة:
مخالطة واجبة أو مستحبة: وهي للعلماء.
مخالطة للضرورة: وهي لمن لا يستغنى عنه لقضاء الحوائج …
مخالطة عرضية لازمة: فيعاشر بالمعروف حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً.
مخالطة محرمة أو مكروهة: وهي لأهل البدع.

بدائع الفوائد" ص 274




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

الحجة الكبرى لابن القيم رحمه الله

الحجة الكبرى
لابن القيم رحمه الله

ابيات من القصيدة الميمية لابن القيم رحمه الله

في وصف ( رحلة الحج )

إفاضة الحجيج


أما والذي حج المحبون بيته *** ولبوا له عند المهل وأحرموا


وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعا *** لعزة من تعنوا الوجوه وتسلم


يهلوان بالبيداء لبيك ربنا *** لك الحمد والملك الذي أنت تعلم


دعاهم فلبوه رضا ومحبة *** فلما دعوه كان أقرب منهم


تراهم على الأنضاء شعثا رؤوسهم *** وغبرا وهم فيها أسر وأنعم


وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة *** ولم تثنهم لذاتهم والتنعم


يسيرون في أقطارها وفجاجها *** رجالا وركبانا ولله أسلموا

رؤية البيت العتيق

ولما رأت أبصارهم بيته الذي *** قلوب الورى شوقا إليه تضرم


كأنهم لم ينصبوا قط قبله *** لأنهم شقاهم قد ترحل عنهم


فلله كم من عبرة مُهَراقة *** وأخرى على آثارها لا تقدم


إذا عاينته العين زال ظلامها *** وزال عن القلب الكئيب التألم


ولا عجبا من ذا فحين أضافه *** إلى نفسه الرحمن فهو المعظم


كساه من الإجلال أعظم حلة *** عليها طراز بالمُلاحة مُعْلم

الذهاب إلى عرفة


وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة *** ومغفرة ممن يجود ويكرم


فلله ذاك الموقف الأعظم الذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم

ويدن به الجبار جل جلاله *** يباهي بهم أملاكه فهو أكرم


يقول عبادي قد أتوني محبة *** وإني بهم بر أجود وأرحم


وأشهدكم أني غفرت ذنوبهم *** وأعطيتهم ما أملوه وأُنعم


فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفر الله الذنوب ويرحم


فكم من عتيق فيه كُمَّل عتقه *** وآخرَ يُستسعى وربك أرحم

ذلة الشيطان في ذلك اليوم


وما رُؤي الشيطان أحقر في الورى *** وأدحر منه عندها فهو ألوم


وذاك لأمر قد رآه فغاظه *** فأقبل يحثُ الترب عنه ويلطم


لما عاينت عيناه من رحمة أتت *** ومغفرة من عند ذي العرش تُقسم


بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه *** تمكن من بنيانه فهو محكم


أتى الله بنيانا له من أساسه *** فخر عليه ساقطا يتهدم


وكم قدر ما يعلوا البناء وينتهي *** إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم

الذهاب لمزدلفة


وراحوا إلى جَمْع فباتوا بمشعر الحرام *** وصلوا الفجر تم تقدموا


إلى الجمرة الكبرى يريدون رميها *** لوقت صلاة العيد تم تيمموا


منازلهم للنحر يبغون فضله *** وإحياء نسك من أبيهم يعظم


فلو كان يرضي الله نحر نفوسهم *** لجادوا بها طوعا وللأمر سلموا


كما بذلوا عند الجهاد نحورهم *** لأعدائه حتى جرى منهم الدم


ولكنهم دانوا بوضع رؤوسهم *** وذلك ذلك للعبيد ومِيسم

إلى طواف الإفاضة


ولما تقضّوا ذلك التفث الذي *** عليهم وأوفوا نذرهم ثم تمموا


دعاهم إلى البيت العتيق زيارة *** فيا مرحبا بالزائرين وأكرم


فلله ما أبهى زيارتهم له *** وقد حصلت تلك الجوائز تقسم


ولله أفضال هناك ونعمة *** وبر وإحسان وجود ومرحم

عودة إلى منى


وعادوا إلى تلك المنازل من منى *** ونالوا مناهم عندها وتنعموا


أقاموا بها يوما ويوما وثالثا *** وإذن فيهم بالرحيل وأُعلموا


وراحوا إلى رمي الجمار عشية *** شعارهم التكبير والله معْهم


ولو أبصرت عيناك موقفهم بها *** وقد بسطوا تلك الأكفُ ليرحموا


ينادونه يا ربِ يا ربِ إننا *** عبيدك لا نرجوا سواك وتعلم


وها نحن نرجو منك ما أنت أهله *** فأنت الذي تعطي الجزيل وترحم

إلى طواف الوداع


ولما تقضّوا من منى كل حاجة *** وسالت بهم تلك البطاح تقدموا


إلى الكعبة البيت الحرام عشية *** وطافوا بها سبعا وصلوا وسلموا


ولما دنا التوديع منهم وأيقنوا *** بأن التداني حبله متصرم


ولم يبق إلا وقفة لمودع *** فلله أجفان هناك تسجَّم


فلم تر إلا باهتا متحيرا *** وآخر يبدي شجوه يترنم


رحلت وأشواقي إليكم مقيمة *** ونار الأسى مني تشب وتضرم


أودعكم والشوق يثني أعنتي *** إليكم وقلبي في حماكم مخيم


هنالك لا تثريب يوما على امرئ *** إذا ما بدا منه الذي كان يكتم




لقد اقترب موسم الحج و نسأل الله أن يعيده على الحجاج بخير و نفرح به

أبيات رائعة أختي الكريمة أم همام

ننتظر جديدك بفارغ الصبر

تحياتي الخالصة




شكرا لكي اختي ام همام وجعله الله في ميزان حسناتك
تحياتي




التصنيفات
اسلاميات عامة

احذر السقوط لابن القيم رحمه الله

احذر السقوط
للإمام ابن قيّم الجوزية
رحمه الله

كلما عمل العبد معصية نزل إلى أسفل درجة، ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين، وكلما عمل طاعة ارتفع بها درجة، ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلين.

وقد يجتمع للعبد في أيام حياته الصعود من وجه، والنزول من وجه، وأيهما كان أغلب عليه كان من أهله، فليس من صعد مائة درجة ونزل درجة واحدة، كمن كان بالعكس.

ولكن يعرض هاهنا للنفوس غلط عظيم، وهو أن العبد قد ينزل نزولا بعيدا أبعد مما بين المشرق والمغرب، ومما بين السماء والأرض، فلا يفي صعوده ألف درجة بهذا النزول الواحد، كما في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة الواحدة ، لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أَبْعَدَ مما بين المشرق والمغرب».

فأي صعود يوازن هذه النزلة ؟ والنزول أمر لازم للإنسان، ولكن من الناس من يكون نزوله إلى غفلة، فهذا متى استيقظ من غفلته عاد إلى درجته، أو إلى أرفع منها بحسب يقظته.

ومنهم من يكون نزوله إلى مباح لا ينوي به الاستعانة على الطاعة، فهذا متى رجع إلى الطاعة فقد يعود إلى درجته، وقد لا يصل إليها ، وقد يرتفع عنها، فإنه قد يعود أعلى همة مما كان، وقد يكون أضعف همة ، وقد تعود همته كما كانت.

ومنهم من يكون نزوله إلى معصية، إما صغيرة أو كبيرة، فهذا يحتاج في عوده إلى درجته إلى توبة نصوح، وإنابة صادقة.

واختلف الناس هل يعود بعد التوبة إلى درجته التي كان فيها، بناء على أن التوبة تمحو أثر الذنب، وتجعل وجوده كعدمه فكأنه لم يكن، أو لا يعود، بناء على أن التوبة تأثيرها في إسقاط العقوبة، وأما الدرجة التي فاتته فإنه لا يصل إليها.

قالوا : ومثل ذلك رجلان يرتقيان في سلمين لا نهاية لهما، وهما سواء، فنزل أحدهما إلى أسفل، ولو درجة واحدة، ثم استأنف الصعود، فإن الذي لم ينزل يعلو عليه ولا بد.

وحكم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين الطائفتين حكما مقبولا فقال:

التحقيق أن من التائبين من يعود إلى أرفع من درجته، ومنهم من يعود إلى مثل درجته، ومنهم من لا يصل إلى درجته.

قلت : وهذا بحسب قوة التوبة وكمالها، وما أحدثته المعصية للعبد من الذل والخضوع والإنابة، والحذر والخوف من الله، والبكاء من خشية الله، فقد تقوى هذه الأمور، حتى يعود التائب إلى أرفع من درجته، ويصير بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة، فهذا قد تكون الخطيئة في حقه رحمة، فإنها نفت عنه داء العجب، وخلصته من ثقته بنفسه وإدلاله بأعماله، ووضعت خد ضراعته وذله وانكساره على عتبة باب سيده ومولاه، وعرفته قدره، وأشهدته فقره وضرورته إلى حفظ مولاه له، وإلى عفوه عنه ومغفرته له، وأخرجت من قلبه صولة الطاعة، وكسرت أنفه من أن يشمخ بها أو يتكبر بها، أو يرى نفسه بها خيرا من غيره، وأوقفته بين يدي ربه موقف الخطائين المذنبين، ناكس الرأس بين يدي ربه، مستحيا خائفا منه وجلا، محتقرا لطاعته مستعظما لمعصيته، عرف نفسه بالنقص والذم. وربه متفرد بالكمال والحمد والوفاء كما قيل:

استأثر الله بالوفاء وبالحمد … وولى الملامة الرجلا

فأي نعمة وصلت من الله إليه استكثرها على نفسه ورأى نفسه دونها ولم يرها أهلا، وأي نقمة أو بلية وصلت إليه رأى نفسه أهلا لما هو أكبر منها، ورأى مولاه قد أحسن إليه، إذ لم يعاقبه على قدر جرمه ولا شطره، ولا أدنى جزء منه.

فإن ما يستحقه من العقوبة لا تحمله الجبال الراسيات، فضلا عن هذا العبد الضعيف العاجز، فإن الذنب وإن صغر، فإن مقابلة العظيم الذي لا شيء أعظم منه، الكبير الذي لا شيء أكبر منه، الجليل الذي لا أجل منه ولا أجمل، المنعم بجميع أصناف النعم دقيقها وجلها – من أقبح الأمور وأفظعها وأشنعها، فإن مقابلة العظماء والأجلاء وسادات الناس بمثل ذلك يستقبحه كل أحد مؤمن وكافر. وأرذل الناس وأسقطهم مروءة من قابلهم بالرذائل، فكيف بعظيم السماوات والأرض، وملك السماوات والأرض، وإله أهل السماوات والأرض؟ ولولا أن رحمته سبقت غضبه، ومغفرته سبقت عقوبته، وإلا لتدكدكت الأرض بمن قابله بما لا يليق مقابلته به، ولولا حلمه ومغفرته لزلزلت السماوات والأرض من معاصي العباد، قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [ سورة فاطر:41].

فتأمل ختم هذه الآية باسمين من أسمائه ، وهما : " الحليم ، والغفور " كيف تجد تحت ذلك أنه لولا حلمه عن الجناة ومغفرته للعصاة لما استقرت السماوات والأرض ؟

وقد أخبر سبحانه عن كفر بعض عباده أنه : ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [سورة مريم: 90].

وقد أخرج الله سبحانه الأبوين من الجنة بذنب واحد ارتكباه وخالفا فيه نهيه، ولعن إبليس وطرده وأخرجه من ملكوت السماوات والأرض بذنب واحد ارتكبه وخالف فيه أمره، ونحن معاشر الحمقى كما قيل :

نصل الذنوب إلى الذنوب ونرتجي … درج الجنان لذي النعيم الخالد

ولقد علمنا أخـرج الأبوين من … ملكوتـه الأعلى بذنب واحد

والمقصود أن العبد قد يكون بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأرفع درجة، وقد تضعف الخطيئة همته وتوهن عزمه، وتمرض قلبه، فلا يقوى دواء التوبة على إعادته إلى الصحة الأولى، فلا يعود إلى درجته، وقد يزول المرض بحيث تعود الصحة كما كانت ويعود إلى مثل عمله، فيعود إلى درجته.

هذا كله إذا كان نزوله إلى معصية، فإن كان نزوله إلى أمر يقدح في أصل إيمانه، مثل الشكوك والريب والنفاق، فذاك نزول لا يرجى لصاحبه صعود إلا بتجديد إسلامه.

من كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي