التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

العِيدُ : سُنَنٌ وَ آدَابٌ . للشيخ الفاضل نجيب جلواح

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ العِيدُ : سُنَنٌ وَ آدَابٌ

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبيه الأمين و على آله و أصحابه أجمعين وبعد:
العِيدُ مُنَاسَبَةٌ سَارَّةٌ ، تَجْتَمِعُ فِيهَا القُلُوبُ ، وَ تَنْشَرِحُ لَهَا الصُّدُورُ،وَ تَعُمُّ البَهْجَةُ جمَِيعَ المُسْلِمِيـنَ ، فَيَنْسَوْنَ هُمُومَهُمْ وَ غُمُومَهُمْ .
وَ سُمِّيَ العِيدُ عِيداً لأَنَّ فِيهِ عَوَائِدَ الإِحْسَانِ عَلَى العِبَادِ في كُلِّ عَامٍ ، وَ لأَنَّ العَادَةَ فِيهِ الفَرَحُ وَ السُّـرُورُ ، وَ النَّشَاطُ وَ الحُبُورُ . وَ قِيلَ : سُمِّيَ كَذِلَكَ لِعَوْدِهِ وَ تَكُرُّرِهِ ، لأَنَّهُ يَعُودُ كُلَّ عَامٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ ، أَوْ تَفَاؤُلاً بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ [1] ، وَلمَّا كَانَ العِيدُ بِهَذِهِ الأَهَمِّيَّةِ سَنَّ دِينُنَا لِلْمُسْلِمِينَ عِيدَيْنِ سَنوِيَّيْنِ هُمَا أَفْضَلُ أَعْيَادِ البَرِيَّةِ ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم المَدِينَةَ وَ لَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ : " مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ ؟ " قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : " إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا : يَوْمَ الأَضْحَى ، وَ يَوْمَ الفِطْرِ " [2].

عِيدَانِ عِنْدَ أُولِي النُّهَى لاَ ثَالِثَ *** لَهُمَا لِمَنْ يَبْغِي السَّلاَمَةَ فِي غَدِ
الفِطْرُ وَ الأَضْحَى وَ كُلُّ زِيَادَةٍ *** فِيهِمَا خُـرُوجٌ عَنْ سَبِيلِ محَمَّدِ

وَ لاَ يُشْرَعُالتَّقَرُّبُ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ – فِي العِيدِ- بِإِحْيَاءِ لَيْلَتِهِ ، لِعَدَمِ وُجُودِ مُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ لَهُ، وَ مَا رُوِيَ في فَضْلِ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ [3] .كَمَا يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ العِيدِ لمِاَ ثَبَتَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِه [4] وَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ التَّوْبَةُ [5] وَ قِيلَ :إِنَّ الحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ العِيدَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللهِ لِعِبَادِهِ [6] .


* وَ سَأَعْرِضُ – هُنَا – بَعْضَ السُّنَنِ وَ الآدَابِ التِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا المُسْلِمُ فِي العِيدَيْنِ :

1 – الاِغْتِسَالُ :

يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْعِيدِ لأَنَّ فِيهَ اِجْتِمَاعًا أَعْظَمَ مِنَ الاِجْتِمَاعِ الذِي في الجُمُعَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ في ذَلِكَ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم لَكِنَّهَا لاَ تَصِحُّ ، وَ أَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَابِ غُسْلِ العِيدِ : تِلْكَ الآثَارُ الوَارِدَةُ عَنِ السَّلَفِ رضوان الله عليهم ؛ فَعَنْ زَاذَانَ قَالَ : " سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنِ الغُسْلِ ؟ قَالَ : اِغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ ، فَقَالَ : لاَ ، الغُسْلُ الذِي هُوَ الغُسْلُ ، قَالَ : يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَيَوْمَ الفِطْرِ " [7].

وَعَـنِ نَافِعٍ :" أَنَّ عَبْدَ اللهِ اِبْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى المُصَلَّى" [8].
وَ وَقْتُ الاِغْتِسَالِ لِلْعِيدِ يَكُونُ بَعْدَ الفَجْرِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَحمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ . قَالَ القَاضِي وَ الآمِدِيُّ : إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الفَجْرِ لَمْ يُصِبْ سُنَّةَ الاِغْتِسَالِ؛ لأَنَّهُ غُسْلُ الصَّلاَةِ فِـي اليَوْمِ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ الفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ[9].

2 – التَّزَيُّنُ وَ لُبْسُ الجَمِيلِ :

يُسْتَحَبُّ لُبْسُ أَجْوَدِ الثِّيَابِ لِشُهُودِ العِيدِ ؛ فَعَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كاَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَلْبَسُ يَوْمَ العِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ " [10]. وَ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّزَيُّنُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ مِنَ اللِّبَاسِ ؛ كَالذَّهَبِ وَ الحَرِيرِ وَ ثَـوْبِ الشُّهْرَةِ ، وَ مَا كَانَ مِنْ لِبَاسِ الكُفَّارِ أَوِ النِّسَاءِ ، كَمَا لاَ يَحِلُّ لَهُم التَّزَيُّنُ بِحَلْقِ لِحَاهُمْ [11]. وَ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْـلِ العِلْمِ الاِغْتِسَالَ وَ التَّزَيُّنَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ المُصَلَّى ، لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ اليَوْمِ لاَ مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ، وَالمقْصُودُ في هَذَا اليَوْمِ إِظْهَارُ الزِّينَةِ وَ الجَمَالِ ، فَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لَمَنْ حَضَرَ الصَّلاَةَ وَ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا [12] .كَمَا يُسْتَحَبُّ التَّنَظُّفُ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَ تَقْلِيمِ الأَظَافِـرِ إِلاَّ فِي الأَضْحَى لِمَـنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَالوَاجِبُ عَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى يَذْبَـحَ أُضْحِيَتَهُ ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا [13].
وَ هَـذَا التَّزَيُّنُ وَ لُبْسُ أَجْمَلِ الثِّيَابِ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ ، أَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ يَلْبَسْنَ الثِّيَابَ الجَمِيلَةَ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَ مُتَبَرِّجَاتٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم : " لِيَخْرُجْنَ وَ هُنَّ تَفِلاَتٌ " [14] .

3الأَكْلُ قَبْلَ الخُرُوجِ فِي الفِطْرِ بِخِلاَفِ الأَضْحَى :

فَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ المُسْلِـمُ- يَوْمَ الفِطْرِ- قَبْلَ الغُـدُوِّ إِلى المُصَلَّى ، وَ يُسْتَحَبُّ أنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى تَمْرٍ إنْ وَجَدَهُ ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْـرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ "
وَ قَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه و سلم: " وَ يَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا "[15]. وَ فِي جَعْلِهِنَّ وِتْراً: إِشْعَارٌ بِالوَحْدَانِيَّةِ . وَ يُفْهَمُ مِنَ الحَدِيثِ : أَنَّ التَّمْرَةَ الوَاحِدَةَ لاَ تَحْصُلُ بِهَا السُّنَّةُ ، لأَنَّ ( تَمَرَاتٍ ) : جَمْعٌ ، وَ عَلَى هَذَا ، فَلاَبُدَّ مِنْ ثَلاَثٍ فَأَكْثَرَ [16] .
وَقِيلَ الحِكْمَةُ في الأَكْلِ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ وُجُوبُ الفِطْرِ عَقِبَ وُجُوبِ الصَّـوْمِ اِسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الفِطْرِ مُبَادَرَةً إِلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى ، وَ يُشْعِرُ بِذَلِكَ اِقْتِصَارُهُ عَلَى القَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ ، وَ لَوْ كَانَ لِغَيْرِ الاِمْتِثَالِ لأَكَلَ قَدْرَ الشِّبَعِ [17] .
هَذَا في الفِطْرِ ؛ أَمَّا في الأَضْحَى: فَالسُّنَّةُ أَلاَّ يَأْكُلَ المُضَحِّي حَتَّى يَرْجِعَ ، فَيَأْكُـلَ مِنْ ذَيِيحَتِهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :" كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ ؛ وَ لاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ " وَ في رِوَايَـةٍ : " حَتَّى يُضَحِّيَ " رَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ ، وَ زَادَ أَحْمَدُ : " فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ " [18].
وَ قِيلَ : الحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارُ كَرَامَةِ اللهِ تَعَالَى لِلْعِبَادِ بِشَرْعِيَّةِ نَحْرِ الأَضَاحِي ، فَكَانَ الأَهَمُّ الاِبْتِدَاءَ بِأَكْلِهَا شُكْراً للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنْ شَرْعِيَّةِ النَّسِيكَةِ الجَامِعَـةِ لِخَيِرِ الدُّنْيَا وَ ثَوَابِ الآخِرَةِ . وَ قَدْ خَصَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ اِسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الأَكْلِ فِي عِيدِ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ بِمَنْ لَهُ ذَبْحٌ ، لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم إِذْ أَخَّرَ الفِطْرَ فِي الأَضْحَى إِنّمَا أَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِهِ [19] .

4 – الخُرُوجُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً وَ العَوْدَةُ مَاشِياً :

يُسْتَحَبُّ أنْ يَخْرُجَ المُسْلِمُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً – وَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَ الوَقَارُ -وَ أَنْ يَرْجِعَ كَذِلِكَ ، وَ هُوَ مِنَ التَّوَاضُعِ؛ فَعَنِ اِبْنِ عُمُرَ رضي الله عنه قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَخْرُجُ إِلَى العِيدِ مَاشِياً وَ يَرْجِعُ مَاشِياً " [20].
وَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يُرْكَبَ في العِيدِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ ، أَوْ كَانَ مَكَانُهُ بَعِيداً فَرَكِبَ فَلاَ بَأْسَ . اِسْتَحَبَّ ذَلِكَ مَالِكٌ وَ الثَّوْرِيُّ وَ الشَّافِعِيُّ وَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ .
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ : إِنَّمَا نَحْنُ نَمْشِي وَمَكَانُنَا قَرِيبٌ وَ مَـنْ بَعُدَ عَلَيْهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ . وَ كَانَ الحَسَنُ يَأْتِي العِيدَ رَاكِباً . وَ كَرِهَ النَّخَعِيُّ الرُّكُوبَ فِي العِيدَيْنِ وَ الجُمَعَةِ [21] .

5 – مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ :

يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ فِي العِيدَيْنِ – إِمَاماً كَانَ مَاْمُوماً – أَنْ يَأْخُذَ فِي طَرِيقٍ ، وَ يَرْجِعَ في غَيْرِ الطَّرِيقِ الذِي اِبْتَدَأَ فِيهِ ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ " [22] .

وَ الحِكْمَـةُ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْشَرِ المُسْلِمِينَ – مِنْ هَذَا – : هِيَ مُتَابَعَةُ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم . أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حِكْمَتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ ، فَقِيلَ : لِلْمُرُورِ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فِي الذَّهَابِ ، وَ رُؤْيَةِ مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ ، وَ تَسْلِيمِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، أَوْ لإِظْهَارِ شِعَارِ الإِسْلاَمِ ، أَوْ لِيَغِيظَ المُنَافِقِينَ وَ الكُفَّارَ ، أَوْ لِيَشْهَدَ لَهُ الطِّرِيقَانِ . وَ قِيلَ – وَهُوَ الأَصحُّ – : إِنَّهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَ لِغَيْرِهِ مِنَ الحِكَمِ التي لاَ يَخْلُو فِعْلُهَا عَنْهَا [23] .

6 – الخُرُوجُ إِلَى المُصَلَّى :

يُسْتَحَبُّ الخُرُوجُ إلَى المُصَلَّى فِي العِيدَيْنِ – وَلَوْ اتَّسَعَ المَسْجِدُ لِلنَّاسِ- وَ الخُرُوجُ إِلَيْهِ تَشْرِيعٌ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ ضَيْقِ المَسْجِدِ – كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُـمْ – ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَ الأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى " [24] . وَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِه – مَعَ فَضْلِهِ – صَلاَةَ عِيدٍ قَطُّ ، فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ تُضَاعَفُ [25] وَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِـحٌ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى لِصَلاَةِ العِيدَيْنِ .
وَ قَدْ أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم النِّسَاءَ بِالخُرُوجِ إلَى العِيدَيْنِ ؛ فَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَأْمُرُ بَنَاتِهِ وَ نِسَاءَهُ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ " [26] . وَ لَمْ يَسْتَثْنِ صلى الله عليه و سلم – مِنْ هَذَا الأَمْـرِ – الحُيَّضَ وَرَبَّاتِ الخُدُورِ ؛ فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْـرِ وَ الأَضْحَى العَوَاتِقَ وَ الحُيَّضَ وَ ذَوَاتِ الخُدُورِ ؛ فَأَمَّا الْحُيَّضُ : فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ ، وَ يَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَ دَعْـوَةَ الْمُسْلِمِينَ . قُلْتُ : يَـا رَسُولَ اللَّهِ ! إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ : " لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا " [27] .
فَلَمَّا أَنْ شَرَعَ صلى الله عليه و سلم لَهُنَّ الخُرُوجَ شَرَعَ الصَّلاَةَ فِي البَرَاحِ لإِظْهَارِ شَعِيرَةِ الإِسْلاَمِ . وَ قَدْ حَافَظَ صلى الله عليه و سلم عَلَى أَدَاءِ العِيدَيْنِ فِي المُصَلَّى وَ وَاظَبَ عَلَـى ذَلِكَ ، وَ هُوَ صلى الله عليه و سلم لاَ يُحَافِظُ وَ لاَ يُوَاظِبُ إِلاَّ عَلَى الأَفْضَلِ [28] .
وَ يُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الصِّبْيَانِ – ذُكْرَاناً وَ إِنَاثاً – إِلَى المُصَلَّى ؛ فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ : " سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ : أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَ لَوْ لاَ مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ…" الحَدِيـث [29] . وَ لأَنَّ فِـي إِخْرَاجِهِمْ إِظْهَاراً لِشَعَائِرِ الإِسْلاَمِ ، وَ اكْتِمَالَ الفَرَحِ المَطْلُوبِ فِي هَذَا اليَوْمِ ، وَ لَيْسَ خُرُوجُهُمْ لأَجْلِ الصَّلاَةِ ؛ فَالحُيَّضُ أُمِرْنَ بِالخُرُوجِ مع أنّهُنَّ لاَ يُصَلِّينَ ، وَ اللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَ يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُخَلِّفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي المَسْجِدِ ، الذِينَ يَعْجِزُونَ عَنِ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى ، كَمَا فَعَـلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ؛ فَعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ : " أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ عَلَى النَّاسِ ، فَخَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُصَلَّى قَبْلَ الإِمَامِ " [30] .
وَ مِنْ أَحْكَامِ صَلاَةِ العِيدِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ قَبْلَ حُضُورِ الإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ , وَ لاَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، لأَنَّ مُصَلَّى العِيدِ لاَ يَأْخُذُ حُكْمَ المَسْجِدِ ، فَلاَ تَحِيَّةَ لَهُ . وَ إِنْ أُقِيمَتْ صَلاَةُ العِيدَيْنِ فِي المَسْجِدِ فَتُصَلَّى- حِينَئِذٍ- التَّحِيَّةُ عِنْدَ الدُّخُولِ [31] .
وَ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ إِلَى العِيدِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ إِلاَّ الإِمَامَ فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الصَّلاَةِ ، لِفِعْلِهِ صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ ؛
فَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : " كَانُوا يُصَلُّونَ الصُّبْحَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ ، ثمُ يَغْدُونَ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ " [32] .

7 – التَّكْبِيرُ فِي العِيدَيْنِ وَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ :

يُسْتَحَبُّ لِلْنَّاسِ إِظْهَارُ التَّكْبِيرِ فِي العِيدَيْنِ ، وَاخْتُصَّ الفِطْرُ بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ ، وَ الأَصْلُ فِيهِ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَ لِتُكْمِلُوا العِـدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُـمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ البَقَرَةُ : 85 ] . فَيُكَبِّرُ المُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ فِي هَذَا العِيدِ ، فِي مَسَاجِدِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ وَ طُرُقِهِمْ ، مُسَافِرِينَ كَانُوا أَوْ مُقِيمِينَ – لِظَاهِرِ الآيَةِ- تَعْظِيماً وَشُكْراً للهِ ، الذِي هَدَاهُمْ لِهَذَا الدِّينِ القَوِيمِ ، وَبَلَّغَهُمْ هَذَا الشَّهْرَ ، وَأَكْمَلَ لَهُمْ العِدَّةَ ، وَوَفَّقَهُمْ لأَدَاءِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ ؛ فَعَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم كَانَ يَخْرُجُ مِنَ العِيدَيْنِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ وَ التَّكْبِيرِ" [33] .
وَ التَّكْبِيرُ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هُوَ عَلَى الرِّجَالِ ؛ فَقَدْ ذَكَرَ البُخَارِيُّ عَـنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم– كَانَتْ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَ كُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَـانَ وَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيـزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ [34].
وَأَمَّا صِيغَةُ التَّكْبِيرِ، فَقَدْ ثَبَتَ تَشْفِيعُهُ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ؛ فَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَـنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: " أَنَّـهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَ لِلَّهِ الحَمْدُ ) " [35].
وَ يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ – فِي الفِطْرِ- مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الثَّلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ ، أَوْ رُؤْيَةِ هِلاَلِ شَـوَّالٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَـى : ﴿ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ وَ إِكْمَالُ العِدَّةِ يَكُونُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ العِيدِ . وَ اِنْتِهَـاؤُهُ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ ؛ فَعَنْ نَافِعٍ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الأَضْحَى وَ يَوْمَ الفِطْرِ يَجْهَـرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ المُصَلَّى ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الإِمَامُ " [36] . فَمُنْذُ ثُبُوتِ العِيدِ إِلَى خُرُوجِ الإِمَامِ لِصَلاَةِ العِيدِ وَ وَقْتُ النَّاسِ مَعْمُورٌ بِالتَّكْبِيرِ تَعْظِيماً للهِ وَ شُكْراً وَ حَمْداً .
أَمَا وَقْتُ التَّكْبِيرِ فِي الأَضْحَى : فَمِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى ، وَ هُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. وَ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم حَدِيثٌ، وَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا – كَمَا قَالَ الحَافِظُ – : قَوْلُ عَلِيٍّ وَ اِبْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : [ أَنَّهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى ] [37] .
فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه : " أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ – يَوْمَ عَرَفَةَ – إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَ يُكَبِّرُ بَعْدَ العَصْرِ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ ( 5677 وَ 5678 ) أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ . وَ مِنْ هَذَا الوَجْـهِ رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ ( 6497 ) ثُمَّ رَوَى مِثْلََهُ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ( 6498 ) – وَ سَنَدُهُ صَحِيحٌ – وَ رَوَى الحَاكِمُ عَنْهُ ( 1114 ) وَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ( 1115) مِثْلَهُ [38] .

وَ نُنَبِّهُ – هُنَا – عَلَى أَنَّ أَدَاءَ التَّكْبِيرِ يَكُونُ مِنْ كلِّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ، فَيَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ اِلْتِزَامٍ بِأَحَـدٍ يُكَبِّرُ مَعَهُ . وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الجَمَاعِيُّ فَمُحْدَثٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم وَلاَ مِنْ هَدْيِ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ .

8 – لاَ سُنَّةَ لِلْعِيدِ – قَبْلِيَّةً وَ لاَ بَعْدِيَّةً – فِي المُصَلَّى :

لَمْ يَثْبُتْ لِصَلاَةِ العِيدَيْـنِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَ لاَ بَعْدَهَا ، وَ لَمْ يَكُنِ النَّبيُّ صلى الله عليه و سلم وَ لاَ أَصْحَابُهُ رضوان الله عليهم يُصَلُّونَ شَيْئًا – قَبْلَ الصَّلاَةِ وَ لاَ بَعْدَهَا- إِذَا اِنْتَهَوْا إِلَى المُصَلَّى ؛ فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَ لاَ بَعْدَهُمَا … " الحَدِيث [39].
وَ فِي قَوْله : ( لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَ لاَ بَعْدَهُمَا ) : دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلاَةِ العِيدِ وَلاَ بَعْدَهَـا ؛ لأنَّهُ إذْ لَمْ يَفْعَل صلى الله عليه و سلم ذَلِكَ وَ لاَ أَمَرَ بِهِ ، فَلاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّنَا [40]. وَ مِنْ جِهَـةِ المَعْنَى يُقَالُ : إِنَّهُ لَوِ اِشْتَغَلَ بِالنَّافِلِـةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ لاشْتَغَلَ عَنْ عِبَادَةِ الوَقْتِ وَ هُوَ التَّكْبِيرُ ، وَ يَكُونُ بِذَلِكَ اِنْتَقَلَ مِنَ الفَاضِلِ إِلَى المَفْضُولِ . وَ مِنْ جِهَـةِ أُخْرَى لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلِيَّةٌ : لأَنَّ مَا بَيْنَ اِنْقِضَاءِ صَلاَةِ الفَجْرِ إِلَى حِينِ صَلاَةِ العِيدِ وَقْتٌ تَحْرُمُ فِيهِ النَّافِلَةُ .
غَيْرَ أَنَّهُ لاَ مَانِعَ مِنَ الصَّلاَةِ بَعْدَ العِيدِ – سَوَاءٌ لِلإِمَامِ أَوِ المَأْمُومِ – إِذَا فُعِلَتْ فِي البَيْتِ بَعْدَ الاِنْصِرَافِ مِنَ المُصَلَّى ، وَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لاَ يُصَلِّي قَبْلَ العِيدِ شَيْئًا ؛ فَإِذَا رَجَـعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " [41] . فَيَكُونُ المُرَادُ مِنْ قَوْلِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهالسَّابِقِ : (وَ لاَ بَعْدَهُمَا) أَيْ : فِي الْمُصَلَّى ، وَ هُوَ طَرِيقُ الجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ النَّافِيَةِ وَ المُثْبِتَةِ لِلْتَّنَفُّلِ فِي العِيدِ ؛ قَالَ الحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ :" وَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا ( أَيْ حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه النَّافِي ) وَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّفْيَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصَّلاَةِ فِي الْمُصَلَّى " [42]. وَ قَالَ الأَلْبَانِيُّ نَحْوَهُ [43].

9 – التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ :

تُشْرَعُ التَّهْنِئَةُ فِي العِيدِ بِقَوْلِ : ( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ ). فَقَدْ أَجَازَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهِلِ العِلْمِ ، لِوُرُودِهِ عَنِ السَّلَفِ رضوان الله عليهم ؛ قَالَ الحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ : " وَ رَوَيْنَا فِي " المَحَامِلِيَّاتِ " – بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَال : " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم إِذَا اِلْتَقَوْا – يَوْمَ العِيدِ – يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : ( تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَ مِنْكَ ) " [44] .
وَ قَالَ شَيْـخُ الإِسْلاَمِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ :
" أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ العِيدِ ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ – إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاَةِ العِيدِ – : ( تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَ مِنْكُمْ وَ أَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك ) وَ نَحْوُ ذَلِكَ ؛ فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَـهُ ، وَرَخَّصَ فِيهِ الأَئِمَّـةُ كَأَحْمَدَ وَ غَيْرِهِ" [45].

هَذَا ، وَ أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِـهِ الحُسْنَى وَ صِفَاتِهِ العُلاَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صَلاَتَنَا وَ صِيَامَنَا وَ قِيَامَنَا ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيـبٌ ، وَ بِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ ، وَ الصَّلاَةُ وَ السَّلاَمُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَ عَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَ آخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
_____________


[1] اُنْظُرْ : " لِسَانَ العَرَبِ " لاِبْنِ مَنْظُورٍ ( 3 /315 ) وَ " مَقَايِيسَ اللُّغَةِ " لاِبْنِ فَارِسٍ ( 4 / 183 ) وَ " تَهْذِيبَ اللُّغَةِ " لِلأَزْهَرِيِّ ( 3 / 131 ) .
[2] رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ( 1136 ) وَ أَحْمَدُ ( 13622 ) وَ الحَاكِمُ ( 1091 ) ، اُنْظُرْ " السِّلْسِلَةَ الصَّحِيحَةَ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 2022) .
[3] اُنْظُرْ " السِّلْسِلَةَ الضَّعِيفَةَ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 521 ) وَ " زَادَ المَعَادِ " لاِبْنِ القَيِّمِ ( 1 / 212 ) وَ " فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ " ( الفَتْوَى: 625 ) .
[4] رَوَى البُخَارِيُّ ( 1889 ) وَ مُسْلِمٌ ( 1137 ) عَنْ أَبي عُبَيْدٍ قَالَ : " شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ ، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ ، ثمُ قَالَ :" إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ اليَوْمَيْنِ . أَمَّا يَوْمُ الأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ ، وَ أَمَّا يَوْمُ الفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ " .
[5] اُنْظُرْ " فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ " ( الفَتْوَى : 12961 ) .
[6] اُنْظُرْ " نَيْلَ الأَوْطَارِ " لِلْشَّوْكَانِيِّ ( 4 / 262 ) .
[7] أَخْرجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي " الكُبْرَى " ( 5919 ) و ابْنُ المُنْذِرِ فِي " الأَوْسَطِ " ( 2112 ) – وَ سَنَدُهُ صَحِيحٌ – اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 1 / 175 )
[8] أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّإِ" ( 426) .
[9] اُنْظُرْ " المُغْنِي " لاِبْنِ قُدَامَةَ ( 3 / 258 ) .
[10] أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " المُعْجَمِ الأَوْسَطِ " ( 7609 ) ، وَ هُوَ فِي " السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 1279 ) .
[11] اُنْظُرْ " المُغَنِي " لاِبْنِ قُدَامَةَ ( 2 / 298 – 311 ) وَ " المَجْمُوعَ " لِلْنَّوَوِيِّ ( 4 / 320 – 344) .
[12] اُنْظُرْ " حَاشِيَةَ رَدِّ المُخْتَارِ " لاِبْنِ عَابِدِينَ ( 2 / 268 ) .
[13] رَوَى مُسْلِمٌ ( 5236 ) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : " مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلاَلُ ذِي الحِجَّةِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَ لاَ مِـنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ " .
[14] رَوَاهُ أَحْمَدُ ( 9645 ) وَ أَبُو دَاوُدَ ( 565 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، وَ هُوَ فِي " صَحِيحِ الجَامِع " لِلأَلْبَانِيِّ ( 7457 ) .
[15] أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ( 910 ) .
[16] اُنْظُرْ " الشَّرْحَ المُمْتِعَ " لاِبْنِ عُثَيْمِينَ ( 2 / 295 ) .
[17] اُنْظُرْ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 03/ 374 ) .
[18] أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ( 542 ) وَ ابْنُ مَاجَه ( 1756 ) وَ أَحْمَدُ ( 22984 ) ، وَ الحَدِيثُ فِي " صَحِيحِ الجَامِعِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 4845 ) .
[19] انْظُرْ " مِرْعَاةَ المَفَاتِيحِ شَرْحُ مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ " لِلْمُبَارْكَفُورِيِّ ( 5 / 45 )
[20] أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه ( 295 ) – وَ هُوَ حَسَنٌ – ، اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 636 ) .
[21] اُنْظُرْ " شَرْحَ البُخَارِي " لاِبْنِ بَطَّالٍ ( 04 / 181 ) .
[22] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 943 ) .
[23] اُنْظُرْ " كَشْفَ المُشْكِلِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ " لاِبْنِ الجَوْزِيِّ ( 01 / 718 ) وَ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 03 / 416 ) وَ " زَادَ المَعَـادِ " لاِبْنِ القَيِّمِ ( 1/449 ) وَ " الشَّرْحَ المُمْتِعَ " لاِبْنِ عُثَيْمِينَ " ( 5 / 132 ) .
[24] أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ( 913 ) وَ مُسْلِمٌ ( 889 ) .
[25] أَخْرَجَ البُخَارِيُّ ( 1133 ) وَ مُسْلِمٌ ( 1394 ) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : " صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَـذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِـوَاهُ إلاَّ
المَسْجِدَ الْحَرَامَ " .
[26] رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " المُسْنَدِ " ( 2054 ) ، وَ هُوَ فِي " السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 2115 ) .
[27] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ( 890 ) .
[28] اُنْظُرْ " سُبُلَ السَّلاَمِ " لِلْصَّنْعَانِيِّ ( 02/ 492 ) وَ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 03/ 378 ) وَ " المَدْخَلَ " لاِبْنِ الحَاجِّ ( 02 / 438 ) .
[29] أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ( 934 ) وَ بَوَّبَ لَهُ بِقَوْلِه : [ بَابُ خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى المُصَلَّى ]. قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ – مُعَلِّقاً – " أَيْ : فِي الأَعْيَادِ ، وَ إِنْ لَمْ يُصَلُّوا "
[30] رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( 1561 ) . قَالَ الأَلْبَانِيُّ فِي " صَحِيحِ سُنَنِ النَّسَائِيِّ " ( ) : " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ " .
[31] اُنْظُرْ " حَاشِيَةَ رَدِّ المُخْتَارِ " لاِبْنِ عَابِدِينَ ( 1 / 657 ) وَ " فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ " ( الفَتْوَى : 12515) وَهُوَ مَذْهَبُ البُخَارِيِّ ، اُنْظُرْ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 12 / 130 ) .
[32] اُنْظُرْ " المُصَنَّفَ " لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ ( 3 / 309 ) الحَدِيثَ : ( 5755 ) .
[33] أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الإِيمَانِ " ( 3441 ) – وَ هُوَ حَسَنٌ – ، اُنْظُرْ " صَحِيحَ الجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 4934 ) .
[34] ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ – تَعْلِيقاً – بِصِيغَةِ الجَزْمِ ( 2 / 534 ) .
[35] أَخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ فِي " المُصَنَّفِ " ( 5697 ) – وَ هُوَ صَحِيحٌ – ، اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 3 / 125 ) .
[36] أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( 180 ) – وَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ – ، اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 650 ) .
[37] اُنْظُرْ " فَتْحَ البَارِي " لاِبْنِ حَجَرٍ ( 2 / 536 ) .
[38] اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 3 / 125 ) .
[39] أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ( 989 ) وَ مُسْلِمٌ ( 884 ) – وَ اللَّفْظُ لَهُ – وَ أَبُو دَاوُدَ ( 1159 ) وَ التِّرْمِذِيُّ ( 537 ) وَ أَحْمَدُ ( 3153 ) .
[40] اُنْظُرْ " سُبُلَ السَّلاَمِ " لِلْصَّنْعَانِيِّ ( 02/ 476 ) .
[41] أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه ( 1293 ) – وَ هُوَ حَسَنٌ – ، اُنْظُرْ " إِرْوَاءَ الغَلِيلِ " لِلأَلْبَانِيِّ ( 03 / 100 ) .
[42] " التَّلْخِيصُ الحَبِيرُ " ( 02 / 275 ) .
[43] َالَ الأَلْبَانِيُّ فِي " إِرْوَاءِ الغَلِيلِ " ( 03 / 100 ) : " وَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الحَدِيثِ ( أَيْ : حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه المُثْبِتِ ) وَ بَيْنَ الأَحَادِيثِ المُتَقَدِّمَةِ النَّافِيَةِ
لِلْصَّلاَةِ بَعْدَ العِيدِ : بِأَنَّ النَّفْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الصَّلاَةِ فِي المُصَلَّى ، وَ اللهُ أَعْلَمُ " .
[44] " فَتْحُ البَارِي " ( 2 / 446 ) .
[45] " مَجْمُوعُ الفَتَاوَى " ( 24 / 253 ) .




تميز وإبداع بارك الله فيك

تعليمية




جزاك الله خيرا

موضوع قيم ومفيد جدااااا




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

شَهْرُ شَعْبَانَ: حِكَمٌ وأَحْكَامٌ للشيخ الفاضل نجيب جلواح.

شَهْرُ شَعْبَانَ: حِكَمٌ وأَحْكَامٌ
نجيب جلواح

الحمدُ لله الذي جعلَ لعبادِه مواسمَ يستكثرون فيها مِن القُربات والعملِ الصَّالح، وأَمَدَّ في آجالهم فهم في أبوابِ الخيرِ بين غادٍ ورائِح، ومِن هذه المواسم المباركات، التي على المسلمِ أن يغتنمها لزرع الطَّاعات، والتَّزوُّد بالباقيات الصَّالحات: شهر شعبان.
وفي هذا المقال تذكير بفضل هذا الشّهر، الذي يغفل عنه كثير من النّاس،كما أخبرنا بذلك نبيّنا ـ صلى الله عليه وسم ـ، وهذا لنستعدّ له بالاجتهاد في الطّاعة، اقتداء بنبيّنا وقدوتنا ـ صلى الله عليه وسم ـ، والإكثار فيه من الصّيام؛ إذْ أنَّ «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»(1).

و قبل الشُّروع في المطلوب، أُقدِّم ـ بين يدي الموضوع ـ بذكر ما قيل في معنى هذا الشَّهر:

شعبان: اسم للشَّهر المعروف، الَّذي بين رجب ورمضان، وقيل: سمِّي (شعْبَان): لتشعُّبهم فِيهِ، أَي: تفرُّقهم فِي طلب المِيَاه(2).

وقيل: سمِّي كذلك: لتشعُّب القبائل فيه(3)، أو لتشعُّبهم في الغارات(4).

قال ثعلب: «قال بعضهم: إنَّما سمِّي شعبانُ شعبانَ لأنَّه شَعَبَ، أي: ظهر بين شهريْ رمضان ورجب»(5).

وقال ابن حجر: «وسمِّي شعبان: لتشعُّبهم في طلب المياه، أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى مِن الذي قبله، وقيل فيه غير ذلك»(6).

وقد يقال ـ أيضا ـ: إنَّه سمِّي بذلك لتشعُّب الخير فيه بالنِّسبة للصَّائم، وهذا بناء على ما جاء في حديثٍ: أخرجه الرَّافعي في «تاريخه» عن أنس بن مالك مرفوعًا: «إِنَّمَا سُمِّي شَعْبانَ؛ لأَنَّهُ يَتَشَعَّبُ فِيهِ خَيْرٌ كثِيرٌ لِلصَّائِمِ فِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ الجَنَّةَ»، ولكنَّ هذا الحديث لا يثبت(7).

وقد اخترتُ ـ في هذا المقال ـ بعض الأحاديث الصَّحيحة الواردة في السُّنّة المطهَّرة، في أبواب متنوِّعة، ممَّا له صِلةٌ وعلاقة بشهر شعبان، وجعلتها تحت أبواب مناسبة، كما تَرجم لها أهل الحديث أو قريبا من ذلك، ثمَّ أتبعتها بذكر ما حوته مِن حِكم وأحكام، ممَّا هو مبثوث في شروحات أهل العلم، وهذا على وجه الاختصار والإيجاز، وأسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه وقارئه ﴿يَومَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾ [الشُّعراء].

1 ـ فَضل ليلة النِّصف مِن شعبان:
وروى أحمد (6642) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: «يَطَّلِعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلاَّ لاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ، وَقَاتِلِ نَفْسٍ»(8).
وأخرجه ابن حبّان (5665) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: «يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»(9).
وأخرجه البيهقي في «السُّنن الكبرى» (1426)، والطَّبراني في «المعجم الكبير» (593) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ، فَيَغْفِرُ لِلمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ»(10).
قال الألباني: «وجملة القول أنَّ الحديث بمجموع هذه الطُّرق صحيح بلا ريب، والصِّحَّة تثبت بأقلَّ منها عددا، ما دامت سالمة مِن الضَّعف الشَّديد، كما هو الشَّأن في هذا الحديث، فما نقله الشَّيخ القاسمي ـ رحمه الله تعالى ـ في «إصلاح المساجد» (ص 107) عن أهل التَّعديل والتَّجريح: أنَّه ليس في فضل ليلة النِّصف مِن شعبان حديث صحيح، فليس ممَّا ينبغي الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنَّما أوتي مِن قِبل التَّسرُّع وعدم وسع الجهد لتتبُّع الطُّرق على هذا النَّحو الذي بين يديك، والله تعالى هو الموفِّق»(11).
ويكفي هذه اللَّيلة المباركة فضلا: أنَّ الله تعالى يغفر فيها لجميع خلقه إلاَّ لأهل الحقد والبغضاء والشَّحناء، وفي هذا دعوة إلى العفو عن المسيء والتَّجاوز عن المخطئ، والجزاء من جنس العمل.
والمشاحن: هو المعادي، والشَّحناء: هي العداوة. وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ها هنا: صاحب البدعة، المفارق لجماعة الأمَّة(12).
ولا يفوتني ـ بهذه المناسبة ـ التَّنبيه على أنَّه لم يصحَّ شيء في فضل قيام هذه اللَّيلة، إذْ كلُّ ما ورد في ذلك لا يسلم مِن ضعف، و ممَّا رُوي في هذا الباب: ما أخرجه ابن ماجه (1388) والبيهقي في «شعب الإيمان» (3555) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ، أَلاَ كَذَا، أَلاَ كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»(13).
قال عليٌّ القاري: «واعلم أنَّ المذكور في «اللآلي»: إنَّ مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات في كلِّ ركعة مع طول فضله للدَّيلمي وغيره: موضوع. وفي بعض الرَّسائل، قال عليُّ بن إبراهيم: و ممَّا أُحدث في ليلة النِّصف مِن شعبان: الصَّلاة الألفية، مائة ركعة بالإخلاص عشرا عشرا بالجماعة، واهتمُّوا بها أكثر مِن الجُمَع والأعياد لم يأتِ بها خبر ولا أثر إلاَّ ضعيف أو موضوع، ولا تغترَّ بذكر صاحب «القوت» و«الإحياء» وغيرهما، وكان للعوام بهذه الصَّلاة افتتان عظيم، حتَّى التزم بسببها كثرة الوقيد، وترتَّب عليه مِن الفُسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه، حتَّى خشي الأولياء مِن الخسف، وهربوا فيها إلى البراري»(14).
كما أنبِّه ـ أيضًا ـ على عدم مشروعيَّة تخصيص صوم يوم ليلة النّصف مِن شعبان، لعدم ورود ما يدلُّ عليه، لذا قال المباركفوري: «والحاصل أنَّه ليس في صوم يوم ليلة النِّصف من شعبان حديث مرفوع صحيح أو حسن أو ضعيف خفيف الضّعف، ولا أثر قويّ أو ضعيف»(15).

2 ـ قضاء رمضان في شعبان:
ذكرتْ أمّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنَّ الأمر الذي كان يمنعها وسائر نساء النّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِن تعجيل قضاء رمضان حتى يأتي شعبان: هو الشُّغل من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، و في ذلك أحاديث أذكر منها ما يلي:
1 ـ روى البخاري (1950) ومسلم (1146) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ تَقُولُ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أَوْ بِرَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ».
2 ـ وروى مسلم (1146) عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ أَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ».
3 ـ وروى التّرمذي (783) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا كُنْتُ أَقْضِي مَا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ»(16).
«والمراد مِن الشُّغل: أنَّها كانت مهيِّئة نفسها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مترصِّدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إنْ أراد ذلك، وأمَّا في شعبان فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصومه، فتتفرَّغ عائشة لقضاء صومها… وممَّا يُستفاد مِن هذا الحديث: أنَّ القضاء مُوسَّع، ويصير في شعبان مُضيَّقا، ويؤخذ مِن حرصها على القضاء في شعبان أنَّه لا يجوز تأخير القضاء حتَّى يدخل رمضان، فإنْ دخل فالقضاء واجب ـ أيضًا ـ فلا يسقط»(17).
وتجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى أنَّ بعض العلماء يرى أنَّ الجملة الواردة في هذه الرِّواية الأولى، وهي: «الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم، أَوْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ـ» ليست من قول أمِّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بل مدرجة في الحديث.
قال الألباني: «واعلم أنَّ ابن القيِّم والحافظ وغيرهما قد بيَّنا أنَّ قوله ـ في الحديث ـ: «الشُّغل مِن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أو برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ» مُدرج في الحديث، ليس مِن كلام عائشة، بل مِن كلام أحد رواته، وهو يحيى بن سعيد، ومِن الدَّليل على ذلك قول يحيى في رواية لمسلم: «فظننتُ أنَّ ذلك لمكانها مِن النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ». ولكن هذا لا يخدج فيما ذكرنا؛ لأنَّنا لم نستدلَّ عليه بهذا المدرج، بل بقولها: «فما أستطيع…»، والمدرج إنَّما هو بيان لسبب عدم الاستطاعة، وهذا لا يهمُّنا في الموضوع، ولا أدري كيف خفي هذا على الحافظ حيث قال في ـ خاتمة شرح الحديث ـ: «وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مُطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لأنَّ الزِّيادة كما بيَّناه مدرجة…»؟! فخفي عليه أنَّ عدم استطاعتها هو العذر، فتأمل»(18).

3 ـ شعبان أحبُّ الشُّهور إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنْ يصومه:
روى أبو داود (2431) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أَبِي قَيْسٍ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنْ يَصُومَهُ: شَعْبَانُ، ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»(19).
فإنْ قيل: كيف كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخصُّ شعبان بصيام التَّطوُّع فيه، مع أنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو القائل: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ»(20)؟
إنَّ جماعةً مِن أهل العلم أجابوا عن ذلك بقولهم: إنَّ أفضل الصِّيام ـ بعد شهر رمضان ـ: شعبان؛ لمحافظته ـ صلى الله عليه وسلم ـ على صومه أو صوم أكثره، ولأنَّه يَسبق رمضان، فيكون صيامه كالسُّنن الرَّواتب في الصَّلوات الَّتي تكون قبلها، وعليه يحمل قولُه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ»: على التَّطوُّع المطلق(21).
قال النَّووي: «قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ»: تصريح بأنَّه أفضل الشُّهور للصَّوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِن صوم شعبان دون المحرَّم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعلَّه إنَّما عَلِم فضله في آخر حياته.
– والثَّاني: لعلَّه كان يعرض فيه أعذار مِن سفر أو مرض أو غيرهما»(22).

4 ـ كان رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثرَ صيامًا في شعبان:
يُستحبُّ للمسلم أنْ لا يُخْلي شهرًا مِن صيام، فمتى وجد نشاطًا وقُدرة بادر إلى ذلك، فيفعل ما يقتضيه الحال مِن تجرُّده عن الأشغال، إذْ صوم النَّفل غير مختصٍّ بزمان مُعيَّن دون غيره، بل كلُّ أيَّام السَّنة صالحة له، إلاَّ ما استثناه الشَّرع ونهى عن الصِّيام فيه، نحو: العيد وأيَّام التَّشريق، ولكن له أنْ يخصَّ شعبان بالصَّوم أكثر مِن غيره، لما ورد فيه مِن الفضل(23):
1 ـ روى البخاري (1969) ومسلم (1156) عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا في شَعْبَانَ».
2 ـ وروى البخاري (1970) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ».
3 ـ وروى مسلم (1156) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَتْ: «كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً».
4 ـ وروى التّرمذي (737) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلاَّ قَلِيلا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ»(24).
وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الأحاديث التي ورد في بعضها: أنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ»، وبين الأخرى التي جاء فيها: أنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً» بأنَّ المراد بـ «كُلِّهِ»: غالبه؛ لأنَّ روايات الحديث يُفسِّر بعضها بعضًا خصوصًا وأنَّ المخرَج مُتَّحد، فأطلق الكلَّ على الأكثر(25).
ورُوي عن ابن المبارك أنَّه قال ـ في هذا الحديث ـ: «هو جائز في كلام العرب: إذا صام أكثر الشَّهر أنْ يُقال: صام الشَّهر كلَّه، ويقال: قام فلان ليله أجمع، ولعلَّه تعشَّى واشتغل ببعض أمره».
وحاصله: أنَّ رواية: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً» مُفسِّرة لرواية: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» ومخصِّصة لها، وأنَّ المراد بـ «الكلّ»: الأكثر(26).
وجَمع الطِّيبي بينهما: بأنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصوم شعبان كلَّه في وقت، ويصوم مُعظمه في آخر، لئلاَّ يَتوهَّم النَّاسُ وجوبَ صيامه كلِّه، فيكون كرمضان(27).
وقيل: المراد بقولها: «كلَّه»: أنّه كان يصوم مِن أوَّله تارة، ومِن آخره أخرى، ومِن أثنائه طورا، فلا يُخْلي شيئًا منه مِن صيام، ولا يخصُّ بعضه بصيام دون بعض(28).
وقال الزَّين بن المنيِّر: إمَّا أنْ يحمل قول عائشة على المبالغة، والمراد: الأكثر، وإمَّا أنْ يُجمع بأنَّ قولها الثَّاني مُتأخِّر عن قولها الأوَّل، فأخبرتْ عن أوَّل أمره: أنَّه كان يصوم أكثره، وأخبرتْ ـ ثانيًا ـ عن آخر أمره: أنَّه كان يصومه كلَّه.
وقال الحافظ ابن حجر ـ مُعلِّقا على كلام ابن المُنَيِّر السَّابق ـ: «ولا يخفى تكلُّفه، والأوَّل هو الصَّواب»(29).
ثمّ ساق الحافظ حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ الَّذي أخرجه مسلم (1156) ـ ولفظه: «وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلاً، مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ»، ويؤيِّده ـ أيضًا ـ حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ، المذكور آنفًا، وفيه قولها: «وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا في شَعْبَانَ» [متَّفق عليه].
كما جُمع بينهما ـ أيضا ـ بحمل قولها ـ رضي الله عنها ـ: «كَانَ يَصُومُ شَعبَانَ كُلَّهُ»: على حذف حرف الاستثناء والمستثنى ، أي: إلاَّ قليلاً منه، ويدلُّ عليه رواية عبد الرَّزاق في «مصنَّفه» (7859) بلفظ: «وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صَامَ مِنْ شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ إِلاَّ قَلِيلاً»(30). وأشبه بهذا اللَّفظ رواية مسلم (1156): «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً». وإنْ كان هذا يرجع ـ في المعنى ـ إلى الجمع الأوَّل(31).

5 ـ وَصْل شعبان برمضان:
لقد ورد ـ فيما صحَّ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنَّه كان يَصِل شعبان برمضان، مع أنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، فسنذكر ـ أوَّلا ـ ما يُثبت هذا الأمر، ثمَّ نثنِّي بذكر ما يرفع التَّعارض ويزيل الإشكال:
1 ـ روى أبو داود (2336) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلاَّ شَعْبَانَ، يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»(32).
2 ـ وروى التِّرمذي (736) والنَّسائي (2175) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ»(33).
3 ـ وروى ابن ماجه (1649) عَنْ رَبِيعَةَ بنِ الغَازِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فَقَالَتْ: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ»(34).
أمَّا بالنِّسبة للجمع بين ما ذكرنا سابقا، فقد حمل العلماء النَّهي على مَن لم يكن صام شيئًا من شعبان، حتَّى إذا قرُب رمضان أنشأ صياما، وأمَّا غيره ممَّن كان له عادة مِن صيام أيَّام البيض، أو الاثنين والخميس، أو استدام الصِّيام مِن بداية شعبان: فلا حرج عليه أنْ يصل شعبان برمضان؛ لأنَّه ما أراد بذلك الاحتياط:
قال أبو الوليد الباجي: «إنَّ مَن كان في شعبان: لم يَجُز له أن يتقدَّم صيام رمضان بصيام يوم أو يومين، ومَن استدام الصَّوم مِن أوَّل شعبان: جاز له استدامة ذلك حتَّى يصله برمضان»(35).
وقال الشَّوكاني: «لأنَّ ذلك جائز عند المانعين مِن صوم يوم الشَّكِّ، لما في الحديث الصَّحيح ـ المتَّفق عليه ـ»(36).
ثمَّ أشار إلى الحديث الذي رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ».

6 ـ الحِكمة في إكثاره ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مِن الصِّيام في شعبان:
روى النَّسائي (2357) عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(37).
بيَّن رسولُ الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وجهَ صيامِه شعبانَ: بأنَّ الأعمال تُرفع فيه، وهو يحبُّ أن يُرفع عمله وهو صائم، واختار الصَّوم لفضله، وطلبًا لزيادة رفعة الدَّرجة، لذا كان ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يصوم ـ أيضًا ـ الاثنين والخميس للعلَّة السَّابقة:
لما روى التِّرمذي (747) عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(38).
وفي رواية قال: «إِنَّ الأَعْمَالَ تُرْفَعُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(39).
ولا يُنافي رفعُ الأعمال في هذين اليومين ـ أي: الاثنين والخميس ـ رفعَها في شعبان، لجواز رفع أعمال الأسبوع مُفصّلة، وأعمال العام مُجملة(40).
وقيل ـ أيضا ـ: تُرفع الأعمال في شعبان إلى الملأ الأعلى، ولا ينافي ذلك رفع أعمال اللَّيل بعد صلاة الصُّبح، ورفع أعمال النَّهار بعد صلاة العصر ـ يوميا ـ وكذا رفع الأعمال كلَّ يوم اثنين وخميس ـ أسبوعيا ـ؛ لأنَّ الأوَّل: رفع عامٌّ لجميع ما يقع في السَّنة، والثَّاني: رفع خاصٌّ لكلِّ يوم وليلة، والثَّالث: رفع لجميع ما يقع في الأسبوع، وكان حِكمة تكرير هذا الرَّفع: مزيد من تشريف الطَّائعين، وتقبيح عمل العاصين(41).
وقال السِّندي: «وهو شهر تُرفع الأعمال فيه إلى ربِّ العالمين. قيل: ما معنى هذا مع أنَّه ثبت في «الصَّحيحين»: أنَّ الله تعالى يُرفع إليه عمل اللَّيل قبل عمل النَّهار، وعمل النَّهار قبل عمل اللَّيل؟ قلتُ: يُحتمل أمران:
أحدهما: أنَّ أعمال العباد تُعرض على الله تعالى كلَّ يوم، ثمَّ تُعرض عليه أعمال الجمعة في كلِّ اثنين وخميس، ثمَّ تُعرض عليه أعمال السَّنة في شعبان، فتُعرض عرضًا بعد عرض، ولكلِّ عرض حِكمة، يُطْلع عليها مَن يشاء مِن خلقه، أو يستأثر بها عنده، مع أنّه ـ تعالى ـ لا يخفى عليه مِن أعمالهم خافية.
ثانيهما: أنَّ المراد: أنَّها تُعرض في اليوم تفصيلا، ثمَّ في الجمعة جملة، أو بالعكس»(42).
هذا مِن جهة، ومِن جهة أخرى فإنَّ الحِكمة مِن إكثار النَّبيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مِن الصِّيام في شعبان: هو أنَّ أكثر النَّاس يغفل عنه، وهذا لما اكتنفه شهران عظيمان، وهما الشَّهر الحرام ـ وهو رجب ـ وشهر الصِّيام ـ وهو رمضان ـ فاشتغل النَّاس بهما، وغفلوا عن شعبان، وإنَّما يغْفل النَّاس عَنهُ تقوِّيا بِالفطرِ لرمضان، وكلُّ وَقت يغْفل النَّاس عَنهُ يكون فَاضلا لقلَّة القائمين فيه بِالخدمَةِ، كما هو الأمر بالنِّسبة لقيام اللَّيْل وَأَشْبَاه ذَلِك(43)، لذا قال رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ»(44).

7 ـ صوم سَرَر شعبان:
روى البخاري (1983) ومسلم (1161) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قَالَ لَهُ ـ أَوْ لآخَرَ ـ: «أَصُمْتَ مِنْ سرَرِ شَعْبَانَ؟» قَالَ: لا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ».
لقد سألَ رسولُ الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في هذا الحديث ـ عمرانَ بن حُصين ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ هل صام شيئا مِن سَرَرِ شعبان؟ فلمَّا أجابه بالنَّفي، حثَّه على صيام يومين مِن شوال بعد أنْ يُفطر مِن رمضان. وسَرَر الشَّهر: آخِره، وَسمّي بذلك لاستسرار القمر فيها(45).
وقوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «فَإِذَا أَفطَرتَ» أي: مِن رمضان، كما في رواية مسلم ولفظها: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ» أي: إذا فرغت من صيام رمضان، فصُم يومين بعد العيد عوضًا عن سَرر شعبان، وفي هذا حضٌّ على أنْ لا يمضي على المكلَّف مثل شعبان ولم يَصُم منه شيئا، إذْ لمَّا فات السَّائلَ صومُه: أمره أنْ يُعوِّضه بغيره، وهو دليل على مشروعيَّة قضاء التَّطوُّع. وقال القرطبي: ويظهر لي أنَّه إنَّما أمره بصيام يومين في غيره: للمزيَّة التي يختصُّ بها شعبان، فلا يبعد في أنْ يُقال: إنَّ صومَ يومٍ منه كصوم يومين في غيره، ويشهد له أنَّه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ كان يصوم منه أكثر ممَّا كان يصوم مِن غيره، اغتنامًا لمزيَّة فضيلته»(46).
وفي هذا الحديث إشكال ـ أيضا ـ من حيث إنَّه معارِض لحديث: «لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ»(47).
وقد جَمع بعضُ العلماء بين الأحاديث المبيحة مع حديث النَّهي، بأنْ خصُّوا حديثَ النَّهي بمن يحتاط ـ بزعمه ـ لرمضان؛ لأنَّ صوم رمضان مُُرتبط بالرُّؤية، فلا حاجة إلى التَّكلُّف. وقد استحسن الحافظ ابن حجر هذا الجمع(48).
قال الشَّيخ عبد المحسن العبَّاد: «ويكون ذلك محمولاً على مَن كان له عادة، وهذا حتَّى يتَّفق مع الأحاديث التي فيها النَّهي عن التقدم، ثمَّ ـ أيضًا ـ لو لم يكن هناك هذا؛ فإنَّ الاحتياط هو عدم الصِّيام؛ لأنَّ الأخذ بالنَّهي أولى مِن الأخذ بالرُّخصة والإذن، فالإنسانُ إذا لم يَصُم: أكثر ما في الأمر أنَّه ترك سنَّة ولم يترك واجبًا، فلا يلحقه إثم، ولكنَّه إذا صام ـ وقد جاء النَّهي ـ: فإنَّه يكون مُتعرِّضًا للإثم، فعلى الإنسانِ ألاَّ يَتعرَّض للإثم في سبيل أنْ يفعل شيئًا هو سُنَّة، وقد جاء عن عمَّار ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: «من صام اليوم الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ» يعني: في قوله: «لاَ تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِيَومٍ أَو يَومَينِ»(49).

8 ـ النَّهي عن صيام النِّصف الباقي مِن شعبان:
روى أبو داود (2337) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قَالَ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا».
ورواه التِّرمذي (738) ـ بلفظ ـ: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلاَ تَصُومُوا».
ورواه ابن ماجه (1651) ولفظه: «إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلا صَوْمَ حَتَّى يَجِيءَ رَمَضَانُ».
وقد اختلفتْ آراءُ أهل العلم في حُكم الصِّيام في النِّصف الثَّاني مِن شهر شعبان على أقوال:
الأوَّل: الكراهة؛ لظاهر هذا الحديث. قال الشَّافعي: يُكره التَّطوُّع إذا انتصف شعبان، لقوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا»(50).
وقيل: الحِكمة مِن النَّهي عن صيام النِّصف الثَّاني: ليتقوَّى بذلك على صيام الفرض في شهر رمضان، كما كُره للحاجِّ الصَّوم بعرفة ليتقوَّى بالإفطار على الدُّعاء(51).
واعتُرض على مَن قال: إنَّ النَّهي لأجل التَّقوِّي على صيام رمضان والاستجمام له، بأنَّه أبعد، لأنَّ نصف شعبان إذا أضعف، كان كلُّ شعبان أحرى أنْ يُضعِف، وقد جوَّز بعض العلماء صيام جميع شعبان(52).
الثَّاني: الجواز مُطلقا، لمن رأى ضعف الحديث. قال ابن حجر: «وقال جمهور العلماء: يجوز الصَّوم تطوُّعا بعد النِّصف مِن شعبان، وضعَّفوا الحديث الوارد فيه، وقال أحمد وابن معين: إنَّه مُنكر»(53).
واعتُرض على هذا: بأنَّ الحديث إسناده صحيح على شرط مُسلم، وصحَّحه جمعٌ مِن أهل العلم؛ منهم: التِّرمذي وابن حبَّان، واحتجَّ به ابن حزم، وقوَّاه ابن القيِّم، وصحَّحه الألباني(54).
ومنهم مَن زعم النَّسخ، بحجَّة أنَّ أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ كان يصوم في النِّصف الثَّاني مِن شعبان، فدلَّ ذلك على أنَّ ما رواه منسوخ(55).
ورَدَّ ذلك ابنُ حزم، فقال: «ولا يجوز أنْ يُظنَّ بأبي هريرة مخالفة ما روى عن النَّبيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ والظنُّ أكذب الحديث؛ فمَن ادَّعى ـ هاهنا ـ إجماعًا فقد كذب… ومَن ادَّعى نسخًا في خبر العلاء فقد كذب، وقَفَا ما لا عِلْم له به، وبالله تعالى نتأيَّد»(56).
الثَّالث: جواز صيامه لمن كانت له عادة، أي: وافق ذلك صومًا كان يصومه المرء قبل ذلك، و ليس النَّهي عن الصَّوم ـ في هذا الحديث ـ نهيًا مُطلقًا(57).
ومنهم مَن حمل النَّهي الوارد في هذا الحديث على مَن يُضعفه الصَّوم(58) أو على من لم يَصِله بما قبله، أي: لم يَصُم قبل نصف الشَّهر(59).
قال التِّرمذي: «ومعنى هذا الحديث ـ عند بعض أهل العلم ـ: أنْ يكون الرَّجل مُفطرًا، فإذا بقي مِن شعبان شيء أخذ في الصَّوم لحال شهر رمضان. وقد رُوي عن أبي هريرة عن النَّبيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ما يشبه قولهم، حيث قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «لاَ تَقَدَّمُوا شَهرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَومًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُم» وقد دلَّ في هذا الحديث: أنَّما الكراهيَّة على مَن يتعمَّد الصِّيام لحال رمضان»(60).
وقال ابن القيِّم: «قالوا: وأمَّا ظنُّ مُعارضته بالأحاديث الدَّالة على صيام شعبان، فلا معارضة بينهما، وإنَّ تلك الأحاديث تدلُّ على صوم نِصفه مع ما قبله، وعلى الصَّوم المعتاد في النِّصف الثَّاني. وحديث العلاء يدلُّ على المنع مِن تَعمُّد الصَّوم بعد النِّصف، لا لعادة، ولا مُضافا إلى ما قبله، ويشهد له حديث التَّقدُّم»(61).
وجاء في «مجموع فتاوى ابن باز» (15/385): «أمَّا الحديث الذي فيه النَّهي عن الصَّوم بعد انتصاف شعبان: فهو صحيح، كما قال الأخ العلاَّمة الشَّيخ ناصر الدِّين الألباني، والمراد به: النَّهي عن ابتداء الصَّوم بعد النِّصف، أمَّا مَن صام أكثر الشَّهر، أو الشَّهر كلَّه: فقد أصاب السُّنة، والله وليُّ التَّوفيق».
هذا ما أمكن جمعه بهذه المناسبة، فإن أصبتُ فمِن الله وحده، وله الحمد والمنَّة، وإنْ كانت الأُخرى فمِن نفسي ومِن الشَّيطان، وأسأل الله التَّجاوز والمغفرة، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
……………………. …………………
و اليكم اخواني مراجع المقال سقتها على انفراد.
(1) أخرجه البخاري (2840) ومسلم (1153) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ غير أنَّ رواية مسلم فيها: «بَاعَدَ» عوض: «بَعَّدَ».
(2) انظر: «جمهرة اللُّغة» لابن دريد الأزدي (1 / 344).

(3) انظر: «الزاهر في معاني كلمات النَّاس» لأبي بكر الأنباري (2 /356).

(4) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (1/502).

(5) «تاج العروس من جواهر القاموس» لمرتضى الزَّبيدي (3/142).

(6) «فتح الباري» (4/213).

(7) بل قال عنه الألباني ـ رحمه الله ـ: (موضوع). انظر: «ضعيف الجامع» (2061).

(8) قال الأرنؤوط في «تحقيق المسند»: «حديث صحيح بشواهده».

(9) قال الألباني في «السّلسلة الصحيحة» (1144): «حديث صحيح، رُوي عن جماعة من الصَّحابة مِن طُرق مختلفة، يشدُّ بعضها بعضا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبو بكر الصّدّيق، وعوف بن مالك، وعائشة».

(10) قال الألباني في «السّلسلة الصحيحة» (1144): «حديث صحيح، رُوي عن جماعة من الصَّحابة مِن طُرق مختلفة، يشدُّ بعضها بعضا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبو بكر الصّدّيق، وعوف بن مالك، وعائشة».

(11) «السّلسلة الصّحيحة» (3/138 ـ 139).

(12) انظر: «النّهاية في غريب الحديث و الأثر» لابن الأثير (2/449).

(13) قال الألباني في «السّلسلة الضّعيفة» (5/154): «موضوع السّند».

(14) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (3/976).

(15) «مرعاة المفاتيح» (4/344).

(16) انظر: «إرواء الغليل» للألباني (944).

(17) قاله العيني في «عمدة القاري» (11/55 ـ 56).

(18) «تمام المنّة في التّعليق على فقه السّنة» (ص: 442).

(19) انظر: «صحيح الجامع» للألباني (4628).

(20) أخرجه مسلم (1163) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.

(21) انظر: «عون المعبود» للعظيم آبادي (7/60).

(22) «شرح مسلم» (8/55).

(23) انظر: «شرح مسلم» للنّووي ( 8/37)، و«سبل السّلام» للصّنعاني (1/583).

(24) انظر: «صحيح التّرغيب والتّرهيب» للألباني (1024).

(25) انظر: «شرح الزّرقاني على الموطّأ» (2/290).

(26) انظر: «جامع التّرمذي» (3/105).

(27) انظر: «نيل الأوطار» للشّوكاني ( 4/291).

(28) انظر: «فتح الباري» لابن حجر ( 4/214).

(29) «فتح الباري» ( 4/214).

(30) انظر: «صحيح أبي داود الأم» للألباني (7/194).

(31) انظر: «شرح الزّرقاني على الموطّأ» (2/291).

(32) انظر: «صحيح أبي داود» للألباني (2024).

(33) انظر: «صحيح التّرغيب والتّرهيب» للألباني (1025).

(34) انظر: «صحيح ابن ماجه» للألباني (1648).

(35) «المنتقى» ( 2/206).

(36) «نيل الأوطار» (4/229).

(37) انظر: «صحيح التّرغيب والتّرهيب» للألباني (1022).

(38) انظر: «صحيح التّرغيب والتّرهيب».

(39) انظر: «صحيح الجامع الصّغير» (1583).

(40) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لعليّ القاري (4/1422).

(41) انظر: «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للمباركفوري (4/338).

(42) «حاشية السّندي على سنن النّسائي» (4/203).

(43) انظر: «شرح الزّرقاني على الموطأ» (2 /289) و«كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (4/353).

(44) جزء مِن حديث: أخرجه التّرمذي (2485) وابن ماجه (1334) عن عبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ. وانظر: «السّلسلة الصّحيحة» للألباني (569).

(45) انظر: «شرح مسلم» للنّووي (8/53) و«كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (1/475).

(46) انظر: «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (7/42) و«شرح مسلم» للسّيوطي ( 3/250).

(47) رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ.

(48) انظر: «فتح الباري» (4/129).

(49) «شرح سنن أبي داود» (14/267).

(50) انظر: «عمدة القاري» للعيني (10/273).

(51) انظر: «معالم السّنن» للخطّابي (2/100).

(52) انظر: «عون المعبود» للعظيم آبادي (6/331).

(53) «فتح الباري» (4/129).

(54) انظر: «المحلّى بالآثار» لابن حزم (4/448) حيث قال: «وكلّهم يحتجّ بحديثه، فلا يضرّه غمز ابن معين له» وانظر: «سنن التّرمذي» (3/106) و«حاشية سنن أبي داود» لابن القيّم (6/331) و«صحيح أبي داود الأم» (2025) و«صحيح الجامع الصّغير» كلاهما للألباني (397).

(55) انظر: «عمدة القاري» للعيني (11/85).

(56) «المحلّى بالآثار» (4/448 ـ 449).

(57) انظر: «صحيح ابن خزيمة» (3/282) و«فتح الباري» لابن حجر (4/215) و«نيل الأوطار» للشّوكاني (4/292) و«مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (4/344) للمباركفوري.

(58) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (4/129).

(59) انظر: «مرعاة المفاتيح» للمباركفوري (6/344).

(60) «جامع التّرمذي» (3/106).

(61) «حاشية السّنن» (6/331).




تعليمية




التصنيفات
السنة الثالثة ثانوي تسيير واقتصاد

الى استاذنا الفاضل بن الشيخ

استاذنا القدير بن الشيخ ارجو من سيادتكم المحترمة حل لهذه التطبيقات

وجعلها الله في ميزان حسناتكم


الملفات المرفقة
نوع الملف: doc تمارينات نموذجية.doc‏ (48.0 كيلوبايت, المشاهدات 90)


السلام عليكم
أرجو تعديل المعلومة الموجودة في التطبيق في جدول توزيع الأعباء حين توزيع وظيفة الانتاج مجموع النسبة الموزعة 95 بالمئة.
لا بد من إعادة النظر في المطلوب بالنسبة للتمرين الثالث.
ملاحظة : اعادة كتابة الحل على الحاسوب صعب ويستغرق وقت قدم محاولتك ولك عليا تقويمها.


الملفات المرفقة
نوع الملف: doc تمارينات نموذجية.doc‏ (48.0 كيلوبايت, المشاهدات 90)


التصنيفات
السنة الثالثة ثانوي تسيير واقتصاد

الى استاذي الفاضل استاذ بن شيخ

استاذي الفاضل:

مجموع منتوجات الانشطة العادية – مجموع اعباء الانشطة العادية = النتيجة الصافية للانشطة العادية

ام يساوي النتيجة العادية قبل الضرائب




مجموع منتوجات الأنشطة العادية ــ مجموع أعباء الأنشطة العادية= النتيجة الصافية للأنشطة العادية
أما النتيجة العادية قيل الضرائب = النتيجة العملياتية +النتيجة المالية




النتيجة العادية قيل الضرائب – الضرائب = النتيجة الصافية للأنشطة العادية
مجموع منتوجات الأنشطة العادية ــ مجموع أعباء الأنشطة العادية= النتيجة الصافية للأنشطة العادية




في الكتاب المدرسي الضرائب مدرجة ضمن مجموع الأعباء للأنشطة العادية




التصنيفات
اسلاميات عامة

جهاد الكلمة مقال للشيخ الفاضل دغش العجمي

تعليمية تعليمية

روى الإمام مسلم في صحيحه رقم(78)عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه،وذلك أضعف الإيمان)
وهذ الحديث يشير إلى وجوب كشف شبه دعاة المنكر على إختلاف نحلهم ومللهم ، لأنه من باب إنكار المنكر ، فواجب على العلماء والدعاة عدم السكوت والإنزواء إزاء دعاة الباطل ، بل يجب كشف مخططاتهم وافكارهم الهدامة .
فعلماء الأمة الإسلامية هم نبضها ومتنفسها في تبيان حقيقة اهل الباطل ودعاته من علمانيين وليبراليين ،ومن دعاة البدعة والضلالة من شتى طوائف الإنحراف،بل ومن دعاة الحزبية البغيضة التي تنخر في عظم الأمة وتفتت جماعتها وكيانها ممن يلبسون لباس السنة والدين ويتلفعون بمرطها.
ويجب كشفهم كل على حدة حتى تستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين .
وكما أن غزاة ديننا وعقيدتنا تجمعهم وحدة الهدف، فعلى المعتدى عليهم أن يتحدوا قلباً وقالباً، فكراً وعملاً،وإلا تخاطفتهم الذئاب كل على حدة.
فهم كما قال صلى الله عليه وسلم :(كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسدِ بالسهرِ والحُمى)رواه مسلم رقم 2586 .
لذا وجب الاتحاد، والعمل جميعاً لخدمة هذا الدين،وألا ندفن رؤوسنا في الرمال،كل على ثغره يعمل،ويذب عن الإسلام والسنة من جانبه.
فإن كان الناطق بالباطل شيطان ناطق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.
إنّ من أعظم واجبات العلماء الجهاد بالحجة والبيان لردكيد أهل البدع والبهتان.
والرد على المخالف بابٌ عظيم من ابواب الجهاد في سبيل الله وهو(( جهاد اللسان والكلمة)) حمايةً للدين من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين،وتأويل الجاهلين .
يقول العز بن عبدالسلام الشافعي(ت:661هجري):
(( أوجب الله على العلماء إعزاز الدين وإذلال المبتدعين، فسلاح العالم علمه كما أنّ سلاح الملك سيفه وسنانه، فكما لايجوز للملوك إغماد أسلحتهم عن المُلحدين والمشركين،لايجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائغيين والمبتدعيين . فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديراً أن يحرسه الله تعالى بعينه التي لاتنام ،ويعزه بعزه الذي لايضام . وقد قال بعضهم : من سكت عن الحق شيطان أخرس .فالساكتون عصاة آثمون مندرجون تحت قوله تعالى ((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون )) {شفاء الصدور للشيخ مرعي الكرمي (223_224)}.
وقد عد العلماء الكلام في أهل البدع والزيغ والإنحراف والتحذير منهم من باب النصيحة لعامة المسلمين، وبينوا أن هذا الأمر لايعد من الغيبة المحرمة ، فعن كثير بن زياد قال : أن أهل الأهواء لاحرمة لهم [رواه أبو عمرو الداني في رسالته الرساله الوافيه(268)].
ويندرج تحت هذا الهوى هوى دعاة العلمانية ودعاة البدعة والخرافة ودعاة الإباحية ودعاة الفجور ودعاة الحزبية؟!!
إن ذكرهم والتحذير الناس منهم ومن طرائقهم واجب لايجوز التنازل عنه أو التخلي عنه ، وهي وظيفة شرعية ،من مهام العلماء وطلبة العلم ،لحراسة الملة ، والذب عنها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله((وهذه الأمةـ ولله الحمدـ لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده، وهم لماهداهم الله به يتوافقون في قبول الحق ، ورد الباطل رأيا ورواية من غير تشاعر ولا تؤاطوا)) [مجموع الفتاوى (233/9) ].
إن الرد على أمثال هؤلاء من الجهاد في سبيل الله .
قال الإمام يحيى بن يحيى رحمه الله (توفي 266)
[[ الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله . فقال له محمد بن يحيى الذهلي : الرجل ينفق ماله ويتعب نفسه ، ويجاهد فهذا أفضل منه ؟! قال يحيى : نعم ، بكثير]] رواه الهروي في ذم الكلام رقم 1081 (6/40). ولهذ قال الإمام إبن القيم رحمه الله((ولهذ كان الجهاد نوعين: جهادٌ باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثيرٌ، والثاني :الجهاد بالحجة والبيان ،وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل وهو جهاد الأئمة ،وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته ،وشدة مؤنته ،وكثرة أعدائه، قال الله تعالى ((ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً فلا تُطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيرا))فهذا جهادٌ لهم بالقران وهو أكبرُ الجهادين))[مفتاح دار السعادة :(1/271)].
ويلاحظ في كلام ابن القيم أنه فضّل جهاد الكلمة واللسان على جهاد البدن وهذا الذي عليه أهل العلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:((ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ،فإنّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب بإتفاق المسلمين،حتى قيل لأحمدبن حنبل :الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أويتكلم في أهل البدع ؟فقال:إذا قام وصلى واعتكف فإنماهو لنفسه،وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل)).
فبين أنّ نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله،إذتطهير سبيل ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ،ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين)) مجموع الفتاوى(28/231/232) .
إن نظرة سريعة في آثار السكوت عن الباطل تدفع العاقل إلى موقف مضادله ،فمن ثماره:
1.تعطيل عنصر مهم من حياة أهل الحق والسنة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجاهدةالمبطلين ،والتفريط في حراسة الدين .
2.ارتفاع أهل الباطل والبدع والإباحية .
3.انتشار دعوتهم ،وامتداد رواقها .
4.فشو شبهاتهم ومداخلتها للإعتقاد الحق، وتلعبها بالقلوب.
5.وبالتالي تحريك العقيدة الحقة من مكانها بعد ثباتها ،فيضعف الإعتقاد السليم ،ويضعف سلطانه.
6. ظهور المبطلين في المجامع، وعلى درجات المنابر ،واحتباؤهم على افواه السكك، لمشاغبة المصلحين والتحريش بينهم ،وتحريض العامة عليهم ، وتكميم أفواههم بعصا السلطان ،فيزداد الأمر شدة ، ويزداد المخالف ظهوراً.
7.في السكوت: إسقاط للعقوبات الشرعية على دعاة التلل والتغريب والبدعة.
8.في السكوت: إيالة المسلمين إلى أمة :مستسلمة منهزمة مخدرة.
9.كسر الحاجز النفسي بين والكفار ،فيستمرئ المسلم الباطل والكفر،وتموت الغيرة على حرمات الدين ،ويستعصي غصلاح الدهماء على أيدي العلماء، ويجفلون من نصحهم ويجفونهم.
10.من أنباء سقوط الدول ظهور أهل الأهواء والبدع والفجور فيها . وهذا معلوم باستقراء أحوال الأمم على تطاول الأزمان.)) [ الرد على المخالف :للشيخ بكر أبوزيد(79_82)بإختصار وتصرف]

يتبع تكملة المقال إن شاء الله
وهومنقول من صفحة الإبانه من جريدة
الوطن الكويتيه ليوم الإثنين الموافق
20/7/2009من مولد المسيح عليه السلام.

تعليمية تعليمية




جزاك الله خيرا.




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لشيخنا الفاضل أبي عبد الرحمن الموصلي حفظه

التصنيفات
العقيدة الاسلامية

حديث خلق الله آدم علي صورته – الشيخ الفاضل سالم الطويل حفظه الله

تعليمية تعليمية
حديث خلق الله آدم علي صورته – الشيخ الفاضل سالم الطويل حفظه الله


من درر الشيخ الفاضل سالم الطويل يحفظه الله يشرح فيها حديث أن الله خلق آدم علي صورته وأليكم الرابط حفظكم المولي

من هنا

للامانة الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




تعليمية




باركـ الله فيكـ و جزاكـ خيرا على النقل الطيب




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

من ضحك الشيطان على الصوفية :: للشيخ الفاضل محمد بن عبد الوهاب العقيل

تعليمية تعليمية

من ضحك الشيطان على الصوفية :: للشيخ الفاضل محمد بن عبد الوهاب العقيل



بسم الله الرحمن الرحيم


استدل الصوفية على باطلهم في ابتداع الأذكار ومنها الذكر بلفظ الجلالة [ الله ، الله ] بحديث الذي رواه مسلم في صحيحه


(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ ))


فأجاب عن هذا الشيخ الفاضل محمد بن عبد الوهاب العقيل بالقول :

استمع للجواب عبر المرفقات


التحميل:


الملفات المرفقة تعليمية ضحك الشيطان على الصوفية م.mp3‏ (2.89 ميجابايت)

منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




جزاكِ الله خيرا و بارك فيكِ أخيتي أم ليلى




السلام عليكم و رحمة الله و بركآآته
بارك الله فيك و جزاك خيرا




شكرا على الموضوع وجزاك الله خيرا




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[كتاب مصور] قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر تأليف الفاضل العلامة الشريف النواب محمد صديق

تعليمية تعليمية
[كتاب مصور] قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر تأليف الفاضل العلامة الشريف النواب محمد صديق حسن خان القنوجي



تعليمية

قطف الثمر
في عقيدة أهل الأثر

تأليف
الفاضل العلامة الشريف النواب
محمد صديق حسن خان القنوجي
حققه وعلق وخرج احاديثه وقدم له
د. عاصم بن عبد الله القريوتي
عالم الكتب بيروت
الطبعة الاولى 144 هـ

رابط التحميل :
http://www.archive.org/download/tama…ar_kinawji.pdf

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية