التصنيفات
الفقه واصوله

المرأة وتعلم الطب

المرأة وتعلم الطب

هل خروج المرأة لتعلم الطب إذا كان واجبا أو جائزا إذا كانت سترتكب في سبيله هذه الأشياء مهما حاولت تلافيها؟ أ- الاختلاط مع الرجال: 1- في الكلام مع المريض – معلم الطب. 2- في المواصلات العامة. ب- السفر من بلد مثل السودان إلى مصر ، ولو كانت تسافر بطائرة، أي لمدة ساعات وليست لمدة ثلاثة أيام. ج- هل يجوز لها الإقامة بمفردها بدون محرم؛ من أجل (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 179) تعلم الطب، وإذا كانت إقامة في وسط جماعة من النساء مع الظروف السابقة.

————————–

ج3: أولا: إذا كان خروجها لتعلم الطب ينشأ عنه اختلاطها بالرجال في التعليم أو في ركوب المواصلات اختلاطا تحدث منه فتنة؛ فلا يجوز لها ذلك؛ لأن حفظها لعرضها فرض عين وتعلمها الطب فرض كفاية، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية، وأما مجرد الكلام مع المريض أو معلم الطب فليس بمحرم، وإنما المحرم أن تخضع بالقول لمن تخاطبه، وتلين له الكلام؛ فيطمع فيها من في قلبه مرض الفسوق والنفاق، وليس هذا خاصا بتعلم الطب. ثانيا: إذا كان معها محرم في سفرها لتعلم الطب، أو لتعليمه، أو لعلاج مريض جاز. وإذا لم يكن معها في سفرها لذلك زوج أو محرم كان حراما، ولو كان السفر بالطائرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري مواقيت الصلاة (576) ، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2537) ، سنن الترمذي الفتن (2251) ، سنن أبو داود الملاحم (434تعليمية ، مسند أحمد بن حنبل (2/8تعليمية.( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم )متفق على صحته، ولما تقدم من إيثار مصلحة المحافظة على الأعراض على مصلحة تعلم الطب أو تعليمه….إلخ. ثالثا: إذا كانت إقامتها بدون محرم مع جماعة مأمونة من النساء، من أجل تعلم الطب أو تعليمه، أو مباشرة علاج النساء جاز، وإن خشيت الفتنة من عدم وجود زوج أو محرم معها في غربتها لم يجز (الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 180) وإن كانت تباشر علاج رجال لم يجز إلا لضرورة مع عدم الخلوة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس / عبد العزيز بن عبد الله بن باز




التصنيفات
الفقه واصوله

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئا ت أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" [الحج: 1-2]، وقال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" [لقمان: 33]،وقال الله تعالى: +وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" [البقرة: 281]، وقال الله تعالى: +وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليكم رَقِيباً" [النساء: 1]، وقال الله تعالى: +وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [الأنفال: 25] .
عباد الله، لا تغرنَّكم الحياة الدنيا فما أسرع زوالها، ولا يغرنَّكم زهرتها ونعيمها فما أقرب تلفها، +وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" [لقمان:33] .
لا تغرنَّكم الأموال وكثرتها ولا يغرنَّكم رغد العيش ونضارة الدنيا وزهرتها، لا يغرنَّكم ما أنعم الله به عليكم من العافية والأمان ولا يغرنَّكم إمهال الله لكم مع تقصيركم في الواجب وكثرة العصيان .
أيها المسلمون، إن اغتراركم واللهِ بهذا من الأماني الباطلة والآمال الكاذبة، إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
عباد الله، انظروا إلى مَنْ حولكم من الأمم والقرى، انظروا إليهم فقد انتشرت المعاصي في مجتمع الأمة الإسلامية وأصبح ما كان منكراً بالأمس معروفاً باليوم، من هؤلاء مَنْ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، تعاملوا بالربا ومنعوا الزكاة، تعاملوا بالربا صراحة أو بالربا خيانة وخديعة، قال تعالى: +يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" [البقرة: 9] .
منعوا الزكاة تعللاً واتباعاً لرخص بعض العلماء ولم يروا أن الحق ما قام عليه الدليل وأنه لا يجوز لأحد أن يتَّبع رخص العلماء؛ فإن مَن تتبع الرخص فقد قال بعض العلماء: مَن تتبع الرخص فقد تزندق، ابتعدوا عن الحياء وانتهكوا الحرمات وصاروا كالبهائم: يطلبون متاع الدنيا وإن أضاعوا الدين، صدوا عن سبيل الله واتبعوا سبلَ الكافرين، زُيِّن لهم سوء أعمالهم فظنوا ذلك تحرراً وتقدماً وتطوراً وما علموا أن ذلك هو الرق تحت قيود الهوى والتأخر عن طريق السلف الصالح إلى الوراء والتدهور إلى الهاوية والردى .
قال ابن القيم في مثل هؤلاء:

هربوا من الرِّق الذي خُلقوا له
فبُلُوا برقِّ النفس والشيطانِ

هكذا كثير من الناس في بعض البلاد الإسلامية وإننا نخشى أن يصيب بلادنا المحافظة التي أكثر أهلها – ولله الحمد – يريدون الحق ويعملون به، أخشى أن ينتشر هذا الوباء إلى بلادنا فنهلك أو نكاد نهلك .
أيها المسلمون المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، إن أسباب هذا التدهور ترجع إلى أمرين، أحدهما: ضعف الدين في النفوس وقوة الداعي إلى الباطل، والثاني: ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداهنة في دين الله – عزَّ وجل – وأن حماية الدين الإسلامي لا تكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر: بما أمر الله به ورسوله، والنهي: عما نهى الله عنه ورسوله لقصد النصيحة لله ولعباد الله .
أيها المسلمون، أيها الإخوة، إننا إذا لم نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر فإنه يوشك أن نضيع كما ضاع غيرنا؛ ولهذا قال الله عزَّ وجل: +وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران: 104]، أسأل الله – تعالى – في هذا المقام أن يجعلني وإياكم من هذه الأمة، اللهم اجعلنا من الأمة الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويفلحون في الدنيا والآخرة .
أتلو بقية الآية، قال الله عزَّ وجل: +وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران: 105] .
نعم، إذا لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر تفرقنا ولابدَّ؛ لأن كل واحد يركب رأسه ويفعل ما شاء وما تمليه عليه نفسه وهواه وحينئذٍ يحصل التفرق بين الأمة الإسلامية .
أيها المسلمون، إنكم تقرؤون قول الله – عزَّ وجل – يخاطب هذه الأمة: +كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه" [آل عمران: 110]، ونحن إن قمنا بهذه الأوصاف الثلاثة: الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدَق علينا أننا خير أمة أخرجت للناس وإن تركنا ذلك لم نكن هكذا بل ربما نكون من شرار الأمم؛ لأنه لا نسبَ بين الله وبين العباد ولكن مَن اتقى الله فهو الكريم عنده، فأكرم الناس عند الله أتقاكم .
أيها الإخوة، إن بعض الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخصوص بمن عينتهم الدولة لذلك ولكن هذا ظنٌّ خاطئ؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس، إنه واجب على الناس جميعاً، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مَن رأى منكم منكراً، و«مَن»هذه شرطية وهي من صيغ العموم فهي عامة لكل مَن رأى المنكر يجب عليه أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، يغيِّره بيده إن كان ذلك موكولاً إليه من قِبل الولي: من قبل ولاة الأمر وإلا فلينتقل إلى المرتبة الثانية فليغير بلسانه: بالكلام: بالنصح والإرشاد فإن لم يمكن ذلك ففي قلبه: ينكر المنكر ويبغضه ويتبرأ منه ومن فاعله ولكنه لا يتبرأ من فاعل المنكر براءة مطلقة؛ لأن فاعل المنكر المؤمن فيه جانب خير وفيه جانب شر فيتبرأ منه من جانب الشر ويواليه من جانب الخير، وإذا لم ينفع مع الإنسان الآتي للمنكر: إذا لم ينفع معه الكلام فإنه يمكن بل يجب عليه أن يرفع ذلك إلى المسؤولين الذين يتولون تأديب هذا الفاعل وهو إذا رفعه إليهم برأت ذمته وسلم من الإثم، وعلى هؤلاء المسؤولين إذا بلغهم عن فاعل منكر أنه مُصِرٌّ عليه، عليهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح وأن يجتمعوا على ذلك لينالوا الفوز والفلاح .
إن عليهم، أي: على المسؤولين أن يتركوا الدعة والسكون وأن يقوموا لله – تعالى – مخلصين له الدين وسوف تكون العاقبة لهم، قال تعالى: +إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" [هود: 49] .
أيها المسلمون، إن الأمة لا يمكن أن تكون أمة قوية مرموقة حتى تتحد في أهدافها وأعمالها ولن يمكنها ذلك حتى تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون على دينٍ واحد في العقيدة وفي القول وفي العمل صراطاً مستقيماً: صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، أما إذا لم تقم بذلك فإنها تتفكك وتنفصم عراها: يكون لكل واحد هدف ولكل واحد طريق وعمل، يتفرقون أحزاباً: كل حزب بما لديهم فرحون وحينئذٍ يصدق عليهم قول الله عزَّ وجل: +إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [الأنعام: 159] .
أيها المسلمون، أنتم أمة واحدة، إذا لم تقوموا بأمر الله وتسعوا في إصلاح مجتمعكم بالالتزام بدين الله فمَن الذي يقوم ويسعى بذلك ؟ إذا لم تتكاتفوا على منع الشر والفساد فكلكم هالك .
فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعزيراً فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه أو يأكل معه فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داوود وعيسى بن مريم»+ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" [المائدة: 78]، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «والذي نفس محمد بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرونه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم» .

و لما فتح المسلمون جزيرة قبرص فرق أهلها وبكى بعضهم إلى بعض فرأوا أبا الدرداء – رضي الله عنه – يبكي فقيل له: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال: ويحك، ما أهون الخلق على الله، ما أهون الخلق على الله، ما أهون الخلق على الله إذا هم أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى .
أيها المسلمون، إن من المؤسف المروع أن نرى مجتمع الأمة الإسلامية هكذا: شعوباً متفككة لا يغارون لديننا ولا يخافون من وبال إلا أن يشاء الله .
إن من المؤسف ألا يتفقد الرجل أهله وولده ولا ينظر في جيرانه بل تراه يرى المعاصي فيهم لا ينهاهم عنها ويرى التقصير في الواجب فلا يتداركه وهذا – أيها المسلمون – هذا من غرور الشيطان، يقول لك: إذا هممتَ أن تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر يقول لك: إن هذا لا يفيد، إنه سوف يُصِرُّ على ما هو عليه من ترك المعروف وانتهاك المنكر، هكذا يقول لك الشيطان يخذلك ولكن هذا بلا شك من غرور الشيطان، مُر بالمعروف وانهَ عن المنكر فربما كلمة صارت بمنزلة الصاعقة تفرق أهل الشر .
استمع إلى قول موسى – عليه الصلاة والسلام – لما اجتمع إليه السحرة حين قال لهم: «ويلكم، لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابه وقد خاب مَن افترى» فماذا كان من هذا الجمع العظيم الذي يرى أن العزة له قال الله تعالى: +فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ" [طه: 62]، وتفرقوا واختلفوا وحينئذٍ صارت الغلبة لموسى عليه الصلاة والسلام .
أيها الإخوة، إن الواجب علينا أن نكون أمة واحدة يصلح بعضنا بعضاً؛ حتى لا نهلك لاسيما مع كثرة النعم والانغماس في الترف، يقول الله تبارك وتعالى: +وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" [الإسراء: 16]، +أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا"أي: أمرناهم أمراً كونيًّا قدريًّا أن يفسقوا فيفسقوا فيها فحينئذٍ حق عليها القول فدمرناها تدميراً، وقال تعالى: +فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" [الأنعام: 44]، اللهم إنا نسألك أن تلهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا وهيئ لنا الخير واجمع كلمتنا على الحق وأبرم لأمتنا أمراً يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن ولاه، وسلَّم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فيا عباد الله، استمعوا إلى قول الله تبارك وتعالى: +كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف: 31]، ونحن الآن – ولله الحمد – قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة وافرة فعلينا أن نمتثل أمر الله – تعالى – بالتنعم بما أنعم الله به علينا: نأكل ونشرب ولكن لا نسرف، والإسراف: مجاوزة الحد؛ فإن الله لا يحب المسرفين، وأنتم تعلمون ما أنعم الله به علينا من الكهرباء التي فيها إضاءة بيوتنا وفيها تبريد غرفنا وحجرنا وفيها مصالح كثيرة لا تعدُّ ولا تحصى، و ما أنعم الله به علينا من الماء الذي هو مادة الحياة والتي لا يمكن أن يحيا الإنسان إلا به، هاتان النعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، كثير من الناس يسرف فيهما فتجده يضيء أنواراً كثيرة لا داعي لها: يجعل على حائط البيت وسورِهِ يجعل عليه لمبات كثيرة لا داعي لها؛ فالطريق مضاء لا يحتاج إلى إضاءتها والبيت لا ينتفع بها ولا يحتاجها وهذا من الإسراف بلا شك وفيه أيضاً ضرر على العموم؛ لأن هذه المولدات للكهرباء إذا تحملت كثيراً فربما لا تطيق ذلك وحينئذٍ يخسرها الشعب، وتجد بعض الناس يوَلِّع المكيفات بكثرة وافرة بل ربما يوَلِّعها وهو لا يحتاج إليها حتى سمعت أن بعض الموظفين يوَلِّع المكيف بعد انتهاء الدوام إلى أن يأتي الدوام من الغد وهذا مع كونه إسرافاً ففيه جناية على الدولة؛ لأن الدولة لا تسمح أن يضيع هذا هكذا بدون فائدة، أما في الماء فحدِّث ولا حرج؛ فإن من الناس مَن يغسل سطوح البيت ويغسل أحواش البيت في الأسبوع مرتين وربما أكثر مع أنه لا داعي لذلك وهذا يضر الآخرين لا سيما في شدة القيظ؛ فإن الناس يحتاجون إلى الماء، يحتاجون إلى الماء بكثرة؛ ولذلك ارحم إخوانك واقتصر في صرف الماء، اقتصر على ما تدعو الحاجة إليه فقط، ثم إن بعض الناس لما كان لا يأتي كل يوم صار يفتح البزابيز في الوقت الذي لا يأتي فيه الماء ثم يتركها فإذا جاء الماء فإذا هي مفتوحة فيضيع هكذا؛ ولذلك نحن نقول لإخواننا: إذا فتح الإنسان بزبوز الماء ثم وجده لا يأتي منه الماء فليغلقه؛ لأنه ربما يأتي الماء في حال غفلته: في حال خروجه من البيت أو منامه أو غير ذلك فإذا لم يجد الماء يعبر من هذا البزبوز فإنه يغلقه حتى إذا جاء الماء لم يضع هدراً .
أيها الإخوة، هذه مسائل قد يؤسفني أن أتكلم بها من على هذا المنبر؛ لأنها أمر لا تحتاج إلى تذكير ولكن +ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" [الذاريات: 55] .
كل إنسان عنده قلب، كل إنسان عنده غَيره على إخوانه وبلده، يعرف أن مثل هذه الأمور ضياع وفساد، أسأل الله – تعالى- أن يوقظ قلوبنا لما فيه منفعتنا ومصلحتنا ومصلحة أمتنا .
أيها الإخوة، اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثتها، وكل محدثة – يعني: في الدين – بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار .
أيها الإخوة، أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد – صلى الله عليه وسلم – امتثالاً لأمر الله ووفاءً بحق رسول الله وابتغاءً لثواب الله عزَّ وجل؛ فإن مَن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم مَن أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره، وشتِّت شمله، وفرِّق جمعه، واهزم جنده، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

خطبة جمعة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين




التصنيفات
الفقه واصوله

حكم الدردشة على النت / حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبو

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة

حكم الدردشه

س: أنا لي موقع على الإنترنت وفيه دردشه كتابيه ومنتديات ويتم فيها التعارف بين الجنسين وتبادل الأغاني والشعر الغزلي وخلافه , فما حكم ذلك .

الجواب
نسأل الله أن يرفع عن أمة الإسلام كل سوء ومكروه وأن يهدي شبابنا إلى ما يحبه ويرضاه ، فما أسهل أبواب الشر وما أخطرها وخصوصاً أن الشيطان أقسم بالأيمان المغلظة أن تكون دعوته ومنهجه إضلال الأمة وإغوائها كما قال تعالى : (( وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً )).
فيا سبحان الله كيف أغواهم مدعياً أنه المرشد المشفق المحب الذي يرجو لهم الحياة السعيدة حتى أوردهم النار وحينها لا ينفع الندم ولا الحسرة ولا التمني وفوق ذلك كله يتبرأ الشيطان من أتباعه وحزبه يوم القيامة كما قال جل وعلا : (( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )).

فعلى السائل أن يحمد الله ويشكره أن وجد من يذكره بالله وينصحه ويبين له خطر ما هو عليه ، فإن هذه الأعمال المذكورة آنفاً من منتديات للأغاني والشعر الغزلي والتعارف بين الجنسين أمور محرمة وخطيرة والدال عليها آثم وأثمه عظيم وجرمه كبير وعاقبته لا تحمد إلا أن يتوب ويستغفر وينكر كل ما حصل منه فما بالك وأنت الذي تعملها وتؤسسها وتدعو إلى ترويجها لا شك أن هذا أعظم .

وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )).

فهذه أعمال منكرة فكل شخص يزاولها كان لصانعها من ذلك إثم كبير فما بالك لو زاولها في اليوم خمسون شخصاً يهرجون في الحب والغرام وتضليل الأمة فكم وكم يلحق من الإثم على من أرشدهم وهيئ لهم السبل الموصلة إلى هذه المنكرات العظيمة نسأل الله العافية والسلامة .

فننصح السائل بالتوبة إلى الله وإغلاق مثل هذه المنتديات وعدم عملها إلا أن تكون إسلامية تخدم الإسلام والمسلمين فإنه لا يدري كم يعيش ومتى أجله فموتة على طاعة الله خير من موتة على معصيته .

ولا تكون التوبة صادقة حتى تستوفي شروطها :
وأولها : الندم لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( الندم توبة ))ـ والحديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجه وغيرهما .
ثانيها : الإقلاع عن المعاصي وإنكارها .
أما وجوب ترك المعاصي والإقلاع عنها فعملا بوصية الله جلا وعلا حيث قال : (( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )).
ولا شك أن منتديات كهذه تدعو إلى الفواحش وأعمال الفسق والمجون فلا توبة لصانعها وداعيها إلا بالإقلاع عنها وتركها أو إبدالها بما هو خير له ولأمته .
وأما وجوب إنكارها فلكونها من المنكر الذي حرمه الشرع وأمرنا أن ننكره لقوله عليه الصلاة والسلام : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )).
ثالثها : أن يعزم على ألا يعود إليها مع ملازمة الإستغفار، ويكون العزم في القلب ويظهر أثره على الجوارح فإن انعدام العزم يفضي إلى العودة السيئة التي تنافي التوبة النصوح قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) .
والعازم الصدوق موفق متى ما صدق مع الله وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى .
فقالت : (( يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها .
فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل .
فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها .
فقال له عمر تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت .
فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم )) وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة )).

وأمثلة كثيرة تبين العاقبة الحسنة للتائبين الصادقين فما أحوج المسلمين اليوم للتوبة النصوح .
كما نوصي السائل بتقوى الله والحذر من الغفلة والتي من علاماتها :
1- هجر تلاوة القرآن والعمل به قال تعالى (( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً )).
2- الإنشغال بزخارف الدنيا وملذاتها وهذه علامة عليها أكثر الخلق إلا من رحم الله وصاحب هذه الخصلة على خطر عظيم وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون . فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )).
3- مجالسة أهل السوء ولا يجالسهم إلا غافل عن طاعة ربه لأن السيئ لا يزيد رفيقه إلا غفلة ، وففي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة )).
4- البعد عن ذكر الله ومن ذلك عدم المحافظة على الصلوات في المساجد في جماعة قال تعالى : (( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )). وقال جل ذكره : (( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )).
5- قلة تذكر الموت وعدم زيارة المقابر ففي زيارتها دحض للغفلة وفي صحيح مسلم عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها )). وفي رواية (( فإنها : تذكركم الآخرة )).

فهذه علامات الشخص الغافل وللغفلة في الشخص آثار كثيرة منها :
1. ضنك العيش مع توفر المال أو الجاه أو السلطان لبعده طاعة ربه وإعراضه عن كثير من أحكام الشرع . قال تعالى : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )).
2. كثرة التضجر وضيق الصدر لبعده عن الأذكار والأوراد الشرعية قال : (( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )).
3. قلة النور في الوجه لأن نور الوجه دليل التيقظ والإنتباه وغيابه علامة الغفلة قال تعالى : (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) .
4. عدم اتزانه في الأمور المختلفة فتجده مع الريح إن هبت إنجرف معها فلا يهنأ له بال ولا يستقيم له حال كما قال تعالى ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ )).
5. عدم مبالاته بالمعاصي من خلال مجاهرته ، فمن جاهر بالمعاصي فذاك دليل غفلته . وفي الصحيحين أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) .
ثم قال : (( وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه )).

نسأل الله أن يبعد عنا سبيل الغاوين وأن يصلح العباد إنه جواد كريم وبالله التوفيق




نسأل الله أن يبعد عنا سبيل الغاوين وأن يصلح العباد إنه جواد كريم
بارك الله فيك وجزاك خيرا




التصنيفات
الفقه واصوله

قاعدة الموازنات بين المحاسن والمساوئ

الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمد علي فركوس -حفظه الله-

.ACICollapsed { DISPLAY: none}.ACECollapsed { DISPLAY: none} div.MsoNormal {mso-style-parent:""; margin-bottom:.0001pt; text-align:right; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:12.0pt; font-family:"Times New Roman"; margin-left:0cm; margin-right:0cm; margin-top:0cm}span.acicollapsed 1 {display:none; }span.acicollapsed {}a:link {color:blue; text-decoration:none; text-underline:none; text-decoration:none; text-line-through:none}span.MsoComm entReference {} table.MsoNormalTable {mso-style-parent:""; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; }

تعليمية
تعليمية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففي باب نقد الرِّجال وتقويمهم فإنَّ في مسألة الموزانة بين المحاسن والمساوئ أو في تعرُّض المنتقِد لذِكر محاسنهم دون مساوئهم أو بالعكس في تبيانه لمساوئهم وأخطائهم وغضِّ الطرف عن محاسنهم تفصيلاً يظهر في التفريق بين حالة النقد والردِّ والتحذير من شخصٍ استقرَّت بدعته ودعا إليها، وبُيِّن له خطؤه الذي علق به، واستمرَّ عليه بعد قيام الحُجَّة، بل نافح عليه ودافع واغترَّ الناس به، وبين ما إذا كان للتعريف به كشخصية إسلامية، وبيان واقعه، وتقويم كتبه ومؤلَّفاته.
فإن كان المجال مُهيّئًا لنقد المساوئ والأخطاء التي هو عليها من باب الردِّ والتقويم حذرًا من الوقوع فيها، ونصيحةً للناس من خطرها، والميل إلى أصحابها، فإنَّ هذا المقام لا يستدعي التعرُّض للحسنات؛ لأنَّ الغاية من وراء الردِّ تحذير الأُمَّة من أنواع الأباطيل، ومختلف التضليل، لئلاَّ يغترَّ بهم الناس، وذكر حسناتهم في هذا المجال يُضعف قيمةَ الردِّ، ويُهوِّن من خطر باطلهم، ويستدلُّ لذلك بقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ!» وفي رواية: «بِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_1')” target=”_blank” rel=”nofollow”>١- أخرجه مالك في «الموطّأ»: (4/96) في حسن الخلق، وأحمد: (6/38)، والبخاري: (10/452) في الأدب، باب لم يكن النبيّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فاحشًا ولا متفحِّشًا، ومسلم: (16/144) في البرِّ، باب مداراة من يتَّقى فحشه، وأبو داود: (5/145) في الأدب، باب في حسن العشرة من حديث عائشة رضي الله عنها.)، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ!»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_2')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٢- أخرجه مسلم: (6/159) في الجمعة، باب صلاة الجمعة وخطبتها، وأبو داود رقم: (1096) في الصلاة: باب الرجل يخطب على قوس، والنسائي: (6/90) في النكاح: باب ما يكره من الخُطبة، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.)، فلم يتعرَّض صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لذكر حسناتهم، وكذلك عند استشارة فاطمةَ بنتِ قيسٍ له بخِطبة أبي جهم ومعاويةَ، فاكتفى بذكر بعض مآخذهم دون التعرُّض لحسناتهم، مع كونهم من صحابته رضي الله عنهم، فقال: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ؛ فَضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ؛ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_3')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٣- أخرجه مالك في «الموطّأ»: (2/98) في الطلاق: باب ما جاء في نفقة المطلقة، وأحمد: (6/411). ومسلم: (10/94-98) في الطلاق: باب المطلَّقة البائن لا نفقة لها، وأبو داود: (2/712) في الطلاق: باب في نفقة المبتوتة، والترمذي: (3/441) في النكاح: باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، والنسائي: (6/73، 87) في النكاح: باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له، وباب إذا استشار رجل رجلاً في المرأة هل يخبره بما يعلم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.)، ونصحها بأن تَنْكِحَ أسامةَ، كذلك حين ذكرت هندُ بنتُ عُتبةَ زوجُ أبي سفيان للنبيِّ بأنّه «رجل شحيح»، فلم ينكر عليها بعدم ذكر محاسنه، وإنَّما أمرها بأن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_4')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٤- أخرجه البخاري: (5/107) في المظالم: باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، ومسلم: (12/7) في الأقضية: باب قضية هند من حديث عائشة رضي الله عنها.). فليست -إذن- قاعدة الموازنة بين المحاسن والمساوئ عندالنقد مُطَّردة عند علماء الجرح والتعديل وليست منهجًا مسلوكًا لهم.
وحريٌّ بالتنبيه أنَّ غالب الأئمَّة يكتفون -في باب التجريح- بذكر سببٍ واحدٍ قادحٍ في العدالة؛ ذلك لأنَّ «الأصل في الأعراض التحريم»، كالدماء والأموال، كما في الحديث الثابت: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_5')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٥- أخرجه البخاري: (10/7) في الأضاحي: باب من قال الأضحى يوم النحر، ومسلم: (11/167) في القسامة: باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.)، وفي آخر: «كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_6')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٦- أخرجه أحمد: (2/227)، ومسلم: (16/120-121) في البرِّ والصلة والآداب: باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره، والترمذي: (4/325) في البرِّ والصلة: باب ما جاء من شفقة المسلم على المسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.)، والجرح إنَّما أُجيزَ لضرورة تمييز الصحيح من السقيم، ومعرفةِ الثقة من الضعيف، والمقبول من المردود، و«الضرورة تقدَّر بقدرها»، كما هو مُقرَّر في القواعد. وعليه؛ فلا يجوز التجريح بسببين أو ذَنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما، أي: الاقتصار على أدنى ما تندفع به الضرورة(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_7')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٧- انظر ما نقله محمَّد عجَّاج الخطيب عن الإمام السخاوي في «فتح المغيث» من كتابه «الوجيز في علوم الحديث ونصوصه»: (237-238).)، فضرورة بيان أحوال الرواة والدعاة ليس فيه غِيبة، وإنَّما في ذلك حفظ قواعد الدِّين بحفظ السُّنَّة وصيانتها من الدخيل، والعلماء استثنوا من الغِيبة أمورًا ستَّة، منها: التحذير للمسلمين من الاغترار، كجرح الرواة والشهود، ومن يتصدَّر للتدريس والإفتاء مع عدم أهليَّته، وكذلك من جاهر بالفسق أو بالبدعة فيجوز ذكرهم بما يجاهرون به دون غيره، للحديث الذي أخرجه مسلم: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_8')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٨- أخرجه البخاري: (10/486) في الأدب: باب ستر المؤمن على نفسه. ومسلم: (18/119) في الزهد: باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.)، كالمكَّاسين وأهل الأهواء والْمُجُون والخلاعة. فالحاصل أنَّ الأمور الستّة المستثناة من الغِيبة قد جمعها بعضهم بقوله:

مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ
طَلَبَ الإِعَانَةَ فِي إِزَالَةِ مُنْكَرِ
(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_9')” target=”_blank” rel=”nofollow”>٩- «سبل السلام»: للصنعاني (4/370)، «نهاية المحتاج» للرملي: (6/205).)

القَدْحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ

هذا؛ ولولا ضرورة التثبُّت والبحث لَمَا اقتحم هؤلاء العلماء هذا الباب الخطير، وما تجشَّموا من أجله أنواع الصعاب، ومختلف المكاره، كلُّ ذلك اعتقادًا راسخًا منهم أنَّ الكلام في الرواة وغيرِهم إنَّما هو وسيلةٌ لا غاية، باذلين قصارى جهودهم في تطبيق تلك القواعد التي التزموها منهجًا لهم في بيان الحقِّ، ولو على أنفسهم، مقتصرين على أحد الجوانب القادحة في العدالة التي تهمُّهم من غير توسُّعٍ، لأجل حفظ الدِّين والسُّنَّة مع مراعاة الحيطة في التجريح، والدِّقَّة في البحث، والنَّزاهة في الحكم، والأدب في نقد الرجال، وأن يكون بأمانة وإخلاص، الأمر الذي يقوِّي إيماننا باعتدالهم وتجرُّدهم واستقامتهم في نصحهم للمسلمين، والمحافظة على قواعد الدِّين، عملاً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71]، ففي الآية دليلٌ على وجوب الحرص على إصابة الصواب، ويدخل في «القول السديد» الكلام المتضمِّن للنصح والتنبيه بما هو الأصلح، والإشارة إلى كُلِّ طريق يوصل إلى الصواب، والتماس كلِّ وسيلة تعين عليه، كما يشمل لين الكلام، ولطفه في مخاطبة الأنام، في ميدان النصح والإعلام، والدعوة والتعليم، كما يتناول «القول السديد» الزجر والتبكيت والغلظة في ميدان التحذير لمن جاهر ببدعته، ودعا إليها، ونافح عنها.
أمَّا الحالة الأخرى؛ وهي التعريف بشخصية المطروق إليه لعقد ترجمة له، والنظر في مؤلَّفاته وكتبه، وما تحتويه من مادَّة علمية؛ فإنَّه لا يمنع من التعرُّض إلى محاسنه، ومزايا كتبه، وبالمقابل ينظر في مساوئه والأخطاء والأغلاط التي وقع فيها، فيذكر ما له من حقٍّ ليثبته، وما عليه من باطل ليردَّه، وذلك بعد فهم معاني ما تضمَّنته كتبه وأقواله بأمانة ونزاهة وصِدق وإنصاف؛ ذلك لأنَّ «ردّ الشيء قبل فهمه محال» كما قال الشافعي(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_10')” target=”_blank” rel=”nofollow”>١٠- «المستصفى»: للغزالي (1/274)، «الإبهاج» للسبكي: (3/188).)، و«التجنِّي على الحقِّ بسبب الباطل ظلمٌ»، وضمن هذا المنظور يقول الإمام ابن القيّم: «…فلو كان كُلُّ من أخطأ، أو غلط تُرِك جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم، والصناعات، والحكم، وتعطَّلت معالمها»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_11')” target=”_blank” rel=”nofollow”>١١- «مدارج السالكين» لابن القيّم: (2/39).).
فواجب الإنصاف -إذن- قَبول ما معه من حقٍّ، وترك ما عليه من باطل، وقد أمر الله تعالى بالعدل في الأقوال، كما أمر بالعدل في الأحكام في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام: 152]، وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا، اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ﴾ [النساء: 58].
والواجب على المسلم الابتعاد عن تشويه الحقِّ والتنفير منه، بأن يتحرَّى العدل في كُلِّ شأنه، ليكون العدل خُلُقًا له، ووصفًا لا ينفكُّ عنه، قال تعالى: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، وفي الحديث: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_12')” target=”_blank” rel=”nofollow”>١٢- أخرجه أحمد: (2/160)، ومسلم: (12/211) في الإمارة: باب فضيلة الإمام العادل، والنسائي: (8/221) في آداب القضاة: باب فضل الحاكم العادل من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.). وفي هذا السياق يقول ابن أبي العزّ الحنفي: «نجد كثيرًا من هؤلاء -أي: الذين يختلفون اختلاف التضادّ- قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه في حقٍّ ما، أو معه دليلٌ يقتضي حقًّا ما، فَيَرُدُّ الحقَّ مع الباطل، حتَّى يبقى مُبطِلاً في البعض، كما كان الأوّل مبطلاً في الأصل، وهذا يجري كثيرًا لأهل السنَّة، أمَّا أهل البدعة فالأمر فيهم ظاهر، ومن جعل الله له هدايةً ونورًا رأى من هذا ما تَبيَّن له منفعة ما جاء في الكتاب والسنّة من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحة تُنْكِر هذا، لكن نور على نور»(<a href="http://40404040404040404040:AppendPopup(this,'pjdefOutline_13')” target=”_blank” rel=”nofollow”>١٣- «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز: (2/779).).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 29 جمادى الثانية 1443ﻫ
الموافق ﻟ: 03 جويلية 2022م

١- أخرجه مالك في «الموطّأ»: (4/96) في حسن الخلق، وأحمد: (6/38)، والبخاري: (10/452) في الأدب، باب لم يكن النبيّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فاحشًا ولا متفحِّشًا، ومسلم: (16/144) في البرِّ، باب مداراة من يتَّقى فحشه، وأبو داود: (5/145) في الأدب، باب في حسن العشرة من حديث عائشة رضي الله عنها.

٢- أخرجه مسلم: (6/159) في الجمعة، باب صلاة الجمعة وخطبتها، وأبو داود رقم: (1096) في الصلاة: باب الرجل يخطب على قوس، والنسائي: (6/90) في النكاح: باب ما يكره من الخُطبة، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.

٣- أخرجه مالك في «الموطّأ»: (2/98) في الطلاق: باب ما جاء في نفقة المطلقة، وأحمد: (6/411). ومسلم: (10/94-98) في الطلاق: باب المطلَّقة البائن لا نفقة لها، وأبو داود: (2/712) في الطلاق: باب في نفقة المبتوتة، والترمذي: (3/441) في النكاح: باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، والنسائي: (6/73، 87) في النكاح: باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له، وباب إذا استشار رجل رجلاً في المرأة هل يخبره بما يعلم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.

٤- أخرجه البخاري: (5/107) في المظالم: باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، ومسلم: (12/7) في الأقضية: باب قضية هند من حديث عائشة رضي الله عنها.

٥- أخرجه البخاري: (10/7) في الأضاحي: باب من قال الأضحى يوم النحر، ومسلم: (11/167) في القسامة: باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

٦- أخرجه أحمد: (2/227)، ومسلم: (16/120-121) في البرِّ والصلة والآداب: باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره، والترمذي: (4/325) في البرِّ والصلة: باب ما جاء من شفقة المسلم على المسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

٧- انظر ما نقله محمَّد عجَّاج الخطيب عن الإمام السخاوي في «فتح المغيث» من كتابه «الوجيز في علوم الحديث ونصوصه»: (237-238).

٨- أخرجه البخاري: (10/486) في الأدب: باب ستر المؤمن على نفسه. ومسلم: (18/119) في الزهد: باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

٩- «سبل السلام»: للصنعاني (4/370)، «نهاية المحتاج» للرملي: (6/205).

١٠- «المستصفى»: للغزالي (1/274)، «الإبهاج» للسبكي: (3/188).

١١- «مدارج السالكين» لابن القيّم: (2/39).

١٢- أخرجه أحمد: (2/160)، ومسلم: (12/211) في الإمارة: باب فضيلة الإمام العادل، والنسائي: (8/221) في آداب القضاة: باب فضل الحاكم العادل من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

١٣- «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز: (2/779).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.
.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة، أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.
.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.
جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م – 1443ھ/2009م)




جزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم




تعليمية




بارك الله فيكم وسدد خطاكم

ننتظر المزيد من مثل هذه المواضيع المفيدة

شكرا لك

المعلمة هناء




التصنيفات
الفقه واصوله

[خطبة] الرياء عدو الإخلاص – خطبة للشيخ سالم العجمي

تعليمية تعليمية

[خطبة] الرياء عدو الإخلاص – خطبة للشيخ سالم العجمي

الرياء عدو الإخلاص


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .

( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً ) .

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .

أما بعد:

من الحقائق المسلَّمة التي يشهد لها واقع الناس، أن نفوس البشر تميل بطبيعتها إلى حب المدح والثناء؛ وأن يكون للمرء منزلة في قلوب الناس والتي ينتج عنها بعد ذلك تعظيمه وطاعته وإضفاء صفات المدح والثناء عليه؛ ولذلك كان أعظم من يُبتلى بهذه الآفة الخطيرة العلماء العاملون، والعباد المشمرون لطاعة الله، لأنهم لما منعوا أنفسهم من الشهوات والمعاصي الظاهرة، أعْيَت الشيطان الحيلة منهم فلم يجد إليهم سبيلاً إلا عن طريق الشهوة الخفية؛ وهي مراءاة الناس بالأعمال والأقوال .

فالرياء هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها؛ وهو الشهوة الخفية التي يقود إليها محبة مدح الناس؛ والبحث عن المنزلة في قلوبهم، لذا قال سفيان بن عيينه: «إياكم والشهوة الخفية، قالوا: وما هي؟ قال: الذي يحب أن يمدح على الخير » .

فالنفس تحب انتشار الصيت والاشتهار، وذلك هو الداء الدفين الذي نسج الشيطان شباكه من خلاله ليصطاد به أهل الاستقامة والتدين لما أعيوه باستقامة سلوكهم على الطاعة، فاجتهد أن يحرف نياتهم عن جادة الحق، فيبوؤوا بحبوط أعمالهم وذهاب أجورهم .

فالرياء عدو الإخلاص؛ يحبط الأعمال؛ ويؤذن بحلول غضب الله عز وجل على من اتصف به، قال الله سبحانه: ( فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون*ويمنعون الماعون ) .

ولأن الله سبحانه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً له وحده سبحانه دون ما سواه؛ فقد حذر عباده من مراءاة الخلق بأعمالهم الصالحة فيجعلونهم شركاء مع الله تعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم: « قال الله تعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه » .

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الرياء لعظيم خطره؛ فقال: « إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؛ قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر، قال: الرياء. يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة؛ إذا جرى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، هل تجدون عندهم من جزاء »؛ وما كان هذا الوعيد الشديد إلا لأن هذا المرائي قد التمس بعمله الصالح رضا المخلوقين ومدحهم، فكان جزاؤه أن وكَلَه الله سبحانه لمن كان يرائيهم في عمله ويطلب مدحهم وثناءهم .

ومن أجل ذلك فقد عَظُم خوفُ السلف رحمهم الله وتحذيرُهم من الرياء، وما كان ذلك إلا لعظيم إخلاصهم ومعرفتهم بخطر الرياء؛ حيث يَذهبُ الدين وتُقتَل روحُ العبادة، فتكون كالجسد الذي لا يحوي روحاً فلا حياة له ولا نجاة، كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى: « من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلم الله من قلبه شانه الله عز وجل، فما ظنك في ثواب الله في عاجل رزقه؛ وخزائن رحمته، والسلام » .

ومن تأمل سيرة السلف رحمهم الله وجد أنهم من أبعد الناس عن الرياء مع قوة عبادتهم وإخلاصهم؛ وقد كانوا يؤثرون الخمول ويكرهون المدح خوفاً على أنفسهم من زيغ القلوب وتغير النيات، ولذلك أعقبهم الله عز وجل وأورثهم ذكراً حسناً وثناءً عطراً، ودعاءً صادقاً على لسان المسلمين، وعلى قدر ما كانوا مخلصين بأعمالهم مبتعدين عن الرياء وحب المدح على قدر ما فتح الله لهم قلوباً غلفاً وآذاناً صمّاً، فنفع الله بأعمالهم وأقوالهم؛ وكانوا كالغيث الذي إذا حل بأرض قاحلة عادت مروجاً وأنهاراً، فسُقي منها الظمآن؛ وانبتت الكلأ وانتفع بها الإنسان والحيوان، وقد قال علي بن الفضيل رحمه الله لأبيه: «يا أبت ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: يا بني؛ وتدري لما حلا؟ قال: لا يا أبت؛ قال: لأنهم أرادوا الله به»، وقال ابن لعمر بن ذر لأبيه: « ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد؛ فإذا تكلمت يا أبت سمعت البكاء من ها هنا وها هنا؟، فقال: يا بني ليست النائحة المستأجرة كالنائحة الثكلى » .

و كان كثير من السلف يخفي عبادته حتى عن أقرب الناس إليه خوفاً من الرياء وطلباً للإخلاص, و كان يحبون خمول الذكر بالرغم مما حباهم الله به من العلم و الديانة, قال محمد بن واسع: « لقد أدركت رجالاً, كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة, قد بلَّ ما تحت خدّه من دموعه, لا تشعر به امرأته, ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خدّه, ولا يشعر به الذي إلى جنبه ».

وقال إسحاق بن حنبل: « دخلت على أحمد ويده تحت خدّه, فقلت له: يا ابن أخي؛ أي شيء هذا الحزن, فرفع رأسه وقال: طوبى لمن أخمل الله ذكره » .

و كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك, فإذا كان عند الصبح رفع صوته, كأنه قام تلك الساعة .

و قال الشافعي رحمه الله: « وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس, أؤجر عليه, ولا يحمدوني » .

رحمهم الله, ومن يصل إلى ما وصلوا إليه من قوة الإخلاص, والبعد عن المدح وحُب الظهور .

إن الرياء في الدين أمر خطير, ولذلك خوّفت منه النصوص الشرعية؛ ومن ذلك أن يرائي بأنواعٍ من العبادات كتطويل المصلي صلاته لِما يرى من نظر الناس إليه؛ أو يتصدق أو يصوم لطلب المدح والثناء .

ومنه ما يكون بالقول؛ كمن يعظ ويذكر أو يحفظ الأخبار والآثار لأجل المحاورة وإظهار غزارة العلم, أو تحسين الصوت بالقرآن ليجتمع إليه الناس .

و منه ما يفعله بعض الناس من إظهار علامات الخمول والذبول بسبب العبادة، وهذه أنواع من الرياء؛ وتكون رياءً إذا قصد في دينه طلب مراءاة المخلوقين وحُبَّ مدحهم والتماس الثناء منهم عليه؛ و إلا لو أن الله أنعم عليه بنعمة من النعم الدينية؛ كالصلاة أو الصوم؛ أو فتح عليه في جمال صوته بالقرآن؛ أو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ أو وعظه للناس وتأثيره فيهم؛ وهو لا يريد المدحَ منهم ولا يحبُّه ومدحوه على ذلك؛ فهذا ليس من الرياء؛ بل إنه مما عجلهُ الله لهُ من البشري الحسنة, وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ أرأيت الرجل يعمل العمل الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: « تلك عاجل بشرى المؤمن » .

أما إذا كان يعمل العمل وذكره الناس به ففرح بمدحهم لاطلاعه بعلو منزلته عندهم؛ وطمعاً في أن يمدحوه ويعظِّموه ويكرموه على ذلك فهذا هو المذموم. ومن أعظم علامات الرياء أن يعمل المرء العمل؛ فإذا اطلع عليه الناس سره ذلك وارتاح له, وروّح ذلك عن قلبه شدّة العبادة, فهذا السرور يدل على رياء خفي في قلبه؛ وأنه لولا التفاتُ قلبه إلى الناس لما ظهر سروره عند اطلاع الناس على عمله, فَعُلم بذلك أن الرياء كان مستكناً في قلبه استكنان النارِ في الحجر؛ فأظهر من اطلاع الناس أثر الفرح والسرور, ثم استشعر تلك اللذة بالاطلاع ولم يقابل ذلك بكراهة.

و قد يختفي المرء بعبادته ولا يريد أن يطلع عليه أحد, ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدؤوه بالسلام, وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير, وينشطوا في قضاء حوائجه, ويسامحوه في المعاملة, ويوسعوا له بالمكان, فإذا قصَّر في ذلك مقصِّر؛شق عليه وثقل ذلك على قلبه, وكأن نفسه تتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها .

ولا زال المخلصون يخافون من الرياء على أعمالهم, ويجتهدون في مخادعة الناس عن أعمالهم الصالحة, ويحرصون على إخفائها أعظم ما يحرص الناس عن إخفاء فواحشهم, كل ذلك رجاء أن يخلص عملهم لوجه الله؛ ليجازيهم الله تعالى يوم القيامة بإخلاصهم؛ قال وهب بن منبه: « ذُكِر لأحد الملوك رجلٌ من العبّاد فطمع في لقائه, فركب في موكبه وإذا السهل قد امتلأ من الناس, فقال العابد: ما هذا؟ قيل: هذا الملك, فقال لصاحبه: ائتني بطعام, فجعل يحشو فمَه ويأكلُ أكلاً عنيفاً, فقال الملك: أين صاحبُكم؟. فقالوا: هذا ؛ فقال: كيف أنت؟ قال: كالناس. فقال الملك: ما عند هذا خير, وسقط من عينه, فلما انصرف قال العابد: الحمد لله الذي صَرَفَه عني وهو لائم » .

ولذا قال أيوب رحمه الله: « والله ما صدق عبدٌ إلا سرَّه أنْ لا يُشعَر بمكانه », وقال أحمد: « قل لعبد الوهاب: أخمل ذكرك فإني قد ابتليت بالشهرة » .

هذا وإنَّ أشد ما عانى منه الأتقياءُ المخلصون تثبيت النيات على إخلاص العمل لله رب العالمين؛ حتى قال بعض علماء السلف: « اثنان أعالجهما منذ ثلاثين سنة؛ ترك الطمع فيما بيني وبين الناس, وإخلاص العمل لله رب العالمين ».

نسأل الله أن يصلح نياتنا وأن يرزقنا الإخلاص والقبول .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأعوانه .

أما بعد :

فإن مما يدفع المسلم على تجنب الرياء وتحقيق الإخلاص أن يفرِّغ قلبه لله عز وجل, وأن يجاهد في تثبيت نيته على إرادة وجه الله في أعماله كلها؛ وأن يعلم المسلم مضرَّة الرياء في الآجلة والعاجلة, وما يفوته بسبب ذلك من صلاح قلبه؛ ومن المنزلة في الآخرة؛ وما يتعرض له من العذاب والمقت والخزي يوم القيامة؛ مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت قلبه من الهم بسبب ملاحظة الخلق وطلب رضاهم؛ فإن إرضاء الناس غاية لا تدرك؛ وما يُرضي قوماً يسخط آخرين, ومن طلب رضا الناس في سخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس, ثم ماذا يجني العبد من وراء مدح الناس؛ ولا يزيده مدحهم رزقاً ولا أجلاً, ولا ينفعه يوم فقره وفاقته حين يقف بين يدي الله عز وجل, وما الذي يحذره العبد من ذم الناس له إذا عمل بطاعة الله ولا يضرُّه ذمهم شيئاً؛ ولا يعجل أجله, ولا يؤخر رزقه, فإن العباد كلهم عجزة لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً؛ ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .

فإذا تقرر ذلك في نفسه ضعفت رغبته في الرياء, وأقبل على الله تعالى بقلبه, فإن العاقل لا يرغب فيما يضره ويقل نفعه؛ فإن أكثر الناس إنما هلكوا لخوف مذمة الناس وحب مدحهم, فصارت حركاتهم كلها على ما يوافق رضا الناس؛ رجاء المدح وخوفاً من الذم؛ وذلك من المهلكات؛ فوجب على العاقل معالجة نفسه.

وإن من أعظم ما يُضْعِف رغبة الرياء في قلب العبد؛ علمه أن ما يحصل له من الثناء والمدح على ألسنة الخلق إنما هو من فضل الله عز وجل عليه؛ ولجميل ستر الله لعيوبه عن الناس حيث أطلعهم سبحانه وتعالى على جميل أفعاله؛ وأظهر عليه الطاعة وستر عليه القبيح من الأفعال, وأظهر الجميل منها حتى قامت له المنزلة في قلوب الناس, وهذا يوجب له أن يحمد الله على جميل ستره وأن يفرح بستر الله له لا بحمد الناس, وهذا مما يرسخ عند العبد أن الأمور كلها بيد الله, وأن قلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيف يشاء؛ فيطلب بعمله التقرب إلى الله لا مدح الخلق على ما يعمله لله, قال بعض السلف: «إذا رأيت من الناس ثناء فلا تغتر؛ فإنما ذلك بجميل ستر الله عليك » .

هذا وإنَّ مما يجدر التنبيه له؛ أنه ليس لخوف العبد من الرياء أن يترك الطاعات, بل الواجب على العبد أن يتحرى الخير ويكثر من العمل الصالح؛ مع مجاهدة النفس بإصلاح النية؛ فإن العمل متى كان الباعث عليه الدِّين وكان خالصاً لوجه الله تعالى فإنه لا يُترك .

نسأل الله أن يفقهنا في الدين؛ وأن يوفقنا للتمسك بسنة خير الورى، وأن يصلح نياتنا وزوجاتنا وذرياتنا .

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا..

1/1/1431هـ ؛ 18/12/2009م .

المصدر

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية







جزاك الله خيــرا على هذا الإ نجــــاز المتميز , وشكرا جزيلا لك.




التصنيفات
الفقه واصوله

محاضرة جديدة لفضيلة معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس القضاء الأعلى سابقا للشباب

تعليمية تعليمية

محاضرة جديدة لفضيلة معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس القضاء الأعلى سابقا للشباب السلفي في مسجد الفرقان عبر الهاتف في السويد

السلام عليكم
هذه المحاضرة جديدة لفضيلة معالي الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس القضاء الأعلى سابقا وعضو كبار هيئة العلماء للشباب السلفي في مسجد الفرقان في السويد وفي غرفة الزاد النبوي علي شبكة الانترنت عبر الهاتف بتاريخ 2022.12.19 وهذا هو الرابط
http://www.islamup.com/download.php?id=72807

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




جــــــــــــزاك الله خيـرا اختي و جعلـه في ميزان حسناتك




بارك الله فيك وجعل ما تقدمون في ميزان حسناتك

لا تبخلوا علينا بمثل هذه المشاركات

اختكم المعلمة هناء




تعليمية




التصنيفات
الفقه واصوله

مرق لحم الابل لا ينقض الوضوء، للشيخ ابن عثيمين

تعليمية تعليمية
تعليمية

مرق لحم الابل لا ينقض الوضوء، للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


تعليمية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما بعد:

فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (سلسة لقاء الباب المفتوح- شريط رقم 236 – وجه ب – دقيقة 5)

مرق الإبل هل ينقض الوضوء؟

مرق لحم الإبل لا ينقض الوضوء، عى القول الراجح، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال "توضوء من لحوم الإبل " ولأنه لما أمر العرانيين أن يذهبوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها لم يأمرهم بالوضوء مع أنهم شربو اللبن، فالذي ينقض هو اللحم سواءً كان لحم أحمر أو شحماً أو أمعاءً أو كرشاً أو كبداً أو رئةً أو قلب، كل ما كان يؤكل من البعير فإنه ينقض الوضوء.

منقول

تعليمية تعليمية




بارك الله فيكِ يا أم ليلى و نفع بكِ الإسلام و المسلمين




شكرا وبارك الله فيك على الموضوع القيم
جزاك الله كل خير
تحياتي الخالصة

أخوك يحيى




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه شكرا لمرورك على موضوعي وهذا شرف لي ووسام على صدري




التصنيفات
الفقه واصوله

في ضوابط الإعلان الإشهاري للشيخ فركوس حفظه الله

تعليمية تعليمية
في ضوابط الإعلان الإشهاري
للشيخ فركوس حفظه الله
تعليمية تعليمية
تعليمية تعليمية


السـؤال:

ممَّا لا يخفى أنَّ الإعلام التجاري -في إطار المنافسة التجارية- قد أضحى في عصرنا الحالي وسيلةً أساسيةً للتعريف بالسِّلع والبضائع والخدمات، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما حكم تصميم الإعلانات الإشهارية؟ وكذا عرض اللوحات الإشهارية في مختلف الأماكن والمحطَّات في الطرقات والقطارات والحافلات وغيرها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فالإعلاناتُ الإشهاريةُ سواء كانت تجاريةً أو غيرَ تجاريةٍ تدخل في قسم المعاملات والعادات، والأصل فيها الإباحة والجواز ما لم يقترن بها محظورٌ شرعيٌّ ينقل الحكمَ إلى المنع، ويمكن أن يحافظ الإعلان الإشهاري على حكم الإباحة والحِلِّ إذا ما انضبط بجُملةٍ من الشروط تظهر على الوجه التالي:

الأول: أن يكون الإعلان الإشهاري مباحًا في حَدِّ ذاته، خاليًا من الدِّعايات المبتذلة التي تنافي الأحكام الشرعيةَ، والأخلاق والقِيَمَ الإسلاميةَ وآدابَها، فلا يجوز تصميم الإعلانات التي تحتوي على الصور المثيرة للغرائز والشهوات، كعرض جسد المرأة بما فيها من العُري والتبرج والفتنة، وعموم الأفلام الماجنة والمثيرة، ولا للنوادي الليلية والحفلات المنكرة، وكتب أهل الفساد والفجور والضلال، ولا يجوز الترويج للخمر والدخان والمخدِّرات وغيرها، ولا لنوادي القِمار والرهان سواء كان رياضيًّا أو غيرَ رياضي، ويجب تجنُّبَها سواء كانت مصحوبةً بموسيقى أو خاليةً منها.

فالحاصل: أنَّ كُلَّ وسيلةٍ أبطلها الشرعُ وذمَّها لفسادها وإفسادها للدِّين والخُلق فهي محرَّمة، والتعاون عليها محرَّمٌ بنصِّ قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

الثاني: أن يتحرَّى المعلِنُ الصدقَ والأمانةَ في عرض السلع والخدمات، فلا يصوِّر الأمر على غير حقيقته بالكذب وإخفاء العيوب، أو بالمبالغة في حجم المنتوج المراد تصميم إعلانه ونشره، أو تضخيم محاسنه للمستهلك أو الزبون، فالواجب أن يكون الإعلان مطابقًا لحقيقة ما يعرضه من السلع والمنتوجات والخدمات على وجه الصدق والأمانة، لوجوب التحلِّي بالصدق وهو سبب البركة، وحرمة الكذب وكتمان العيوب، لأنه عِلة الكساد والمَحْقِ، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»(١- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا: (1973)، ومسلم في «صحيحه» كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان: (3858)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه).

الثالث: ومن هذا القبيل لا يجوز إشاعةُ إعلانٍ إشهاريٍّ فيه غِشٌّ وخِداع، ولا تهويل ما فيه مكرٌ وتزوير، ولا إيهام ما فيه تدليس لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ»(٢- أخرجه ابن حبان في «صحيحه» كتاب البر والإحسان، باب الصحبة والمجالسة: (567)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1058))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، وَلاَ يَحِلُّ لمِسُلْمٍ إِذَا بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لاَ يُبَيِّنَهُ»(٣- أخرجه ابن ماجه في «صحيحه» كتاب التجارات، باب من باع عيبا فليبينه: (2246)، والحاكم في «المستدرك»: (2152)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد في «مسنده»: (15583)، من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. والحديث حسّنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: (4/364)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع»: (6705))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ»(٤- أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا: (3657)، والحاكم في «المستدرك»: (350)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع»: (6068).).

الرابع: أن لا ينعكس إعلانه الإشهاري سلبًا على غيره من التجار، بحيث يحدث ضررًا بمنتوجاتهم وسلعهم بالتحقير لأصنافها، والتهوين لأوصافها، والذمِّ لحسنها، كل ذلك لتحقيق مصالحه المادية على حساب مصالح غيره من التجار، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارٍ»(٥- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره: (2340)، وأحمد في «مسنده»: (23462)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «إرواء الغليل»: (896))، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»(٦- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه: (13)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير: (170)، من حديث أنس رضي الله عنه).

الخامس: أن يجتنب التغرير بالمستهلكين عن طريق استغلال التشابه في الاسم التجاري أو في العلامة التجارية سواء وقع التشابه في التسمية موافقة، أو تعمده بسوء نيته، ليبتغي من ورائها إيهام المستهلكين والزبائن بأنها هي البضائع المشهورة في الأسواق، أو المماثلة لها في الجودة والإتقان ليقع المستهلك فريسة التضليل والإيهام، وهو مخالف لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(٧- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة: (205)، وأبو داود في «سننه» كتاب الأدب، باب في النصيحة: (4946)، والترمذي في «سننه» كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في النصيحة: (1926)، والنسائي في «سننه»، كتاب البيعة، باب النصيحة للإمام: (4214)، وأحمد في مسنده: (17403)، من حديث تميم الداري رضي الله عنه) الحديث.

السادس: أن يحرص على أن يكون عقد الإعلان الإشهاري مستوفى شروط عقد الإجارة، ومن جملتها: العلم بثمن الإجارة، ومُدَّتها بين المتعاقدين، وأن يكون محلّ الإجارة منتفعًا به، ومقدور التسليم مع خلو العقد من الجهالة والغرر.

هذا ما بان لي من ضوابط الإعلان الإشهاري قصد المحافظة على سلامة أصلِ الإباحة والجواز.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 26 شعبان 1443ﻫ
الموافق ﻟ: 27 أوت 2022م

تعليمية تعليمية
١- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا: (1973)، ومسلم في «صحيحه» كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان: (3858)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.

٢- أخرجه ابن حبان في «صحيحه» كتاب البر والإحسان، باب الصحبة والمجالسة: (567)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1058).

٣- أخرجه ابن ماجه في «صحيحه» كتاب التجارات، باب من باع عيبا فليبينه: (2246)، والحاكم في «المستدرك»: (2152)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد في «مسنده»: (15583)، من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. والحديث حسّنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: (4/364)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع»: (6705).

٤- أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا: (3657)، والحاكم في «المستدرك»: (350)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع»: (6068).

٥- أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره: (2340)، وأحمد في «مسنده»: (23462)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «إرواء الغليل»: (896).

٦- أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه: (13)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير: (170)، من حديث أنس رضي الله عنه.

٧- أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة: (205)، وأبو داود في «سننه» كتاب الأدب، باب في النصيحة: (4946)، والترمذي في «سننه» كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في النصيحة: (1926)، والنسائي في «سننه»، كتاب البيعة، باب النصيحة للإمام: (4214)، وأحمد في مسنده: (17403)، من حديث تميم الداري رضي الله عنه.

تعليمية تعليمية

المصدر : http://ferkous.com/rep/Bi149.php

تعليمية تعليمية




جزاكِ الله خيرًا أخيتي نادية و وفقكِ لما يحب و يرضى..




التصنيفات
الفقه واصوله

حكم رفع الخطيب يديه للدعاء بعد الفراغ من خطبة الجمعة

تعليمية تعليمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وعلى آله وصحبه ومن والآه وبعد .

لقد اختلف الناس في حكم رفع الخطيب يديه للدعاء بعد الفراغ من خطبة الجمعة ، ولما لم يكن هذا الفعل من هديه صلى الله عليه وسلم استشكل بعض المجيزين على المانعين قول بعض أهل العلم فرأيت عرضها على وجه يظهر فيه المعنى الراجح للنصوص النبويه وكلام أهل الفضل بكلام منارات أهل العلم .

قالوا : روى البخاري في صحيحه (2 / 15) ( 33 – باب رفع اليدين في الخطبة ) ( 932 ) عن أنس قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا فمد يديه ودعا.
علاقة الحديث في الترجمة والتبويب .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( (2 / 413) ( أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه وهو مطابق للترجمة وفيه إشارة إلى أن حديث عمارة بن رؤيبة الذي أخرجه مسلم في إنكار ذلك ليس على إطلاقه لكن قيد مالك الجواز بدعاء الاستستقاء كما في هذا الحديث ) .

ومعنى كلامه رحمه الله أن الحديث مطابق للترجمة من حيث أن رفع اليدين في الاستسقاء والدعاء جائز مشروع وهو على نفس الصفة بخلاف صفة رفع اليدين في الدعاء في الصلاة وخارجها قال بدر الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (10 / 172) :

( مطابقته للترجمة في قوله فرفع يديه لأنه إنما رفعهما لكونه استسقى فببركته وبركة دعائه أنزل الله المطر حتى سال الوادي قناة شهرا ) .

فظهر المعنى أن الترجمة مطابقة للحديث من حيث صفة الرفع في خطبة الجمعة للاستسقاء .

فإن قيل بل الظاهر من الترجمة جواز مطلق الرفع في الدعاء في خطبة الجمعة ومن ذلك بعد الفراغ منها:

قلت : هذا غلط ويظهر غلطه من أوجه :

الأول : ليس في الحديث أي دلالة على هذا المعنى بل نص الحديث قال : ( قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال … ) وهذا كان في أثنائها وليس بعده الفراغ منها .
مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه لعارض أثناء خطبة الجمعة بين فيه مشروعية رفع اليدين أثناء الخطبة بسببه وهو صلاة الاستسقاء .
ثانيا : فقه الإمام البخاري يدل على الذي تقدم لما قال : ( في خطبة الجمعة ) ولم يقل بعد الفراغ أو الانتهاء من خطبة الجمع ، وهذا ليوافق تبيوبه الحديث .
ثالثا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه كان يدعو بعد الفراغ من خطبة الجمعة كما يفعل أكثر الناس ، بل كان يخطب ويأمر بإقامة الصلاة ، وعليه لم يكن هناك رفع أصلا بعد الفراغ من الخطبة .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى : ( ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أصح الوجهين أصحابنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر ) .

وقال البهوتي في كشف القناع : ( يكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة .

قال المجد : هو بدعة وفقا للمالكية والشافعية وغيرهم … )

قال الإمام البغوي في شرح السنة ( 4 / 257 ) ( رفع اليدين في الخطبة غير مشروع وفي الاستسقاء سنة ، فإن استسقى في خطبة الجمعة يرفع يديه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ) .

رابعا : لما كان هذا هو الحال نص أهل العلم على بدعة رفع اليدين في الدعاء بعد الخطبة قال ابن بطال في شرحه صحيح البخارى (2 / 517) ( وقد أنكر بعض الناس ذلك ، فروى الأعمش ، عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال : رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر ، فرفع الناس أيديهم ، فقال مسروق : ما لهم قطع الله أيديهم .

وقال الزهرى : رفع الأيدى يوم الجمعة محدث .

وقال ابن سيرين : أول من رفع يديه يوم الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن معمر

وكان مالك لا يرى رفع اليدين إلا فى خطبة الاستسقاء ، وسيأتى هذا المعنى مستقصى فى كتاب الاستسقاء ، إن شاء الله تعالى) .

قال أبو شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث ( 87 ) : ( وأما رفع الناس أيديهم عند الدعاء _ في خطبة الجمعة _ فبدعة قديمة قال أحمد بن حنبل حدثنا شريح بن النعمان حدثنا بقية عن أبي بكر بن عبد الله حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث التمالي قال بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال : يا أبا اسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين .
قال فقلت ما هما ؟؟ .
قال : رفع الأيدي على المنابر والقصص بعد الصبح والعصر … .

قال السيوطي في الأمر بالاتباع ( بدع الخطب : ( ورفع اليدين عند الدعاء فبدعة قديمة ) .

قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار : ( الحديثان المذكوران يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة ) .

فإن قيل لم بوب الإمام الإمام البخاري بابين متصلين متتابعين فقال : ( باب رفع اليدين في الخطبة ) و ( باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة ) .

قلت : إن التبويب لم يكن من أجل بيان رفع اليدين في مطلق الدعاء في الخطبة بل هي مقيدة بما ذكره من الحديث تحت الباب كما سبق البيان ولهذا قال ابن حجر في الفتح (2 / 413) ( أورد فيه طرفا من حديث أنس في قصة الاستسقاء وقد ساقه المصنف بتمامه في علامات النبوة من هذا الوجه وهو مطابق للترجمة ) .
وهذا يدل على أن الرفع استثناء ولسبب مخصوص .

كما ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه على المنبر في خطبة الجمعة في الاستسقاء مع أنه يخطب في الناس كل جمعة ، وهو مما يتوفر في مثله داعي النقل .

الثاني : لقد نص الحافظ ابن حجر في الفتح على أن من المراد في تتابع التبويب بيان المعنى الزائد في صفة الرفع في الاستسقاء فقال في الفتح : (2 / 413) : ( قوله : ( فمد يديه ودعا ) في الحديث الذي بعده ( فرفع يديه ) كلفظ الترجمة .
وكأنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المد لا كالرفع الذي في الصلاة .

وسيأتي في كتاب الدعوات صفة رفع اليدين في الدعاء فإن في رفعهما في دعاء الاستسقاء صفة زائدة على رفعهما في غيره ، وعلى ذلك يحمل حديث أنس : ( لم يكن يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء ) وأنه أراد الصفة الخاصة بالاستسقاء ويأتي شيء من ذلك في الاستسقاء أيضا إن شاء الله تعالى ) .

روى مسلم في صحيحه بالإسناد إلى عمارة بن رؤيبة قال : رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة.

في هذا الحديث بيان عدم مشروعية الرفع في حال الخطبة بدون سبب مشروع كما في حديث الاستقاء

قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (6 / 162) ( هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم .

وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى .
وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ) .

وقد قال العيني معنى كلام الإمام النووي المتقدم فقال في شرح سنن أبي داود (4 / 445) : ( وفيه من السنة أن لا ترفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك والشافعي، وغيرهما، وحكي عن بعض المالكية وبعض السلف إباحته؛ لأن النبي- عليه السلام- رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ).

يريد أن رفع اليدين في مطلق الدعاء جائز وأن الخطيب إذا أراد الدعاء في غير الاستسقاء لا يرفع إلا أصبعه ويدل على هذا قوله ( وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ) .
وقد استشكل بعض الناس كلام الحافظ ابن حجر لما قال في الفتح (11 / 142)
( وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رؤيبة براء وموحدة مصغر أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة ، فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال : السنة أن الداعي يشير بأصبع واحدة ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها ).
قلت : إن الأخبار الواردة في مشروعية الرفع في عموم الدعاء لا بعد الانتهاء من الخطبة وإنكار الصحابي على مروان كان لأمرين الأول : سبب الرفع ، وأنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم في عموم الدعاء وعارضه في غير الاستسقاء أن يرفع يديه .
وهذا المعنى قاله الكشميري في فيض الباري شرح البخاري (3 / 147) ( باب ُ رَفعِ اليَدَينِ في الخُطْبَة .
واعلم أنه ثبت كراهةُ رَفْع الأيدي في الخطبة. وحَمَله العامة على أن هذا الرَّفْع كان للتفهيم، كما شاع الآن في الخطباء والواعظين، أنهم يحرِّكُون أيديهم للتفهيم. فلعلَّه فَعَله بِشْرٌ وكرهه الناس. وقالوا: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يزيد على الإشارة بالأصابع.
قلتُ: والأرجح عندي أن تلك الإشارة كانت للدعاء للمؤمنين، فإنه مسلوكٌ في الخُطبة فأنكروا عليه، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن يَرْفَعُ له إلا أصبُعُه المباركة. هكذا شَرحه البيهقي ، ونقله شارح الإحياء في (الإتحاف )) .
الثاني : هيئة رفع الدعاء وقد بين كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .
إذ قد روى مسلم في صحيحه عن أنس أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- : كان لا يرفع يديه في شىء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه. غير أن عبد الأعلى قال يرى بياض إبطه أو بياض إبطيه.
قلت : ويدل على هذا المعنى ما ذكره الإمام النووي على أن الرفع في عموم الدعاء مشروع لا على باب التعين بعد الفراغ من خطبة الجمعة قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (3 / 299) : ( هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع صلى الله عليه وسلم إلا في الاستسقاء ، وليس الأمر كذلك ، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء ، وهي أكثر من أن تحصر ، وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين أو أحدهما ، وذكرتهما في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب .
ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء ، أو أن المراد لم أره رفع ، وقد رآه غيره رفع ، فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك ، ولا بد من تأويله لما ذكرناه . والله أعلم ) .

وكتب : الدكتور شاكر بن توفيق العاروري حفظه الله تعالى- .
من صبيحة يوم الاثنين الموافق :18جمادى الأولى 1413 ه .
3 / 5 / 2022 م .

تعليمية تعليمية




السؤال

ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل ، أثابكم الله ؟

الجواب

رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين ، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت ، وأما رفع اليدين فلا يشرع .

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد ، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك ، وقال: ما كان النبي يرفعهما عليه الصلاة والسلام ، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء ، فإنه يرفع يديه في حال الاستغاثة- أي طلب نزول المطر- لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة ، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام .

مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الثاني عشر

المفتي : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز




التصنيفات
الفقه واصوله

أهمية معرفة البدع للشيخ الالباني رحمه الله

أهمية معرفة البدع

قال الإمام الألباني رحمه الله :
إن مما يجب العلم به أن معرفة البدع التي أدخلت في الدين أمر هام جدا ؛ لأنه لا يتم للمسلم التقرب إلى الله تعالى إلا باجتنابها ، ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة مفرداتها إذا كان لا يعرف قواعدها وأصولها وإلا وقع في البدعة وهو لا يشعر ، فهي من باب " ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب " كما يقول علماء الأصول رحمهم الله تعالى .
ومثل ذلك معرفة الشرك وأنواعه ؛ فإن من لا يعرف ذلك وقع فيه كما هو مشاهد من كثير من المسلمين الذين يتقربون إلى الله بما هو شرك كالنذر للأولياء والصالحين والحلف بهم والطواف بقبورهم وبناء المساجد عليها وغير ذلك مما هو معلوم شركه عند أهل العلم ولذلك فلا يكفي في التعبد الاقتصار على معرفة السنة فقط ، بل لا بد من معرفة ما يناقضها من البدع ؛ كما لا يكفي في الإيمان التوحيد دون معرفة ما يناقضه من الشركيات وإلى هذه الحقيقة أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " من قال : لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " رواه مسلم .
فلم يكتف عليه السلام بالتوحيد بل ضم إليه الكفر بما سواه وذلك يستلزم معرفة الكفر وإلا وقع فيه وهو لا يشعر ، وكذلك القول في السنة والبدعة ولا فرق ، ذلك لأن الإسلام قام على أصلين عظيمين :
أن لا نعبد إلا الله
وأن لا نعبده إلا بما شرع الله .
فمن أخل بأحدهما فقد أخل بالآخر ولم يعبد الله تبارك وتعالى
وتحقيق القول في هذين الأصلين تجده مبسوطا في كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى
فثبت مما تقدم أن معرفة البدع أمر لا بد منه لتسلم عبادة المؤمن من البدعة التي تنافي التعبد الخالص لله تعالى فالبدع من الشر الذي يجب معرفته لا لإتيانه ، بل لاجتنابه على حد قول الشاعر :
عرفت الشر لا للش ر لكن لتوقيــــــــه
ومن لا يعرف الشــر من الخير يقع فيه
وهذا المعنى مستقى من السنة ، فقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :
كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله ! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : " نعم " فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : " نعم ، وفيه دخن " قلت : وما دخنه ؟ قال : " قوم يستنون بغير سنتي ؛ ويهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر " فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : " نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قدفوه فيها " . فقلت : يا رسول الله صفهم لنا . قال : " نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . . . الحديث "
أخرجه البخاري ومسلم
قلت : ولهذا كان من الضروري جدا تنبيه المسلمين على البدع التي دخلت في الدين وليس الأمر كما يتوهم البعض : أنه يكفي تعريفهم بالتوحيد والسنة فقط ، ولا ينبغي التعرض لبيان الشركيات والبدعيات بل يسكت عن ذلك وهذا نظر قاصر ناتج عن قلة المعرفة والعلم بحقيقة التوحيد الذي يباين الشرك والسنة التي تباين البدعة وهو في الوقت نفسه يدل على جهل هذا البعض بأن البدعة قد يقع فيها حتى الرجل العالم وذلك لأن أسباب البدعة كثيرة جدا لا مجال لذكرها الآن ، ولكن أذكر سببا واحدا منها وأضرب عليه مثلا :

فمن أسباب الابتداع في الدين الأحاديث الضعيفة والموضوعة فقد يخفى على بعض أهل العلم شيء منها ويظنها من الأحاديث الصحيحة فيعمل بها ويتقرب إلى الله تعالى ثم يقلده في ذلك الطلبة والعامة فتصير سنة متبعة
فهذا مثلا الشيخ الفاضل والعلامة المحقق السيد جمال الدين القاسمي ألف كتابه القيم " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " وقد انتفعت به كثيرا في المشروع الذي سبقت الإشارة إليه ومع ذلك فقد عقد فصلا في أمور ينبغي التنبه لها ذكر فيه عشرين مسألة ومنها المسألة ( 16 : دخول الصبيان للمساجد ) قال ( ص 205 ) :" في الحديث : " وجنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وذلك لأن الصبي دأبه اللعب فبلعبه يشوش على المصلين وربما اتخذه ملعبا فنافى ذلك موضع المسجد فلذا يجنب عنه "
قلت : فهذا الحديث ضعيف لا يحتج به وقد ضعفه جماعة من الأئمة مثل عبد الحق الأشبيلي وابن الجوزي والمنذري والبوصيري والهيثمي والعسقلاني وغيرهم . ومع ذلك خفي حاله على الشيخ القاسمي وبنى عليه حكما شرعيا وهو تجنيب الصبيان عن المسجد تعظيما للمسجد والواقع أنه بدعة ؛ لأنه خلاف ما كان عليه الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مشروح في محله من كتب السنة وانظر كتابنا " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "
ومثله البدعة الأولى وغيرها مما يأتي ذكره . ولذلك فإن التنبيه على البدع أمر واجب على أهل العلم ، وقد قام بذلك طائفة منهم ، فألفوا كتبا كثيرة في هذا الباب ، بعضها في قواعد البدع وأصولها وبعضها في فروعها ، وبعضها جمع بين النوعين ، وقد طالعتها جميعا وقرأت معها مئات الكتب الأخرى في الحديث والفقه والأدب وغيرها وجمعت منها مادة عظيمة في البدع ما أظن أن أحدا سبقني إلى مثلها ، وهي أصل كتابي المشار إليه آنفا " قاموس البدع " الذي أسأل الله أن ييسر لي تهذيبه وتصنيفه وإخراجه للناس . وهذا الفصل الذي بين يديك هو دليل عليه ونموذج منه . والله سبحانه هو الموفق.
الأجوبة النافعة ( ص 61 ) .