[مقال] هل يشترط الإعتكاف في أحد المساجد الثلاثة
للشيخ سليم أبي إسلام الجزائري
دل الكتاب والسنة والإجماع على استحباب الاعتكاف في المساجد .
قال تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) البقرة/125
ذهب جماهير العلماء إلى أن الاعتكاف لا يشترط له أن يكون في المساجد الثلاثة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187. ولفظ المساجد في الآية عام فيشمل كل المساجد
قال البخاري رحمه الله تعالى
"بَاب الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )" اهـ.
شرح حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان
قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : عَكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِى مُوسَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ اعْتِكَافَ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ قَالَ فِى الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَعَلَّكَ نَسِيتَ وَحَفِظُوا وَأَخْطَأْتَ وَأَصَابُوا
وهذا الحديث جاء عنه من طريق سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل : إلا أن أصحاب سفيان بن عيينة اختلفوا عليه :
فمنهم من رواه عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
محمد بن الفرج عند الإسماعيلي في "معجم شيوخه" . ومحمود بن آدم المروزي عند البيهقي في "السنن" ، وهشام بن عمار عند الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" ، وسعيد بن منصور ، كما في "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي
ومنهم من جعله من قول حذيفة:
عبد الرزاق في "المصنف" ، وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر عند الفاكهي في "أخبار مكة".
والصواب أن الرواية موقوفة على حذيفة رضي الله عنه
و الذي يدل على أنه موقوف قول علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس كلهم يقولون بالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة ، ولم يكن هناك خلاف بين الصحابة بل كان هذا العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار
قول عائشة : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة
رواه البيهقي ، وصححه الألباني في رسالة "قيام رمضان" .
قول ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : لا اعْتِكَافَ إلا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلاةُ .
"الموسوعة الفقهية" (5/212)
نقول أنه لا يصح رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه من اجتهاد حذيفة رضي الله عنه و قوله هذا يخالف قول باقي الصحابة و قوله تعالى في الأية وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تدل على إطلاق محل الاعتكاف
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع":
" فكل مساجد الدنيا يُسن فيها الاعتكاف ، وليس خاصا بالمساجد الثلاث ، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) فإن هذا الحديث ضعيف .
ويدل على ضعفه أن ابن مسعود رضي الله عنه وهَّنَه فقال : ( لعلهم أصابوا فأخطأت ، وذكروا فنسيت ) فأوهن هذا حكما ورواية .
أما حكما ففي قوله : ( أصابوا فأخطأت ) وأما رواية : ( فذكروا ونسيت ) والإنسان معرَّض للنسيان .
وإن صح هذا الحديث فالمراد به : لا اعتكاف تام ، أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث ، كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة .
ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى : ( وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول : لا يصح إلا في المساجد الثلاثة ، فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة " انتهى .
و قال أيضا في"الشرح الممتع":
المسجد الذي تقام فيه الجماعة ولا يشترط الذي تقام فيه الجمعة لأن المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة لا يصدق عليه كلمة مسجد بالمعني الصحيح مثل أن يكون هذا المسجد قد هجره أهله أو نزحوا عنه اهـ
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة الجماعة فيه ، فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه ، إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره" اهـ
"مجموع فتاوى ابن باز".
و صلى الله على محمد و أله وسلم
نترقب المزيد
بالتوفيق