التصنيفات
الفقه واصوله

حكم التحجير في المساجد للشيخ سمير المبحوح

تعليمية تعليمية

حكم التحجير في المساجد للشيخ سمير المبحوح

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم التحجير ( حجز الأماكن ) في المساجد

الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.
فضّل الرسول – صلى الله عليه و سلم – الصلاة في الصف الأول و القـرب من الإمام عن باقي الصفـوف , فقال– صلى الله عليه وسلم–:" لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول,ثم لم يجدوا إلا أنْ يستهموا عليه لاستهموا " ( متفق عليه )
و في روايةٍ أخرى :" لو تعلمون ما في الصف المقدّم لكانت قرعة "

( رواه مسلم )

و عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال :" سمـعـتُ رسـول الله – صلى الله عليه و سلم – يـقـول : " إنّ الله و ملائكته يصلّون على الصف الأول , و الصفوف الأولى "

( رواه أحمد و إسناده جيد )

و الصف الأول هو الصف المكتمل , قال سفيان الثوري – رحمه الله – :" بأنّ الصف الأول المتصل بين يدي المنبر , لا المقطوع بالمنبر " ( الثمر المستطاب 1 / 421 )
و عن قرّة بن إياس – رضي الله عنه- قال :" كـنا نُـنـْهَى أنْ نصف بيـن السواري على عـهـد رسـول الله – صـلى الله عليه و سلم – و نُطرَد عنها طرداً "

( رواه ابن ماجه و الحديث حسن صحيح )

و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول :" لا تصفّوا بين السواري "

( رواه البيهقي في الكبرى 3 / 104 )

و قال البيهقي – رحمه الله – :" و هذا – و الله أعلم – لأنّ الاسطوانة تحول بينهم و بين وصل الصف "

( المصدر نفسه )

و قال الإمام مالك – رحمه الله – :" لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد "

( المدونة الكبرى 1 / 106)

و للأسف الشديد هناك من المنابر ذوات الدرجات الكثيرة في كثير من المساجد المخالفة للسنة ( ثلاث درجات ) تقطع الصـف الأول , و لا خلاف في جواز الصلاة بين السواري عند الضيق , أو لمن يصلي لوحده , أما مع السعة فهي مكروهة .
و الأجر العظيم لمنْ صلىَّ في الصف الأول , لا يتحقق إلا لمن تقدم و سبق بنفسه , أما مَنْ وضع سجادة أو طاولة أو كتاباً و نحوه , وتأخر عن الحضور بنفسه مبكراً , فهذا مخالف للسنة , و لم يدرك فضيلة الصلاة في الصف الأول , و مَنْ اعتقد غير ذلك فقد أخطأ.
أما مَنْ جاء مبكراً للصلاة في الصف الأول , ثم قام للوضوء أو للحركة , أو لغير ذلك من الأمور , ثم رجع إلى مكانه فهو أحق به مِن غيره,لقوله – صلى الله عليه و سلم – إذا قام أحدكم مِن مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به "

( رواه مسلم )

و ليعلم الجميع أنّ المساجد لله , و الناس فيها سواء , و ليس لأحد فيها حق المكان , إلا إذا قدم مبكراً بنفسه , فإذا سبقه غيره فهو أحق منه بالمكان .
و هناك ظاهرة غريبة في بعض البلدان , أنّ هناك مَنْ يرسل خادمه , أو عامله ليحجز له مكاناً من صلاة العصر إلى صلاة التراويح في رمضان .
و مَنْ حجز مكاناً بهذه الصورة , فقد تعدى على حق مِن حقوق مَنْ جاء قبله , و هذا الفعل يوجب لصاحبه الكسل , و التأخر عن الحضور للصلاة مبكراً , لأنّه يعلم أنّ له مكاناً في الصف الأول , مع ما يقع فيه مِن الإثم مِن تخطي رقاب الناس و إيذائهم بالمـرور مِن أمـامـهم ليـقطع عليهم صـلاتهم , مـما يُحـدث الشـحناء و الـغضـاء و العـداوة و الخصـومة بين المصـلين في بيوت الله , قال – صلى الله عليه و سلم – :" لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه , لكان له أن يقف أربعين خيراً له مِن أنْ يمر بين يديه "

( متفق عليه )

قال أبو النضر – أحد رواة الحديث – : لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة "
و قال – صلى الله عليه و سلم – :" إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة و ليدنُ منها و لا يَدَعْ أحداً يمر بين يديه , فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان "

( متفق عليه )

قال الإمام القرطبي – رحمه الله – :" أي يزيد في دفعه الثاني أشدُّ من الأول , و قال : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أنْ يقاتله بالسلاح" (فتح الباري1 / 583 )
و مِن العجب أنّ أكثر مَنْ يقومون بهذا الفعل مِن حجز الأماكن , هم أناس لهم رغبة في الخير , و لا يعلمون أنّ الرغبة في الخير لا تتحقق بهذا , لنهيه – صلى الله عليه و سلم عن هذا الفعل , لحديث عبد الرحمن بن شبل قال :" نهى رسول الله – صـلى الله عليـه و سلم – عن نقرة الغراب و افتراش السبع و أن يوطِن الرجل المكان في المسجد كما يوطِن البعير " (رواه أبو داود و الحديث حسن )
قال ابن الأثير – رحمه الله – : "معناه أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من المسجد , مخصوصاً به , يصلي فيه كالبعير , لا يأوي مِن عطن إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه و اتخذه مناطاً "

( النهاية 5 / 204 , مادة وطن )

و أحق الناس في الصلاة في الصف الأول هم أولوا الأحلام و النهى مِن العلماء و الحفظة لكتـاب الله , لـقـوله – صلى الله عليـه و سلم – :" ليلني منكم أولوا الأحلام و النُهى , ثم الذين يلونهم و لا تختـلفوا فتختـلف قلوبـكم و إياكم و هيشات الأسواق " ( رواه مسلم )
قال ابن الأثير – رحمه الله – :" هيش , يريد القتيل يُقتل في الفتنة لا يدري مَنْ قتله "

( النهاية 5 / 287 مادة هيَشَ )

و قال الإمام النووي – رحمه الله – :" في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام , لأنـه أولـى بالإكـرام , و لأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى , و لأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره …" ( شرح النووي 4 / 155 )
و عن قيس بن عباد – رحمه الله – قال :" بينما أنا بالمدينة في المسجد في الصف المقدّم قائماً أصلي , فجذبني رجل مِن خلفي جذبةً , فنحّاني و قام مقامي , و قال : فوالله ما عقلتُ صلاتي , فلما انصرف , فإذا هو أبيُّ بن كعب , فقال: يا فتى لا يسؤك الله , إنّ هذا عهد مِن النبي – صلى الله عليه و سلم – إلينا أنْ نليه , ثم استقبل القبلة , فقال : هلك أهل العقدة , و رب الكعبة ثلاثـاً , ثم قـال : و الله ما عليهم آسـى , و لكن آسـى عـن مَنْ ضلـوا , و قال : قلت : مَنْ تعني بهذا ؟ قال : الأمراء "

( رواه ابن خزيمة و إسناده حسن )

فعلى العوام و الجهلة مِن المصلين أنْ يتركوا الصلاة خلف الإمام في الصف الأول لأولي الأحلام و النهى , حـتـى لا يوقعوا أنفسهم في الحـرج .
قال العلاّمة محمد جمال القاسمي – رحمه الله -:" في أغلب المساجد الكبيرة جماعة يلازمون منها ما وراء الإمام قبالة المحراب , فيأتون المسجد قبل الصلاة و يأخذون مصافهم و أمكنتهم المعينة لأنّ كل واحد منهم له مكان مِن تلك البقعة معيّن لا يحيد عنه غالباً , فقد يتفق أن يأتي مِن الناس مَن يظن وجود فرجة هناك أو يأمل أن يُفسح له , فإن كان الآتي مِن ذوي الوجاهة في علم أو منصب , اغتُفر له , و إن كان من طبقة غيرها , فمنهم مَنْ يلصق في مكانه و لا يتفسح , و إن كان المكان قابلاً للتفسح , و منهم مَنْ إذا أحس بقدومه يتربع ليأخذ قدر الفراغ المظنون و يضيق عليه , فإذا أُقيمت الصلاة و دخل أحد , فإذا كان المكان فيه اتساع بعد الإقامة تسامحوا في هجومه , و إن لم يكن فيه اتساع كافٍ , إلا أنّه يمكن لهم أن يتفسحوا , فهناك لا تسل عن غرائبهم ,فمنهم مـََنْ يتـرك مـكانـه و يذهب للصف الثاني حرداً و قد مُليء غيظاً و غضباً , و منهم مَنْ يشير له بالرجوع و يـقـول مـا ثـم مكان , و منهم مَنْ يلغـط و يتأفف و يحوقل و يخاصم همساً و قد يكمل لغطه بعد الصلاة إذ يكون قدّر في نفسه و هو في الصلاة ما يقرِّعه به و يوبخه على فعله , و قد يتفق أن يأتي أحد يلازم معهم جديداً فقد يسبق أحدهم إلى مـكانـه و يجلس فيه , فإذا قدم هذا الملازم القديم و رأى مكانه أُُخِذ فتراه يحرد إلى آخر الصف و يلحظ مكانه بطرف خفي متأسفاً و متغيظاً على هذا الذي اغتصب مكانه و قد لا يسعه الصبر فتراه يجاهر و يقول له : يا أخي لسنا أولاد البارحة و اليوم في هذا الجامع , نحن من أربعين سنة نصلي في هذا المكان , فأين الذوق؟ " فتأمل ما يأتي به هؤلاء الجهلة ,و تأمل عبادتهم المحشوة رياءً و عُجْباً و كِبراً , و هل مثل هؤلاء للخشية في قلوبهم أثر أو لثمرة الصلاة فيهم وجود ؟ كلا , فما أحوجنا إلى مُربٍّ و مؤدبٍ و المستعان بالله "

( اصلاح المساجد ص 241 )

فالمؤمن الحريص على دينه إذا علم أنَّ فعله هذا مخالف لشرع الله , و ما فيه مِن المفاسد و المضار , فإنّه لا يُقْدِم عليه و لا يفعله , و يستغفر الله مما صدر منه , و يعزم على أنْ لا يعود إليه مرة أخرى.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه

سمير المبحوح

2 / ربيع الآخر / 1443 هـ

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية