[صوتية] قولون وا معتصماه !! وهذا هو الشرك الأكبر الشيخ السحيمي حفظه الله
حمل من هنا
للامانة العلمية الموضوع منقول |
||
[صوتية] قولون وا معتصماه !! وهذا هو الشرك الأكبر الشيخ السحيمي حفظه الله
حمل من هنا
للامانة العلمية الموضوع منقول |
||
[فوائد مستخلصة] من أنواع الشرك الأكبر شرك الطاعة فما معناه؟ لفضيلة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله
من أنواع الشرك الأكبر شرك الطاعة فما معناه؟!
مستفاد من: رسالة نواقض الإسلام – الدرس 1 لفضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله
هو أن يتخذ المرء مُطاعًا يُطيعه فيما يحل ويحرم هذا الآن إجمالًا؛ قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ الآية [التوبة:31]جاء تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث حسن من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه (( أن النبي صلى الله عليه وسلم تلى هذه الآية فقال يارسول الله، فقال يارسول الله! لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ قال: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ "؟ قُلْتُ : بَلَى ، قال : " فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)) وها هنا تنبيه يتألف من شقين وهو تفصيل هؤلاء الذين أطاعوا الأحبار والرهبان والعلماء في تحليل محرم أو تحريم حلال، أغفله بعض أهل الشطط؛ ونحن نسوقه بالمعنى. وأقول ما قدمنا التنويه عنه قبل الأذان أن هؤلاء الذين تابعوا من بدل دين الرسل قسمان:- الأول: من تابعوا المبدلة لدين الرسل عالمين بالتبديل مستحلين الحرام محرمين الحلال؛ فهؤلاء قد اتخذوهم أربابًا من دون الله وهم ومشركون وإن لم يكونوا يصلون لهم ويقربون لهم القربات الأخرى. القسم الثاني: من تابعوا هؤلاء المبدلة لكن من غير استحلال يعلمون أنهم بدلوا وأنهم أحلوا وحرموا من تلقاء أنفسهم؛ لكن لم يحلوا الحرام ولم يحرموا الحلال تبعًا لرؤسائهم؛ فقيل لهم اشربوا الخمر فشربوه معتقدين تحريمه؛ وقيل لهم اجتنبوا اللحم، اجتنبوا كذا اجتنبوا كذا من الطيبات فاجتنبوها وتركوها عالمين بحالها. · هذا هو شرك الطاعة: وهو الذي ينقم أهل الشطط على علماء الملة المباركة علماء السنة أنهم أغفلوه؛ فهذا بيان ودواوين أهل السنة مليئة بصنوف أخرى من البيان في هذا؛ هم يسمونه شرك التشريع؛ ولهذا يقول بعض قالتهم ذهب شرك القبور وبقي شرك القصور؛ وهذا الأمر من التهوين بعقيدة التوحيد والحط من شأن علماء هذه العقيدة؛ وأنهم لم يقوموا بما أوجبه الله عليهم من نصح أهل الإسلام وكذبوا والله؛ فإن دواوين أهل السنة مجمعة على النصح للأمة بما نقلوه من أصول هذا الدين وفروعه؛ وما نقلوه من وجوب إخلاص التدين لله؛ ووجوب متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والتحذير مما يضاد هذا التدين؛ أو يضاد كماله. للامانة العلمية الموضوع منقول |
||
جزاك الله خيرا
وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ
هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}1 .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: "ما
هذه"؟ قال: من الواهنة. فقال: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت
أبدا"رواه أحمد بسند لا بأس به2 .
وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"3
وفي رواية: "من تعلق تميمة فقد أشرك"4 5. ولابن أبي حاتم عن حذيفة 6 : أنه رأى رجلا في
يده خيط من الحمى، فقطعه وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
فيه مسائل:
الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك.
الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح، فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.
الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة.
الرابعة: أنها لا تنفع في العاجلة، بل تضر لقوله: "لا تزيدك إلا وهنا ".
الخامسة: الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.
السادسة: التصريح بأن من تعلق شيئا وكل إليه.
السابعة: التصريح بأن من تعلق تميمة فقد أشرك.
الثامنة: أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك.
التاسعة: تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك
الأكبر على الأصغر، كما ذكر ابن عباس في آية البقرة.
العاشرة: أن تعليق الودع عن العين من ذلك.
الحادية عشرة: الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا
ودع الله له. أي ترك الله له.
[التعليق:]
باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
وهذا الباب يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب.
وتفصيل القول فيها: أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:
أحدها: أن لا يجعل منها سببا إلا ما ثبت أنه سبب شرعا أو قدرا.
ثانيها: أن لا يعتمد العبد عليها، بل يعتمد على مسببها ومقدرها، مع
قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النافع منها.
ثالثها: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه، والله تعالى يتصرف
فيها كيف يشاء: إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته ليقوم بها العباد، ويعرفوا بذلك تمام حكمته، حيث
ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها، وإن شاء غيرها كيف يشاء لئلا يعتمد عليها العباد، وليعلموا كمال قدرته،
وأن التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده، فهذا هو الواجب على العبد في نظره وعمله بجميع الأسباب.
إذا علم ذلك فمن لبس الحلقة أو الخيط أو نحوهما قاصدا بذلك رفع البلاء بعد نزوله، أو دفعه
قبل نزوله فقد أشرك ; لأنه إن اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة فهذا الشرك الأكبر.
وهو شرك في الربوبية حيث اعتقد شريكا مع الله في الخلق والتدبير.
وشرك في العبودية حيث تأله لذلك وعلق به قلبه طمعا ورجاء لنفعه، وإن اعتقد أن الله
هو الدافع الرافع وحده ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء، فقد جعل ما ليس سببا
شرعيا ولا قدريا سببا، وهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر.
أما الشرع فإنه ينهى عن ذلك أشد النهي، وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة.
وأما القَدَر فليس هذا من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود،
ولا من الأدوية المباحة النافعة.
وكذلك هو من جملة وسائل الشرك؛ فإنه لا بد أن يتعلق قلب متعلقها بها، وذلك نوع شرك ووسيلة إليه.
فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه التي يتوسل بها إلى رضاء الله
وثوابه، ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو
جرب نفعها مثل الأدوية المباحة كان المتعلق بها متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها، فيتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه
وتوحيده؛ فإنه لو تم توحيده لم يتعلق قلبه بما ينافيه، وذلك أيضا نقص في العقل حيث التعلق بغير متعلق ولا نافع
بوجه من الوجوه، بل هو ضرر محض. والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين، وعلى
تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات، والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول، المزكية للنفوس، المصلحة
للأحوال كلها دينيها ودنيويها والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
1 سورة الزمر آية : 38.
2 رواه الإمام أحمد (المسند) 4 / 445. وفي إسناده (المبارك) وهو ابن فضالة أبو فضالة البصري. قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 2 / 227: (صدوق يدلس ويسوي). ومن طريق أبي عامر الحزاز عن الحسن عن عمران بنحوه رواه ابن حبان (1411). والحاكم 4 / 216 وصححه ووافقه الذهبي.
) 3 (المسند) 4 / 154. وفي إسناده (خالد بن عبيد) وهو المعافري. قال ابن حجر (تعجيل المنفعة ص 114: (رجال حديثه موثوقون). والحاكم 4 / 216 وصححه ووافقه الذهبي.
4 أحمد (4/156).
5 (المسند) 4 / 156 عن عقبة بن عامر الجهني. قال الهيثمي (مجمع الزوائد) 5 / 103: (رجال أحمد ثقات). ا هـ.
6 ذكره ابن كثير (التفسير) 4 / 55 معلقا, ولم يعزه لمخرجه من طريق حماد بن سلمة عن عاصم ابن أبي النجود عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض… نحوه ومع تعليق إسناده فيه (عاصم ابن أبي النجود). قال ابن حجر (تقريب التهذيب) 1 / 383: (صدوق له أوهام, وحديثه في الصحيحين مقرون). اهـ.
7 سورة يوسف آية : 106.
من كتاب القول السديد في مقاصد التوحيد
للشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله
[ مطوية للنشر ] بيان معنى الشرك وأنواعه
بسم الله الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وآله وصحبه أجمعين فيسر شبكة الإمام الآجري أن تضيف إلى المطوية والتي كانت بعنوان [ حقيقة الشهادتين ] نضيف لها تتمتها وهي مطوية بعنوان [ بيان معنى الشرك وأنواعه ] للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان
احرصوا على نشرهما واحتسبوا الأجر في ذلك
لتحميل مطوية [ بيان معنى الشرك وأنواعه ] الملفات المرفقة بيان معنى الشرك وأنواعه.pdf‏ (127.9 كيلوبايت) للامانة الموضوع منقول |
||
الشرك الخفي للدكتور طلعت زهران حفظه الله
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ ) فقلنا بلى يا رسول الله ! قال ( الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل) حسن الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 27 الرياء قناع خداع يحجب وجها كالحا ونفسا لئيمة وقلبا صدئا صلدا، والرياء طلاء رقيق يخفي سوءات بعضها فوق بعض، والرياء زيف كاسد في سوق تجارة، قال وهب بن منبه: "من طلب الدنيا بعمل الآخرة نكس الله قلبه وكتب اسمه في ديوان أهل النار"، وقال أبو العالية: " قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،: لا تعمل لغير الله فيكلك الله إلى من عملت له". وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف على نفسه من النفاق"، وقال الربيع بن خثيم: " كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل". وقال: " السرائر السرائر اللاتي تخفين من الناس وهن لله تعالى بواد التمسوا دواءهن". ومن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا في يوم القيامة، غلب على قلبه حذر الرياء وتصحيح الإخلاص بعمله حتى يوافي الله تعالى يوم القيامة بالخالص المقبول؛ إذ عُلم أنه لا يخلص إلى الله جل ثناؤه إلا ما خلص منه ولا يقبل يوم القيامة إلا ما كان صافيا لوجهه لا تشوبه إرادة شيء بغيره، قال أبو عبد الله الأنطاكي: "من طلب الإخلاص في أعماله الظاهرة وهو يلاحظ الخلق بقلبه فقد رام المحال؛ لأن الإخلاص ماء القلب الذي به حياته والرياء يميته"، وكتب يوسف بن أسباط إلى حذيفة: "إن لنا ولك من الله مقاما يسألنا فيه عن الرمق الخفي وعن الخليل الجافي ولست آمن أن يكون فيما يسألني ويسألك عنه وساوس الصدور ولحاظ الأعين وإصغاء الأسماع". اعلم أن مما يوصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم وفارقوهم بأهوائهم ولم ينتهوا عن خبيث أفعالهم، كثرت أعمالهم بلا تصحيح فأحرمهم الله الثمن الربيح. والرياء مشتق من الرؤية، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس: * وأصل الرياء حب الجاه، والجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس، وهو اعتقاد القلوب نعتا من نعوت الكمال في هذا الشخص، إما لعلم أو عبادة أو نسب أو قوة أو حسن منظر أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمالا، فبقدر ما يعتقدون له من ذلك تذعن قلوبهم لطاعته ومدحه وخدمته وتوقيره. ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفا بالتردد إليهم والمراءاة لهم، ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتا إلى ما يعظم منزلته لديهم، وذلك بذر النفاق وأصل الفساد؛ لأن من طلب هذه المنزلة في قلوب العباد اضطر أن ينافقهم بإظهار ما هو خال عنه ويجر إلى المراءاة بالعبادات واقتحام المحظورات والتوصل إلى اقتناص القلوب وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله العارفون به المحبون له وإذا فصل رجع إلى ثلاثة أصول: حب لذة الحمد، والفرار من الذم، والطمع فيما في أيدي الناس كتب خالد بن صفوان إلى عمر بن عبد العزيز: "يا أمير المؤمنين إن أقواما غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين وبثناء الناس مسرورين وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين وإلى الأهواء مائلين. فبكى عمر ثم قال: أعاذنا الله وإياك من إتباع الهوى". * والرياء منه الجلي ومنه الخفي فالرياء الجلي: هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه ومن الرياء الخفي أن الإنسان يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، قال مطرف ابن عبد الله: " كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه". وقال الحسن البصري :" من ذم نفسه في الملأ فقد مدحها وذلك من علامات الرياء". روى َالْحَاكِمُ: (أَوَّلُ النَّاسِ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ، فَيَقُولُ: رَبِّ عَلَّمْتَنِي الْكِتَابَ فَقَرَأْتُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيْ سَاعَاتِهِمَا رَجَاءَ ثَوَابِك، فَيَقُولُ: كَذَبْتَ إنَّمَا كُنْتَ تُصَلِّي لِيُقَالَ: إنَّك قَارِئٌ مُصَلٍّ وَقَدْ قِيلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَّارِ؛ ثُمَّ يُؤْتَى بِآخَرَ، فَيَقُولُ: رَبِّ رَزَقْتَنِي مَالا فَوَصَلْتُ بِهِ الرَّحِمَ وَتَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَحَمَّلْتُ بِهِ ابْنَ السَّبِيلِ رَجَاءَ ثَوَابِك وَجَنَّتِك، فَيُقَالُ: كَذَبْتَ إنَّمَا كُنْتَ تَتَصَدَّقُ وَتَصِلُ لِيُقَالَ: إنَّهُ سَمْحٌ جَوَّادٌ فَقَدْ قِيلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَّارِ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالثَّالِثِ فَيَقُولُ: رَبِّ خَرَجْتُ فِي سَبِيلِك فَقَاتَلْتُ فِيك غَيْرَ مُدْبِرٍ رَجَاءَ ثَوَابِك وَجَنَّتِك فَيُقَالُ: كَذَبْتَ إنَّمَا كُنْتَ تُقَاتِلُ لِيُقَالَ: إنَّك جَرِيءٌ وَشُجَاعٌ فَقَدْ قِيلَ، اذْهَبُوا بِهِ إلَى النَّارِ). وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ: (( مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَاءِ يُرَاءِ اللَّهُ بِهِ: وَمَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ** أقسام الرياء من حيث القبح: أ ـ َأَقْبَحُهَا الرِّيَاءُ فِي الإِيمَانِ: أ ـ فأقبحها أن يقصدَ التَّمكُّن من معصيةٍ كمن يظهر الورع والزُّهد حتَّى يعرف به فيولَّى المناصبَ وَالوَصَايَا، وَتُودَعَ عندهُ الأموالُ، أو يفوَّض إليه تفرقة الصَّدَقَاتِ وَقَصده بِكلِّ ذلك الخيانة فيه. من مظاهر الرياء عند طلبة العلم التي ينبغي الحذر منها: أولاً ــ الجرأة على الفتوى وتعجل التدريس: * قال الإمام أحمد: " لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: ثانياً ــ الاشتغال بفرض الكفاية عن فرض العين: ثالثاً ــ حب المناظرة، وحب الجدل و كثرة الكلام: ( يهرف بما لا يعرف ) وقال بعض السلف: إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه فقد تمَّت خسارته. رابعاً ــ الولع بالغرائب والبحث عن المهجور من الأقوال: خامساً ــ الشغب على المخالف والزهو بالمتبع. فهذا هو الرِّياء من الأدواء المهلكة، والأمراض الفاتكة، والخسائر الفادحة الرياء، حيث فيه خسارة الدين والآخرة، ولهذا حذر منه المتقون، وخافه الصالحون، ونبه على خطورته الأنبياء والمرسلون، ولم يأمن من مغبته إلا العجزة، والجهلة، والغافلون، فهو الشرك الخفي، والسعي الرديء، ولا يصدر إلا من عبد السوء الكَلَِّ المنكود. الرياء كله دركات، بعضها أسوأ من بعض، وظلمات بعضها أظلم من بعض، وأنواع بعضها أخس وأنكد من بعض، فمنه الرياء المحض، وهو أردأها، ومنه ما هو دون ذلك، ومنه خطرات قد أفلح من دفعها وخلاها، وقد خاب من استرسل معها وناداها. فالعمل لغير الله أنواع وأقسام، كلها مذمومة مردودة، ومن الله متروكة، فالله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء، وأفضل الخلطاء، فمن أشرك معه غيره تركه وشركه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". وفي رواية لابن ماجة: "فأنا منه بريء وهو للذي أشرك". والأنواع هي: "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً".4 "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله".5 "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون".6 وهذا النوع كما قال ابن رجب الحنبلي يكون في الأعمال المتعدية، كالحج، والصدقة، والجهاد، ونحوها، ويندر أن يصدر من مؤمن: (فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة). وهو نوعان: Ý. إما أن يخالط العملَ الرياءُ من أصله فقد بطل العمل وفسد والأدلة على ذلك بجانب حديث أبي هريرة السابق: · عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدَّق يرائي فقد أشرك، وإن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئاً، فإن جدة عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني". وعن أبي سعيد بن أبي فضالة الصحابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك". وخرج الحاكم من حديث ابن عباس: "قال رجل: يا رسول الله: إني أقف الموقف وأريد وجه الله، وأريد أن يُرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً". قال ابن رجب: (وممن روي عنه هذا المعنى، وأن العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلاً: طائفة من السلف، منهم عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، والحسن، وسعيد بن المسيب، وغيرهم. ومن مراسيل القاسم بن مُخَيْمِرَة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله عملاً فيه مثقال حبة من خردل من رياء". ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً، وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين).
ب. وإما أن يطرأ عليه الرياء بعد الشروع في العمل فإن كان خاطراً ماراً فدفعه فلا يضرُّه ذلك، وإن استرسل معه يُخشى عليه من بطلان عمله، ومن أهل العلم من قال يُثاب ويُجازى على أصل نيته. قال ابن رجب: (وإن استرسل معه، فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يُجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره. ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في "مراسيله"11 عن عطاء الخرساني أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن بني سَلَمَة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نجدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم، إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا". وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله، كالصلاة، والصيام، والحج، فأما ما لا ارتباط فيه، كالقراءة، والذكر، وإنفاق المال، ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية. وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي12 أنه قال: ربما أحدث بحديث ولي نية، فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي، فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات. ولا يرد على هذا الجهاد، كما في مرسل عطاء الخرساني، فإن الجهاد يلزم بحضور الصف، ولا يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج). كمن يريد الحج وبعض المنافع، والجهاد والغنيمة، ونحو ذلك، فهذا عمله لا يحبط، ولكن أجره وثوابه ينقص عمن نوى الحج والجهاد ولم يشرك معهما غيرهما. خرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم، فإن لم يغنموا شيئاً تمَّ لهم أجرُهم".13 وروي عن عبد الله بن عمرو كذلك قال: "إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقاً، فلا بأس بذلك، وأما أن أحدكم إن أعطي درهماً غزا، وإن مُنع درهماً مكث، فلا خير في ذلك". وقال الأوزاعي: إذا كانت نية الغازي على الغزو، فلا أرى بأساً. وقال الإمام أحمد: التاجر، والمستأجر، والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم، ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره. وقال أيضاً فيمن أخذ جعلاً على الجهاد إذا لم يخرج لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ، كأنه خرج لِدِينه، فإن أعطي شيئاً أخذه. وقال ابن رجب: (فإن خالط نية الجهاد نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة، أوأخذ شيء من الغنيمة، أوالتجارة، نقص بذلك أجر جهادهم، ولم يبطل بالكلية.. وهكذا يقال فيمن أخذ شيئاً في الحج ليحج به، إما عن نفسه، أوعن غيره، وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الجمَّال، وحج الأجير، وحج التاجر، هو تمام لا ينقص من أجورهم شيء، وهو محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب. وفي رواية لابن ماجة: "الرجلُ يعمل العمل لله فيحبُّه الناس عليه". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيُسِِرُّه، فإذا اطلع عليه، أعجب، فقال: "له أجران: أجر السر وأجر العلانية". قال ابن رجب: (وبالجملة، فما أحسن قول سهل بن عبد الله التُستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب. وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر. وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرِّف بن عبد الله: اللهم إني أستغفرك مما تبتُ إليك منه، ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي، ثم لم أفِ لك به، وأستغفرك مما زعمتُ أني أردت به وجهك، فخالط قلبي منه ما قد علمتَ). ورحم الله القائل: أستغفرُ الله من أستغفر الله من كلمة قلتها خالفتُ معناها اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم، وصلى الله وسلم على إمام المتقين وسيد المتوكلين المخلصين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين. جواب فتوى ما هو الشرك الخفي للدكتور طلعت زهران حفظه الله للامانة الموضوع منقول |
||
قال سبحانه: – إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ – سورة النساء الآية 48.
حقيقة الشهادتين و بيان معنى الشرك وأنواعه: مطويتان للنشر
من إعداد شبكة الإمام الآجري
حقيقة الشهادتين للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله
صورة المطوية:
لتحميل المطوية:
بيان معنى الشرك وأنواعه للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله
صورة المطوية:
لتحميل المطوية:
وفقكم الله
في الضابط المميِّز لمجال الشرك الأكبر من الأصغر
السـؤال: أريد أن أسأل عن كيفية معرفة الأمور التي نحكم عليها بأنها شرك أكبر مميَّزًا عن الشرك الأصغر بتحديد ضابطٍ يُفرِّق بين مجال كُلِّ واحدٍ منهما؟ وجزاكم اللهُ خيرًا الجـواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد: فاعلم أنَّ مجالَ الشِّركِ الأكبرِ يكمن في عقائدِ القلوبِ سواء بتسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله تعالى، وهو المعنى العامُّ للشرك الأكبر، أو باتخاذ مع الله ندًّا أو نظيرًا يعبده كما يعبد الله، ويطيعه كما يطيع الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: 18]، وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: 21]، ومنه يتبيّن أن الشرك الأكبر ينافي التوحيد. أمّا مجال الشرك الأصغر فهو في هيئة الفعل أو القول باللسان أو الإرادات الخفية، مثل تسوية غير الله بالله في هيئة الفعل: التطير، والتمائم، والرقى الشركية، والنشرة إذا أتى بها من غير اعتقاد فاعليتها أو تأثيرها بنفسها، والاستسقاء بالأنواء إذا اعتقد أنّ ذلك بإذن الله. – وقد تكون تسوية غير الله بالله سبحانه في قول اللسان كالحلف بغير الله، وقول القائل: ما شاء الله وشئت، أو اللهم اغفر لي إن شئت، وقوله: «قاضي القضاة» أو كالتعبُّد لغير الله كعبد الرسول، وعبدِ النبي، وعبدِ الحارث، وما إلى ذلك، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»(١- ). – وقد تكون تسوية غير الله بالله سبحانه في الإرادات القلبية الخفية كالرياء فقد ثبت في الحديث قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُهُ عَلَيْكُمُ الشِّرْك الأَصْغَر»، فسئل عنه، قال: «الرِّيَاءُ»(٢-)، ومنها: السمعة والتصنُّع وإرادة الدنيا ببعض الأعمال ونحو ذلك. غير أنّ هذه الأقسام من الشرك الأصغر تنافي كمال التوحيد وقد تنقلب إلى شرك أكبر إذا لازمه اعتقاد قلبي بتعظيم غير الله كتعظيم الله، أو يغلب على أعمال العبد الرياء والإرادة بعمله الدنيا، ولا يريد به وجهَ الله تعالى، أو تكون المراءاة في أصل الإيمان، لذلك ينبغي الحذر كلّ الحذر من الشرك الأصغر خشية الوقوع في الأكبر لكثرة الاشتباه فيه، فقد يحصل الظنّ فيما هو من الشرك الأصغر ولكنه في حقيقته يعدّ من الشرك الأكبر، ولا يخفى أنّ الشرك الأكبر مخرج للعبد من مِلَّةِ الإسلام، ومحبط للأعمال كلِّها جملة وتفصيلاً، ومُحِلٌّ للأموال والنفوس، وإذا مات عليه من غير توبة لم يدخل تحت المشيئة كما هو حال الشرك الأصغر، وإنما كان ذلك موجبًا للخلود في النار -والعياذ بالله- قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]. وحَرِيٌّ بالتنبيه إلى وجود فَرْقٍ بين الشِّرك والكفرِ الذي يتَّفق مع الشرك في تسوية غير الله مع الله، ويزيد عليه بالجحد المطلق، وهو جحد ما لا يتمُّ الإسلام بدونه أو كماله، ومن هذا التصوُّر يظهر بينهما العموم والخصوص المطلق، فكلُّ شركٍ كفرٌ وليس كلُّ كُفرٍ شركًا، والكفر على نوعين -أيضًا- أكبر وأصغر، ومن أنواع الكفر الأكبر: كفر التكذيب، والشك، والإباء والاستكبار، وكفر الجهل، والنِّفاق، والاعتقاد، والفعل، والقول، ومن الكفر القولي: كفر تكذيب، وتعطيل، وتمثيل. أمّا الكفر الأصغر فهو أنواع أيضًا منها كفر النعمة، وترك الصلاة، وإتيان المرأة في دبرها ونحو ذلك. نسأل الله تعالى أن يرزقنا التوحيد الخالص، والاتباع الصادق، وأن يجنِّبنا ما يضادّ التوحيد مما ينافيه أو ينافي كماله من الشرك والكفر الأكبر والأصغر ونحوهما. والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا. الجزائر في: 01 صفر 1443ﻫ
الموافق ﻟ: 08/02/2008م
_________________________ ___ ١-أخرجه البخاري في «الرقاق»، باب حفظ اللسان..: (6113)، ومسلم في «الزهد»، باب حفظ اللسان: (7481)، والترمذي في «الزهد»، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس: (2314)، وابن ماجه في «الفتن»، باب كف اللسان في الفتنة: (3970)، وأحمد في «مسنده»: (8206)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ٢- أخرجه أحمد في «مسنده»: (23119)، والبيهقي في «شعب الإيمان»: (6831)، والطبراني في «المعجم الكبير»: (4/253)، من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه. وجوّد إسناده المنذري في «الترغيب والترهيب»: (1/34)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (951). منقول |
||
ما أنواع الشرك القولية والفعلية؟
الشرك: هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى كالذبح لغير الله والنذر لغير الله والدعاء لغير الله والاستغاثة بغير الله كما يفعل عُبَّاد القبور اليوم عند الأضرحة من مناداة الأموات، وطلب قضاء الحاجات، وتفريج الكربات من الموتى، والطواف بأضرحتهم، وذبح القرابين عندها تقربًا إليهم، والنذور لهم وما أشبه ذلك، هذا هو الشرك الأكبر لأنه صرف للعبادة لغير الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا يقول: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [سورة الكهف: آية 110] ويقول: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء: آية 36] ويقول جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سورة البينة: آية 5] والآيات في هذا الموضوع كثيرة، والشرك أنواع:
النوع الأول: الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة وهو الذي ذكرنا أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله كأن يذبح لغير الله أو ينذر لغير الله أو يدعو غير الله أو يستغيث بغير الله فهذا شرك أكبر يخرج من الملة، وفاعله خالد مخلد في نار جهنم إذا مات عليه ولم يتب إلى الله، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [سورة المائدة: آية 72] وهذا لا يغفره الله عز وجل إلا بالتوبة، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء: آية 48].
والنوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الملة لكن خطره عظيم، وهو أيضًا على الصحيح لا يغفر إلا بالتوبة لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء: آية 48] وذلك يشمل الأكبر والأصغر، والشرك الأصغر مثل الحلف بغير الله، ومثل قوله: ما شاء الله وشئت، بأن تعطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بالواو، لأن (الواو) تقتضي التشريك.
والصواب أن تقول: ما شاء الله ثم شئت؛ لأن (ثم) تقتضي الترتيب، وكذا لولا الله وأنت، وما أشبه ذلك كله من الشرك في الألفاظ، وكذلك الرياء أيضًا وهو شرك خفي؛ لأنه من أعمال القلوب ولا ينطق به ولا يظهر على عمل الجوارح، ولا يظهر على اللسان إنما هو شيء في القلوب لا يعلمه إلا الله.
إذًا فالشرك على ثلاثة أنواع: شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي وهو الرياء وما في القلوب من القصود – النيات – لغير الله سبحانه وتعالى.
والرياء معناه: أن يعمل عملاً ظاهره أنه لله لكنه يقصد به غير الله سبحانه وتعالى كأن يقصد أن يمدحه الناس وأن يثني عيه الناس أو يقصد به طمعًا من مطامع الدنيا، كما قال سبحانه وتعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة هود الآية: 15، 16].
فالذي يحج أو يطلب العلم أو يعمل أعمالاً هي من أعمال العبادة لكنه يقصد بها طمعًا من مطامع الدنيا، فهذا إنما يريد بعمله الدنيا، وهذا محبط للعمل.
فالرياء محبط للعمل، وقصد الدنيا بالعمل يحبط العمل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) فسئل عنه فقال: (الرياء) [رواه الإمام أحمد في "مسنده" (5/428)، ورواه البغوي في "شرح السنة" (14/323، 324)، ورواه الطبراني في "الكبير" (4/253) حديث رقم (4301)، وانظر "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (1/102) و"المغني عن حمل الأسفار في الأسفار" (3/291)، كلهم من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه] وقال عليه الصلاة والسلام: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل وكفارته أن يقول: اللهم إنني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم) [رواه الإمام أحمد في "مسنده" (4/303) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بنحوه، ورواه البخاري في "الأدب المفرد" (ص242)، من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه بنحوه، وانظر "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/223، 224)] فالواجب على المسلم أن يخلص لله في أفعاله وأقواله ونياته، لله جميع ما يصدر منه من قول أو عمل أو نية ليكون عمله صالحًا مقبولاً عند الله عز وجل.
المنتقي من فتاوي الفوزان
الجزء الثاني
يجيب الشيخ زيد المدخلي حفظه الله تعالى
أنا شاب يعلم الله أني أحبك فيه , سؤالي : ما الوقاية والعلاج من الشرك الخفي ؟ وما علاماته ؟ وبماذا نستعين على التخلص منه ؟
جواب فضيلة الشيخ ـ حفظه الله ـ :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فقد ابتدأت سؤالك بذكر صفة عظيمة من صفات المؤمنين وهي المحبة في الله إذ قلت : " يعلم الله أني أحبك فيه " فأقول لك : " أحبك الله كما أحببتنا فيه .
وأما سؤالك عن الوقاية والعلاج من الشرك الخفي فهو يجرّ إلى كتابة نبذة مختصرة عن الشرك بكافة أنواعه كباره وصغاره ، فالشرك ضد التوحيد؛ بل من أعظم أضداد التوحيد ، وقد عرّفه العلماء بعدة تعريفات منها : هو اتخاذ العبد من دون الله نداً يسويه برب العالمين في المحبة والخشية والخوف والرجاء ونحوها مما هو من حقوق الله .
وهو قسمان : شرك أكبر وشرك أصغر، والفرق بينهما هو : أن الشرك الأكبر مخرج من ملّة الإسلام بالكلية وصاحبه إن مات غير تائب منه فهو من أهل الخلود في النار
وهو نوعان :
أ / ظاهر
ب / وخفي .
والظاهر منه : كعبادة الأوثان والقبور والأشجار والأحجار،وطاعة المخلوق في تحليل ما حرّم أو تحريم ما أحلّ الله ونحو ذلك مما فيه صرف شيء من العبادة لغير الله .
والخفي: من الشرك الأكبر ما كان باطناً كشرك المنافقين الذين يظهرون الخير والطاعة، ويبطنون الشر والمخالفات الكفرية والشركية، قاتلهم الله أنَى يؤفكون .
والنوع الثاني من أنواع الشرك الشرك الأصغر: وهو ما ثبت عن الشارع أنه شرك، ولكنه لا يصل إلى درجة الأكبر، لأنه لا يخرج فاعله من دائرة الإسلام، وهو قسمان أيضاً:
أـ ظاهر.
ب – خفي .
فالظاهر منه: كتعليق التمائم، والحلف بغير الله، ووضع الحلقة والخيط وعين الذئب لدفع أمراض معينة وكونها شركية باعتبارها أسباباً غير شرعية ،وتتعلق القلوب بها في تحقيق ما علقت من أجله .
وشرك خفي أصغر ينافي كمال التوحيد ولا يخرج الواقع فيه من دائرة الإسلام، ولكنه ينقص بارتكابه ثواب العمل الصالح, ووجه تسميته خفيّاً لخفائه على نفس صاحبه, أو لكون صاحبه يخفيه عن الناس فلا يطّلع عليه أحد، ولا يطّلع عليه إلا الله جلّ وعلا، لأنه علاّم الغيوب، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, ومن أمثلته قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : { الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء، على صفاة سوداء، في ظلمة الليل }, ومثله في الدلالة على هذا النوع أي الشرك الخفي الأصغر، حديث حذيفة عند البخاري في الأدب المفرد وأبي يعلى وغيرهما من حديث حذيفة ابن اليمان ـ رضي الله عنه ـ عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال: { الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل, قال أبو بكر يا رسول الله: وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله؟ قال ثكلتك أمك, الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ألا أخبركم؟ يقول يذهب صغاره وكباره, أو قال صغيره و كبيره، قال: بلى، قال: تقول كل يوم ثلاث مرات اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم, والشرك أن تقول: أعطاني الله وفلان, والند أن يقول الإنسان لولا فلان لقتلني فلان }
ومن صور الشرك الأصغر ما دلّ عليه حديث محمود بن لبيد ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنّه قال: { أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء, يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم , اذهبوا إلى من كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً }
ومن علاماته أن يقوم العبد في عمل الطاعة يريد به وجه الله فيزيد في تحسين العمل من أجل مشاهدة الغير له ،وقصد مدحته والثناء عليه .
وعلاجه : مجاهدة النفس على الإخلاص في العمل وترك المراءات وملازمة الذكر الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليكون علاجاً للتخلّص من الرياء الطارئ على العمل ما جاء في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الطويل ومنه : قول النبي صلى الله عليه وسلم : " تقول كل يوم ثلاث مرات اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم "
بالإضافة إلى الاجتهاد في قراءة القرآن وسائر أنواع الذكر كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وكثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في كل حال ، والدعاء في آخر الليل قائلاً : " اللهم اجعل عملي صالحاً ولوجهك الكريم خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئاً ، وخذ كتاباً من كتب الأذكار المقيدة والمطلقة ، وأكثر من قول : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، وقول :" اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " مع المحافظة على الجلوس في حلقات العلم لتكون فقيهاً في الدين فإن التفقه في الدين سبيل المؤمنين ، والفقه في الدين فيه علاج القلوب والأرواح والأبدان ، وأن العبادة مع الجهل بأمور الدين تكون معها الشكوك والوسوسة والاضطراب في أمور العبادة .
وختاماً خذ بما أوصيتك به وتوكل على الله وأرج رحمته وأخش عقابه وظنّ به خيراً فإنه أرحم الراحمين وخير الغافرين لمن أتى بأسباب الرحمة والغفران . والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
تقبلي مروري
اختك هناء
سلمت الأنمل لما نثرت به
وسلم لنا أبدآعك
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ [آل عمران: 102].
]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[
[النساء: 1].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن العمل لا يكون صالحًا ولا مقبولاً إلا إذا توفر فيه، ركنان هما:
الأول: الإخلاص لله عز وجل.
الثاني: المتابعة للنبي r.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لا بد أن يكون خالصًا لله صوابًا على شريعة رسوله r».
وقد دل على هذين الركنين قوله تعالى: ]فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ [الكهف: 110].
وقوله تعالى: ]وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ[ وغيرها من الآيات.
ولهذا كان لزامًا على العبد أن يحقق هذين الركنين في جميع أعماله. وأن يجاهد نفسه في ذلك وخاصة أن الإخلاص من أشق الأمور على النفوس، وهذه المشقة لا يعاني منها إلا العلماء العالمون بالله تعالى، بل إن كثيرًا من العلماء والصالحين لاقوا هذه المعاناة.
يقول سفيان الثوري – رحمه الله -: «ما عالجت شيئًا عليّ أشد من إنها تتقلب علي».
وقال سهل بن عبد الله: «ليس على النفس شيئًا أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب».
وقال يوسف بن الحسين الرازي: «أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء. وكأنه ينبت فيه على لون آخر».
ولأجل ذلك احتاج المخلص إلى قوة إرادة وعزيمة قوية، وإحياء لواعظ الله – عز وجل – في قلبه وإلى محاسبة للنفس ليردها إلى الطريق المستقيم كلما أرادت الانحراف إلى الرياء والسمعة والعُجب وغيرها من الأمراض التي تفسد الأعمال أو تنقص أجرها.
والمخلص كذلك يحتاج إلى متابعة ومطالعة سير وأخبار السلف الصالح وما كانوا عليه من الإخلاص وإخفاء الأعمال.
ومما يعين المخلص على الإخلاص معرفة نواقضه، ومن أعظم نواقض الإخلاص الرياء. وكما قال الشاعر:
وبضدها تتبين الأشياء
لذا رأيت أن أكتب كلمات يسيرة عن الرياء وما يتعلق به تنبيهًا لنفسي من هذا الداء العضال ولإخواني المسلمين ممن يقرءون هذه الكلمات.
وقد كانت الهمة منصرفة في أول الأمر للكتابة في الإخلاص والرياء معًا ولكن بعد طول تأمل وجدت أن الإخلاص قد كتب فيه ما يكفي فآثرت الكتابة عن الرياء، سائلاً المولى جل وعلا أن يعصمنا من الرياء وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تعريف الرياء
الرياء لغة:
الرياء مصدر راءى، ومصدره يأتي على بناء مفاعلة وفعال. وهو مهموز العين؛ لأنه من الرؤية، ويجوز تخفيفها بقلبها ياء.
وحقيقة الرياء لغة: أن يرى غيره خلاف ما هو عليه.
يقول الفيروزآبادي: وراءيته مراءاة ورياء: أريته على خلاف ما أنا عليه.
الرياء اصطلاحًا:
تنوعت عبارات السلف في تعريف الرياء. ومدارها على شيء واحد هو: أن يقوم العبد بالعبادة التي يتقرب بها لله، لا يريد الله – عز وجل – بل يريد عرضًا دنيويًّا.
قال العز بن عبد السلام: «الرياء إظهار عمل العبادة لينال مُظهرها عرضًا دنيويًّا إما بجلب نفع دنيوي أو تعظيم أو إجلال»([1]).
وقال القرطبي: «حقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس»([2]).
وقال الحارث المحاسبي: «الرياء إرادة العبد العباد بطاعة الله»([3]).
وقال الغزالي: «هو طلب الجاه والمنزلة بالعبادات»([4]).
وقال أيضًا: «وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم خصال الخير».
وقال الحافظ ابن حجر: «هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها»([5]).
وقال الصنعاني: «الرياء أن يفعل الطاعة، ويترك المعصية مع ملاحظة غير الله. أو يخبر بها، أو يحب أن يُطَّلَع عليها لمقصد دنيوي من مال أو نحوه»([6]).
فجمع الإمام الصنعاني – رحمه الله – في تعريفه بين الرياء والسمعة.
الفرق بين الرياء والسمعة
عن جندب بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال النبي r: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»([7]).
وفي لفظ: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به»([8]).
أما الرياء فسبق تعريفه، وخلاصته: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها.
وأما السُّمْعة فهي مشتقة من سمع. والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع، والرياء بحاسة البصر([9]).
وعلى هذا فالتسميع لا يكون إلا في الأمور التي تسمع كقراءة القرآن، وذكر الله تعالى، والوعظ وغيرها.
والرياء يكون في الأعمال التي ترى كالصلاة والصدقة ونحوها.
إلا أن بعض العلماء يرى أن التسميع أوسع من هذا، فيدخل فيه تحدث الإنسان عن أعماله وإخباره بها التي لم يطلع عليها المتحدث.
وممن ذهب إلى هذا العز بن عبد السلام، كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله: «وقال ابن عبد السلام: الرياء أن يعمل لغير الله، والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس»([10]).
قال الدكتور عمر الأشقر: «وعلى ذلك فالرياء لا يدخل في العبادات القلبية كالخوف والرجاء بخلاف التسميع؛ لأن العبد قد يحدث عما يكنه قلبه يريد بذلك ثناء الناس يقول العز بن عبد السلام: «أعمال القلوب مصونة من الرياء، إذ لا رياء إلا بأفعال ظاهرة تُرى أو تُسمع. والتسميع عام لأعمال القلوب والجوارح وقد عدَّ الصوم من الأعمال التي لا تظهر إلا بالتسميع.
وقسم التسميع إلى قسمين:
الأول: تسميع الصادقين، وهو أن يعمل الطاعة خالصة له، ثم يظهرها. ويسمّع الناس بها، ليعظموه، ويوقره، وينفعوه، ولا يؤذوه.
قال: وهذا محرم. وقد جاء الحديث: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به» وهذا تسميع الصادقين.
الثاني: تسميع الكاذبين وهو أن يقول: صليت ولم يصل، وزكيت ولم يزك. وصمت ولم يصم، وحججت ولم يحج، وغزوت ولم يغز. فهذا أشد ذنبًا من الأول. لأنه زاد على إثم التسميع إثم الكذب. فأتى بذلك معصيتين قبيحتين. وجاء في الحديث الصحيح: «المتسمَّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»([11]).
يقول العز بن عبد السلام في ذلك: لو راءى بعبادات، ثم سمع موهمًا لإخلاصها، فإنه يأثم بالتسميع والرياء جميعًا، وإثم هذا أشد من الكاذب الذي لم يفعل ما سمع به، لأن هذا أثم بريائه وتسميعه وكذبه ثلاثة آثام»([12]).
ذم الرياء والمرائين
جاءت آيات كثيرة وأحاديث تذم الرياء والمرائين. وتبين أنه من صفات المنافقين، بل عدّه شركًا؛ وذلك لأن هذا المرائي لم يقصد الله وحده دون سواه بعمله. والإخلاص يقتضي أن يريد العابد الله لا شريك له.
والمرائي جعل العبادات مطية لتحصيل أغراضه. فقد استعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، وهذا تلاعب بالشريعة ووضع للأمور في غير مواضعها.
ومن النصوص القرآنية التي تتوعد المرائين:
1- قوله تعالى: ]فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[ [الماعون: 4-7]. فتوعد الله المرائين في هذه الآيات بالويل. وهم الذين يعملون الأعمال لأجل رئاء الناس.
2- وقال تعالى: ]وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ[. قال مجاهد بن جبر: هم أهل الرياء.
3- وقال تعالى: ]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ[.
قال مجاهد وغيره: «نزلت في أهل الرياء».
وقال قتادة: «من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء».
4- وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ[ [البقرة: 264].
5- وقال تعالى: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ[ [النساء: 142].
6- قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ[ [النساء: 38]. وغيرها من الآيات.
وأما الأحاديث فهي كثيرة ومنها:
1- عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة – رضي الله عنه – فقال له: ناتل أهل الشام([13]): أيها الشيخ حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله r قال: نعم. سمعت رسول الله r يقول: «إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت. ولكنك قاتلت حتى يقال إنك جريء فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها: قال: تعلمت القرآن وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكن تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله. فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت. ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار»([14]).
وفي رواية: أن شفيًّا الأشبحي حدث: «أنه في المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة. قال: فدنوت منه. حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أسألك بحقَّ وبحقَّ لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله r عقلته وعلمته. فقال أبو هريرة: أفعلُ، لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله r عقلته وعلمته ثم نَشَغ([15]) أبو هريرة نشغة، فمكثنا قليلاً، ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله r أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره. ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًّا([16]) على وجهه. فأسندته طويلاً. ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله r: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد، ليقضي بينهم وكل أمة جاثية.
فأول من يُدعى به رجل جمع القرآن. ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله عز وجل للقارئ: ألم أعُلَّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله عز وجل له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال: فلان قارئ وقد قيل ذلك.
ويؤتي بصاحب المال، فيقول الله عز وجل: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتيك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان: جواد، وقد قيل ذلك.
ويؤتي بالذي قُتل في سبيل الله، فيقول الله له:فبماذا قتلت؟ فيقول: أي رب، أمرتُ بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء فقد قيل ذلك» ثم ضرب رسول الله r على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة».
قال الوليد أبو عثمان المديني: وأخبرني عقبة أن شفيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا. قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافًا لمعاوية قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فعل هؤلاء هذا. فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتى ظننا أنه هالك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بشرًّ ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال: صدق الله ورسوله:
]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[([17]).
قال الإمام النووي – رحمه الله -: «قوله r في الغازي والعالم والجواد، وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[»([18]). أ.هـ.
2- وعن رُبَيْح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده، قال: خرج علينا رسول الله r ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟»فقلنا: بلى يا رسول الله. فقال: «الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل»([19]).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «سمي الرياء شركًا خفيًّا، لأن صاحبه يظهر أن عمله لله، ويخفي في قلبه أنه لغيره، وإنما تزين بإظهاره أنه لله بخلاف الشرك الجلي»([20]).
3- وعن محمود بن لبيد أن رسول الله r قال: «يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر» قالوا: يا رسول الله. وما شرك السرائر؟ قال: «يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر»([21]).
4- وفي رواية قال r: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً»([22]).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرياسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله. كل هذا – أي الشرك الأصغر – أخوف ما يخاف على الصالحين، لقوة الداعي إلى ذلك، والمعصوم من عصمه الله. وهذا بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، ولهذا يكون الإلقاء في النار أسهل عندهم من الكفر. وإما ضعيف. هذا مع العافية».
وإما مع البلاء فـ ]يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[. فلذلك صار خوفه r على أصحابه من الرياء أشد لقوة الداعي وكثرته، دون الشرك الأكبر لما تقدم. مع أنه أخبر أنه لا بد من وقوع عبادة الأوثان في أمته، فدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه الشرك الأكبر إذا كان الأصغر خوفًا على الصالحين من الصحابة مع كمال إيمانهم، فينبغي للإنسان أن يخاف الأكبر لنقصان إيمانه ومعرفته بالله …([23]). اهـ.
ودلنا هذا الحديث على أن الرياء من الشرك الأصغر. ولكن هل يمكن أن يصل إلى الشرك الأكبر؟
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «ظاهر الحديث لا يمكن؛ لأنه قال: (الشرك الأصغر) فسئل عنه فقال: (الرياء)، لكن في عبارات ابن القيم – رحمه الله – أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء ([24])، فلهذا يدل على أن كثيرة ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكميَّة فنعم: لأنه لو كان يرائى في كل عمل فكان مشركًا شركًا أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقًا …»([25]). اهـ.
قال ابن القيم الجوزية – رحمه الله – مبينًا أن الشرك في العبادة بالرياء أسهل من الشرك في الربوبية:
«وأما الشرك في العبادة: فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف أمرًا، فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس وهذا هو الشرك الذي قال فيه النبي r فيمار رواه ابن حبان في صحيحه: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة». قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: «قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم»
فالرياء كله شرك. قال تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ [الكهف: 110].
أي كما أنه إله واحد، ولا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنّة.
وكان من دعاء عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: «اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا»([26]).أ.هـ
5- وعن يعلى بن شداد عن أبيه قال: «كنا نعد الرياء في زمن النبي r الشرك الأصغر»([27]).
وغيرها من الأحاديث التي تجدها في ثنايا هذه الرسالة.
ولهذا كان الرياء محرمًا لاشتماله على عدة محاذير – مع ما سبق من الأدلة -.
نجملها في النقاط التالية:
1- أن في الرياء استهزاء بالله تعالى:
قال قتادة: إذا راءى العبد، قال تعالى: انظروا إليه كيف يستهزئ بي. لأن المرائي يظهر غير ما يبطن.
أرأيت لو أن أحد خدام الملك القائمين في خدمته لو كان قاصدًا بوقوفه فيها – أي الخدمة – ملاحظة أمة أو أمرد للملك. كان ذلك عند كل من له أدنى مسكة من عقل استهزاء بذلك الملك؛ لأنه لم يقصد تقربًا إليه بوجه مع إيهامه أنه على غاية من التقرب. ولله المثل الأعلى.
وما ذكره قتادة جاء مرفوعًا إلى النبي r من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – بلفظ: «من أحسن صلاته حيث يراها الناس، وأساءها إذا خلا فإنما ذلك استهانة يستهين بها ربه».
قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى: وفيه: إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف»([28]).
وقال الحافظ ابن حجر: «هذا حديث حسن»([29]).
وقال البوصيري: «رواه إسحاق وأبو يعلى بإسناد حسن»([30]).
وإبراهيم بن مسلم الهجري قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب ص116: «لين الحديث رفع موقوفات».
وعلق سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله على كلام الحافظ هذا بقوله: «هذه العبارة فيها تساهل والصواب أنه ضعيف الحديث لا يحتج به؛ لأن البخاري وأبو حاتم الرازي والنسائي قالوا فيه: منكر الحديث. وضعفه الآخرون من الأئمة كما في التهذيب»([31]). اهـ.
وعلى ذلك فالحديث إسناده ضعيف ولا يصح رفعه إلى النبي r، وقد ضعفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع([32]).
2- أن في الرياء تلبيس على الخلق لإيهامه لهم أنه مخلص مطيع لله تعالى وليس هو كذلك.
خوف السلف من الرياء
لما علم السلف الصالح خطر الرياء وما ورد فيه من آيات وأحاديث ستروا أعمالهم([33]) حذرًا عليها من الرياء وبهرجوها بضدها مما لا يخالف الشرع.
وكانوا يدفعون عن أنفسهم كل ما يوجب الإشارة إليهم ويهربون من المكان الذي يشار إليهم فيه، ويتهمون أنفسهم في الإخلاص.
عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوب الذي انقضَّ البارحة؟ فقلت: أنا. ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة. ولكني لُدغتُ … ([34]) الحديث.
فرحم الله حصين بن عبد الرحمن فلما بين أنه كان مستيقظًا من الليل أعقب ذلك بقوله: «أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت».
لئلا يظن أنه قائم يصلي فيحمد بما لم يفعل. وليس فعله هذا من باب المراءاة. بل هو من باب الحسنات.
وإليك نماذج من سير أولئك الرجال بحق، لنرى البون الشاسع بين حالنا وحالهم:
1- قالت سُرّيّة الربيع بن خثيم: كان عمل الربيع كله سرًّا، وإنه كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه.
وعن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم، وهو يقرأ في المصحف، واستأذن عليه رجل فغطى المصحف، وقال: لا يرى هذا أنني أقرأ فيه كل ساعة.
3- وعن زائدة بن قدامة قال: صام منصور بين المعتمر أربعين سنة قام ليلها وصام نهارها. وكان الليل يبكي فتقول له أمه: يا بني أقتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعتْ نفسي. قال: فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس. فأخذه يوسف بن عمر عامل الكوفة يريده على القضاء فامتنع.
قال: فجاءه خصمان فقعدا بين يديه فلم يسألهما ولم يكلمهما وقيل ليوسف بن عمر: إنك لو نثرت لحمه لم يلِ لك قضاء فخلى عنه.
وكان رحمه الله إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائمًا على أطرافه. كل ذلك يخفي عليهم العمل.
4- وأقام عمرو بن قيس الملائي عشرين سنة صائمًا ما يعلم به أهله يأخذ غداءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغدائه، ويصوم وأهله لا يدرون.
5- وصام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله وكان خزازًا، وكان يحمل غداءه معه فيتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاء([35]) لا يعلمون أنه صائم.
6- وكان أيوب بن أبي تميمة السختياني يقوم الليل يخفي ذلك، فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته كأنه إنما قام تلك الساعة.
7- وكان حسان بن أبي سنان يفتح باب حانوته فيضع الدواة وينشر حسابه، ويرخي ستره، ثم يصلي، فإذا أحس بإنسان قد جاء يقبل على الحساب يريه أنه كان في الحساب.
8- وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره فقالوا؟ ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جروب الدقيق ليلاً على ظهره، يعطيه فقراء أهل المدينة.
9- قال هشام الدستوائي: والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبت يومًا قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل.
قال الذهبي: والله ولا أنا.
قلت: فما عساني أن أقول أنا والقارئ الكريم.
10- وكان محمد بن أسلم أبو الحسن الطوسي يدخل بيتًا ويغلق بابه ويدخل معه كوزًا من ماء فلم أدر ما يصنع – يقوله الراوي – حتى سمعت ابنًا له صغيرًا يبكي. فنهته أمه، فقلت لها: ما هذا البكاء؟ فقالت: إن أبا الحسن يدخل البيت فيقرأ القرآن ويبكي فسمعه الصبي فيحكيه. وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل ولا يُرى على وجهه أثر البكاء.
وكان يصل قومًا ويعطيهم ويكسوهم فيبعث إليهم ويقول للرسول: انظر ألا يعلمون من بعثه إليهم؟ ويأتيهم هو بالليل فيذهب به إليهم ويخفي نفسه.
فربما بليت ثيابهم ونفد ما عندهم ولا يدرون من الذي أعطاهم؟ لا أعلم منذ صحبته وصل أحدًا بأقل من مائة درهم إلا أن لا يمكنه ذلك.
قلت: وبعض الناس في زماننا ينتظر الفرصة المناسبة ليتحدث عن مشاريعه الخيرية. وأياديه البيضاء ولا يكتم شيئًا من أعماله لا بقصد الاقتداء، ولكن بقصد طلب المدح والتعظيم من الناس وهذا هو الرياء.
11- وعن علي بن محمد بن منصور قال: سمعت أبي يقول: كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض، فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته أخرجها فطرحها على الأرض.
12- وكان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس وكان ينزل الرقة في خان. فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث.
قال: فقدم عبد الله الرقة مرة، فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلاً فخرج إلى النفير.
فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلَّفه ألا يخبر أحدًا ما عبد الله حيًّا.
وأدلج عبد الله وأخرج الفتى من الحبس. وقيل له: عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك. وقد خرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة. فقال: يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان؟ قال: نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسًا بدين، قال: وكيف كان سبب خلاصك؟
قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس.
فقال له عبد الله: أحمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحدًا بعد حتى موت عبد الله بن المبارك.
13- عن عبد الله بن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن أنه قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به. ولقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعلموه في السر فيكون علانية أبدًا.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله تعالى يقول: ]ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً[ [الأعراف: 55].
14- وعن عبدة بن سليمان قال: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم عليه الناس، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يُشنع علينا؟
أسباب الرياء
النفوس مجبولة على حب الرئاسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله، وقد أحسن الشاعر حيث يقول:
حب الثناء طبيعة الإنسان
والأسباب التي تدعو إلى الرياء مغروسة في أعماق النفس الإنسانية فهي حبيبة إلى نفس الإنسان، نذكر منها:
1- النشأة الأولى:
إذ قد ينشأ الولد في أحضان بيت دأبه وديدنه الرياء أو السمعة. فما يكون منه إلا التقليد والمحاكاة، وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه، وتصبح وكأنما هي جزء لا يتجزأ من شخصيته، ولعل هذا هو السر في وصية الإسلام بأن يكون الدين هو أساس اقتران الرجل بالمرأة.
2- الصحبة أو الرفقة السيئة:
فقد تحتويه صحبة أو رفقة سيئة لا همَّ لها إلا الرياء أو السمعة. فيقلدهم ويحاكيهم لا سيما إذا كان ضعيف الشخصية، شديد التأثر بغيره، وبتوالي الأيام يتمكن هذا الداء من نفسه، ويطبعها بطابعه.
3- عدم المعرفة الحقيقية بالله عز وجل:
إذ إن الجهل بالله أو نقصان المعرفة به يؤدي إلى عدم تقديره حق قدره. ومن ثم يظن هذا الجاهل – بالله الذي لم يعرفه حق المعرفة، ولم يقدره حق قدره – أن العباد يملكون شيئًا من الضر أو النفع، فيحرص على مراءاتهم وتسميعهم كل ما يصدر عنه من الصالحات ليمنحوه شيئًا مما يتصوّر أنهم مالكوه.
4- الرغبة في الصدارة أو المنصب:
فقد تدفع الرغبة في الصدارة أو في المنصب إلى الرياء أو السمعة، حتى يثق به من بيدهم هذا الأمر، فيجعلوه في الصدارة أو يبوئوه المنصب.
5- الطمع فيما في أيدي الناس:
فقد يحمله الطمع فيما بين أيدي الناس، والحرص على الدنيا على الرياء أو السمعة ليثق به الناس وترّق قلوبهم له، فيعطونه ما يملأ جيبه، ويشبع بطنه، وقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري([36]) حيث قال السائل للنبي r: يا رسول الله: الرجل يقاتل حمية فيأنف أن يقهر أو يذم بأنه غُلب أو غُلب قومه. فيقاتل لذلك.
6- إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس:
فقد يدعوه حب المحمدة أو الثناء من الناس إلى الرياء أو السمعة، حتى يكون حديث كل لسان. وذكر كل مجلس، فتنتفش نفسه وتنتفخ بذلك – والعياذ بالله – وإلى هذا السبب يشير بقية الحديث المتقدم: «والرجل يقاتل ليرى مكانه» وهذا طلب الحمد بالقلب ومعرفة القدر.
قال: «ورجل يقاتل للذكر» وهذا طلب بالألسن.
قال: من في سبيل الله؟ فقال النبي r: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله».
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: «لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضبّ والحوت. فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص.
فإن قلت: وما الذي يُسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتي العبد منها شيئًا سواه.
وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحُه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي r: إن مدحي يزين وذمَّي شين. فقال: «ذلك الله عز وجل».
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه، وكل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب. قال تعالى: ]فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ[»([37]).أ.هـ .
7- إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال:
وقد يكون إظهار الآخرين إعجابهم به، وبما يصدر عنه من أعمال، هو الباعث على الرياء أو السمعة، كي يكون هناك مزيد من هذا الإعجاب.
وحتى يحمي الإسلام البشر من هذا الداء، منع إبراز هذا الإعجاب، فإن كان ولا بد فليكن معه الاحتراز والحيطة بأن يقول: «أحسب فلانًا كذا، والله حسيبه، لا أزكي على الله أحدًا».
ولذا كثيرًا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ويفرق بينهما بقوله: «فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس»([38]).
فالعجب آفة تحبط العمل كما جاء عن النبي r أنه قال: «ثلاث مُنجيات وثلاث مُهلكات؛ فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضى والسخط، والقصد في الغنى والفقر. وأما المهلكات: فهوى مُتَّبع، وشح مطاعٌ، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدُّهن»([39]).
قال الإمام النووي – رحمه الله -: «اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله»([40]).
8- الخوف من قالة الناس لا سيما الأقران:
وقد يكون الخوف من قالة الناس، لا سيما الأقران هو الباعث على الرياء أو السمعة، حتى يظهر أمامهم بالصورة التي تُرضيهم وتُسكت ألسنتهم عنه. وإذا ما خلا بنفسه انتهك محارم الله: ]يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا[ [النساء: 108].
9- الجهل أو الغفلة عن عواقب وآثار الرياء والسمعة:
فإن من جهل أو غفل عن عاقبة شيءٍ ما -لا سيما إذا كانت هذه العاقبة ضارة- تعاطى هذا الشيء، ولازمه حتى يصير خلقًا له.
أقسام الرياء
قال الصنعاني – رحمه الله -:
«والرياء باب واسع إذا عرفت ذلك فبعض أبواب الرياء أعظم من بعض لاختلافه باختلاف أركانه وهي ثلاثة: المرائى به، والمرائى لأجله، ونفس قصد الرياء»([41]).
أما أقسام المرائى به فهو ينقسم إلى درجات متفاوتة في القبح، فأقبحها:
1- الرياء في الإيمان: وهو شأن المنافقين الذين أكثر الله من ذمهم في كتابه العزيز. قال الله تعالى في وصف المنافقين: ]وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ[ [البقرة: 14].
وقد توعد – عز وجل – المنافقين بقوله: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[ [النساء:145].
2- ويليهم المراءون بأصول العبادات الواجبة كأن يعتاد تركها في الخلوة ويفعلها في الملأ خوف المذمة.
3- ويليهم المراءون بالنوافل، كأن يعتاد ذلك فيها وحدها خوف الاستنقاص بعدم فعلها في الملأ وإيثارًا للكسل. وعدم الرغبة في ثوابها في الخلوة.
4- ويليهم المراءون بأوصاف العبادات كتحسينها وإطالة أركانها وإظهار التخشع فيها.
وهذه الأقسام هي على سبيل الإجمال، ويمكن تفصيلها أو تفصيل بعضها. بعد ذكر تقسيم ابن قيم الجوزية – رحمه الله – للرياء فإنه يُقسم الرياء إلى قسمين: رياء محمود، ورياء مذموم.
فالرياء المحمود: أن يعمل العبد عملاً مع مشاهدة الناس له، وهذه المشاهدة لا تبعث على العمل ولا تعين الباعث، بل لا فرق عنده بين وجودها وعدمها فهذه لا تدخله في التزين بالمراءاة. ولا سيما عند المصلحة الراجحة في هذه المشاهدة: إما حفظًا ورعاية: كمشاهدة مريض أو مشرف على هلكته يخاف وقوعه فيها أو مشاهدة عدو يخاف هجومه كصلاة الخوف عند المواجهة أو مشاهدة ناظر إليك يريد أن يتعلم منك، فتكون محسنًا إليه بالتعليم وإلى نفسك بالإخلاص. أو قصدًا منك للاقتداء وتعريف الجاهل. فهذا رياء محمود والله عند نية القلب وقصده.
وأما الرياء المذموم: أن يكون الباعث على العمل قصد التعظيم والمدح والرغبة فيما عند من ترائيه أو الرهبة منه.
قال – رحمه الله -: «وأما ما ذكر من قصد رعايته أو تعليمه أو إظهار السنة، وملاحظة هجوم العدو ونحو ذلك، فليس في هذه المشاهدة رياء. بل قد يتصدق العبد رياءً مثلاً وتكون صدقته فوق صدقة صاحب السر.
مثال السر: رجل مضرور. سأل قومًا ما هو محتاج إليه. فعلم رجل منهم أنه إن أعطاه سرًّا، حيث لا يراه أحد، لم يقتد به أحد. ولم يحصل له سوى تلك العطية، وأنه إن أعطاه جهرًا اقتدى به واتبع، وأنف الحاضرون من تفرده عنهم بالعطية. فجهر له بالعطاء وكان الباعث له على الجهر إرادة سعة العطاء عليه من الحاضرين؛ فهذه مراءاة محمودة حيث لم يكن الباعث عليها قصد التعظيم والثناء، وصاحبها جدير بأن يحصل له مثل أجور أولئك المعطين»([42]). أ.هـ.
الأمور التي يرائي بها الإنسان
الأمور التي يرائي بها الإنسان كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن نذكر بعضها من باب الذكرى، مع التنبيه أنه لا يشترط فيمن ظهرت عليه علامة من العلامات الوارد ذكرها أنه يكون مرائيًا، ويحكم عليه بذلك؛ لأن الأمر يرجع إلى قصد العبد ونيته. والله – سبحانه وتعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ومن هذه الأمور:
1- أنه قد يرائي العبد بنحول الجسم واصفراره، ليوهم الناس أنه جاد في العبادة، متعب نفسه في القيام بها.
2- قد يرائي بضعف الصوت، وغور العينين([43])، وذبول الشفتين، لُيستدل بذلك على الصيام([44]).
3- قد يرائي بتشعيث الرأس وحلق الشارب واستئصال الشعر ليظهر بذلك تتبع زي العباد والنساك –على زعمه-. وربما ترك تسريح لحيته.
4- قد يحرص على إبراز أثر السجود في جبهته. ويستدل البعض لهذا بقوله تعالى في وصف الصحابة –رضوان الله عليهم- ]سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ[ [الفتح: 29].
والآية لا دليل فيها لأن المراد بأثر السجود هو كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: السمت الحسن. وقال مجاهد: الخشوع والتواضع. فقال له رجل: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه. فقال مجاهد: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون.
عن الجعد بن عبد الرحمن قال: «كنا عند السائب بن يزيد فجاءه الزبير بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف بوجهه أثر السجود، فقال: ما هذا؟ فقلنا: الزبير بن سهيل. فقال: والله ما هذا بسيما التي سماه الله – عز وجل – ولقد سجدت على وجهي منذ ثمانين سنة فما أثر السجود بين عيني»([45]).
ويُذكر أن رجلاً عصب على رأسه عصابة فيها أخلاط من النبات ليظهر أثرٌ في جبهته فيظن أنه عابد لله، فلما استيقظ في الصباح وجد العصابة قد انحرفت إلى إحدى صدغيه([46]). وتركت فيه أثرًا.
فقال له ابنه: ما هذا يا أبت.
فقال: إن أباك من الذين يعبدون الله على حرْف.
5- قد يلبس الغليظ من الثياب وخشنها ويشمرها ويقصر الأكمام ويخصف النعال. ولو سئل أحدهم أن يلبس اللين من ثوبه ما فعل لئلا يتوكس([47]) جاهه في الزهد.
6- قد يرائي بقلة أكله وعدم مبالاته بأمر نفسه لاشتغاله عنها بالأهم كما يزعم. قال ابن الجوزي: «ولو خرج روحه لا يأكل والناس يرونه»([48]).
7- قد يرائي بإظهار زي الصالحين كإطراق الرأس في المشي، والهدوء في الحركة. وقد قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يطأطئ رقبته: يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب وإنما الخشوع في القلب.
8- قد يرائي بحفظ السنن مع أنه في الخلوات لا يحافظ عليها.
9- قد يرائي بصحبة العلماء بأن يحرص على أن يسير مع العالم أو الشيخ أو الداعي أو العابد ليقال: إنه صاحبه، ومن أهل وده، فيعظم بذلك.
10- قد يرائي بالنطق بالحكمة وإقامة الحجة عند المجادلة، وحفظ الحديث وبيان الحجة والفهم والعلم.
11- قد يرائي بإظهار الذكر لله – تعالى – باللسان. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
12- قد يرائي بحسن الصوت وتحزينه عند قراءة القرآن.
وبوب البخاري في صحيحه بابًا قال فيه: «باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به، أو فخر به» وأورد تحته ثلاثة أحاديث أكتفى منها بذكر حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله r يقول: «يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرءون القرآن لا يجُاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمية ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، وينظر في القدح فلا يرى شيئًا، وينظر في الترَّيش فلا يرى شيئًا ويتمارى في الفُوق»([49]).
فهذا الحديث يدل على أن القراءة إذا كانت لغير الله فهي للرياء أو للتأكل به، ونحو ذلك كما قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث.
13- قد يرائي بإظهار التسخط على أهل الدنيا ومقارفتهم للمعاصي.
14- قد يرائي بإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة.
15- قد يرائي بطول الصلاة، والزيادة في الركوع والاعتدال منه أو السجود.
16- وقد يرائي بالتشبع بما لم يعط كأن يقول: كنت خطيبًا أو كنت مجاهدًا أو إني أتقن كذا وكذا أو أنفقت كذا وكذا، وهو كاذب فهذا جمع بين الرياء والكذب.
17- قد يرائي بعيب الآخرين وذمهم. ومعنى ذلك أنه خال من ذلك كأن يقول: فلان مقصر، أو فلان لا يقوم الليل. نعوذ بالله!!. ويريد أن يبين أنه ناجٍ من ذلك.
18- قد يرائي بإنكار المنكر لا لله، ولكن ليقال إن عنده غيرة لله عز وجل، أو حتى لا يذم ويقال: إنه ساكت عن إنكار المنكر.
19- قد يرائي بالإفتاء بغير علم حتى لا ينسب إلى الجهل. وربما أن المرائي من شدة حرصه على إحكام الرياء وإتقانه يتألف ذلك بفعله في خلواته ليكون ذلك خلقًا له في الملأ لا للخوف من الله تعالى والحياء منه.
20- قد يتخفي المرء بعبادة بحيث لا يريد أن يطلع عليها أحد، ولكنه إذا رأى الناس أحب أن يبدءوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وينشطوا في قضاء حوائجه ويسامحوه في المعاملة، ويوسعوا له في المجلس، فإن قصر في ذلك مقصر ثقل ذلك على قلبه، كأن نفسه تتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها.
21- قد يرائي بالأصحاب والأتباع والتلاميذ، فيقال: فلان متبوع قدوه.
ولذا كان السلف الصالح يحذرون من هذا المنزلق الخطير، ومن ذلك أن عبد الله بن مسعود خرج ذات يوم فاتبعه ناس، فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا، فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.
قال ابن عقيل: «ما يحلو لك العمل حتى تحلو لك تسميتهم بعابدٍ وزاهد، فأرث لنفسك من ذلك، فإنه رياءٌ وسمعة، وليس لك منه إلا ما حظيت به من الصيت، تدري كم في الجريدة أقوام لا يؤبه لهم إلا عند القيام من القبور! وكم يُفتضح غدًا من أرباب الأسماء من الخلق بعالم وصالح وزاهد نعوذ بالله من طفيلي تصدر بالوقاحة»([50]).
22- قد يرائي بذم نفسه بين الناس، يُريد بذلك أن يريهم أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء. وقد نبه عليه السلف الصالح.
قال مطرف بن عبد الله الشَّخَّير: كفى بالنفس إطراءً أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك عند الله سَفَهٌ([51]).
درجات المرائى لأجله
للمرائى لأجله درجات … فأقبحها:
1- أن يقصد التمكن من معصية كمن يظهر الورع والزهد حتى يعرف فيولى المناصب والوصايا وتودع عنده الأموال أو يفوض إليه تفرقة الصدقات وقصده بكل ذلك الخيانة فيه.
وكمن يُذكر أو يعظ أو يُعلم أو يتعلم للظفر بامرأة أو غلام فهؤلاء أقبح المرائين عند الله لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلمًا إلى معصيته ووصلة إلى فسقهم، كما قال محمود الوراق:
وعلى الدينار داروا
وله صاموا وصلوا
وله حجوا وزاروا
لو بدا فوق الثريا
ولهم ريش لطاروا
وقال آخر:
وما يعني التصوف والأمانة
ولم يرد الإله به ولكن
أراد به الطريق إلى الخيانة
2- ويليها من يتهم بمعصية أو خيانة فُيظهر الطاعة والصدقة قصدًا لدفع تلك التهمة.
3- ويليها أن يقصد نيل حظ مباح من نحو مال أو نكاح أو غيرهما من حظ الدنيا.
قال شيخ الإسلام: «حُكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يومًا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. قال: فأخلصت أربعين يومًا، فلم يتفجر شيء. فذكرت ذلك لبعض العارفين، فقال لي: إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله» ثم قال شيخ الإسلام: «وذلك لأن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه أو غير ذلك من المطالب قد عرف أن ذلك يحصل بالإخلاص لله وإرادة وجهه، فإذا قصد أن يطلب ذلك بالإخلاص وإرادة وجهه كان متناقضًا؛ لأن من أراد شيئًا لغيره فالثاني هو المراد المقصود بذاته، والأول يراد لكونه وسيلة إليه، فإذا قصد أن يخلص لله ليصير عالمًا أو عارفًا أو ذا حكمة أو صاحب مكاشفات وتصرفات ونحو ذلك، فهو هنا لم يرد الله، بل جعل الله وسيلة إلى ذلك المطلوب الأدنى»([52]).
4- ويليها أن يقصد بإظهار عبادته وورعه وتخشعه ونحو ذلك، أن لا يحتقر ويُنظر إليه بعين النقص، أو أن يعد من جملة الصالحين وفي الخلوة لا يفعل شيئًا من ذلك. كأن يسبق إليه الضحك أو يبدو منه المزاح، فيخاف أن ينظر إليه بعين الاحتقار فيتبع ذلك بالاستغفار وتنفس الصعداء. وإظهار الحزن ويقول: ما أعظم غفلة الآدمي عن نفسه، والله يعلم منه أنه لو كان في خلوة لما كان يثقل عليه ذلك.
قال ابن الجوزي – رحمه الله -: «ويحفظ نفسه في التبسم فضلاً عن الضحك ويوهمه إبليس أن هذا لإصلاح الخلق، وإنما هو رياء يحفظ به قانون الناموس فتراه مطاطئ الرأس عليه آثار الحزن فإذا خلا رأيته ليث شرى»([53]). اهـ.
علامات تدل على الرياء
للمرائي علامات يعرف بها منها:
1- تأخير العبادة عن مواقيتها دون عذر شرعي:
قال سبحانه وتعالى: ]فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[ [الماعون: 4-7].
قال ابن كثير – رحمه الله -: ]الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ[ إما عن فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعًا فيخرجها عن وقتها بالكلية كما قاله مسروق وأبو الضحى([54]). أ.هـ.
2- القيام بالعبادة بخمول ونفسٍ خبيثة:
قال سبحانه وتعالى: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا[ [النساء: 142].
إن المرائين لا يقومون إلى الصلاة بحرارة الشوق إلى لقاء الله، والوقوف بين يديه ومناجاته … إنهم قوم يراءون الناس، ومن ثم يقومون كسالى كالذي يؤدي عملاً ثقيلاً أو يُسَخَّر سخرة شاقة … وهم لا يذكرون الله إلا قليلاً.
إنما يتذكرون الناس، فصارت حركاتهم كلها توافق الناس، فإذا رأوا الناس ينظرون إليهم، نشطوا في العبادة وزينوها، وبهرجوها، لأنهم أمام من يتوجهون إليه، والقلب يستحضر من ملأه حبًا … فلذلك لا يذكرون الله إلا قليلاً ([55]).
أقسام الناس في ترك العمل من أجل الرياء
ينقسم الناس من تركهم للعمل من أجل الرياء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قوم يدعون وردهم المشروع من صلاة الضحى أو قيام الليل أو غير ذلك لأجل كونه بين الناس. وهذا مدخل شيطاني يدخل منه إبليس على أصحاب الأعمال الصالحة التطوعية.
وعلاج هذا الأمر أن لا يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرًّا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء، ومفسدات الإخلاص.
بل إن فعل العبد للعبادة في مكانه الذي تكون فيه معيشته التي يستعين بها على عبادة الله – وإن كان يراه الناس – خير له من أن يفعله حيث تتعطل معيشته ويشتغل قلبه بسبب ذلك، فإن الصلاة كلما كانت أجمع للقلب وأبعد من الوسواس كانت أكمل ([56]).
القسم الثاني: قوم تركوا فعل الواجبات الشرعية كالصلاة المفروضة، والزكاة الواجبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من العبادات الواجبة خوف الرياء.
وهذا القسم على ثلاثة أصناف:
الأول: صنف يكتفي بترك فعل الواجبات الشرعية.
الثاني: صنف يترك فعل الواجبات ويظهر بمظاهر من يلام على فعله كحلق اللحية، وإسبال الثياب، وعدم الاكتراث بالطاعات. وهذا الصنف يُطلق عليهم «الملامية» (وقد كان هؤلاء الملامية يخفون حسناتهم ويُظهرون ما لا يظن بصاحبه الصلاح من زي الأغنياء، ولبس العمامة.
ثم حدث قوم فدخلوا في أمور مكروهة في الشريعة، ثم زاد الأمر ففعل قوم المحرمات من الفواحش والمنكرات، وترك الفرائض والواجبات، وزعموا أن ذلك دخول منهم في «الملاميات» ولقد صدقوا في استحقاقهم اللوم والذم والعقاب من الله في الدنيا والآخرة)([57]).
وذكر العلماء – رحمهم الله – قصصًا في ذلك أعرضت عن ذكرها خشية الإطالة ولأنها تخالف الشريعة المحمدية ([58]).
وهؤلاء (الملامية) أو (الملامتية) على نوعين:
1- نوع من أصحاب الوسواس يتركون فعل الخير، ويفعلون ما يلامون عليه خوفًا من الرياء – كما سبق – ويكون هذا عن جهل أو تنطع زائد.
2- ونوع يفعل ما يلام عليه أو يترك ما يلام على تركه خوفًا من الرياء وتزكية النفس.
الثالث: صنف يترك فعل الواجبات وينهى غيره عن فعلها بمجرد زعمه أن ذلك رياء. بل ربما نصح من كان ظاهره الصلاح بالإعراض عن الواجبات ويأمره بضد ذلك من المنهيات والمحرمات.
ونهي هذا مردود عليه من وجوه أربعة، بينها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
«ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء، فنهيه مردود عليه من وجوه:
(أحدها): أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها، ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه، وإن جزمنا أنه يفعلها رياءً، فالمنافقون الذين قال فيهم: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا[. فهؤلاء كان النبي r والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين، وإن كانوا مرائين، ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياء.
كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء، ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس.
(الثاني): لأن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله r: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم»، وقد قال عمر بن الخطاب: «من أظهر لنا خيرًا أحببناه، وواليناه عليه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك. ومن أظهر لنا شرًّا أبغضناه، وإن زعم أن سريرته صالحة».
(الثالث): أن تسويغ مثل هذا يفضي على أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا. قالوا: هذا مراء. فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة، حذرًا من لمزهم وذمهم فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم وهذا من أعظم المفاسد.
(الرابع): أن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة؛ قال الله تعالى: ]الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[.
فإن النبي r لما حض على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز عن حملها: فقالوا: هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع. فقالوا: لقد كان الله غنيًّا عن صاع فلان، فلمزوا هذا وهذا. فأنزل الله ذلك([59]). وصار عبرة فيمن يلمز المؤمنين المطيعين لله ورسوله والله أعلم»([60]). أ.هـ.
قال الإمام النووي – رحمه الله – مبينًا خطورة ترك العمل من أجل الناس وما يترتب على ذلك من حرمان طاعات كثيرة:
«ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفًا من أن يُظَن به الرياء، بل يذكر بهما جميعًا ويقصد به وجه الله تعالى.
وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله: أن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسدَّ عليه أكثر أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئًا عظيمًا من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين»([61]). أ.هـ.
أقسام الرياء باعتبار إبطاله للعبادة
ينقسم الرياء باعتبار إبطاله للعبادة إلى أقسام أربعة:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، بحيث لا يريد بها سوى مرئيات المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم.
قال الله عز وجل: ]وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ[.
وقد وصف الله تعالى الكفار بالرياء المحض في قوله: ]وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ[.
قال ابن رجب – رحمه الله -: «وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرها من الأعمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز»([62]).
وهذا القسم لا يشك مسلم أن عمله باطل ومردود عليه، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال: قال الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»([63]).
الثاني: أن تكون العبادة لله ويشاركها الرياء في أصلها فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانها أيضًا وحبوطها وقد سبق بعضها.
ونقل الحافظ ابن رجب – رحمه الله – أن هذا القول مروي عن طائفة من السلف منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء والحسن وسعيد بن المسيب وغيرهم.
وقال: «ولا نعرف عن السلف في هذا خلافًا وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين»([64]).
الثالث: أن يكون أصل العبادة لله لكن طرأ عليها الرياء. فهذا ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يدافعه، فهذا لا يضره بغير خلاف، كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب ([65]).
القسم الثاني: أن يسترسل مع الرياء. فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف على قولين:
الأول: أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى. ومال إلى هذا ابن رجب – رحمه الله – ([66]).
الثاني: أن في ذلك تفصيلاً:
فإذا كان آخر العبادة مبنيًّا على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها. فهذه كلها فاسدة، وذلك مثل الصلاة. فالصلاة لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ عليها الرياء واسترسل معه ولم يدافعه.
وأما إن كان أول العبادة منفصلاً عن آخرها بحيث يصح أولها بدون آخرها، فما سبق الرياء فهو صحيح، وما كان بعده فهو باطل.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن آخرها منفك عن أولها ([67]).
وأنبه هنا أنه رُوي مرفوعًا إلى النبي r: «من عمل رياءً لا يكتب له ولا عليه».
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
«رواه البزار وابن منده والبيهقي عن معاذ بن جبل مرفوعًا وذكر السيوطي في الدر المنثور، ولم أقف على إسناده فما أظنه يثبت والكتاب والسنة يدلان على خلافه بل هو موضوع»([68]).
وقال الهيثمي: «رواه البزار وفيه محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب»([69]).
الرابع: ما يطرأ بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها شيئًا، اللهم إلا أن يكون فيه عدوان كالمنَّ والأذى بالصدقة. فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلاً لأجر الصدقة فيبطلها لقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى[
[البقرة: 264] ([70]).
أمور لا تعد من الرياء
1- حمد الناس للعبد على عمل الخير دون قصد منه:
فمن ظهر عمله، ولم يقصد إظهاره، ومدحه الناس بذلك لا ينبغي له أن يستاء فتلك عاجلة فليفرح بفضل الله: ]قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[ [يونس: 58].
عن أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي r سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن»([71]).
«وهكذا يفرُّ المخلص من الشهرة ويكرهها، ولكن الله يضع له القبول في الأرض، فيسر العبد بفضل الله، وأما المرائي فإنه يركب الصعب والذلول ليحظى بالقبول وأنى له هذا، فإن الله سبحانه يسمع به، ويحقره، ويصغره»([72]).
2- نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين ومجالسة أهل الإخلاص والصالحين:
قال ابن قدامة المقدسي: «قد يبيت الرجل مع المجتهدين، فيصلون أكثر الليل، وعادته قيام ساعة، فيوافقهم، أو يصومون، ولولاهم ما انبعث هذا النشاط.
فربما ظن ظانٌّ أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق، بل فيه تفصيل: وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى، ولكن تعوقه العوائق، وتستهويه الغفلة، فربما كانت مشاهدة الغير سببًا لزوال الغفلة، واندفاع العوائق، فإن الإنسان إذا كان في منزله، تمكن من النوم على فراش وطيء، وتمتع بزوجته، فإذا بات في مكان غريب. اندفعت هذه الشواغل عنه، وحصلت له أسباب تبعث على الخير منها مشاهدة العابدين.
ففي مثل هذه الأحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة، ويقول: إذا عملت غير عادتك كنت مرائيًا، فلا ينبغي أن يلتفت إليه وإنما ينبغي أن يتلفت إلى قصده الباطن ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان».
ثم يبين لنا ابن قدامة سبيلاً يختبر هذا وأمثاله فيه نفسه؛ وذلك بأن يمثل القوم في المكان يراهم ولا يرونه، فإذا رأى نفسه تسخو بالتعبد فهو لله، وإن لم تسخ كان سخاؤها عندهم رياء وقس على هذا ([73]).
3- تجميل الثياب والنعل ونحوه:
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي r أنه قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكن ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق([74]) وغمط الناس([75])»([76]).
4- عدم التحدث بالذنوب وكتمانها:
وهذا واجب شرعًا على كل مسلم ولا يجوز المجاهرة بالمعاصي لقول r: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرين أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد سرته الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله»([77]).
والتحدث بالذنوب فيه مفاسد كثيرة، منها: التشجيع على ارتكاب المعاصي بين العباد. والاستخفاف بأوامر الله تعالى.
5- إظهار شعائر الإسلام:
يتضمن الإسلام عبادات لا يمكن إخفاؤها، كالحج والعمرة والجمعة والجماعة وغيرها.
والعبد لا يكون مرائيًا بإظهارها؛ لأن من حق الفرائض الإعلان بها، وتشهيرها: لأنها أعلام الإسلام، وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إماطة التهمة بالإظهار.
وإن كان الفعل تطوعًا فحقه أن يخفى؛ لأنه لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فإن ظهر قاصدًا الاقتداء به كان جميلاً، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن يراه الناس فيمدحونه ويثنون عليه.
علاج الرياء
1- معرفة أنواع التوحيد التي تتضمن عظمة الله تعالى:
إن معرفة الله بأسمائه وصفاته تنقي القلب من الضعف، فإذا علم العبد أن الله وحده هو الذي ينفع ويضر متى شاء، طرح من قلبه الخوف من الناس؛ حيث زين له الشيطان تزيين عبادته أمامهم، خشية ذمهم وطمعًا في ثنائهم. وكذلك متى علم العبد أن الله سميع بصير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور طرح مراقبة الناس، وأطاع الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
وحسبك يا عبد الله اطَّلاع الله عليك، وهو القائل: ]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[.
ومتى علم العبد أن الله عظيم قدير، عظمه قلبه، وشُغِلَ بحبه فؤاده. وهكذا تتبدد حجب الرياء أمام نداوة التوحيد، وحلاوة الإيمان، وطراوة حب الله الذي يملأ كيان العبد ويشدُّ أركانه.
2- إخفاء العمل وإسراره:
قال الله تعالى في شأن صدقة السر: ]إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[
[البقرة: 271].
فَفَضَّل صدقة السر على صدقة العلانية.
وكان الصالحون يحبون إخفاء أعمالهم الصالحة، وحرصوا على إخفائها أعظم ما يحرص الناس على فواحشهم، كل ذلك رجاء أن يخلُص عملهم ليجازيهم الله تعالى يوم القيامة بإخلاصهم.
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبل له وغنم، فأتاه عمر ابنه، فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فلما انتهى إليه قال: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيًّا في إبلك وغنمك، والناس بالمدينة يتنازعون في الملك. قال: فضرب صدره بيده وقال: اسكت يا بني إني سمعت رسول الله r يقول: «إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي»([78]).
وقد خص بعض العلماء الإخفاء بالنوافل دون الفرائض، واستثنى بعض العلماء أولئك الذين يُقتدى ويُتأسى بهم، ويكون لأفعالهم تأثير في الناس، فهؤلاء يستحب في حقهم الإعلان دون الإسرار بشرط أن يأمنوا على أنفسهم الرياء، ولا يكون ذلك إلا لقوة إيمانهم وصدق يقينهم.
وقد جلا هذه المسألة العز بن عبد السلام – رحمه الله – في كتابه (قواعد الأحكام) فقد عقد فيه فصلاً في (تفاوت فضل الإسرار والإعلان بالطاعات) قال فيه: «إن قيل: هل الإخفاء أفضل من الإعلان لما فيه من اجتناب الرياء أم لا؟.
فالجواب: أن الطاعات ثلاثة أضرب:
أحدها: ما شرع مجهورًا كالأذان والإقامة والتكبير والجهر بالقراءة في الصلاة والخطب الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الجمعة والجماعات والأعياد والجهاد وعيادة المرضى وتشييع الأموات، فهذا لا يمكن إخفاؤه فإن خاف فاعله الرياء جاهد نفسه في دفعه إلى أن تحضره نية الإخلاص، فيأتي به مخلصًا كما شُرع، فيحصل على أجر ذلك الفعل، وعلى أجر المجاهد لما فيه من المصلحة المتعدية.
الثاني: ما يكون إسراره خير من إعلانه كإسرار القراءة في الصلاة، وإسرار أذكارها، فهذا إسراره خير من إعلانه.
الثالث: ما يخفى تارة ويظهر أخرى كالصدقات، فإن خاف على نفسه الرياء أو عرف ذلك من عادته كان الإخفاء أفضل من الإبداء لقوله تعالى: ]وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[.
ومن أمن الرياء، فله حالان:
أحدهما: ألا يكون ممن يقتدى به، فإخفاؤها أفضل إذ لا يأمن الرياء عند الإظهار.
والثاني([79]): أن يكون ممن يقتدي به، فالإبداء أولى لما فيه من سدَّ خلة الفقراء مع مصلحة الاقتداء، فيكون قد نفع الفقراء بصدقته وبتسببه إلى تصدق الأغنياء عليهم، وقد نفع الأغنياء بتسببه إلى اقتدائهم به في نفع الفقراء»([80]).
3- مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى:
فالمخلص لا يعدمك من إخلاصه شيء، والمرائي إما أن يجرك إلى المهلكات، أو تشم فيه رائحة الرياء النتنة التي تزيدك ولعًا بالرياء وحبًّا للمرائين.
4- النظر في عاقبة الرياء الدنيوية:
فعلى المرائي أن يعلم أن ريائه لن يجلب له نفع الناس، ولن يدفع عنه ضررهم، بل قد يجلب سخطهم وكراهيتهم ومقتهم.
حكى الأصمعي أن أعرابيًّا صلى فأطال وإلى جانبه قوم. فقالوا: ما أحسن صلاتك. فقال: مع ذلك أنا صائم. فسمعه أعرابي آخر، فأنشد:
نح القلوص عن المصلي الصائم
قال الماوردي – رحمه الله -: «فانظر إلى هذا الرياء ما أقبحه وما أدله على سخف عقل صاحبه».
فالإنسان قد يرائي الناس بطلب دنياهم فتهرب منه الدنيا. ولا يرجع من ريائه بغير خفي حنين، وقد يعرض عن دنياهم فتأتيه الدنيا وتقبل عليه وهي راغمة كما جاء في الحديث أن النبي r قال: «من كانت نيته الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولا يأتيه منها إلا ما كتب الله له»([81]).
بل إن الرياء يجعل المرء يرتكس في حمأة الضلال، ويناله في الدنيا نقيض مطلوبه، ويعرضه لدعوة الصالحين المخلصين؛ لأن المرائي يطلق العنان للسانه ليخوض في المصلحين بثلبهم، وتنقصهم، وتقليل جهودهم، وهو لا يعلم – وقد يعلم – أنهم أحرص الناس على إخفاء أعمالهم كحرصه أو أشدَّ على إظهار ريائه. وتأمل معي – أيها القارئ الكريم – هذه القصة:
عن جابر بن سمرة قال: «شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يُصلَّي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تُصلَّي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله r ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق فأرسل معه رجلاً – أو رجالاً – إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا. حتى دخل مسجدًا لبني عبس. فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة يُكْنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية.
قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهُنَّ»([82]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – معلقًا: «قال الزين بن المنير: في الدعوات الثلاث مناسبة للحال، أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد، وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرًا دنيويًّا. وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده»([83]).
5- النظر في عاقبة الرياء الأخروية:
في يوم القيامة يهتك الله ستر المرائين ويفضحهم جزاء كذبهم. كما قال r: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»([84]).
وقد تقدم في هذه الرسالة ذكر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة مع أنهم كانوا فعالين للخير، إلا أنهم لم يريدوا به ربَّ العباد، بل أرادوا العباد.
وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله r: «بشر هذه الأمة بالسَّناء والدين والرفعة، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب»([85]).
وعن أبي هند الداري أنه سمع النبي r يقول: «من قام مقام رياء وسمعة راءى الله به يوم القيامة وسمع»([86]).
وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله r يقول: «من سمَّع الناس بعمله. سمَّع الله به مسامع خلقه وصغَّره وحقَّره»([87]).
وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عن رسول الله r قال: «ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعةٍ ورياءٍ إلا سمَّع الله به على رءوس الخلائق يوم القيامة»([88]).
وعن محمود بن لبيد أن رسول الله r قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً»([89]).
وعن أبي سعيد بن أبي فضالة – وكان من الصحابة – قال: سمعت رسول الله r يقول: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة، ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمله لله أحدًا فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك»([90]).
فكفى بهذه الأحاديث رادعًا لمن يرائي ويسمع بأعماله أو يفكر في ذلك، فالمسلم الذي يعلم أن هناك يوم حساب وجزاء، ويعلم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدًا في يوم القيامة، يغلب على نفسه الحذر من الرياء، كي يقبل عمله في ذلك اليوم، وكي لا ينفضح. قال الله تعالى: ]وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ[.
كان بعض السلف. إذا قرأ هذه الآية يقول: «ويلٌ لأهل الرياء».
6- الخوف من أن تكون فترة الرياء هي خاتمة العمل:
قال r: «يبعث الناس على نياتهم»([91]).
وقال r: «يبعث كل عبد على ما مات عليه»([92]).
7- تذكر الموت وقصر الأمل:
قال الله تعالى: ]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[ [آل عمران: 185].
وقال تعالى: ]وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[ [لقمان: 34].
فتذكر الموت يجعل العبد يخلص لله تبارك وتعالى في كل أعماله.
8- معرفة ما أعده الله تعالى للمتقين المخلصين في الجنة:
سبق أن من أسباب الرياء إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس. فإذا عرف العبد ما أعده الله – عز وجل – للمتقين المخلصين في الجنة ترفعت نفسه عن طلب ما عند الناس، وارتفعت روحه إلى العالم العلوي.
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: «ولما علم الموفقون ما خلقوا له، وما أريد بإيجادهم رفعوا رءوسهم، فإذا عَلمُ الجنة قد رفع لهم. فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم، فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في أبد لا يزول، ولا ينفدُ بصبابة عيش إنما هي كأضغاث أحلام، أو كطيف زار في المنام، مشوب بالنغص، ممزوج بالغصص، إن أضحك قليلاً أبكى كثيرًا، وإن سر يومًا حزن شهورًا، آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف أضعاف مسرَّاته، أوله مخاوف وآخره متالف.
فيا عجبًا من سفيه في صورة حليم، ومعتوه في مسلاخ([93]) عاقل، آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها السماوات والأرض، بسجن بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار، وأبكارًا عُربًا أترابًا كأنهن الياقوت والمرجان، بقذرات دنساتٍ سيئات الأخلاق سامخات أو متخذات أخذان، وحورًا مقصورات في الخيام بخبيثات سيئات بين الأنام، وأنهارًا من خمر لذة للشاربين بشراب بخس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين، ولذة للنظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وسماع الخطاب من الرحمن، بسماع المعازف والغناء والألحان، والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد، ونداء المنادي: يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا، وتحيوا فلا تموتوا، وتقيموا فلا تظعنوا، وتشبوا فلا تهرموا، بغناء المغنيين …» إلى آخر كلامه رحمه الله ([94]).
فلا تكن من هؤلاء المغبونين فإن ما عند الناس ينفد وما عند الله باق.
9- ومن العلاج أن يعلم المكلف علمًا يقينًا بأنه عبد محض:
والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضًا ولا أجرة، إذ هو يخدمه، بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده من الأجر تفضل وإحسان إليه لا معاوضة.
10- ومن العلاج ذم ما يخطر في الحال من الرياء:
وإذا أحسَّ العبد بجذوة نار الرياء تشتعل في صدره أطفأها بالإقبال على ما هو فيه من العبادة والإخلاص والاشتغال بالله – عز وجل – والاستزادة منها وهذا الذي يقهر الشيطان ويغيظه.
يروى عن بعض الصالحين أنه قيل له: إن فلانًا يذكرك – أي بسوء – فقال: والله لأغيظنَّ مَنْ أَمَرَه. قيل: ومن أمره؟ قال: الشيطان. ثم دعا بقوله: اللهم اغفر له. فأغاظ الشيطان بدعائه له، فإذا عرف الشيطان منك أنك لا تطيعه، وأنك تشتغل عنه بطاعة الله كف عنك خوفًا من أن يكون سببًا في زيادة حسناتك.
11- دعاء الله بالخلاص من هذا الداء:
ولذا أمر الله – عز وجل – أن نردد دائمًا ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ وقد أرشدنا النبي r إلى دعاء نتعوذ فيه بربنا من الرياء، فعن أبي علي – رجل من بني كاهل – قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل. فقام إليه عبد الله بن حزن، وقيس بن المضارب، فقالا: والله لتخرجن مما قلت، أو لنأتين عمر مأذونًا لنا أو غير مأذون.
فقال: بل أخرج مما قلت، خطبنا رسول الله r ذات يوم فقال: «يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل».
فقال من شاء أن يقول: كيف نتقيه، وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه»([95]).
12- معرفة دوافع الرياء والاستعانة بالله:
وقد سبق تفصيلها. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: «الرياء آفة عظيمة ويحتاج إلى علاج شديد، وتمرين النفس على الإخلاص، ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والأعراض الضارة، والاستعانة بالله على دفعها لعل الله يخلص إيمان العبد ويحقق توحيده»([96]).
وفي نهاية المطاف فهذا ما وفق الله – عز وجل – لتسطيره بقلم الفقير إلى عفو ربه، فإن أصبت فمن الله وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. وأستغفر الله تعالى من الخطأ والزلل والنسيان.
ومن أراد الاستزادة فليطلع على الكتب التالية:
1- الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر التميمي.
2- كتاب الإخلاص لعمر الأشقر.
3- كتاب الرياء لسليم الهلالي.
4- كتاب الإخلاص لحسن العوايشة. وغيرها.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الفهرس
مقدمة5
تعريف الرياء8
الفرق بين الرياء والسمعة10
ذم الرياء والمرائين. 13
خوف السلف من الرياء24
أسباب الرياء30
1- النشأة الأولى:30
2- الصحبة أو الرفقة السيئة:30
3- عدم المعرفة الحقيقية بالله عز وجل:30
4- الرغبة في الصدارة أو المنصب:31
5- الطمع فيما في أيدي الناس:31
6- إشباع غريزة حب المحمدة أو الثناء من الناس:31
7- إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال:33
8- الخوف من قالة الناس لا سيما الأقران:34
9- الجهل أو الغفلة عن عواقب وآثار الرياء والسمعة:34
أقسام الرياء35
الأمور التي يرائي بها الإنسان. 38
درجات المرائى لأجله44
علامات تدل على الرياء47
أقسام الناس في ترك العمل من أجل الرياء49
أقسام الرياء باعتبار إبطاله للعبادة54
أمور لا تعد من الرياء58
1- حمد الناس للعبد على عمل الخير دون قصد منه:58
2- نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين ومجالسة أهل الإخلاص والصالحين:58
3- تجميل الثياب والنعل ونحوه:59
4- عدم التحدث بالذنوب وكتمانها:60
5- إظهار شعائر الإسلام:60
علاج الرياء62
1- معرفة أنواع التوحيد التي تتضمن عظمة الله تعالى:62
2- إخفاء العمل وإسراره:62
3- مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى:65
4- النظر في عاقبة الرياء الدنيوية:65
5- النظر في عاقبة الرياء الأخروية:67
6- الخوف من أن تكون فترة الرياء هي خاتمة العمل:69
7- تذكر الموت وقصر الأمل:70
8- معرفة ما أعده الله تعالى للمتقين المخلصين في الجنة:70
9- ومن العلاج أن يعلم المكلف علمًا يقينًا بأنه عبد محض:72
10- ومن العلاج ذم ما يخطر في الحال من الرياء:72
11- دعاء الله بالخلاص من هذا الداء:72
12- معرفة دوافع الرياء والاستعانة بالله:73
الفهرس. 75
([1]) قواعد الأحكام 1/147.
([2]) تفسير القرطبي 20/212.
([3]) الرعاية ص33.
([4]) تهذيب موعظة المؤمنين ص228، ص289.
([5]) فتح الباري 11/136.
([6]) سبل السلام 4/356.
([7]) رواه البخاري (فتح الباري 11/408)، كتاب الرقاق: «باب الرياء والسمعة» 13/161، كتاب الأحكام «باب من شاق شق الله عليه». ورواه مسلم (شرح مسلم 18/156) كتاب الزهد والرقائق.
([8]) رواه مسلم (الشرح 18/156) كتاب الزهد والرقائق.
([9]) انظر: فتح الباري 11/408.
([10]) فتح الباري 11/408.
([11]) المحفوظ: «من تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور»، وهو بهذا اللفظ في البخاري ومسلم.
([12]) انظر: كتاب الإخلاص ص95، وما بعدها. للدكتور عمر سليمان الأشقر.
([13]) هو: ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فسلطين، وكان تابعيًّا وأبوه صحابي.
([14]) رواه مسلم 3/1513 (1905).
([15]) نَشَغ: أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفًا أو خوفًا.
([16]) أي: سقط.
([17]) صحيح الترغيب والترهيب للألباني رقم (20) باب الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئًا منه.
([18]) شرح مسلم للنووي 13/75.
([19]) رواه ابن ماجه 2/1406 (4204)، وحسن إسناده الألباني، كما في صحيح الترغيب والترهيب (27).
([20]) تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص401.
([21]) صحيح الترغيب والترهيب (28).
([22]) رواه أحمد في المسند 5/428، وقال ابن حجر في «بلوغ المرام» ص369: «أخرجه أحمد بإسناد حسن». وقال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى -: رواه أحمد وغيره بإسناد جيد.
([23]) تيسير العزيز الحميد. ص86.
([24]) كما في الجواب الكافي ومدارج السالكين.
([25]) القول المفيد على كتاب التوحيد 1/155.
([26]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي. ص136 ط. مكتبة دار البيان. دمشق.
([27]) صحيح الترغيب والترهيب رقم (32).
([28]) مجمع الزوائد 10/379 (17653)
([29]) المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية 3/384، كتاب الرقاق (3230) ط. دار الوطن.
([30]) 1/180 (431).
([31]) حاشية التقريب، طبع دار العاصمة نقلاً عن الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ص116.
([32]) رقم (5355).
([33]) والمراد بالأعمال هنا التطوعية أما الواجبة فينبغي إظهارها.
([34]) رواه البخاري 4/199 كتاب الرقاق. ومسلم 1/199 كتاب الإيمان.
([35]) والسنة أن يعجل العبد الفطر، كما ورد عن النبي r.
([36]) رواه البخاري 4/105، كتاب الخمس (باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره) ومسلم 3م1512 (1904) كتاب الإمارة.
([37]) الفوائد ص195. د. دار النفائس.
([38]) مجموع الفتاوى 10/277.
([39]) رواه البيهقي في شعب الإيمان. وحسنه الألباني بطرقه وشواهده كما في تعليقه على مشكاة المصابيح 3/1416 (5122).
([40]) شرح الأربعين ص10.
([41]) سبل السلام 4/356.
([42]) مدارج السالكين 2/83. ط. دار الكتاب العربي.
([43]) يقال: غارت عينه أي دخلت في رأسه. وهنا يكون بسبب حرمان النفس من الطعام.
([44]) جاء في حديث: «من تزين بعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السماوات والأرضين» قال الهيثمي في المجمع 10/377 (17948): رواه الطبراني في الأوسط. وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذاب. أ.هـ. وقد فاتني ذكره في كتابي (تمام المنة فيمن ورد لعنه في السنة) مع الأحاديث الضعيفة والموضوعة هناك فليتنبه.
([45]) رواه ابن حجر في المطالب العالية 3/384 (3231) وقال: هذا إسناد صحيح موقوف.
([46]) الصُّدْغ: ما بين العين والأذن.
([47]) الوَكْسُ: النقص. وكست فلانًا: أي نقصته.
([48]) تلبيس إبليس ص215.
([49]) رواه البخاري (الفتح 9/122 «5058»).
([50]) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/160.
([51]) انظر: رسالة «شرح حديث ما ذئبان جائعان» للحافظ ابن رجب الحنبلي ص47، ت: مكتب التحقيق بدار الحرمين للطباعة، ط. مكتبة الوحي الإسلامي 1415ﻫ.
([52]) درء تعارض العقل والنقل 6/66.
([53]) تلبيس إبليس ص215.
([54]) تفسير ابن كثير 4/593.
([55]) بتصرف من كتاب الرياء لسليم الهلالي.
([56]) انظر: الفتاوى 23/174.
([57]) انظر: المرجع السابق 35/164.
([58]) راجع تلبيس إبليس لابن الجوزي ص212، ط. دار الجبل. بيروت.
([59]) عن ابن مسعود قال: قال: «لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع وجاء إنسان بأكثر منه. فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياءً. فنزلت: ]الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ[ الآية. رواه البخاري (الفتح 8/421 «4668»).
([60]) الفتاوى 23/ 174 وما بعدها.
([61]) الأذكار ص6. ط. مكتبة الرياض الحديثة.
([62]) جامع العلوم والحكم ص18 ط. دار الريان للتراث.
([63]) رواه مسلم 4/2289 كتاب الزهد.
([64]) جامع العلوم والحكم. ص19.
([65]) المرجع السابق ص20.
([66]) المرجع السابق ص20.
([67]) انظر: تفصيلاً أكثر في هذا الباب كتاب (الإخلاص) للدكتور: عمر الأشقر ص103. (والقول المفيد على كتاب التوحيد) للشيخ محمد بن صالح العثيمين 1/145، و(سبل السلام) للصنعاني 4/356.
([68]) تيسير العزيز الحميد ص400.
([69]) مجمع الزوائد (7/54).
([70]) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد 2/278.
([71]) رواه مسلم 4/2034 (2642). كتاب البر والصلة والآداب (باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره).
([72]) من كتاب الرياء لسليم الهلالي. ص54.
([73]) انظر: مختصر منهاج القاصدين ص234.
([74]) بطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا.
([75]) غمط الناس: معناه احتقارهم.
([76]) رواه مسلم 2/93 (91).
([77]) رواه البخاري (الفتح 10/595 «6069»، ومسلم 4/2291 (2990).
([78]) رواه مسلم 4/2277 (2965).
([79]) انظر: كلام ابن قيم الجوزية ص4 من هذه الرسالة.
([80]) قواعد الأحكام 1/152.
([81]) رواه الترمذي 7/171 (2467)، وأحمد 5/234 (21579).
([82]) رواه البخاري (الفتح 2/300 «755»). كتاب الأذان.
([83]) فتح الباري 2/305.
([84]) تقدم تخريجه.
([85]) رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (21).
([86]) رواه أحمد بإسناد جيد والبيهقي، كذا قال المنذري، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (22).
([87]) رواه الطبراني في الكبير بأسانيد أحدها صحيح والبيهقي. كما قال المنذري وصححه الألباني في المرجع السابق رقم (23) وأضاف أن أحمد رواه في المسند.
([88]) رواه الطبراني بإسناد حسن كما قال المنذري وصححه الألباني في المرجع السابق رقم (26).
([89]) تقدم تخريجه.
([90]) حسنه الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (30).
([91]) صحيح الجامع (7871).
([92]) صحيح الجامع (7872).
([93]) المسلاخ: الجلد.
([94]) انظر: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم.
([95]) رواه أحمد (4/403) انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم (33) فقد حسنه الألباني.
([96]) القول السديد شرح كتاب التوحيد ص128.
[صوتية] الشيخ مبارك الميلي رحمه الله وكتابه الشرك ومظاهره لفضيلة الشيخ عمر الحاج مسعود حفظه الله ضمن فعاليات دورة الطيب العقبي الأولى بالإقامة الجامعية ببسكرة
فيسر اخوانكم في شبكة الإمام الآجري أن يقدموا لكم لفضيلة الشيخ عمر الحاج مسعود حفظه الله ضمن الدورة العلمية التي أقيمت بالإقامة الجامعية ببسكرة
للتحميل
وللإستماع في المرفقات وللتحميل بالنقر عليها
نسأل الله النفع بما نسمع الصور المصغرة للصور المرفقة للامانة العلمية الموضوع منقول |
||