لا يجوز تفسير القرآن بما يسمى ( الإعجاز العلمي )
ــــــــــــــــــ
قال العلامة فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :
… أولئك الذين فسروا القرآن بما يسمي بالإعجاز العلمي
حيث كانوا يحملون القرآن أحياناً ما لا يتحمل
صحيح أن لهم استنباطات جيدة
تدل على أن القرآن حق ومن الله عز وجل
وتنفع في دعوة غير المسلمين إلي الإسلام
ممن يعتمدون على الأدلة الحسية في تصحيح ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام
كنهم أحياناً يحملون القرآن ما لا يتحمله
مثل قولهم :
إن قوله تعالي : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا
لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) (الرحمن : 33 )
إن هذا يعني الوصول إلى القمر وإلى النجوم وما أشبه ذلك
لأن الله قال : ( لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) والسلطان عندهم العلم
وهذا لا شك أنه تحريف
وأنه حرام ان يفسر كلام الله بهذا
لأن من تدبر الآية وجدها تتحدث عن يوم القيامة، والسياق كله يدل على هذا
ثم إنه يقول : ( أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا)
وهؤلاء ما نفذوا من أقطار السموات ، بل ما وصلوا إلي السماء
وأيضاً يقول : ( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ ) (الرحمن : 35 )
وهؤلاء لم يرسل عليهمالحاصل
أن من الناس من يتجاوز ويغلو في إثبات أشياء من القرآن ما دل عليها القرآن
ومنهم من يفرط وينفي أشياء دل عليها القرآن
لكن يقول هذا ما قاله العلماء السابقون ولا نقبله. لا صرفاً ولا عدلاً
وهذا خطأ أيضاً
فإذا دل القرآن على ما دل عليه العلم الآن من دقائق المخلوقات
فلا مانع من أن نقبله وأن نصدق به إذا كان اللفظ يحتمله
أما إذا كان اللفظ لا يحتمله فلا يمكن أن نقول به
ــــــــــــــــــــ
و سئل :
ما المقصود بالعلماء في قوله تعالى :
( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (فاطر : 28 )؟
فأجاب بقوله :
المقصود بهم العلماء الذين يوصلهم علمهم إلى خشية الله
وليس المراد بالعلماء من علموا شيئاً من أسرار الكون
كأن يعلموا شيئاً من أسرار الفلك وما أشبه ذلك أو ما يسمى بالإعجاز العلمي
فالإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره
لا ننكر أن في القران أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة
لكن غالى بعض الناس في الإعجاز العلمي
حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة وهذا خطأ
فنقول :
إن المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا تنبغي
لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات والنظريات تختلف
فإذا جعلنا القرآن دالاً على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ
معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة، وهذه مسألة خطيرة جداً
.. ولذلك فأنا أخشى من انهماك الناس في الإعجاز العلمي أن يشتغلوا به عما هو أهم
إن الشي الأهم هو تحقيق العبادة لأن القرآن نزل بهذا
قال الله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (الذاريات : 56 )
أما علماء الكون الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه
فننظر
إن اهتدوا بما وصلوا إليه من العلم واتقوا الله عز وجل
وأخذوا بالإسلام صاروا من علماء المسلمين الذين يخشون الله
وإن بقوا على كفرهم وقالوا إن هذا الكون له محدث
فإن هذا لا يعدو أن يكونوا قد خرجوا من كلامهم الأول إلى كلام لا يستفيدون منه
كل يعلم أن لهذا الكون محدثاً
لأن هذا الكون إما أن يحدث نفسه
وإما أن يحدث صدفة
وإما أن يحدثه خالق وهو الله عز وجل
فكونه يحدث نفسه مستحيل ؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه
لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقاً ؟!
ولا يمكن أن تُوجد صدفة
لأن كل حادث لابد له من محدث
ولأن وجوده على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم
بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض
يمنع منعاً باثاً أن يكون وجوده صدفة
إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده
فكيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره ؟ !
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها
ولا أن تُوجد صدفة تعين أن يكون لها موجد
وهو الله رب العالمين
ـــــــــــــــ
شرح مقدمة التفسير
من الموقع الرسمي للعلامة ابن عثيمين
منقول
[/b]