التصنيفات
اسلاميات عامة

أثر الأذكار الشرعية في طرد الهم والغم للشيخ الدكتور عبد الرزاق العباد حفظه الله

أما بعد
أولا أحي الإخوة الكرام بتحية الإسلام
فسلام الله عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
أسال الله جلا وعلا بأسمائه الحسنى أن يكتب لنا جميعا في هذا اللقاء النفع والخير والفائدة وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم مطابقا لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن يجعل ما نقوله حجة لنا لا علينا وأن يجعلنا من عباده المتقين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب

أيها الأخوة موضوع هذا اللقاء عن أثر الأذكار الشرعية في طرد الهم والغم وكلكم يعلم أن الإنسان بين الحين والأخر قد يُلم به بعض الملمات وقد تصيبه بعض المصائب وقد يبتلى ببعض الآلام التي تكدره وتؤلم قلبه وتأكل فؤاده وربما جلبت له الكثير من الحزن أوالهم أوالغم وهذا الحزن أو الألم الذي يصيب القلب إما أن يكون متعلقا بأمور ماضية أو يكون متعلقا بأمور مستقبلة أو يكون متعلقا بحاضر الإنسان قد يتذكر الإنسان أمورا مضت وأشياء قد فاتت عليه فيتألم ويحزن لذلك وقد يكون الألم الذي أصاب قلبه يتعلق بأمور مستقبلة يتخوف من أشياء ويتوقع حصول أشياء يدخل قلبه شيئا من المخاوف وفد يكون الألم يتعلق بواقع الإنسان مصيبة حلت به أو نزلت به ولهذا يقول العلماء إذا كان الألم الذي يصيب القلب متعلقا بشيئا ماضي فهو حزن وإن كان متعلقا بشيئا مستقبل فهو هم وإن كان يتعلق بواقع الإنسان وحاضره فهو غم وهذه الثلاث الحزن والهم والغم كلها آلام تصل إلى القلب ثم إنها إذا وصلت إلى قلب الإنسان تتعبه وتؤرقه وتكدر خاطره ولا يكون وضعه مع وجودها سويا طبيعيا وحتى إنك لتقرأ ذلك في بعض الوجوه تقابل أحد زملائك وبدون أن يتحدث إليك تقول له : ما بالي أراك مهموما محزونا أو مغموما دون أن يتحدث لكنها تبدو آلامه على تقاسيم وجهه ولاسيما إذا اشتدت عليه فإنها أمور تصل إلى الإنسان لأسباب ولأحوال متنوعة تمر عليه في هذه الحياة وعند النظر في طريقة علاجها والسعي في إبعادها وإزالتها من القلب نجد أن الناس يتفاوتون في هذا الباب تفاوتا عظيما وينحون في العلاج مناح شتى ولكن لا علاج ولا دواء ولا شفاء ولا سلامة ذلك كله إلا بالعودة الصادقة إلى الله جلا وعلا فبالعودة إلى الله وذكره وتعظيمه وعمارة القلب بتوحيده والإيمان به واللجوء الصادق إلى الله والافتقار إليه والذل بين يديه والامتثال له سبحانه كل هذه تذهب ولا يبقى منها شيء والذكر هو طمأنينة القلوب وروح النفوس وذهاب الهموم والغموم كما قال جلا وعلا " الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
فطمأنينة القلب وزوال همه وغمه وحزنه إنما يكون بذكر الله وتعظيمه وعمارة القلب بالإيمان به عز وجل وعليه أيها الإخوة فإن الذكر هو الشفاء وهو الدواء وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أذكار عديدة أرشد صلوات الله وسلامه عليه من أصابه كرب أوحل به هم أو نزل به غم أن يلجأ إليها وأن يحافظ عليها وأن يأتيا بها ليزول عنه ما يجدوليذهب عنه ألمه وهمه وغمه وقد ورد في هذا الباب أحاديث عديدة خرجها أهل العلم في كتب الحديث وسأقف بكم أيها الإخوة الكرام على طائفة العطرة ونخبة مباركة من هذه الدعوات والأذكار العظيمة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي يشرع للمسلم أن يقولها عندما يصيبه الهم أو الكرب أو الحزن أو نحو ذلك

روي البخاري ومسلم في صححيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الكرب :" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ"

وروى عن أبو داود في سننه عن عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قال لها قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ " أَللَّهُ أَللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "

وروى أبو داود في سننه عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ "

وروى الترمذي في سننه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ ما دعا بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ "

هذه الأحاديث وهي أربعة أحاديث عظيمة وصحيحة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها علاج للكرب الذي يصيب الإنسان ودواء للغم والحزن والهم

و و الله الذي لا اله إلا هو إن أتى بها الإنسان متأملا معناها محققا لمقصودها ومقتضاها والله ما يبقى في قلبه من الهم مقدار ذرة ، فإنها دواء ناجح وعلاج مبارك وشفاء لما ما في الصدور ولكن يحتاج المسلم إذا قال هذه الأذكار المباركة أن يتأمل في معناها وأن يعرف مدلولها وأن يحقق مقصودها يقول العلماء : إن إذا الإتيان بالأذكار المأثورة والدعوات المشروعة بدون علم بالمعنى وتفقه في الدلالة ضعيف التأثير قليل الفائدة ولهذا نحتاج لهذا الشيء في ذكر الله عز وجل ، كثير منا يأتي بالأذكار الشرعية ويواظب عليها لكنه لا يقف متأملا في دلالتها
وعليه أيها الإخوة هذه الأذكار لعلاج الكرب وعلاج الهم والغم والحزن لابد أن نتأمل فيما تدل عليه ولو وقفتم أيها الإخوة الكرام متأملين في هذه الأذكار الأربعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها علاج للكرب ، لوجدتم أنها تشترك في شيء واحد هذا الشيء الذي تشترك فيه هذه الأذكار لابد منه لعلاج الكرب والهم والغم ، ولابد منه لسلامة الإنسان ولغنيمته في الدنيا والآخرة وتأمل في الأذكار الأربعة اجتمع تحقيق التوحيد الذي خُلق العبد لأجله ووجد لتحقيقه ، التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله وإخلاص الطاعة له سبحانه وتعالى هو المبدأ للإنسان في كرباته وفي جميع همومه ولزوال الهموم والغموم إلا إذا حقق العبد التوحيد وفزِع إلى الله وأخلص دينه لله تبارك وتعالى وتأملوا معنى الأذكار الأربعة

الأول حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الكرب "لا اله إلا الله العظيم الحليم لا اله إلا الله رب العرش العظيم لا اله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " لما يقول المكروب هذا الذكر المبارك وهو يتأمل معناه ويقف عند دلالته لا إله إلا الله يتذكر توحيد الله وأنه إنما خلق إلا للتوحيد ووجد لي لا إله إلا الله ليشغل قلبه ووقته وحياته بلا إله إلا الله هو خلق لأجل ذلك ولهذا ينبغي أن تكون لا إله إلا الله هي أكبر هم الإنسان وأهم شغل الإنسان وأعظم اتجاه الإنسان وجل اهتمامه وهو لم يخلق إلا لأجلها ولم يوجد إلا لتحقيقها فهي مقصود الخليقة وأساس إيجاد الناس {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
ما خلقهم الله إلا لأجل لا إله إلا الله ..لا إله إلا الله تعني إخلاص العبادة لله وإخلاص الدين له لا إله إلا الله : أي لا معبود بحق إلا الله فيها نفي واثبات نفي للعبودية عن كل ما سوى الله وإثبات العبودية بجميع معانيها لله وحده فالذي يقول إلا إله إلا الله لا يسأل إلا الله ولا يستغيث إلا بالله ولا يلتجأ إلا لله ولا يعتمد إلا على الله ولا يتوكل إلا على الله ولا يطلب شفاء غمومه وهمومه وأحزانه إلا من الله
فيقول لا إله إلا الله يتذكر عظمة الله وأن الله عز وجل هو الكبير المتعال وهو العلي العظيم ، فيتذكر عظمة الله وكمال قوته وكمال اقتداره وإحاطته بخلقه سبحانه وتعالى وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ويتذكر حُلم الله عز وجل ثم يقول لا إله إلا الله رب العرش العظيم فيتذكر خلق الله للعرش ذلك المخلوق الذي هو أكبر المخلوقات وأوسعها ولهذا وصف في هذا الذكر لأنه عظيم {العرش}ووصف بأنه كريم فالعرش عظيم فعرش الرحمن عظيم وعرش الرحمن كريم والكرم هو السعة والعرش هو أوسع المخلوقات وأكبرها فيتذكر عظمة الله بتذكر عظمة مخلوقاته التي أوجدها الرب عز وجل ثم يتذكر خلق السموات وخلق الله للأرض يتذكر هذه المعاني الجليلة وهو يردد فينشغل قلبه بها وينصدع فؤاده بها وتكون هي شغله , فأي باقية تبقى للهم أو الغم أو الحزن مادام القلب منشغلا بذلك ؟ ولهذا نستفيد من هذا الدعاء وغيره أن علاج الهم والغم توحيد الله , ذكر الله تعظيم الله , تنزيه الله , الالتجاء إلى الله هدا هو العلاج
ففي حديت أسماء بنت عمير قال ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب وهذا منه عليه الصلاة والسلام تشويق وترغيب لها ألا أعلمك كلمات فهذا فيه تشويق لما أشتاق قلبها رضي الله عنها إلى ذلك علما قال تقولين "الله الله ربي لا أشرك به شيئا" هذا علاج للهم
الله الأولى مبتدأ والثانية تأكيد لفظي للمبتدأ لعظم الأمر وكبر المقام وهو توحيد الله وإخلاص الدين له الله الله تكرر هذه الكلمة مرتين حتى تملأ القلب وهو يتأمل فيها الله ربي ومعنى الله أي ذو الألوهية ذو العبودية على خلقه أجمعين الذي تصرف له جميع أنواع الطاعات
من هو الله ؟ من هو المعبود بحق ؟ قال ربي الله ربي
ومعنى قوله الله ربي أي معنى معبودي بحق الذي لا معبود لي سواه هو ربي الذي خلقني ومعنى ربي الرب هو: الخالق الرازق النعم المدبر المتصرف بشؤون خلقه كلها فمعبودي الذي أصرف له العبادة بجميع أنواعها ربي وهذا هو معنى قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}
هنا يقول الله رب يعني عبادتي وتوجهي وقصدي والتجائي واعتمادي كله على ربي الذي خلقني فالرب هو الخالق الرازق المنعم المتصرف المدبر بشؤون الخلائق الذي بيده أزمة الأمور تبارك وتعالى
لا أشرك به شيئا وهذا فيه البراءة من الشرك فعلاج الهم إخلاص التوحيد والبراءة من الشرك بأن يعتمد العبد على ربه سبحانه وتعالى في كل ملماته في جميع أموره ومهماته
وقوله لا أشرك هذا فيه البراءة من الشرك والشرك هو تسوية غير الله به بأي شيء من خصائص الرب عز وجل سواء في الربوبية أو الإلوهية أو الأسماء أو الصفات لا أشرك به شيئا وشيئا هنا نكرة في سياق النفي فتعم أي لا أشرك به شيئا أي شيء كان لا صغير ولا كبير لا دقيق ولا جليل وهذا فيه براءة من الشرك كله , فإذا قال المسلم هذه الكلمة العظيمة ذهب عنه الكرب لأن قلبه انشغل بماذا ؟ انشغل بأعظم الأمور وأوجب الواجبات وأجل المقاصد وأعظم الغايات وهو توحيد الله فما بقي للغم فيه مكان لأنه منشغل بالتوحيد بالأيمان وبالإخلاص للرب العظيم سبحانه وتعالى
الله الله ربي لا أشرك به شيئا

وفي الحديث الثالث حديت أبي بكر رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام دعوات المكروب يعني دعوات من أصابه كرب أن يقول {اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا اله إلا أنت }
ما أعظمها من دعوات
"اللهم رحمتك أرجو" : هذا فيه إخلاص وفيه التوحيد
رحمتك أرجو : أصل الجملة أرجو رحمتك تقدم المعمول على العامل ليفيد الحصر قولك اللهم رحمتك أرجو أي رحمتك وحدك أنت , لا أرجو رحمة أحد سواك وإنما أرجو رحمتك أنت وحدك اللهم رحمتك أرجو وهذه صفة المؤمنين
قال الله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}
فبدأ دعوته لطرد الكرب الذي أصابه بهذا التوحيد اللهم رحمتك أرجوا يعني أرجو الرحمة منك وأطلبها منك ولا أطلبها من أحد سواك

فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين : وهذا افتقار فيه العبد الكامل لله عز وجل في كل لحظة من لحظاتك وفي كل سكون من سكناته ، فأنت فقير إلى الله حتى في طرفة العين حتى في أقل من ذلك مفتقر إلى الله عز وجل في كل شؤونك لاغنى لك عن ربك وأن الله هو غني عنك بكل وجه وأنت فقير إليه من كل وجه ولهذا تقول لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، إن وكلك الله إلى نفسك ولو لحظة واحدة تضيع وتضل من وكل إلى نفسه ضاع ومن وكل إلى غير الله ضاع ولهذا من نعمة الله على عبده المؤمن أن لا يكله إلا إليه ، من نعمة الله عليك أن لا يكلك إلا إليه لأنه إذا وكلك إلى نفسه سبحانه وكلك إلى قوة وعزة وقهر وسلطان " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ " ، "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " ، "قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ"
فأنت إذا كنت متوكلا على الله لن تخف من شيء وخافك كل شيء وإذا لم تكن متوكلا على الله أخافك الله من كل شيء حتى ما تتوكل عليه من المخلوقات توكل إليك وتكون سببا لضياعك وهلاكك كما جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال"مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ "
لأن الذي تعلق التميمة وتعلق الودعة علق قلبه بها فيضيع ، بينما المسلم لا يعلق قلبه إلا بالله سبحانه وتعالى ولا يلتجأ إلا إلى الله ولا يعتمد إلا على الله "فلا تكلني لنفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله وهذا فيه افتقارك إلى الله في إصلاح شأنك كله فشأنك في دينك وشأنك في دنياك وشأنك في أخرتك لا يصلح إلا إذا أصلحه الله لك ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه " اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ"

وأصلح لي شأني كله لا اله إلا أنت : ثم ذكر كلمة التوحيد لا إله إلا الله أما معبود بحق سواك لا يلتجأ إلا إليك ولا يعتمد إلا عليك ولا يتوكل إلا عليك ولا تفوض الأمور إلا لك لا إله إلا أنت ، فهذا من الأمور التي يعالج بها الكرب

والأمر الرابع أو الحديث الرابع حديت سعد بن أبي وقاص أن النبي عليه الصلاة والسلام قال دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ انظر هذا الكرب الذي أصاب يونس عليه السلام التقمه الحوت ودخل به في أعماق البحر ، انظر هذا الكرب العظيم في بطن الحوت وفي أعماق البحر مصيبة عظيمة فما كان منه عليه السلام إلا أن أخد يردد هذه الكلمات لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وهو في الظلمات ينادي في ظلمات بطن الحوت وظلمات البحر وظلمات الليل وهو في أعماق البحر هو يردد هده الكلمات لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين هذه دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت فكان يكررها فأذن الله عز وجل للحوت وأمرها أن تلقيه وأنبت عنده شجرة من يقطين وأعاد عليه صحته وقوته بعد أن كان في أعماق البحر ولئن نظرت بنظرتك المجردة الضعيفة إنسان ابتلعه الحوت كيف يخرج ؟ انتهى الأمر لكن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فيها تفريج الهموم وكشف الغموم وإزالة الكربات وإزالة الشدائد مع الإخلاص لله لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين يونس كان يقولوها وهو يثني في الله ويعتمد على الله ويلتجأ إلى الله ويعلم أن فرج همه بيد الله عز وجل وهذه الكلمة تضمنت أمورا أربعة :
الأمر الأول : التوحيد لا إله إلا أنت توحيد الله والأمر الثاني تنزيه الله سبحانه وتنزيه سبحانك يعني أنزهك بكل مالا يليق بك أنزهك عن النقائص والعيوب،أنزهك عما يصفك به الواصفون من أعداء الرسل { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ }

الأمر الثاني تنزيه الله

الأمر الثالث : الاعتراف بالظلم والتقصير إني كنت من الظالمين

والأمر الرابع العبودية لله سبحانه وتعالى واعترافك بأنك عبد لله عز وجل ولا غنى لك عن الله طرفة عين ، فهذا فيه علاج عظيم وشفاء مبارك ، انظر مرة ثانية للمصيبة التي نزلت بنبي الله يونس عليه السلام انظر الفرج من رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ورب المخلوقات كلها ولهذا يرجع الإنسان في كل ملماته وفي جميع أهواله وشداته إلى الله لا يلجأ إلا إلى الله في أي مصيبة تصيبك وأي نازلة تنزل بك لا تلجأ إلا إلى الله المخلوقات كلها والناس جميعهم والله ما يملكون لك شيء ، إن أرادك الله بضر ما يملكون دفعه وإذا أرادك برحمة ما يملكون إمساكه " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ " ، " قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ " ، " قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا "
الضر الذي أراد الله نزوله لا يملكون كشفه ، الضر الذي أنزله الله بكم لا يملكون رفعه ، فالخافض الرافع فالقابض الباسط المعطي المانع المعز المذل الذي بيده أزمة الأمور هو الله سبحانه وتعالى فلا يلجأ إلا إليك ولا يعتمد إلا عليه سبحانه وتعالى

فهذه أيها الإخوة دعوات أو أذكار أربعة تبثث في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب
وجاء في حديث أخر عظيم رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحَا وفي رواية وأبدله فرجا قَالَ الصحابة يا رسول الله أَولَا َتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ

نحن ربما أننا سمعناه مرات ذكرت لنا في بعض الخطب في بعض الدروس قرأناها في بعض الكتب لكن ربما بعضنا ما نشط لتعلمها لا من جهة الحفظ ولا من جهة المعنى جهة فهم المعنى ولا من جهة قولها عندما يصيبنا الهم فهذه ثلاث أنواع من التفريط إما أن يفرط الإنسان في حفظها أصلا وقراءتها ومذاكرتها أو أنه يحفظها ولكنه يفرط في فهم معناها والوقوف عند دلالتها أو أنه يفرط الإتيان بها ، يصيبه الهم والغم فينشغل بأمور كثيرة ولكنه لا يخطر بباله هذا الدعاء المبارك ، هذه مشكلة عندنا ينبغي أن نحاسب أنفسنا عليها وأن نجاهد أنفسنا على معالجتها فهذا دعاء مبارك أخبر صلواته وسلامه عليه أنه ما من عبد يصيبه هم أو غم فيقولوه إلا ويذهب الله غمه وهمه ويبدله مكانه فرحا وفي رواية فرجا بدل الغم الذي يغطي القلب ويؤلمه يتحول فرحا بعد الدعاء يتحول ومن بعد ذلك يأتي فرج من الله سبحانه وتعالى للأمر الذي ألم بالإنسان والذي دلنا على ذلك وأخبرنا به وأرشدنا إليه هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه ، ووالله إن هذا الكلام لحق وإن فيه لتفريج للهموم وشفاء للغموم وحصول للفرج وتحقيق للفرح كما أخبر بذلك رسولنا عليه الصلاة والسلام ونحن في هذا الدعاء نحتاج إلى أمورا ثلاثة أشرث إليها :

الأمر الأول أن تحفظه

والأمر الثاني أن تفهم معناه

والأمر الثالث أن تحافظ عليه عندما يصيب أحدنا هما أو غما ، وعندما تتأمل أخي الكريم المبارك هذا الدعاء تجد أنه يشتمل على أصول أربعة لابد منها لعلاج الهموم والغموم ولابد أن تتأملها وأن تحرص على فهمها وأنت تأتي بهذا الدعاء :

الأمر الأول أو الأصل الأول تحقيق العبودية لله إذا أردت لهمومك الذهاب فحقق العبودية لله وانظر تحقيق العبودية لله ونظر تحقيق العبودية في هذا الدعاء أول ما تبدأ تحقق العبودية تقول اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك فأنا عبد لك أنا عبد لك قد تكون أنا عبد لك أي بمعنى أنا عابد لك أعبدك أدعوك أرجوك أسألك أعتمد عليك التجأ إليك وتحتمل أنا عبد لك أي أنا معبد لك مذلل لك أنت خلقتني أنت أوجدتني أنت الذي تدبر أموري فأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، والدي ووالده إلى أدم كلهم عبيدك لك أنت الذي خلقتهم وأمي هي حواء كلهن إيماء لك أنت الذي أوجدتهن فأنا مخلوق لك أوجدتني من العدم وخلقتني بعد ما لم أكن فأنا عبدك وأنا عبد لك ألتجأ إليك وأدعوك وأعتمد عليك وأفوض أموري إليك فهذا الأصل الأول تحقيق العبودية لله .

الأصل الثاني : الإيمان بقضاء الله وقدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ ما لم يكن ولهذا قال ناصيتي بيدك ماض فيا حكمك عدل فيا قضاؤك هذا إيمان بالقضاء والقدر وأن الأمور كلها بقضاء الله وقدره ، ناصيتي بيدك الناصية مقدمة الرأس وناصية كل إنسان بيد الله يدبرها كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
فنواصي العباد في يد الله يدبرهم كيف يشاء ويقضي بهم بما يريد يحي هذا ويميت هذا ويغني هذا ويفقر هذا ويعز هذا ويذل ذاك ويمرض هذا ويشفي هذا{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فالأمر لله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد وكل أمر إنما يقع بقضاء الله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولهذا من أعظم ما يكون في علاج الهم والغم الإيمان بالقضاء والقدر ولهذا قال الله تعالى { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
قال بعض السلف هو العبد المؤمن تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ولهذا الإيمان بالقدر له أثر مبارك على العبد في راحة قلبه وطمأنينة نفسه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ "
المؤمن في السراء يعلم أنها نعمة من الله فيحمد الله عليها وفي الضراء يعلم أن المصيبة بقضاء الله سبحانه وتعالى وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فيصبر عليها فهو في النعمة ينال ثواب الشاكرين وفي المصيبة ينال ثواب الصابرين وهذا لا يكون إلا المؤمن

الأمر الثالث أي الأصل الثالث الإيمان بأسماء الله وصفاته والتوسل إليه سبحانه وتعالى بها ولهذا قال عليه الصلاة والسلام {أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك }فمعرفة أسماء الله ومعرفة صفاته الواردة في الكتاب والسنة والتوسل إلى الله بها من أعظم الأمور التي تكشف بها الهموم وتزال بها الغموم ولهذا قال الله تعالى{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }وقال تعالى{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }وقال " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فالتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته أعظم الوسائل وهو من معاني قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } يعني ابتغوا القربة إليه بما يرضيه ومما يرضي الله وطلب من عباده أن يتوسلوا إلى الله به أسمائه سبحانه وتعالى ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يتوسل إلى الله بأسمائه كان يقول في دعائه"اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق"توسل إلى الله بقدرته "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحييني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي"وفي القرآن {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} توسل إلى الله برحمته سبحانه وتعالى وفي دعاء الاستخارة "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك" توسل إلى الله بالعلم وبالقدرة ولهذا يتوسل المسلم إلى الله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى وهنا توسل عام شامل بأسماء الله كلها ما علمناه منها وما لم نعلم وهذا الحديث يدلنا على أن هناك أسماء وصفات لله أسثأثرث الله بها في علم الغيب عنده لم ينزلها في كتابه ولم يعلّمها أحد من خلقه وقد جاء في حديث الشفاعة العظيم عندما يشفع النبي عليه الصلاة والسلام للخلائق بأن يأذن الله بحسابهم ويبدأ قال"فأسجد لله سجدة وأحمده بمحامد يعلمني إياها في ذلك الوقت لا أعلمها الآن النبي عليه الصلاة والسلام يقول يعلمني محامد أحمده بها يعلمني يعني في ذلك الوقت فهناك أسماء لله أستأثر بها سبحانه وتعالى في علم الغيب عنده وهذا الدعاء فيه توسل إلى الله بكل اسم هو له سمى به نفسه أنزله في كتابه علمه أحد من خلقه أستأثر به في علم الغيب عنده وفي هذا أيضا دلالة على أن معرفة الله ومعرفة أسمائه ومعرفة صفاته من أعظم الأمور أو أعظم الأمور التي تتحقق بها السعادة في الدنيا والآخرة ولهذا قال الله تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } كل ما ازداد الإنسان معرفة بالله وأسمائه وصفاته ازداد تعظيما له وإقبالا عليه وبعدا عن معاصيه كما قال بعض السلف : من كان بالله أعرف كأن منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معاصيه أبعد ، فكلما زادت معرفتك بالله زاد الخير فيك إذا هذا الأصل الثالث في هذا الدعاء

الأصل الرابع العناية بالقرآن الكريم قراءة وتدبرا وتطبيقا ونحن ما تكاثرت علينا الهموم ولا انتشرت فينا الغموم والهموم إلا لبعدنا عن القرآن وإلا كنا متمسكين بالقرآن قريبين منه نتلوه حق تلاوته لكنا أسعد الناس والله عز وجل يقول { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }ويقول{وشفاء لما في الصدور}
فالقرآن شفاء ودواء وهداية وموعظة وذكرى للذاكرين وتجد الإنسان عندما يتألم من بعض الأمور فيمسك بكتاب الله ويقرأ متدبرا ما هي إلا لحظات ويجد الصدر منشرح والطمأنينة تكسو القلب والأنس يعمره حتى أنه يظن أن ما عنده أي مشكلة مع أنه عنده مشاكل كثيرة لكنه مع طمأنينة التي تغشى صاحب القرآن السكينة التي تنزل عليه ولا سيما إذا كان يتدبر القرآن يقول عليه الصلاة والسلام" مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ "
فالقرآن شفاء والاستشفاء بالقرآن ليس بأن يشتري الواحد منا مصحفا ويعلقه في الرف أو يضعه في مقدمة السيارة وفي الوقت نفسه يتخذ كتاب الله مهجورا لا يقرأه ولا يتدبره ولا يجاهد نفسه على تطبيقه ليس هذا هو الاستشفاء بالقرآن ،
الاستشفاء بالقرآن بأمور ثلاثة :

قراءة القرآن
وتدبر القرآن
والعمل بالقرآن

{ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }معنى يتلونه حق تلاوته أي يقرءونه ويفهمون معناه ويعملون بمقتضاه ومن التلاوة العمل به وتلاوة القرآن لا تكون مجرد قراءة بل لابد فيها من العمل به ولهذا يقولون تلا فلان فلان أي تبعه فلا بد من العمل بالقرآن ولهذا العناية بالقرآن قراءة وتدبرا وتطبيقا هو أساس السعادة والفلاح وزوال الهموم والغموم ولهذا ختم هدا الدعاء بقوله"أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي" إذا كان القرآن هذا شأنه في قلبك وهذا شأنه في صدرك ، نور صدرك وربيع قلبك وجلاء حزنك وذهاب همك وغمك ، هل الغموم والهموم تجد طريق إلى قلبك ؟ هل لها مدخل إلى صدرك وفؤادك ؟ لا والله لأنه معمور والقلوب أوعية فالقلب وعاء إذا ملأته بالذكر والقرآن واستحضار عظمة الله ما بقي لهذه الأمور أي مكان لكنه إذا ضعف فيه الإيمان وضعف فيه الذكر وضعفت فيه الصلة بالله سبحانه وتعالى وجدت هذه الأمور إليه طريقا وسبيلا قال "أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري" لما ذكر القلب ذكر الربيع ولما ذكر الصدر ذكر النور لأن النور ينعكس على ما في داخله والربيع هو الماء الذي يصل إلى النبات فيغذيها ثم يشع فيها الخير فأنت إذا القرآن سرى إلى قلبك أصبح مثل الربيع ينبت أنواع الزهور وأنواع الحدائق وأنواع الثمار التي لا أطيب منها ولا أجمل ولا أحسن وإذا شع صدرك بالنور أصبحت حياتك كلها نورا وضياء ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني أي أن يجلو حزني ويذهب ولا يبقى منه شيء إلا القرآن بالاستشفاء بالقرآن ، إلا أبدل الله همه وغمه إلا أذهب الله غمه وهمه وأبدله فرحا .
فهذه أيها الأخوة تذكرة لي ولكم حول هده الدعوات العظيمة وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل وأن نتعاهد أذكار النبي عليه الصلاة والسلام ودعواته المأثورة عنه بتعلمها ومدارستها ومذاكرتها وتطبيقها وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج همومنا وهمومكم وأن ينفس كرباتنا وكرباتكم وأسأله سبحانه وتعالى أن يصلح لنا جميعا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا وأن يجعل الحياة لنا زيادة في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إيمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب همومنا وغمومنا ونسأل الله جلا وعلا أن يصلح لنا ولكم شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمدا وآله وأصحابه أجمعين

انتهى كلامه حفظه الله

جزى الله من قام بالتفريغ خيرا




بارك الله فيك وجزاك الله حير الجزاء على الموضوع
كذلك هناك كتاب للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفضهما الله واطال عمرهما في طاعته
بعنوان فقه الادعية والاذكار وهو كتاب قيم انصح به كل الاخوة الاعضاء ليقتنوا منه وذلك لما فيه من فوائد عضيمة
وشروحات للادعية وذكر أوقاتها المستاجبة والماثورة منها
واليكم هاته الابيات التي اوردها الشيخ في مقدمة الكاتب

فذِكر إلَهِ العرشِ سرًّا ومعلناً … يُزِيلُ الشَّقَا والهَمَّ عنك ويَطردُ
ويجلبُ للخيراتِ دنيا وآجلاً … وإنْ يأتِك الوَسواسُ يوماً يشَرَّدُ
فقد أخبَر المختارُ يوماً لصحبِه … بأنَّ كثيرَ الذِّكرِ في السَّبق مُفرِدُ
ووَصَّى معاذاً يَستَعين إلهه … على ذكرِه والشكر بالحسن يعبدُ
وأوصى لشخصٍ قد أتى لنصيحةٍ … وقد كان في حمْل الشرائِعِ يَجْهَدُ
بأنْ لا يزالَ رطباً لسانُك هذه … تُعينُ على كلِّ الأمورِ وتُسعِدُ
وأخبَرَ أنَّ الذِكرَ غَرسٌ لأهلِه … بجنَّاتِ عَدن والمساكنُ تُمْهَدُ
وأخبَر أنَّ الله يذكرُ عبدَهُ … ومَعْهُ عى كلِّ الأمرِ يُسَدِّدُ
وأخبَر أنَّ الذِّكرَ يبقى بجنّة … ويَنقطعُ التَّكليفُ حين يُخلَّدُوا
ولو لَم يكنْ في ذِكره غيرَ أنَّه … طريقٌ إلى حبِّ الإلَه ومُرشِدُ
ويَنهَى الفتَى عن غِيبةٍ ونَميمةٍ … وعن كلِّ قولٍ للدِّيانَةِ مُفسِدُ
لكان لنَا حَظٌّ عظيمٌ ورغبةٌ … بكثرةِ ذكرِ الله نعمَ المُوَحَّدُ
ولكنَّنَا من جَهلِنا قلَّ ذِكرُنا … كما قلَّ منَّا للإلَه التَّعبُّدُ
ولهذا فإنَّ الأذكارَ الشرعية والأدعية النبويّة لها منزلةٌ عاليةٌ في

الابيات للشيخ السعدى رحمه الله




و فيكم بارك الرحمن
و بارك الله فيك على الاضافة الطيبة




التصنيفات
اسلاميات عامة

الشيخ الدكتور عبد الله البخاري في الجزائر جدول المحاضرات

الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد:

فهذا إعلان عن حضور الشيخ الدكتور عبد الله البخاري ـ حفظه الله ـ الى الجزائر ابتداءا من (الجمعة 22 رجب 1443هـ الموافق لـ 24 جوان 2022 ) باذن الله و تسيره، و لهذا يشرفني أن أحيلكم على جدول دروسه المبرمجة والمعلن عليها عبر منتديات التصفية و التربية السلفية باشراف الشيخ الفاضل لزهر سنيقرة،
و هذا عبر الرابط الأتي:

تعليمية

المصدر من هنا
ترجمة الشيخ عبد الله البخاري من موقعه
من هنا




سلامـ الله عليكمـ

باركـ الله فيكـ أبو جمانة

على حسب الجدول لاتوجدله محاضرات في الجزائر العاصمة تعليمية

جزآك الله الفردوس

تحياتي




بارك الله فيك




التصنيفات
اسلاميات عامة

الأخلاق الحميدة لفضيلة الشيخ الدكتور/ مُحَمد بن هادي الْمَدخلي

الأخلاق الحميدة
لفضيلة الشيخ الدكتور/
مُحَمد بن هادي الْمَدخلي
-حفظه الله-
خطبة ألقاها – حفظه الله – في محافظة الطائف –
بجامع العذل بتاريخ : 18/11/1430هـ
تفريغ وتنسيق
أبو عبدالله شريف حمد.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه و أله و سلم).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار .
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اعلموا رحمني الله وإياكم أن هذا الدين المتين قام على أسس قويمة متينة ومن هذه الأسس العظيمة التي أوجبت الترابط بين أهله والتآخي والتلاحم بينهم بعد التوحيد والقيام بأركان الإسلام، الأخلاق الفاضلة الحسنة.
فإن الأخلاق يا عباد الله تألف بين الناس وتباعد بينهم، فالأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة، تحبب الناس بعضهم لبعض.
والأفعال السيئة، والأخلاق الذميمة تكره الناس بعضهم في بعض، ولقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-مضرب المثل في ذلك وكفانا مدح ربه له بقوله جل وعلا: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
أيها المؤمنون:
لقد كان رسولكم-صلى الله عليه وسلم- يضرب بأخلاقه الحسنة، وأفعاله الجميلة، وسجاياه الشريفة، يضرب لكم أروع الأمثلة، ولهذا قال الله جل وعز: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْفِيرَسُولِ اللَّهِأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنكَانَيَرْجُواللَّهَوَالْيَوْمَ الْآخِرَوَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) كان معروفا بالصدق في الجاهلية، ومعروفا بالأمانة أيضا، حتى إن قريشا تلقبه بالأمين ، أو تلقبه بالصادق الأمين، كان محط أنظارهم يودعونه أموالهم ، ومحط استشارتهم، لما علموه من صدقه ونصحه لهم، صلوات الله وسلامه عليه.
ولقد اهتم عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر غاية الاهتمام فثبت عنه في الحديث أنه قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا).
وجاء في الترمذي وغيره من حديث عبد الله سلام -رضي الله عنه- ، وقد كان من أحبار اليهود بالمدينة قبل إسلامه وقدوم النبي-صلى الله عليه وسلم-عليها، قال رضي الله تعالى عنه: لما قدم النبي المدينة انجفل الناس عليه وكنت فيمن انجفل فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء سمعته يقول (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
انظروا إلى هذه الوصايا العظيمة إن هذه الوصايا كل واحدة منها بحاجة إلى أن تفرد بحديث مستقل.
فإطعام الطعام من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وبذل السلامكذلك وصلة الأرحام كذلك، وصى بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإطعام الطعام يحصل به التكافل بين المسلمين، فلا يبقى بينهم فقير ولا معوز ولا جائع.
وبث السلام: تحصل به الألفة بين القلوب، قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أدلّكم على شيءإذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
فإفشاء السلام من الشعائر الظاهرة بين أمة الإسلام، وهو سبب للألفة بين المسلمين.
وصلة الأرحام: به تتوثق أواصر القربى بين المسلمين، فلا يقطع رحم إلا من ران على قلبه عصيان الله ورسوله، عياذا بالله من ذلك.
أما من عمر قلبه الإيمان بالله، والمحبة والإتباع لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يمكن بحال أن يقطع رحمه، وهو يعلم ما في القطيعة من الإثم العظيم، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
انظروا عباد الله إلى هذه الوصية التي بثها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أوّل قدومه مدينته عليه الصلاة والسلام.
أيها المسلمون:

لقد أجمع النبي-صلى الله عليه وسلم-مكارم الأخلاق وعظم مكانتها في حديثين:
فجاء في الحديث الأول الذي يعرفه أكثر المسلمين قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم منيمجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً).
وجاء عنه عليه الصلاة و السلام في السنن وغيرها أنه قال : (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسُنَ خلقُه أو حسّن خلقه).
فانظروا عباد الله منزلة الخلق الحسن، أن يقع صاحبها في أعلى الجنة فلهذا احتل المسلمون بين الأمم أعظم المنازل حينما كانوا متمسكين بالأخلاق الحميدة، والسجايا الجميلة، التي جاء بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، بل بعض بلدان الإسلام اليوم ما فتحت بسيف ولا خيل وإنما فتحت قلوب أهلها بحسن تعامل المسلمين معهم.
أيها المسلمون:
الله الله في تحقيق الأخلاق الحسنة والتحلي بها، فإن ذلك من ركائز الدين، التي يقوم عليها وتُأثر في المسلمين، وتنتج مجتمعا صالحا، يأمن بعضهم بعضا ويعطف بعضهم على بعض، ويصل بعضهما بعضا، هذه الأخلاق الجميلة التي حث الله سبحانه وتعالى عليها في كتابه، وحث عليها رسوله-صلى الله عليه وسلم-في صحيح سنته، حري بكل مسلم أن يتخلق بها، وحري بكل بيت مسلم أن يعلم بعضهم بعضا، وأن يوصي بعضهم بعضا، بحسن الأخلاق لما لها من الأثر الجميل في الدنيا عليه، ولما لها من الأدب الجميل في الآخرة عند ربه تبارك وتعالى.
أيها المؤمنون:
إن الأخلاق والحديث عنها ليس هو من باب الطرب، وليس هو من باب تحصيل الحاصل، وليس هو من باب التكميل، وإنما الحديث عنها من باب إفشاء ما يلزم إفشاؤه، والحث على ما يلزم التخلق به.
فالله الله في ذلك، فلنتخلق بأخلاق الإسلام، فإنه ما نهضت الأمة في صدرها الأول، إلا بتمسكها في ذلك، وما تنكبت الأمة في آخر عصرها إلا بسبب تركها لذلك.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم الدين، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، خاتم النبيين وإمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
انظروا عاقبة سوء الأخلاق، وسوء مصير صاحبها عند الله يوم القيامة تدركوا أيضا منزلة الأخلاق الحميدة، في الدنيا والآخرة، فإن الضد يظهر حسن ضده، وقديما قيل (الضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتميز الأشياء).
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- هَلْ تَدْرُونَ مَنْ ‏الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا ‏: الْمُفْلِسُ فِينَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ ‏: ‏إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ ‏، ‏فَيَقْتَصُّ ‏‏هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ….
فانظروا عباد الله إلى هذا المطيع الذي أتعب نفسه وأجهدها في العبادة، صلاة في صلاة، وصيام وصدقة، وتجشم عناء السفر في الحج، ثم بعد ذلك يقدم على ربه، فيصبح مفلسا، بسبب ماذا؟ بسبب سوء خلقه، يشتم هذا ويسب هذا، ويضرب هذا ويأخذ مال هذا ونحو ذلك.
فيا عباد الله: كم من جار آذى جاره؟ كم من جار اليوم شتوم؟ وكم من سيد لخادمه ظلوم؟ ولماله أكول غشوم.
أيها المسلمون:
إن مثل هذا، إن مثل هذا عليه أن يتقي الله، ويعلم أنه قادم على الله تبارك وتعالى، وأن رصيده من الحسنات إن لم تدركه رحمة الله سيكون هباءا بسبب سوء خلقه، ولقد ذكر لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-امرأة وأُثْني عليها بكثرة صلاتها وعبادتها ثم قيل له: لكنها تؤذي جيرانها، قال: هي في النار.
وذكر له أخرى ولم يذكر له من عبادتها وصلاتها وكثرة صلاتها ما ذكر له من الأولى، لكنه قيل له: إنها تحسن إلى جيرانها ، فقال: هي من أهل الجنة.
ولقد ضرب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أروع المثل في مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، والقارئ لسيرته العطرة يرى ذلك واضحا جليا، جاءه أعرابيا فجبذه جبذة شديدة حتى قطعت صنفة البرد، وطارت حاشيته في صفحة عنقه عليه الصلاة والسلام، ثم قال له يا محمد مر لي بعطاء فإنك لا تأمر لي بشيئ من مالك، ولا من مال أبيك، فقال عليه الصلاة والسلام: لا وأستغفر الله لا وأستغفر الله ، لا وأستغفر الله، ثم قال له: حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فقال : والله لا أقيدكها والصحابة قيام ينظرون، هموا به ، فقال عليه الصلاة والسلام: عزمت عليكم لما لي من حق عليكم أن لا تفعلوا شيئا ، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا فلان، احمل له على بعيريه هذين ، على أحدهما تمرا، وعلى الآخر شعيرا، ثم قال لأصحابه انصرفوا على بركة الله.
إن هذا الخلق العظيم، ومثله هو الذي به تؤسر القلوب وتفتح، تؤسر القلوب أولا ، ثم تفتح بالمحبة ثانيا.
الله الله معشر الإخوان في التأسي بهذا النبي الكريم، والصبر على أذى من آذى، والصفح عنه، وبسط الوجه له، والإحسان إليه، ودفع السيئة بالحسنة، فإن ذلك من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّاذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن الله قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال عز من قائل عليما (إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) .
وقال عليه الصلاة والسلام (من صلى علي مرة صلى الله به عليها عشرا)

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن أصحابه الحنفاء والأربعة الخلفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،و عن سائر الصحب أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاءا سخاءا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق جميع حكام المسلمين، للعمل بكتابك وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد-صلى الله عليه وسلم- اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم ورعاياهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم ورعاياهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم ورعاياهم يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صار إليه الأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
أيها المؤمنون:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ماتصنعون.

********************

**********




للرفع رفع الله قدر الجميع.
.




احسنت يا اخي في اختيار الموضوع. فلو صلح كل فرد منا واتبع مااوصى به الله عز وجل ورسوله الكريم وعمل جاهدا على ترويض نفسه علىالاخلاق الحميدة لصلح الجتمع كله بل الامةكلها. شكرا




بارك الله فيك و جزاك كل خير




بارك الله فيك اخي




بارك الله فيك




التصنيفات
القران الكريم

[تفريغ] التفريغ الكامل لشرح أصول في التفسير للإمام ابن عثيمين للشيخ الدكتور سعد بن نا

تعليمية تعليمية

[تفريغ] التفريغ الكامل لشرح أصول في التفسير للإمام ابن عثيمين للشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري

السلام عليكم ورحمة الله

يسعدني أن أقدم لإخواني الكرام التفريغ الكامل لشرح أصول في التفسير للعلامة الإمام محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ، لفضيلة الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري – حفظه الله – .

وقد بذلت فيه وسعي كي يظهر في أحسن حلة ، وقمت بتخريج أحاديثه بواسطة برنامج الجامع للحديث النبوي الشريف .

والمرجو من إخواني ممن له علاقة بالشيخ أن يتفضل بإيصاله للشيخ لكي يراجعه وله مني جزيل الشكر .

تنبيه : جميع الحقوق متاحة للتصرف الشخصي دون الأمور التجارية ، فيرجع فيها للشيخ .

أخوكم المحب أبو عبد الأعلى حاتم فتح الله المغربي .

والآن مع الرابط
http://www.4shared.com/document/0y_3MRWS/____.html

وأرجو من المشرفين نقله ليكون رابط نباشر على الموقع لأني لم أستطع ذلك .

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




التصنيفات
القران الكريم

[كتاب مصور] كتاب تهذيب و ترتيب الإتقان في علوم القرآن للشيخ الدكتور محمد بازمول ||-ال

تعليمية تعليمية

[كتاب مصور] كتاب تهذيب و ترتيب الإتقان في علوم القرآن للشيخ الدكتور محمد بازمول

السلام عليكم
هذا كتاب تهذيب و ترتيب الإتقان في علوم القرآن للشيخ محمد بازمول

و هذا رابط اخر لمقدمة الكتاب و للكتاب

http://www.archive.org/download/mdqsoimdqsoi/ttioqp.pdf
http://www.archive.org/download/mdqsoimdqsoi/ttioq.pdf

و هذا رابط من موقع الشيخ من جامعة أم القرى
http://uqu.edu.sa/mobazmool/ar/110352

الملفات المرفقة تعليمية تهذيب و ترتيب الإتقان في علوم القرآن للشيخ محمد بازمول1.pdf‏ (210.1 كيلوبايت)

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




التصنيفات
القران الكريم

[حصري] نعمة القرآن والتحذير من هجره/ لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله البخاري حفظه الله

تعليمية تعليمية

[حصري] نعمة القرآن والتحذير من هجره/ لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله البخاري حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للأبرار الصادقين المتقين، وصلوات ربي وسلامه على سيد ولد آدم عبد الله ورسوله صاحب الخلق العظيم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فهذا تفريغ لِخطبة جمعة قيِّمة ماتعة بعنوان:
(نعمة القرآن والتحذير من هجره)
لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري-حفظه الله ورعاه-، أضعها بين أيديكم أيَّها الإخوة سائلًا المولى-عزَّ وجل-أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعلنا مِمَّن يحفظون كتاب الله ويعملون به اللهم آمين.
أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الاثنين الموافق: 19/ جمادى الآخرة/ 1443 للهجرة النبوية الشريفة

تعليمية
لسماع المادة الصوتية:

لقراءة وتحميل الخطبة مفرَّغة عبر موقع كلاميو:
(نعمة القرآن والتحذير من هجره)

الملفات المرفقة

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




تعليمية
تعليمية




بارك الله فيك




بارك الله فيك على الموضوع الرائع والقيم




بارك الله فيك




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[خطبة جمعة] معنى الإضافة في: "رب العزة" الدكتور / محمد بن سعيد رسلان – ع

تعليمية تعليمية
[خطبة جمعة] معنى الإضافة في: "رب العزة" الدكتور / محمد بن سعيد رسلان – حفظه الله –

تعليمية

معنى الإضافة في: "رب العزة"

خطبة الجمعة 27 من ربيع الأول 1443هـ الموافق 8-2-2013م

الدكتور / محمد بن سعيد رسلان – حفظه الله –


بعض عناصر الخطبة
– هل ورد رب العزة في الكتاب والسنة وبيان الامر
– بيان صفات الله – الثبوتية والسلبية
– كمال الله تعالى ينقسم الى – ذاتى – وفعلى وبيان كل منهما
– بيان اقسام الصفات الذاتية الى معنوية وخبرية
– بيان اقسام الصفات الفعلية
– بيان معنى الرب
– معنى اسم الله العزيز
– بيان صفة العزة لله تعالى
– بيان اقسام العزة : القدر – والقهر – والامتناع
– تفسير معنى قوله تعالى : ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ )
– معرفة الله تنجى من المهالك والضلال

– تنزيه الله عن كل وصف لا يليق به سبحانه وتعالى
– محبة الله عزوجل والانُس به والشوق الى لقاءه
– فقر العبد الذاتى والفعلى الى الله سُبحانه وتعالى

تحميلmp3

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




شكرا وثبت الله الشيخ رسلان




العفو اختي رحمة

اللهم امين ونسال الله ان ينفعنا بعلمه




التصنيفات
الفقه واصوله

الدرس العاشر لشرح شيخنا فضيلة الدكتور الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله المدرس بالجامعة

تعليمية تعليمية

الدرس العاشر لشرح شيخنا فضيلة الدكتور الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله المدرس بالجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية عبر الهاتف في مسجد الفرقان (استكهولم )في السويد

السلام عليكم
هذا هو الدرس العاشر لشرح شيخنا فضيلة الدكتور الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله المدرس بالجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية عبر الهاتف في مسجد الفرقان (استكهولم )في السويد وفي غرفة الزاد النبوي عبر الانترنت في برنامج البيلوكس بتاريخ2010.1.16 وهذا هو الرابط
http://www.islamup.com/download.php?id=79471

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




بوركت أختي على الجلب الطيب

جزاك الله خيرا




جزاك الله خيــرا على هذا الإ نجــــاز المتميز , وشكرا جزيلا لك.




التصنيفات
الفقه واصوله

الدرس التاسع لشرح القواعد الفقهية لفضيلة الدكتور الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله عبر

تعليمية تعليمية

الدرس التاسع لشرح القواعد الفقهية لفضيلة الدكتور الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله عبر الهاتف في مسجد الفرقان في السويد

السلام عليكم
هذا هو الدرس التاسع لشرح شيخنا فضيلة الدكتور الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله المدرس بالجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية عبر الهاتف في مسجد الفرقان (استكهولم )في السويد وفي غرفة الزاد النبوي عبر الانترنت في برنامج البيلوكس بتاريخ.2010.1.09 وهذا هو الرابط
http://www.islamup.com/download.php?id=77378

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




تعليمية




تعليمية




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

شكرا لك أختي أم ليلى

موضوعك روعة بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك

تقبلي مروري مع خالص تحياتي
تعليميةتعليمية
تعليمية




التصنيفات
الفقه واصوله

[جمع] الأحاديث الواردة في الختان يوم السَّابع رواية ودراية بقلم : الشَّيخ الدكتور أبي

[جمع] الأحاديث الواردة في الختان يوم السَّابع رواية ودراية بقلم : الشَّيخ الدكتور أبي عبد الباري رضا بن خالد بوشامة – حفظه الله

تعليمية

الأحاديث الواردة في الختان يوم السَّابع رواية ودراية
بقلم :
الشَّيخ الدكتور أبي عبد الباري رضا بن خالد بوشامة – حفظه الله
أستاذ بكلية العلُّوم الإسلامية – بجامعة الجزائر

بسم الله الرحمن الرحيم

الختانُ من محاسن الشَّرائع الَّتي شرعها الله سبحانه لعباده ، وهو مُكمِّل للفطرة الَّتي فطرهم عليها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال : "الفطرة خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ : الختان ، والاستحداد ، وتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ، ونتف الإبط ، وَقَصُّ الشَّارِبِ" [متفق عليه]

قال ابن القيم رحمه الله : " والفطرة فطرتان : فطْرَة تتَعَلَّق بِالقَلْبِ وهي معرفة الله ومحبَّته وإيثاره على مَا سواهُ ، وفطرة عمليَّة وهي هذه الخصَال ، فالأولى تزكيّ الرُّوح وتطهِّر القلب ، والثَّانية تطهِّر البدن ، وكلٌّ مِنْهُمَا تمدُّ الأُخرَى وتقوِّيها وكان رأس فطرة البدن الخِتَان " (1)
ولازال المسلمون يختنون أبناءهم ويحرصون على ذلك ، اتِّباعًا للفطرة السَّليمة والحنيفيَّة السَّمحة ، وقد ذكر الفقهاء أحكامًا كثيرة تتعلَّق بالاختتان ، ومِن تلكم الأحكام المذكورة ما يتعلَّق بعقيقة الغلام ، فتكون يوم سابعه ، أم أنَّ الأمر فيه واسع متى ما شاء الإنسان ختن ولده ؟

وفي هذا المقال نذكر ما ورد من أحاديث تفيد توقيت الختان باليوم السَّابع ، ونتكلَّم عن أسانيدها من حيث الثُّبوتُ وعدمهُ ، ثمَّ نورد مذاهب الفقهاء في المسألة بشيء من الاختصار والإيجاز ، وعلى الله التُّكلان .
رُويت أحاديث توقيت الختان باليوم السَّابع عن ثلاثة من الصَّحابة رضي الله عنهم :

1- من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :

أخرجه ابن عدِّي في "الكامل" (4/180) ، وابن أبي الدُّنيا في "كتاب العيال" (582) ، والطَّبراني في "المعجم الأوسط" (6708) ، و"الصَّغير" (891) ، والبيهقـي في "السُّنن الكبرى" (8/562) من طُرق عن محمَّد بن أبي السّري ، عن الوليد ابن مسلم ، عن زهير بن محمَّد ، عن محمَّد بن المنكدر ، عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال :" عَقَّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عنِ الحَسَنِ والحسين وختنهُمَا لسبعةِ أيَّامٍ " (2)
وقال ابن عدي : " لا أعلم رواه عن الوليد غير محمَّد ابن المتوكِّل ، وهو محمَّد بن أبي السّري العسقلاني " .
وقال الطَّبراني : " لم يرْوِه عن محمَّد بن المنكدر غير زهير ابن محمَّد ، ولم يقل في هذا الحديث أحدٌ من الرُّواة "وختنهما لسبعة أيَّام" إلاَّ الوليد بن مسلم "
قلت : وهذا السَّند ضعيف ، والحديث منكر .
محمَّد بن المتوكِّل العسقلاني له أوهام كثيرة وأحاديث مناكير كما في ترجمته من "تهذيب الكمال" (26/355) ، وقال عنه الحافظ في "التَّقريب" : "صدوق عارف له أوهام كثيرة"

فمثله لا يقبل منه تفرُّده بالحديث دون سائر الرُّواة .
وأشار الطَّبراني إلى علَّة أخرى في الإسناد ، وهي تفرُّد زهير ابن محمَّد أو الوليد بن مسلم كما في "المعجم الصَّغير" بقوله في الحديث : "وختنمها لسبعة أيَّام" .

وزهير بن محمَّد الخراساني المكِّي ، جملةُ القول فيه ما قاله ابن رجب رحمه الله : "وفصل الخطاب في حال رواياته أنَّ أهل العراق يروون عنه أحاديث مستقيمة ، وما خُرِّج عنه في الصَّحيح فمن رواياتهم عنه .

وأهل الشَّام يروون عنه روايات منكرة ، وقد بلغ الإمام أحمد بروايات الشَّاميِّين عنه إلى أبلغ من الإنكار ، قال أحمد في رواية الأثرم ، الشَّاميُّون يروون عنه أحاديث مناكير ، ثمَّ قال : تُرى هذا زهير بن محمَّد الَّذي يروي عنه أصحابنا ؟!
ثمَّ قال : أمَّا رواية أصحابنا عنه فمستقيمة : عبد الرَّحمن ابن مهدي وأبو عامر أحاديث مستقيمة صحاح ، وأمَّا أحاديث أبي حفص التّنيسـي عنه فتلك بواطيل موضوعة ، أو نحو هذا ، أمَّا بواطيل فقد قاله " .

وقال البخاري في زهير : " روى عنه ابن مهدي ، والعقدي ، وموسى بن مسعود ، روى عنه أهل الشَّام أحاديث مناكير … " .

قال ابن عدي : " لعلَّ الشَّاميِّين حيث رَوَوْا عنه أخطأوا عليه ، فإنَّه إذا حدَّث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيم وأرجوا أنَّه لابأس به " (3) .

قلت : وهذه من رواية الشَّاميِّين عنه ، فالوليد بن مسلم شامي وقد تفرَّد به عنه .
وأمَّا تدليس الوليد بن مسلم كما أشار إلى ذلك الشَّيخ الألباني وأعلَّ الطَّريق به وبابن أبي السّري كما في "تمام المنَّة" (ص:67-68) ، فلعلَّ ما تقدَّم يكفي في إعلاله ، لأنَّه صرَّح بالتَّحديث عند ابن أبي الدُّنيا في "العيال" والطَّبراني في "الأوسط"
فجملة القول إنَّ الحديث بهذا الإسناد منكرٌ لا يصحُّ

2- من حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما :

أخرجه الطَّبراني في "المعجم الأوسط" (558) من طريق روَّاد بن الجرَّاح ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :"سبعة مِنَ السُّنَّة في الصَّبيِّ يوم السَّابع ، يُسَمَّى ، ويُختن ، ويُماط عنه الأذى ، وتُثقب أذنُه ، ويُعقُّ عنه ، ويُحلق رأسه ، ويُلطخ بدم عقيقته ، ويُتصدق بوزن شعره في رأسه ذهبًا أو فضَّة" .
قال الطَّبراني : " لم يروِ هذا الحديث عن عبد الملك إلاَّ رواد " .
وهذا أيضًا منكر ، فرواد بن الجرَّاح له أفراد وغرائب ومناكير ، وضعَّفه غير واحد ، كما في تهذيب الكمال (9/227) ، قال ابن عدي : " ولروَّاد بنِ الجَرَّاح أحاديثُ صالحةٌ وإفراداتٌ وغرائبٌ ينفردُ بها عن الثَّوري وغيرِ الثَّوري ، وعامَّة ما يَرْوِي عن مشايخه لا يُتابعه النَّاسُ عليه وكان شيخًا صالحًا ، وفي حديثِ الصَّالحين بعضُ النُّكرة إلاَّ أنَّهُ ممَّن يُكْتَبُ حديثُهُ " (4)
والحديث ذكره الألباني في "السِّلسلة الضعيفة" (5432) وقال : " منكر بهذا التَّمام" وأعلَّه برواد بن الجرَّاح .

وأمَّا في "تمام المنَّة" (ص:68) فجعله شاهدًا لحديث جابر رضي الله عنه ، وقد علمت ما فيهما .

وممَّا يدلُّ على نكارة حديث رواد بن الجرَّاح أنَّه جاء عن ابن عبَّاس ما يخالفه ، روى البخاري في "الصحيح" (6299) عن ابن عَبَّاسٍ قالَ : "وكَانُوا لا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حتَّى يُدْرِكَ"

3- من حديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه :

أخرجه الدَّيلمي في "مسند الفردوس" (1/46) كما في "السِّلسلة الضَّعيفة" (2610) ، وقاضي المارستان في "أحاديث الشُّيوخ الثّقات" (733) من طريق عبد الله بن أحمد بن عامر ، عن أبيه ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمَّد ، عن أبيه محمَّد بن علي ، عن أبيه علي ابن الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :"اخْتنُوا أوْلاَدَكُمْ يَوْمَ السَّابع ، فإنَّه أطْهَرُ وَأَسْرَعُ لِنَبَاتِ اللَّحْمِ ، وإنَّ الأرْضِ تَنْجُسُ مِنْ بَوْلِ الأقْلَفِ أرْبَعِينَ صَبَاحًا" .
وأخرجه أبو القاسم بن عساكر في "تبيين الامتنان بالأمر بالاختتان" (23) من طريق داود بن سليمان قال : حدَّثني علي ابن موسى الرِّضا به .
والحديث موضوع ، ففي السَّند الأوَّل : عبد الله بن أحمد ابن عامر وأبوه ، قال الذَّهبي : " عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرِّضا عن آبائه بتلك النُّسخة الموضوعة الباطلة ما تنفكُّ عن وضعه أو وضع أبيه " (5)
وفي السَّند الثَّاني : داود بن سليمان الجرجاني الغازي ، قال عنه الذَّهبي ، كذَّبه يحيي بن معين ولم يعرفه أبو حاتم ، وبكلُّ حال فهو شيخ كذَّاب ، له نسخة موضوعة على الرِّضا (6) ، ثمَّ ذكر له هذا الحديث .
والحديث حكم عليه بالوضع كلٌ من : الذَّهبي كما تقدَّم وابن عراق في "تنزيه الشَّريعة" (46) ، والشَّوكاني في "الفوائد المجموعة" (16) ، والألباني في "السِّلسلة الضَّعيفة" (3280، 6210)

4– قال ابن المنذر في الإشراف (3/424) : "وَرُوِيَ عَن أبي جَعْفَر أنَّ فَاطِمَةِ كَانَت تختن وَلَدهَا يوْمَ السَّابع"

ولم أقف عليه سندًا ، وأورده بصيغة التَّضعيف ، والله تعالى أعلم
والخلاصة أنَّه لم يصحَّ توقيت الختان باليوم السَّابع ، والأحاديث في ذلك ضعيفة معلَّة .

أقوال الفقهاء :

اعلم أنَّ الفقهاء اختلفوا في الختان الغلام يوم السَّابع على قولين :
القول الأوَّل : كراهة ختن الصَّبي يوم سابعه ، وعلَّة ذلك التَّشبه باليهود .
وهو قول الحسن البصري والحنَفِيَّةِ ، والمالِكيَّة ، وَالحَنَابِلَةِ (7)
القول الثَّاني : ذهبت الشَّافعيَّة إلى استحباب الختان يوم السَّابع (8)

ومن قال بالكراهة اختلف في تحديد وقت الختان :

ففِي قولٍ للحنابلة والمالكيَّة : إنَّ المستحبَّ ما بين العَام السَّابع إلى العاشر من عُمْرِهِ ، لأنَّها السِّنُّ الَّتي يُؤمَرُ فيها بالصَّلاَةِ ، وهو قول الليث ابن سعد (9)

وفي روايةٍ عن مالك أنَّه وقْتُ الإثغَار، إذا سقطتْ أسنانه (10) وقال أبو بكر ابن المنذر : " ليس في باب الختان نهي ثبت ، ولا لوقته خبر يرجع إليه ولا سنَّة تتَّبع ، وتُستعمل الأشياء على إباحة ، ولا يجوز حظر شيء منها إلاَّ بحجَّة ، ولا نعلم مع من منع أن يختن الصَّبي لسبعة أيَّام حجَّة " (11)
والَّذي يظهر أنَّ الأمر راجع إلى العُرْف ، ولا يجوز تأخيره إلى حدِّ البلوغ لقول ابن عباس المتقدِّم :"كَانُوا لا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حتَّى يُدْرِكَ" .
قال ابن القيِّم : " أي حتَّى يُقارب البلوغ كقوله تعالى ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:234] ، وبعد البلوغ الأجل لا يتأتَّى الإمساك ، وقد صرَّح ابن عَبَّاس أنَّه كانَ يوم موت النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم مختونًا وأخبر في حجة الوَدَاع الَّتي عاش بعدهَا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بضعَة وثَمَانِينَ يَوْمًا أنَّه كان قد ناهز الاحتلام وقد أمر النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم الآبَاء أن يأمروا أولادهم بالصَّلاة لسبع وأن يضربوهم على تركها لعشر ، فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتَّى يجاوزوا البُلوغ ؟ والله أعلم (12)
فأمَّا إن خِيفَ عَلَيْهِ ، لم يَجُزْ أنْ يُخْتن حتَّى يَغْلب عَلَى الظَّنَّ سَلامتهُ ، ويرجع تقرير ذلك إلى الطَّبيب الثِّقة ، وقد يكون الصَّبيُّ في يوم سابعه ضعيفًا ، فلذلك نَقل ابنُ المنذر عن الحسن البصري أنَّه قال : هو خطر ، أمَّا بعد السَّابع ، فإنَّه يقوى على ذلك ، والأولى ختانه في صغره قبل أن يميِّز ويُدرك ، فإنَّه يتألَّم بذلك ، وأمَّا إذا كان ابنَ شهر أو نحوه فيسرع برؤ جرحه ولا يتألَّم ، والله تعالى أعلى وأعلم .

الحواشي :
(1) : "تحفة المودود" (ص:161)
(2) : ووقع في "الأوسط" زيادة ابن عقيل في الإسناد بين زهير بن محمَّد وابن المنكدر ، ونبَّه المحقِّق أنَّ الزِّيادة ليست من الرِّواية في شيء
وممَّا ينبَّه عليه أيضًا أنَّ ابن الملقِّن في كتابه "البدر المنير" (9/341) عزَا هذه الرِّواية للطَّبراني في "الصَّغير" من حديث قتادة عن أنس وهو وَهْمٌ ، ولم ينبِّه عليه المحقِّق
(3) : انظر : "شرح علل التَّرمذي" (2/614، 617)
(4) : "الكامل" (4/120)
(5) : ميزان الاعتدال (4/59)
(6) : "الميزان" (3/12)
(7) : انظر : "حاشية ابن عابدين" (5/478) ، "مواهب الجليل" (3/258) ، "المجموع" (1/313)، "الإنصاف" (1/124)
(8) : "المجموع شرح المهذَّب" (1/350) ، النَّووي على مسلم (3/148)
(9) : انظر : "الإنصاف" (1/124) ، و"الإشراف على مذاهب العلماء" (3/424)
(10) : "مواهب الجليل" (3/258)
(11) : "الإشراف على مذاهب العلماء" (3/424)
(12) : "تحفة المودود" (ص:182)
المصدر : العدد الرابع والثَّلاثون (34) لمجلَّة الإصلاح – الجزائر

المصغرات المرفقة تعليمية

منقول لتعم للفائدة والاجر




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




بارك الله فيك