نصيحة بليغة إلى السلفيين في بلاد الجزائر وغيرها
للشيخ ربيع بن هادي بن عمير المدخلي حفظه الله ونفعنا بعلمه
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه . أما بعد : فقد طلب مني بعض الأحبة والإخوة من الجزائر توجيه نصيحة إلى المشايخ الدعاة والشباب السَّلفي في الجزائر ؛ تحثهم على التمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، وتحثهم على المحبة في الله والتآخي فيه ، فرأيتُ أن أوجه إليهم هذه النصيحة راجيًا من الله تعالى أن ينفعهم جميعًا بها ؛ فأقول :
هذه النصيحة مستلة من نصيحة واسعة وجهتها لطلاب " الجامعة الإسلامية " في وقت سابق أخذت منها – الآن – ما أرى أنه مناسب لتلافي ما يجري بين بعض الأحبة في الجزائر .
أسأل الله أن يوفق الجميع لقبول النصح من أخيهم ومحبهم في الله مع أملي القوي في أن يحذفوا مقالاتهم جميعًا من كل المواقع ، وأن يفتحوا صفحات جديدة للتآخي بينهم ، والتعاون على البر والتقوى وعلى نشر الدعوة السلفية في أحسن صورها .
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران : 102 ] . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) . [ النساء : 1 ] . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) . [ الأحزاب : 70 – 71 ] . أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إنَّ الواجب علينا جميعًا – أيها الإخوة والأحبة – : أن نتبع كتاب الله تعالى وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وأن نعتصم بكتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وأن نعضَّ على ذلك بالنواجذ ؛ كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما وعظ موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فطلبوا منه أن يُوجِّه لهم نصيحة قالوا : ( يا رسول الله ! كأنها موعظة مُوَدِّعٍ فأوصنا ، قال : أوصيكم بتقوى الله – انتبهوا لهذا – والسمع والطاعة ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسُنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .
فهذه الموعظة تشمل الوصية بتقوى الله ، تقوى الله التي لابد منها وأحقُّ الناس بها العلماء الصَّادقون الصَّالحون . قال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) . [ فاطر : 28 ] .
فاتقوا الله – عزَّ وجلَّ – ، لتصلوا إلى هذه المرتبة ، وتعلموا لتصلوا إلى هذه المرتبة ، لأنَّ الذي يعلم العقائد الصحيحة ، والمناهج الصحيحة ، والأحكام والآداب والأخلاق النابعة من كتاب الله وسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – هذا هو الذي يخشى الله – عزَّ وجلَّ – حقَّ خشيته .
وهذا مقام عظيم – مقام الإحسان – : ( أن تعبد الله كأنَّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، هذا مقام الإحسان ، أن يكون عند الإنسان إحساس قوي بأن الله يراه ، وأنَّ الله يسمع كل ما يقول ، ويسمع نبضات قلبك وخلجات نفسك ، وما تُحدِّث به نفسك ، ويرى حركاتك وسكناتك ، فالذي يُعَظِّمُ الله حقَّ تعظيمه – ويُدرك : أنه يسمع كل ما يقول ، ويعلم كل ما يتحدث به ، ويُحدِّث به نفسه ، وأنَّ لله نعالى كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون – تحصل عنده ملكة التقوى التي يجتنب بها المعاصي والشرك والبدع والخرافات ، ويحصل له مقام الإحسان ؛ لأنه يراقب الله ويستشعر بأن الله يراه ، ولا يخفى من أمره على الله قليل ولا كثير ، ولا مثقال ذرة .
هذا الإحساس وهذا الشعور النبيل يدفعه – إن شاء الله – إلى تقوى الله تعالى ، ولا يصل إلى هذا إلا من تَعَلَّمَ العقائد الصحيحة والأحكام الصحيحة من الحلال والحرام ، وتَعَرَّفَ الأوامر والنواهي والوعد والوعيد من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله – عليه الصلاة والسلام – ، فهؤلاء الذين استحقوا الثناء من الله تبارك وتعالى فقال فيهم : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) . [ فاطر : 28 ] .
وقال سبحانه : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) . [ المجادلة : 11 ] .
فاحرصوا : أن تكونوا من هذا الطراز بأن تجمعوا بين العلم والعمل ، اجمعوا بين العلم والعمل ، وذلك هو ثمرة العلم وثمرة تقوى الله تبارك وتعالى ومراقبته .
فعليكم إخواني الكرام بتحصيل الإيمان الصَّادق الخالص ، والعلم النافع ، والعمل الصالح .
قال تعالى : ( وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . [ العصر ] .
فالإيمان الصادق إنما يقوم على العلم ، وعمل الصالحات ، ولا ينبثق إلا من العلم .
والدعوة إلى الله لا يَنْطَلِقُ بها إلا أهل العلم ، والصَّبر على الأذى – بارك الله فيكم – مطلوب ممَّن عَلِمَ وعَلَّم ودعَا إلى الله تبارك وتعالى ، فكونوا من هؤلاء الذين يعلمون ويعملون بهذا العلم ويَدْعُونَ إلى هذا العلم والإيمان ، ويصبرون على الأذى في سبيل إيصال هذا الحق والخير إلى الناس .
فلا بُدَّ أن يواجه المسلم المؤمن الدَّاعي إلى الله من الأذى ما لا يخطر بباله وما لا يرتقبه ، ولا يستغرب المؤمن ذلك ، فإنَّه قد أُوذِي في سبيل الله وفي سبيل الدعوة إلى الله خير خلق الله وهم الأنبياء والرسل الكرام – عليهم الصَّلاة والسلام – .
فهم قد أوذوا أكثر منَّا ، وابتلوا بعداوة أشد الأعداء أكثر منَّا ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصَّالحون ثم الأمثل فالأمثل ) .
فمن تمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، ودعا إلى ذلك لا بُدَّ أن يُؤْذَى ، فوطِّنوا أنفسكم على الصَّبر واصبروا – بارك الله فيكم – .
والله تعالى يقول : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) . [ الزمر : 10 ] .
والله تعالى أمر رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن يتأسى بأولي العزم من الرسل ، أن يصبر في ميدان الدعوة والجهاد ؛ كما صبر أولوا العزم ، فقال تعالى ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) . [ الأحقاف : 35 ] .
ولنا في رسول الله وفي أنبياء الله جميعًا أسوة حسنة ، فالرسول أُمر أن يقتدي بمن قبله من الأنبياء وأن يهتدي بهداهم ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) . [ الأنعام : 90 ] .
ونحن مأمورون بأن نهتدي برسول الله ، وأن نتأسى به – عليه الصلاة والسلام – ؛ كما قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا ) . [ الأحزاب : 21 ] .
أسوة حسنة شاملة في كل شأن من الشؤون التي جاء بها محمد – صلى الله عليه وسلَّم – ، أسوة في عقيدته ، فنعتقد ما كان يعتقده ، أسوة في عبادته فنعبد الله مخلصين له الدين متبعين لما جاء به هذا الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – ، أسوة في الأخلاق العظيمة التي قد يفقدها كثير من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى ، ويفقدها كثير من الشباب ، وينسى كثيرًا منها أو كلَّها بعضُ الشباب .
الله – جل شأنه – مدح رسوله – عليه الصلاة والسلام – المدح والثناء العاطر ، فقال سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) . [ القلم : 4 ] .
فالداعي إلى الله ، وطالب العلم والمُوَجِّه يحتاج الجميع إلى أن يتأسوا برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في عقيدته ومنهجه وأخلاقه ، فإذا تكاملت هذه الأمور في الداعية إلى الله أو قارب فيها الكمال نجحت دعوته – إن شاء الله – ، وقدَّمَها للناس في أجمل صورها وأفضلها – بارك الله فيكم – .
وإذا خلت من هذه الأمور من هذه الأخلاق ؛ التي منها : الصبر ، ومنها : الحكمة ، ومنها : الرفق ، ومنها : اللِّين ، ومنها : أمور ضرورية تتطلبها دعوة الرسل – عليهم الصَّلاة والسلام – ، فلا بُدَّ أن نستكملها ، وقد يغفل عنها كثير من الناس .
وذلك يضر بالدعوة السلفية ، ويضر بأهلها إذا أغفلها ، وقدَّم إلى الناس ما يكرهونه ويستبشعونه ويستفظعونه من الشدة والغلظة والطَيش ، فإنَّ هذه أمور مبغوضة في أمور الدنيا فضلاً عن أمور الدِّين ؛ فلا بُدَّ للداعي إلى الله : أن يتحلَّى بالأخلاق الكريمة العالية ، ومنها : رفقه في دعوته الناس إلى الله – عزَّ وجلَّ – .
أناس يُوَفَّقُون للعقيدة والمنهج ، لكن في سلوكهم يضيعون العقيدة ويضيعون المنهج ، يكون معهم الحق ، ولكن سلوكهم وأسلوبهم في الدعوة يُؤثِّرُ عليها ويَضُرُّها !
فاحذروا من مخالفة الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في عقيدته ، وفي منهجه وأخلاقه ، وفي حكمته في دعوته .
اعقلوا كيف كان يدعو الناس – عليه الصلاة والسلام – ، واستلهموا هذه التوجيهات النَّبوية إلى الحكمة … إلى الصبر … إلى الحلم … إلى الصَّفح … إلى العفو … إلى اللِّين … إلى الرِّفق … إلى أمور أخرى إلى جانب هذه استوعبوها – يا إخواني – ، واعلموا أنَّها لابُدَّ منها في دعوتنا للنَّاس ، لا تأخذ جانبًا من الإسلام وتهمل الجوانب الأخرى ، أو جانبًا من جوانب طريق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وتهمل جوانب أخرى ، فإنَّ ذلك يَضُرُّ بدين الله – عزَّ وجلَّ – ، ويضر بالدعوة وأهلها .
والله ما انتشرت الدَّعوة السلفية في هذا العصر القريب وفي غيره إلا على أيدي أناس علماء حكماء حُلماء يتمسَّكُون بمنهج الرسول – عليه الصلاة والسلام – ، ويطبقونه قدر الاستطاعة فنفع الله بهم ، وانتشرت الدعوة السَّلفية في أقطار الدنيا بأخلاقهم وعلمهم وحكمتهم ، وفي هذه الأيام نرى أنَّ الدعوة السلفية تتراجع وتتقلَّص ! لأنها فقدت حِكمة هؤلاء وحكمة الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – قبل كل شيء وحلمه و رحمته وأخلاقه ورفقه ولينه – صلَّى الله عليه وسلَّم – .
ففي " الصحيحين " من حديث عروة بن الزبير أَنَّ عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت : ( دخل رهط من اليهود على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فقالوا : السام عليكم ! قالت عائشة : ففهمتها ، فقلت : وعليكم السام واللعنة . قالت : فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : مهلاً يا عائشة ! إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، فقلت يا رسول الله : أولم تسمع ما قالوا ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : قد قلت : وعليكم ) .
في هذا الحديث تربية من النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – عظيمة على الحكمة والرِّفق واللِّين والحلم والصَّفح ، تلكم الأمور العظيمة التي هي من ضرورات الدَّعوة إلى الله تبارك وتعالى ، ومن العوامل التي تجذب الناس إلى الدَّعوة الصَّحيحة فيدخل الناس – إن شاء الله – في دين الله أفواجًا .
فعليكم من – الآن – أن تدركوا ماذا يترتَّب على إهمال هذه الضرورية من المفاسد !
نحن والله نجاهد ونناظر ونكتب وننصح بالحكمة ، وندعوا النَّاس بذلك إلى الله – عزَّ وجلَّ – ، وبعض الناس لا يريد أن نقول : حكمة ولين ورفق – لمَّا رأينا أن الشِّدَّة أهلكت الدَّعوة السَّلفية ومزَّقت أهلها – فماذا نصنع !؟
هل عندما نرى النيران تشتعل نأتي ونَصُبُّ عليها البنزين لنزيدها اشتعالاً !؟
أو نأتي بالأسباب الواقية التي تُطفئُ هذه الحرائق والفتن !؟
فهذا واجب الجميع اليوم – وأقولها من قبل اليوم – لمَّا رأيت الدَّمَار ، لمَّا رأيت هذا البلاء أقول : عليكم بالرفق – بارك الله فيكم – ، عليكم باللِّين ، عليكم بالتَّآخي ، عليكم بالتَّراحم .
الآن هذه الشِّدَّة توجَّهَتْ إلى أهل السنَّة أنفسهم ! تركوا أهل البدع والضَّلال واتَّجهُوا إلى أهل السنَّة بهذه الشِّدَّة المهلكة ! وتخللها ظلم وأحكام باطلة ظالمة !
فإيَّاكم ثمَّ إيَّاكم أن تسلكوا هذا المسلك الذي يهلككم ويهلك الدعوة السلفية ويهلك أهلها .
أدعُ إلى الله – عزَّ شأنه – بكل ما تستطيع ، بالحجة والبرهان في كل مكان : قال الله تعالى ، قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، واسْتَعِنْ بعد ذلك وقبله بالله ثمَّ بكلام أئمة الهدى الذين يُسلِّم بإمامتهم ومنزلتهم في الإسلام أهلُ السنَّة وأهلُ البدع .
خذوا هذا ، وأنا أُوصِي نفسي وإخواني – في الجزائر وغيرها – بتقوى الله تعالى ، والتمسُّك بكتاب الله ، وبسنَّة رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ثم بالدعوة إلى الله بـ : قال الله تعالى ، قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، قال فلان من الأئمة الذين يحترمهم المَدْعُوُون ، والذين لهم منزلتهم عندهم ، ولهم مكانتهم ، وما يستطيعون الطَّعن فيهم ولا في كلامهم .
ففي الجزائر وغيرها من بلاد إفريقيا تقول : قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله – ، قال الإمام مالك – رحمه الله – ، قال الإمام ابن زيد القيرواني – رحمه الله – وغيرهم … يسمعون ويُسلِّمُون لك .
فأهل العقائد الفاسدة لما تأتيهم بكتاب الله تعالى وسنَّة الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتأتي بكلام العلماء الذين لهم منزلة في نفوسهم يمشون معك وينقادون لك . فإذا ذكرتَ العلماء المحترمين – عندهم – قَبِلُوا منك الحقَّ واحترموه ؛ فهذه من الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى .
أقول : هذا نوع من التنبيه إلى سلوك طريق الحكمة في دعوة الناس إلى الله تبارك وتعالى .
ومنها – كذلك – ألاَّ تَسُبَّ جماعتهم ورؤوسهم .
قال تعالى : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) . [ الأنعام : 108 ] .
فليس من الحكمة – ابتداءً – في دعوتك النَّاس أن تطعن في شيوخهم ! ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) . [ الأنعام : 108 ] .
فإذا سببتَ الشيخ الفلاني أو قلت عنه بأنَّه ضال – وهم متعلقون به ! – نفروا منك ، ومن دعوتك وتأثم ، لأنَّك قد نفَّرتَ النَّاسَ عن الحقِّ !
والنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لما أرسل معاذًا وأباَ موسى – رضي الله عنهما – إلى اليمن قال لهما : ( يَسِراَ ولا تعسرا وبشِّراَ ولا تُنَفِّراَ ) .
فهذه من الطرق التي فيها التيسير وفيها التبشير ، وليس فيها تنفير ولا تعسير .
فتعلموا – يا إخواني – هذه الطرق ؛ فإنَّ القصدَ هدايةُ الناس ، والقصدَ إيصالُ الحق إلى قلوب الناس ، استخدم كل ما تستطيع من وسيلة شرعية ، المهم : أن تصل إلى الغاية بالوسيلة الشريفة خلافًا لأهل البدع الذين يستعملون الكذب واللَّفَّ والدوران والمناورات هذه ليست من المنهج السلفي .
نحن أهل صدق وأهل حق ، ونعرض في أي مدى الصور التي يقبل فيها الناس الحقَّ وتُؤَثِّر في نفوسهم – بارك الله فيكم – .
فاستخدموا – يا إخوتي – العلم النافع والحجة القاطعة والحكمة النَّافعة في دعوتكم ، وعليكم بكل الأخلاق الجميلة النبيلة التي حثَّ عليها كتاب ربنا الكريم وحثَّ عليها رسول الهدى – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، فإنَّها عوامل نصرٍ وعوامل نجاح ، والصَّحابة – رضوان الله عليهم – ما نشروا الإسلام ودخل في القلوب إلا بحكمتهم وعلمهم أكثر من السيوف ، والذي يدخل في الإسلام تحت السيف قد لا يثبت ! والذي يدخل الإسلام – يدخله عن طريق العلم والحجة والبرهان – هذا الذي يثبت إيمانه ، فعليكم بهذه الطرق الطيبة ، وعليكم بالجد في العلم ، وعليكم بالجِدِّ في الدعوة إلى الله .
ثم أنبهكم – يا إخواني ويا أبنائي – إلى التَّآخي بين أهل السنَّة السَّلفيين جميعًا بُثُّوا فيما بينكم روح المودة والأخوة ، وحققوا ما نَبَّهَنا إليه رسول الله – عليه الصلاة والسلام – ، بأن المؤمنين ؛ ( كالبنيان يشد بعضه بعضا ، والمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .
كونوا هكذا – يا إخوتي – ، وابتعدوا عن عوامل الفرقة ؛ فإنَّها – والله – شر خطير وداءٌ وَبِيل ، واجتنبوا الأسباب التي تُؤدِّي إلى الإحنِ والبغضاء والفرقة والتنافر . ابتعدوا عن هذه الأشياء .
فاحرصوا – بارك الله فيكم – على الأخوَّة . وإذا حصل بينكم شيء من النُّفرَة فتناسوا الماضي ، وأخرجوا صفحات بيضاء جديدة – الآن – ، وأنا أقول لإخواني السلفيين جميعًا :
الذي يُقَصِّرُ ما نسقطه ونهلكه ! ، بل الذي يُخطِئ منَّا نعالجه باللُّطف والحكمة ، ونُوَجِّه له المحبة والمودة ، حتى يَؤُوبَ ، وإن بقي فيه ضعف ما نستعجل عليه ، وإلا – واللهِ – ما يبقى أحد !
وأنا أعلم أنَّكم لستم بمعصومين ، وليس العلماء بمعصومين – أيضًا – ، فقد يخطؤون ، اللهم إلاَّ إذا دخل في رفض أو في اعتزال ، أو في تجهُّم ، أو في قدرٍ ، أو في إرجاء ، أو في تحزُّب من الحزبيات الموجودة – عياذًا بالله من ذلك كلِّه – .
وأمَّا السَّلفي الذي يوالي السَّلفيين ، ويُحِبُّ المنهج السَّلفي ، ويكره التحزُّب ، ويكره البدع وأهلها ، ثم قد يضعف في بعض النِّقاط ؛ فمثل هذا نترفَّق به ما نتركه ، بل ننصحه وننصحه وننتشله ونصبر عليه ونعالجه – بارك الله فيكم – .
أما من أخطأ ؛ فنسرع إلى إهلاكه ! بهذا الأسلوب لا يبقى معنا أحد !
فأنا أوصيكم – يا أخواني – وأُرَكِّز عليكم : اتركوا الفُرْقَة ، عليكم بالتآخي ، عليكم بالتناصر على الحق ، عليكم بنشر هذه الدعوة على وجهها الصَّحيح ، وصورتها الجميلة ، لا على الصور المُشَوَّهَة .
قدِّمُوا الدَّعوة السَّلفية المباركة ؛ كما قلت لكم بـ : قال الله تعالى ، قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، قال الشافعي ، قال أحمد ، قال البخاري ، قال مسلم ، قال أئمة الإسلام ، وستجدون أكثر النَّاس يُقْبِلُون على دعوتكم ، استخدموا هذه الطرق ، التي تجذب النَّاسَ إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، وإلى منهج السَّلف الصَّالح ، والعقائد الصَّحيحة والمنهج الصحيح .
وختامًا : أرجو من الجميع : أن يأخذوا بهذه النصيحة القائمة على التوجيهات الربانية والنبوية . قال تعالى : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ) . [ الإسراء : 53 ] .
وأطلب منهم التآخي ، والتعاون على البرِّ والتقوى ، وألاَّ يُفسحوا المجال للشيطان ليفسد ما بينهم ويفرِّق كلمتهم .
وأأكد على حذف جميع مقالاتهم التي صدرت منهم ، وهي تنطوي على أسباب الفرقة والبغضاء والشحناء .
سدَّد الله خُطَى الجميع على الحقِّ ، ووفقنا وإيَّاهم لما يحب ويرضى ، ووقانا وإيَّاهم مكائد الشيطان إنَّ ربنا لسميع الدعاء .
كما أسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا من الدعاة المخلصين ، ومن العلماء العاملين ، وأن يجنبنا وإيَّاكم كيد الشيطان ، وكيد شياطين الجن والإنس ، وأسأله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكم ، وأن يجمع كلمتكم على الحق ، وأن ينفع بكم أينما حللتم ، وأينما رحلتم وذهبتم .
أسأل الله أن يُحقَّق ذلك ، إنَّ ربنا لسميع الدعاء . والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .