" ماهو الإخلاص ؟ ومنْ هو المخلص ؟"
بقلم : الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي – رحمه الله –
– نشرت هذه المقالة في أحد مجلات والتي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله –
– " أقول : الإخلاص : مصدر أخلص ، ومعناه تصفية الشيئ مما يمكن أن يدخله من الشوائب ، والمصادر من قسم
الألفاظ المطلقة كما هو مقرر في علم الأصول ، فيكون الإخلاص يطلق على الشيئ المصفى من غيره سواء
كان الشيئ خيرا أم شرا .
فيقال ُ لغة : أخلصَ المُرا ئي في ريا ئه ، كما تقول : أخلص المؤمن في عمله لربه ، هذا أصل الإخلاص لغة،
ثمّ أنّ العرْفَ الديني ، والاستعمالات الشرعية قيدت هذا المطلق ، وقصرته على تصفية العمل الشرعي من الشوائب
المفسدة كالريا ء ، والمقاصد الفاسدة ، والغرور .
ويقابل الإخلاص بالمعنى الشرعي : الرياء ، والمخلص دينا على القاعدة الاشتقاقية هو العامل المصفي لعمله
من كل ما يضر ّ بالعمل دينا .
وإذا تبيّن لنا معنى الإخلاص لغة وعرفا فأ نا أقفي كلامي هذا بكلمات لعلماء الدين في الإخلاص والمخلصين
تصحيحا لكلامي، ليعلم المخلصون أنّ الغارة الشعواء التي وقعت هذه الأيام على حقيقة الإخلاص الديني
وعلى لفظه من بعض رواد الأغراض الذاتية ، هي غارة ظالمة ، ودعوة عاطلة ، يُرادُ منها تضليل الرأي العام
وذر الرماد في العيون ، وصرف الناس عن فهم حقيقة صاحب هذه الغارة التي هي رياء لا تغطيه التضليلات ،
ولا تستره عن الأنظار العلمية المخادعات ، وصاحبها باسم المُرائي أولى : وعمله بالرياء أحق .
وأظنُّ أنّ الحوادث التي مرتْ بالجزائر في بحر السنوات القريبة مما سأشير إلى قليل منها ، تنادي بأفصح بيان
أنَّ عمل َ مخلص الإخلاص رياء ، وأنّ لسان تقلباته ينشد الناس :
* يوما يمان إذا لقيت ذا يُمْن *** وإذا لقيت معديا فيمان *
ولعمر الحق ، أنّ من يريد أنْ يُرضي الناس َ، ويُوافق كلّ الخصوم لهوَ المُرائي الذي لا يختلف فيه عاقلان ،
وليعلم القرّا ء أني لستُ بمفلت لهذا الموضوع حتى أسرد لهم كلام الأئمة الذين تصدوا للكلام على الإخلاص
والمخلصين ليعلم المُراءون أنّ في السويداء ِ رجالا ، وأنّ عصر التضليل ومخادعة الأمة ذهب غير ما سوف عليه
ولم يبق إلا عصر تعرض فيه الرجال على كير التمحيص ليُعرف الخبيث من الطيب .
" فأمّا الزبدُ فيذهبُ جفاء ، وأمّا ما ينفعُ النّاسَ فيمْكُثُ في الأرضِ ِ " / الرعد : 17
قال السوسي "1" رحمه الله معرّفا للإخلاص : الإخلاص فقد رؤية الإخلاص ، فإنّ منْ شاهد في إخلاصه الإخلاص
فقد احتاج في اخلاصه إلى اخلاص . انتهى.
وقال أبو عثمان "2" : الإ‘خلاص نسين رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط. انتهى .
وقال المحاسبي "3" : الإخلاص هو إخراج الخلق من معاملة الرب .انتهى .
وقال الجنيد : الإخلاص : تصفية العمل من الكدورات .
-والإخلاص الجديد لا حظ له في صدق اجميع هذه التعاريف على إخلاصه ، وكلها تخرجه عن أن يسمى بهذا الاسم
أو يصدق على صاحبه لفظ مخلص ، ذلك أنّ صاحب الإخلاص والمخلص الجديد إنما ينطق لخدمة نفسه
وإرضاء شهوته ، واكتساب الشهرة ،واغتصاب الإخلاص ، وها هو تتغير مواقفه -كشأن كل مراء –
باقبال الناس وإد بارهم عنه ، واحتياجهم إليه ، واستغنائهم عنه ، وهو ما يفتأ يكتب إلى الناس في فضائل
الإخلاص والمخلصين ، ويحاول أن يجذب إليه القارئ لإخلاصه ، ليملأ صدره ، ويحشو مخه بأن هذا الزعيم الجديد
هو المخلص ، ولا أدري كيف ظنّ أنّ الناس سيسمون رياءه اخلاصا وبين أيديهم كتب دين التي قتلت هذه الحقيقة
بحثا ، فأخذ يغرر بالناس ، ويسفه عقولهم ، ويكتب الفصول تلو الفصول مادحا للإخلاص الذي يصح لكل أحد أن يدعيه
توهما أنّ الناس في غفلة عنه وعن مواقفه التي تنادي بالرياء ، وها أنا أسمعُ القرّاء قليلا من كثير من علماء الدين
في الكلام على الإخلاص والمخلصين ليهلك من هلك عن بيّنة…."