مناهج المفسرين
لمعالي الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وهو القائل {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فهذه الدّورة متخصصة في التفسير وعلوم القرآن وإنّ من مباحث هذه الدورة الكلام على مناهج المفسرين والكلام على مناهج المفسرين مهم لأنّ التفاسيرلكتاب الله جلّ وعلا كثرت جدّا حتى بلغت أكثر من مائة من التفاسير الموجودة بين أيدينا اليوم،ـ والتفاسير المفقودة كثيرة والتي لم تطبع أيضا كثيرة وهكذا فلابدّ لطالب العلم الذي يحرص على معرفة معاني كلام الله جلّ وعلا أن يعلم مناهج أولئك المفسرين وطرائقهم حتى إذا راجع تفسيرا لأحد أولئك يعلم مع ما يتميز به ذلك التفسير ويعلم منهج المؤلف حتى لا يضيع بين كثرة التفاسير.
منهج أو مناهج المفسرين المقصود بها الطرائق والخصائص التي يتميز بها التفسير والمناهج جمع منهج والمنهج والنّهج هو الطريق الملتزم يعني أنّ مناهج المفسرين هي الطرق والشروط التي اتبعوها في تفاسيرهم وهذه المناهج متنوعة متعددة والمفسرون منهم من يذكر شرطه في تفسيره ومنهم من لا يذكر ذلك فإذا كانت المناهج هي الطرق التي سلكها المفسر في تفسيره فأصبحت قواعد له في التفسير أو أصبحت مميزات وخصائص له في تفسيره.
هذه المناهج كيف نعلمها؟ كيف نعلم منهج ابن جرير مثلا في تفسيره؟ أو منهج القرطبي في تفسيره.؟ أو منهج ابن كثير في تفسيره؟ إلى آخر تلك التفاسير.
لمعرفة المنهج أحد طريقين:
الطريق الأول: أن ينص المفسر على شرطه في التفسير في أول تفسيره أو أن ينص عليه في مواضع متفرقة من تفسيره مع خطبة الكتاب فإذا نص على شرطه كما نص ابن كثير رحمه الله على شرطه وطريقته في أول التفسير وكما نص القرطبي على ذلك بوضوح حيث قال: وشرطي فيه أني كذا وكذا وكما نص عليه أبو حيان الأندلسي في كتابه البحر المحيط وهكذا في عدة من التفاسير ينص المفسر على شرطه في تفسيره فإذا نص المفسر على شرطه في تفسيره صارت تلك الشروط المنصوصة منهجا له فنقول منهجه في التفسير كذا وكذا بناء على شرطه الذي نص عليه في تفسيره.
الطريق الثانية: أن يعلم شرطه في التفسير ويعلم المنهج عن طريق الاستقراء والاستقراء كما هو معلوم قسمان:
– استقراء تام أو أغلبي والنوع الثاني استقراء ناقص والاستقراء حجة إذا كان تاما أو أغلبيا لأنه يكون دالا على صحة ما بحث بالاستقراء فإذا استقرأ أحد أهل العلم تفسيرا من التفاسير وقسم طريقه ذلك المفسر في العقيدة يسلك هذا الطريق وفي الحديث والأثر يسلك هذا الطريق وفي النحو يسلك هذا الطريق وفي الإسرائيليات يسلك هذا الطريق واستقرأ ذلك استقراء تاما بتتبع التفسير من أوله إلى آخره أو استقرأه استقراء أغلبيا فتقول هنا منهجه في التفسير كذا وكذا أما إذا كان الاستقراء ناقصا فتش في التفسير صفحة أو صفحتين أو ثلاثة أو مجلد أو مجلدين ولم يستقرأ التفسير بتمامه فلا يجوز أن يعتمد على ذلك الاستقراء الناقص ويقال طريقة فلان في التفسير كذا أو طريقة التفسير الفلاني كذا إذ لابدّ لكون الاستقراء حجة أن يكون استقراء تاما أو أغلبيا كما هو مقرر في موضعه من علم أصول الفقه وهذا وهذا وجد شروط ومناهج للمفسرين عرفنا تلك المناهج عن طريق شرط المؤلف أو عن طريق الاستقراء التام أو الأغلبي وإذا لم يمكن الاستقراء ولم يوجد الشرط فنستعمل عبارة أخرىغير منهج المفسر في تفسيره كذا وكذا نقول تميز التفسير الفلاني بكذا وكذا من خصائص التفسير الفلاني كذا وكذا تميز تفسير فلان بكذا وكذا مثلا من خصائص الدر المنثور كذا وكذا تميز الدّر المنثور بكيت وكيت من الطريقة فإذن نعدل عن استعمال لفظ المنهج إلى لفظ المميزات والخصائص والمميزات إذا لم يكن مشروطا أو إذا لم يكن مستقرأ استقراء تاما أو أغلبيا والنبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن على سبعة أحرف فثبت عنه بالتواتر عليه الصلاة والسلام أنّه قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) ونزوله على سبعة أحرف يستفاد منه في التفسير فوائد كثيرة والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه من التفسير الشيء الكثير وإنما نقل عنه تفسير كثير من الآيات ولكنه ليس بالأكثر والصحابة رضوان الله عليهم نقل عنهم من التفسير أكثر مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر آيات كثير بحسب الحاجة ففسر مثلا قوله جلّ وعلا {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} بأنّ الزيادة هي النظر لوجه الله الكريم جلّ وعلا وفسر قوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} بأن المغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى وكذلك فسر صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} بأنّ القوة الرمي ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((ألا إنّ القوة الرمي ألا إنّ القوة الرمي)) وهكذا في أشياء من هذا القبيل كما فسر الخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله جلّ وعلا {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} بأنّ الخيط الأبيض والخيط الأسود هما سواد الليل وبياض الصبح أول ما ينفجر.
الصحابة كانوا يهابون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفسير وكانوا يعلمون أكثر معاني كلام الله جلّ وعلا وذلك لأنّهم رضي الله عنهم شهدوا التنزيل ومشاهدة التنزيل ومعرفة أسباب النزول تورث العلم بمعاني الآيات كما هي القاعدة عند أهل العلم أنّ معرفة السبب يورث العلم بالمسبب.
ثانيا: الصحابة رضوان الله عليهم في عهده عليه الصلاة والسلام كانوا يرتحلون معه يغزون معه يجاهدون معه ويسمعون كلامه عليه الصلاة والسلام من جهة السنة فالسنة مفسرة للقرآن كذلك ما يعلمونه من تنوع الأحرف وأنّ هذه الآية أتى تفسير لها في الحرف الآخر من القرآن، أو أتى تفسيرها في موضع آخر من القرآن كما نقول مثلا في قوله جلّ وعلا {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} في أولها قال: {ولا تقربوهنّ حتى يطهرن} هنا هل يكتفى في جواز إتيان المرأة الحائض أن تطهر أم لابدّ أن تغتسل لا بد لهذا من تفسير في القراءة الأخرى {ولا تقربوهنّ حتى يطّهرن فإذا تطهرن فاتوهنّ من حيث أمركم الله} في شواهد كثيرة لذلك يعني أن القرآن يفسر بعضه بعضا والقرآن منه الأحرف السبعة التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأحرف السبعة القراءات السبع المعروفة والعشرة التي بقيت في الأمة من مجموع الأحرف السبعة فإذن القرآن يفسر بعضه بعضا والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرجعون الآية التي يحتاجون إلى تفسيرها إلى موضع آخر أو إلى قراءة أخرى فيتضح المعنى لهم وهم أهل تدبر للقرآن لأنهم امتثلوا قول الله جلّ وعلا: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} بعد عهده عليه الصلاة والسلام كثر التابعون واحتاج الناس إلى أن يفسر لهم القرآن وسبب زيادة التفسير في عهد الصحابة عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الحاجة إليه دعت وذلك أنّ الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يشهدون التنزيل ويعلمون كثيرا من السنة ويعلمون القرآن والأحرف وذلك بخلاف زمن التابعين فإنهم كانوا أقل في ذلك من الصحابء رضوان الله عليهم فلذلك احتاج من بعدهم إلى أن يفسر الصحابة لهم ذلك.
أيضا من المهمّات في التفسير التي تميز بها الصحابة رضوان الله عليهم في عهده عليه الصلاة والسلام وبعد عهده العلم بلغة العرب لأنّ القرآن، أنزل بلسان عربي مبين ومن سبل فهم هذا القرآن أن يكون المتدبر له على علم بلغة العرب فلغة العرب سبيل فهم القرآن لأنّ القرآن جاء بلسان العرب قال جلّ وعلا: {وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم} فاللسان يبين المعنى معنى الكتاب معنى ما أنزل الله جلّ جلاله ولهذا يحتاج الصحابة إلى معرفة موارد الكلمة في القرآن، في لغة العرب فيفسرونها بما دلت عليه في اللغة وعمر رضي الله عنه على سبيل المثال في ذلك لما كان يتلو سورة النحل في يوم الجمعة على المنبر وقف مرّة عند قوله جلّ وعلا: {أو يأخذهم على تخوف فإنّ ربكم لرؤوف رحيم} فقال عمر: ما التخوف؟ كأنّه أشكل عليه معنى التخوف في هذه الآية فقام: رجل من المسلمين فقال له يا أمير المؤمنين التخوف في لغتنا التنقص قال شاعرنا أبو كبير الهذلي:
تخوف الرحل منها تامكا فردا
كما تَخَوَّف عودُ النّبعة السَّفِنُ
وابن عباس رضي الله عنه يقول: كنت لا أعلم معنى {فاطر السموات والأرض} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يعني ابتدأتها قبله ففهم منها معنى فاطر السموات والأرض يعني ابتدأهما على غير مثال سابق لهما وابن عباس له في الاحتجاج بالشعر وباللغة الميدان الواسع وبمطالعة قصته مع نافع بن الأزرق وصاحبه وأسئلة ذينك الرجلين لابن عباس يتضح هذا فإنهما رأيا ابن عباس رضي الله عنهما يعني عن ابن عباس وعن أبيه يفسر القرآن ولا يسأل عن آية حتى يفسرها وهو في ذلك حري لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك فقال نافع لصاحبه قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن نسأله عن مَصَادِقِهِ من لغة العرب فأتيا ابن عباس فقالا له يا ابن عباس إنّا سائلوك عن آيٍ من القرآن لتخبرنا بمعناها على أن تبين لنا مصادق كلامك من كلام العرب فقال: اسألا عما بدا لكما؛ قالا: ما معنى قول الله جلّ وعلا: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} ما الوسيلة هنا فقال ابن عباس الوسيلة الحاجة؛ فقالا له: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم ألم تسمعا إلى قول عنترة:
إنّ الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قالا: فما معنى قول الله جلّ وعلا {عن اليمين وعن الشمال عزين} ما العزون؟ فقال ابن عباس: العزون الجماعات في تفرقة، جماعة هنا وجماعة هنا وجماعة هنا؛ فقالا له وهل تعرف العرب ذلك؟ -وهما يسألانه ليس للاستفادة من ابن عباس ولكن ليحرجاه- قال: نعم ألم تسمعا إلى قول الشاعر:
فجاءوا يهرعون إليه حتى يكونوا حول منبره عزينا
واحتجاج الصحابة في التفسير بلغة العرب كثير في ذلك فإذن يكون عندنا هنا أنّ مصادر الصحابة رضوان الله عليهم في التفسير عدة فمن مصادرهم في التفسير القرآن بأحرفه السبعة وبالقراءات لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضا لأنه مثاني.
ومن مصادر الصحابة في التفسير السنة فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم آيا تنصيصا وسنته تفسر لهم آيات كثيرة من القرآن لا على وجه التنصيص.
كذلك من مصادر التفسير عند الصحابة أسباب النزول ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه ما من آية أنزلت إلا وأنا أعلم متى أنزلت وأين أنزلت والله لو أنّ أحدا على ظهر الأرض عنده علم بالقرآن، ليس عندي تبلغه المطي لرحلت إليه، وابن مسعود كان من أعلم الصحابة بأسباب النزول وهكذا غيره.
فمن مصادر التفسير عند الصحابة أنهم كانوا يعلمون أسباب النزول كذلك معرفتهم بلغة العرب فإنهم كانوا أهل علم باللسان العربي كما ذكرنا لكم شواهد ذلك كذلك من مصادر التفسير عند الصحابة رضوان الله عليهم العلم بأحوال العرب لأنّ القرآن نزل يفصل أحوال الناس ففيه حديث عن العرب فيه حديث عن مشركي العرب فيه حديث عن أهل الكتاب فيه حديث عن أنكحة العرب فيه حديث عن بيوع العرب منه حديث عن علاقات القبائل بعضها ببعض وهكذا في أشياء شتى فالعلم بأحوال العرب، العلم بتاريخ العرب بقصص العرب هذا يورث العلم بمعاني القرآن مثلا في قوله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها} أمر بإتيان البيوت من الأبواب وترك الإتيان للبيوت من ظهرها بمعرفة تاريخ العرب وحال العرب في ذلك نعلم معنى هذه الآية، كذلك فيما يتعلق بالأنكحة كذلك فيما يتعلق بأحوال البيوعات والتجارات التي كانت عند العرب وهكذا في أنحاء شتى فمن مصادر التفسير عند الصحابة يعني من مراجع الصحابة في التفسير العلم بأحوال العرب التي كانوا عليها فإنّ من لم يعلم أحوال العرب كانوا عليها في عقائدهم وفي دياناتهم وفي تعبداتهم وفي علاقاتهم الاجتماعية وفي تجاراتهم إلى آخر هذه الأحوال فإنّه لن يحسن التفسير لأنه سيجعل التفسير يناسب قوما آخرين غير الأوائل والقرآن نزل للأولين والآخرين (ومعرفة السبب يورث العلم بالمسبب) (والعبرة كما هو معلوم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) ولكن لابدّ من معرفة ما تشتمل عليه الآية أولاً ويدخل فيها من جهة المعنى من باب الأولية كذلك من مصادر التفسير عند الصحابة سؤال بعضهم بعضا فإنّ ابن عباس سأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جلّ وعلا: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} فقال عمر: عائشة وحفصة فالصحابة يسأل بعضهم بعضا عن التفسير فيسأل الصغير الكبير ويسأل من لا علم عنده من عنده علم فصار عندهم احتجاج في التفسير بالقرآن وبالسنة وباللغة وكذلك بأقوال الصحابة إلى تفاصيل في ذلك يضيق المقام عن بسطها.
الصحابة رضوان الله عليهم توسعوا في التفسير وكان من مشاهدهم في التفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكانت ولادته في شعب أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات بأن يعلمه الله التأويل وأن يعلمه الفقه فقال: اللهم فقهه في الدين اللهم علمه الحكمة اللهم علمه التأويل فبرز ابن عباس في التفسير كثيرا وكذلك عبد الله بن مسعود وكذلك عائشة وكذلك عمر رضي الله عنه وكذلك علي رضي الله عنه فهؤلاء الخمسة يكثر النقل عنهم في التفسير ابن عباس وابن مسعود وعائشة وعمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
تميزت تفاسير الصحابة بأنّها اشتملت على الألفاظ القليلة والمعاني الكثيرة ولهذا من أتى بعدهم إنما يحوم حول كلام الصحابة ولهذا قال ابن رجب في كتابه فضل علم السلف على علم الخلف قال: كلام السلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة، فمما يظهر لك في تفاسير الصحابة أنّها كلمات قليلة ولكن تحتها المعاني الكثيرة.
تميزت تفاسير الصحابة بأنها سليمة من البدع سليمة من الضلال في الاعتقاد لأنهم أئمة المتقين وأئمة السلف وإليهم المرجع في التوحيد والعقيدة فتفاسيرهم مضمونة لا غلط فيها ولا إشكال فيها فمن أخذها فهو يأخذ مطمئن فأما تفاسير من بعدهم فحصل فيها الانحراف بقدر ما عند من بعدهم.
تفاسير الصحابة تميزت بأنها يكثر فيها اختلاف تنوع ويقل فيها اختلاف التضاد، واختلاف التنوع معناه أن يكون يعبر عن تفسير الآية الله هو من مفرداتها لا بشيء كلي يشمل جميع المعاني لكن ببعض مفرداتها كما فسروا مثلا الصراط المستقيم فسره بعضهم بالقرآن، وفسره بعضهم بالسنة وفسره بعضهم بالإسلام وهذه من اختلافات التنوع لأنّ القرآن والسنة والإسلام بعضها يدل على بعض ولا يتصور قرآن بلا سنة أو سنة بلا إسلام هذا يسمى من اختلاف التنوع في مباحث هذا العلم اختلاف التنوع واختلاف التضاد فصلها الشيخ تقي الدين ابن تيمية في رسالته في أصول التفسير بعد زمن الصحابة تكونت مدارس لا شك أنّ كل صحابي له تلامذة أخذوا عنه ابن مسعود في الكوفة له تلامذة أخذوا عنه التفسير وابن عباس في مكة له تلامذة أخذوا عنه التفسير فمثلا من تلامذة ابن مسعود عبيدة السلماني والربيع بن خثيم في غيره من علماء التابعين في التفسير من تلامذة ابن مسعود في التفسير سعيد ابن جبير وعكرمة وطاوس وغيره أولئك فإذن الصحابة الذين فسروا القرآن كذلك على في المدينة كل منهم صار له تلامذة أخذوا عنه التفسير من أبرز تلامذة ابن عباس في التفسير مجاهد بن جبر أبو الحجاج وقد عرض التفسير على ابن عباس ثلاث مرات عرض القرآن من أوله إلى آخره يسأل ابن عباس عن التفسير يجيبه ابن عباس عن التفسير ولهذا قال عدد من أئمة السلف إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به لأنّ مجاهدا رحمه الله عرض التفسير على ابن عباس ثلاث مرات كما ذكرت هذه المدارس صار فيها نوع اختلاف مدرسة ابن مسعود فيها اختلاف عن مدرسة ابن عباس من أوجه الاختلاف مثلا أن ابن مسعود كان ينحى كثيرا في التفسير منحى التفسير بأسباب النزول وبالقراءات ابن عباس كان ينحى في التفسير بالسنة وباللغة العربية بالاجتهاد فهنا توسع صارت هناك مدرسة ومدرسة كل مدرسة لها خصائصها التي تميزها عن غيرها.
بعد التابعين أتى تبع التابعين فتوسعوا أيضا في التفسير ومن ثمّ بدأ تدوين التفسير بدأت كتابة التفسير كان التفسير ينقل حفظا ينقله الصحابة عن الصحابة ينقله التابعون عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقله تبع التابعين عن التابعين عن الصحابة ثم ابتدأ تدوين التفسير بدأ هناك من يصنف في التفسير كما صنف السدي تفسيره أعني به إسماعيل بن عبد الرحمن الكبير وصنف أيضا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم تفسيره وهكذا كغيرهم هذه الكتابات في التفسير انتقلت على شكل كتب ثم توسعت الكتابة في التفسير إلى أن وصلنا إلى تفاسير جمعت المأثور عن الصحابة وعن التابعين عن تب التابعين في التفسير مثل تفسير عبد بن حميد وتفسير عبد الرزاق مطبوع وتفسير عبد بن حميد لم يطبع ومثل تفسير الإمام أحمد ومثل تفسير ابن أبي حاتم ومثل تفسير ابن جرير الطبري هذه التفاسير دونت تفاسير الصحابة بالأسانيد هذه المدرسة تسمى مدرسة التفسير بالأثر، يعني المدرسة التي يفسر فيها المفسر بناء على ما ينقله من كلام السلف على الآية فينقل بإسناده عن الصحابة وينقل بإسناده عن التابعين في تفسير الآيات ولا تجد في تلك التفاسير الكثير التفسير الخارج عن تفاسير السلف، هناك في خضم هذه الفترة يعني نهاية القرن الثالث تقريبا بدأت كتابات مختلفة فيها تفسير القرآن بالنحو لأنّه نشأت مدارس نحوية نشأت مدرسة نحاة البصرة سيبويه ومن معه نشأت مدرسة نحاة الكوفه ثم بعد ذلك نحاة بغداد وإلى آخره والنحو معتمد على القرآن والمدرسة النحوية يؤثر نظرها النحوي في التفسير فصار هناك رأي في التفسير من جهة النحو ورأى في التفسير من جهة اللغة فصنفت عدة مصنفات كمعاني القرآن للأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة وكذلك مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى في كتب على هذا النحو، أتى هذا ابن جرير وهو إمام المفسرين فصنف كتابه جامع البيان وهو أعظم كتاب ألف في تفسير القرآن بالإجماع وبه عُدّ ابن جرير إمام الأئمة في التفسير وهو محمد بن جرير رحمه الله تعالى المولود سنة 224هـ والمتوفى سنة 310هـ صنف التفسير وجمع فيه ما تكلم عليه العلماء قبله في التفسير غلب عليه الأثر ولكنه اعتنى بالتفسير بالنحو والتفسير باللغة يعني أنّ تفسيره صار فيه عليه لمدرسة التفسير بالأثر ولكن المدرسة الأخرى التي حدثت هي مدرسة التفسير بالرأي ومدرسة التفسير بالأثر كانت قبل ابن جرير وبعده فمن تفاسير العلماء التي تنتمي إلى مدرسة التفسير بالأثر كما ذكرت لك ثم البغوي وابن كثير والدر المنثور إلى غير ذلك.
مدرسة التفسير بالرأي حدثت واختلف في تعريف الرأي فيها ما معنى التفسير بالرأي؟
ويجمعها أن يقال التفسير بالرأي معناه التفسير بالاجتهاد والاستنباط والاجتهاد الذي عمله أصحاب هذه المدرسة اجتهاد محمود واجتهاد مذموم مردود على صاحبه وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث حسنها بعض أهل العلم وضعفها آخرون أنّه قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) وفي لفظ قال: ((من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب)) ففيه ذم التفسير بالرأي لأنّ في الأول أنّه إن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وفي الثاني أنه إن فسر القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب قال العلماء: هذا محمول على المعنى التالي وهو أنّ التفسير بالرأي إذا كان عن هوى وعن انحراف فإنّه يكون تفسيرا برأي يتبوأ صاحبه مقعده من النار فحملوا قوله عليه الصلاة والسلام: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار)) بمن قال في القرآن برأيه الذي نشأ عن هوى لا عن أدلة صحيحة كما قدمنا لأنّ الصحابة اجتهدوا في التفسير وقالوا في التفسير بأشياء لم ينقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قلنا إنه يذم جميع أنواع التفسير بالرأي بالاجتهاد والاستنباط يلزم من ذلك ذم الصحابة على باجتهادهم في التفسير وهذا باطل طبعا.
فإذن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) يكون محمول على من فسره عن هوى كقول أهل الفرق المنحرفة كقول المرجئة والقدرية في القرآن وكقول الخوارج وقول المعتزلة وقول الأشاعرة وأشباه هذه الأقوال في القرآن فمن قال في القرآن برأيه وحمل معاني القرآن على رأي حادث خارج عن الإجماع بعد زمن النبوة بمائة سنة أو أكثر فإنّه متوعد بأن يتبوأ مقعده من النار وأما قوله عليه الصلاة والسلام من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب، قال العلماء معناه من قال في القرآن برأيه وكان رأيه عن جهل لا عن علم فوافق الصواب اتفاقا ولم يأتي للصواب عن علم ويقين للآية عن علم وبينة مثلا واحد يفسر القرآن هكذا بمزاجه بما يطرأ في ذهنه يظهر له معنى للآية فيفسر فهذا وإن أصاب المعنى الصحيح لكنه أخطأ ومتوعد لأنه تجرأ على القرآن ففسره بغير علم.
إذن مدرسة التفسير بالرأي لها اتجاهان:
القسم الأول: الذين فسروا القرآن بالرأي الناشئ عن هوى كما فسرت المعتزلة بآرائهم وأهوائهم وكما فسرت الخوارج والإباضية والرافضة وكما فسر الأشاعرة والماتريدية القرآن بآرائهم وأهوائهم وتركوا تفاسير السلف إلى تفاسير محدثة فهؤلاء مذمومون لأنهم فسروا القرآن برأي لا دليل عليه ولا حجة فيه وإنما نشأ ذلك التفسير عن هوى منهم في ذلك التفسير فهذا رأي مذموم ومردود على صاحبه.
وتمثله عدة تفاسير من التفاسير المعروفة التي ينتمي أصحابها إلى شيء من الفرق التي ذكرت لكم بعضها.
القسم الثاني: من مدرسة التفسير بالرأي الذين فسروا القرآن بالاجتهاد والاستنباط وكان اجتهادهم واستنباطهم صحيحا وهذا إنما يسوغ إذا كمل المفسر شروط جواز التفسير بالاجتهاد والاستنباط وقد تجمع الشروط التي بها يجوز للمفسر أن يفسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط فيما يلي:
الشرط الأول: أن يكون عالما بعقيدة السلف عالما بالتوحيد بأقسامه الثلاثة بذلك أن يؤمن المفسر من أن يفسر القرآن عن هوى أو على نحو من أراء الجهمية والخوارج والمعتزلة والقدرية والمرجئة إلى آخر تلك الفرق.
الشرط الثاني: أن يكون عالما بالقرآن حافظا له يمكنه أن يفسر القرآن بالقرآن أو يستطيع أن يرد إلى المتشابه في موضع وإلى المحكم في موضع وحبذا لو كان عنده علم بالقراءات.
الشرط الثالث: أن يكون عالما بالسنة حتى يجتهد في آية والتفسير فيها منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرط الرابع: أن يكون عالما بأقوال الصحابة حتى لا يفترع تفسيرا ويظهر تفسيرا الصحابة على خلافه وباليقين أنّ التفسير الذي أحدث والصحابة على خلافه نقطع ببطلانه وابن جرير رحمه الله من المهتمين بهذا فمثلا عند قوله جلّ وعلا في سورة الأعراف: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} نقل عن الصحابة والتابعين أنّ المراد هنا بالضمير هنا في الآية آدم وحواء ونقل عن الحسن أنّه قال المراد بهم اليهود والنصارى من جهة ال*** قال ابن جرير وهذا القول باطل وإنما حكمنا ببطلانه لإجماع الحجة من الصحابة على خلافه فيكون القول به محدثا على خلاف أقوال الصحابة فمن المهم للمفسر أن يرعَ أقوال الصحابة حتى لا يحدث قولا بخلاف أقوال الصحابة لأننا نجزم أنّه لا يمكن أن يكون ثمّ تفسير يغيب عن الصحابة البتة ويكون عند من بعدهم لأنّ الصحابة هم أولى بإدراك الصواب فإذا كان تفسير الآية لا يعرف عند الصحابة والصحابة يفسرون بخلاف هذا التفسير الذي اجتهد فيه صاحبه أو استنبطه فإن نجزم بأنّ هذا التفسير غلط فالحق لابدّ أن يكون محفوظا في الصحابة لأنّهم أهل العلم بالقرآن وأولى من يعلم القرآن.
الشرط الخامس: أن يكون عالما بأحوال العرب كما ذكرنا حتى لا ينزل آيات القرآن، على غير تنزيلها.
الشرط السادس: أن يكون عالما باللغة العربية في نحوها وفي مفردتها وفي صرفها وفي علم المعاني من علوم البلاغة وهذا العلم الأفضل أن يكون بالقوة الذاتية بالعلم الذاتي في نفسه وأما إن كان بالقوة القريبة يعني بالمراجعة والكتب فلا بأس إذا استقامت له أصوله وهناك شروط أخر ذكرها طائفة من أهل العلم.
المقصود من هذا أن لا يجترئ من يظن نفسه يحسن التفسير على التفسير بالاجتهاد والاستنباط ولم تكتمل عنده آلاته لأنّ القول في التفسير شديد ولهذا حرّم جماعة من السلف القول في القرآن بالاجتهاد وقالوا لا نفسر القرآن إلا بالنقل عن الصحابة وبعد الصحابة ليس لأحد حق من أن يفسر القرآن وهو مذهب جماعة قليلة من التابعين.
هذه المدرسة مدرسة التفسير بالرأي بقسيمها (الرأي المحمود والرأي المذموم) يمكن أن نجمل التفاسير التي تنتمي لهذه المدرسة إلى أربع مدارس كبرى وذلك لأنّ التفسير بالرأي أكثر بكثير جدا من التفسير بالأثر التفاسير المنقولة بالأثر قليلة بالنسبة للتفاسير المبنية على الآراء فالتفسير بالرأي له عدة مدارس:
المدرسة الأولى: فسرت القرآن بالنظر إلى العقائد وهذه متنوعة فكل أصحاب عقيدة خاضوا في تفسير القرآن على حسب اعتقادهم فالرافضة لهم تفاسير في القرآن تفسير الطبرسي وتفسير الطوسي وهلمّ جرا.
– المعتزلة فسروا القرآن يريدون بذلك أن يبثوا عقائدهم في تفسير القرآن في أغراض معلومة من طالع أوائل كتب التفاسير التي تفسر على هذا النحو علم ذلك.
– الخوارج لهم تفاسير على هذا النحو الأشاعرة لهم تفاسير كثيرة على هذا النحو مثل القرطبي ومثل تفسير أبي السعود ومثل تفسير الرازي وأشباه هذه التفاسير.
– الماتوريدية أيضا لهم تفاسير مثل تفسير النسفي وتفسير الآلوسي روح المعاني وغير هذه التفاسير هذا قسم فسروا القرآن من جهة العقيدة وقد يكون لهم اعتناء بأشياء أخر مثل الاعتناء بالفقه لهم اعتناء باللغة الخ.
لكن لهم اعتناء بالعقيدة بثوا العقائد في التفسير وكان لهم هم أن يقرروا عقائدهم في كتب التفسير.
المدرسة الثانية: المنتمية إلى مدرسة التفسير بالرأي مدرسة التفسير الموسوعي ونعني به الذي لم يشترط صاحبه في تفسيره على نفسه نوعا من أنواع علوم بل تجده يطرق كلّ علم من علوم التفسير فهو يفسر القرآن بالأثر ويفسره بأسباب النزول ويفسره باللغة ويفسره بالأحكام الفقهية ويفسره بالأحوال العامة بالعلوم المختلفة (بالتاريخ بالفلك بالرياضيات إلى آخره) كل علم عنده يدخله في التفسير هذا يسمى التفسير الموسوعي ومن أشهر التفاسير التي تنتمي إلى هذه المدرسة (تفسير مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي وتفسير الآلوسي روح المعاني فإنهم جمعوا فيها كل شيء حتى قيل عن تفسير الرازي فيه كل شيء إلا التفسير وهذه المدرسة تمتاز بكبر تفاسيرها فتفسير الرازي اثنين وثلاثين جزء وتفسير الآلوسي ثلاثين جزء كبير.
المدرسة الثالثة: التفاسير اللغوية وهذه يعتني أصحابها بالنحو بالإعراب باللغة بالاستقاء مثل تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط) ومثل (إعراب القرآن) للنّحاس وأشباه هذه الكتب.
القسم الرابع: والأخير التفاسير الفقهية وهي الموسومة بتفاسير أحكام القرآن لأنهم جعلوا همهم في التفسير أن يقرروا أحكام القرآن وذلك في الغالب يكونون فقهاء والفقيه يعتني بعلمه فإذا فسر القرآن يأتي علمه الذي برز فيه في التفسير فتجده يطيل ويعتني بآيات الأحكام أو الآيات التي فيها أحكام فقهية أو قواعد فقهية أو أصولية.
وهذه المدرسة متنوعة بحسب المذاهب فالحنفية لهم تفاسير والشافعية لهم تفاسير فقهية يذكرون فيها أحكام القرآن على طريقتهم يعني على طريقة مذهبهم الفقهي فالحنابلة كذلك والمالكية كذلك فمثلا من تفاسير الحنفية في ذلك "أحكام القرآن" للجصاص ومن تفاسير الشافعية "أحكام القرآن" لإلكيا وللمالكية "أحكام القرآن" لابن العربي "وأحكام القرآن" للقرطبي وللحنابلة "أحكام القرآن" لعبد الرزاق الرسعني وأحكام القرآن لابن عادل الحنبلي فكل مذهب اعتنى بالأحكام الفقهية على مذهبه وجعلها تفسيرا للقرآن هذه مجموع مدارس التفسير بالرأي كل تفسير من هذه التفاسير له منهج وطريقة اعتمدها في تفسيره.
لو عرضنا لتفسير واحد من هذه التفاسير سواء في مدرسة التفسير بالأثر أو مدرسة التفسير بالرأي لنبين شروطه وطريقته لاحتاج إلى درس خاص في ساعة أو ساعتين نبين شروط فلان في تفسيره، تفسير ابن جرير نحتاج فيه إلى درسين أو ثلاثة تفسير ابن كثير نحتاج فيه أيضا لبيان منهجه وكذا أحكام القرآن للقرطبي نحتاج إلى وقت فيها لكن المقصود الإشارات التي بها يمكن أن تدخل هذا العلم الواسع (علم مناهج المفسرين) هذه المدارس استمرّت على هذا المنوال وفي خضمها ظهر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم فشيخ الإسلام كان يفسر القرآن لكنه لم يؤلف تفسيرا والذي كتبه ووجدت في مجلدة مستقلة أنه كان يعتني رحمه الله بتفسير آيات أشكلت على المفسرين (كثر فيها الخلاف بين المفسرين ولم يتضح الراجح فيها) فيجتهد ابن تيمية رحمه الله في حلّ ما أشكل عليهم في تفسيرها.
وقد ندم شيخ الإسلام رحمه الله آخر عمره على أنه لم يجعل النصيب الأوفر في عمره للتفسير لأنّه بالتفسير يستطيع المصلح والمجدد ويستطيع الإمام والعالم أن يقرر ما يريد يقرر مناهج السلف يقرر التوحيد يقرر العبادات يقرب الناس إلى ربهم يذكر بالآخرة يعظ بالتفسير يستطيع أن يصل الناس في جميع مشاربهم شيخ الإسلام وابن القيم لم يفسرا كل القرآن وإنما فسرا واعتنيا بآيات إن أشكلت وبما يهم تفسيره من آيات أو سور في التوحيد مثل تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى تفسير المعوذتين وأشباه ذلك آية الكرسي أو آيات أشكل تفسيرها.
إذن شيخ الإسلام وابن القيم تميزت تفاسيرهم بشيئين:
أولا: أنهم اعتنوا بتفسير سور فيها التوحيد والعقيدة بعامة.
ثانيا: اعتنوا بتفسير آيات أشكل تفسيرها على العلماء من قبل.
هذه المدارس ظلّت مستمرّة والخلف يقلدون من قبلهم فيها وهكذا إلى أن وصلنا إلى مشارف العصر الحديث أنا سرت بكم تاريخيا مرورا بمدارس التفسير حتى يكون عندكم تصور إجمالي للتفاسير واتجاهاتها منذ نشأة التفسير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر.
فلمعرفة العصر الحديث نحتاج: إلى ضابط فبالنظر إلى اختلاف وجهة التفسير يمكن أن نقول إنّ العصر الحديث للتفسير يبدأ ببداية القرن الرابع عشر (من ألف وثلاثمائة هجرية فما بعد) وذلك لأنّ التفاسير فيما قبل هذا التاريخ سارت على نمط التفاسير قبل ذلك فمثلا في القرن الثاني عشر أو في القرن الثالث عشر الهجري ظهر تفسير الآلوسي قد سار على نحو ما قبله وظهر تفسير الخطيب الشربيني على نحو ما قبله وظهر تفسير صديق حسن خان على طريقة ما قبله وظهر تفسير الشوكاني "فتح القدير" على طريقة ما قبله يعني أنه منذ ابتداء تميز التفاسير في مدرسة التفسير بالرأي على نحو ما ذكرنا لم يظهر اختلاف كثير في مدارس التفسير حتى ابتدأنا في العصر الحديث.
العصر الحديث ظهرت تفاسير مختلفة ومتنوعة المشارب واجتهادات كثيرة في التفسير وكان لذلك سبب ولابد من معرفة السبب حتى يتصور لمَ ظهرت تلك التفاسير؟
لمّا جاءت الحملة الاستعمارية على البلاد الإسلامية وبخاصة حملة نابليون على مصر وصار فيها ما صار من ضرب لأصول العلوم الإسلامية نشأت ناشئة طلب منهم أن يذهبوا إلى فرنسا ليدرسوا فيها العلوم (الأدب أو علوم حديثة) ما شابه ذلك وكان الأزهر إذ ذاك يمانع أن يرسل أحد من أبناء المسلمين إلى أوربا فصار هناك اقتراح أن يذهب مع كل طائفة عالم من علماء الأزهر حتى يشرف على أولئك الطلبة وحتى يعلمهم ويحجزهم من الانحراف إن كان فذهب في مقدمات من ذهب بعض علماء الأزهر (من غير تسمية) وهؤلاء لما رجعوا مع التلامذة تأثروا بما عند الغرب (صار عندهم شيء من الإحراج) في ذلك الوقت الغرب عنده تقدم في الحضارة وبلاد المسلمين في تأخر وعدم تطور مدني فصاروا في إحراج من جهة أنّ بعض الجهلة من ذوي الثقافة الغربية عزوا التأخر في ذلك الوقت إلى الدين واتباع الناس للكتب القديمة وللتفاسير القديمة والناس ظلّوا على ذلك المنحى وهي التي أخرتهم عن التطور فظهرت هناك أقوال كثيرة تشكك في الإسلام وتشكك في القرآن وتشكك في السنّة إلى غير ذلك حتى صار ذلك شائعا في الناس بعض ضعاف النفوس في ضوء ذلك ظهرت فئات كثيرة من المسلمين تشككت في الدين في القرآن في السنة وبسبب تلك البعثات وخروج مدارس اللغات الاعتناء باللغات الأجنبية والاعتناء بالآداب الغربية والاهتمام ببحوث المستشرقين إلى غير ذلك.
فمن العلماء من نظر إلى هذا الداء فوجد أنّ سبيل ارجاع المسلمين إلى دينهم أن يعتني بتفسير القرآن بتفسير عقلي يعظم القرآن في نفوس الناس حتى لا يبعدوا عن الدين وظهرت في هذا مدرسة محمد عبده أحد مشايخ الأزهر الكبار وأحد الذين اعتنوا بتفسير القرآن ومن امتداد مدرسته محمد رشيد رضا الذي كتب (تفسير المنار) معتمدا في كثير منه على تفاسير شيخه محمد عبده، هذا الوصف الذي ذكرنا نتج منه ضعافا في نفس بعض العلماء جعلهم يحملون القرآن على ما عند الغرب من العلوم فمثلا الآيات التي فيها ذكر لبعض المعلومات الفلكية ينزلونها على المكتشفات الحديثة وبالتالي يجعلونها دليلا على صحة القرآن وأن القرآن سبق الغرب لذلك وكذلك المعلومات الطبية أو المعلومات الغيبية وهكذا…ففسروا القرآن بتفسير عقلي خرجوا فيه عن التفاسير السابقة وعن تفاسير السلف وعما يجوز لأجل أن لا يتشكك الناس في القرآن وأن يقبل الناس القرآن وأن يعظموا القرآن ففسروا الآيات التي فيها بعض الكلام على الأجنّة في ما عند الغرب في ذلك وبعض الآيات الغيبية في الطب مثلا أو في الفلك أو في حال المطر أو ما أشبه ذلك أو في العيون في الأرض أو الأشجار أو النبات أو الجبال إلى غير ذلك…بتفسيرات توافق ما عند الغرب من العلوم وانهال الناس على محمد عبده ويحضرون تفسيره لأنه جعل تفسيره فيه الإصلاح وجعل فيه جدة على ما كان عليه المفسرون من قبل وضم إليه تلك التفاسير وانحرف في كثير منها إذ جعل القرآن تبع لمكتشفات الغرب ومن المعلوم أنّ تلك المكتشفات أو تلك النظريات تصلح في وقت وربما أتى ما هو أفضل منها فأبطل تلك النظرية أو ما هو أعمق بحثا واستقراء فصارت الأولى غير صحيحة فحمل القرآن على النظريات العلمية وتفسير القرآن بالنظريات العلمية هذا لا يسوغ لأنه حمل للقرآن الذي هو حق ثابت لا يتغير بشيء قد يتغير، نعم إنّ القطعي لا يناقض قطعيا واليقيني لا يناقض اليقيني فالعلم اليقيني لا يمكن أن يأتي في القرآن شيء بخلافه وكذلك العلم القطعي لا يمكن أن يأتي في القرآن بخلافه لكن تلك النظريات حملت عليها آيات من القرآن لضعف في نفوس أصحاب هذه المدرسة فنشأت أولى مدارس التفسير في العصر الحديث وهي تفسير القرآن بطريقة عقلانية يجمع فيها ما بين مكتشفات الغرب والمكتشفات العصرية وما بين المتقدمين فجعلوا خليطا واهتموا بالأشياء الحديثة وظهر لذلك تفسير طنطاوي جوهري وتفسير كما ذكرنا محمد عبده وفي خضم ذلك أنكرت بعض الغيبيات وفسر القرآن بتفاسير باطلة وأنكرت أشياء ظاهرة وكان في ذلك شيء من الانحراف في التفسير هذا نوع من مدارس التفسير التي ظهرت في العصر الحديث وقد ذكرنا سبب ظهور هذا النوع من التفاسير.
المدرسة الثانية: هي مدرسة تفسير القرآن على هامش المصحف وكان هذا ممنوعا في الزمن الأول أن يجعل القرآن في هامش المصحف لأنّ القرآن يجب أن يبقى كما هو وألاّ يدخل عليه ولكن لما توسع العصر وصار الناس بحاجة إلي شيء يبين لهم معاني القرآن مع آي القرآن فجعلوا تلك التفسيرات في هامش المصحف فصارت هناك تفاسير مختصرة طبعت مع المصحف وهذا نوع انتشر فصار هناك من اختصر مثلا تفسير الطبري وجعله في هامش المصحف في السنوات الأخيرة ومنهم من ألف تفسيرا لنفسه وجعله على هامش المصحف ومنهم من اختصر أو طول إلى آخره بهذا الشكل وهذا شيء جديد لم يسبق له مثيل في الزمن الأول.
المدرسة الثالثة: مدرسة: التفاسير الدعوية وكان لظهورها سبب وهو أنه في هذا العصر ونعني به ما بعد سنة ألف وثلاثمائة هجرية مع ظهور الفساد وبعد الناس عن الدين وتسلط الاستعمار والغزو الثقافي الذي حصل للمسلمين وإبعادهم عن دينهم وعن القناعة بشرع الله جلّ وعلا ظهرت هناك جماعات مختلفة في العالم الإسلامي العربي وغير العربي فيها الدعوة لإرجاع الناس إلى الدين ولا شك أنّ الداعية يحتاج إلى أن يكون اعتماده على القرآن لهذا احتاجت تلك الدعوات إلى أن يفسر بعض منهم القرآن فاعتنى كبار بعض أصحاب تلك الدعوات بتفسير القرآن وتلك التفاسير كان المفسر يفسر فيها مراعيا أسباب الدعوة التي ينتمي إليها فمثلا فسر بعضهم تفسيرا موافقا لأصول جماعة التبليغ وبعضهم فسر القرآن على طريقة الإخوان المسلمين وبعضهم على طريقة جماعة النور في تركيا وبعضهم فسر على طريقة العلماء (جمعية العلماء أو رابطة العلماء في الجزائر) وهكذا في الباكستان والهند ظهرت مدارس كتفاسير الجماعة الإسلامية تفسير المودودي وغير ذلك هذه التفاسير فيها تفسير بالرأي يعني (الواقعي) نظروا في التفسير من جهة التأثير الدعوي في الناس ففسروا القرآن وهم ينظرون إلى الواقع لكي يؤثروا على الناس من طريق القرآن.
وهذه الطريقة خطأها أضعاف أضعاف صوابها لمَ؟
لأنّها أولا: مبنية على رأي مجرد من الأثر بل قد يكون مخالفا للأثر.
ثانيا: يخضعون نصوص القرآن للواقع فيجعلون الواقع هو الحاكم على القرآ، يجعلون الآيات تبعا لأحداث وتطورات الواقع.
ثالثا: بعض أصحاب هذه الطريقة يحكم على أمور لم تنجلّ بعد ويكون مبناها على أمور مستقبلية متكهنة.
رابعا: تأثر بعضها بعقائد منحرفة تصدع بالعقيدة السلفية.
ظهر من خلال هذه التفاسير وغرس الجوانب الدعوية في تلك الجماعات المختلفة في تفاسير أصحابها.
هذه المدرسة ومن أمثلة تفاسير هذه المدرسة تفسير المودودي "ترجمان القرآن" وتفسير في ظلال القرآن لسيد قطب، وأشباه هذه التفاسير وتفسير "الأساس في التفسير" لسعيد حوى وأشباه تلك التفاسير.
من التفاسير أيضا التي ظهرت في العصر الحديث تفاسير المعاني للغات أخر وهي المسماة ترجمات القرآن وهي تراجم لمعاني القرآن فظهر في أغلب اللغات الحية في العالم تفسير والبعض يسمّيه تفسير القرآن وهذا غلط لأن القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين لا يمكن لأحد أن يترجمه لأي لغة كانت ولكن الصواب أنها تراجم لتفسير القرآن فيأتي هذا الذي ترجم بنظر إلى الآية ويفهم تفسيرها بمراجعة كتب التفسير ثم يترجم مافهمه من التفسير وإلا فإنّ القرآن لا يمكن أن يترجم إلى أي لغة كانت لأنّ لغة العرب شريفة وفوق كلّ اللغات فمثلا في قول الله جلّ وعلا في سورة البقرة {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ} فاللباس كيف يفسر باللغات الأخر؟ اللغة العربية فيها سعة لأصول الكلمات وكليات المعاني ولهذا إذا أتت الترجمة فلا بدّ أنّ المترجم يترجم بالنظر إلى تفسير الآية فكل ترجمة للقرآن تعد بمثابة تفسير ولهذا ظهرت في التراجم المختلفة تأثر تلك الترجمة بمذهب صاحبها إذا كان صاحبها قاديانيا أثر في ترجمته وهناك ملاحظات على بعض الترجمات من جهة مذهب صاحبها فإذا أتى لنعيم الجنة وجحيم النار فسرها على مشربه إذا أتى إلى الرقم تسعة عشر عظم ذلك وإذا أتى لبعض الغيبيات فسرها على طريقته ونحلته وبعضها تراجم لمعاني القرآن سلفية طيبة لبعض اللغات الحية وبعضها تفاسير أشعرية وبعضها تفاسير ماتوريدية وبعضها تفاسير دعوية إذن تراجم معاني القرآن التي تراها هي شيء محدث في هذا العصر وتنتمي إلى مدرسة التفسير بالرأي ويمكن للناظر فيه أن يجعله تفسيرا وأن يدرجه ضمن أي مدرسة من مدارس التفسير التي ذكرنا حسب عقيدة ومنهج وطريقة المترجم.
وامتدادا للمدارس التي ذكرناها نهج من وجد من المفسرين المعاصرين كل واحد سلك مدرسة من تلك المدارس ولكل قوم وارث فمثلا التفسير:
بالنظر إلى الأحكام الفقهية وهذا ظهرت له عدة تفاسير مثل تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن فإنّه اعتنى بالفقهيات جدا وتفسير القرآن باللغويات بالبلاغة أو بالنحو له عدّة تفاسير مثل تفسير التحرير والتنوير للطّاهر بن عاشور والتفاسير الأثرية التي اعتمد فيها صاحبها على الأثر مثل تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وغيره ومنها تفاسير اعتمد أصحابها عقائد في فرقهم الباطلة كتفاسير الرافضة وتفاسير الإباضية تفاسير الخوارج إلى غير ذلك يعني أنّ كل التفاسير القديمة جاءتنا من جديد.
وبناء على ما ذكرنا: ينبغي على طالب العلم المهتم بالقرآن إذا أراد أن يراجع تفسيرا أو أن يجعل في بيته تفسيرا لكتاب الله جلّ وعلا عليه أن يحرص أتمّ الحرص على أن يسأل أهل العلم هل هذا التفسير تفسير مأمون أم لا؟ لأنّ من التفاسير ما لا يحمد وربما أضل من ينظر فيه فلا بد أن تسأل حتى لا تأخذ تفسيرا منحرفا في العقيدة تفسير للمعتزلة أو تفسير للأشاعرة مثل تفسير الفخر الرازي وتنظر فيه ربما هذا حصلت عند شبه كثيرة في التفسير، التفاسير كما رأيت كثيرة جدا تبلغ مئات من التفاسير أعداد كبيرة هذا من جهة التفاسير التي فسرت القرآن كاملا، أما من فسر سورة من القرآن فسر جزء من القرآن فهذا ليس حديثنا فيه مع أنه يمكن أن يدرج ضمن مدرسة من المدارس التي ذكرنا.
إذا تبين فما من شك أن الراجح والمفضل من التفاسير المختلفة التي كثرت في الأمة جدا التفاسير التي تعتمد على أقوال السلف وعلى أقوال الصحابة والتابعين (التفاسير المنتمية إلى مدرسة التفسير بالأثر) ومدرسة التفسير بالرأي مفيدة لأنّ فيها استنباط وفيها لغويات وفيها نكت ولطائف والنكت هي الفوائد المهمة لكن لا تؤمن لأنّ أكثر من تعاطى التفسير بالاجتهاد والاستنباط (التفسير بالرأي) عنده انحراف في العقيدة أو عنده انحراف في السنة ولهذا لابد من الانتقاء وأقل التفاسير في الاجتهاد والاستنباط بالرأي خطأ حتى تكون أخطاؤه معدودة تفسير الشوكاني (فتح القدير) الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير الرواية يعني بها التفسير بالأثر والدراية يعني بها التفسير باللغة والنّحو والاستنباط وبتفسير القرآن بالقرآن وبتفسير القرآن بأصول الففه إلى غير ذلك من المباحث فمن احتاج إذن إلى أن ينظر في تفسير من التفاسير بالرأي فليكن تفسير الشوكاني فتح القدير يتلوه وهو أصعب منه تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط) فإنه في العقيدة يغلب عليه السلامة وأما غيرها فيها انحرافات كثيرة مع كثرة الفوائد التي فيها لكن لا تصلح إلا لطالب علم متمكن يميز التفسير الصحيح من الباطل.
هذا عرض موجز مختصر يمكن أن تعتبره مدخلا لمعرفة مناهج المفسرين على جهة التفصيل ولا شك أنّ هذا العلم علم مهم وواسع ولا يمكن طرقه في محاضرة أو درس أو اثنين أو عشرة أو عشرين لابد له من سعة في الوقت وأيضا استعدادات عند المتلقين لأننا إذا دخلنا في التفاسير وذكرنا مميزاتها ومناهجها لابن من التفصيل ولأنّ من التعرض لعلوم متنوعة تلحظ مما ذكر أنه عرض مختصر من بداية نشأة التفسير إلى وقتك الحاضر.
أسأل الله جلّ وعلا أن ينفعك وإياي بما ذكرت وأن يجعلنا من المتبصرين في العلم الجادين فيه وأن ينعم علينا بالإقبال على القرآن وأن يتفضل علينا بفهم تفسيره وتدبر آياته وأسأل الله جلّ وعلا لي ولكم العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.