التصنيفات
اسلاميات عامة

مناظرة الشيخ الألباني مع من يدعي جواز الإحتفال بالمولد النبوي

تعليمية


بسم الله والصلاة على رسول الله وعلى أله وصحبة أجمعين ومن إهتدى بهداهم إلي يوم الدين

أما بعد:

أترككم مع المناظرة

الشيخ الألباني :
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هل هو خير أم شر ؟
محاور الشيخ :
خير .
الشيخ الألباني : حسناً ، هذا الخير هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجهلونه ؟
محاور الشيخ :
لا .
الشيخ الألباني :
أنا لا أقنع منك الآن أن تقول لا بل يجب أن تبادر وتقول : هذا مستحيل أن يخفى هذا الخير إن كان خيراً أو غيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحن لم نعرف الإسلام والإيمان إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف نعرف خيراً هو لم يعرفه ! هذا مستحيل .
محاور الشيخ :
إقامة المولد النبوي هو إحياء لذكره صلى الله عليه وسلم وفي ذلك تكريم له .
الشيخ الألباني :
هذه فلسفة نحن نعرفها ، نسمعها من كثير من الناس وقرأناها في كتبهم ؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما دعا الناس هل دعاهم إلى الإسلام كله أم دعاهم إلى التوحيد ؟
محاور الشيخ :
التوحيد .
الشيخ الألباني :

أول ما دعاهم للتوحيد ، بعد ذلك فُرضت الصلوات ، بعد ذلك فُرض الصيام ، بعد ذل فُرض الحج ، وهكذا ؛ ولذلك امشِ أنت على هذه السنة الشرعية خطوة خطوة .
نحن الآن اتفقنا أنه من المستحيل أن يكون عندنا خيرٌ ولا يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالخير كله عرفناه من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها كبشان ، وأنا أعتقد أن من شك في هذا فليس مسلماً .
ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تؤيد هذا الكلام : 1. قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما تركتُ شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به )) .
فإذا كان المولد خيراً وكان مما يقربنا إلى الله زُلفى فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه .
صحيح أم لا ؟ أنا لا أريد منك أن توافق دون أن تقتنع بكل حرف مما أقوله ، ولك كامل الحرية في أن تقول : أرجوك ، هذه النقطة ما اقتنعت بها .
فهل توقفت في شيء مما قلتهُ حتى الآن أم أنت ماشٍ معي تماماً ؟
محاور الشيخ :
معك تماماً .
الشيخ الألباني :
جزاك الله خيراً .
إذاً (( ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ))
نحن نقول لجميع من يقول بجواز إقامة هذا المولد :
هذا المولد خيرٌ – في زعمكم – ؛ فإما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه وإما أن يكون لم يدلنا عليه .
فإن قالوا : قد دلنا عليه .
قلنا لهم : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً أبداً .
ونحن قرأنا كتابات العلوي [1] وغير العلوي في هذا الصدد وهم لايستدلون بدليل سوى أن هذه بدعة حسنة !! بدعة حسنة !!
فالجميع سواء المحتفلون بالمولد أو الذين ينكرون هذا الاحتفال متفقون على أن هذا المولد لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد الأئمة الأعلام .
لكن المجيزون لهذا الاحتفال بالمولد يقولون : وماذا في المولد ؟ إنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلاة عليه ونحو ذلك .
ونحن نقول : لو كان خيراً لسبقونا إليه .
أنت تعرف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) وهو في الصحيحين . وقرنه صلى الله عليه وسلم هو الذي عاش فيه وأصحابه ،ثم الذين يلونهم التابعون ، ثم الذين يلونهم أتباع التابعين . وهذه أيضاً لا خلاف فيها .
فهل تتصور أن يكون هناك خير نحن نسبقهم إليه علماً وعملاً ؟ هل يمكن هذا ؟
محاور الشيخ :
من ناحية العلم لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن كان معه في زمانه إن الأرض تدور
الشيخ الألباني :
عفواً ، أرجوا عدم الحيدة ، فأنا سألتك عن شيئين علم وعمل ، والواقع أن حيدتك هذه أفادتني ، فأنا أعني بطبيعة الحال بالعلم العلم الشرعي لا الطب مثلاً ؛ فأنا أقول إن الدكتور هنا أعلم من ابن سينا زمانه لأنه جاء بعد قرون طويلة وتجارب عديدة وعديدة جداً لكن هذا لا يزكيه عند الله ولا يقدمه على القرون المشهود لها ؛ لكن يزكيه في العلم الذي يعلمه ، ونحن نتكلم في العلم الشرعي بارك الله فيك . فيجب أن تنتبه لهذا ؛ فعندما أقول لك : هل تعتقد أننا يمكن أن نكون أعلم ؛ فإنما نعني بها العلم الشرعي لا العلم التجربي كالجغرافيا والفلك والكيمياء والفيزياء . وافترض مثلاُ في هذا الزمان إنسان كافر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لكن هو أعلم الناس بعلم من هذه العلوم هل يقربه ذلك إلى الله زُلفى ؟
محاور الشيخ :
لا .
الشيخ الألباني :
إذاً نحن لانتكلم الآن في مجال ذلك العلم بل نتكلم في العلم الذي نريد أن نتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ، وكنا قبل قليل نتكلم في الاحتفال بالمولد ؛ فيعود السؤال الآن وأرجو أن أحضى بالجواب بوضوح بدون حيدة ثانية .
فأقول هل تعتقد بما أوتيت من عقل وفهم أنه يمكننا ونحن في آخر الزمان أن نكون أعلم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في العلم الشرعي وأن نكون أسرع إلى العمل بالخير والتقرب إلى الله من هؤلاء السلف الصالح ؟
محاور الشيخ :
هل تقصد بالعلم الشرعي تفسير القرآن ؟
الشيخ الألباني :
هم أعلم منا بتفسير القرآن ، وهم أعلم منا بتفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، هم في النهاية أعلم منا بشريعة الإسلام .
محاور الشيخ :
بالنسبة لتفسير القرآن ربما الآن أكثر من زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فمثلاً الآية القرآنية ((وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)) (النمل:88) فلو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد في زمانه إن الأرض تدور هل كان سيصدقه أحد ؟! ما كان صدقه أحد .
الشيخ الألباني :
إذاً أنت تريدنا – ولا مؤاخذة – أن نسجل عليك حيدةً ثانية . يا أخي أنا أسأل عن الكل لا عن الجزء ، نحن نسأل سؤالاً عاماً :
الإسلام ككل من هو أعلم به ؟
محاور الشيخ :
طبعاُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته .
الشيخ الألباني :
هذا الذي نريده منك بارك الله فيك .
ثم التفسير الذي أنت تدندن حوله ليس له علاقة بالعمل ، له علاقة بالفكر والفهم . ثم قد تكلمنا معك حول الآية السابقة وأثبتنا لك أن الذين ينقلون الآية للاستدلال بها على أن الأرض تدور مخطؤون لأن الآية تتعلق بيوم القيامة (( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) .
لسنا على كل حال في هذا الصدد .
وأنا أسلِّم معك جدلاً أنه قد يكون رجلاً من المتأخرين يعلم حقيقة علمية أو كونية أكثر من صحابي أو تابعي الخ ؛ لكن هذا لا علاقة له بالعمل الصالح ؛ فاليوم مثلاً العلوم الفلكية ونحوها الكفار أعلم منا فيها لكن مالذي يستفيدونه من ذلك ؟ لاشيء . فنحن الآن لا نريد أن نخوض في هذا اللاشيء ، نريد أن نتكلم في كل شيء يقربنا إلى الله زلفى ؛ فنحن الآن نريد أن نتكلم في المولد النبوي الشريف .
وقد اتفقنا أنه لو كان خيراً لكان سلفنا الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم به منا وأسرع إلى العمل به منا ؛ فهل في هذا شك ؟
محاور الشيخ :
لا ، لا شك فيه .
الشيخ الألباني :
فلا تحد عن هذا إلى أمور من العلم التجريبي لا علاقة لها بالتقرب إلى الله تعالى بعمل صالح .
الآن ، هذا المولد ما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم – باتفاق الكل – إذاً هذا الخير ماكان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ،
كيف خفي هذا الخير عليهم ؟!
لابد أن نقول أحد شيئين :
علموا هذا الخير كما علمناه – وهم أعلم منا – ، أو لم يعلموه ؛ فكيف علمناه نحن ؟!
؛ فإن قلنا : علموه ؛ – وهذا هو القول الأقرب والأفضل بالنسبة للقائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد – فلماذا لم يعملوا به ؟! هل نحن أقرب إلى الله زلفى ؟! –
لماذا لم يُخطيء واحدٌ منهم مرة صحابي أو تابعي أو عالم منهم أو عابد منهم فيعمل بهذا الخير ؟!
هل يدخل في عقلك أن هذا الخير لا يعمل به أحدٌ أبداً ؟! وهم بالملايين ، وهم أعلم منا وأصلح منا وأقرب إلى الله زُلفى ؟!
أنت تعرف قول الرسول صلى الله عليه وسلم _ فيما أظن _ :
(( لا تسبوا أصحابي ؛ فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَهُ )) .
أرأيت مدى الفرق بيننا وبينهم ؟!
لأنهم جاهدوا في سبيل الله تعالى ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقوا العلم منه غضاً طرياً بدون هذه الوسائط الكثيرة التي بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم ، كما أشار صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا المعنى في الحديث الصحيح :
(( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأهُ على قراءة ابن أم عبد )) يعني عبد الله بن مسعود .
" غضاً طرياً " يعنى طازج ، جديد .
هؤلاء السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم لايمكننا أن نتصور أنهم جهلوا خيراً يُقربهم إلى الله زلفى وعرفناه نحن وإذا قلنا إنهم عرفوا كما عرفنا ؛ فإننا لا نستطيع أن نتصور أبداً أنهم أهملوا هذا الخير .
لعلها وضحت لك هذه النقطة التي أُدندنُ حولها إن شاء الله ؟
محاور الشيخ :
الحمد لله .
الشيخ الألباني :
جزاك الله خيراً .
هناك شيء آخر ، هناك آيات وأحاديث كثيرة تبين أن الإسلام قد كَمُلَ _ وأظن هذه حقيقة أنت متنبه لها ومؤمن بها ولا فرق بين عالم وطالب علم وعامِّي في معرفة هذه الحقيقة وهي : أن الإسلام كَمُلَ ، وأنه ليس كدين اليهود والنصارى في كل يوم في تغيير وتبديل .
وأذكرك بمثل قول الله تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً))
الآن يأتي سؤال : وهي طريقة أخرى لبيان أن الاحتفال بالمولد ليس خيراً غير الطريقة السابقة وهي أنه لو كان خيراً لسبقونا إليه وهم – أي السلف الصالح – أعلم منا وأعبد .
هذا المولد النبوي إن كان خيراً فهو من الإسلام ؛ فنقول : هل نحن جميعاً من منكرين لإقامة المولد ومقرِّين له هل نحن متفقون – كالاتفاق السابق أن هذا المولد ماكان في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم – هل نحن متفقون الآن على أن هذا المولد إن كان خيراً فهو من الإسلام وإن لم يكن خيراً فليس من الإسلام ؟
ويوم أُنزلت هذه الآية : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) لم يكن هناك احتفال بالمولد النبوي ؛ فهل يكون ديناً فيما ترى ؟
أرجو أن تكون معي صريحاً ، ولا تظن أني من المشائخ الذين يُسكِّتون الطلاب ، بل عامة الناس : اسكت أنت ما تعلم أنت ما تعرف ، لا خذ حريتك تماماً كأنما تتكلم مع إنسان مثلك ودونك سناً وعلماً . إذا لم تقتنع قل : لم أقتنع .
فالآن إذا كان المولد من الخير فهو من الإسلام وإذا لم يكن من الخير فليس من الإسلام وإذا اتفقنا أن هذا الاحتفال بالمولد لم يكن حين أُنزلت الآية السابقة ؛ فبديهي جداً أنه ليس من الإسلام .
وأوكد هذا الذي أقوله بأحرف عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس : قال :
" من ابتدع في الإسلام بدعة – لاحظ يقول بدعة واحدة وليس بدعاً كثيرة – يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " .
وهذا شيء خطير جدا ً ، ما الدليل يا إمام ؟
قال الإمام مالك : اقرؤا إن شئتم قول الله تعالى :
((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً))
فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً . انتهى كلامه .
متى قال الإمام مالك هذا الكلام ؟ في القرن الثاني من الهجرة ، أحد القرون المشهود لها بالخيرية !
فما بالك بالقرن الرابع عشر ؟!
هذا كلامٌ يُكتب بماء الذهب ؛ لكننا غافلون عن كتاب الله تعالى ، وعن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أقوال الأئمة الذين نزعم نحن أننا نقتدي بهم وهيهات هيهات ، بيننا وبينهم في القدوة بُعد المشرقين .
هذا إمام دار الهجرة يقول بلسانٍ عربيٍ مبين : "فمالم يكن يومئذٍ ديناً ؛ فلا يكون اليوم ديناً".
اليوم الاحتفال بالمولد النبوي دين ، ولولا ذلك ما قامت هذه الخصومة بين علماء يتمسكون بالسنة وعلماء يدافعون عن البدعة .
كيف يكون هذا من الدين ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا في عهد التابعين ولا في عهد أتباع التابعين ؟!
الإمام مالك من أتباع التابعين ، وهو من الذين يشملهم حديث :
(( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) .
يقول الإمام مالك : " ما لم يكن حينئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً ، ولا يَصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها " .
بماذا صلح أولها ؟ بإحداث أمور في الدين والُتقرب إلى الله تعالى بأشياء ما تقرب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
والرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل :
(( ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الى الله إلى وأمرتكم به )) .
لماذا لم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحتفل بمولده ؟! هذا سؤال وله جواب :
هناك احتفال بالمولد النبوي مشروع ضد هذا الاحتفال غير المشروع , هذا الاحتفال المشروع كان موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعكس غير المشروع ،مع بَون شاسع بين الاحتفالين :
أول ذلك : أن الاحتفال المشروع عبادة متفق عليها بين المسلمين جميعاً .
ثانياً : أن الاحتفال المشروع يتكرر في كل أسبوع مرة واحتفالهم غير المشروع في السنة مرة .
هاتان فارقتان بين الاحتفالين : أن الأول عبادة ويتكرر في كل أسبوع بعكس الثاني غير المشروع فلا هو عبادة ولا يتكرر في كل أسبوع .
وأنا لا أقول كلاماً هكذا ما أنزل الله به من سلطان ، وإنما أنقل لكم حديثاً من صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن أبي قتادة الأنصاري قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله : ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟
قال (( ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه ، وأُنزل القرآن عليَّ فيه .))
ما معنى هذا الكلام ؟
كأنه يقول : كيف تسألني فيه والله قد أخرجني إلى الحياة فيه ، وأنزل عليَّ الوحي فيه ؟!
أي ينبغي أن تصوموا يوم الاثنين شكراً لله تعالى على خلقه لي فيه وإنزاله الوحي عليَّ فيهِ .
وهذا على وزان صوم اليهود يوم عاشوراء ، ولعلكم تعلمون أن صوم عاشوراء قبل فرض صيام شهر رمضان كان هو المفروض على المسلمين .
وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ؛ فسألهم عن ذلك ؛ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وجنده فصمناه شكراً لله ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : (( نحن أحق بموسى منكم )) فصامه وأمر بصومه فصار فرضاً إلى أن نزل قوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه)) .
فصار صوم عاشوراء سنة ونسخ الوجوب فيه .
الشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شارك اليهود في صوم عاشوراء شكراً لله تعالى أن نجى موسى من فرعون ؛ فنحن أيضاً فَتَح لنا باب الشكر بصيام يوم الاثنين لأنه اليوم الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واليوم الذي أُوحي إليه فيه .
الآن أنا أسألك : هولاء الذين يحتفلون بالمولد الذي عرفنا أنه ليس إلى الخير بسبيل أعرف ان كثيراً منهم يصومون يوم الاثنين كما يصومون يوم الخميس ؛ لكن تُرى أكثر المسلمين يصومون يوم الاثنين ؟
لا ، لا يصومون يوم الاثنين ، لكن أكثر المسلمين يحتفلون بالمولد النيوي في كل عام مرة ! أليس هذا قلباً للحقائق ؟!
هؤلاء يصدق عليهم قول الله تعالى لليهود :
((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))
هذا هو الخير : صيام متفق عليه بين المسلمين جميعاً وهو صيام الاثنين ومع ذلك فجمهور المسلمين لا يصومونه !!
نأتي لمن يصومه وهم قلة قليلة : هل يعلمون السر في صيامه ؟ لا لا يعلمون .
فأين العلماء الذين يدافعون عن المولد لماذا لا يبينون للناس أن صيام الاثنين هو احتفال مشروع بالمولد ويحثونهم عليه بدلاً من الدفاع عن الاحتفال الذي لم يُشرع ؟!!
وصدق الله تعالى ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :
(( للتتبعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ))
وفي رواية أخرى خطيرة (( حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك )) .
فنحن اتبعنا سنن اليهود ؛ فاستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، كاستبدالنا المولد النبوي الذي هو كل سنة وهو لا أصل له بالذي هو خير وهو الاحتفال في كل يوم اثنين وهو احتفال مشروع بأن تصومه مع ملاحظة السر في ذلك وهو أنك تصومه شكراً لله تعالى على أن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وأنزل الوحي فيه .
وأختم كلامي بذكر قوله صلى الله عليه وسلم :
(( أبى الله أن يقبل توبة مبتدع )) .
والله تعالى يقول : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))
وقد جاء في صحيح مسلم أن أحد التابعين جاء إلى السيدة عائشة
محاور الشيخ :
قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أليس تكريماً له ؟
الشيخ الألباني :
نعم
محاور الشيخ :
فيه ثواب هذا الخير من الله ؟
الشيخ الألباني :
كل الخير . ما تستفيد شيئاً من هذا السؤال ؛ ولذلك أقاطعك بسؤال : هل أحد يمنعك من قراءة سيرته ؟
أنا أسألك الآن سؤالاً : إذا كان هناك عبادة مشروعة ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما وضع لها زمناً معيناً ، ولا جعل لها كيفية معينة ؛ فهل يجوز لنا أن نحدد لها من عندنا زمناً معيناً ، أو كيفية معينة ؟ هل عندك جواب ؟
محاور الشيخ :
لا، لا جواب عندي .
الشيخ الألباني :
قال الله تعالى : ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ))
وكذلك يقول الله تعالى :
((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) التوبة:31
(( لما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية – وقد كان قبل إسلامه نصرانياً – أشكلت عليه فقال: إنا لسنا نعبدهم قال: ( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلّون ما حرم الله، فتحلونه؟) ، فقال: بلى. قال : ( فتلك عبادتهم))).
وهذا يبيِّن خطورة الابتداع في دين الله تعالى .

مفرغ مع بعض الاختصار من أحد اشرطة سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني رحمه الله تعالى . رقم الشريط 94/1




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

شكرا لك أختي أم عبيد الله الأثرية على الموضوعك الرائع والقيم
موضوعك راقي لايمكن المجادلة فيه وخصوصا لأنك قدمت فتوى الشيخ الألباني

(موضوع يستحق التقيم)




السلام عليكم و رحمة الله و بركآته
باركـ الله فيكـ أختي أم عبيد و جزاكـ خيرا على النقل الطيب و الهاام




و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بوركتِ أخيتي على مروركِ الطيب العطر

بالفعل إنها مناظرة قيمة، فالمسألة واضحة جلية إن شاء الله، و أظن أن ما أجاد به الشيخ الألباني رحمه الله و أفاد كاف شافٍ لمن ألق السمع وهو شهيد


وفقكِ الله أختي و نفع بكِ




شكرا رحمة الله على الشيخ الالباني

موضوع مهم ومفيد شكرا ام عبيد




بارك الله فيك أخيتي أم عبيد الله و نفع بك




سلمت يداك رائع جدا




التصنيفات
اسلاميات عامة

أصْلَحَكَ الله / سُكَينة بنت الشيخ الألباني

بسم الله الرحمٰن الرحيم

أصْلَحَكَ الله


حُقَّ لمَن عرف معنى إصلاحِ اللهِ عَبْدَه أنْ يفرَحَ إذا قيل له: أصلحك الله! ويُبادِرَها بـ: "آمين"…

1 ـ فالصلاح المرجوّ يشمل:

صلاح الأعمال:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ..} (الأحزاب: 70 و71)
"قال ابن عباس: يَتَقَبَّلْ حَسَناتكم. وقال مقاتل: يُزَكِّ أعمالكم". "تفسير البغوي" (6/ 379).
وإصلاح الأعمال يكون بـ:
· "قبولها
· حفظها عما يفسدها
· وحفظ ثوابها
· ومضاعفته"
"تيسير الكريم الرحمن" ص673 ، بتصرف يسير.

صلاح البال:

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (محمد: 2)

قال الإمام الطبري رحمه الله:

" وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه، وفي الآخرة بأن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدائم في جنانه". "جامع البيان" (22/ 151)
"صلاح البال: أي: صلاح:

· الدين
· والدنيا
· والقلوب
· والأعمال
· وإصلاح الثواب بـ:
تنميته وتزكيته.
· وإصلاح جميع الأحوال".

مستفاد مِن "تيسير الكريم الرحمن" ص784

{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} (محمد : 5)

قال الشيخ السعدي رحمه الله:

"أي:
· حالهم
· وأمورهم
· وثوابهم؛ يكون صالحًا كاملاً، لا نكد فيه، ولا تنغيص بوجهٍ مِن الوجوه".

"تيسير الكريم الرحمن" ص 785

صلاح الدين والدنيا والآخرة:

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
(اللَّهُمَّ!
أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي،

وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي،
وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي،
وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ،
وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ )

رواه الإمام مسلم: (كِتَاب الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ/ 2720)

قال العلامةُ العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح "رياض الصالحين" (6/ 26 – 30):

"بدأ بالدِّين: «أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي» الذي به:

§ يعتصم الإنسان مِن الشر
§ ويعتصم مِن الأعداء.
لأنه كلما صلح الدين؛ اعتصم الإنسانُ به مِن كل شرٍّ.

وصلاحُ الدِّين يكون بـ:

· الإخلاص لله.
· والمتابعة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فمَن أشرك بالله؛ فدِينُه غيرُ صالح، مَن صلىٰ رياءً أو تصدَّق رياءً أو صام رياءً أو قرأ القرآنَ رياءَ أو ذَكر اللهَ رياءً أو طَلَبَ العلمَ رياءً أو جاهد رياءً؛ فكلُّ هذا عَمَلُه غيرُ صالح -والعياذ بالله-، وهو مردودٌ عليه؛ لقولِ الله تعالى في الحديث القدسي:
«أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».
كذلك المبتدِع؛ لا عصمة له، فليس معصومًا مِن الشر، بل الذي وقع فيه هو الشر، قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ».

فالمبتدع وإنْ ذَكَر اللهَ، وإنْ سبّح وإنْ حمد، وإن صلَّى على وجهٍ ليس بمشروع؛ فعمله مردود عليه، قد يزين الشيطان للإنسان عبادةً فيَلين قلبُه ويخشع ويبكي، ولكنّ ذلك لا ينفعه إذا كان بدعة، بل هو مردود عليه، ألم ترَ إلى النصارى يَأتون الكنيسةَ ويَبكون ويخشعون أشدَّ مِن خشوع بعض المسلمين، ومع ذلك؛ لا ينفعهم هذا، لأنهم على ضلالة؟ كذلك أهل البدع؛ نجد مثلاً مِن أهل البدع -ولاسيما الصوفية- نجد عندهم أذكارًا كثيرة يذكرون الله ويبكون ويخشعون وتلين قلوبهم، لكنَّ هذا كله لا ينفعهم، لأنه على غير شرع الله، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ فَهُوَ رَدٌّ» مردود عليه، وقال:
«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ».

«أَصْلِحْ لِي دِينِي» يعني: اجعله صالحًا بأن يكون خالصًا صوابًا. وقوله:
«هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي» يعني الذي أعتصم به مِن الشر والفتن وغير ذلك.
«وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي» الدنيا معاش؛ تُقِيم فيها أو تَسكن فيها إلى أن تموت، ولكنها ليست دار قرار، وأين الذين استقروا فيها؟! أين الملوك وأبناء الملوك؟! أين الأغنياء أين الأثرياء أين الفقراء أين الأسياد؟!! كلُّهم ذهبوا فصاروا أحاديث، وأنت في يوم مِن الأيام ستكون أحاديث، قال الشاعر الحكيم:

بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبِرا * حتى يُرى خَبَرا مِن الأخبار

هو الآن مخبِر، يقول: صار كذا وصار كذا، ومات فلان وولد فلان، ولكنه سوف يكون هو خبرًا مِن الأخبار، نحن الآن نتحدَّث عن مشايخنا عن زملائنا عن إخواننا عن آبائنا؛ خبرًا مِن الأخبار، كأن لم يوجد بالدنيا، كأنهم أحلام! وهكذا أنت أيضًا، فالدنيا معاش فقط، وليست قرارًا، ولكنها إنْ وُفِّق الإنسانُ فيها إلى العمل الصالح، وجَعلها منفعةً للآخرة؛ فيا حبذا! وإن كانت الأخرى، وصار يعمل للدنيا لا للآخرة؛ خسر الدنيا والآخرة، والعياذ بالله، ولهذا قال:
«الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي» فقط، معاش يعيش الإنسان ثم يتركها.
«وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي» الآخرة هي التي إليها المعاد، ولا مفرَّ منها، قال الله تعالى في كتابه:
{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}
(الواقعة: 49 و 50)، الأوَّلون والآخرون كلهم سوف يجمعهم الله عَزَّ وَجَلَّ في صعيدٍ واحد يوم القيامة، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. وقال الله تبارك وتعالى:
{ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} (هود: 103 و 104) {لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ}، ما قال: "لأجل ممدود"، {مَّعْدُودٍ}، يُعدُّ عَدًّا، لكن كله يفنى سريعًا حال اليوم الذي هو معادُ كلِّ واحد، كل واحد معاده إلى يوم القيامة، والشاعر الحكيم يقول:

كلُّ ابنِ أُنثى وإن طالت سلامتُه … يومًا على آلةٍ حَدْباء محمولُ

كلنا سنُحمَل على النعش مهما طالت بنا الحياة، أو نحترق فتأكلنا النار، أو نموت في فلاة مِن الأرض فتأكلنا السباع، أو في البحر فتأكلنا الحيتان، لا ندري المهم أنّ كلَّ إنسان معادُه إلى الآخرة، ولهذا قال: « وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي»
وصلاح الآخرة: أن الله تعالى ينجيك مِن عذاب النار، ويدخلك الجنة، نسأل الله أن يصلح لي ولكم الآخرة.

«وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ» الإنسان إذا وُفِّق في هذه الحياة وصار يزداد خيرًا، كل يوم يكتسب عملاً صالحًا ويحسّ ذلك بنفسه، وتجده يفرح إذا عمل عملاً صالحًا ويقول: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} (الأعراف: 43)، كل يوم يزداد؛ يصلي، يُسبِّح، يقرأ، يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر، يلقى أخاه بوجه طلق.. إلى آخره، خيرات كثيرة، فكلما ازداد الإنسان في حياته خيرًا؛ كانت حياته خيرًا، ولهذا؛ في الحديث: «خيرُكم مَن طال عمرُه، وحَسُنَ عملُه»[1].

«وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» الموت: فَقْدُ الحياة، لكن دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَجعل اللهُ الموتَ له راحةً مِن كل شر؛ لأن الإنسان لا يدري ما يصيبه في هذه الدنيا؟ قد يبقى في الدنيا طويلاً لكنه ينتكس -والعياذ بالله- يَفسد دينُه، قد يبقى في الدنيا وتحدث فتن عظيمة يتعب فيها، يقول: ليت أمي لم تلدني، {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيًّا} (مريم: 23)، يجد فتنًا عظيمة، لكن قد يكون الموت الذي عجّله الله له راحةً له مِن كلّ شرّ، ولهذا؛ كان الرسول يدعو بهذا الدعاء: «واجعل الموت راحة لي مِن كل شر».

فعليك -يا أخي المسلم!- بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ»" اﻫ.
صلاح الشأن كله:

عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة رَضِيَ اللهُ عَنْها:

«ما يَمْنعُكِ أنْ تَسْمَعي ما أُوصِيكِ بِهِ؛ أنْ تَقُولِي إذا أَصْبَحْتِ وإذا أَمْسَيْتِ: يا حَيُّ! يا قَيُّومُ! بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، وأَصْلِحْ لي شَأني كُلَّهُ، ولا تَكِلْني إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أبدًا».
رواه ابن السني وغيره، وحسّنه أبي رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (227)

2ـ طلبُ الإصلاح؛ وصيةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ:

ودليلُه حديث أنس السابق؛ ففيه: « ما يَمْنعُكِ أنْ تَسْمَعي ما أُوصيك به» وقد علّق عليه الشيخ عطية سالم -رحمه الله- في "شرح الأربعين النووية" (الحديث السادس عشر):
"ووصية الرسول لفاطمة أخص من وصية أي والد لولده؛ لأن الوالد هنا ليس ككل الوالدين، والولد ليس ككل الأولاد، وقد قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي»[2]" اﻫ.
وقال الشيخ العلامة السعدي في "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" ص19 و20:

"ومن الأسباب الموجِبة للسرور وزوال الهم والغم:

السعيُ في :

§ إزالةِ الأسباب الجالبة للهموم، وفي:
§ تحصيلِ الأسباب الجالبة للسرور.
وذلك بـ:
· نسيانِ ما مضى عليه من المكارِه التي لا يمكنه ردُّها.
· ومعرفتِه أنَّ اشتغالَ فِكرِه فيها مِن باب العَبث والمحال، وأنَّ ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبَه عن:

o التفكرِ فيها. وكذلك يجاهد قلبَه عن:
o قَلَقِه لِمَا يَستقبله، مما يتوهَّمُه مِن فقر أو خوف أو غيرهما مِن المكاره التي يتخيَّلُها في مستقبل حياته.

فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولٌ ما يَقع فيها مِن خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيءٌ إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذٰلك؛ اطمأن قلبُه، وصلحت أحوالُه، وزال عنه همُّه وقلقُه.

ومِن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور :

استعمالُ هذا الدعاء الذي كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر".
وكذلك قوله: "اللهم! رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت". فإذا لهج العبدُ بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذٰلك؛ حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسرورًا" اﻫ .

3ـ وهو مما خوطب به الصالحون:

وأمثلةُ هذا كثيرة، منها:
روى الإمامُ البخاري في "صحيحه" (كِتَاب الْفِتَنِ/ بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا/ 7055):
"عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ….."

قال الحافظ في "الفتح" (13/ 7):
"(أَصْلَحَك اللَّه) يَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ الدُّعَاء لَهُ بِالصَّلَاحِ فِي جِسْمه لِيُعَافَىٰ مِنْ مَرَضه، أَوْ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ كَلِمَة اِعْتَادُوهَا عِنْدَ اِفْتِتَاح الطَّلَب" اﻫ.
وروى الإمام البخاري في "الأدب المفرد" (1166) – وصحح الوالدُ إسناده-:
عن سعيد المقبري قال: مررتُ على ابنِ عُمَرَ ومعه رَجُلٌ يَتحدَّث، فقُمتُ إليهما، فَلَطَم في صَدْرِي، فقال: "إذا وجدتَ اثنين يتحدّثان؛ فلا تَقُمْ مَعهما، ولا تَجْلِسْ معهما، حتى تَسْتَأذِنَهما". فقلتُ:
أَصْلَحَكَ اللهُ يا أبا عبدِ الرحمن! إنما رَجُوتُ أن أَسْمَع مِنكُما خَيرًا.
وروى الإمامُ مسلم في "صحيحه" (كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ/ 2552):
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ:
أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ، وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ».

الخلاصة:

أن الدعاءَ للنفْس بالإصلاح؛ خَيرٌ وسُنّة –وَفْقَ الألفاظ الواردة-، وفيه التماسُ أعلى المطالِب، وأنَّ الدعاءَ لِلغير به هو مِن حُبِّ الخيرِ لهم، وهذا مِن كمال الإيمان.
هٰذا. والله أعلم.
كتبتْه: سُكَينة الألبانية
أَصلحها الله

~~~**~~~**~~~***~~***~~~* *~~~**~~~

[1] – يُنظر "صحيح الترغيب والترهيب" (3364)، و "سلسلة الأحاديث الصحيحة" تحت (1836).
[2] – متفق عليه.




اللهم أصلحنا و أصلح لنا ديننا و آخرتنا و دنيانا .
تعليمية




اللهم اهدهم واهدينا شكرا لك ننتضر جديدك




التصنيفات
اسلاميات عامة

الإجازة الصيفية للشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله

الإجازة الصيفية

(مجلة "الإصلاح" العدد 9)
الشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله

يَقْدُمُ علينا الصَّيف كَكُلِّ عام، يحمل معه المسَرَّات والمضرَّات، والنَّاس فيه يصولون ويجولون، وإلى الدَّعة والرَّاحة يخلدون، فمن مُطْلِقٍ لِعَنَانِ الشَّهوات مُنْغَمِسٌ في بحار المحرَّمات، لا يصادف شهوةٍ إلاَّ أتاها، ولا معصيةً إلاَّ ركبها.

ومِنْ كابحٍ لنزوات الشَّرِّ، ومجاهدٍ لشيطان الجنِّ والإنس، يخاف النِّقمة وسوء المنقلب في هذه الدَّار، ويطمح إلى نيل اللَّذَّات في دار القرار.
وموسم الصَّيف الَّذي هو موسم العُطَلِ والإجازات، يسيء النَّاس فيه استغلال الأوقات، وينشط فيهم داعي الرَّغبات والشَّهوات، وهم فيه على أقسام وأشكال.
فمنهم الرَّابح ومنهم الخاسر، وفيهم الغانم وفيهم الخائب، «وَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقهَا أَوْ مُوبِقهَا».
فمنهم من يقيم في بلده أو بلدته يقضي إجازته بتعليم أولاده القرآن، ويُحْضِرُهم إلى المساجد ويلزمهم بأداء الصَّلوات، ويراقب حضورهم وغيابهم، ويتعاهد حفظهم وتحصيلهم، فهذا قد نصح أولاده، وحفظ أمانةَ اللهِ فيهم، وسعى في إصلاحهم؛ ليكونوا له عونًا في الحياة، وخَلَفًا وذُخْرًا له بعد الممَات.
وبعضهم الآخر يسافر لزيارة أقاربه وصلة أرحامه، ويقضي الإجازة معهم؛ لتقرَّ أعينهم به ويؤدِّي إليهم حقَّهم.
فهذا مأجور قد استفاد من وقته وأدَّى ما عليه.
وبعضهم يسافر للنُّزهة في داخل البلاد أو خارجها، ولكن بين أظهر المسلمين، يقضي وقتَه فيها، مستمتعًا بمناظرها، متجوِّلاً في أنحائها، محافظًا على دينه، ملتزمًا بأخلاقه، فعملُه هذا مباح لا لومَ عليه فيه.
وبعضهم يقضي الإجازة في اللَّهو واللَّعب، وترك الواجبات وفعل المحرَّمات، يرتاد مواطن الفسق والفجور، وشواطئ العُرْي والْمُجُون، أو يسافر إلى بلاد الكفر، حيث العُهرُ والخَمْرُ؛ فينغمسَ في أوحال الضَّلالة ويتربَّى في أوكار السّفالة، يقضي وقته بين لهوٍ ومزمارٍ، ومسرحٍ وحانةٍ وقمار، وربَّما يستصحب أولاده وزوجته؛ ليأخذوا حظَّهم من الشَّقاء والبوار! فهذا الَّذي قد ضيَّع زمانه وباء بالإثم والخسران.
فيجب على جميع المسلمين أن يكونوا على حَذَرٍ وحيطة من أمرهم، وأن لا يُقْحِمُوا أنفسَهم وَذَوِيهِمْ في أوحال الْمُهْلِكَات.
وعليهم بحفظ أوقات هذه الإجازة فيما ينفعهم في دنياهم وأُخْرَاهُمْ.
ولا مانع من أن يعطوا لأنفسهم قِسْطًا منَ الرَّاحة ونصيبًا من الاستجمام الخالي من الإثم والعدوان.
وعليهم بملاحظة أولادهم وتوجيههم إلى استغلال هذه الإجازة بما يعود عليهم بالنَّفع، لا بالضَّرر والخسران.
وما دمنا على أبواب فصل الصَّيف، وحتَّى يثبت من وفَّقه الله للثَّبات، وحتَّى لا يؤول الأمر إلى الضَّياع والشَّتات، فإنَّنا ننبِّه إلى ضرورة عَزْلِ أبنائنا وبناتنا عن ذلك الوسط الْمُرِيبِ؛ مِنْ أماكن الاصطياف والاستجمام، كشَّواطئ البحار والمنتزهات الَّتي يكثر فيها العُري الكاشف، والاختلاط الفظيع، والفساد العريض، والتي لا يُرَاعى فيها أدنى صفات المروءة وشِيَمِ الأخلاق.
فتجنُّب هذه الأماكن فريضةٌ شرعيَّة، وضرورة حتميَّة تقي مصارع السُّوء وتجنِّب المصير المشؤوم. فإن قال قائل: وما نفعل بأبنائنا؟ أَنحرمهم من اللَّعب والمرح والتَّنزُّه؟
فالجواب: إنَّ الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6].
فإنَّ الوَلَدَ إذا شبَّ على شيء شاب عليه، ثمَّ لا مانع من البحث عن الأماكن النَّظيفة المصونة، وإن كانت قليلة.
كما لا يفوتنا أن ننبِّه على هذا الَّذي يسمُّونه بالتَّخييم الصَّيفي، ففيه من الفساد والتَّضييع، والانحلال والتَّمييع، ما الله به عليم، ولا يخفى أمره على اللَّبيب، تساق إليه فلذات الأكباد كسوق النِّعاج إلى حتفها.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السَّبيل، والحمد لله ربِّ العالمين.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك على الموضوع و التنبيه
اللهم بارك لنا في وقتنا و ارزقنا حسن ادارته

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السَّبيل، والحمد لله ربِّ العالمين.




جزيت خيرا و جعل الله هذا في ميزان حسناتك




التصنيفات
اسلاميات عامة

من سمات دعوة الانبياء

من سمــــات دعوة الأنبيــــــاء

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه، أمّا بعد:
فمن جماع الدِّين: تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، هذه القواعد العظيمة هي من سمات دعوة الأنبياء إلى الله تعالى فهم يذمّون الفرقة والاختلاف في الدين، ويدعون إلى المحبة والائتلاف عليه، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران ١٠٣] وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الذِينَ فَرَّقُوا دِينَِهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾[الروم ٣٢] وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالذِينَ تَفَرقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران ١٠٥] وقال تعالى: ﴿فَاتَقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾[الأنفال ١] كما وردت أحاديث كثيرة تحذِّر من الافتراق والاختلاف وتدعو إلى المحبة والائتلاف، ولا يحقق الاجتماع على ذلك إلاّ بما قام عليه الشرع، والشرع إنّما قام على أصلين عظيمين:
أولهما: عبادة الله وحده لا شريك له، وثانيهما: عبادة الله بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو معنى: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» فاتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته من طاعة الله سبحانه، قال تعالى: ﴿مَن يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾[النساء ٨٠]، فلا يؤلف القلوب ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين إلاّ هذا الدين، وأصل الدين وأسّه وعمود فسطاطه التمسك بالكتاب والسنة، والتحاكم إليهما في مواضع الخلاف، وموارد النزاع، وتحكيمهما في كلّ الأمور: صغيرها وكبيرها، والرضا بذلك، والانقياد إليه، فهذا ما اتفق عليه سلف هذه الأمّة قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَّقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُم المُفْلِحُونَ﴾[النور ٥١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَّكُونَ لَهُم الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾[الأحزاب ٣٦]، وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[النساء ٦٥]، وقد أخرج مالك في موطئه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: إِنّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُوا أَبَدًا: كِتَابُ اللهِ وَسُنَّتِي» (١- أخرجه مالك (١٦٢٨)، وابن نصر في السنة(٦٨)، والحاكم،(١/٩٣)، وحسنه الألباني في تعليقه على المشكاة(١٨٦)).
فالتمسك بالكتاب والسنة والعمل بمقتضاهما أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على هذه الأمّة، وضمن هذا المنظور يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: «وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم، اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، أنّه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده، فإنّهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالهدى ودين الحق، وأنّ القرآن يهدي للتي هي أقوم» (٢- مجموع الفتاوى لابن تيمية(١٣/٢٨)).
هذا، وقد حذّرنا الكتاب والسنة من الفرقة وأمرنا بلزوم الجماعة على الدين، والقيام به، قال تعالى:﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، اللهُ يَجْتَبِي إَلَيْهِ مَن يَّشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُّنِيبُ﴾[الشورى ١٣]
والاختلاف في الدين والتفرق عليه سمّاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحالقة التي تحلق الدين لا الشعر(٣- أخرجه الترمذي في صفة القيامة(٢٦٩٩)، وأحمد(١٤٤٦)، من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه. وصححه الألباني في غاية المرام(٤١٤). وحسنه في صحيح الجامع(٣٣٦١))، وما ابتليت أمّة الإسلام بضعفها وتفرقها إلاّ من جهة تضييعها للاعتصام بالكتاب والسنة، وإخلالها بتوحيد الله واتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، إذ بالتوحيد تكون الوحدة التي تقوم عليها الأمّة، وتحيا عليها دولة الإسلام، قال ابن تيمية-رحمه الله-: «وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة، كما أنّ الخارجين عنه هم أهل الفرقة، وجماع السنة: طاعة الرسول ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاََثاً: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَّلَّاهُ اللهُ أُمُورَكُمْ» (٤- أخرجه مسلم في الأقضية: (٤٥٨٧) مالك: (١٨٣٣)، وأحمد: (٩٠٣٤)،وصححه الألباني في صحيح الجامع: (١٨٩٥))»(٥- مجموع الفتاوى: (٢٨/٥١)).
والدعاة إلى الله سلكوا هذا الصراط المستقيم على بصيرة إلى قيام الساعة؛ أمّا السبل الأخرى فشيطانية مفرقة، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتََّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِِ﴾[الأنعام ١٥٣].
فالنجاة كلّ النجاة في اتباع السابقين الأولين، من أئمة الهدى المشفقين الناصحين، بالتزام منهجهم وعقيدتهم، واقتفاء آثارهم، وسلوك طريقتهم، ومجانبة طرق الهوى والردى، وسبل الغواية والعمى.
ردّ الله المسلمين جميعا إلى دينهم ردّا جميلا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في: 15 ربيع الأول 1443ﻫ
الموافـق لـ: 24 أفـريـل 2022م

——————————————————————————–

١- أخرجه مالك: (١٦٢٨)، وابن نصر في السنة: (٦٨)، والحاكم: (١/٩٣)، وحسنه الألباني في تعليقه على المشكاة: (١٨٦).
٢- مجموع الفتاوى لابن تيمية: (١٣/٢٨).
٣- أخرجه الترمذي في صفة القيامة: (٢٦٩٩)، وأحمد: (١٤٤٦)، من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه. وصححه الألباني في غاية المرام: (٤١٤). وحسنه في صحيح الجامع: (٣٣٦١).
٤- أخرجه مسلم في الأقضية: (٤٥٨٧) مالك: (١٨٣٣)، وأحمد: (٩٠٣٤)،وصححه الألباني في صحيح الجامع: (١٨٩٥).

٥- مجموع الفتاوى: (٢٨/٥١). موقع الشيخ الفاضل ابا عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله




بارك الله فيك على هذا النقل الطيب، نسأل الله أن يألف قلوبنا على الايمان.




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جمانة تعليمية
بارك الله فيك على هذا النقل الطيب، نسأل الله أن يألف قلوبنا على الايمان.

وفيك بارك الله اخي .اللهم امين كما نساله عز وجل ان يثبت قلوبنا على دينه القويم ونهج نبيه الكريم وان يجمعنا بحبيبنا وقرة اعيننا محمد صلى الله عليه وسلم في جنات رب العالمين.امين




ا شكرا لك ننتضر جديدك




جزاك الله كل خير




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




شكراااااااااااااااااااااا اااااااااااااااا




التصنيفات
اسلاميات عامة

لماذا لا نحي عهد "الزردة" و"الوعدة" ؟ بقلم: فضيلة الشيخ العلامة حماني

لماذا لا نحي عهد "الزردة" و"الوعدة" ؟

بقلم: فضيلة الشيخ العلامة الفقيه أحمد حماني (رحمه الله)

رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقا بالجزائر

فحوى السؤال :

كنّا نزور المشايخ بنّية خالصة ونتبرك بآثار الصالحين ونتمسّح بقبورهم
ونتوسّل بهم ونقيم الزردات والوعدات كلّما اشتدّت بنا المحن فنظفر بالمنن
وتفرج علينا، حتّى جاء البادسيّون وقطعوا علينا هذه الاحتفالات البهيجة
وغابت علينا وغضب علينا ديوان الصالحين. أفليس من الخير أن نعود
إلى الزردة والوعدة ونحيي ما اندثر، فإنّ ذلك عادات الآباء والأجداد،
زيادة على الرجاء في تبديل الأحوال، وانصراف الأهوال وإرضاء الرجال
وعسى أن تنفرج عنّا المحن وتكثر المنن. هذا ما يقوله بعض الناس ويودّ
أن تُسَبِّح الأمّة فتذهب الغمّة وما علينا في الزردة والوعدة وقضاء زمن كثير
في الأفراح والأيّام والليالي الملاح والقَصْبَة والبَنْدِير، والتهويل والشخير والنحير،
وما رأيكم دام فضلكم ؟

عبد الله الغفلان زمورة (ولاية غليزان)

الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه.
أوّلا :
سؤال محيّر لا ندري أصاحبه جادّ به أم هازل ؟
فإن كان جادّا أجبناه بعلمنا ولا عتب علينا وإن كان هازلا بنا
فإنّا نعوذ بالله أن نكون من الهازلين.

فقول السائل : "كنا نزور المشايخ بنية صالحة" الصواب كنّا
نزورهم بغفلة فاضحة، أعيننا مغفلة وعقولنا معطّلة. فالشيوخ
كانوا عاطلين عن كلّ ما يؤهّلهم للزيارة ! فلا علم ولا زهد ولا صلاح
ولكن نسب مرتاب في صحّته فكنّا – كما قيل – نعبدهم ونرزقهم.
والزيارة الشرعية تكون للشيخ إذا كان من ذوي العلم والفهم والصلاح
فيكتسب منه الزائر العلم والدين والصلاح ويأخذ منه المنقول والمعقول
ويرجع بفوائده جمّة، كما كان عالم المدينة بها وأبو حنيفة في العراق،
هذه الزيارة هي المأذون فيها وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فأمّا إذا كان
الشيخ كالصنم فماذا يستفيد منه الزائر ؟ أعلما أم زهدا أم صلاحا أم نصيحة
وعقلا ؟ إنّ المشايخ كانوا خلوا من كلّ ذلك، وفاقد الشيء لا يعطيه.
والذين كان لا يمكن الاستفادة من علمهم لم يَرِدُوا في سؤالكم ولا يمكن
أن يخطروا ببالكم مثل ابن باديس والتبسي رحمهما الله، فقد كان يزورهم
الطلاب ويرجعون من عندهم بعلم وفير ونصائح جمّة أفادت الوطن والأمّة.

وإنّما حكمت بأنّك لا تريد هذا الصنف المقيّد من العلماء لأنّك ذكرت مع
زيارتهم، البركة والتمسّح بالقبور والزردة والوعدة ونسيت الهردة والوخدة
والفجور والخمور، فقد أنقذوا الأمة من هذه الشرور وخلّصوها من قبضة
مشايخ الطرق، فكان ذلك مقدمة لتحريرها ورفع رايتها، ولم يكن لغالب مشايخ
الطرق إلا قضية النسب الشريف وهو مظنون، وإن صحّ ففي الحديث :
"من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه" (رواه مسلم)، وأمّ الشرفاء قال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم : "يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا" (رواه البخاري ومسلم)
فإذا أردت أخذ البركة من المشايخ فاقصدهم للعلم والفضل والصلاح والزهد واقتد بهم
واعمل عملهم تنتفع وتحصل لك أنواع من البركة الحقيقية لا المتخيّلة.

ثانيا :
وأمّا قولك "نتمسّح بقبورهم" فإنّ مثل هذا التمسّح نوع من الشرك
ولا يكون إلاّ للحجر الأسود بالكعبة فقط مع التوحيد الخالص لله وقد قال له عمر
يخاطبه : "والله ما أنت إلا حجر لا تنفع ولا تضر ولو لا أنّي رأيت رسول الله
يقبلك ما قبلتك" (متفق عليه). فإن كنت مع الحجر الأسود كما قال عمر فلا بأس
أن تقبّله، أمّا غيره فلا يجوز لك التمسّح به فإنّ التمسّح به وتقبيله شرك يتنَزّه عنه
المؤمن الموحّد. إنّ المؤمن يعلم – كما علم عمر – أنّه حجر والله يقول في مثله
من الجماد الذي كان يفتن العباد : "إنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا
مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشركِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 14].
فالبركة المستفادة من هذا التمسّح هي الرجوع إلى عهد الجاهلية والشرك بالله
.

هذا هو التمسّح بالقبور، فإنّها أجداث، فإن قصدت ساكني القبور فإنّ ذلك
منك أضلّ ألم تر أنّ صاحب القبر كان حيّا يرزق ثم جاءه الموت، والموت
كريه لا يحبّ زيارته أحد من الأحياء، فلم يستطع دفعه عن نفسه واستسلم
مكرها ولو استطاع أن يفتدي منه لبذل له الدنيا وما فيها.

فمن رجا الخير من ميّت أو دفع الضرّ المتوقّع فلا أضلّ منه، فادع في كلّ ما
يصيبك الحيّ الذي لا يموت فإنّه النافع الضّار وحده والله يوصي عباده فيقول :
"ومِنْ آيَاتِِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمسُ والقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ
واسْجُدُوا لله الذي خَلَقهُنَّ إنْ كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُون" [فصلت: 37]. ثالثا : فأمّا قولك
"كنّا نتوسّل بهم" فإنّ التوسّل الشائع بين الناس وهو الدعاء – الدعاء هو مخ العبادة –
شرك محض، فالتوحيد أن تدعو الله الذي خلقك – ولو عظمت ذنوبك – فإنه معك
يسمع دعاءك فإن كان لا بدّ من التوسّل فتوسّل بصالح أعمالك كما فعل الثلاثة
اصحاب الغار حينما نزلت عليهم الصخرة وسدّته عليهم، فاستجاب لهم من يعلم
شدّتهم. هذا هو التوسّل الصحيح وغيره قد يوقع صاحبه في الشرك، فلا تحم حوله.

رابعا :
وأمّا قولك "كنّا نقيم الزردات والوعدات كلما اشتدّت بنا المحن"
فإنّ هذه الزردات كانت من آثار غفلتنا منافية ليقظتنا وكان علماؤنا رحمهم الله
يسمونها (أعراس الشيطان)، لما يقع فيها من سفه وتبذير وعهر وخمر واختلاط
وفجور، وإنّما كان يشّد إليها الرحال من تونس حتّى المغرب الغافلون منّا المستهترون
بالدين والأخلاق ممن نامت ضمائرهم وكانت من أعظمها زردة (سيدي عابد)
بناحيتكم، يأتيها الفسّاق من تونس والمغرب وما بينهما، وسل الشيوخ عن الأحياء
ينبئونك، وكانت هذه الزردة كثيرة لأنّ لكلّ قوم لإلههم من أصحاب القبور من حدود
تبسة إلى مغنية، كانت القبور تعبد من دون الله ولكلّ قوم من يقدسونه. فـ(سيدي سعيد)
في تبسة،و(سيدي راشد) في قسنطينة و(سيدي الخير) بالسطيف و(سيدي بن حملاوي)
بالتلاغمة، و(سيدي الزين) بسكيكدة و(سيدي منصور) بولاية تيزي وزو
و(سيدي محمد الكبير) في البليدة، و(سيدي بن يوسف) بمليانة و(سيدي الهواري)
بوهران و(سيدي عابد) بغليزان و(سيدي بومدين) بتلمسان و(سيدي عبد الرحمن)
بالجزائر ويزاحمه (سيدي امحمد) وليعذرني الإخوة ممن لم أذكر آلهة بلدانهم وهم ألوف.

ففعل هؤلاء القوم مع هؤلاء المشايخ يشبه فعل الجاهلية مع هبل
واللات والعزّى وخصوصا إقامة الزردة حولها والذبح لها والتمسح بالقبور،
أفترانا نحيي آثار الشرك ونحن الموحدون ؟

لقد وقف العلماء وقفة صادقة ضدّ هذه المناكير في الزرد، لا فرق بين علماء
الإصلاح وغيرهم ممن كان يناصر جمعية العلماء ومن كان خارجها حتّى قضوا
على الزردة وساء ذلك الدوائر الاستعمارية فأرادت أن تحييها وتحافظ عليها،
وفي علمي أنّ آخر زردة قسنطينة، أقامها سياسي فشل في سياسته الإدماجية
فعادى العلماء واتّهمهم وأقام زردة بثيران المعمون وأخرافهم وأين مدينة قسنطينة
عرين أسد الإصلاح لكنّه دفن نفسه ولم تقم له قائمة.

فمن يريد أن يسير اليوم بإحياء الزردة والوعدة فبشره بخيبة تصيبه مثل
خيبة الأمس فأحذر يا صاحب السؤال.

خامسا :
ثم إنّ الطعام واللحم المقدّم في الزردة لا يحلّ أكله شرعا لأنّه مما نصّ القرآن
على حرمة أكله فإنه سبحانه وتعالى يقول : "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ والدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ" [المائدة: 3]. فاللحم من القسم الرابع أي مما أهل
لغير الله، أي ذبح لغير الله بل للمشايخ.

فزردة (سيدي عابد) أقيمت له وهكذا (سيدي أحمد بن عودة) و(سيدي بومدبن)الخ..
أقيمت له الزردة ليرضى وينفع ويدفع الضّر، وتقول إنّ هذه الذبائح قد ذكر اسم الله
عليها، فأقول : ولو ذكر اسم الله فإنَّ النّية الأولى وهي تقديمها إلى صاحب المقام،
يجعلها لغير الله.

برهان ذلك، فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
مع والد الفرزدق وسحيم، فإنّ سحيما علم أنّ غالبا نحر ليطعم الناس فنحر،
فسمح به غالب فنحر عشرات، فغالبه سحيم ونحر مثله وكثر المنحور حتىّ
عدّ بالمئات، يريدان به الفخر، فلما جاء الأمر إلى علي رضي الله عنه نهى الناس
على أكل لحمها واعتبرها مما أهلّ لغير الله، ولا شكّ أنّ ناحريها قد ذكروا عند
نحرها اسم الله، لكنّ الناحرين قصدا بذلك التباهي والافتخار، فكانت مما أهل
به لغير الله.

فلحم الزردة حرام، وطعامها حرام لأنّه صنع بذلك اللحم والحضور في الزردة حرام،
لأنه تكثير لأهل الباطل ولو كان الذي حضر إماما أو رئيس أئمة أو دكتور أو عالما
فإنّه عار أن نزرد بأموال الدولة ونحن غارقون في الديون، وقد شاهدنا في تلفزتنا
ما يحبّ الأوروبيون أن نكون عليه من اللعب بالثعابين. فكلّ من أحيا فينا الغفلة
التي كنّا فيها بالأمس ليس بناصح لنا بل غاشّ ولن يفلح في مقاصد وسيكون كما
قال الله في مثله ممن جعلوا المال للكيد بالمسلمين : "فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
ثُمَّ يُغْلَبُونَ" [الأنفال: 36].

وهذا وعد من الله صادق ولن يخلف وعده.

سادسا :
وأمّا قولك "حتى جاء البادسيّون" فالحق أنّ ابن باديس وأصحابه
إنّما دقّوا الجرس فاستيقظ الشعب ورأى الخطر المحدق به فانفضّ عنهم ولم يأت
ابن باديس بدين جديد ولا بطريق جديد وإنما تلا كتاب الله وحدّث بكلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وسار بسيرة السلف الصالح رضي الله عنه أجمعين وكفى
ابن باديس أن أيقظ المسلمين.

سابعا :
إذا أردنا أن تزول المحن عنّا فلنجتنبها ونخالف طريقها : نعبد الله وحده ونطيع الله ورسوله ونوحّد الكلمة فيما بيننا ونعتصم بحبل الله المتين ونجتنب الخلاف والنزاع
ونؤمن بالله ونستقيم ونعمل الصالحات فلا بدّ من العمل المتواصل لأنّ الله يأمر به
"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: 105]، هذه وسائل النجاح
وليست إقامة الوعدات والزردات ودعاء غير الله فهذا عمل الخاسرين. فإن طلبنا النجاح
وزال المحن بغير هذه الطريقة فنحن في ضلال وخسران كما أقسم على ذلك ربّ الناس.

"وَالعَصْرِ إنْ الإنْسَانَ لضفِي خُسْرٍ إلاَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وتَوَاصَوْا بِالحَقِّ
وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ"

هذا جواب سؤالك، يا أخا زمورة وستعود إلى الموضوع والسلام عليكم
وعلى كل من اتّبع الهدى.

أحمد حماني (رحمه الله)

(من جريدة الشعب اليومية : الاثنين 18/11/1991 رقم 9 – رياض الإسلام)




إذا أردنا أن تزول المحن عنّا فلنجتنبها ونخالف طريقها




غير مفهوم مراد الأخت لو تُفصل بارك الله فيها، وان كان حسن الظن يقول أن المراد بمخالفة طريق الفتن يدخل فيه ابتداءا ترك الشرك و التحذيرمن طرائقه و توعية أهله و هدايتهم الى الاسلام النقي الصافي البعيد عن اهدار حق رب الأرباب، و قد جاء الاسلام ليقرر هذ الحق قبل غيره، بل جعل غيره من التشريع تبعا له و مرتكزا عليه قال تعالى ( و ما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيمة).




رحم الله الشيخ حماني رحمة واسعة واسكنه جنة الفردوس ان شاء الله فقد كان من العلماء الربانيين العاملين على احياء السنة الصحيحة ودحر الشرك ومظاهره في جزائرنا الحبيبة




|||ردد معي|||~~~|||~~~|||الله||| ~~~|||أكبر|||
|||~~~|||~~~|||~~~اللهم ارزقنا الجــــــــــــــنه امين
|||ردد معي|||سبحان|||~~~|||الله| ||~~~|||وبحمده||

بارك الله فيك في ميزان حسناتك ان شاء الله

|||ردد معي|||~~~|||~~~|||الله||| ~~~|||أكبر|||
|||~~~|||~~~|||~~~اللهم ارزقنا الجــــــــــــــنه امين
|||ردد معي|||سبحان|||~~~|||الله| ||~~~|||وبحمده||




التصنيفات
اسلاميات عامة

فائدة نفيسة من كتاب || الفوائد || للإمام ابن القيم

تعليمية تعليمية

يا أيها الأعزل احذر فراسة المتقي فإنه يرى عورة عملك من وراء ستر ؛ اتقوا فراسة المؤمن .

سبحان الله !! فى النفس كبر إبليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجرأة نمرود واستطالة فرعون وبغى قارون وقحة هامان وهوى بلعام وحيل أصحاب السبت وتمرد الوليد وجهل أبي جهل وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب وشرة الكلب ورعونة الطاووس ودناءة الجعل وعقوق الضب وحقد الجمل ووثوب الفهد وصولة الاسد وفسق الفأرة وخبث الحيّة وعبث القرد وجمع النملة ومكر الثعلب وخفة الفراش ونوم الضبع غير أن الرياضة والمجاهدة تُذهب ذلك فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند ولا تصلح سلعته لعقد

{ أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم }

فما اشترى إلا سلعة هذّبها الإيمان فخرجت من طبعها الى بلد سكانه التائبون العابدون سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فلا يقبله المشتري قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها فسلمها ولك الأمان من الرد قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها والثمن المبذول فيه والمنادى عليها فإذا كان المشتري عظيما والثمن خطيرا والمنادى جليلا كانت السلعة نفيسة .

من كتاب : || الفوائد|| للإمام ابن القيّم الجوزية ( ص 74+75 )

منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




شكرا وبارك الله فيك
تحياتي الخالصة




سبحان الله و بحمده

بوركت أختي على الجلب الطيب

جزاك الله خيراآ




بارك الله فيكى اختى على الطرح




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




فائده قيمه جزى الشيخ كل خير الجزاء وجعل الفردوس الاعلى مستقره

بارك الله فيكِ




thank you soooooooooooooo much




التصنيفات
اسلاميات عامة

أنواع الصبر

الصبر ينقسم إلى قسمين: قسم مذموم وقسم ممدوح:

فالمذموم: الصبر عن الله وارادته ومحبته وسير القلب اليه فإن هذا الصبر يتضمن تعطيل كمال العبد بالكلية وتفويت ما خلق له وهذا كما أنه أقبح الصبر فهو أعظمه وأبلغه فإنه لا صبر أبلغ من صبر من يصبر عن محبوبه الذى لا حياة له بدونه البتة كما أنه لا زهد أبلغ من زهد الزاهد فيما أعد الله لأوليائه من كرامته مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فالزهد في هذا أعظم أنواع الزهد كما قال رجل لبعض الزاهدين وقد تعجب لزهده
)ما رأيت أزهد منك!( فقال: )أنت أزهدمنى أنا زهدت في الدنيا وهى لا بقاء لها ولا وفاء وأنت زهدت في الآخرة فمن أزهد منا( قال يحيى بن معاذ الرازى )صبر المحبين أعجب من صبر الزاهدين واعجبا كيف يصبرون!( وفي هذا قيل

الصبر يحمد في المواطن كلها*** إلا عليك فإنه لا يحمد
ووقف رجل على الشبلى فقال: أى الصبر أشد على الصابرين فقال الصبر في الله قال لا فقال الصبر لله فقال لا قال فالصبر مع الله قال لا قال فإيش هو قال الصبر عن الله فصرخ الشبلى صرخة كادت روحه تزهق.
وقيل: الصبر مع الله وفاء والصبر عن الله جفاء وقد أجمع الناس على أن الصبر عن المحبوب غير محمود فكيف إذا كان كمال العبد وفلاحه في محبته ولم تزل الأحباب تعيب المحبين بالصبر عنهم كما قيل:

والصبر عنك فمذموم عواقبه *** والصبر في سائر الأشياء محمود
وقال آخر في الصبر عن محبوبه
إذا لعب الرجال بكل شيء *** رأيت الحب يلعب بالرجال
وكيف الصبر عمن حل منى*** بمنزلة اليمين مع الشمال
وشكا آخر إلى محبوبه ما يقاسي من حبه فقال: لو كنت صادقا لما صبرت عنى.
ولما شكوت الحب قالت كذبتنى***ترى الصب عن محبوبه كيف يصبر
وأما الصبر المحمود فنوعان:
صبر لله وصبر بالله قال الله تعالى {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّه} وقال {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} وقد تنازع الناس أي الصبرين أكمل فقالت طائفة الصبر له أكمل فإن ما كان لله أكمل مما كان بالله فإن ما كان له فهو غاية وما كان به فهو وسيلة والغايات أشرف من الوسائل ولذلك وجب الوفاء بالنذر إذا كان تبرر أو تقربا إلى الله لأنه نذرله ولم يجب الوفاء به إذا خرج مخرج اليمين لأنه حلف به فما كان له سبحانه فهو متعلق بألوهيته وما كان به فهو متعلق بربوبيته وما تعلق بألوهيته أشرف مما تعلق بربوبيته ولذلك كان توحيد الألوهية هو المنجى من الشرك دون توحيد الربوبية بمجرده فإن عباد الأصنام كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء وربه ومليكه ولكن لما لم يأتوا بتوحيد الألوهية وهو عبادته وحده لا شريك له لم ينفعهم توحيد ربوبيته.
وقالت طائفة: الصبر بالله أكمل بل لا يمكن الصبر له إلا بالصبر به كما قال تعالى { وَاصْبِرْ } فأمره بالصبر والمأمور به هو الذى يفعل لأجله ثم قال { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ } فهذه جملة خبرية غير الجملة الطلبية التى تقدمتها أخبر فيها انه لا يمكنه الصبر الا به وذلك يتضمن أمرين الاستعانة به والمعية الخاصة التى تدل عليها باء المصاحبة كقوله فبي يسمع وبى يبصر وبى يبطش وبى يمشى وليس المراد بهذه الباء الاستعانة فإن هذا أمر مشترك بين المطيع والعاصى فإن مالا يكون بالله لا يكون بل هى باء المصاحبة والمعية التى صرح بمضمونها في قوله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وهى المعية الحاصلة لعبده الذى تقرب اليه بالنوافل حتى صار محبوبا له فبه يسمع وبه يبصر وكذلك به يصبر فلا يتحرك ولا يسكن ولا يدرك إلا والله معه ومن كان كذلك أمكنه الصبر له وتحمل الأثقال لأجله كما في الأثر الإلهى يعنى "وما يتحمل المتحملون من أجلى" فدل قوله { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ } على انه من لم يكن الله معه لم يمكنه الصبر وكيف يصبر على الحكم الأمرى امتثالا وتنفيذا وتبليغا وعلى الحكم القدرى احتمالا له واضطلاعا به من لم يكن الله معه فلا يطمع في درجة الصبر المحمود عواقبه من لم يكن صبره بالله كما لا يطمع في درجة التقرب المحبوب من لم يكن سمعه وبصره وبطشه ومشيه بالله.

من كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله




تعليمية




موضوع قيم ومفيد

بارك الله فيكم

وجزاكم الخير المديد




التصنيفات
اسلاميات عامة

حكم وضع المصحف على الأرض في حالة سجدة التلاوة


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


بارك الله فيكم وفي علمكم يقول السائل : ما حكم وضع المصحف على الأرض في حالة سجدة التلاوة ؟؟

الشيخ : فالأَوْلى أن يجتهد في احترام المصحف ، لكن وَضْعُه على الأرض الطاهرة عند الحاجة لا يؤثِّر إن شاء الله تعالى ، وضعه على الأرض الطاهرة عند الحاجة أو عند الضرورة لا يؤثِّر ، كان الصحابة يبالغون إلى درجة أن أحدهم لا يضع المصحف في الجَيب الجانبّي لألاّ يَقرُب من العورة من شدة احترامهم للقرآن الكريم ، فتجتهد على أن ترفعه وتنزِّهه في أماكن عالية قدر الإمكان ، لكن الأرض إذا كانت طاهرة واضطُر إلى وضعه فلا حرج إن شاء الله ..نعم




بارك الله فيكم
أعزو الفتوى لصاحبها بارك الله فيك
و الله أعلم هي للشيخ صالح السحيمي حفظه الله




بارك الله فيك وجزاك الخير

تحياتي




[IMG]wesaal_25851292http://[/IMG]




سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




|||ردد معي|||~~~|||~~~|||الله||| ~~~|||أكبر|||
|||~~~|||~~~|||~~~اللهم ارزقنا الجــــــــــــــنه امين
|||ردد معي|||سبحان|||~~~|||الله| ||~~~|||وبحمده||

بارك الله فيك في ميزان حسناتك ان شاء الله

|||ردد معي|||~~~|||~~~|||الله||| ~~~|||أكبر|||
|||~~~|||~~~|||~~~اللهم ارزقنا الجــــــــــــــنه امين
|||ردد معي|||سبحان|||~~~|||الله| ||~~~|||وبحمده||




موضوع قيم ومفيد

بارك الله فيكم

وجزاكم الخير المديد




التصنيفات
اسلاميات عامة

كيف تبر والديك؟

كيف تبر والديك؟

(جاء)الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالبر، والصلة، والإكرام، والتوقير أحياءاً وأمواتاً:
أما برهم في الحياة فبالإحسان إليهما بالكلام اللين، والتواضع، والنفقة، والقيامة بخدمتهما، والتماس رضاهما في غير معصية الله تعالى كما قال تعالى: ((إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا))؛ ففي حال حياتهما يبر بهما بأنواع البر، ولا يسيء إليهما أي إساءة، لأن الإحسان إليهما بر، والإساءة إليهما عقوق، والعقوق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله سبحانه وتعالى، ففي الأمر بالإحسان إليهما نهي عن الإساءة إليهما.

وقد جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المبنر فقال: "آمين، آمين، آمين"، ثم قال لأصحابه: "إن جبريل عليه السلام عرض له فقال له: يا محمد من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار، قل آمين، قلت آمين، قال يا محمد من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة فمات فدخل النار، قل آمين، فقلت: آمين، قال: يا محمد من ذُكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار، قل: آمين، فقلت: آمين"؛ الشاهد من هذا أن من أدرك أبويه – أو أحدهما – فلم يبرهما فمات دخل النار بسبب العقوق دعا عليه جبريل بدخول النار وآمن على ذلك محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإحسان إليهما في حال الحياة
أما الإحسان إليهما بعد الموت فقد سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سأله رجل فقال: يا رسول الله ما بقي من بر والدي بعد موتهما؟ قال: "أن تصلي عليهما مع صلاتك" يعني تدعو لهم إذا دعوت لنفسك، "وإنفاذ عهدهما"، يعني الوصية التي أوصيا بها، "وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما"، إذا كان لوالدك صديق أو لأمك صديقة فأكرم هذا الصديق، لأن إكرام صديق والدك أو صديقة والدتك إكرام لوالديك، هذا ما يبقى من البر بعد وفاة الوالدين: الدعاء، وتنفيذ وصاياهما، وصلة الرحم المرتبطة بهما من الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وسائر القرابة، والأخوة والأخوات، وأبناء الأخوة وأبناء الأخوات… إلى آخره، كل من تربطك به قرابة من جهة أبيك أو من جهة أمك فهو من ذوي الأرحام، إذا وصلته فقد بررت بوالديك.

منقول

هذه الفائدة من كتاب إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للعلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ونفعنا الله بعلمه (المجلد الأول)




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه تعليمية




شكرا وجعله الله في ميزان حسناتك




جزاك الله خيرا فبر الوالدين ثاني أحب الأعمال الى الحي الذي لا يموت




mercccccccciiiiiiiiiiiiii iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii iiiiiiiiiiiiiiiiiiiii




جزاك الله الف خير




مشكوووووووووووووووووووووو وووووووو




التصنيفات
اسلاميات عامة

سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته .

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عيدكم مبارك
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال…

ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعةًً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد ما يموت،
وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر
بئراً،أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته }
[حسّنه الألباني في صحيح الجامع:3596]
وتأمل أخي المسلم ملياً هذه الأعمال، واحرص على أن يكون لك منها حظ ونصيب
مادمت في دار الإمهال،
وبادر إليها أشد المبادرة قبل أن تنقضي الأعمار وتتصرم الآجال.
وإليك بعض البيان والإيضاح لهذه الأعمال:

أولاً: تعليم العلم،

والمراد بالعلم هنا العلم النافع الذي يبصر الناس بدينهم، ويعرفهم بربهم ومعبودهم،
ويهديهم إلى صراطه المستقيم، العلم الذي به يعرف الهدى من الضلال،
والحق من الباطل والحلال من الحرام،وهنا يتبينُ عظمُ فضلِ
العلماء الناصحين والدعاة المخلصين، الذين هم في الحقيقة سراج العباد،
ومنار البلاد،وقوام الأمة، وينابيع الحكمة،
حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، فهم يعلمون الجاهل، ويذكرون الغافل، ويرشدون الضال،
لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، وعندما يموت الواحد منهم تبقى علومه
بين الناس موروثة، ومؤلفاته وأقواله بينهم متداولة، منها يفيدون،
وعنها يأخذون، وهو في قبره تتوالى عليه الأجور، ويتتابع عليه الثواب، وقديماً
كانوا يقولون يموت العالم ويبقى كتابه، بينما الآن حتى صوت العالم يبقى مسجلاً في
الأشرطة المشتملة على دروسه العلمية، ومحاضراته النافعة، وخطبه القيمة فينتفع به أجيال
لم يعاصروه ولم يكتب لهم لٌقِيُّه. ومن يساهم في طباعة الكتب النافعة،
ونشر المؤلفات المفيدة، وتوزيع الأشرطة العلمية والدعوية فله حظ وافر
من ذلك الأجر إن شاء الله.

ثانياً: إجراءُ النهر،

والمراد شق جداول الماء من العيون والأنهار لكي تصل المياه إلى أماكن الناس ومزارعهم،
فيرتوي الناس، وتسقى الزروع، وتشرب الماشية، وكم في مثل هذا العمل الجليل
والتصرف النبيل من الإحسان إلى الناس،
والتنفيس عنهم بتيسير حصول الماء الذي به تكون الحياة، بل هو أهم مقوماتها،
ويلتحق بهذا مد الماء عبر الأنابيب إلى أماكن الناس، وكذلك وضع برادات الماء في
طرقهم ومواطن حاجاتهم.
ثالثاً: حفر الآبار،

وهو نظير ما سبق وقد جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ بينما رجل في طريق فاشتد عليه العطش،فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج،
فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل:
لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه
ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له }،
قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: { في كل ذات كبدٍ رطبة ٍ أجرٌ }
[متفق عليه].
فكيف إذاً بمن حفر البئر وتسبب في وجودها حتى ارتوا منها خلقٌ، وانتفع بها كثيرون.
رابعاً: غرس النخل،

ومن المعلوم أن النخل سيد الأشجار وأفضلها وأنفعها وأكثرها عائدة على الناس،
فمن غرس نخلاً وسبل ثمره للمسلمين فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمره طاعم،
وكلما انتفع بنخله منتفع من إنسان ٍأو حيوان ٍ، وهكذا الشأن في غرس كلما ينفع الناس
من الأشجار، وإنما خص النخل هنا بالذكر لفضله وتميزه.
خامساً: بناء المساجد

التي هي أحب البقاع إلى الله، والتي أذن الله جل وعلا أن ترفع ويذكر فيها اسمه،
وإذا بُني المسجد أقيمت فيه الصلاة، وتُلي فيه القرآن، وذكر فيه الله، ونشر فيه العلم،
واجتمع فيه المسلمون، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة، ولبانيه أجرٌ في ذلك كلِّه،
وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{ من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة } [متفق عليه].
سادساً: توريث المصحف،

وذلك يكون بطباعة المصاحف أو شرائها ووقفها في المساجد، ودور العلم حتى يستفيد
منها المسلمون، ولواقفها أجرٌ عظيم ٌ كلما تلى في ذلك المصحف تالٍ، وكلما تدبر فيه متدبر،
وكلما عمل بما فيه عامل.
سابعاً: تربية الأبناء،

وحسن تأديبهم، والحرص على تنشأتهم على التقوى والصلاح، حتى يكونوا أبناء بررة ً
وأولاد صالحين، فيدعون لأبويهم بالخير، ويسألون الله لهما الرحمة والمغفرة،
فإن هذا مما ينتفع به الميت في قبره.
وقد ورد في الباب في معنى الحديث المتقدم مارواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته
علماً علمه ونشره،
وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه،
أو نهراً أجراه،أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته }
[حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه: 198].
وروى أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت:
من مات مرابطاً في سبيل الله، ومن علّم علماً أجرى له عمله ما عمل به،
ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولداً صالحاً فهو يدعو له }
[صحيح الجامع: 890].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
{ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ، أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له }.
وقد فسر جماعةُ من أهل العلم الصدقة الجارية بأنها الأوقاف،
وهي أن يحبس الأصل وتسبل منفعته، وجل الخصال المتقدمة داخلةً في الصدقة الجارية.
وقوله: { أو بيتاً لابن السبيل بناه } فيه فضل بناء الدور ووقفها لينتفع بها المسلمون سواءً ابن السبيل أو طلاب العلم، أو الأيتام، أو الأرامل، أو الفقراء والمساكين.
وكم في هذا من الخير والإحسان.
وقد تحصل بما تقدم جملةً من الأعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى له ثوابها بعد الممات، وقد نظمها السيوطي في أبيات فقال:
إذا مات ابن آدم ليس يجري *** عليه من فعال غير عشرِ
علومٌ بثها، ودعاء نَجْلِ *** وغرس النخل، والصدقات تجري
وراثةٌ مصحفٍ، ورباط ثغر *** وحفر البئر، أو إجراءُ نهرِ
وبيتٌ للغريب بناه يأوي *** إليه، أو بناءُ محلِ ذكر ِ
وقوله: ( ورباط ثغر ) شاهده حديث أبي أمامة المتقدم،
وما رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمان الفارسي رضي الله
عنه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
{ رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله
وأجري عليه رزقه، وأمن الفّتَّان } أي ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر.

ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لكل خير، وأن يعيننا على القيام بأبواب الإحسان،
وأن يهدينا سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




بارك الله فيك




بارك الله فيك أختي الغالية على الجلب المميز
في انتظار المزيد
بالتوفيق




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

كما عودتنا دائما متالقه في مواضيعك




شكرا على ردودكم الرائعة




شكرا على المعلومات القيمة




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه