التصنيفات
الفقه واصوله

الاصول من علم الاصول

الفصل الثاني

الكلام
تعريفه:الكلام لغة: اللفظ الموضوع لمعنى.
واصطلاحاً: اللفظ المفيد مثل: الله ربنا ومحمد نبينا.
وأقل ما يتألف منه الكلام اسمان، أو فعل واسم.
مثال الأول: محمد رسول الله، ومثال الثاني: استقام محمد.
وواحد الكلام كلمة وهي: اللفظ الموضوع لمعنى مفرد وهي إما اسم، أو فعل، أو حرف.

أ – فالاسم: ما دل على معنى في نفسه من غير إشعار بزمن.

وهو ثلاثة أنواع:
الأول: ما يفيد العموم كالأسماء الموصولة.
الثاني: ما يفيد الإطلاق كالنكرة في سياق الإثبات.
الثالث: ما يفيد الخصوص كالأعلام
ب – والفعل: ما دل على معنى في نفسه، وأشعر بهيئته بأحد الأزمنة الثلاثة.
وهو إما ماضٍ ك"فَهِمَ"، أو مضارع ك"يَفْهَمُ"، أو أمر كَ"اِفْهَمْ".
والفعل بأقسامه يفيد الإطلاق فلا عموم له.
ج – والحرف: ما دل على معنى في غيره، ومنه:
1 – الواو: وتأتي عاطفة فتفيد اشتراك المتعاطفين في الحكم، ولا تقتضي الترتيب، ولا تنافيه إلا بدليل.
2 – الفاء: وتأتي عاطفة فتفيد اشتراك المتعاطفين في الحكم مع الترتيب والتعقيب، وتأتي سببية فتفيد التعليل
3 – اللام الجارّة. ولها معانٍ منها: التعليل والتمليك والإباحة.
4 – على الجارّة. ولها معانٍ منها: الوجوب.
أقسام الكلام:
ينقسم الكلام باعتبار إمكان وصفه بالصدق وعدمه إلى قسمين: خبر وإنشاء.
1 – فالخبر: ما يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لذاته.
فخرج بقولنا: "ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب" ؛ الإنشاء؛ لأنه لا يمكن فيه ذلك، فإن مدلوله ليس مخبراً عنه حتى يمكن أن يقال: إنه صدق أو كذب.
وخرج بقولنا: "لذاته" ؛ الخبر الذي لا يحتمل الصدق، أو لا يحتمل الكذب باعتبار المخبر به، وذلك أن الخبر من حيث المخبر به ثلاثة أقسام:
ا
لأول– ما لا يمكن وصفه بالكذب؛ كخبر الله ورسوله الثابت عنه.
الثاني – ما لا يمكن وصفه بالصدق؛ كالخبر عن المستحيل شرعاً أو عقلاً، فالأول: كخبر مدعي الرسالة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والثاني: كالخبر عن اجتماع النقيضين كالحركة والسكون في عين واحدة في زمن واحد.
الثالث: ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب إما على السواء، أو مع رجحان أحدهما، كإخبار شخص عن قدوم غائب ونحوه.
2 – والإنشاء: ما لا يمكن أن يوصف بالصدق والكذب، ومنه الأمر والنهي. كقوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) [النساء: من الآية36] وقد يكون الكلام خبراً إنشاء باعتبارين؛ كصيغ العقود اللفظية مثل: بعت وقبلت، فإنها باعتبار دلالتها على ما في نفس العاقد خبر، وباعتبار ترتب العقد عليها إنشاء.
وقد يأتي الكلام بصورة الخبر والمراد به الإنشاء وبالعكس لفائدة.
مثال الأول: قوله تعالى:
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: من الآية228] فقوله: يتربصن بصورة الخبر والمراد بها الأمر، وفائدة ذلك تأكيد فعل المأمور به، حتى كأنه أمر واقع، يتحدث عنه كصفة من صفات المأمور.
ومثال العكس: قوله تعالى:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)[العنكبوت: من الآية12] فقوله: "ولنحمل" بصورة الأمر والمراد بها الخبر، أي: ونحن نحمل. وفائدة ذلك تنزيل الشيء المخبر عنه منزلة المفروض الملزم به.
الحقيقة والمجاز:
وينقسم الكلام من حيث الاستعمال إلى حقيقةٍ ومجازٍ.
1 –
فالحقيقة هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له ، مثل: أسد للحيوان المفترس.
فخرج بقولنا: "المستعمل" ؛ المهمل، فلا يسمى حقيقة ولا مجازاً.

وخرج بقولنا: "فيما وضع له" ؛ المجاز.
وتنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام: لغوية وشرعية وعرفية.
فاللغوية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة.
فخرج بقولنا: "في اللغة" ؛ الحقيقة الشرعية والعرفية.
مثال ذلك الصلاة، فإن حقيقتها اللغوية الدعاء، فتحمل عليه في كلام أهل اللغة.
والحقيقة الشرعية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في الشرع .
فخرج بقولنا: "في الشرع" ؛ الحقيقة اللغوية والعرفية.
مثال ذلك: الصلاة، فإن حقيقتها الشرعية الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، فتحمل في كلام أهل الشرع على ذلك.
والحقيقة العرفية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في العرف.
فخرج بقولنا: "في العرف" ؛ الحقيقة اللغوية والشرعية.
مثال ذلك: الدابة، فإن حقيقتها العرفية ذات الأربع من الحيوان، فتحمل عليه في كلام أهل العرف.

وفائدة معرفة تقسيم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام: أن نحمل كل لفظ على معناه الحقيقي في موضع استعماله، فيحمل في استعمال أهل اللغة على الحقيقة اللغوية، وفي استعمال الشرع على الحقيقة الشرعية، وفي استعمال أهل العرف على الحقيقة العرفية.
2 – والمجاز هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، مثل: أسد للرجل الشجاع
فخرج بقولنا: "المستعمل" ؛ المهمل، فلا يسمى حقيقة ولا مجازاً.
وخرج بقولنا: "في غير ما وضع له" ؛ الحقيقة.
ولا يجوز حمل اللفظ على مجازه إلا بدليل صحيح يمنع من إرادة الحقيقة، وهو ما يسمى في علم البيان بالقرينة.
ويشترط لصحة استعمال اللفظ في مجازه: وجود ارتباط بين المعنى الحقيقي والمجازي، ليصح التعبير به عنه، وهو ما يسمى في علم البيان بالعلاقة، والعلاقة إما أن تكون المشابهة أو غيرها.
فإن كانت المشابهة سمي التجوز "استعارة" ؛ كالتجوز بلفظ أسد عن الرجل الشجاع.
وإن كانت غير المشابهة سمي التجوز "مجازاً مرسلاً" إن كان التجوز في الكلمات، و "مجازاً عقليًّا" إن كان التجوز في الإسناد.
مثال ذلك في
المجاز المرسل: أن تقول: رعينا المطر، فكلمة "المطر" مجاز عن العشب، فالتجوز بالكلمة.
ومثال ذلك في
المجاز العقلي: أن تقول: أنبت المطر العشب فالكلمات كلها يراد بها حقيقة معناها، لكن إسناد الإنبات إلى المطر مجاز؛ لأن المنبت حقيقة هو الله تعالى فالتجوز في الإسناد.
ومن المجاز المرسل: التجوز بالزيادة، والتجوز بالحذف.
مثلوا للمجاز بالزيادة بقوله تعالى:
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: 11] فقالوا: إن الكاف زائدة لتأكيد نفي المثل عن الله تعالى.
ومثال المجاز بالحذف: قوله تعالى: (وسئل القرية) [يوسف: 82] أي: واسأل أهل القرية؛ فحذفت "أهل" مجازاً، وللمجاز أنواع كثيرة مذكورة في علم البيان.
وإنما ذكر طرف من الحقيقة والمجاز في أصول الفقه؛ لأن دلالة الألفاظ إما حقيقة وإما مجاز، فاحتيج إلى معرفة كل منهما وحكمه. والله أعلم.
تنبيه:
تقسيم الكلام ألى حقيقة ومجاز هو المشهور عند أكثر المتأخرين في القران وغيره، وقال بعض أهل العلم: لا مجاز في القران، وقال آخرون: لا مجاز في القران ولا في غيره، وبه قال أبو إسحاق الإسفراييني ومن المتأخرين العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أنه اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة، ونصره بأدلة قوية كثيرة تبين لمن اطلع عليها أن هذا القول هو الصواب.

الأمر
تعريفه:
الأمر: قول يتضمن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، مثل: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.
فخرج بقولنا: "قول" ؛ الإشارة فلا تسمى أمراً، وإن أفادت معناه.
وخرج بقولنا: "طلب الفعل" ؛ النهي لأنه طلب ترك، والمراد بالفعل الإيجاد، فيشمل القول المأمور به.
وخرج بقولنا: "على وجه الاستعلاء" ؛ الالتماس، والدعاء وغيرهما مما يستفاد من صيغة الأمر بالقرائن.
صيغ الأمر:صيغ الأمر أربع:
1 –
فعل الأمر، مثل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ)[العنكبوت: من الآية45]
2 –
اسم فعل الأمر، مثل: حيّ على الصلاة.
3 –
المصدر النائب عن فعل الأمر، مثل: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب)[محمد: من الآية4]
4 –
المضارع المقرون بلام الأمر، مثل: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)[المجادلة: من الآية4]
وقد يستفاد طلب الفعل من غير صيغة الأمر، مثل أن يوصف بأنه فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يمدح فاعله، أو يذم تاركه، أو يرتب على فعله ثواب، أو على تركه عقاب.
ما تقتضيه صيغة الأمر:
صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي: وجوب المأمور به، والمبادرة بفعله فوراً.
فمن الأدلة على أنها تقتضي الوجوب قوله تعالى:
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: من الآية63]، وجه الدلالة أن الله حذر المخالفين عن أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن تصيبهم فتنة، وهي الزيغ، أو يصيبهم عذاب أليم، والتحذير بمثل ذلك لا يكون إلا على ترك
واجب؛ فدل على أن أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم المطلق يقتضي وجوب فعل المأمور.
ومن الأدلة على أنه للفور قوله تعالى:
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: 148، والمائدة: 48] والمأمورات الشرعية خير، والأمر بالاستباق إليها دليل على وجوب المبادرة.
ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كره تأخير الناس ما أمرهم به من النحر والحلق يوم الحديبية، حتى دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس"1" .
ولأن المبادرة بالفعل أحوط وأبرأ، والتأخير له آفات، ويقتضي تراكم الواجبات حتى يعجز عنها.
وقد يخرج الأمر عن الوجوب والفورية لدليل يقتضي ذلك، فيخرج عن الوجوب إلى معان منها:
1 –
الندب؛ كقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) [البقرة: 282] فالأمر بالإشهاد على التبايع للندب بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد"2" .
2 – الإباحة؛ وأكثر ما يقع ذلك إذا ورد بعد الحظر، أو جواباً لما يتوهم أنه محظور.
مثاله بعد الحظر: قوله تعالى:
(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [المائدة: 2] فالأمر بالاصطياد للإباحة لوقوعه بعد الحظر المستفاد من قوله تعالى: (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) [المائدة: 1]
ومثاله جواباً لما يتوهم أنه محظور؛ قوله صلّى الله عليه وسلّم:
(افعل ولا حرج)"3"، في جواب من سألوه في حجة الوداع عن تقديم أفعال الحج التي تفعل يوم العيد بعضها على بعض.
3 –
التهديد كقوله تعالى:( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[فصلت: من الآية40]، ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارا)[الكهف: من الآية29] فذكر الوعيد بعد الأمر المذكور دليل على أنه للتهديد.
ويخرج الأمر عن الفورية إلى التراخي.
مثاله: قضاء رمضان فإنه مأمور به لكن دلَّ الدليل على أنه للتراخي، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
"4"
ولو كان التأخير محرماً ما أقِرّت عليه عائشة رضي الله عنها.
ما لا يتم المأمور إلا به:
إذا توقف فعل المأمور به على شيء كان ذلك الشيء مأموراً به، فإن كان المأمور به واجباً كان ذلك الشيء واجباً، وإن كان المأمور به مندوباً كان ذلك الشيء مندوباً.
مثال الواجب: ستر العورة فإذا توقف على شراء ثوب كان ذلك الشراء واجباً.
ومثال المندوب: التطيب للجمعة، فإذا توقف على شراء طيب كان ذلك الشراء مندوباً.
وهذه القاعدة في ضمن قاعدة أعم منها وهي: الوسائل لها أحكام المقاصد، فوسائل المأمورات مأمور بها، ووسائل المنهيات منهي عنها.


ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

1 رواه البخاري "2731، 2732" كتاب الشروط، 15- باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط. وأحمد "4/ 326/ 19117".

2 رواه أبو داود "3607" كتاب الأقضية، باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد، يجوز له أن يحكم به؟
3 رواه البخاري "83" كتاب العلم، 23- باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها.ومسلم "1306" كتاب الحج، 57- باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي
4 رواه البخاري"1950" كتاب الصوم ومسلم "1146" كتاب قضاء الصوم




بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مشكور على الموضوع ودمت للمنتدى مفيدا ومستفيدا




التصنيفات
الفقه واصوله

الحث على إفشاء السلام عند الملاقاة والرد عليه والتحذير من تحية الكفار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله الذي يسَّر للسالكين إليه الطرق والأسباب، وفتح لهم من خزائن الأعمال الصالحة وما يقرب إليه كل باب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بذلك بلا ارتياب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي مَنَّ الله به على المؤمنين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الحكمة والكتاب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا الله – تعالى – واعلموا أن الله برحمته وإحسانه يسَّر لكم إلى الخير طرقًا وأسبابًا وفتح لكم إلى خزائنها أبوابًا، فاستبقوا الخيرات وخذوا من كل قسط منها بنصيب وافر تحمدون العقبى في الحياة وبعد الممات، واستمعوا إلى هذا الحديث العظيم الذي رآه النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في منامه ورؤيا الأنبياء حق، قال عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن في صفة بالمدينة فقال: «إني رأيت البارحة عجبًا: رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بِرُّه بوالديه فردَّ ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمته قد احتوشته الشياطين فجاءه ذِكْر الله فطردَ الشياطين عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلهثُ عطشًا كلما دنا من حوض مُنع وطُرد فجاءه صيام رمضان فأسقاه وأرواه، ورأيت النبيين جلوسًا حلقًا حلقًا كلما دنا إلى حلقة طُرد ومُنع فجاءه غُسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحيِّر في ذلك فجاءه حجُّه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يتَّقي وهج النار وشررها فجاءته صدقته فصارت سترًا بينه وبين النار وظلاً على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي يكلِّم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المؤمنين، إنه كان واصلاً لرحمه فكلّموه فكلَّمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم، ورأيت رجلاً من أمتي احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلاً من أمتي جاثيًا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب فجاءه حسْنُ خلقه فأخذ بيديه فأُدخل على الله عزَّ وجل، ورأيت رجلاً من أمتي قد ذهبت صحيفته من قِبل شماله فجاءه خوفه من الله – عزَّ وجل – فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلاً من أمتي قد خفَّ ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه وأفراطه هم: أولاده الصغار من ذكور أو إناث، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على شفير جهنم فجاءه رجاؤه في الله – عزَّ وجل – فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار فجاءته دمعته التي قد بكاها من خشية الله فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على الصراط يرعدُ كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسنُ ظنه في الله فسكّن رعدته ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط يحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا فجاءته صلاته عليَّ فأقامته على قدميه وأنقذته – اللهم صلِّ وسلم على محمد – ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة»(1) لا إله إلا الله !
قال الحافظ أبو موسى المديني: هذا حديث حسن جدًّا وقال ابن القيم – رحمه الله – من أكابر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه: سمعت شيخ الإسلام ابن تيميه يعظم أمره ويقول: أصول السُّنَة تشهد له وهو من أحسن الأحاديث، فهذا أيها المسلمون، هذا حديث عظيم بيَّن فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – ما رآه في الأعمال الصالحة المنجية من العذاب، فخذوا من كل واحدة منها بنصيب فما أيسرها على مَنْ يسَّره الله عليه .
إنه لا مشقَّة فيها ولا كُلفة وهي سهلة يسيرة يمكن للإنسان أن يأتي بكل منها أو يأتي بنصيب منها، اسمعوا الله – تعالى – يقول: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ" [الحج: 77-78] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو غفور رحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من العذاب يوم يلاقيه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن بهداهم اهتدى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

فيا عباد الله، إن من شعار الإسلام الذي حثَّ عليه النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ورغَّب فيه أن يسلم الإنسان على أخيه حين يلقاه يقول: السلام عليكم؛ فإن هذا شعار الإسلام الذي لا ينبغي للمسلم أن يتركه: يسلم على مَن عرف ومَن لم يعرف، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «واللهِ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم»(2) أي أظهروه ليسلِّم بعضكم على بعض؛ فإن المسلم إذا سلَّم مرة واحدة وقال: السلام عليكم فإن له بذلك عشر حسنات وهذه غنيمة عظيمة، فابتداء السلام سنة وإجابته فرض على مَن سلم عليه فيقول في الجواب: "عليك السلام" أو "عليكم السلام" أو "وعليك السلام" أو "وعليكم السلام"، كل هذا جائز المهم أن يجيب بذلك، ولا يكفي أن يقول: "أهلاً وسهلاً" أو "مرحبًا"؛ لأن الذي سلَّم عليك دعا لك بالسلامة من الآفات الدينية والدنيوية الخلُقية والخلْقية، فلابد أن تردَّ عليه بمثل ما سلم به عليك لقوله: +وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" [النساء: 86] .
وإنَّ من الأمر الذي يَعجب له الإنسان أن يُعلَّم صبيانه الصغار التحية باللغة الإنجليزية وهذا – واللهِ – عُدول عن سبيل المؤمنين وكفران لنعمة الله – تعالى – باللغة العربية؛ فإن مَنْ مَنَّ الله عليه باللغة العربية فإنها نعمة كبيرة .
إن اللغة العربية لغة القرآن والحديث، لغة علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلا مَن عجز عنها لكون لسانه في قومه على غيرها، إن تعليم الأطفال تحية غير المسلمين جناية عليهم وجناية على الشريعة وجناية على المجتمع كله، أما كونه جناية عليهم؛ فلأنهم سوف يَعدلون عن السلام الشرعي إلى هذه اللغة التي علمهم إياها، وأما كونه جناية على الشريعة؛ فلأنه عدل عن السلام الشرعي الذي شرع محمد رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لأمته، وأما كونه جناية على المجتمع؛ فلأن هؤلاء الأطفال سوف يمثلون المجتمع في المستقبل إن الله أبقاهم فيكون في ذلك ثلاث جنايات .
أسأل الله – تعالى – أن يهدي قومنا إلى الحق، أسأل الله أن يهدي قومنا للحق، أسأل الله أن يهدي قومنا للحق وألا يجعلهم إمعة يقولون حيث يقولون ما يقول الناس من غير أن يعوه أو يفهموه، واعلم – أيها الأخ المسلم – أن الكافر إذا تعلَّمت لغته وأخذت بها وجعلتها هي وسيلة الخطاب فإنه يفرح بذلك فرحًا عظيمًا كما أننا نحن إذا رأينا مَن تعلم لغتنا وجعلها وسيلة الخطاب فإننا نفرح بذلك، أولاً؛ لأنه إحياءٌ للغة العربية؛ ولأنه معونة على فهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرقٌ بين فرحنا وفرحهم لكن مع ذلك يجب أن نسدَّ الأبواب دونهم وأن نكون متميزين بما أنعم الله به علينا من اللغة العربية، أما تعلم اللغة العربية بدون أن تكون لغة التفاهم بيننا فإن هذا لا بأس به ولا سيما إذا دعت الحاجة إليه .
أيها الإخوة، «إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة – يعني: في الدين – بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة، عليكم بالاجتماع على سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(3)، وأكثروا أيها الإخوة، أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم، فو اللهِ إنه لأعظم الخلق حقًّا عليكم، أكثروا من الصلاة والسلام عليه، تؤدوا شيئًا من حقه وتغنموا بذلك أجرًا عظيمًا وتمتثلوا أمر الله عزَّ وجل؛ فإن الله – تعالى – قال في كتابه: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [الأحزاب: 56]، فسمعًا لك اللهم وطاعة .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم ارزقنا اتباعه ظاهرًا وباطنًا وإيثار هديه على هدي كل أحد يا رب العالمين، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان يا رب العالمين وارضَ عنا بذلك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم مَن أراد بالمسلمين سوءًا فاجعل كيده في نحره وأفسد عليه أمره وشتِّت شمله وفرِّق جمعه واهزم جنده يا رب العالمين، +رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الأعراف: 23]، +رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10] .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
——————————
(1) أخرجه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) 3/234 وعزَاهُ الهيثمي في مجمع الزوائد 7/179 إلى الطبراني وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية 2/699 . وابن كثير في التفسير 4/503 «إبراهيم – 27» من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنه .
(2) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، رقم (10238)، والإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب: الإيمان، رقم (81)، والترمذي الحكيم -رحمه الله تعالى- في كتاب: الاستئذان والأدب، رقم (2612)، وابن ماجه في سننه في كتاب: المقدمة، رقم (67)، وأبو داوود في كتاب: الأدب، رقم (4519) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
(3) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، رقم (14455)، والإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب: الحجة، رقم (1435)، والنسائي في كتاب: صلاة العيدين، رقم (1560)، وابن ماجه -رحمهما الله تعالى- في كتاب: المقدمة، رقم (44) وغيرهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم

خطبة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا




بسم الله الرحمان الرحيم

موضوع جيد يستحق التأمل فيه لما ينجم عنه من أخوة وحسن المعاملة

بارك الله فيه على التذكير ويا حبذا لو يُرفق بموضوع حول الصدق في التحية وحسن التأدب بها

وجزاك الله خيرا .

تعليمية




السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهبارك الله فيكم اخوتي وجزاكم الله خير الجزاء نعم اختنا غاية الهدى ان التحية هي اساس الحب بين الناس اصبح الكثير من الناس يستهين بها ولايعرف احكامها بالرغم من رسولنا الكريم حث عليها واكد عليها لكن اليوم اصبح الناس يلقي التحية على من يعرف فقط وان توفرلنا كما قلتي ان شاء الله سنوافيكم به باذن الله تعالى




التصنيفات
الفقه واصوله

ست نقاط مهمة في شهر شعبان – العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى

تعليمية تعليمية

أما بعد.. أيها المسلمون فإننا في شهر شعبان وسنتكلم حوله في نقاط ست لنبين فيها ما يجب علينا بيانه ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم علمًا نافعًا وعملاً صالحًا.

الأول، بل النقطة الأولى: صيام شعبان.

فهل يتميز شعبان بصيام دون غيره من الشهور؟

الجواب: نعم، فلقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر من الصيام فيه، حتى كان يصومه إلا قليلاً، وعلى هذا فمن السنَّة أن يكثر الإنسان من الصيام في شهر شعبان اقتداءًا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

النقطة الثانية: صيام نصفه أي صيام يوم النصف بخصوصه.

فهذا وردت فيه أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يُعمل بها؛ لأن كل شيء لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد به لله، وعلى هذا فلا يُصام يوم النصف من شعبان بخصوصه؛ لأن ذلك لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما لم يرد فإنه بدعة.

النقطة الثالثة: فضل ليلة النصف منه.

وهذا أيضًا فيه أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى هذا فليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب أو من ربيع أو من جمادى أو من غيرهن من الشهور، لا تمتاز هذه الليلة – أعني ليلة النصف من شعبان – بشيء بل هي كغيرها من الليالي؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة.

النقطة الرابعة: تخصيصها بقيام.

وهذا أيضًا بدعة؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخصص تلك الليلة بقيام بل هي كغيرها من الليالي إن كان الإنسان قد اعتاد أن يقوم الليل، فليقم تلك الليلة أسوة بغيرها من الليالي، وإن كان ليس من عادته أن يقوم الليل، فإنه لا يخصص ليلة النصف من شعبان بقيام؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأبعد من ذلك أن بعض الناس يخصصها بقيام ركعات معدودة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذن لا نخصص ليلتها بقيام.

النقطة الخامسة: هل يكون تقدير القضاء في هذه الليلة؟ بمعنى: هل يُقدَّر في تلك الليلة ما يكون في تلك السنة؟

والجواب: لا، ليست ليلة القدر، ليلة القدر في رمضان، قال الله تعالى: (( إنا أنزلناه )) أي: القرآن، (( إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر ))، وقال الله تعالى: (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ))، وعلى هذا فتكون ليلة القدر في رمضان؛ لأنها الليلة التي أنزل الله فيها القرآن، والقرآن نزل في شهر رمضان، فيتعين أن تكون ليلة القدر في رمضان لا في غيره من الشهور. ومن ذلك ليلة النصف من شعبان، فإنها ليست ليلة القدر، ولا يُقدَّر فيها شيء مما يكون في تلك السنة، بل هي كغيرها من الليالي.

النقطة السادسة: صنع الطعام يوم النصف.

فإن بعض الناس يصنع طعامًا في يوم النصف من شعبان يوزعه على الفقراء ويقول هذا عشاء الأم، هذا عشاء الأب أو هذا عشاء الوالدين، وهذا أيضًا بدعة؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم.

فهذه ست نقاط أحصيتها ولعل هناك أشياء أخرى لا أدري عنها ووجب عليَّ أن أبينها لكم.

وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن ينشرون السنَّة وينذرون عن البدعة، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يجعلنا وإياكم ممن يقتدون ويهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

الملفات المرفقة تعليمية ست نقاط مهمة في شهر شعبان – ابن عثيمين.mp3‏ (1.26 ميجابايت)

تعليمية تعليمية




بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله فيك على هذا الإنتقاء وهذا التوضيح

لأن الكثير يجهل هذه الأمور ، فيجتهد في البدعة

ويتجاهل السنة ….جزاك الله على هذا التذكير




التصنيفات
الفقه واصوله

الأدلة لوقف النزاع في المساجد بسبب القبلة

تعليمية تعليمية

الأدلة لوقف النزاع في المساجد بسبب القبلة

الأدلة
لوقف النزاع في المساجد بسبب القبلة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا ، ومن سيئات أعمالنامن يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
)ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمو ن( آل عمران: (102) .
)ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيـرا و نساء واتقوا الله الذي تّسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (النساء : (1 ) .
)يا أيـها الــذين آمنوا اتـقـوا الله وقـولوا قـولا سـديـدا يـصلح لكم أعمالكم ويـغفر لكم ذنـوبكم و من يطـع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما( الأحزاب :(50/51).
أما بعـد:
فان أصدق الحديث كلام الله وخيرالهدي هدي محمد e ،وشر الأمورمحدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
استقبال القبلة :
قبلة المسلمين هي الكعبة المشرفة ، التي هي عنوان توحيدهم ووحدتهم ومتجه أنظارهم ، وملتقى قلوبهم وأراوحهم .

وقد جعل الله هذه الكعبة قياما للناس في أحوال دينهم ودنياهم ، وأمنا لهم عند الشدائد ، يجدون في ظلها الطمأنينة والأمن والإيمان ، وبقاؤها تُحج وتزار هو علامة بقاء الدين وقيامه وبقاء الأمة على خير ، وهدمها هدم للدين ، وذهاب للأمة ،ولا شك أن للقبلة في نفوس المسلمين مكانة عظيمة ، إذ يتجهون إليها في صلواتهم المفروضة والنافلة وأنساكهم كذلك،ولا يختلفون في هذا بل أجمعوا عليه قال الشيخ العلامة الألباني في كتابه الفريد صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم [ص55] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقبل القبلة في الفرض والنفل .. قال عقبه : وهذا لاشك أنه مقطوع فيه لتواتر الأدلة على ذلك .
ونقل غير واحد من العلماء الإجماع على ذلك ، انظر الشرح الممتع للشيخ العتيمين [ج1/ 501] وتسير العلام شرح عندة الأحكام لشيخنا عبد بن عبد الرحمن البسام .
لكن استقبال القبلة وإصابة عينها لمن كان بعيدا عنها من أهل البلدان الإسلامية أصبح مشكلا كبيرا في كثير من المساجد عندنا في الجزائر وفي كثير من بلاد الإسلام حيث انقسموا إلى طوائف ، بعضهم يقول نصلي هكذا وهذه هي جهة عين القبلة ، وبعضهم ينكر ذلك ، ويقول : بل القبلة من هاهنا ونكتفي بالتوجه إلى جهتها… وبقي النزاع قائما وهجر الكثير منهم المسجد بسبب أن المسجد بني منحرفا في نظرهم عن عينها، والبعض الآخر أراد أن يجمع بين الفريقين ، فسنوا شيئا آخر وهو أن يستقبل الإمام القبلة ، والبقية ممن يصلي وراءه يصلون إلى الاتجاه الذي وضع فيه المسجد
وزاد البعض الآخر خطا في الأرض للمأمومين وحرفوه قليلا إلى اتجاه القبلة التي تنازعوا فيها،بعد رصدهم القبلة بهذه الآلات الاصطناعية بما يسمى البوصلة ، هذا النزاع الشديد الذي وصل إلى حد التقاتل في كثير من المساجد بين المصلين عموما ، بعضهم مع بعض وبين السلفيين وبعض عوام الناس أو بعض الحزيبيين خصوصا ، سببه ضيق عطن بعضهم ،وعدم الرجوع إلى العلماء ،وإذا حدث وأن رجع بعضهم إلى طائفة من العلماء فالبقية الأخرى لم يرضوا بفتاوى أولئك العلماء المرجوع إليهم، ولا حول ولاقوة إلا بالله ، وهذا هو عين التعصب الذي ينبغي تركه ، وإلا فالسني يكفيه دليل واحد من أي كان ممن جاء به فكيف بالعلماء الذين أمرنا بطاعتهم في قوله تعالى :{{ …وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمرمنكم }}فأولوا الأمر منا هم العلماء والأمراء ، وعدم الرجوع إليهم ، أو عدم قبول قولهم هو عين الضلال واستكبار ، لهذا كله أردت أن أشارك في هذه المسألة بهذا البحث المتواضع الذي ليس لي فيه إلا الجمع والنقل إلا ما تطلب إلى زيادة بسط او توضيح ، لعله يكون سببا في القضاء على كثير من النزاع القائم أو يقلله إلى حد الخلاف المستساغ الذي لا يفسد للود قضية ، ويجمع الشمل ، ونتجاوز بذلك هذه المحنة والبلاء الذي تسبب فيه التعصب ، والجهل ،والتجرأ ، والاندافع بالتعالم في كثير من الأحيان والأحوال.والله أسأل يوفقنا وإخواننا جميعا لمرضاته والوقوف عند حدوده .

استقبال الكعبة:
لاشك أن استقيل القبلة وهي- الكعبة – شرط من شروط الصلاة ،وليس في هذا خلاف بين أهل الإسلام ، كما ذكرت آنفا فيجب على المصلي أن يتوجه بوجهه وبدنه نحو الكعبة ، ثبت ذلك بالكتاب والسنة . فلا خلاف بين العلماء في استقبال القبلة ،ولكن الخلاف في كونها شرط صحة أو شرط وجوب ، والذي رجحه كثير من المحققين كصديق حسن خان في الروضة ، والشوكاني في نيل الأوطار ، والصنعاني ، والشيخ الألباني رحمهم الله أنها أنه شرط وجوب وليست شرط صحة . وهذا ليس موضوع بحثنا ، لذلك نتجاوزه إلى الأدلة على استقبال القبلة وكيف كانت ثم نأتي إلى بيت القصيد وهو هل استقبال القبلة لمن كان بعيدا عنها فرض عليه استقبال جهتها أم عينها ؟وهي المسألة التي طال فيها النزاع كما أشرت ، وهنا سأنقل بعض الأدلة على استقبال القبلة وأنها إلى بيت الله الحرام – الكعبة – بعد أن كانت إلى بيت المقدس ثم أتطرق إلى المسألة التي من أجلها كان هذا المسطور ، وهي إصابة عين الكعبة أم جهتها لمن كان بعيدا عنها .
أما الكتاب فقوله تعالى :{{ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }}فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجه أن تكون قبلته قبل البيت [ أي الكعبة ]…[ح4486]واللفظ له .
وقوله تعالى :{{ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره }} [ البقرة :144]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود ،فأمره أن يستقبل بيت المقدس ،ففرحت يهود فاستقبلها رسول الله بضعة عشر شهرا ، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء فأنزل الله :{{ قد نرى تقلب وجهك …}}.
إلى قوله :{{ فولوا وجوهكم شطره }}فارتابت من ذلك اليهود وقالوا : {{ ما ولاهم عن قبلتم التي كانوا عليها }}فأنزل الله :{{ قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }}وقال سبحانه : {{ فأينما تولوا فثم وجه الله }}البقرة :115].
قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب [ج1/836]: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ، وبعدما هاجر إلى المدينة صلى ستة عشر شهرا ، ثم انصرف إلى الكعبة .
الحديث من روية ابن عباس رضي الله عنهما ، أخرجه الإمام أحمد [ج1/325]ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس به.وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين وسكت عليه الحافظ في الفتح [1/399]وقال الهيثمي في المجمع [ج2/12]رواه أحمد والطبراني في الكبير ، والبزار ورجاله رجال الصحيح ، وقد أخرجه البيهقي [ج2/3] من هذا الوجه.
وأما السنة وهي كثيرة مستفيضة فأقتصر على بعض منها : ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد انزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة . فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .البخاري [ح 403 – 4488 -4491 ] ومسلم [ج2/ 5 / 10].
وفي البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : [ح391-392- 393].
وفيه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :.قلت : وذكره البغوي في شرح السنة [ج2/330] وقال عقبه : وهو قول مالك رحمه الله .
الثانية : قوله :{{ شطر المسجد الحرام }} الشطر له محامل ، يكون الناحية والجهة ،كما في هذه الآية وهو ظرف مكان كما تقول : تلقاءه وجهته . وقال داود بن هند إن في حرف ابن مسعود > قال الشاعر :

أقول لأم زنباع أقيمي *** صدور العيس شطر بني تميم

الثالثة : لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق ، وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها ، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له ، أي صلاته باطلة ، وأجمعوا على أن كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها…
الرابعة : واختلفوا هل فرض الغائب استقبال العين أو الجهة ، فمنهم من قال بالأول .يعني فرض استقبال عينها .
قال ابن العربي رحمه الله في كتابه الأحكام عند هذه الآية : وهذا القول ضعيف لأنه تكليف بما لا يصل إليه ، لأنه غير ظاهر بل غائب .
قلت : وتضعيف ابن العربي لهذا القول صحيح موافق لمقاصد الشرع ، منها قوله تعالى : {{ لايكلف الله نفسا إلا وسعها }}، ومنها قوله تعالى :{{ ما جعل عليكم في الدين من حرج }}.
ومنها فعله صلى الله عليه وسلم حيث < وفي رواية من غير خوف ولا مطر> فقيل لابن عباس لماذا فعل ذلك ؟ قال لرفع الحرج عن أمته . رواه مسلم .
قال القرطبي رحمه الله : ومنهم من قال : يستقبل الجهة يعني جهة المسجد الحرام وهو الصحيح لثلاثة أوجه :
الوجه الأول: أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف .
قلت : إذ لاتكليف إلا بقدرة ، وهذا لايقدر على استقبال عين الكعبة ، أما الإعتماد على الآلات المحدثة مما يسمى البوصلة فلا يجوز الاعتماد عليها لما فيه من التضييق والمشقة على المسلمين إذ لايمكنهم جميعا امتلاكها ولا معرفة العمل بها … ويمكن أن تكون غير دقيقة ، وأنها من صنع الكفار وعدالتهم ساقطة ، فإذا كان الأصل في الراوي المسلم الجهالة حتى تثبت عدالته فكيف بكافر لايدرى عينه يخترع أمرا يقاس عليه أمرا معلوما من الدين بالضرورة ، هذا لايجوز ولا يصح الأخذ به ، وقد نقل الباجي في المنتقى شرح الموطأ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى وصجيق حسن خان في الروضة الإجماع على عدم جواز الاعتماد في العبادات على الحساب الفلكي والآلات الفلكية ، ونقلت عنهم ذلك في رسالتي كشف الإلتباس عن وقت صلاة الصبح للناس.
الوجه الثاني : أنه المأمور به في القرآن الكريم لقوله تعالى :{{ فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم }} يعني من الأرض من شرق أو غرب ، فولوا وجوهكم شطره .
الوجه الثالث : أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت أحكام القرآن للقرطبي [ج2/ 159 – 160].
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد[موسوعة شروح الموطأ[ج6/521-524]:وكذلك يشهد النظر لقول من قال في المنحرف عن القبلة يمينا أو شمالا ، ولم يكن انحرافه ذلك فاحشا فيشرّق أو يغرّب أنه لاشيء عليه ، لأن السعة في القبلة لأهل الآفاق مبسوطة مسنونة ، وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه رضي الله عنهم :> وسيأتي تخريج هذا الأثر- إن شاء الله – ثم ذكر ابن عبد البر رحمه الله طرق هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى من صح من الصحابة نسبته إليهم ، فقال حدثنا سعيد بن نصر وبسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :> أخرجه ابن أبي شيبة [2/362]والترمذي [344] من طريق معلى بن منصور به ،وأخرجه الطبراني في الأوسط [790]من طريق عبد الله بن جعفر به .
وبسنده إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال : قال عمر رضي الله عنه :>أخرجه عبد الرزاق [3633 -3634]وابن أبي شيبة لأج2/361-362]والبيهقي [ج2/9]من طريق عبيد الله بن عمر وينظر علل الدارقطني [2/31-33].
وبسندة إلى محمد بن فضاء عن أبيه عن جده قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول :.
وبسنده إلى أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال: > أخرجه ابن أبي شيبة [2/362]من طريق اسرائيل به بزيادة عامر الشعبي بين عبد الأعلى وبين أبي عبد الرحمن .
وبسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وعبد العلى عن محمد بن الحنفية قالا :> أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إسرائيل به مقتصرا على قول ابن عباس .
وقال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله – يعني أحمد بم حنبل – يقول: هذا في كل البلدان . قال وتفسيره أن هذا المشرق – وأشار بيساره – وهذا المغرب – وأشار بيمينه .قال: وهذه القبلة فيما بينهما ، وأشار تلقاء وجهه ، قال : وهكذا في كل البلدان إلا مكة عند البيت .ألا ترى أنه إذا استقبل الركن وزال عنه شيئا –وإن قل –فقد ترك القبلة ؟ قال: وليس كذلك قبلة البلدان .
قيل لأبي عبد الله :فإن صلى رجل فيما بين المشرق والمغرب ، ترى صلاته جائزة ؟ قال نعم صلاته جائزة إلا أنه ينبغي له أن يتحرى الوسط .وقيل لأبي عبد الله .قبلة أهل بغداد على الجدي ؟- وهو نجم في السماء –
فجعل ينكر الجدي ويقول ليس على الجدي ،ولكن على حديث عمر :>.
وقال ابن عبد البر رحمه الله :أخبرني عبد الرحمن بن يحي ويحي بن عبد الرحمن قالا : حدثنا
أحمد ابن سعيد قال:قال لنا أحمدبن خالد في قول عمر بن الخطاب :> في هذا سعة للناس أجمعين . قيل له أنتم تقولون : إنه في أهل المدينة . قال : نحن وهم سواء ، والسعة في القبلة للناس كلهم .
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار [موسوعة شروح الموطأ [ج6/527]:أما حديث مالك في هذا الباب عن نافع أن عمر بن الخطاب ، قال : > إذا توجه قبل البيت ، فقد وصله عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : عمر …به وتقدم تخريجه .
قال : وكذلك قال عثمان بن عفان ،وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ،ومحمد بن الحنفية [رضي الله عنهم] وقد ذكرنا أسانيد عنهم في التمهيد . ونقل هذه الأقوال عنهم البغوي رحمه الله في كتابه شرح السنة [ج2/ 328].
وقال: وأما تفسير قول أحمد بن حنبل : هذا في كل البلدان يريد أن البلدان كلها لأهلها من السعة في قبلتهم مثل ما لمن كانت قبلته بالمدينة الجنوب ،التي تقع لهم فيها الكعبة فيستقبلون جهتها ويتسعون يمينا وشمالا فيها ما بين المغرب والمشرق ، يجعلون المغرب عن أيمانهم والمشرق عن يسارهم وكذلك يكون لأهل اليمن من السعة في قبلتهم مثل ما لأهل المدينة ما بين المشرق والمغرب ، إذا توجهوا أيضا قبل البيت ، إلا انهم يجعلون المشرق عن أيمانهم ، والمغرب عن يسارهم ، وكذلك أهل العراق وخرسان لهم السعة في استقبال القبلة بين الجنوب والشمال مثل ما كان لأهل المدينة من السعة بين المشرق والمغرب ، وكذا أهل العراق على ضد ذلك .
وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام ، وهي لأهل مكة أوسع قليلا ، ثم لأهل الحرم أوسع قليلا ، ثم هي لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا .وهذا صحيح لا مدفع له ، ولا خلاف بين أهل العلم فيه .
قلت : يؤيده ما أورده القرطبي بقوله قد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >.فإن صح هذا فهو نص في موضع الخلاف ، فلا نحتاج إلى قول أحد بعده .
قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في كتابه الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب [ج2 /847 – 851] : وأما من كان غير مشاهد لها ولم يعرف موضعها فيكفيه أن يستقبل الجهة التي هي فيها لقوله تعالى :{{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }} وقوله عليه الصلاة والسلام : >. الحديث من رواية أبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
أما الأول :فأخرجه الترمذي [2/171] وابن ماجة [1/317]من طريق أبي معشر نجيح عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه مرفوعا به . وأبو معشر ضعيف ، قال الترمذي : وقد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه .
قلت: أي الشيخ الألباني :لكنه يتقوى بمتابعة غيره له بإسناد آخر ، فقال الترمذي [ج2/173] ثنا الحسن بن أبي بكر المروزي ثنا المعلى بن منصور ثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن
محمد الأخنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا به . وقال :حديث حسن صحيح ، قال البخاري :هو أقوى من حديث أبي معشر وأصح .
قلت : أي- الشيخ الألباني :ورجاله ثقات غير شيخ الترمذي : الحسن بن أبي بكر ، كذا هو في السنن ، حتى في النسخة التي صححها أحمد شاكر القاضي ، وهو خطأ والصواب الحسن بن بكر بحذف لفظة [ أبي ] كذلك هو في كتب الرجال ، ك [ التهذيب ]و[ التقريب ]و[ الخلاصة].
وهو الحسن بن بكر بن عبد الرحمن المروزي أبو علي نزيل مكة ، وقال مسلمة : [ مجهول ] كما في[ التقريب ].وذكر فيه جمعا من الثقات رووا عنه ، وكأنه لذلك قال في [ التقريب ]:[ إنه صدوق ].والله اعلم .
وبالجملة ، فالحديث بهذين الطريقين حسن ، وهو صحيح بشاهديه ، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهم . وله طريقان أيضا :
الأول : عن يزيد بن هارون : اخبرنا محمد بن عبد الرحمن المجبر عن نافع عنه مرفوعا به .أخرجه الدارقطني [101] والحكام [1/ 206] وعنه البيهقي [ 2/9] وقال الحاكم : [ صحيح ، وإبن مجبر ثقة ]. ووافقه الذهبي .
وهو عجيب منه ، فإنه قد أورد في[ الميزان ] ابن مجبر هذا ، ونقل أقوال الأثمة في تضعيفه ، ولم يحك ولا قولا واحدا في توثيقه ، وأقره الحافظ في [ اللسان ] ، وذلك يدل على انه ضعيف اتفاقا وان توثيق الحاكم له مما لايعتد به .
لكن قد تابعه عبيد الله بن عمر عن نافع به .أخرجه الدارقطني ، وعنه الضياء المقدسي في [ المختارة ] ، والحاكم [1/ 205] وعنه البيهقي من طريق أبي يوسف يعقوب بن يوسف الواسطي : ثنا شعيب بن أيوب : ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر به .
وقال الحاكم : [ صحيح على شرط الشيخين ، فإن شعيب بن أيوب ثقة وقد أسنده ]. ووافقه الذهبي أيضا .
قلت : أي الشيخ الألباني : ولكن شعيبا لم يخرج له أحد الشيخين ، وإنما هو من رجال أبي داود فقد ، وهو صدوق يدلس كما في [ التقريب ] وقد صرح بالتحديث كما ترى ، فالإسناد صحيح إن كان الراوي عنه يعقوب بن يوسف الواسطي ثقة ، فإني لم أجد له ذكرا في كتب الرجال التي عندي.وقد قال البيهقي بعد أن ساقه من طريقين :[ تفرد بالأول ابن مجبر ، وتفرد بالثاني يعقوب بن يوسف الخلال ، والمشهور رواية الجماعة حماد بن سلمة ، وزائدة بن قدامة ، ويحي بن سعيد القطان ، وغيرهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر من قوله .قال: وروي عن أبي هريرة مرفوعا ، وروى يحي بن أبي كثير عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
قلت : فهذا شاهد آخر مرسل . ثم قال البيهقي :[ والمراد به – والله أعلم – أهل المدينة ومن كان قبلته على سمت من أهل المدينة فيما بين المشرق والمغرب ، وذلك ينطبق على من كان في الشمال والجنوب ، وأما من كان في الشرق والغرب فقبلته ما بين الشمال والجنوب .
وقال الصنعاني :في سبل السلام :والحديث دليل على أن الواجب استقبل الجهة لا العين في حق من تعذر عليه العين ، وقد ذهب إليه جماعة من العلماء لهذا الحديث .
قلت :أي الألباني وعليه علماؤنا الحنفية ، قال في المجموع :[3/ 208- 209]: وحكاه الترمذي عن عمر بن الخطاب ، وعن علي ابن أبي طالب وابن عباس ، وابن عمر ، وابن المبارك .
وقد نقل القرطبي في تفسيره : [2/160] إجماع العلماء على ذلك ،وفيه نظر ، فقد ذكر النووي أن الصحيح عند الشافعية أن الواجب إصابة عين الكعبة .
قال : وبه قال بعض المالكية ، ورواية عن أحمد .
قلت :أي الألباني : وهذا مخالف للمنقول عن الصحابة ولهذا الحديث . ثم قال الصنعاني : ووجه الاستدلال به على ذلك أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن كان في حكمه ،لأن المعاين لاتنحصر قبلته بين الجهتين المشرق والمغرب، بل كل الجهات في حقه سواء، متى قابل العين أو شطرها.
وقال العلامة أبو الطيب صديق حسن في الروضة الندية [ص 83-84] ما نصه : أقول : استقبال القبلة هو من ضروريات الدين ، فمن أمكنه استقبل القبلة تحقيقا فذلك الواجب عليه ، مثل القاطن حولها ، المشاهد لها من دون قطع مسافة ولا تجشّم مشقة ، ومن لم يكن كذلك ففرضه استقبال الجهة ، وليس المراد من تلك الجهة على الخصوص ، بل المراد ما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم من كون بين المشرق والمغرب قبلة ، فمن كان في جهة اليمن وعرف جهة المشرق وجهة المغرب توجه بين الجهتين ، فإن تلك الجهة هي القبلة ، وكذلك من كان بجهة الشام يتوجه بين الجهتين من دون إتعاب للنفس في تقدير الجهات .
وبوب البغوي رحمه الله في كتابه العظيم شرح السنة [ج2/327] : باب قبلة من غاب عن مكة :
ثم استدل بقوله تعالى : {{ وحيث ما كنتم فولوا وجوهم شطره }}[ البقرة : 144] وبسنده إلى أبي هريرة من طريق الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:> مضى تخريجه قريبا.
قلت : وهذا يؤيده قوله تعالى :{{ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله }}فقوله : فثم وجه الله : حكى المزني عن الشافعي رحمه الله أنه قال في هذه الآية : فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه .وقال مجاهد : فثم وجه الله : أي قبلة الله .شرح السنة للبغوي [ج2/327].
قال ابن الثيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة [ج2/30 -32] تحت عنوان الحِكم البالغة في القبلة وتحويلها : ثم أن له المشرق والمغرب ، وأنه سبحانه لعظمته وإحاطته حيث استقبل المصلي فثم وجهه تعالى فلا يظن الظان أنه إذا استقبل البيت الحرام خرج عن كونه مستقبلا ربه وقبلته ، فإن الله واسع عليم .ثم ذكر حكما دقيقة رائعة ، انفرد بها عن غيره من أهل العلم ،رحمه الله تعالى ، فيما اطلعت عليه ، فهو مبحث ماتع ، فأنظره غير مأمور ،إن أردت أن تعلم الحِكم في تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام وتستفيد منها .موسوعة الأعمال الكاملة لابن القيم ، جامع الفقه ، ليسرى السيد [ج2/189 -191].
قال البغوي : والتوجه إلى عين الكعبة واجب لمن كان بمكة ، أما من غاب عنها فإن كان في بلد أو قرية اتفق أهلها المسلمون على جهة ليس له أن يجتهد في الجهة فيها بل عليه أن يتوجه إلى الجهة التي اتفقوا عليها .وليس له أن يجتهد في الانحراف يمنة أو يسرة .
قلت : فكيف إذا عيّنها ولي الأمر واجتهد أهل الحل والعقد في إقرارها ومضى على ذلك أجيال وأجيال ، ثم يأتي من يشكك للمسلمين في قبلتهم الواسعة ، هذا خروج على الإمام وعلى هذه الأجيال كلها ، وهو عين الفتنة فاحذروها .
وجاء في زاد المستقنع قوله : وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها ، ومن بعُد جهتها :قال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع [ج1/ 507] وقوله : من بعُد جهتها ، أي من بعد عن الكعبة بحيث لايمكنه المشاهدة ،فعليه إصابة الجهة ، والجهة حددها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : .متفق عليه لما قال شرقوا أو غربوا يريد بذلك عكس القبلة ، وعلى هذا يكون ما بين المشرق والمغرب لأهل المدينة ومن كان في جهتم كله قبلة ، فالجنوب كله قبلة لهم ، ليس قبلتهم ما ساوى الكعبة فقط وبهذا نعرف أن الأمر واسع لأهل البلدان الذين غابوا عن الكعبة ولايمكنهم معاينتها ولو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسافة القبلة فإن ذلك لايضر لأنه لم يزل متجها إلى جهة القبلة ، مالم يتعمد ترك جهة القبلة .
وجهة القبلة لمن كان شمالا عن الكعبة ما بين المشرق والمغرب ، ولمن كان شرقا عن الكعبة ، ما بين الشمال والجنوب ، ولمن كان غربا عنها ، ما بين الشمال والجنوب ، ولمن كانوا جنوبا عن الكعبة ما بين المشرق والمغرب فالجهات أربع وهذا مقتضى الحديث .
قلت: فأين الذين يتكلفون ما ليس في وسعهم مما لم يكفهم الله به ، في أمر جعل لهم فيه سعة ، ورفع عنهم فيه الحرج ،وهذه أدلة العلماء وأقوالهم تكاد تكون متطابقة متآلفة غير مختلفة ، فليتقوا الله وليعود إلى الحق ،ولا يتعصبوا – لا نقول للباطل- وإنما للأمر المرجوح .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وادفع عنا التعصب المقيت ، وطهر قلوبنا من الحسد والبغضاء ، ولاتزغ قلوبنا بعد إذ هدينتا إنك سميع عليم مجيب .
وصلي اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد المبعوث بالرحمة والألفة ، وعلى أله الأطهار وصحبه الأخيار وعلى من تبعهم بإحسان من عبادك الأبرار وعنا معهم بعفوك وكرمك يا عزيز يا غفار وسلم تسليما كثيرا إلى دار القرار .

وكتبه:
محب العلم والإنصاف *** على طريقة صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي
الدويرة الجزائر العاصمة [25/1/ 1443هـ
الموافق ل:11/ 1/ 2022م

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




بارك الله فيك




بارك الله فيكم وسدد خطاكم

ننتظر المزيد من مثل هذه المواضيع المفيدة

شكرا لك

المعلمة هناء




التصنيفات
الفقه واصوله

حكم المسابقات عموما والمسابقات التحفيزية خصوصا

تعليمية تعليمية

حكم المسابقات عموما والمسابقات التحفيزية خصوصا -موضوع غير مكتمل-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
كثرت بين الناس أنواع كثيرة من المسابقات باختلاف أغراضها فتنوعت موضوعاتها وطرقها، فمن مسابقات في الجرائد والمجلات إلى مسابقات في المدارس إلى مسابقات في الملاعب،، بل ومسابقات في الجو والبحر…

ولذلك سوف نحاول أن نتطرق إلى حكمها وذلك بالتركيز على أهم التقسيمان الوادرة في ذلك

التقسيمات الممكنة:
التقسيم الأول: يمكن تقسيم المسابقات من حيث موضوع المسابقة:
القسم الأول: موضوع المسابقة يكون شرعيا، وربما نوسّع الدائرة قليلا فنقول: موضوع المسابقة يكون نافعا للأمة الإسلامية..
أمثلة: ….
القسم الثاني: موضوع المسابقة يكون ثقافة عامة وممكن نقول موضوعها في المباحات.
أمثلة:….
القسم الثالث: موضوع المسابقة يكون ضارا أو غير نافع
أمثلة: السؤال عن أسماء المغنين، وآخر أغنية للمغني الفلاني، وما أشبه ذلك من المعلومات التي تضرّ ولا تنفع.

التقسيم الثاني: يمكن تقسيم المسابقات من حيث وضع الجوائز لها، ومن خلالها ننظر فيما يجوز منها وما لا يجوز، والمختلف فيها ونظر العلماء المعاصرين في ذلك:

القسم الأول: يجوز فيه إقامة المسابقات بجائزة وبدون جائزة

القسم الثاني: يجوز فيه إقامة المسابقات دون وضع جوائز لذلك، ولا يجوز المسابقة بوضع الجوائز.

القسم الثالث: لا يجوز إقامة المسابقات فيه أصلا سواء بجائزة أو دون جائزة.

ملاحظة: نحن لم نتطرق لحد الآن إلى حكم هذه الأقسام في الشرع،

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




جزاك الله خيــرا على هذا الإ نجــــاز المتميز , وشكرا جزيلا لك.




التصنيفات
الفقه واصوله

الأصول من علم الأصول


الأصول من علم الأصول

تأليف: محمد بن صالح العثيمين

مقدمة الـمؤلف

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات

أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك

له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى

يوم الدين وسلم تسليماً.

أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في أصول الفقه كتبناها على وفق المنهج المقرر للسنة الثالثة

لثانوية في المعاهد العلمية، وسميناها:"الأصول من علم الأصول"

أسأل اللهَ أن يجعل عملنا خالصاً لله نافعاً لعباد الله، إنه قريب مجيب.

أصُول الفِقْه

تعريفه:

أصول الفقه يعرّف باعتبارين:

الأول: باعتبار مفردَيهِ؛ أي: باعتبار كلمة أصول، وكلمة فقه.

فالأصول: جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل

الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً

كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [ابراهيم:24] .

والفقه لغة: الفهم، ومنه قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طـه:27]

واصطلاحاً: معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية.

فالمراد بقولنا: "معرفة" ؛ العلم والظن؛ لأن إدراك الأحكام الفقهية قد يكون يقينيًّا، وقد يكون

ظنيًّا، كما في كثير من مسائل الفقه.

والمراد بقولنا: "الأحكام الشرعية" ؛ الأحكام المتلقاة من الشرع؛ كالوجوب والتحريم،

فخرج به الأحكام العقلية؛ كمعرفة أن الكل أكبر من الجزء والأحكام العادية؛ كمعرفة نزول الطل

في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحواً.

والمراد بقولنا: "العملية" ؛ ما لا يتعلق بالاعتقاد؛ كالصلاة والزكاة، فخرج به ما يتعلق بالاعتقاد؛

كتوحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته، فلا يسمّى ذلك فقهاً في الاصطلاح.

والمراد بقولنا: "بأدلتها التفصيلية" ؛ أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية؛ فخرج به أصول

الفقه؛ لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية.

الثاني: باعتبار كونه؛ لقباً لهذا الفن المعين، فيعرف بأنه: علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية

الاستفادة منها وحال المستفيد.

فالمراد بقولنا: "الإجمالية" ؛ القواعد العامة مثل قولهم: الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصحة ت

قتضي النفوذ، فخرج به الأدلة التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة.

والمراد بقولنا: "وكيفية الاستفادة منها" ؛ معرفة كيف يستفيد الأحكام من أدلتها بدراسة أحكام

الألفاظ ودلالاتها من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وناسخ ومنسوخ وغير ذلك، فإنَّه بإدراكه يستفيد

من أدلة الفقه أحكامها.

والمراد بقولنا: "وحال المستفيد" ؛ معرفة حال المستفيد وهو المجتهد، سمي مستفيداً؛ لأنه

يستفيد بنفسه الأحكام من أدلتها لبلوغه مرتبة الاجتهاد، فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد

وحكمه ونحو ذلك يبحث في أصول الفقه.

فائدة أصول الفقه:

إن أصول الفقه علم جليل القدر، بالغ الأهمية، غزير

الفائدة، فائدته: التَّمَكُّن من حصول قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها

على أسس سليمة.

وأول من جمعه و كانٍ مستقل، الإمام الشافعي محمد بن إدريس رحمه الله، ثم تابعه العلماء في ذلك،

فألفوا فيه التآليف المتنوعة، ما بين منثور، ومنظوم، ومختصر، ومبسوط حتى صار فنًّا مستقلًّا،

له كيانه، ومميزاته.

الأحكام

الأحكام: جمع حُكم وهو لغةً: القضاء.

واصطلاحاً: ما اقْتضاه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب، أو تخيير، أو وضع.

فالمراد بقولنا: "خطاب الشرع" ؛ الكتاب والسنة.

والمراد بقولنا: "المتعلق بأفعال المكلفين" ؛ ما تعلق بأعمالهم سواء كانت قولاً أم

فعلاً، إيجاداً أم تركاً.

فخرج به ما تعلق بالاعتقاد فلا يسمى حكماً بهذا الاصطلاح.

والمراد بقولنا: "المكلفين" ؛ ما من شأنهم التكليف فيشمل الصغير والمجنون.

والمراد بقولنا: "من طلب" ؛ الأمر والنهي سواء على سبيل الإلزام، أو الأفضلية.

والمراد بقولنا: "أو تخيير" ؛ المباح.

والمراد بقولنا: "أو وضع" ؛ الصحيح والفاسد ونحوهما مما وضعه الشارع من

علامات وأوصاف للنفوذ والإلغاء.

أقسام الأحكام الشرعية:

تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: تكليفية ووضعية.

فالتكليفية خمسة: الواجب والمندوب والمحرَّم والمكروه والمباح.

1 – فالواجب لغة: الساقط واللازم.

واصطلاحاً: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام؛ كالصلوات الخمس.

فخرج بقولنا: "ما أمر به الشارع" ؛ المحرم والمكروه والمباح.

وخرج بقولنا: "على وجه الإلزام" ؛ المندوب.

والواجب يثاب فاعله امتثالاً، ويستحق العقاب تاركُه.

ويُسمَّى: فرضاً وفريضة وحتماً ولازماً.

2 – والمندوب لغة: المدعوُّ.

واصطلاحاً: ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام؛ كالرواتب.

فخرج بقولنا: "ما أمر به الشارع" ؛ المحرم والمكروه والمباح.

وخرج بقولنا: "لا على وجه الإلزام" ؛ الواجب.

والمندوب يثاب فاعله امتثالاً، ولا يعاقب تاركه.

ويُسمَّى سنة ومسنوناً ومستحباً ونفلاً.

3 – والمحرم لغة: الممنوع.

واصطلاحاً: ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام بالترك؛ كعقوق الوالدين.

فخرج بقولنا: "ما نهى عنه الشارع" ؛ الواجب والمندوب والمباح.

وخرج بقولنا: "على وجه الإلزام بالترك" ؛ المكروه.

والمحرم يثاب تاركه امتثالاً، ويستحق العقاب فاعله.

ويسمى: محظوراً أو ممنوعاً.

4 – والمكروه لغة: المبغض.

واصطلاحاً: ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام بالترك؛ كالأخذ بالشمال والإعطاء بها.

فخرج بقولنا: "ما نهى عنه الشارع" ؛ الواجب والمندوب والمباح.

وخرج بقولنا: "لا على وجه الإلزام بالترك" ؛ المحرم.

والمكروه: يثاب تاركه امتثالاً، ولا يعاقب فاعله.

5 – والمباح لغة: المعلن والمأذون فيه.

واصطلاحاً: ما لا يتعلق به أمر، ولا نهي لذاته؛ كالأكل في رمضان ليلاً.

فخرج بقولنا: "ما لا يتعلق به أمر" ؛ الواجب والمندوب.

وخرج بقولنا: "ولا نهي" ؛ المحرم والمكروه.

وخرج بقولنا: "لذاته" ؛ ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به، أو نهي لكونه وسيلة لمنهي

عنه، فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور، أو منهي، ولا يخرجه ذلك عن كونه مباحاً في الأصل.

والمباح ما دام على وصف الإباحة، فإنه لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب.

ويسمى: حلالاً وجائزاً.

الأحكام الوضعية:

الأحكام الوضعية: ما وضعه الشارع من أمارات، لثبوت أو انتفاء، أو نفوذ، أو إلغاء.

ومنها: الصحة والفساد.

1 – فالصحيح لغة: السليم من المرض.

واصطلاحاً: ما ترتبت آثار فعله عليه عبادةً كان أم عقداً.

فالصحيح من العبادات: ما برئت به الذمة، وسقط به الطلب.

والصحيح من العقود: ما ترتبت آثاره على وجوده؛ كترتب الملك على عقد البيع مثلاً.

ولا يكون الشيء صحيحاً إلا بتمام شروطه وانتفاء موانعه.

مثال ذلك في العبادات: أن يأتي بالصلاة في وقتها تامة شروطها وأركانها وواجباتها.

ومثال ذلك في العقود: أن يعقد بيعاً تامة شروطه المعروفة مع انتفاء موانعه.

فإن فُقِد شرطٌ من الشروط، أو وُجِد مانع من الموانع امتنعت الصحة.

مثال فَقْد الشرط في العبادة: أن يصلي بلا طهارة.

ومثال فقد الشرط في العقد: أن يبيع ما لا يملك.

ومثال وجود المانع في العبادة: أن يتطوع بنفل مطلق في وقت النهي.

ومثال وجود المانع في العقد: أن يبيع من تلزمه الجمعة شيئاً، بعد ندائها الثاني على وجه لا يباح.

2 – والفاسد لغة: الذاهب ضياعاً وخسراً.

واصطلاحاً: ما لا تترتب آثار فعله عليه عبادةً كان أم عقداً.

فالفاسد من العبادات: ما لا تبرأ به الذمة، ولا يسقط به الطلب؛ كالصلاة قبل وقتها.

والفاسد من العقود: ما لا تترتب آثاره عليه؛ كبيع المجهول.

وكل فاسد من العبادات والعقود والشروط فإنه محرّم؛ لأن ذلك مِنْ تعدِّي حدود الله، واتخاذِ آياته

هزؤاً، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنكر على من اشترطوا شروطاً ليست في كتاب الله ."1"

والفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في موضعين:

الأول: في الإحرام؛ فرّقوا بينهما بأن الفاسد ما وطئ فيه المُحرمِ قبل التحلل الأول، والباطل

ما ارتد فيه عن الإسلام.

الثاني: في النكاح؛ فرقوا بينهما بأن الفاسد ما اختلف العلماء في فساده كالنكاح بلا ولي،

والباطل ما أجمعوا على بطلانه كنكاح المعتدة.

العِلم

تعريفه:

العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً؛ كإدراك أن الكل أكبر من الجزء، وأن النية

شرط في العبادة.

فخرج بقولنا: "إدراك الشيء" ؛ عدم الإدراك بالكلية ويسمّى "الجهل البسيط"

، مثل أن يُسأل: متى كانت غزوة بدر؟ فيقول: لا أدري.

وخرج بقولنا: "على ما هو عليه" ؛ إدراكه على وجه يخالف ما هو عليه، ويسمّى "الجهل المركب" ،

مثل أن يُسأل: متى كانت غزوة بدر؟ فيقول: في السنة الثالثة من الهجرة.

وخرج بقولنا: "إدراكاً جازماً" ؛ إدراك الشيء إدراكاً غير جازم، بحيث يحتمل عنده أن يكون على

غير الوجه الذي أدركه، فلا يسمى ذلك علماً. ثم إن ترجح عنده أحد الاحتمالين فالراجح ظن

والمرجوح وَهم، وإن تساوى الأمران فهو شك.

وبهذا تبيّن أن تعلق الإدراك بالأشياء كالآتي:

1 – علم؛ وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.

2 – جهل بسيط؛ وهو عدم الإدراك بالكلية.

3 – جهل مركب؛ وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه.

4 – ظن، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح.

5 – وهم، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ راجح.

6 – شك، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ مساو.

أقسام العلم:

ينقسم العلم إلى قسمين: ضروري ونظري.

1 – فالضروري: ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًّا، بحيث يضطر إليه من غير نظر

ولا استدلال؛ كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء، وأن النار حارة، وأن محمداً رسول الله.

2 – والنظري: ما يحتاج إلى نظر واستدلال؛ كالعلم بوجوب النية في الصلاة.

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "2155" كتاب البيوع، 65- باب إن شاء رد المصراة.
ومسلم "1504" كتاب العتق، 2- باب إنما الولاء لمن أعتق.




بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مشكور على الموضوع ودمت للمنتدى مفيدا ومستفيدا




جزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم




بارك الله فيك وجعل ما تقدمون في ميزان حسناتك

لا تبخلوا علينا بمثل هذه المشاركات

اختكم المعلمة هناء




جزاك الله خيرا و جعله في ميزان حسناتك




تعليمية




التصنيفات
الفقه واصوله

لا يقول الامام "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد " عشر مرات

تعليمية تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد:
فقد سُئل الشيخ بن عثيمين رحمه الله:

هل على الامام بعد صلاة الصبح والمغرب أن يقول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير" عشر مرات قبل أن يلتفت إلى ناحية المصلين؟

فأجاب رحمه الله:

ليس على الامام أن يقول ذلك قبل أن يلتفت إلى المصلين بل وليس من السنة له ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس بعد سلامه مستقبل القبلة إلا بمقدار ما يقول "أستغفر الله ثلاثاً اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ثم ينصرف ولا ينبغي للإمام أن يطيل أكثر من ذلك لأن إنصراف المأمومين مقيد به حيث جاء في الحديث "لا تسبقوني بالإنصراف" ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله يكره للإمام أن يطيل الجلوس مستقبل القبلة بعد سلامه وعلى هذا فالسنة أن يقول الإمام أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف حتى يعطي المأمومين مهلة فينتصرفوا.

(منقول من نور على الدرب – شريط 300 -وجه ب د.15)

تعليمية تعليمية




أحسن الله إليكم و جزاكم كل خير على ما تنقلون




السلام عليكم و رحمة الله و بركآته
بارك الله فيك و نفـ ع بك




التصنيفات
الفقه واصوله

فائدة جليلة :: للعلامة ابن القيم -رحمه ال

تعليمية تعليمية

قال شيخ الإسلام الثاني ابن القيم – رحمه الله-في كتابه ((الفوائد))

فائدة جليلة

قال سهل بن عبد الله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي، لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.

قلت هي مسألة عظيمة لها شأن وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وذلك من وجوه عديدة:
الوجه الأول:ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس.
الوجه الثاني:أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة، و لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنى وسرق.
الوجه الثالث:أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي، كما دل على ذلك النصوص كقوله r: (( أَحَبُّ الأَعْمَال إلى الله الصلاة على وقتها))وقوله: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله)) وقوله: ((واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة))وغير ذلك من النصوص.

وترك المناهي عمل؛ فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علّق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " سورة الصف الآية:4 ، " و الله يحب الحسنين " آل عمران: 134 ، و قوله: " و أقسطوا إن الله يحب المقسطين " الحجرات:9 " و الله يحب الصابرين " آل عمران:146.

.
وأما في جانب المناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله: " و الله لا يحب الفساد " البقرة: 205 و قوله: "و الله لا يحب كل مختال فخور" الحديد:23 و نظائره

وأخبر في موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها، كقوله: " كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها "البقرة: 190
وقوله: " ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله " النساء:36
إذا عرف هذا ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات، ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء. وحصول التوبة من العبد والتضرّع إليه والاستكانة وإظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه. وحصول الموالاة والمعاداة لأجله، وغير ذلك من الآثار التي وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها، وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لإفضائه إلى حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لإفضائه إلى ما يحبه، فعلم أن فعل ما يحبه أحب إليه مما يكرهه.
يوضحه الوجه الرابع: ……………………. …

يتبع إن شاء الله

تعليمية تعليمية




التصنيفات
الفقه واصوله

فائدة::::دليل على مسح الخفين من القرأن ||||

تعليمية تعليمية

فائدة::::دليل على مسح الخفين من القرأن

السؤال (74): فضيلة الشيخ ، ما هو حكم المسح على الخفين وشروط ذلك؟

الجواب : المسح على الخفين مما تواترت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قيل :

مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب

ورؤية شفاعة والحـوض ومسح خفين وهذي بعض

بل دل عليه القرآن في قوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )(المائدة: 6)، على قراءة الجر، وهي قراءة صحيحة سبعية ، ووجه ذلك أن قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) ، بالجر ، معطوف على قوله( بِرُؤُوسِكُمْ) والعامل في قوله ( بِرُؤُوسِكُمْ) قوله (امْسَحُوا) وعلى هذا فيكون المعنى: " امسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم"، ومن المعلوم أن المسح مناقض للغسل، فلا يمكن أن نقول : إن الآية دالة على وجوب الغسل الدال عليه قراءة النصب (وَأَرْجُلَكُمْ) ، ووجوب المسح في حال واحدة، بل تتنزل الآية على حالين ، والسنة بينت هاتين الحالين ، فبينت أن الغسل يكون للرجلين إذا كانتا مكشوفتين ، وأن المسح يكون لهما إذا كانتا مستورتين بالجوارب والخفين ، وهذا الاستدلال ظاهر لمن تأمله.

على كل حال ، المسح على الخفين وعلى الجوارب وهي ما يسمى بالشراب ثابت ثبوتاً لا مجال للشك فيه ، ولهذا قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء ، يعني ليس عندي فيه شك بوجه من الوجوه ، ولكن لابد من شروط لهذا المسح:

الشرط الأول : أن يلبسهما على طهارة ، ودليله : حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فتوضأ ، فأهويت لأنزع خفيه، فقال : "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"(60) ومسح عليها، فإن لبسهما على غير طهارة وجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ليغسل قدميه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل عدم خلعهما عند الوضوء ومسح عليهما ، علله بأنه لبسهما على طهارة : "أدخلتهما طاهرتين".

الشرط الثاني : أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعاً ، وهي يوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر ، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث إلى آخر المدة فكل مدة مضت قبل المسح فهي غير محسوبة على الإنسان ، حتى لو بقي يومين أو ثلاثة على الطهارة التي لبس فيها الخفين أو الجوارب، فإن هذه المدة لا تحسب، لا يحسب له إلا من ابتداء المسح أول مرة إلى أن تنتهي المدة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر ، كما ذكرناها آنفاً.

مثال ذلك : رجل لبس الخفين أو الجوارب حين توضأ لصلاة الفجر من يوم الأحد ، وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء ، ثم نام، ولما استيقظ لصلاة الفجر يوم الاثنين مسح عليهما ، فتبتدئ المدة من مسحه لصلاة الفجر يوم الاثنين ، لأن هذا أول مرة مسح بعد حدثه ، وتنتهي بانتهاء المدة التي ذكرناها آنفاً.

الشرط الثالث : أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة ، فإن كان في الجنابة فإنه لا مسح ، بل يجب عليه أن يخلع الخفين ويغسل جميع بدنه، لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم"(61)، وثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المسح " يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر"(62).

فهذه الشروط الثلاثة لابد منها لجواز المسح على الخفين ، وهناك شروط أخرى اختلف فيها أهل العلم ، ولكن القاعدة التي تبنى عليها الأحكام : أن الأصل براءة الذمة من كل ما يقال من شرط أو موجب أو مانع، حتى يقوم عليه الدليل.

مصدر:كتاب فقه العبادات الخمس لشيخ العلامة محمد إبن صالح العثيمين رحمه الله تعالى

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




بارك الله فيك وجزاك الله كل خير




التصنيفات
الفقه واصوله

هل للجمعة سنة قبلية

السائل : بالنسبة لصلاة الجمعة ، يؤذن المؤذن ، طبعاً تجي تصلي ركعتين سنة الجمعة [ بقية السؤال غير واضحة ] ، هل هو جائز أم لا ؟
الشيخ الألباني رحمه الله: ( هل هو جائز ؟ ) ما هو ؟

السائل : الركعتين … [ كلام لم استطع تمييزه وفهمه ] .
الشيخ الألباني رحمه الله : ما فيه سنة جمعة يا أخي ، سنة الجمعة هاي المعروفة اليوم عند كثير من الناس لا أصل لها في السنة ، ليش ؟ أنا بَرْوي لك حديث من صحيح البخاري ـ أصح كتاب بعد كتاب الله ـ بإسناده الصحيح عن السائب بن يزيد قال : كان الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الأذان الأول فقط إذا صعد الرسول عليه السلام المنبر أذن المؤذن , إذا انتهى المؤذن من الأذان قام الرسول يخطب ، ما فيه مكان لصلاة سنة الجمعة القبلية , والحديث له تتمة إن شاء الله نأتي عليها قريباً , السنة يوم الجمعة التي لازم المسلم يحافظ عليها :
أولاً : التبكير بالذهاب إلى المسجد ، كلما بَكَّر كل ما كان أحسن ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من راح في الساعة الأولى فكأنما قَرَّبَ بدنة ـ بدنة يعني : جمل ـ ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قَرَّبَ بقرة , ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قَرَّبَ كبشاً , ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قَرَّبَ دجاجة , ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قَرَّبَ بيضة ثم تطوى الصحف ) فكلما بَكَّر كان أحسن ، دخل المسجد مبكراً أو متأخراً بيصلي ما تيسر له ركعتين ، أربعة ، ستة ، ثمانية ، بدون حساب ، لأن هاي اسمها : نافلة ، مش سنة حددها الرسول بباله عليه الصلاة والسلام ، لا ، ولذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح : ( من غسل يوم الجمعة وغسل وبكر وابتكر ثم صلى ما بدا له ثم دنا من الإمام واستمع إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة التي تليها ) ، إذن هاللي بيدخل المسجد يوم الجمعة يصلي ما بدا له هو ونشاطه هو ووقته أما هذا الذي يقع اليوم فهذا ليس له أصل في السنة إطلاقاً أبداً ، هَلِّي وقع ، كيف صار فيه أذانين ؟ في زمن عثمان بن عفان اتسعت المدينة بسكانها المدينة أول ما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام كانت شبه قرية طبعاً ، انتشر الإسلام بدؤوا الصحابة يأتوا ، يستوطنوا ، شوي ، شوي ، في زمن عثمان الله يرضى عنه – يعني : خلافته – صارت المدينة ما شاء الله بلدة ، عاصمة الدولة الإسلامية ، فهو بدا له فكرة ـ ونعمت الفكرة ـ باعتبار أنه حتى إلى اليوم – كما تعلمون – الجمعة لا تصلى إلا في المسجد النبوي ، كانوا كذلك في زمن الرسول وأبو بكر وعمر وعثمان , لكن بسبب : اتساع البنيان في المدينة صار الناس اللي برات المدينة وفي سوق ـ اسمه الزوراء ـ ما يسمعوا الأذان في المسجد النبوي فهو جعل أذان هناك ، هذا فلنسميه ( أذان ثاني ) ، لكن هذا في الواقع : أذان ثاني ، باعتبار : أن الأذان الأول هو اللي جاء به الرسول عليه السلام ، هذا اسمه : ( أذان ثاني ) ، لأنه جاء به عثمان بعد الأول , لكن هو ما جاء به إلا لتسميع الناس اللي هم في السوق أنه حضرت صلاة الجمعة يالله حي على الصلاة ، وين جعل عثمان الأذان الثاني ؟ في السوق ومكان معروف في كتب الحديث : الزوراء ، استمر الأمر هكذا إلى عهد هشام بن عبد الملك الأموي ، فهو بدا له أنه ينقل الآذان من الزوراء إلى المسجد , من يومها اختلف الوضع ، ومع الزمن صار فيه فسحة بين الأذانين شغلوه الناس بما يسمونه بسنة الجمعة القبلية , وسنة الجمعة القبلية لا محل لها من الإعراب – كما يقول النحويون – لأن الرسول في زمانه – كما قلنا لكم – في صحيح البخاري : أنه كان يخرج من بيته يطلع المنبر يؤذن بلال ينتهي بلال من الأذان يشرع بالخطبة فما فيه كان مكان لصلاة السنة ركعتين فضلاً عن أربع ركعات , هذا هو الطريق لمن يأتي المسجد يوم الجمعة أن يصلي ما بدا له ، فإذا صعد الإمام أنصت ، وبس .




السلام عليكم و رحمة الله و بركآآته
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا