عظمة محمد- صلى الله عليه وسلم- لم تُغطِّ حياة الإنسان فقط فتغمرها بالخيرات من كلِّ جانبٍ وتُوفِّر لها سُبل السعادة؛ بل سبقت حياة الإنسان وخططت له قبل قدومه وأعدت لمستقبله وهو لم يزَل في عالم الغيب، فها هو رسولنا الحبيب العظيم يُقدِّم للبشرية أروع النماذج وأفضلها وأرقاها في رعاية الإنسان قبل ولادته تمثَّلت في الآتي:
عظمته مع الأطفال قبل تكوينهم 1- الرسول الحبيب يخطط للإنسان ليكون له أحسن أب وأحسن أم: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم.." (رواه ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها)، وقال أيضًا: "تخيروا لنطفكم فإنَّ العرق دساس" (رواه ابن ماجة والديلمي). وقد علمنا الحبيبُ- صلى الله عليه وسلم- أن يتفحَّص والدي المستقبل كل منهما الآخر قبل الارتباط حتى يستوفى كلٌّ في صاحبه سلامةِ الجسم فأمر الخاطب: "انظر إليها"، وسلامة الأخلاق فأمر بحسن اختيار الأمهات "فاظفر بذات الدين"، وحسن اختيار الآباء "إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه"؛ وذلك حرصًا منه على التأسيس الصحيح لطفلٍ قوي الجسم متين الخلق، سعيد في الدنيا والآخرة.
2- كان صلى الله عليه وسلم يحرص على الذرية في أصلاب آبائها: أ- التخطيط للرعاية اللائقة للأطفال: وذلك بالحرص على تكوينهم من حلالٍ بزواجٍ مشروع، وعلاقة طيبة يعتز بها الأبوان ويسعدان بل ويفخران بما يُرزقان به من ذريةٍ ولا يتنصل منها أحدهما أو كلاهما كما نرى أحياناً طفلاً حديث الولادة مُلقى في الشارع لتنصل طرفي تكوينه منه، وبالتالي لا يلقى هؤلاء الأطفال رعايةً مناسبةً لائقةً مميزةً أيًّا كان الأمر لا نفسيًّا ولا جسديًّا؛ مقارنةً بالطفل الذي يشبُّ في حُضن أبوين حريصين. (الحرص على الأجنة في بطون أمهاتها) أ – وجوب إنفاق الأب على الجنين: وتجب هذه النفقة له حتى لو كانت الزوجة ناشزًا، أو مطلقة طلاقًا بائنًا، وتكون هذه النفقة طوال مدة الحمل، وتجب عند فقد الأب أو إعساره على سائر مَن تجب عليه نفقة الأقارب بعده. علمنا رسونا العظيم أحكامًا رائعة لضمان استمرار نمو الجنين واطراد تكوينه والاعتداد بشخصيته تتجلى واضحة في الآتي: 1- الحفاظ على الصحة الجسدية للحامل: وذلك بحسن رعاية الحامل وتغذيتها تغذيةً سليمةً كافيةً، ولذا أُبيح للحامل إذا خافت على جنينها أن تفطر في رمضان كالمريض والمسافر، روى الترمذي في (باب ما جاءَ في الرُّخصةِ في الإفطارِ للحُبْلى والمُرضِع) عن أنس بن مالك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الله وَضَعَ عن المسافرِ شطرَ الصَّلاةِ، وعن الحاملِ أَو المرضعِ الصَّومَ أَو الصِّيَامَ"، وفي رواية النسائي: "إن الله- عز وجل- وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام، وعن الحامل والمرضع". تتحقق الصحة النفسية للحوامل في أروع صورها بتطبيق مبادئ الإسلام العظيمة في العلاقة الطيبة بين الزوجين عملاً بتعليماتِ الحبيب- صلى الله عليه وسلم- الذي علَّمنا الإحسان إلى الحوامل أيًّا كان مصدر ذلك الحمل: فقد أمر رسول صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى المرأة التي استحقت العقوبة طوال فترة انتظارها إقامة الحد، روى مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين: "أن امرأةً من جهينة أتت نبي الله- صلى الله عليه وسلم- وهي حُبلى من الزنى. فقالت: يا نبي الله! أصبتُ حدًّا فأقمه عليَّ. فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها. فقال "أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها". وفي العموم فقد وجَّه العظيمُ- صلى الله عليه وسلم- الأزواجَ إلى نهج عظيم في التعامل مع الزوجة التي ينسبها إلى نفسه ويسميها أهله بقوله: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي عن السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد ثبت طبيًّا أنَّ الاضطرابات العصبية للأم تنعكس على صحةِ الجنين، ومن ثَمَّ تتبين عظمة محمد في توصيته بالنساء وحرصه على حسن معاملتهن. 1- بتحريم الإجهاض إلا في حالات ضيقة تهدد حياة الأم. 2- فرض عقوبة دنيوية إذا كانت الجناية على الجنين قد أدَّت إلى إسقاطه ميتًا؛ وذلك بفرض دية الجنين وهي الغرة (نصف عشر الدية) والكفارة، وحرمان قاتله من ميراثه. 3- حقه في إثبات نسبه إلى أبيه الحقيقي والاحتياط له من اختلاط الأنساب؛ حيث تمنع الحامل من الزواج حتى تضع حملها حفاظًا على هذا النسب، قال تعالى ﴿.. وَأُوْلاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ (الطلاق: من الآية 4) و(أولات الأحمال) الحبالى صاحبات الحمل. (أجلهن) انقضاء عدتهن. (يضعن) يلدن. |
||
نورت صفحتي