التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

مقالة جدلية حول:مقياس الحقيقة

تعليمية تعليمية

من فضلكم أريد مقالة حول

(ان مقياس الحقيقة هو الوضوح)

فيطلب منك ان ان تضع أخرى معارضة لها فما عساك أن تصنع؟

تعليمية تعليمية




تحية ط

اليك اختي هذه المقالة وارجو ان تفيدك

في الحقيقة العلمية و الحقيقة الفلسفية
)الحقيقة تعريفها أصنافها و مقاييسها.
أولا: تعريفها :ليس من السهل تعريف الحقيقة و ذلك لاختلا معناها من تصور فلسفي إلى تصور فلسفي آخر،و من مجال إلى مجال،و من ثقافة إلى ثقافة أخرى ،و هذا يؤدي إلى تنوع المعارف وتعددها نقتصر فيها على ما يلي :
1-عند اللغويين:تطلق على الماهية أو الذات ،نحققه الشيء ماهية أي ما به الشيء هو هو,
2الواقعيين :مطابقة التصور (الحكم) للواقع ,كما نقول بأن الحقيقة مطابقة التصور لعالم الأشياء.
3)عند المناطقة والرياضيين :هو الأمر الممكن في العقل الذي لا يتخلله تناقض،و بتعبير آخر هي مطابقة النتائج للمنطلقات كما يمكن أن تكون المنطلقات ذاتها التي تجبر العقل على الالتزام بها قال"لايبنتز":{{ متى كانت الحقيقة مسرورة ،أمكنك أن تعرف أسبابها بإرجاعها إلى معان وحقائق أبسط منها حتى تصل إلى الحقائق الأولى.}}و الحقائق الأولى هي الأوليات و المبادىء العقلية .
4)في إصطلاح الفلاسفة:هي الكائن الموصوف بالثبات والمطلقية(كالله و الخير)مع قطع النظر عمن سواه .
ثانيا:أصنافها: تقسم الحقيقة إلى ثلاثة أصناف.
الحقيقة المطلقة:هي أقصى ما يطمح إليه الفيلسوف أو الحكيم ،و ابعد ما يستطيع بلوغه عن طريق العقل أو الحدس .فعند أفلاطون يعتبران الحقيقة تتمثل في عالم المثل الذي يمثل عالم الخلود و عالم الحق .و الفضيلة الأخلاقية تستوجب التخلص من عالم الفناء بحثا عن الحقيقة المطلقة في العالم الفوقي.
أما عند أرسطو فالحقيقة المطلقة تتمثل في "المحرك"الذي لا يتحرك ،الذي يمثل "الله".
2)حقائق نسبية هنا تقتصر على الحقائق العلمية ،لأن هذه الأخيرة تعبر عن علاقات ثابتة بين الظواهر تصاغ صياغات قانونية ،و هذه الأخيرة قابلة للرفض و التغير مما يطغي عليها طابع النسبية.
و النسبي لغة "هو المتعلق بغيره، أي أن النسبي ما يتوقف وجوده على غيره،ومما جعل الحقائق العلمية هو كون الاستقراء للموضوعيات العلمية مزال مفتوحا ،ثبت أن العلماء يسعون وراء الحقيقة النسبية ،و لهذا قال "كلود برنا رد"يجب أن نكون مقتنعين بأننا لا نمتلك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجود تقريبي كثيرا أو قليلا ، وأن النظريات التي نمتلكها هي أبعد من أن تمثل حقائق ثابتة ). 3) حقائق ذوقية : وهي الشعور الذي يستولى على المتصوف عند بلوغه الحقيقة الربانية المطلقة ،فهو يستقي علمه من الله رأسا ويتم ذلك عن طريق الفناء .أو عن طريق التقاء وجود الخالق،و يتم بواسطة الكشف أو"الذوق" كما يعرف بالحدس ،من أجل بلوغ السعادة القسوة .
4الحقائق بين المطلق والنسبي :وهي حقائق فلسفية ،إلى أنها تنهل مصداقيتها من الواقع الاجتماعي.و النفسي و ألتأملي
ثالثا مقياسها:" نقدت مقاييس الحقيقة على حسب مجالاتها وفلسفة أصحابها ،فكان تارة مطابقة العقل للتجربة ،وكما اعتبروا الوضوح والبداهة ، و هناك من أعتبرها هو الكائن المطلق ،لذلك فإن مقياس الحقيقة لدى البراغماتيين هو النفع ولدى الوجوديون هو الذات البشرية، والوضوح لدى العقلانيين .
أ)مقياس الوضوح الحقيقة المخلقة) ذهب بعض الفلاسفة أمثال ‘ديكارت.سبينوزا’ إلي أن الحكم الصادق يعمل في حياته معيار صدقه ،و الوضوح .فاعتبر’ديكارت’ أن البداهة هي معيارالمطلقية والتي لا يكتنفها الشك .وأنتهي إلى قضيته المشهورة :"أنا أفكر إذن،أنا موجود."كما أعتبر أن الأشياء التي نتصورها تصورًا بالغًا الوضوح و التميز هي الصحيحة حيث يقول :"إني أشك،ولكن لا أستطيع الشك فيه هو أنني أشك وأن الشك التفكير "،وفي هذا المعني يضيف"سبينوزا"أنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج الحقيقة ،بحيث لايمكن أن يكون هناك شيء أكثر وضوح ويقينا من الفكرة الصادقة ،يصلح أن يكون معيار الفكرة الصادق .
ب)- مقياس النفع :ذهب بعض البرغماتين أمثال :"بيرس ،جيمس،ديوي" بحيث أعتبروا أن الحكم يكون صادقا إلا إذا أدى إلي منفعة عملية ،لذلك فالمنفعة هي المقياس الوحيد للصدق ،بحيث يقول "بيرس":"أن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج،أي أن الفكرة خطة للعمل أو مشروع له وليست حقيقة في حد ذاتها"،كما اعتبروا أنه لمعرفة الحقيقة من غير الحقيقة يجب ملاحظة النتائج ،لأنه ما يؤدى إلى النجاح فهو حقيقي.
ج)-مقياس الوجود لذاته: ترى الوجودية مع "ساتر" أن مجال الحقيقة هو الإنسان المشخص في وجوده الحسي،و حقيقة الإنسان هي في إنجاز ماهيته ،وتحديد مصيره ،و الحقيقة هي ممارسة التجربة، التي تجمع بين الحياة و الموت وما ينتج عنها من قلق ، وآلم .
تعقيب: إن إرجاع الحقيقة للوضوح يجعلها تلجأ إلي معيار ذاتي ،لأنها تصبح خاضعة في وضوحها إلي تربية الإنسان وميوله وإتجاهاته الفكرية ,
-أما إذا أرجعناها إلى مقياس النفع فإنه يؤدي إلى عدم وضوح الحقيقة بل إلى تضاربها و تناقضها ،و تسخر الحقيقة لمصالح الفرد.
– كما أن الحقيقة أوسع مما ذهب إليه الوجوديون لأنه يجب مراعاة البعد الاجتماعي للإنسان بوصفه كائن إجتماعي ,يعيش مع ذوات أخرى يجب مراعاتها.
2) :إذا كانت النسبية تلاحق الحقيقة المطلقة فهل الحقيقة المطلقة "نسبية " هي الأخرى؟:
ماهي الحقيقة المطلقة بالنظر إلي ذاتها ؟وهل طبيعتها تتغير إذا قبلناها بحقائق نسبية ؟ وهل تحافظ على خصوصياتها الأصلية إذا ما توصل إدراكنا إلى حملها ؟
أولا :خصائص الحقيقة المطلقة :المطلق لغة ’هو المعتري عن كل قيد،وهو ،التام والكامل كذا ما يراد ف القبلي ،ويقابل النسبي ,
أما إصطلاحا :علم ما بعد الطبيعة ،وهو إسم للشيء الذي لا يتوقف تصوره ووجوده على شيء آخر لأنه علة وجود نفسه ،ومن أهم خصائصه :أي من أهم خصائص التي تمتاز بها الحقيقة المطلقة هي أنها :
مجردة من كل قيد وعلائق ،أنها مستقلة لا تحتاج إلى علل من أجل وجودها ولا إلي أي حدود زمانية ومكانية ،كما أنها لا ترتبط بأحكام الإنسان وتصوراته ،وموقعها الحقيقي ما وراء عالم الشهادة ،كما أنها تعتبر المبدأ والغاية في آن واحد ،كما تعتبر الخير الأسمى الذي يتوق إليه الحكماء وأهل الفضول والذوق،كما أنها الموجود بما هو موجود ،أي أنها الحقيقة المطلقة التي تقوم مستقلة عن الذات.
ثانيا :النسبية وملاحقتها للمطلق:إذا كان المطلق يشير إلي الموجود في ذاته،ولذاته ، وبذاته ،فإن النسبي يشير إلي ما يتوقف وجوده علي غيره ، إلا أن التحديد المبدأى للمطلق يتم بالتجريد ،لأن إدراكه من طرف الإنسان هو إدراك من طرف كائن مقيد بحدود زمانية مكانية ومفاهيم ثقافية ،والمعرفة الإنسانية بين الذات العارفة والموضوع المعروف كما أن محاولة العقل الإنساني لإدراك المطلق يجعلنا نضع احتمالين إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف المدرك ،وإما أن يدركها المدرك فتنتقل من المطلقية إلي النسبية . كما أن الحقيقة التي يتكلم عنها الفلاسفة تندرج تحت أنساق فلسفية معينة ، وهذا ما يجعلها حقائق تتماشي مع مذهبهم وما تقتضيه الضرورة المنطقية مما يجعلها تتغير من نسق فلسفي إلى نسق آخر،ومنها فالحقيقة لا يدركها عقل ولا علم ولا حدس ولاذ وق لأنها أمور ذاتية ،ونسبية و النسبي لا يمكنه أن يدرك المطلق .
3)-في هذه الحالة ،ألا تلتبس الحقيقة مع الواقع ؟ وأي واقع هذا؟:
ما هو الواقع وما مجالته المتنوعة ؟ وهل يقابل الحقيقة أم يلتبس بها ؟ وما دور الإنسان في تحديد طبيعة كل واحد من الطرفين ؟
أولا : تعريف الواقع القصد منه إبراز التنوع في الطبيعة والمجال:تتنوع كلمة الواقع علي حسب التأويلات التي نأخذها إما في المعني العام أو في المعني الفلسفي : في المعني العام -:يقرن بوجود الإنسان فنقول أن هذا الشيء واقعي لأنه موجود .
– :وقد يقرن الواقع بنا لا يختلف في حقيقته إثنان ،وهو ما يمكن أن يثبت وجوده حسيا أو تجريبيا.
في المعني الفلسفي :وهو العالم الخارجي كما يتقدم لعقولنا وحواسنا ،ويتصف إدراكنا له بأنه حقيقي إذا ما تم فعلا .
ويستنتج من هذا ،أن الواقع هو مصدر تقدير أحكامنا ،أي أن تكون الصور المدركة تعكس تماما ما في الواقع
أن الواقع هو وجود الأشياء العيني وجودا مستقلا عن الذات العارفة أي لا دخل للذات في تصوره ،ويمتاز بخصائص وموصفات منها :
-أنه مجال مستقل عن الذات المدركة ويمكنها من بلوغ الموضوعية
-أنه يعتبر المصدر الأول والأخير لإختيبار الفروض وتبرير أحكامنا العقلية
-أنه المنبه والدافع إلى إكتشاف الحقيقة ،وهي انطباق الفكر مع العالم الحسي والتجريبي .
ثانيا:إرتباط الحقيقة بالواقع :ويظهر هذا الإرتباط على شكلين:
1) التقابل :إن فكرة الحقيقة مرتبطة بالواقع بفكرة الواقع وذلك يظهر من خلال اتجاهين :- الإتجاه التجريبي الذي يجعل الحقيقة عاكسة للواقع
-الإتجاه المثالي الذي يجعل مقرها الواقع المثالي الثابت
2) الإلتباس:ولذلك وجب التميز بين الواقع في ذاته والواقع في ذواتنا ،و الواقع في ذواتنا يظهر في حالتين :-حالة تعبر عن الواقع الموضوعي كما نراه أو كما ندركه ، – وحالة تعبر عن" الواقع ",الحقيقة الذي نعيشه داخليا ، أي أن الإلتباس يحدث بين ما هو موجود في ذاتنا وما هو موجود في العالم المثالي : ومن هنا ,
♪ حسب الحسيان تصبح الحقيقة تعكس الواقع الموضوعي ( الحسي ) عكسًا تمامًا بحيث أن إنطباق الواقع غير الواقع ،أي بمثابة الصورة الجامدة التي تستقر فيها الأشكال و الثاني يستمر في حركاته الحية . فيصبح ما يراه الشخص أنه حقيقي يكون هو الحقيقة .
♪ أما المثاليون أمثال "أفلاطون ،ديكارت" تكمن الحقيقة في إتفاق معارفنا مع الوقائع المثالية الذي تشخص إليه عقول الحكماء
ثالثا-الإنسان بين الواقع والحقيقة : إن الواقع هو واقع الأشياء ،و الحقيقة هي حقيقة الأفراد ، والقبض عن الحقيقة تتمثل في الحرية على حسب "هيدغر", أما السعي وراء الحقيقة المطلقة فيبقي أمرًا نسبيا بين الأفراد فكل ينظر إليها حسب نزعته الفلسفية ،بل حتى الحقيقة المطلقة التي تتمثل في "الله" وقع حولها أختلاف بين المجسمة والمنزه
حل المشكلة :أن مشكلة الحقائق تبقي الحقائق التي يسعى إليها الإنسان حقائق نسبية كما تبقي النسبية تلاحق المطلق في شتى المحالات .




:_here:

وهذا ملخص درس الحقيقة ان شاء الله تستفيدي منه

الحقيـقـة ؟
ما الذي يخفيه هذا المفهوم ؟
مفهوم الحقيقة هو إحالة إلى مجال معياري، الإنسان حين يفكر أو يتكلم فمن أجل الحقيقة أو على أساسها، أو من أجل امتلاكها. فتعدد التصورات الفلسفية المؤطرة لهذا المفهوم المعقد والسجالي، هو ما يبرر أن تمة صراع حول الحقيقة وليس من أجلها كما تصور ذلك ميشـل فوكو .
مساءلة هذا المفهوم المعياري والمتداخل في شبكة علاقات مع المفاهيم المعقدة مثل الفكر، الواقع ، السلطة، الوهم ، الخطأ، المصلحة يجعل من المساءلة الفلسفية تكتسي طابع الصعوبة والتعقيد .
هذا الأمر يستوجب قدرا من التريث مع رفض كل الإجابات الجاهزة والنمطيـة !
إذن كيف تفهم الحقيقة نورد هذا السؤال على سبيل الاقتحام رغبة في بناء فهم هادئ لهذا المفهوم وفق سلم تدرجـي .
• دلالات المـفهــــــــوم
• في الفهم الاجتماعي : أن مفهوم الحقيقة في دلالاته الشائعة غالبا ما يستند على معيار الواقعية، فالحقيقي هو الوجود القابل للإدراك الحسي والمباشر والقابل للتحقق الواقعي، وبذلك يصبح الواقع هو مرجع الحقيقة كل ما هو واقعي هو حقيقي، غير أن الدلالة الاجتماعية للمفهوم حصرته في زاوية المطابقة وأقصت كل ما هو مخالف للحقيقة مثل الكذب، الوهم ، الخيال رغم واقعيتها ( الكذب أكثر وجودا من الصدق ) .
هذه الثغرة تدفعنا إلى ضرورة تعميق النقاش والمساءلة واستدعاء الدلالة اللغوية .
• الدلالة اللغـوية : يشتق لفظ الحقيقة في اللسان العربي من فعل حق الشيء إذا ثبت واستقر وتحمل الحقيقة معنى الثبات والاستقرار حيث يصبح الحقيقي في المجال الوجودي هو الجوهر والماهية، واللاحقيقة هي المظهر، أما في المجال المنطقي والمعرفي فالحقيقة هي الصدق واليقين، واللاحقيقة هي الوهم والخطأ والخيال، أما في المجال اللغوي فالحقيقي هو ما وضع اللفظ له، واللاحقيقة هي المجاز من داخل هذه التقابلات يفرض علينا ضرورة المعالجة الفلسفية .
• الدلالة الفلسفية : قد حدد لالانـد الحقيقة في معجمه الفلسفي باعتبارها خاصية ما هو حق وهي القضية الصادقة وما تمت البرهنة عليه وهي شهادة الشاهد ، وهو ما يعني اعتبار الحقيقة هي الواقع لا الذي لا يمكن الشك فيه .
يكتسي تعريف لالاند للحقيقة طابعا وصفيا حيث جمع أغلب التصورات حول مفهوم الحقيقة رغم تباينها، وبالتمعن في تعريف لالاند واستحضار التقابلات داخل مفهوم الحقيقة مما يفرض علينا إقامة حوار وتباحث فلسفيين مع هذا المفهوم رغبة في فهم فلسفي دقيق ، وهو ما يعني ضرورة الانتقال إلى المساءلة الفلسفية الإشكالية حيث يصبح السؤال الفلسفي هو العنصر الاستراتيجي لهذه المساءلة ونجمل هذه الصياغة الإشكالية في التساؤلات الاتيــة :
ما علاقة الحقيقة بالواقع ؟
2) وما معيارها وهل الحقيقة واحدة أم متعددة ؟
3) ما قيمة الحقيقـة ؟
المحور الأول :الحقيقـــة والواقــــع
ارتباط الحقيقة بالثبات والاستقرار في المنظور اللغوي، وأحيانا ترتبط الحقيقة بما يتجاوز الإنسان على اعتبار أن الحقيقة من اختصاص الخالدون اللالهة أو أنصاف اللالهة كما في التصور اليوناني .وأن تكون الحقيقة هي الثبات والاستقرار واللاتغير، معناه أن يكون الواقع حقيقيا يعني أنه تابت وغير متغير ، لكن واقع الحال يثبت دينامية الواقع وتغيره، وإن لم يكن بصورة دائمة من هنا تتأسس الإشكالية الأساسية كيف ترتبط الحقيقة / الثبات بالواقع / المتغير .
تأطيرا لهذه الإشكالية من خلال الانفتاح على الإرث الفلسفي وفق تسلسل تاريخي كاختيار بيداغوجي فقط .
داخل الفلسفة اليونانية :
عولج هذا الإشكال في الفلسفة اليونانية خاصة لحظة أفلاطون وسجاله مع السوفسطائيين وتتحدد رؤية أفلاطون في كونه ميز بين واقعين واقع ثابت والاخر متغير ، فالواقع الحقيقي/ الثابت هو عالم المثل " الايديا "باعتباره عالم الماهيات والجواهر والحقائق المعقولة والمجردة والثابتة، وهو عالم مفارق للعالم الحسي ، إنه عالم موضوعي ، في حين العالم الحسي عالم الأشياء ما هو إلا نسخة للحقيقة الثابتة ، لذا لا يمكن إدراكها إلا بالتأمل العقلي والتجريبي من خلال عملية جدل صاعد أي : الانتقال من المحسوس إلى المعقول والمجرد، طريق فعل تأملي عقلي حيث لا ثقة في الجسد ولا الحواس لأن المعرفة المرتبطة بالجسد والحواس ظنية متغيرة ونسبية " بارادوكسا". فالعلم في نظره ليس إحساسا وإنما هو الحكم العقلي على الإحساس .
بالنسبة لأفلاطون الوجود الحقيقي هو عالم الأفكار لا يمكن الوصول إليه إلا بممارسة عقلية شاقة لحظة الخروج من الكهف ( الشفاء من الجهل ، التحرر من العبودية وتمل الألم ) لطفا الرجوع إلى تحليل النص . فمعرفة الحقيقة وتجاوز عالم الظلال والنسخ المزورة " السيمولاكر" بتعبير فوكو مشروط بالاعتماد على المنطق، والتأمل العقلي كممارسة نظرية تؤسس وتهندس قواعد توجيه العقل البشري نحو العالم الحقيقي، وهو ما يفيد حسب أفلاطون النزوع إلى تأسيس ممارسة عقلية منطقية تستمد مبادئها من العقل وترفض لغة الجسد على اعتبار أن فعل التفلسف هو فعل ذهني تأملي، والامساك بالحقيقة مشروط وفق التنظير الأفلاطوني بممارسة الانشطار داخل الذات انشطار يؤدي الى أن يتخلى الباحث عن الحقيقة عن جسده ليقيم علاقة تأملية على اعتبار أن الجسد مصدر عمى وغواية . فإدراك الحقيقة موعود فقط للحكيم التائب عن خطيئته (الثقة في الحواس والجسد والاستمتاع بتجربة الكهف). حسب نيتـشه التأسيس الأفلاطوني للحقيقة تم على أساس نسيان الأصل الجسدي للفكر، حيث إلغاء الجسد ومنح سلطة مطلقة للأفكار والروح وجعل العقل محل الجسد، والفكر محل الواقع إضافة الى هذا النقد الجذري النتشوي لرؤية أفلاطون للحقيقة هناك اشكالات منطقية، وتتمثل كيف يكون المادي صورة وضل اللامادي وهو ما انتبه إليه أرسطو تلميذ أفلاطون، وقدم رؤية خاصة لطبيعة الأشكال المركزي والعلاقة بين الحقيقة والواقع حيث يؤكد : الحقيقة واقع محايث وقد أكد أن الحقيقة لا توجد في عالم المفارق بل هي محايثـة ومتضمنة في الواقع الحسي يتفق مع أفلاطون في أن الحقيقة ليست هي الظاهر والحسي، لكنها لا توجد خارجه إنما هي متضمنة فيه لأن المتغير لا يتغير إلا ضمن الثابت وعلى قاعدته ،فالجوهر ثابت والمظهر متغير، وتغير المظهر لا يغير الجوهر، مثلا تغير المظاهر الفيزيولوجية للإنسان لا يغير من جوهر الإنسان ، فالإنسان يبقى إنسانا مهما تغيرت ملامحه.
التنظير الارسطي لعلاقة الحقيقة / الجوهر بالمتغير / الواقع يتيح لنا مسألة في قيمة الأهمية حيث يصبح المحسوس وسيلة لإدراك الحقيقي والخالد وراء المتغير، فالأحكام العقلية هي الحقائق الفعلية المطابقة للواقع الحقيقي باعتباره جوهرا العلل الأربعة .
عموما المقاربة الفلسفية الأفلاطونية والارسطية للعلاقة بين الحقيقة والواقع تحمل بعدا انطولوجيا حيث اعتبار النظر إلى الحقيقة في بعدها الموضوعي، تبقى مهمة الإنسان فقط تأملها واستنباطها في أحسن الأحوال .
وباستعادة تصور أفلاطون الذي يشترط أن الوصول الى الحقيقة مرهون بالتخلص من حمق الجسد حيث يؤكد " إن من الإحساس ما لا يدفع إلى التفكير بل أنه يخدع الفكر، فالاحساس والحواس هي مصدر ضلال ووهم " .
لذا تصبح يطرح السؤال الأساسي ما معيار الحقيقة وما مصدرها هل العقل ، أم التجربة والحواس أم هما معا ؟ تأطيرا لهذا السؤال الإشكال ننفتح على الإرث الفلسفي للفلسفة الحديثة .
1-2 تصور الفلسفة الحديثة :
الاتجاه العقلاني : الحقيقة مطابقة الفكر لذاته
يستعد ديكارت رؤية أفلاطون حول إمكانية حلول المحسوس كعائق أمام بلوغ الحقيقة، مما يفرض ضرورة تجاوز التجربة الحسية والجسدية للمعرفة " التخلص من حمق الجسد "، وهو ما جعل ديكارت يعتبر الشك هو الطريق نحو الحقيقة، مادام لا شيء يقيني، فالحواس خادعة والتجارب مظللة ، وما يخدع لمرة قد يخدع لمرات، لذا فالحقيقي هو ما يمتاز بالوضوح والبداهة وما لا يقبل شكا إنها الحقيقة الفطرية التي تستنبطها النفس من تلقاء ذاتها، لأنها واضحة بسيطة أولية وبديهية ما دامت جزءا من تركيب العقل. سئل ديكارت عن طبيعة هذه الأفكار فقال فينا قوة تحدثها وهي حقائق بسيطة وموضوعية .فالحقيقي عند ديكارت هو ما يكون بديهيا أو ما يستدل عليه بواسطة الاستنباط والحكم العقلي، هكذا تكون الحقيقة ذات أساس فطري مادام العقل البشري هو أعدل قسمة بين الناس، فاختلاف أراء الناس لا يعود الى اختلاف العقول وإنما إلى اختلاف وتغاير طرق توجيه العقل، لذا يدعو ديكارت إلى ضرورة الأخذ بالمنهج باعتباره مجموعة قواعد لقيادة الذهن من أجل الوصول إلى القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الحقيقة واللاحقيقـة .
لحظة ديكارت هي لحظة تدشين الفلسفة الحديثة، حيث الإحساس أن الفلسفة أصبحت في بيتها كما أكد ذلك هايدغـر، حيث أصبحت الذات العاقلة مقياس العلاقة بالوجود، وأساس كل الحقائق انطلاقا من الكوجيطو أنا أفكر إذن أنا موجود ، إذن رؤية ديكارت لأساس الحقيقة يحمل بعدا ذاتيا على خلاف الأساس الأفلاطوني للحقيقة ، فمع ديكارت لم يعد الإنسان ذلك الكائن المخلوق والمهيأ لاستقبال الحقيقة إنما أصبح هو صانعها، وهو ما يعني أن الذات العاقلة أصبحت هي المصدر الوحيد والموثوق به لبناء الحقائق، حقيقة الذات العاقلة المفكرة وهي تتمثل موضعها وعالمها بشكل شفاف ويقيني ، معه تصبح المعرفة تمثلا صرفا للواقع وحضورا له كنظام منسجم أمام فكر الإنسان / الحقيقة كنوع من البروسيا، حيث الذات العارفة تصدر أحكامها على الواقع كموضوع .
الإيمان بحقيقة الفكر وحده ومركزيته في فلسفة ديكارت سيجد صدى قويا في فلسفة هيجل حين يعبر أن أعمق ما في الذات هو الفكر، عموما ملامح فلسفة ديكارت تحمل المواصفات الآتية :
الذات العاقلة مقياس كل شيء ، الإيمان بالعقل وتقديسه ، فصل الوجود عن الفكر ، عدم الثقة في الجسد والحواس والتجارب، واعتبار العقل هو المصدر الوحيد للحقيقة . هذه المعطيات أثارت اعتراضا من طرف فلاسفة الاتجاه التجريبي .
1-2-2- تصور الاتجاه التجريبي : هي مطابقة الفكر للواقع الحسي والتجريبي .
فمعيار المطابقة في التصور التجريبي هو الواقع الحسي بحيث يصبح الفكر ثانويا باعتباره انعكاسا للواقع في الذهن البشري، ويعتبرجو ن لوك ممثلا لهذا الاتجاه ويرفض المعرفة الفطرية، ففي نظره كل المعارف تجد أساسها في الواقع الحسي والتجريبي وشبه looke العقل البشري بلوحة بيضاء تسجل عليها الانطباعات الخارجية، ففي نظره لا يوجد شيء في العقل الا وقد سبق وجوده في الحس وهو ما يفيد أن المعرفة ذات أساس حسي تجريبي، بحيث تصبح التجربة الحسية هي معيار الحكم على صحة الأفكار لذا يجب الثقة فقط بما تمدنا به الملاحظة والتجربة، ويصبح الاستقراء هو المنهج الأفضل لبناء الحقائق بعيدا عن التأمل المجرد، ومن الشواهد والأدلة التي يؤسس عليها هذا التصور رؤيته اختلاف ونسبية العقول باختلاف الظروف والثقافات .
غير أن هذا الرؤيا ذات الأساس التجريبي للحقيقة، أثارت انتقادا من طرف كانت الذي عمل على بلورة رؤية نقدية داخل نظرية المعرفة تحت عنوان شروط إمكان وانبتاق الحقيقة.
1-2-3 -تصور كانت kant النقدي :
يؤكد كانت "عصرنا هو العصر الحقيقي للنقد فلا شيء ينبغي أن ينفلت منه " لذا انخرط كانت في مشروعه النقدي من خلال محاولتين نقديتين، نقد العقل الخالص كمحاولة لنقد الفكر الخيالي والميتافيزيقي والمجرد الذي يدرس جوهر الأشياء (النومين ). والمحاولة الثانية في مشروعه الفلسفي النقدي هي نقد العقل العملي محاولة لنقد ومساءلة الاتجاه التجريبي الصرف الذي يهمش دور العقل لذا كانت رؤيته نقدية في نظرية المعرفة هدفه الأساسي هو الاقتراب من الأرض أو الأساس التي ينبغي للمفكر والإنسان أن يتخذها معيار للحقيقة .
لذا تتحدد فلسفته النقدية من خلال الملامح الآتية يؤكد " إن كانت معرفتنا بأكملها تبدأ مع التجربة فهذا لا يعني أنها تصدر بأكملها عنها " فالمعرفة في نظره ليست انعكاسا لموضوعات خارجية في فكرنا عن طريق الانطباع، كما أكد ذلك الاتجاه التجريبي بل هي الحكم الذي يصدره فكرنا على هذه الموضوعات، فالحكم أو المعرفة لا يتحقق الا بوجود الموضوع أو عالم الأشياء وإذا وقع الاتصال بين الذات العارفة وموضوع المعرفة، بذلك تصبح المعرفة عند كانت مادة وصورة، فعن طريق الحساسية تعطى التمثلات باعتبارها مجموعة من المعطيات الحسية والعشوائية، وعن طريق الفهم يتم تنظيم هذه التمثلات العشوائية وإعطائها صورة عقلية منظمة أو تحويل لا منظم إلى منظم وهو ما يعني إخضاع الحسي لمعطيات العقل ومبادئه كمبادئ قبلية متعالية عن التجربة مثل الزمان، المكان، الإضافة، السبب، الكم، الكيف.
إذن التصور الكانتي ينظر اليه كمخالفة صريحة ونقدية للتصورات العقلانية والتجريبية بخصوص مساءلة المعرفة .
إن ما يعيبه كانت E. kant (1724-1804) على الموقفين العقلي والتجريبي أن كلا منهما نظرا إلى مفهوم الحقيقة من جانب واحد. فهو يرفض ان تكون الحقيقة تمثلا ذهنيا صرفا كما يزعم ديكارت وما هي مجرد استنساخ للواقع ( بيكون، لوك ) لأن العقل الإنساني في إنتاجه للمعرفة لا يظل متعاليا عن واقع التجربة ولا يعكسها بكيفية آلية بل هو يبين ويؤلف ويستوعب موضوعاته انطلاقا من أطرافهم القبلية والمقولات الذهنية . والحقيقة إذا هي إعادة بناء وتنظيم للواقع وفق مقولات الفكر. إلا ان الحقيقة في نظر كانط تظل نسبية ومحدودة بحدود التجربة ولا تتعدى مجال الظواهر الذي هو مجال المعرفة العلمية وكلما تجاوز ها العقل ليبحث في موضوعات ميتافيزيقية (الله، العالم،النفس) ،فإنه ينتهي حتما في التناقض.
إذا كانت الفلسفة الحديثة من خلال تصورات ديكارت، لوك وكانط قد رسخت مفهوم الحقيقة المبني على أساس المطابقة، فإن الفلسفة المعاصرة تحديدا لحظة هايدغر سيعيد النظر في هذا الأساس على اعتبار أن هذا التصور مستمد من الفلسفة المسيحية الدينية وخاصة من تحديد القديس اوجستين الذي يعتبر لحقيقة ملائمة الموضوع أو ملائمة الواقع للفكر، وهو ما رفضه بشدة هايدغر على اعتبار أن المطابقة تفترض منطقيا وجود عنصرين من نفس الطبيعة وهو ما لا يتحقق بين الفكر والواقع .
1-3 الفلسفة المعاصرة :الحقيقة حرية وانكشاف هايدغر .
" الوجود أفق له حقيقته نداءه الخاص يضيء إقامتنا وينسحب أما كل إرادة للسيطرة ، أفق يستسلم الفكر أمامه وينسحب بغية أن تأتي هذه الحقيقة / حقيقة الوجود صوبنا، هي حقيقة بين التحجب وأللاتحجب"
مارتن ها يدغر
يصر هايدغر على ترجمة الكلمة الاغريقية إليتيا Aheteia بألااختفاء رغبة منه في إعادة النظر في الفهم المتداول لمفهوم الحقيقة باعتبارها مطابقة ممهدا لنظرية جديدة الحقيقة كانكشاف وحرية ، بعيدا عن التصور التقليدي الذي يعالج الحقيقة ضمن مجال معرفي منطقياا عتبارها صدق التمثل الذاتي وتوافقه مع موضوعه، وهو ما يرفضه هايدغر بشدة على أساس أن الحقيقة لاتسكن الخطاب، وهي ليست قضية محمولية أي علاقة محمول بموضوع ، لأنها ليست خاصية أحكام وتمثلات تصدها ذات بشأن موضوع / مطابقة فكر للواقع / مطابقة ما في الأعيان لما في الادهان .
فالحقيقة والخطأ في نظره ليست من خصائص الخطاب ،ولا تقيم داخل القضايا والأحكام ، فالحقيقة واللاحقيقة كلتاهما يتمتعان بوجود أنطولوجي خارج فكر الذات وإدراكاتها .
لذا ينسجم تصور هايدغر للحقيقة ضمن مشروعه الفلسفي إعادة التفكير في الوجود باعتباره وجودا منسيا، وفق منهجه الاستذكاري حيث العودة الى لحظة اليونان البداية افتراضا، ولحظة heraclite خاصة الذي أكد أن أهم ما يميز الوجود هو الاختفاء ، الطبيعة يروق لها الاختفاء لذا فالاختفاء والأفول والانسحاب هي الميزة الأساسية للوجود الذي يظهر بقدر ما يختفيه ، من تم حقيقة الوجود لا تعطي نفسها إلا بقدر ما تحجبها، ولا تحظر إلا بقدر ما تتيه وفق هذا التصور تصبح الحقيقة مرتبطة بحالة انطولوجية شديدة الحساسية تتحقق وفق لحظتين أساسيتين : لحظة انكشاف الوجود ليعبر عن حقيقته ثم انفـتاح الفكر اليقـظ ( النبيه المنتبه ) لحراسة ونقل هذه الحالة حالة الانفتاح إلى الكلمة والفكرة، بهذا المعنى تصبح اللغة مأوى الوجود والإنسان حارس الوجود خاصة الفيلسوف والشاعر ( العلاقة بين الشعر والفلسفة والحقيقة عند هايدغر )

الموضوع منقول




التصنيفات
مادة الفلسفة 3 ثانوي : باشراف الاساتذة أم يحيى

الحقيقة

منزلة الحقيقة في العلوم
زهير الخويلدي

إننا نعيش في مجتمع يسير بمعظمه نحو الحقيقة، أعني في مجتمع ينتج وينشر خطابا همه هو الحقيقة، أو يعتبره الناس كذلك، وله من جراء ذلك سلطة خاصة…
ميشيل فوكو
لعل السؤال الذي يظل أكثر إحراجا بل ربما الأكثر إزعاجا بالنسبة إلى العقول اليوم، فلاسفة كانوا أو علماء أو نقادا هو سؤال: ما الحقيقة؟ ، ذلك أن هذه الكلمة مشبعة بالالتباس والغموض وتختلط بكلمات أخرى تتداخل معها في المعنى وتتشاكل في الدلالة مثل البداهة ، اليقين، الصلاحية، الصواب أو تتناقض معها وتفترق مثل الخطأ، الوهم، الكذب والظن والرأي، وهكذا لم يتولد عن هذه الكلمة سوى تماثلات لأفكار فضفاضة وما نسميه حقائق لا يعدو أن يكون سوى تماثلات لأفكار لا وجود لها في الواقع.
زد على ذلك أننا لا نكاد نظفر برؤية متماسكة تفضي إلى وضع حد جامع مانع لمفهوم الحقيقة تنقضي بمقتضاه فوضى الآراء حول قضية منزلتها الإبستيمولوجية في العلوم تصورات وانجازات بشكل يجعل النقد الابستيمولوجي يتحول إلى تفلسف موضوعي أو على الأقل يقترب من موضوعية العلوم الإنسانية.
ولعله لا يمكن أن نفهم هذه الفوضى إلا بالعودة إلى أزمنة البدء أيام كان العالم لم يزل بعد محاطا بالأسرار وأيام كانت المفاهيم تلمع في لحظة تشكلها الأولى وأيام كانت الكلمات لم تزل تمتلك سرية الإيماءة وسلطان الإشارة لنساءل النظريات والتجارب والنصوص في طزاجتها الأولى ونرتحل بين ثناياها وتفاصيلها إقبالا وإدبارا. طالما كانت الرحلة تعبيرا عن إصغاء الكائن لنداء الأقاصي تترجم رغبته في العبور من المجهول إلى المعلوم ومن المحدود المختزل إلى المطلق الخصب وذلك بتحطيم الأطر الضيقة والمقاربات المسقطة والمناهج الصارمة والتخلص من شروط الزمان والمكان.
نحن لا نزعم هنا تقديم القول الفصل في مسألة مكانة الحقيقة في العلوم وحسم الأمر بتقديم نظرة نهائية بل سنكتفي بتدقيق النظر في مواطن الشبهة والخلاف والبحث عن معنى الحقيقة بتوسيع دائرة التشخيص والمقارنة وبتكثيف الأسئلة حول هذه القضية. وأول ما يتبادر إلى الأذهان هو وجود جملة من الصعوبات تمنع الإحاطة بالموضوع وتوقع الفكر في نوع من الكبر والغرور.
الصعوبة الأولى هي من جهة التعريف حيث لا يتعلق الموضوع بحقيقة واحدة بل بعدة حقائق تتوزع بين الذاتية والموضوعية وبين المادية والمثالية وبين التجريبية والرياضية، فما هو المعيار الذي نحددها به حتى ننتقل من التعدد إلى الوحدة ومن الكثرة إلى المفهوم؟
الصعوبة الثانية هي من جهة المنهج لاسيما وأن الحقيقة واحدة وأن الاختلاف يبرز في السبل المؤدية إليها خاصة وأن الطريق إليها وعر ويتطلب المجاهدة والعزيمة والمعاناة على طول الحياة، فما هو المنهج الملائم للبحث عن الحقيقة؟ هل هو التحليل أم التركيب؟ هل هو الاستنباط أم الاستقراء؟ هل هو المنهج التجريبي أم المنهج الرياضي؟
الصعوبة الثالثة من جهة الوجود وتتمثل في أن الحقيقة ليست معطى جاهز أو أمر بديهي واضح للعيان بل وجودها منغمس في الشبهات ويكتنفها الغموض ومليئة بالألغاز، فهل الحقيقة تكتشف أم تنشئ؟ وهل هي بعد أنطولوجي وجوهر قبلي أم إنشاء معرفي بعدي واختراع حر؟
الصعوبة الرابعة من جهة قيمة الحقيقة وتتراوح بين ارتباطها بالمصدر والأصل والمنبع وحرصها على الوصول إلى الغاية والهدف والمقصد وأداء الدور وإتقان الوظيفة، فمن أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ وما هو مصدرها؟ ولماذا نريدها؟ هل لتفسير الطبيعة أم للسيطرة عليها؟ هل لمجرد المعرفة أم لتحقيق المنفعة؟
وهل القول بالنسبية هو درس في الريبية واللاأدرية يتعارض مع الحقيقة الموضوعية؟ إلى أي مدى يكون كل إثبات للحقيقة هو سقوط في الوثوقية؟ ألا ينبغي أن تتحول الموضوعية إلى حد أمثل للمعرفة العلمية يسعى إليها العقل وتدفعه نحو التطور دون أن يدركها؟
لما كان تاريخ العلم يخضع لجدل العوائق مع القطائع ويخضع لمنطق الهدم والبناء وكان التفكير العلمي يتقدم عبر تحطيم الآراء المغشوشة والظنون الكاذبة ولما كانت الحقائق نفسها لا تتكون إلا سجاليا وبعد تجربة مضنية في محاربة الجهل والاعتقاد الزائف في المعرفة فأنه ليس من اللائق أن نطمح إلى القضاء على هذه الصعوبات وتحطيمها والتخلص منها وإنما نرنو إلى اختبارها كنماذج إرشادية والتحقق من مدى تماسكها وصلابتها وتدوينها في سجلات افتراضية حتى نستعين بها في تنظيم رؤية تفسيرية للكون.
يمكن معالجة هذه الصعوبات من خلال القيام بثلاثة حركة فكرية:
الأولى تخص العقلانية العلمية المنحدرة من المنطق والرياضيات أين يدور الجدل بين الحقيقة واليقين وتطرح قضية بداهة المقدمات وصلاحية النتائج اللازمة عنها وتساوق المنهج وتطابق الاستدلال وتماسكه. في الواقع لا يضيف القياس المنطقي أمرا جديدا لمعلوماتنا السابقة بل يقتصر على تنظيمها أما الاستدلال الرياضي فيتجاوز حد التنظيم ويمكن العلوم من بناء واختراع نماذج تفسيرية للواقع لم تكن معروفة، في هذا السياق يقول غوبلو: ليس الاستدلال الرياضي تأمليا وإنما هو إنشائي.
وقد جرت العادة أن تتبوأ الحقيقة المنطقية والرياضية محل الأول وأن تشتق منها الحقائق العلمية الأخرى إما عن طريق منطقة العلوم أو من خلال ترييض موضوعها وكما قال:الرياضيات هي العلم المرشح بجد لنيل الجائزة الأولى للمعقولية.
غير أن حقائق الرياضيات هي مجرد تعريفات وافتراضات اعتباطية عند بوانكاريه وليس وقائع وكائنات كما كان يظن فيثاغورس وذلك لأن الرياضيات هي علوم بداهة والمعيار الأساسي لتمييز حقيقة نظرية عن أخرى هو تماسك الاستدلال واللزوم الضروري للنتائج عن المقدمات. هنا يقول صوير: إن الرياضيات علم مهمته تصنيف جميع البنيات الممكنة وذلك من خلال الانطلاق من جملة من التعريفات والبديهيات والمصادرات والمبرهنات وذلك قصد الوصول إلى تلاؤم مع الأشياء. إن الحقائق الرياضية تشبه الافتراضات التي توضع دون إثبات ودون أن تنطبق بشكل تام على العالم الواقعي لأن الواقع ليس ما نعتقد فيه بل هو ما كان ينبغي علينا أن نفكر فيه.

الحركة الثانية تخص العلوم التجريبية وخاصة الفيزياء وعلم الأحياء أين يدور الجدل بين الحقيقة والتثبت والتأييد والتحقق وتطرق قضية تطابق الحكم العقلي مع الواقع الخارجي والتثبت من صدق الفرضية عبر الرجوع إلى عالم التجربة. إن الحقائق الفيزيائية هي وقائع من وضع ملاحظتها وخاضعة لإثباتات وتحققات عينية خصوصا وأن الفيزياء هي علوم يقين والمعيار الأساسي لتمييز حقيقة تجريبية عن أخرى هو مدى مطابقتها للواقع كما يكشف عن ذلك المنهاج التجريبي والسبر والإحصاء.
والحق أن الفيزياء تعتمد التجربة ولكنها لا تهمل دور العقل بل تدعو إلى أن يقوم تحالفا بينهما. وقد حصل تحول في مستوى المبادئ التي يرتكز عليها هذا العلم يتمثل في الانتقال من الإيمان بالسببية إلى الإيمان بالاحتمال الذي له من القوة ما يجعله مساويا لليقين. لو أخذنا غاليلي مثلا فإنه لم يقم باكتشافات كبيرة ولكنه قام باختراع عندما حول الكيف إلى كم والمحسوس إلى معقول وأعاد تعريف العلم من معرفة تدرك الجوهر إلى معرفة تهتم بربط الصلة وتنظيم البنية وإقامة العلاقة. يصرح فرنسوا جاكوب في منطق العالم الحي: لم يعد علم الأحياء يبحث عن الحقيقة بل يقوم ببناء حقيقته الخاصة.
الحركة الفكرية الثالثة تخص العلوم الإنسانية وبالتحديد علم النفس وعلم الاجتماع أين يدور الاهتمام بمسألة شرعية هذه العلوم وشروط إمكان حقيقة الإنسان خارج إطار عالم المادة وعالم الروح. والحق أن هذه العلوم توجد في موقع تجاذب بين الفلسفة من جهة والعلوم الصحيحة والطبيعية من جهة أخرى وهي كذلك حلبة صراع بين اتجاهين: الأول طبيعي أصابته عدوى النماذج الوضعية ويعتمد أسلوب التفسير والثاني تاريخي يميز بين علوم الفكر وعلوم الطبيعة ويعتمد أسلوب التأويل والفهم والتعاطف الوجداني. ولعل أهم إشكال يطرح هنا هو هل الإنسان موضوع تفسير أم موضوع تأويل؟
يقوم التفسير على رد الظواهر الجزئية إلى المبادئ العامة التي تحكمها طبقا لقوانين يمكن التثبت منها عن طريق التجربة، أما التأويل فيتمثل في البحث وراء العلاقات والنسب عن المقاصد والمعاني والدلالات، ولذلك كان الجواب مبهرا وهو ضرورة الانتقال من حقيقة الإنسان إلى التركيز على معنى الحياة الإنسانية وقيمة وجوده في العالم.
خلاصة القول إن طرح أسئلة مثل ما معنى بناء الحقيقة؟ وماذا نقصد بأن تكون الحقيقة خاصة؟ وهل تتمثل الحقيقة في هذا التطابق بين الحكم والموضوع؟ يفضي إلى القول بعدم وجود علم مهم يكون دقيقا ويكفي ليقدم للعلوم الأخرى المناهج التي تلائمها ومعايير الحقيقة. ربما دحضانية كارل بوبر أو قابلية التكذيب هي أحسن المعاول المكنة لبناء معيار للعلومية. حيث يصرح في هذا السياق: إن حقيقة علمية ما ليست حقيقة لأن التجربة تثبتها بل هي حقيقة لأننا لم نتوصل بعد إلى تجربة تثبت عكسها.
يفي هذا الأمر ثلاثة أشياء:
– أن العقل كما يقول كانط لا يرى في الطبيعة إلا ما ينتجه وفق مخططاته الخاصة وما يضعه بنفسه
– إن نظرية ما لا تكون صادقة إلا طالما أنها سمحت بتفسير معطيات التجربة وحالما تكتشف وقائع جديدة لا يمكن تفسيرها على ضوء هذه النظرية فأنه ينبغي إعادة النظر فيها لتوسيعها وتعويضها بأخرى.
– موضوعية المعرفة العلمية لا تكتسب إلا بتخليص الأشياء من غلافها الحسي والانتقال من المعرفة العامية إلى المعرفة العلمية ومن الواقع العيني إلى الواقع الموضوعي الافتراضي.

فإذا كان غرض العلم هو أن يكيف العقل مع الواقع وينقذ ظواهره فإن هذا الغرض مهمة لا تكتمل أبدا ومشروع هو دائما مؤجلا ينفتح في اللحظة التي يظن فيها الإنسان أنه انغلق طالما أن عوائق الإحيائية والغائية وأوهام مركزية الأرض وتعالي الوعي وتكريم الإنسان مازالت تقبع كمكبوتات في غياهب لاوعي العلماء وتمنعهم من الإبداع وتحقيق المزيد من الاختراعات.
صفوة القول أن الجهود الرامية إلى البحث عن الحقيقة أو افتراضها أو التوجه نحو بنائها تنزع كلها إلى تقريب الواقع الطبيعي والشأن الإنساني من العقل الرياضي والمنطقي وتعطي قيمة للمنهج التجريبي ولكن أنى له أن تدركه؟

* كاتب فلسفي




تعليمية تعليمية
يزداد استغراب الناس حينما يتوجه السؤال الفلسفي الى كل ماهو مألوف و مباشر أو الى كل ما يعتقدون أنه واضح . فمفهوم الحقيقة يبدو لعامة الناس أنه بسيط ولا يحتاج الى توضيح فهي عكس الكذب أو الخطأ …..لكن بعد قراءة هذا النص ستتغير مفاهيمهم . و سيستفيد التلاميذ والأساتذة وكل من يريد المعرفة . فشكرا لكم أستاذنا وجعله الله في ميزان حسناتكم
تعليمية تعليمية




العفو أستاذتنا الفاضلة ….ان شاء الله يستفيد الجميع شكرا جزيلا على المرور الطيب.




التصنيفات
اسلاميات عامة

الاحتفال بالمولد النبوي الوهم والحقيقة !!

يعرض دعاة الاحتفال بالمولد هذه القضية على أنها خصومة بين أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه وخلاف بين من يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقدرونه وينتصرون له، وبين من يهملونه، ولا يحبونه ولا يضعونه في الموضع اللائق به.

ولا شك أن عرض القضية على هذا النحو هـو من أعظم التلبيس وأكبر الغش لجمهور الناس، وعامة المسلمين، فالقضية ليست على هذا النحو بتاتاً

والاختلاف فيه ليس كما يصوره الداعون إلى المولد أنهم ورَّاث الرسول صلى الله عليه وسلم وأحبابه يدافعون عن شرف النبي صلى الله عليه وسلم ويخاصمون من يتركون فضله ومنزلته، بل الأمر على العكس تماماً: إن المنكرين للمولد منكـرون للبدعة، محبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريدون مخالفة أمره، والاستدراك عليه، متبعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، والأئمة المهديين ، قال تعالى {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة الأنعام: 81].




أحسنتِ يا خديجة !!

بوركتِ يا أخية، و جزاكِ الله خيرا




صحيح انه بدعة وعادة سيئة لم تكن في وقت السلف

ولا في وقت الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم

فقط هم متمسكين بها لانا تجلب لهم المال الكثير