الإسلام لم يظلم المرأة:
كثيراً ما نسمع تلكم الأصوات المنكرة التي تنادي بأن الإسلام هضم حقوق المرأة وظلمها ولم يعطها حريتها ولن يساو بينها وبين الرجل إلى آخر تلكم العبارات المترجمة عما يكتبه أعداء الإسلام ضد الإسلام.
وفي الواقع أن أصحاب هذه الدعوى هم أحد رجلين اثنين:
أما أحدهما:
فجاهل ساذج سمع الناس قالوا قولة فاتبعهم بل صار لهم بوقاً يبلغ ما يقولون، وليس لديه علم يستند عليه فيما يقول ويذيع، بل ليس له من الأمر شيء إلا البلاغ، وهو يهرف ما لا يعرف.
وقد اغتر به كثير من الناس الذين لم يؤتوا من الفقه في الدين شيئاً ولا سيما النساء المثقفات بثقافة غير إسلامية أو الجاهلات المقلدات على غير هدى.
وهذا الصنف من الناس يضل ويضلل غيره لأنه جاهل وفي الوقت نفسه أنه يجهل جهله، يصدق عليه قول القائل:
إذا كنت لا تدري بأنك لا تدري
فذاك إذاً جهل مضاف إلى جهل
وأما الآخر:
فهو إنسان ماكر يمكر ويكيد للإسلام والمسلمين ويريد أن يفسد عليهم دينهم وأخلاقهم عن طريق إفساد الأسرة متأثراً بأعداء الإسلام ومنفذاً لخطتهم في محاربة الإسلام.
إنّ هذا وذاك وهما اللذان يطلقان هذا الصوت المنكر في كل مكان لمحاولة التضليل وقد تأثر به الكثيرات من المسلمات الجاهلات ظناً منهن بأن هذا النداء في صالحهن فضمت أصواتهن إلى ذلك الصوت. فبذلك تصبح المرأة لمسلمة المتأثرة بذلك النداء ظالمة لدينها وإسلامها متهمة إياه بأنه ظلمها، ذلك الإسلام الذي رفع من شأنها لو كانت تعلم وتفقه – وأين الفقه لدى نسائنا إلا ما شاء الله – والله المستعان.
فعلى المرأة المسلمة المثقفة أن تدرس دينها لتعرف موقف الإسلام من المرأة وما لها من الكرامة في الإسلام ولا تتبع كل ناعق.
وفي الوقت نفسه عليها أن تتطلع على ما في القوانين الأجنبية مثل القوانين الفرنسية وغيرها لتعلم موقف تلك القوانين(2) من المرأة، ثم عليها أن تعرف كيف كانت المرأة قبل الإسلام حيث كانت سقط المتاع فاقدة القيمة والكرامة وما أكرمها إلا الإسلام.
تتمتع المرأة في الإسلام بالحقوق المدنية مثل الرجل:
للمرأة المسلمة حرية كاملة في الحقوق المدنية، وهي مثل الرجل في هذه الحقوق. فللمرأة المسلمة أن تبيع وتشتري وتهب وتقبل الهبة وتعير وتستعير وتتصرف في مالها، ولها جميع التصرفات المالية مثل الرجل.
الحقوق الدينية للمرأة المسلمة:
فالمرأة المسلمة تشرع لها جميع العبادات كالرجل فهي تصلي وتصوم وتزكي من مالها وتحج وتثاب على عباداتها وطاعتها مثل ما يثاب الرجل وليس أجرها دون أجر الرجل. إلا أن الإسلام قد يخفف عن المرأة بعض العبادات تقديراً لظروفها الطارئة فمثلاً يسمح للمرأة الحائض في ترك الصلاة ولا تؤمر بقضائها بعد الطهر لما في ذلك من المشقة والحرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) [الحج:78]. ولها أن تترك الصيام أيام عادتها ولكنها تقضي على السعة لعدم المشقة عليها في قضاء الصوم بخلاف الصلاة، والنفساء تعامل بنفس المعاملة.
حرية الزواج للمرأة المسلمة:
الإسلام يعطي المرأة حرية كاملة في الزواج، فهي تختار الزوج الصالح لها قبل أن يكلفها وليها على من يختاره هو، بل ليس له أن يزوجها إلا بإذنها الصريح بالنطق إذا كانت المرأة ثيباً لأنها قد جربت الرجال ولا تستحي أن تقول نعم أو لا. وأما البكر فيكفي في إذنها السكوت حين الاستئذان فلا بد من الاستئذان ولو زوجها أبوها في صغرها وقبل بلوغها فلها الخيار إذا بلغت بين إجازة ذلك الزواج أو رفضه.
هذا هو حكم الإسلام في الزواج حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها صماتها أي سكوتها». رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
إرث المرأة في الإسلام:
وقد ركز دعاة المساواة على هذه النقطة فتمكنوا من تضليل الكثيرات من المسلمات الغافلات حيث زينوا لهن بأن الإسلام يفضل الرجل على المرأة فيعطيه في الميراث أكثر من النساء، فيعطيه مثل حظ الانثيين ولماذا ؟؟ !! ..
وللإجابة على السؤال أقول:
حقاً إن الإسلام يعطي الرجل امرأتين وهذا التفضيل في الميراث لا يترتب عليه تفضيل الرجل على المرأة في كل شيء كما سنرى قريباً إن شاء الله. كما لا يلزم منه الحط من مكانة المرأة بل إنه عطاء عادل ومنصف.
بيان ذلك ما سبق أن ذكرنا من أن الإسلام يكلف الرجل وحده بالإنفاق على الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد بل وعلى كل محتاج من أقاربه ولم يكلف المرأة حتى بنفقة نفسها بل نفقتها على زوجها ولو كانت هي أغنى من زوجها وأما قبل الزواج فنفقتها على أهلها.
فهل من الإنصاف أن تعطى المرأة المنفق عليها مثل الذي ينفق عليها ؟؟ !! أعتقد أن المرأة المسلمة المنصفة سوف تبادر بالجواب على هذا السؤال قبل الرجال قائلة: إن ذلك ليس من الإنصاف لو حصل. بل الإنصاف ما فعله الإسلام وقد أنصف الرجل والمرأة معاً ولله الحمد والمنة.
سفر المرأة في الإسلام:
النقطة الثانية من النقاط التي يركز عليها دعاة الحرية والمساواة مشكلة سفر المرأة يقولون: إن الإسلام لا يسمح لها بالسفر كما يسمح للرجل ولو في سفر أداء فريضة الحج ولماذا ؟؟ !! والعجيب من أمر هؤلاء أنهم كثيراً ما يقلبون الحقائق ليغالطوا الناس فيجعلون الإهانة كرامة والكرامة إهانة كما في هذه المسألة.
والمرأة المسلمة الجاهلة تسمع لكل ناعق لجهلها أمر دينها واستجابة للعاطفة أحياناً. وفي الواقع أن الإسلام لم يمنع المرأة من السفر المباح إلا أنه قيد سفرها بقيد واحد. وهذا القيد في الحقيقة إكرام لها وحفظ لشرفها لو كانوا يعلمون. يشترط الإسلام لسفر المرأة وجود زوجها معها في السفر أو أحد أقاربها الذين تحرم عليهم تحريماً مؤبداً كأبيها وأخيها مثلاً؛ لأن هؤلاء سوف يضحون بأنفسهم في سبيل المحافظة عليها وحفظ كرامتها ولا تصل الذئاب إليها إلا على أشلائهم. كما يقومون بخدمتها في سفرها حيث تعجز عن الخدمة وهل اشتراط الإسلام لسفر المرأة هذا الشرط يعتبر إهانة للمرأة أم هو إكرام لها؟ إنها لإحدى الكبر !! فلتقول المرأة المسلمة الإجابة على هذا الاستفهام.
أما السفر من حيث هو فالإسلام لا يمانع فيه. فالمرأة تسافر للحج، وتسافر للتجارة، وتسافر لزيارة أهلها وأقاربها وتسافر لطلب العلم ولغير ذلك من الأسباب طالما الشرط متوفر وهو وجود الزوج أو المحرم معها. هذا هو حكم الإسلام في سفر المرأة أيها المسلمون إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها رجل ذو محرم عليها»3.
وللحديث ألفاظ كثيرة وروايات متعددة وكلها تدل على أن الإسلام يشترط في سفر المرأة وجود الزوج أو رجل ذي محرم عليها تحرم عليه تحريماً مؤبداً. وهذا يعد إكراماً للمرأة المسلمة لو كانت تعلم، وبالله التوفيق.
__________________
(2) في القوانين الفرنسية في الأسرة لا يسمح للمرأة أن تتصرف في مالها الخاص إلا بإذن زوجها وتنتسب إلى زوجها لا إلى أبيها.
3 البخاري ومسلم وأهل السنن.
الشيخ العلاّمة:
محمد أمان بن علي الجامي
(رحمه الله)
من مكتبة الشيخ رحمه الله
فهرس (نظام الأسرة في الإسلام )