بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
إخوتي وأحبتي في الله قبل أن نبدأ هذا اللقاء أود أن أعزي نفسي وإياكم بشيخنا الشيخ أحمد النجمي رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، ذلكم الشيخ الفاضل الذي قضى عمره في النصح والتعليم والتوجيه وفق منهج السلف الصالح وهو أحد خاصة تلاميذ الشيخ القرعاوي والشيخ حافظ الحكمي رحمهم الله تعالى ، فقد انتقل اليوم إلى جوار ربه ، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحسن عزاءنا وإياكم فيه وأن يُعظم أجر الجميع وأن يجزيه عما قدم للإسلام والمسلمين خير ما يجزي به عالماً عن طلبته وعن الإسلام والمسلمين ، وأن يخلفنا فيه خيراً . وكما تعلمون لسنا ممن يُفْرط في مسألة التأبين كما يقولون ولكن فقْد مثل هذا العالم لا شك أنه أحدث ثلماً عظيماً في الأمة ، وكما يقول – النبي صلى الله عليه وسلم – :
(( إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً وإنما يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبقَ عالم ، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا )).
والشيخ رحمة الله عليه كان في جهاد مرير في مقاومة الأفكار الوافدة والتيارات الوافدة إضافة إلى التأصيل والتقعيد لمنهج السلف الصالح ، فقد أبلى في ذلك بلاءً حسناً وأجاد وأفاد ، رحمة الله عليه رحمة واسعة وسيُصلّى عليه غداً في بلده قرب صامطة أو لا أدري لعله يُصلى عليه في جيزان ، المهم أنه سيُنقل إلى المنطقة الجنوبية من منطقة جيزان وهناك يصلى عليه، يبدو إما الفجر وإما ظهر الغد إن شاء الله تعالى فلا تنسوا شيخنا من صالح دعائكم في ظهر الغيب ونسأل الله أن يخلفنا فيه خيراً وأن يجزيه على ما قدم خيراً وها هي مؤلفاته وتسجيلاته وأشرطته تنطق بالحق ، تصدع بالحق ، وتدافع عن الحق وترد على أهل الباطل ، وهي كتب ومؤلفات قد طبقت الآفاق وانتشرت في كل زمان ولله الحمد والمنة ، وأرجو أن يكون ممن ينطبق عليه حديث : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به )) لعل الله أن يحقق بقية الخصال ، أما الخصلة الثالثة فهي موجودة ولله الحمد والمنة وهي العلم الذي يُنتفع به ، جعله الله في موازين حسناته ورفع درجاته في عليين وأخلفنا وإياكم والمسلمين فيه خيراً ، رحمة الله عليه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجمعنا الله وإياكم وإياه في دار الكرامة في جنات النعيم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وأما لقائي الختامي مع إخوتي في هذه الدورة فأوصيهم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ، والمَنْشَط والمَكْرَب ،أوصي الجميع بمواصلة العلم والتعلم ، والتفقه في دين الله – سبحانه وتعالى – لأن هذا هو الذي يبقى مع المسلم ، إلاّ هو مأمور بذلك إلى أن يلقى ربه كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة )) ، وقال – عليه الصلاة والسلام – : (( منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال )). وأوصيكم ونفسي بالجد والاجتهاد في طلب العلم الشرعي إلى أن نلقى الله – تبارك وتعالى – كما أوصيكم بالتركيز على التأصيل وفهم عقيدة السلف الصالح المستمدة من القرآن والسنة ، والإخلاص لله وحده ، والجد والاجتهاد بأن يكون عملنا خالصاً لوجه الله – سبحانه وتعالى – فإن العلم جهاد وعبادة يجب الإخلاص فيها وقد سمّاه النبي – صلى الله عليه وسلم – جهاداً ، فلنجتهد في تحقيق هذه المعاني العظيمة ، كما أوصيكم ونفسي بالجد والاجتهاد في تحرّي الصدق والصواب ، وتحرّي الإصابة في القول والعمل وذلك بالرجوع إلى هدي الكتاب والسنة فيما نقول وفيما نَصدر وفيما نُفتي وفيما نقول وفيما نُسمع الناس ، نجتهد أن نربط كل أعمالنا وأقوالنا بهدي القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة وَفق منهج سلفنا الصالح ذلكم المنهج القويم الذي لا اعوجاج فيه والذي لا يتغير بالمؤثرات ولا يتزعزع بالحوادث ولا يتغير أهله وفق المصالح الشخصية ، ولا يتلوَّنون حتى وإن وُجدت عليهم أثرة ، بل يلزمون هذا الطريق الذي لزمه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتابعون وأتباعهم من بعدهم . فعلينا أن نلزم طريقهم وأن نسير على نهجهم ، وأن نرجع فيما أشكل علينا إلى العلماء الربانيين الذين أفنوا أعمارهم وحياتهم في تحقيق مسائل العلم والذين لا همَّ لهم إلا الجد والاجتهاد في إصلاح المسلمين وتفقيههم في دينهم وبيان الحق لهم بدليله ، والاستقامة على المنهج الحق على صراط الله المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين .
كما أوصي طلبة العلم بالتخلق بالأخلاق الفاضلة فيما بينهم ومع الآخرين فإن ذلك من أفضل ما تُنشر به الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى – التخلق بأخلاق الإسلام ، التخلق بأخلاق المصطفى – صلى الله عليه وسلم – والسير على هديه قولاً وعملاً واعتقاداً .
كما أوصي إخوتي بتبليغ ما تفقّهوا فيه وما علموه من العلم بعد أن يتثبّتوا من سماع ما يقولون وبعد أن يراجعوا المسألة المرة تلو المرة حتى يشعروا أنهم قد أتقنوها وأنهم قد درسوها حق الدراسة .
كما أوصي إخوتي بالجد والاجتهاد في التركيز على العقيدة والتوحيد ولو تخلف عنها المتخلفون ، وأن نبدأ بها في جميع أمور دعوتنا وأن تكون هي منطلقنا حتى نلقى الله – سبحانه وتعالى -.
كما أوصي نفسي وإخوتي بمواصلة طلب العلم دون هوادة ودون تردد .
كما أوصي نفسي وإياكم بالتواضع والحلم والأناة والرفق ، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما كان العنف في شيء إلا شانه .
كما أوصي نفسي وإخواني بالتثبت في نقل الأخبار وعدم التسرع في نقل الشائعات أو تتبُّعها أو بناء أحكام عليها فإن ذلك في غاية الخطورة .
كما أوصي نفسي وإخواني بالجد والاجتهاد في العبادة واللجوء إلى الله – سبحانه وتعالى – والتضرع إليه والانكسار بين يديه ، فإن أكثر ما يصيبنا إنما هو بسبب تقصيرنا في جنب الله – سبحانه وتعالى – (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ))
هذه بعض الوصايا المهمة التي أرجو من إخوتي أن يجدّوا ويجتهدوا في تطبيقها والعمل بها والله نسأل أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة على طاعته والعمل بما يرضيه كما نسأله تعالى لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.