الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن المؤمن في هذه الدنيا في جهاد وفي ابتلاء وامتحان ، يقول الله جـل وعـلا أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ المؤمن في هذه الدنيا في جهاد ، جهاد مع نفسـه ، هذه النفس التي بين جنبيه هو في جهاد معها ليكونها نفسا بتوفيق الله تلومه على ترك الخير وفعل الشر ، ثم يرتقي بها إلى أن تكون نفسا مطمئنة ، تطمئن للخـير وترتاح له ، إنه في جهاد مع عدو سلط عليه من القدم ، عدو متربص به الدوائر ، عدو قعد له في كل طريق يثـبطه عن الخير ويصده عنه ، عدو أنظره الله إلى يوم الدين فهو في جهـاد ليتخلص من وساوسه ومن أباطيله ومن ضلالاته ، إنه جهاد مـنع الأهـواء التي إن ابتلي بها صرفته عن طريق الله المستقيم . قال تعـالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ .
والمخـرج مـن الفتن بعد توفيق الله لا يكون إلا بالعلم الشرعي والحرص على طلبه والعمل به ، وطالب العلم يتميز بأمور :
فهو حـريص عـلى الخير أينما كان ، طالب العلم متميز بحبه للخير وسعيه في الخير ودعوته الناس إلى الخير .
طالب العلم هو ذلك الرجل الذي يعرف عند المواقف بحكمته وبصـيرته وأناته وتفهمه لكل قضية لكي يعالجها على ضوء الكتاب والسنة .
طـالب العـلم متميز ؛ لأنه عند كل قضية تحل به ، فلا تراه مندفعا بلا روية ، ولا تراه متسرعا ، تراه بعيدا عن حلم وأناة ، إن في قلـبه غيرة ، وفي قلبه حمية لدين الله ، وفي قلبه نصرة لدين الله ، لكنه يتعقل في أموره كلها ، فينطق بالحق من غير شطط وجور ، وهو بعيد عن قيل وقال وبئس مطية القوم زعموا .
طالب العلم ينظر في أقواله التي يقولها ، وألفاظه التي يتلفظ بها ، فيزنها بالميزان الشرعي العادل .
طـالب العلم إذا أراد أن يعالج خطأ أو ينبه على خطأ ، فإن الاتزان يصحبه في أموره كلها ، لا ترى طالب العلم يكيل للـناس الأقـوال مـن غير روية ، ولا يحكم على الناس بحكم عام من غير بصيرة ، فالأحكام على الناس تحتاج إلى دليل يعتمد عليه القائل إلى دليل مادي واقعي يعتمد عليه فيما يقول وفيما يتصرف ، ومن وزن أقواله قبل أن يقول ، ووزن ألفاظه قبل أن ينطق بها ، استطاع بتوفيق من الله أن يحقق مراده .
طالب العلم دائما يقرأ قول الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وطـالب العـلم يحكـم بالحق والعدل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا .
ولا يسـيء الظـن بالناس مطلقا ، ولا يكيل لهم التهم مطلقا ، ولكـن يتبصـر في الأمر ويحاول الدعوة إلى الخير وإصلاح الخطأ بالطريق الشرعي لا بطريق عاطفة تحمله على تصرفات خاطئة ، فيتزن في أمـوره كـلها ويحكـم على الأشياء من منظار سليم ومن منظار صـحيح ، لا يكون ممن يتحكـم الناس في قوله فينشر كل ما يقولون ، ولكن يزن الأمور والأقوال على الميزان العادل حتى يقول كلمة الحق الواضحة التي لا إفراط فيها ولا تفريط .
لا شـك في وجود عدو لنا وعدو لديننا وهذا أمر لا أحد يـنازع فيـه ، ولكـن الأمة مطالبة قبل كل شيء بإصلاح نفسها ، بإصلاح وضعها ، أن نصلح أخطاء أنفسنا ، وكل منا خطاء وكل منا واقـع في خطأ ، فنسأل الله أن يوفقنا لإصلاح أنفسنا قبل كل شيء ، الله تعـالى قـال لنبيه وأصحابه أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ فـبين تعـالى أن مصـابهم كان من تلقاء أنفسهم لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسـلم ، قد فروا عن الثغر الذي ألزمهم النبي صلى الله عليه وسلم الـبقاء فيـه ، فبين الله لهم أن هذا من أنفسهم ، قال بعض الصحابة ما كـنا نظن ذلك حتى سمعنا هذه الآية فتبصرنا في أنفسنا فعلمنا من أين أتينا .
إن المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والإسلام ، بلد وفقه الله للخـير وأنعم الله عليـه نعمة الإسـلام ، بأن حكم شريعة الله ومحاكمـه تحكـم بشرع الله وتقيم حدود الله ، وبلد حوى الحرمين الشريفين ، وبلد يمثل قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ، وبلد من الله عليه بالأمن والاستقرار والهدوء والانضواء تحت قيادة نسأل الله لها التوفيق والعون والرشاد .
نحن لا نؤيـد الأخطاء ، لكن لسنا نجزم بأن هناك عدوا في داخلـنا ، نحـن أمة واحدة ، وجماعة واحدة ، وإن وجد أخطاء عند بعضنا فعياذا بالله أن نقول هؤلاء أعداء ، لا شك أن الأخطاء لا يقرها أحد ولكن هل نقول عند كل خطأ بتقسيم أنفسنا إلى صراع بيننا ، لا يـا إخوة ، نحن أمة واحدة ، ونحن ولله الحمد في هذا البلد المبارك أمة واحدة ، لكن كون أحد منا يخطئ ، الخطأ واقع من الناس ولا بد ، قـال الرسول صلى الله عليه وسلم : كلكم خطاء وخير الخطائين الـتوابون وقال عليه الصلاة والسلام : لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم . فالله تعالى بين لـنا أنه خلق أبانا آدم بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحـه وأسكنه جنته ، وقال : كل الجنة لك سوى هذه الشجرة ، فآدم علم ولكن طبيعة ابن آدم الخطأ والنسيان فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى .
فانظـر إلى أبينا آدم أبي البشر من له تلك المميزات ومع هذا وقع في الخطأ ، فوقوع الأخطاء في أي زمان وفي أي مجتمع ليس أمرا غريبا ، إنما الغريب أن يستمر الناس على الخطأ ، والغريب أن لا يعالج الخطأ ، ولكن كيف يعالج الخطأ ؟ إنه لا يعالج إلا بالأسلوب الحكيم والبصيرة في الأمور كلها .
والمنتسبون إلي العلم يعالجون كل قضية بحكمة وبصيرة ورويـة ، يدرسونها ، وينظرونها من كل الجوانب فإذا تصوروا الأمر التصور الصحيح ووضح عندهم وضوحا بينا وأدركوا القضية ، وما يـترتب عليها في الحاضر وما عسى أن سيكون- لأن علم الغيب عند الله- ودرسوها دراسة جيدة وتوصلوا إلى حلول مناسبة تعالج أي قضـية ، تقدموا إلى المسئولين بطريقة حكيمة ، والمسئولون ولله الحمـد لم يغلقوا أبوابهم أمامنا ، ولم يوصدوها أمامنا بل هم يقبلون النصيحة ، لكن الأمور تحتاج منا إلى حكمة ، وتحتاج منا إلى روية ، ويحتاج طالب العلم أن ينطلق من تصوره المنطلق الصحيح ، لا شك أن هـناك غيورين ومتحمسين يحملهم دين وتقى لا شك ، لكن قد يفقدون الحكمة أحيانا ، وقد يوسعون الهوة أحيانا ، وقد يتسببون في حدوث تصادم أحيانا ، وهذا أمر لا يليق ، إنما طلاب العلم يتميزون برويـتهم في الأمـور وتبصرهم في المواقف وعلاجهم للقضايا على مسـتوى من العقل والعلم والإدراك ، وأما أن نشيع أن هناك عدوا داخـليا ، وأن هـناك وأن هناك حتى لو قدر أني أعلم شيئا من هذا فليست مهمتي أن أضخم هذه الأمور وأن أخيف الناس بكذا ، لأني لا أريد أن أشيع الفاحشة بين المؤمنين ، ولا أريد أن أفتح هوة ، أقول إن مجتمعنا منفصل ، لا ، مجتمعنا مجتمع إسلامي إن شاء الله ، ومجتمعنا مجتمع متوحد إن شاء الله ، والزلات والهفوات هذه أمور لا يمكن أن يخلو أي زمن منها .
إن العالم الإسلامي واجه مثل هذه الأمور في القرن الثاني بعد التابعين وتابعيهم عندما قال قوم بخلق القرآن ، وماذا نتج عن ذلك ، وكيف كان الإمام أحمد وأمثاله يعالجون هذه القضية بحكمة وبصيرة إلى أن وفقهـم الله فصبروا وكان صبرهم عن علم حتى اتضح الحق وانجلى وافتضح الباطل واندمر .
إن علماء الأمة قديما لا يعالجون القضايا بتعظيمها وتضخيمها ، نحن نعلم أن الدنيا لا تخلو من خطأ والله تعالى أخبرنا أن أولادنا قد يكونون أعداء لنا وأنهم فتنة لنا ، هل نقول الأولاد أعداء فنهجرهم ، هـذا لا يصـح ؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم نعمة ، ولكن منهم من قد يكون عدوا لأبيه ، وما نوع تلك العداوة ، إنه لا ينبغي لطلاب العلم إذا حـلت مشكلة أن يصوروها بشيء ربما يستثير عواطف من لا يحسن ولا يتبصـر ، وإنمـا تعالج القضايا بين أروقة العلماء ، وفي مجتمعاتهم الخاصة دراسة وتبصرا وإدراكا للعواقب وتصورا للنتائج ، ثم رفـع ذلـك إلى ولاة الأمر بطريقة أدبية يقصد من خلالها تحقيق المصـلحة العامة ، أما العواطف والحماس الذي قد يخرج عن طوره وقـد لا ينضبط وقد يترك أثرا غير سليم فلا أوصي به إخواني ولا أنصـحهم بذلـك ، وإنما نصيحتي لكـم أيها الإخوة ، أن نكون على اتصال دائم فيما بيننا ، وصلة فيما بيننا ، وتدارس للمشاكل فيما بيننا ، وأمـا أخطاء الصحافة ، أو كتاب الصحافة ، وتجاهل بعضهم ، وسوء عـبارة بعضهم ، فهذا خطأ منهم لا يمكن أن ننسبه لغيرهم ، هؤلاء أخطئوا والواجب نصحهم وتحذيرهم ، وإن شاء الله لن يتكرر ذلك ، لكن أن أجعل هذه القضية دليلا على أن هناك عدوا منتصبا ، هذا لا ينـبغي ، المجتمع مجتمع خـير إن شاء الله ، وقيادته حريصة على الخير أيـنما كان ، إنها قيادة إسلامية وحريصة على ما ينفع هذا المجتمع ، ولكـن الأمور يجب أن تأخذ مسارها من الطرق السليمة والقنوات الصـادقة والمخلصة ، وأن يكون بيد أهل العلم يدرسون كل قضية دراسة متأنية ، والدارسون حريصون على أن يجدوا حلولا مناسبة ثم يتقدمون بها ، وسوف يحققون إن شاء الله الخير .
إنـه لا ينبغي أن نفتح للمغرضين والفارغين وقاصري الفكر أبوابـا يدخـلون من خلالها ، فيصعبون الأمـور ، ويتوقعون ما لا يكـون ، ونحن ولله الحمد مسلمون ، وأما أن نقارن عدونا اليهودي بعدو بيننا فهذا أمر خطير لا ينبغي المجازفة فيه ، أخوك المسلم يخطئ ، فـنعم ، والمسـلم يكون فيه خطأ وصواب ، وإيمان وفسق كما قرر العـلماء ، وأما أن نقول هذا عدو يهودي خارجي ، وهذا عدو مثله داخلي ونحو ذلك ، فأنا لا أحب لطلبة العلم أن يجازفوا بالأقوال من غير روية ولا بصيرة ، ولو سئل بعضهم ، حدد العدو الداخلي ، وما هي أهدافه ، وأين يكون ، لم تر جوابا ، وإنما هي مجرد أقوال تتلقف . . قال تعالى إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ .
فأوصي طلبة العلم بتقوى الله والتمسك بدين الله وأن يكونوا دعـاة إلى ديـن الله على علم وبصيرة ، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد .
وصـلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
من منتديات التصفية والتربية تحت اشراف الشيخ لزهر سنيقرة حفظه الله
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
جزاك الله خيرا اخي حاتم