السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني واخواتي هذا موضوع مهم حتى نتجنب مفسدات الصوم لعله يحص صومنا وتقبل الله منا ومنكم
خطبة ليوم سبت, 08/15/2009 – 17:59
ملخص الخطبة:
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عبادَ الله، أيّها الصائمون: شرِع لكم الصيامُ، لتزكية نفوسِكم، وطهارةِ قلوبِكم، وصِحّةِ أبدانكم، وقوّةِ صِلتِكم بربِّكم وخالقِكم.
أيّها الصائمون : شهرُكم هذا يسمَّى بشهرِ الصّبر، أجل إنّه الصبرُ بكلِّ ما تحمِله الكَلمة من مَعنى، إنّه صبرٌ على طاعةِ الله، وإنّه صبرٌ عن معاصي الله، وإنّه صَبر على أقدارِ الله المؤلِمَة. أجّل أيّها الصائم، فأنت بصيامِك تصبِر على الصومِ لكونك موقنًا بأنَّ هذا طاعةٌ لله، وأنّ صيامَك عبادةٌ لله، وأنَّ صيامك قربةٌ تتقرَّب بها إلى الله. إنك تصوم أيها المسلم، تصوم رمضان صبرًا عن معاصي الله التي حرَّمها عليك، فتصبر عنها في رمضانَ لتكون صابرًا عنها مدَى العام. صبرٌ على الأقدار المؤلمة، كلّما آلمك الجوع أو العطَش وتذكَّرتَ أن ذلك في سبيل الله صبرتَ على ذلك صبرَ الموقِنِ الراجي للثّوابِ الخائفِ من العقاب.
أيّها الصائم المسلم، في الصيامِ امتحانٌ لأمانَتِك التي حمِّلت إياها، فإنَّ الواجباتِ الشرعيّةَ أمانة في عنُق العبد، والله سائلُه عنها. إذًا أنت مؤتَمَنٌ على صيامِ رمضان، إنّه عبادَةٌ بينك وبين ربِّك، سِرّ بينك وبين ربِّك، لا يطَّلع عليه إلاَّ الله، فإذا حقَّقتَ تلك الأمانةَ نِلت الثوابَ العظيم في الدنيا والآخرة.
أيّها الصائم المسلم، الصومُ أمانةٌ؛ إذ الصوم تركُ مشتهياتِ النفس: من الطعام، من الشراب، من النساء، من طلوع الفجر الثاني إلى غروبِ الشمس.
أيّها الصائم، إنّ الصومَ أمانةٌ، فاتَّقِ الله وأدِّ الأمانة وحافِظ عليها محافظةَ المؤمِنِ الموقن.
أيّها الصائم المسلم، إنَّ تفقُّهَك في دين الله وعلمَك بما يفسِد صيامَك حتى تكون بعيدًا عن ذلك أمرٌ مهِمّ.
فاعلم ـ أخي الصائم ـ : أنّ الله جلّ جلاله بيَّن لنا في كتابِهِ العزيزِ أصولَ المفطِّرات التي أجمَع المسلمون إجماعًا قطعيًّا على أنها منافيةٌ للصّيام، وهي الأكل أو الشّربُ أو مواقعةُ النساء، فتلك أمورٌ أجمع المسلمون على أنها منافِيَة للصيام ومفسِدة للصّيام ولا تتَّفِق مع الصّيام.
إذًا فيا أخي المسلم، الأكلُ والشرب منافيانِ لحقيقةِ الصيام، لأنّ الله يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة:187]، فأمَرَنا أن نتِمَّ الصيامَ إلى الليلِ، وجعل ميقاتَ الأكل والشّربِ إلى طلوع الفجر الثاني، وهو تبيُّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض؛ وأمرنا أن نتِمَّ الصيام إلى الليل؛ إذًا فالأكل والشّرب مفسدان للصيام مهما كان نوعُ ذلك المأكولِ أو نوع ذلك المشروب، وسواء كان هذا الأكلُ والشّرب من طريق الفَمِ أو الأنفِ أو مِن أيِّ موضعٍ من البدَن إذا كان هذا طعامًا أو شرابًا فإنّ الصائمَ إذا تعاطاه متعمِّدًا بطَل صيامه وفسَد صيامه؛ لأنّ هذا منافٍ لحقيقةِ الصيام، ولذا قال النبيّ في حديث لقيط بن صبرة: "وأسبغ الوضوءَ، وبالِغ في الاستنشاق إلا أن تكونَ صائمًا"، مما يدلّ على أنّ الأنفَ منفَذٌ للجَوف، فإذا أدخِلَ الطعامُ أو الشراب من طريق الفمِ أو من طريق الأنف أو من أيِّ موضعٍ كان من البدَن وكان هذا يعطي وجبةَ طعامٍ أو شراب يتغذّى به الجسدُ فإنّ هذا منافٍ للصيام.
وثانيًا: الإبَر المغذِّيةُ التي توضَع في المريض لكي تكونَ مغنيةً له عن الطعام والشرابِ عندما يتعذَّر إدخاله من الفم ونحو ذلك فإنها أيضًا منافيَةٌ ومفسِدة للصيام.
أيها الصائم، إتيانُ الرجلِ امرأتَه في الصّيام مُنافٍ للصّيام، فإنّ الجماع في نهارِ رمضان منافٍ للصّيام بإجماع الأمّة؛ جاء رجلٌ إلى النبيِّ فقال: هلكتُ وأهلكت يا رسول الله، قال: "ما فعلت؟" قال: أتيت امرأتي في رمضانَ، قال: "هل تجد أن تعتِق رقبةً؟" قال: لا، قال: "هل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين؟" قال: لا، قال: "هل تستطيعُ أن تطعِمَ ستين مسكينًا؟" قال: لا… الحديث". فدلَّ على أنّ إتيانَ الرجل امرأتَه مترتِّب عليه. أولاً: معصيةٌ لله وارتكابُ كبيرة من كبائرِ الذنوب، وثانيًا: إفسادُ ذلك اليومِ ووجوبُ الكفّارة المغلَّظة، والتوبةُ إلى الله من ذلك الذنبِ العظيم.
أيها المسلم، والمسلم يتوقَّى كلَّ وسيلةٍ يمكن أن تفضِيَ به إلى الحرامِ، فيتّقي اللهَ ويراقبُ الله في نهارِهِ كلِّه ليكونَ من المؤدِّين للأمانة على الحقيقةِ.
أيّها المسلم، ومما يفسِد الصيامَ حَقنُ الدّمِ لمن احتاج إليه، فإذا أُسعِف الصائم بدَمٍ لكون الدّمِ ناقصًا عنده فإنّ إدخالَ هذا الدمِ في الجوف ومعلومٌ أثرُه في صحَّةِ البدن فإنّ ذلك أيضًا مفسِد للصّيام.
أيّها الصائم، ومما يفسِد صيامَ المسلم تعمُّدُه إخراجَ القيء من جوفه، فإنّ تعمّدَ إخراجِ القيء من الجوف مفسِدٌ للصيام؛ لأنّ النبيَّ قال: "من استقاء وهو صائم فليقضِ، ومن ذَرَعه القيءُ فلا قضاء عليه"؛ احتلامُ الصائِمِ في رمضانَ لا يؤثِّر عليه؛ لأنّ هذا أمرٌ غالِب عليه ولا قدرةَ له على مَنعِه؛ تعمُّدُ الصّائمِ إخراجَ المادّة المنويّة بطريق العادَةِ المستهجَنَة السّريّة أو نحو ذلك هذا أمرٌ منافٍ للصّيام؛ لأنّ الصائمَ يدَع طعامه وشرابَه وشهوته، وهذا من إخراجِ الشهوة فذاك منافٍ للصيام.
أيّها الصائمُ المسلم، خروجُ دَمِ الحيض من المرأةِ مفسِدٌ لصيامِها ولو كان قبلَ الوقتِ بدقائقَ، وخروجُه بعد غروبِ الشمس لا يؤثِّر على صيامِها؛ لأنَّ الوقتَ قد انتهى لقوله: "إذا أقبل الليلُ من ها هنا وأدبر النهارُ من ها هنا وغربتِ الشمس فقد أفطر الصائم"؛ تعمُّد إخراجِ الدّمِ بطريق الحِجامة مفسِدٌ للصّومِ بنصِّ سنّة رسولِ الله حيثُ يقول: "أفطَر الحاجِمُ والمحجوم" .
أيّها المسلم، عندما يقَع الأكلُ أو الشّرب نِسيانًا فإنّ ذلك لا يؤثِّر على الصيام؛ لأنَّ النبيَّ قال: "من نسيَ فأكَلَ أو شرِب فليتِمَّ صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه".
أيّها المسلم، تأكَّد في فطرِك من غروبِ الشمس، ووَسائِلُ التحقُّق الآنَ ممكِنة، بطريق الساعة، مِن طريق الهاتف، من طريق وسائِلِ الإعلام، فالأمرُ جليٌّ وواضِح، فعلى المؤذّنين أن يتأكَّدوا من غروبِ الشمس ويتحقَّقوا بالوسائل الممكِنَة حتى لا يقَعَ الصائمون في حرَجٍ في صيامهم.
أيّها الصائم، لعلَّك أن تتساءَل عن أمورٍ يضطرُّ لها الصائم في صيامِه:
أوّلاً: قد يحتاج الصائمُ إلى تحليل الدّم، إمَّا في آخر النّهار أو في أوّلِه أو عند غروب الشمس لا سيّما الأنسولين السكّري وأمثاله، فالجواب أنّ هذه الإبَر التي تؤخَذ لهذه الضّرورة فإنها لا تنافي الصيامَ؛ لأنها ليس إدخالَ شيء للجوف مأكولاً أو مشروبًا.
وثانيًا: لعلّك أن تتساءَلَ عن تحليلِ الدّم، فتحليلُ الدّمِ اليسير الذي لا يؤثِّر على الصائمِ ولا يضعِفُ قوّتَه فإن شاء الله أنّه لا ينافي الصّيامَ.
ولعلّك أن تتساءَل : قد يضطرّ الصائم يومًا إلى قلعِ سِنّه فما العمل؟ نقول: إذا اضطررتَ إليه، إن أمكَنَ التأخيرُ للّيلِ فهو أولى، وإن اضطررتَ إلى قلعِه في النهار فإنّ ذلك لا يؤثِّر على صومِك وإن قُدِّر خَرَج دمٌ؛ فإنه ليس المقصود إخراجَ الدّم، إنما المقصود علاجُ هذا السّنِّ بقلعه.
وقد تتساءَلُ عن حشوِ الأسنان أثناءَ الصيام، فإنّ ذلك أيضًا لا ينافي الصيامَ ولو أعطِيتَ بَنجًا لأجل قَلع الضِّرس، فإنّ ذلك لا ينافي صيامَك.
وقد تتساءلُ أيها الصائم، وقد أصاب الناسَ شيءٌ مِن أنواع الأمراض، فيضطرّون إلى البخّاخ لأنّ النفسَ يضيق أحيانًا، ويصيبُ المصابين بداءِ الربوِ أو غيرها، فإن تحتاجون إلى هذا البخّاخ الذي حقيقتُه توسيعُ قصَبات الهواء لراحةِ الإنسان وليس مقصودُه شيئًا يدخلُ الجسم ليقوّيَه مطعومًا أو مشروبًا، فالظاهرُ إن شاء الله أنّ ذلك لا يؤثِّر على الصيام لأنّه لا يُلحَق بما يؤكَل أو يشرَب.
أيّتها المرأة المسلمة، لا بدَّ من التفقُّه في الدِّين ومعرفةِ أحكامِ الشّرع في الطّهارة وعدمِها.
فاعلمي ـ أيتها المرأة المسلمة ـ : أنّ المرأةَ المسلمة الصائمة لو أصابها دمٌ وهي أثناء الحمل فإنّ هذا الدمَ لا يسمَّى حيضًا ولا ينافي الصيامَ؛ لأنّ المعروفَ أن الحاملَ لا تحيض، وما يخرُج منها من دمٍ فيعتَبَر دمًا فاسدًا؛ المرأةُ المسلِمة أحيانًا تتساءَل عَمّا يحصُل لدَى النساء من أمورٍ قد تكون سببًا في تأخيرِ الدّمِ أو نُزوله على فتراتٍ متعاقبة، كالنّسوة اللواتي يستعمِلنَ ما يسمَّى باللّولِب لأجل أمرٍ ما من الأمور، فإنّ ذلك قد يؤدِّي إلى استمرار خروجِ الدّم أيّامًا متعدِّدةً، وربما بلغتِ الشهرَ كلَّه، وهذا لا شكَّ أنه مما قد تحار فيه المرأةُ المسلمة، فإذا ثبتَ عندها ذلك فإنَّ الواجب عليها أن تتركَ الصلاة والصيامَ أثناءَ العِدّة المعتَبَرة قبل هذا التغيُّر، وأنّ هذا التغيّرَ لا اعتبارَ له.
ودلَّت سنّةُ رسول الله على أنّ المرأةَ المسلمة إذا رأَت شيئًا بعد طُهرِها أنَّ ذلك لا يؤثِّر عليها، ففي حديثِ أمّ عطيةَ أنّ النبيَّ أخبرهم أنّ الكدرةَ والصفرة بعد الطُّهر لا تعتَبَر شيئًا، قالت أمّ عطية: كنَّا لا نعُدّ الكدرَةَ والصفرةَ بعدَ الطّهرِ شيئًا ؛ ودلّت سنّةُ رسولِ الله على أنّ المرأة إذا أسقَطَت جنينًا قبل أن يتخلَّق أي: قبل أن يمضيَ عليه أكثرُ من ثمانين يومًا، فإنَّ هذا السّقطَ لا تعتَبِر المرأة نفسَها نفساء؛ لأنّه لم يتبيَّن فيه خلقُ إنسان ظاهرًا، ولأنّ ما أقلّ من الثمانين يومًا لا يمكن أن يبدوَ فيه خلقُ إنسان.
أيّها المسلم، تفقَّه في دينِك، وكن على بصيرةٍ في أمر دينك، وحافظ على أمانة صيامِك.
أسأل الله: لي ولكم التوفيقَ والسداد والعونَ على كلِّ خير، وأن يجعلَنا وإياكم من الصائمين الصادقين، إنه على كلِّ شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) .
بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.
أمّا بعدُ:
فيا أيّها الناس : اتّقوا الله حقَّ التقوى.
عبادَ الله : إنّ تناوُلَ المسلم وهو صائمٌ للعطوراتِ وأنواعِ الطِّيب السائلة لا يؤثِّر على صيامه، فالعطوراتُ على اختلافِها لا تؤثِّر على الصّيام، إنما الذي ينبغِي أن يجتَنَب هو البخور، فالبَخور أثناءَ الصيام هو الذي يتأكَّد اجتنابُه والبُعد عنه، أمّا أنواعُ العطورات: فإنها لا تؤثِّر على الصائم؛ المرأةُ النُّفَساء إذا مضَى عليها عشرون يومًا أو نحو ذلك وانقطَعَ الدّم عنها انقطاعًا كاملاً ولم ترَ صفرةً ولا دمًا وجَب عليها أن تصومَ ولو لم تستكمِل أربعين يومًا؛ لأنَّ الأربعين هي أقصى حدٍّ، فإذا انقطَعَ الدّمُ ورأتِ الطهرَ الكامل وجَب عليها أن تغتسلَ وتصومَ وتصلّيَ ولا يضرُّها شيء.
أيّها المسلم، إنَّ سنّةَ نبيك تعجيلُ الفطر إذا تأكَّد الغروب، هذه سنّةُ نبيِّك ، يقول فيما صحَّ عنه: "أحبُّ عبادِ الله إلى الله أعجلُهم فطرًا"، وقال : "لا يزال الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطر"، وقال عن ربّه أنه قال: "أحبُّ عبادِي إليّ أعجلُهم فطرًا"؛ فكان يبادِر بالفطرِ متى تحقَّق غروبَ الشمس، هكذا هديُه ؛ بداءَته بالفطرِ قبل الصلاة؛ وكان من هديِ نبيِّكم أن يؤخِّرَ السحورَ إلى قُرب الوقت، هكذا هديُه ، تسحَّر زيدُ بن ثابتٍ مع النبيِّ فسأل أنَسٌ زيدًا: كم كان بين سحورِكم وإقام الصلاة؟ قال: مقدار خمسين آية؛ وكان نبيّكم يحثّ على السحور ويرَغِّب فيه ويقول: "فصلُ ما بين صيامِنا وصيامِ أهل الكتاب أكلَةُ السّحر"[5]، ويقول لنا : "تسحَّروا؛ فإنّ في السحور بركة"؛ بركةُ السّحور بركةُ الوقتِ والقيامِ في ذلك الوقتِ المفضَّل ليدعوَ الإنسان ربَّه ويتوسَّل إليه ويرجوَه ويطيعَه ويتضرَّع بين يدَيه، ويكون طائعًا لله متَرّقبًا لساعةِ إجابةِ الدعاء، وبركةُ أداء صلاةِ الفجر في وقتها، وبركة الاقتداء والتأسّي بمحمّدٍ .
أيّها الصائم، إنَّ النبيَّ يقول: "السَّحور بركةٌ فلا تدعوه، ولو أن يجرعَ أحدُكم جرعةً من ماء، فإنّ الله وملائكتَه يصلّون على المتسحِّرين"؛ إذًا فالمسلم يرتقِب السّحور ولو بشيءٍ قليل، وهو يقول: "نِعم سَحور المسلِمِ التّمر".
فيا أخي المسلم، هذه سنّةٌ أحيِها، ولو قُدِّر أنّ عشاءَك كان متأخِّرًا فأحيِ هذه السنّةَ بما تستطيع اقتداءً وتأسّيًا بمحمّد ؛ ونبيّكم كما أخبرنا عنه أنَس أنه كان يفطِر على رُطَب إن كان زمنَ رطب، وإلاَّ فعلى تمراتٍ إن كان في غيرِ زمن الرطب، وإذا لم يجد في بيته رُطبًا ولا تمرًا فإنّه يحسو حَسَواتٍ من ماء صلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدين[9]، بمعنى أنّه يمرّ به أيّامٌ من رمضانَ ليس في بيته ما يأكلُه الصائِم وينتفِع به، وإذا قارنّا أحوالَنا وموائدَنا وتنوّعَها وتفنُّنَنا فيما نتسحَّر وفيما نفطِر وفيما نتعشّى ورأينا تلك النعمَ العظيمة والخيراتِ الكثيرة ورأَينا ورأينا عُدنا إلى أنفسِنا لننظرَ: هل قمنا بحقِّ هذه النعمة؟ وهل شكرناها على الحقيقة؟ هل أدّينا واجبها؟ هل شكَرنا من تفضَّل وأنعم بها بقلوبِنا وألسنَتِنا وجوارحنا؟ فإنها نِعَم شاهدةٌ علينا، فلِلَّه علينا نِعَمٌ وآلاء عظيمة، نسأل الله شكرَ هذه النعمة والقيامَ بحقِّها، إنه على كل شيء قدير.
أخي الصائم، كُن عندَ الإفطار مقبِلاً على ربّك، فإنّ للصائم عند فِطره دعوةً لا ترَدّ، والصائم أحدُ الثلاثة الذين لا تُرَدّ دعوتهم، ففي الحديث: "ثلاثةٌ لا ترَدّ دعوتهم: المسافِر والصائِم والمظلوم"، فإنّ هؤلاء يجاب دعاؤهم بتوفيقٍ من الله، فكن عند إفطارِك خاضعًا لربّك مستقبِلَ القبلة رافعًا أكُفَّ الضراعة لذي الجلال والإكرام، اسأَله من فضلِه وكرَمِه وجودِه، فإنك في عبادةٍ وفِطرُك عبادة، فأنت فرِحٌ بفطرِك أن وافقتَ أمرَ الله فصمتَ، وفرِح بما تشتهيه نفسُك. إذًا فادعُ الله وأخلِص له الدينَ، وكن ذاكرًا شاكرًا لربّك نعمَه عليك، فكم نعمة من الله عليك، غيرُك يتمنّى أن يصومَ فحيل بينَه وبين الصيام، فاشكر اللهَ على هذا الفضل وعلى هذه النّعمة، نسأل الله أن يديمَ علينا وعليكم توفيقَه ونِعَمَه، وأن يجعَلَنا وإياكم ممن يستعملُها في طاعةِ الله وفيما يقرِّبنا إلى الله، إنه على كل شيء قدير.
أيّها المسلم، المريض الذي حِيلَ بينه وبين الصيام، اعلَم أنّكَ بنيَّتِك الصالحة وعزيمَتِك الصادِقة أنّ لك ثوابَ الصائمين وأجرَ الصّائمين، يقول : "إذا مَرِض العبدُ أو سَافَر كتَب الله له مَا كانَ يَعمَلُه صَحيحًا مقيمًا"، فإذا عَجزتَ عن الصّيام فلا تعجَز عن تلاوةِ القرآن، ولا تعجَز عن ذِكرِ اللهِ، ولا تعجَز عن نوافِلِ الطّاعة، فإنّ فضل الله واسِع وثوابه عظيم. أسأل الله أن يوفِّقَنا جميعًا لما يُرضيهِ، إنّه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم : الله أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار، وصلوا – رحمكم الله- على سيد الأولين، والآخرين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا ونبينا محمد ابن عبد الله، الهاشمي، القرشي -صلى الله عليه وسلم-، امتثالا لأمر ربكم القائل: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " .
اللهم صلي وسلم، وبارك على عبدك، ورسولك سيد ولد آدم، وارض اللهم عن خلفاءه الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك، وجودك، وإحسانك، يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام، والمسلمين، وأذل الشرك، والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمرنا؛ اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين؛ اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين فهد بن عبد العزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك؛ اللهم أنصر به دينك، وأعلي به كلمتك، واجمع به قلوب الأمة على الخير والهدى.
اللهم وفق ولي عهده عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، واجعلهم أعواناً على البر والتقوى.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه، يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
1- مقصد الصبر في الصيام. 2- الصوم أمانة. 3- أصول المفطرات. 4- مفسدات الصيام. 5- عذر النسيان. 6- أمور لا تفطر الصائم. 7- من أحكام صيام المرأة. 8- من آداب الصيام.
ولنا رجعة للموضوع للاضافة والاثراء باذن الله
مشكوووووور اخي والله يعطيك الف عافيه
وبارك الله فيكم على التعديل
مفسدات الصوم هي المفطرات ، وهي : الجماع ، والأكل والشرب، وإنزال المني بشهوة ، وما بمعنى الأكل والشرب، والقيء عمداً ، والحجامة ، وخروج دم الحيض والنفاس ، هذه ثمانية مفطرات.
أما الأكل والشرب والجماع: فدليلها قوله تعالى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(البقرة: 187) .
وأما إنزال المني بشهوة : فدليله قوله تعالى في الحديث القدسي: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".وإنزال المني شهوة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر" والذي يوضع إنما هو المني الدافق ، ولهذا كان القول الراجح أن المذي لا يفسد الصوم حتى وإن كان بشهوة.
الخامس : ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي الإبر المغذية التي يستغني بها عن الأكل والشرب ، لأن هذه وإن كانت ليست أكلاً ولا شرباً لكنها بمعنى الأكل والشرب حيث يستغنى بها عنه، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقف بقاء الجسم على تناول هذه الإبر، بمعنى أن الجسم يبقى على هذه الإبر وإن كان لا يتغذى بغيرها ، أما الإبر التي لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب ، فهذه لا تفطر سواء تناولها الإنسان في الوريد أو في العضلات أو في أي مكان في بدنه.
والسادس: القيء عمداً ، أي : أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن الني صلى الله عليه وسلم قال : " من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه". والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ بطنه من الطعام ، واحتاج البدن إلى ما يرد عليه هذا الخلو ، ولهذا نقول : إذا كان الصوم فرضاً فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقيأ، لأنه إذا تقيأ ضر نفسه وأفسد صومه الواجب.
وأما السابع : وهو خروج دم الحجامة ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم".
وأما خروج دم الحيض والنفاس ، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"، وقد أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض ومثلها النفساء.
وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة وهي : العلم ، والذكر ، والقصد، أي أن الصائم لا يفسد صومه بهذه المفسدات إلا بشروط ثلاثة:
أن يكون عالماً بالحكم الشرعي ، وعالماً بالوقت أي بالحال ، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح ، لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286)، ولقوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: 5)، ولثبوت السنة في ذلك ، ففي الصحيح من حديث عديث بن حاتم رضي الله عنه أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد الجمل ، أحدهما أسود والثاني أبيض ، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين له الأبيض من الأسود ثم أمسك ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فبين له النبي صلى الله عليه أنه ليس المراد بالخيط الأبيض والأسود في الآية الخيطين المعروفين ، وإنما المراد بالخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود الليل أي : سواده ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم ، لأنه كان جاهلاً بالحكم يظن أن هذا هو معنى الآية الكريمة.
وأما الجهل بالوقت فلحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، وهو في البخاري، قالت : أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ، ولو أمرهم به لنقل إلى الأمة ، لقول الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ، فلما لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله ، علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم به ، ولما لم يأمرهم به – أي بالقضاء – علم أنه ليس بواجب ، وعلى هذا فلو قام الإنسان يظن أنه في الليل فأكل أو شرب ، ثم تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر ، فإنه ليس عليه قضاء ، لأنه كان جاهلاً .
وأما الشرط الثاني : فهو أن يكون ذاكراً ، وضد الذكر النسيان ، فلو أكل أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقول الله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة:286) ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".
وأما الشرط الثالث وهو القصد ، فهو أن يكون الإنسان مختاراً لفعل هذا المفطر ، فإن كان غير مختار فإن صومه صحيح ، سواء كان مكرهاً أم غير مكره، لقول الله تعالى في المكره على الكفر: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106) ، فإذا كان الحكم – حكم الكفر – يرتفع بالإكراه فما دونه من باب أولى ، وللحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وعلى هذا فلو طار إلى أنف الصائم غبار ووجد طعمه في حلقه ونزل إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك ، لأنه لم يتقصده، وكذلك لو أكره على الفطر فأفطر دفعاً للإكراه فإن صومه صحيح، لأنه غير مختار ، كذلك لو احتلم وهو نائم ، فإن صومه صحيح ، لأن النائم لا قصد له ، وكذلك لو أكره الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها فإن صومها صحيح ، لأنها غير مختارة، وهاهنا مسألة يجب التفطن لها ، وهي أن الرجل إذا أفطر بالجماع في نهار رمضان ، والصوم واجب عليه ، فإنه يلزم في حقه أو يترتب عليه عدة أمور:
الأول : إثم .
والثاني : القضاء.
والثالث : الكفارة.
ويلزمه الإمساك بقية يومه، ولا فرق بين أن يكون عالماً بما يجب عليه في هذا الجماع أو جاهلاً ، يعني أن الرجل إذا جامع في صيام رمضان والصوم واجب عليه ولكنه لا يدري أن الكفارة تجب عليه فإن الكفارة واجبة، لأنه تعمد المفسد ، وتعمده مفسد تستلزم ترتب الأحكام عليه ، بل في حديث أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ، قال : " ما أهلكك؟" قال : وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع أن الرجل لا يعلم عنها.
وفي قولنا : فالصوم واجب عليه ، احتراز مما إذا جامع الصائم في رمضان وهو مسافر مثلاً ، فإنه لا تلزمه الكفارة ، مثل أن يكون الرجل مسافراً بأهله في رمضان وهما صائمان ، ثم يجامع أهله ، فإنه ليس عليه كفارة ، وذلك لأن المسافر إذا شرع في الصيام لا يلزمه إتمامه ، إن شاء أفطر وقضى ، وإن شاء استمر.
لفظيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
تحياتي