انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).
((قال الله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، هذه الباء هنا سببيه يعني بسبب عملكم الصالح، وأعظم الأعمال الصالحة هو الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ سأله رجل عن أفضل الأعمال.
قال: إيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان عمل قلبي مُشْ كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة لـه بالعمل!!!، لا، الإيمان:
أولًا: لابد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله ؛ ثم لابد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب، أن يظهر ذلك على البدن والجوارح لذلك فقوله تبارك وتعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني…)).اﻫ.
"الوجه الثاني" من الشريط (11) من "سلسلة الهدى والنور"
شريط رقم 446 من سلسلة الهدى والنور عند الدقيقة 04:34 وما بعدها، نقلا عن أخينا النهدي وفقه الله
وقال الإمام الألباني رحمه الله في الشريط رقم 856 من سلسلة الهدى والنور الدقيقة 7:00 تقريبا وما بعدها :
« أن أنواع الكفر ستة أنواع : تكذيب وجحود وعناد وإعراض ونفاق وشك ، أن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده , بل وبالاعتقاد والقول والعمل , وأن المرجئة هم الذين حصروا الكفر في التكذيب بالقلب وذهبوا إلى أن : كل من كفّره الشارع , فإنما كفّره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى ». اهـ رحمه الله
وقال الإمام الألباني رحمه الله كما في "الوجه الأول" من شريط "الفرقة الناجية":
((كما نسمع ذلك في كثير من الأحيان من بعض الشباب الذين لم يربوا تربية إسلامية، وأخلّوا بكثير من الأركان الشرعية كالصلاة مثلًا، إذا قيل لهم: يا أخي لِـمَ ما تصلي؟ يقول لك: العبرة بما في القلب، كأنه يقول أو كأنه يتصور: أنه من الممكن أن يكون القلب صالحًا، وصحيحًا، وسليمًا، أما الجسد فلا يتجاوب مع الأحكام الشرعية!!! ؛ هذا أمر باطل تمام البطلان، فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة، ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن)).اﻫ.
وقال الإمام الألباني رحمه الله كما في ( الدرر المتلألئة ) ، وهو ينتقد بعض المواضع من كتاب "ظاهرة الإرجاء" لسفر الحوالي -هداه الله- صحيفة رقم 127 :
((قال (د. سفرٌ الحوالي في (ص161): (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار، ومن تركها في أكثر أحيانه ؛ فهو إليهم أقرب، وحاله بهم أشبه, ومن كان يصلي أحيانًا ويدع أحيانًا فهو متردد متذبذب بين الكفر والإيمان, والعبرة بالخاتمة.
وترك المحافظة…. غير الترك الكلي الذي هو الكفر)).اﻫ.
فقال الإمام الألباني: ((وهذا التفصيلُ نراه جيدًا ؛ ولكن: هل علة الكفر في هذه الحالة هو التـرك لأنه ترك؟ أم لأنه يدل بظاهره على العناد، والاستكبار ؛ وهو الكفر القلبي؟ هذا هو الظاهر، وهو مناط الحكم بالكفر, وليس مجرد الترك, وهو معنى ما كنت نقلته في رسالتي عن ابن تيمية (ص44-46), وهو المُصرّ على الترك -مع قيام الداعي على الفعل -كما فصلته هناك-؛ فراجعه، فكلام المؤلف لا يخرج عنه؛ بل يبيّنه ويوضحه)).اﻫ.
قلت ( أبو عبد العظيم ) : إذا كان الشيخ يعلق على من قال : (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار….وترك المحافظة…. غير الترك الكلي الذي هو الكفر) قائلا : (( وهذا التفصيلُ نراه جيدًا )) ، فما بالكم بـــ (الترك الكلّي) لكلّ العمل وليس الصلاة فقط ، ماذا يقول فيه الإمام يا تُرى ؟! ، أترك الإجابة لعقلاء أهل السنة …
وقال الألباني رحمه الله ردّا على أبي غدة كما في شرح الطحاوية :
" المسألة الخامسة : يقول الإمام تبعا للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهوية وسائر أهل الحديث وأهل المدينة :
(( إن الإيمان هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان ، وقالوا يزيد وينقص ))
وشيخك تعصبا لأبي حنيفة يخالفهم ! مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم ، بل ويغمزهم جميعا مشيرا إليهم بقوله في"التأنيب" (ص:44-45) إلى "أناس صالحون"يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه، وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم ،ثم يقول:إن الإيمان الكلمة !! ، وأنه الحق الصراح .
وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون (!) هم عنده على الباطل في قولهم :بأن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص …." إلى أن قال صفحة 58 : " والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصوّر للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي ، يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركنا أصليا ثم يتناسى أنهم يقولون : بأنه يزيد وينقص , وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقا، بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفّرة عندهم :"وبقوله الإيمان يزيد وينقص" كما في "البحر الرائق" – "باب أحكام المرتدين" فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدين !! , راجع شرح الطحاوية (ص:338-360)، والتنكيل (2/362-373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة .
وليعلم القارئ الكريم أن أقلّ ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم – ولو كان فاسقا فاجراً – : " أنا مؤمن حقا " ، ينافي مهما تكلفوا في التأويل – التأدّب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }[الأنفال:2-4[
فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المُتعصبة ، من هو المؤمن حقا عند الله تعالى؟ ، ومن هو المؤمن حقا عند هؤلاء ؟!!"
انتهى كلام الألباني رحمه الله تعالى.
وقال-رحمه الله- في السلسلة الصحيحة المجلد السابع (القسم الأول /153-15) : « مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية ،فأقول ( الألباني ) : الإيمان يزيد وينقص، وإن الأعمال الصالحة من الإيمان وإنه يجوز الاستثناء فيه خلافا للمرجئة ، ومع ذلك رماني بالإرجاء أكثر من مرة ! فقابلت بذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها …) فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة !!»
انتهى كلام الألباني رحمه الله
وقال الألباني رحمه الله وهو يردّ على أحد أهل البدع :
" أن الرجل حنفي المذهب ، ماتريدي المعتقد ، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان ، وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر – والعياذ بالله تعالى – فقد جاء في ( باب الكراهية ) من "البحر الرائق " –لابن نجيم الحنفي – ما نصه ( 8/ 205) :" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال " – ثم قال الشيخ الألباني – : وهذا يخالف – صراحة – حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل : أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " – الحديث – أخرجه البخاري –وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107) . وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص – بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان " ، فليراجعه من شاء البسط . أقول ( الألباني ) : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة – ولله الحمد – في مسائل الإيمان ، ثم يأتي – اليوم – بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء ! "
انتهى كلام العلامة الألباني رحمه الله من كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ص 32 – 33 .
وقال الألباني رحمه الله أن الكفر يكون بالأعمال كما يكون بالاعتقاد , حين قال :
"ومن الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً ، لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره ، كمثل من يدوس المصحف مع علمه به ، وقصده له " اهـ التحذير من فتنة التكفير صفحة 72
وهذا صريح في أن مناط التكفير عند الشيخ الألباني رحمه الله هو العمل المحض ، ولكنه -رحمه الله- أرجع ذلك لاعتقاد القلب وجحوده ، كما هو مذهب أهل السنة ، بخلاف المُرجئة الذين يجعلون مناط التكفير هو الجحود أو التكذيب !! ، وفرق كبير بين المسألتين ، كما لا يخفى ذلك على طلبة العلم ، فتأمّل.
وصرّح الألباني رحمه الله أن تارك الصلاة إذا عُرض على السيف وفضّل الموت على الصلاة ! , فهو كافر مرتدّ , كما في رسالة حكم تارك الصلاة صفحة 43
وأنكر رحمه الله إنكارا شديدا أن يكون الخلاف بين مرجئة الفقهاء وبين أهل السنة , خلافا لفظيا صوريا ! , وصرّح بأن الخلاف عقدي وجوهري , كما في شرح العقيدة الطحاوية صفحة 62 , فليُراجعه من شاء .
وقال الألباني رحمه الله في مقدمة تحقيق رياض الصالحين (ص:22) :
"والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب، وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أجمل بيان ".
فهل من يقول هذا الكلام ويقرر هذه التقريرات السنّية السلفية الخالصة , والتي تدك حصون المرجئة دكّا ؛ يُقال عنه أنه يقول بقول المُرجئة !!؟؟
سبحانك ربي هذا بهتان عظيم
المبحث الثاني
بيان مقصود العلماء المتأخرين والمعاصرين من لفظة ( تارك جنس العمل ) , أو قولهم ( تارك العمل بالكلية ) , ونقل إجماع السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على كفر من ترك العمل بالكليّة
إن مذهب سلفنا الصالح في الإيمان وعلاقته بعمل الجوارح من الوضوح بمكان , ولكن لمّا كثُرت الفتن , ووسّد الأمر إلى غير أهله , وانتشر الجهل , وأشربت القلوب حب الخصام والجدل , حارت في هذه المسألة عقول , ولم تكتف بما هو عن السلف مشهور ومنقول , فإذا بها في بحار الهوى تصول وتجول .
ولا شك عند أهل السنة أن الإيمان هو :
قول باللسان , واعتقاد بالقلب , وعمل بالجوارح .
وأنه يزيد وينقص , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حتى لا يتبقى منه إلا ذرة ! , أو يزول بالكلية والعياذ بالله .
والعلاقة بين اعتقاد القلب وعمل الجوارح علاقة وثيقة , فإذا قوي الإيمان في القلب , كثرت الأعمال الصالحة من أعمال الجوارح , وإذا ضعُف إيمان القلب , قلّت الأعمال الصالحة من أعمال الجوارح .
وإذا زالت أعمال الجوارح بالكليّة , دل ذلك على زوال إيمان العبد من القلب بالكلية ولابد .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " تخلّف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوّه من الإيمان,ونقصه دليل نقصه ,وقوته دليل قوته." اهـ [الفوائد: 112[
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما فى القلب مستلزم للعمل الظاهر. وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم" اهـ [الفتاوى 7294[
قال الإمام الشافعى رحمه الله: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية, لا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر " اهـ
شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 5/956
قال العلامة الآجري في كتابه العظيم "الشريعة" :
" ثم اعلموا : أنه لا تجزىء المعرفة بالقلب ، والتصديق ، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ، ولا تجزىء معرفة بالقلب ، ونطق باللسان ، حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث : كان مؤمناً , دل على ذلك الكتاب والسنة، وقول علماء المسلمين . "اهـ
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح ( 6/487 ) :
" وقد بسطنا الكلام على هذه في مسألة الإيمان ، وبيَّنا أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح وكذلك بالعكس؛ ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :} ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت ، صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب } وكما قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يعبث في الصلاة : } لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه { " اهـ رحمه الله
ومن أراد الإستزادة من أقوال العلماء حول هذه المسألة ، فليُطالع هذا الموضوع ..
إجماع الأئمة على كفر تارك العمل بالكلية , وبيان أنها مسألة خيالية
وهذا الذي قرّره هؤلاء الأئمة – من أنه لابد من عمل مع إيمان القلب – محلّ إجماع السلف الصالح قولا واحدا لا خلاف عليه .
فإذا كان في القلب ذرة من إيمان , يجب أن يظهر أثر هذا الإيمان الضعيف على أعمال الجوارح , مهما كان هذا العمل ضئيلا وصغيرا , ولكن لا بد أن يظهر شيئ , وإلا لم يكن في الباطن مؤمنا .
فاحفظ هذا يا أخا الإسلام , وعض عليه بالنواجز .
وهذا هو ما يقصده العلماء القائلين بأن تارك جنس العمل يكون كافرا ولا بد , وقولهم ( تارك جنس العمل ) أي ترك كل أعمال الجوارح الظاهرة بالكلية ! , فلا صام يوما من رمضان مرة في عمره قط ! , ولا صلّى ركعة لله مرة في عمره قط ! , ولا زكّى ولا تصدّق على فقير مرة واحدة في عمره قط ! , ولا حجّ مرة , ولا مدّ يده وقرأ صفحة من المصحف مرة قط ! , ولا دخل بيتا من بيوت الله مرة واحدة ليصلي قط !! , ولا أعان بيده ضعيفا لوجه الله مرة قط ! , ولا سقى كلبا شربة ماء لوجه الله مرة قط ! , ولا أماط الأذى عن الطريق لوجه الله مرة قط ! ولا ذهب يزور والديه ولا أقاربه ليصل رحمهم قط !!! , ولا فعل أي شيئ يصحّ أن يُطلق عليه أنه عمل صالح مرة !! , نطق بالشهادتين فقط وبقي دهرا لم يعمل شيئا قط على التفصيل الخيالي السابق ! , وشرب الخمر وزنا وسرق وركب المحرمات والفواحش بأنواعها , ثم يزعم أنه مسلم !
فهل يشك عاقل في كفر من كان هذا حاله ؟؟! ، ولينتبه القارئ الكريم أن كلمة جنس العمل عندما تُطلق في كلام أهل العلم قد يُراد بها الكل وقد يراد بها -عند البعض- الغالب ، والسعيد هو من تفطّن لهذا ووعاه قلبه ، ونحن إذا قلنا (تارك جنس العمل) نعني بذلك تارك ( كل ) الأعمال ! ، وهي مسألة غير عملية ولا تتصوّر ! ، كما سيأتي.
ولكن على فرض وجودها ؛ فلا يجوز للمسلم أن يتردد في أن تكفير من كان هذا حاله , وقد أجمع السلف على كفره وخروجه من حظيرة الإسلام , قولا واحدا , إذ لا يفعل هذا من عنده أدنى حد من الإيمان , كما صرّح بذلك الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في مقالته المشهورة " كلمة حق حول جنس العمل ", وهي منشورة على موقعه الرسمي على هذا الرابط .
وهذا هو عين ما قصده وقرّره الشيخ الألباني رحمه الله حين قال :
« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح , على كل حال: فنحن نفرق بين الإيمان الذي هو مقره القلب، وهو كما أفادنا هذا الحديث من عمل القلب، وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكمّلة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب…».اهـ
انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).
وقد زعم بعض من لا علم عنده , من الذين امتلأت قلوبهم حقدا وحسدا على هذا الإمام السلفي , أن هذا الكلام قديم ! , وأن الشيخ تغيّر اعتقاده في المسألة في آخر عمره !! , ولا شك أن هذه دعوى ينقضها الشيخ في كلامه القديم ! زعموا .
فها هو يقول ( فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكملة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب .. )
وهذا هو عين ما يذكره الشيخ دائما , بل هو كلام مفسّر لبعض إطلاقاته الأخرى , وكلام العلماء يفسر بعضه بعضا .
وقد يقول قائل : أنت تنقل ما هو حجة على الشيخ الألباني رحمه الله !! , لأنه ذكر أن أعمال الجوارح ليست جزءا أصيلا من الإيمان , ولكن هي أجزاء (مكملة) للإيمان…!
فأقول :
لقد صرّح الشيخ رحمه الله قبل هذه الكلمة الموهمة بلحظات (!) أن الإيمان بدون عمل لا يُفيد , وقال أن هذا لا يُتصور إلا في الخيال (!) , بل صرّح أن ( عدم ) العمل الصالح دليل على أن الإيمان لم يدخل القلب !
فهل بعد هذا البيان من بيان ؟؟ , أليس كلامه هذا دليل قاطع على أنه لا يقصد نفي مطلق أعمال الجوارح (!!) , اللهم بلى .
فقد صرّح الشيخ بأن ( عدم ) العمل دليل على ( أن الإيمان لم يدخل القلب ) ، ولكنه -رحمه الله- لا يتصوّر أن يقع هذا ويعتبره خيالا محض ، وهو الصواب.
فظهر من هذا التفصيل لكل منصف مُتجرد للحق مُحب لهذا الإمام بحق ! , أن الألباني يقصد آحاد وشُعب أعمال الجوارح وليس ( كل ) العمل , وإلا كان كلامه متناقضا ينقض أوله آخره ! , فتأمّل .
وجدير بالذكر أن الحكم على مسلم أنه لم يعمل شيئا من أعمال الجوارح قط على التفصيل السابق بيانه , هو مسألة خيالية – كما ذكر الألباني رحمه الله – وغير عملية ! ؛ لأنك لا تستطيع أن تحيط علما بما يفعله – أو لم يفعله الرجل ! – في خلواته وفلواته طيلة حياته (!) , وهذا الأمر لا يمكن لأحد إلا الله أن يحيط به علما ، وإذا كان الأمر كذلك فلن يترتب على هذه المسألة أحكام شرعية !!.
إذا علمت هذا , وضح لك مقصود هؤلاء العلماء – ومنهم الألباني – الذين يطلقون القول بأن تارك العمل لا يكفر , أو تارك جنس العمل , أو أشباه هذه العبارات – كما سيأتي في المبحث الثالث إن شاء الله – , فإنهم إنما عَنوا بذلك تارك الصلاة والزكاة والحجّ وعامّة الفرائض , وتارك الصلاة عندهم لا يكفر كما هو قول الجمهور , وإلا فتارك الصلاة يكفر بتركها مطلقا عند القائلين بكفره ولو أتى بكل الأعمال الصالحة , ولا يلزم من ذلك أنهم – أي الألباني ومن وافقه – ينفون عنه كل الأعمال الصالحة مطلقا على التفصيل الخيالي السابق !! , وكما ذكرت أن تارك العمل بهذه الصورة السالفة الذِكر لا يشك في كفره عاقل ! , فضلا عن عالم فاضل ، ولكن لأنها صورة خيالية غير عملية ، فقد أعرض عن ذكرها جمع من العلماء سلفا وخلفا ، وحُقّ لهم ذلك ، لأن الشرائع لم تبن على المسائل الخيالية والافتراضية ! كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم.
ويتبقى في هذا المبحث مسألة :
ما هو توجيه حديث الشفاعة المشهور وقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج أناسا من النار : " لم يعملوا خيرا قط " ويدخلهم الجنة , وفي رواية " فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه "
فكيف نجمع بين قوله " لم يعملوا خيرا قط " , وقوله " بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه " , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل بالكليّة ؟؟!
الجواب : أن هذه الألفاظ خرجت مخرج الأكثر والغالب من حال هؤلاء , والذي ترك الصلاة والزكاة وعامّة الفرائض , هذا فاسق فاجر شديد الفسق ويُخشى عليه من الكفر وسوء الخاتمة , فلا عجب أن يُطلق الشارع الحكيم فيه القول بأنه لم يعمل خيرا قط , أي في غالب أحواله وأكثرها لم يعمل خيرا قط , مع تلبسه بجميع أنواع المعاصي والآثام وإصراره عليها طوال حياته ! حتى يموت , ولكن هذا النفي لا يلزم منه نفي جنس الأعمال الصالحة مطلقا ! , فلا تعارض بين هذا الحديث وأمثاله , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل بالكلية .
وهذا الذي قرّرته ليس غريبا على لغة العرب , وإطلاق التعميم – لغة وشرعا – لا يُراد به الكل دائما ، وإنما قد يراد به الغالب والأكثر أحيانا , كما هو معلوم .
قال الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلاَّم-رحمه الله- في كتابه العظيم (الإيمان):"وإن قال قائل كيف يجوز أن يُقال ليس بمُؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه؟!، قيل هذا كلام العرب المُستفيض عندنا، غير مُستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنه يقولون للصانع إذا كان ليس بمُحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً !!، و إنما وقع معناهم هؤلاء على نفي التجويد، لا على الصنعةِ نفسها، فهُو عندهم عاملٌ بالاسم، وغير عاملٍ بإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا ، وذلك كرجُلٍ يُعِقُ أباهُ ويبلُغُ منهُ الأذى يُقال: ما هو بولد !، وهُم يعلمون أنه ابن صُلبه." انتهى كلامه رحمه الله ، وهو كلام متين فعض عليه بالنواجذ تسلم من الاضطراب في هذه النصوص المتشابهة، إن شاء الله تعالى.
قال الإمام أبو بكر ابن خزيمة-رحمه الله-في كتاب (التوحيد):"هذه اللفظة (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي تقُول العرب يُنفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام، فمن هذه اللفظة لم يعملوا خيراً قط على الكمال و التمام، لا على ما أوجب عليه به، وقد بيَّنة هذا في مواضع من كتبي".
ومن الأمثلة الواردة في السنة على أن إطلاق التعميم لا يُراد به الكل دائما ، هذا الحديث الذي رواه الإمام النسائي رحمه الله :
من رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ قَالَ لَا , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ "
صحّحه الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن النسائي .
يُستفاد من هذا الحديث أن قوله " لم يعمل خيرا قط " لا يُستفاد منه نفي جميع الأعمال الصالحة عنه بالكلّية مطلقا ! , ودليل ذلك أن الرجل كان يتجاوز عن المعسرين ويتصدق عليهم !! , وهذا من أعظم القربات والأعمال الصالحة , ومع ذلك قيل فيه أنه " لم يعمل خيرا قط " ، وما قيل في هذا الحديث يقال في غيره الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب ، فاعرف هذا واحفظه.
وفي الحديث فائدة أخرى ، وهي أن المسلم الفاسق مع فسقه الشديد ، وتركه لأعمال الجوارح من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك , لابد أن يكون معه شيئ من عمل الجوارح وإن كان قليلا جدا لا يكاد يُذكر , ولكن لا بد منه طالما أن أصل الإيمان القلبي معه , وإن كان هو – أي الإيمان الذي في القلب – أيضا ضعيف جدا , لا يكاد يُذكر مثل عمله الظاهر تماما سواء بسواء , وهذا هو الذي قرره أئمة السلف والخلف , فما أحكمهم وأعلمهم ! , فتأمّل .
المبحث الثالث
بيان مقصود الألباني رحمه الله من بعض إطلاقاته وأنها من الخطأ (اللفظي) لا (العقدي) , وذكر من سبقه إلى بعض هذه الإطلاقات من العلماء سلفا وخلفا , مع بيان أن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله
لا شك أن الشيخ الإمام الألباني رحمه الله بشر يصيب ويخطئ ، ويعلم ويجهل , ويؤخذ من قوله ويُترك , ولا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لذا فقد ورد في كلام الألباني رحمه الله وتقريراته عبارات وإطلاقات حمّالة أوجه , تحتمل الحق والباطل , وهو مسبوق إليها , ولكن بعد ظهور هذه الفتنة التي نعيشها تبيّن أن أدق العبارات وأصلحها هي عبارات السلف الصالح .
ومن ذلك قوله ( أن أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان )
وهذا خطأ بلا شك , والصواب أن يقال الأعمال جزء من الإيمان , أو يقال الإيمان قول وعمل , كما هو المأثور عن السلف الصالح , وهؤلاء العلماء يقولون بهذه العبارات السلفية , ولكن وددنا لو أنهم اقتصروا عليها دون غيرها من العبارات المُحدثة.
والصواب الذي يجب أن يتبعه طلبة العلم إذا سمعوا من يقول – من أهل العلم – أن ( أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان ) ، يجب عليهم أن يستفصلوا منه ، ويسألوه هل تقصد رجلا ما صلى ولا صام ولا زكّى وركب المحرمات بأنواعها ، ولكنه -كما هي طبيعة البشر !- لا يخلو من بعض الأعمال الصالحة مثل برّ الوالدين وزيارتهم مثلا ، أو مساعدة ضعيف ، أو إماطة الأذى ، وغير ذلك من الأعمال الظاهرة الصالحة التي لا يخلو منها بشر – فضلا عن مسلم موحّد – …. ، فإن كان هذا هو قصده فبها ونعمت ، وقد وافق قول السلف القائلين بعدم كفر تارك الصلاة ، ولكن نقول له يا ليتك تركت هذه الألفاظ الموهمة وإلتزمت بأقوال السلف الصالح ، أما إن كان يقصد تلك الصورة الخيالية ! ، فتجده يقول :أقصد رجلا ما صلى ولا صام وزكّى ولا زار والديه مرة ! ، ولا أماط الأذى عن الطريق مرة ، ولا تصدّق على فقير مرة ! ، ولا سقى رجلا ولا حتى كلبا! شربة ماء مرة ! ، ولا فعل أي شيئ يثاب عليه وإن دقّ !! ، فهذا عنده مسلم ناقص الإيمان ! ، فلا شك أنه قد وافق المرجئة في هذه الجزئية ، وهذه الصورة الخيالية التي انطبعت في رأسه ليس لها وجود على كوكب الأرض ! ، وعلى فرض وجودها فلا يجوز للمسلم التردد في تكفير من كان هذا حاله ، إذ لا يفعل ذلك من كان عنده أدنى أدنى حد من الإيمان ، وهذا نقوله على فرض وقوع مثل هذا ! ، وقد علمت أن هذا من الخيال المحض ، ومن المسائل الافتراضية ، وعلى كل حال الصواب هو أن نستفصل من قائل هذه العبارة ولا نتسّرع في إطلاق الأحكام.
ولا عجب أن يخفى على الألباني رحمه الله أو غيره من أهل العلم المعاصرين معنى لفظة ( جنس العمل ) ، فها هو العلامة عبد المحسن العبّاد حفظه الله يقول كما في شرحه على سنن أبي داوود شريط رقم 524 :
السؤال: هل الأعمال شرط كمال أو شرط صحة في الإيمان؟
الجواب: هي جزء منه، ومنها ما هو شرط كمال، ومنها ما هو شرط صحة، فمنها ما يكون لا بد منه لأنه يحصل به الكمال، ومنها ما يحصل به الأساس مثل الصلاة، فإن الصلاة لا يقال: إن الإنسان إذا أتى بها حصل كمالاً وإذا لم يأت بها لم يحصل شيئاً، وهذا على القول الصحيح بأنه كفر. فالكمال بالنوافل، وأما الفرائض فهي على سبيل الوجوب واللزوم، ولا بد منها. وفي هذه الأيام أصبحنا نسمع أن من ترك جنس العمل فإنه يكفر، ومعنى ترك جنس العمل: ترك أي عمل من الأعمال، وهذا هو معتقد الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، فعندهم أن من ترك جنس العمل -أي: ترك أي شيء من العمل- فإنه يكفر، والصواب: أن الأعمال مثلها كمثل جسد الإنسان، فهي متفاوتة، فمنها أشياء إذا ذهبت بقي الإيمان، ومنها أشياء إذا ذهبت ذهب الإيمان، فجسد الإنسان لو قطعت منه أصبعاً بقي الجسد، لكن لو قطع رأسه أو قطع منه شيء قاتل فإنه يذهب.
السؤال: هل أجمع العلماء على أن ترك جنس العمل كفر؟
الجواب:
كيف يكون ذلك والذين يقولون: إن ترك جنس العمل كفر إنما هم الخوارج؟ فهم يقولون: إن الإنسان إذا ارتكب معصية فإنه يخرج من الإيمان ويصير كافراً، ويقول المعتزلة: إنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين المنزلتين، لكنهم يتفقون مع الخوارج في كونه خالداً في النار أبد الآباد. ويقابلهم في الجانب الآخر المرجئة، وعندهم أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة، فهم يقولون: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو هو مؤمن ناقص الإيمان، فقولهم: مؤمن، خالفوا فيه الخوارج الذين قالوا: هو كافر، وقولهم: ناقص الإيمان، خالفوا فيه المرجئة الذين قالوا: هو كامل الإيمان، وهما طرفا الإفراط والتفريط، فالمرجئة فرطوا وأهملوا وضيعوا، فقولهم فيه تحلل من الدين، وانفلات من أحكام الشريعة، ويكون مع ذلك مؤمناً كامل الإيمان، والخوارج والمعتزلة أفرطوا حتى أخرجوا المؤمن العاصي من الإيمان، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط كما قال الخطابي : ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم يعني: طرف الإفراط وطرف التفريط. ومعنى جنس العمل: أيّ عمل من الأعمال، وأما إذا ترك العمل فيقال فيه: ترك العمل نهائياً، أو ترك كل الأعمال. ) انتهى كلامه حفظه الله تعالى .
فها هو الشيخ العبّاد حفظه الله اختلط عليه المقصود من هذه اللفظة ( جنس العمل ) ! ، وظنّ أن من يكفّر بترك جنس العمل قد وافق الخوارج !! ، وهذا من الأمثلة على ما ذكرته آنفا أن معنى جنس العمل عند العلماء المعاصرين قد يُراد به الكل وقد يُراد به الغالب ، لذا فالصواب هو الاستفصال من القائل عن مراده من هذه اللفظة ، فتأمّل.
أما قولنا أن العمل ( شرط كمال ) أو ( شرط صحة ) , فهذا خطأ محض لأننا بذلك أخرجنا العمل عن مسمّى الإيمان لفظا ، لأن الشرط خارج الماهية ، والركن داخل الماهية , كما قال العلامة الراجحي حفظه الله , ألا ترى أنك تقول الوضوء شرط صحة للصلاة , مع أن الوضوء ليس جزءا من الصلاة , ويستوي في ذلك قول بعض العلماء ( شرط صحة ) أو ( شرط كمال ) , والصواب والأولى والأكمل أن يقال : العمل ركن وجزء من الإيمان , كما هو مأثور عن السلف الصالح , فتنبّه .
نعم , بعض العلماء يذكرون الشرط بخلاف هذا المعنى , مثل قولهم : أن كذا وكذا من أعمال القلوب من شروط لا إلا إلا الله , ولا يقصدون بداهة أن هذه الأعمال خارج ماهية التوحيد ! , كما أفادني بذلك الشيخ أبو عمر العتيبي حفظه الله
ولكن أقول أن أسباب إنكار هؤلاء العلماء هذه اللفظة متعددة , منها أن هذه اللفظة تسببت في فتن كثيرة جدا بين الشباب , وقد يستغلها بعض الخوارج أو يستغلها بعض المرجئة ليدخلوا على الناس باطلهم ومذهبهم الخبيث , لذا فالصواب هو ما قرره العلامة الراجحي والعثيمين والسحيمي والربيع وغيرهم من الاقتصار على عبارات السلف التي هي أدق العبارات وأحكمها ، سواء قلنا أن (الشرط) داخل أو خارج الماهية.
ولكن لا يُقال أن الألباني رحمه الله – أو غيره ممن وافقه – قد أخرج العمل من مسمّى الإيمان !! بقوله هذا ، والصواب في هذه الفتنة هو أن نستفصل من قائل هذه العبارة وأمثالها ، وما هو مقصوده ؟ ، فإن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله – كما سيأتي بيانه إن شاء الله – , وكيف نرمي الألباني بهذا وهو يصرّح بأن العمل جزء وركن من الإيمان ، وأنه يزيد وينقص , ويردّ على مرجئة الفقهاء , ويؤكد على أن الخلاف معهم خلافا حقيقيا وليس لفظيا ، ويقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد ، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .
وقد سبق الألباني فيما في لفظه احتمال -وبعضه صريح جدا ! – أن الإيمان يصح بدون أعمال الجوارح , أئمة فحول وعلماء عدول , منهم :
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله :
" وَالْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدهمَا كَوْنه قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَالثَّانِي كَوْنه يَزِيد وَيَنْقُص . فَأَمَّا الْقَوْل فَالْمُرَاد بِهِ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَمَل فَالْمُرَاد بِهِ مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ عَمَل الْقَلْب وَالْجَوَارِح ، لِيَدْخُل الِاعْتِقَاد وَالْعِبَادَات . وَمُرَاد مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيف الْإِيمَان وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْد اللَّه تَعَالَى ، فَالسَّلَف قَالُوا هُوَ اِعْتِقَاد بِالْقَلْبِ ، وَنُطْق بِاللِّسَانِ ، وَعَمَل بِالْأَرْكَانِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَال شَرْط فِي كَمَالِهِ . وَمِنْ هُنَا نَشَأَ ثَمَّ الْقَوْل بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص كَمَا سَيَأْتِي . وَالْمُرْجِئَة قَالُوا : هُوَ اِعْتِقَاد وَنُطْق فَقَطْ . وَالْكَرَامِيَّة قَالُوا : هُوَ نُطْق فَقَطْ . وَالْمُعْتَزِلَة قَالُوا : هُوَ الْعَمَل وَالنُّطْق وَالِاعْتِقَاد وَالْفَارِق بَيْنهمْ وَبَيْن السَّلَف أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَال شَرْطًا فِي صِحَّته وَالسَّلَف جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ . " اهـ فتح الباري , الجزء الأول صفحة 9
قلت ( أبو عبد العظيم ) : وعلى كثرة من تكلّم في أخطاء ابن حجر العقدية في الفتح ، ومع شدة اعتناء العلماء بذلك لأهمية هذا الكتاب ، فلم نجد من تكلّم حول خطأ ابن حجر في هذه العبارة ! ، ولا من رماه بأنه يقول بقول المرجئة في الإيمان !! ، وذلك لأن الناس كانوا يكتفون بما قرّره السلف ، أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وأن الكافر هو من كفّره الله ورسوله بقول أو فعل أو اعتقاد ، هكذا كانت العقيدة سهلة يسيرة وعلى الفطرة ، أما الآن ! ، فقد نسج أهل البدع والضلال شراك ( جنس العمل ) ! ، وفتحوا أبواب الجدل ، فأوقعوا في شباكهم الكثير والكثير من الشباب المسكين ، والله المستعان ، وبعض الناس ينقل عن الشيخ ابن باز تخطئة ابن حجر في هذه العبارة – والله أعلم بصحة ذلك – .
قال الإمام محمد بن إسحاق بن يحي بن منده 310 – 395 هـ :
" ذكر اختلاف أقاويل الناس في الإيمان ما هو « فقالت طائفة من المرجئة : الإيمان فعل القلب دون اللسان ، وقالت طائفة منهم : » الإيمان فعل اللسان دون القلب ، وهم أهل الغلو في الإرجاء « ، وقال جمهور أهل الإرجاء : » الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعا « ، وقالت الخوارج : » الإيمان فعل الطاعات المفترضة كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح « ، وقال آخرون : » الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب الكبائر « ، وقال أهل الجماعة : » الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ، فإذا أتى بهذا الأصل ، فقد دخل في الإيمان ، ولزمه اسمه ، وأحكامه ، ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه ، وفرعه المفترض عليه ، أو الفرائض واجتناب المحارم ، وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان » ، فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين وبعضها بالقلب وبعضها بسائر الجوارح « . فشهادة أن لا إله إلا الله فعل اللسان تقول شهدت أشهد شهادة والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين المسلمين في ذلك والحياء في القلب وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح » " اهـ
كتاب الإيمان لابن منده , الجزء الأول صفحة 209
وها هو الإمام ابن منده رحمه الله يقول أن من قال بلسانه وآمن بقلبه فقد دخل في الإيمان , وحقق أصل الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه , وأنه لا يستكمله إلا بفرعه وهو عمل الجوارح مما افترض عليه
فهل هو مُرجئ ؟؟ أو هل قال بقول المُرجئة ؟؟!!
وقد يقول قائل : كلام الإمام ابن منده هذا عام ومطلق , ولكن له كلام آخر واضح كالشمس يبيّن مقصوده رحمه الله .
قلت : وكذلك الألباني رحمه الله له كلام آخر واضح كالشمس يبيّن مقصوده رحمه الله ! , فوجب حمل كلامه على أحسن المحامل , خاصة وأنه إمام في السنة ، وحرب على المرجئة ، ويؤصّل لمذهب أهل السنة في الإيمان ، ويردّ على خصومهم من أهل الإرجاء قديما وحديثا.
وأيضا من الإطلاقات الواردة في كلام الإمام الألباني رحمه الله قوله :
( أن تارك جنس العمل لا يكفر )
قال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :
" أن الجنس قد يراد به الواحد وقد يراد به الكل وقد يراد به الغالب ، ومن هنا إذا دندن حوله السلفيون حصل بينهم الخلاف الذي يريده التكفيريون وتكثروا بمن يقول به منهم، فيقولون هذا فلان السلفي يقول بتكفير تارك جنس العمل فيجرون الناشيء إلى مذهبهم في تكفير الحكام على منهجهم وإلى رمي علماء السنة بالإرجاء … الخ. " اهـ حفظه الله
من مقال ( كلمة حق حول جنس العمل ) على موقعه الرسمي على الشبكة .
ولا شك أن تارك العمل بالكلّية – على ما سبق تفصيله – كافر بإجماع السلف الصالح , ولكن قد يطلق العالم هذه العبارة ويريد منها تارك الصلاة وعامة الفرائض ( أي غالب آحاد وأفراد الأعمال ) ؛ فيحكم بعدم كفر تارك جنس العمل بهذا الاعتبار , ولا يجعلنا هذا نرميه بالإرجاء أو بقول المرجئة إلا إذا كان ممن عُرفوا بنصرة مذهب المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمّى الإيمان , أو ممن عرفوا بحصر الكفر في كفر التكذيب والجحود فقط – كما وقع ذلك من الحلبي ثم تراجع عنه – , فحينها يردّ عليه ويشنّع عليه ولا كرامة.
ولا شك أن الألباني رحمه الله ليس من هؤلاء , فهو سيف مسلول على المرجئة والخوارج , يعتبر الخلاف مع مرجئة الفقهاء خلافا حقيقيا , ويقول بأن العمل من الإيمان ويزيد وينقص , ويستثني في الإيمان , ويقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد ، فهل يقال عن من قال هذا بأنه مُرجئ ؟؟ أو قال بقول المرجئة !!؟
وقد وردت مثل هذه الإطلاقات في كلام الكثير من العلماء الفحول , فهل يرميهم إخواننا هؤلاء بأنهم يقولون بقول المرجئة !؟
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :
( من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحداً مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقاً مقراً وإن لم يعمل وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها ) اهـ
التمهيد ( 23/ 290 )
و قال الإمام ابن جرير الطبري وهو يحكي قول أهل السنة في الإيمان:
( قال بعضهم الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن أتى بمعنيين من هذه المعاني الثلاثة ولم يأت بالثالث فغير جائز أن يقال أنه مؤمن ، ولكنه يقال له إن كان اللذان أتى بهما المعرفة بالقلب والإقرار باللسان وهو في العمل مفرّط فمسلم ) التبصير في معالم الدين ( 188 )
قال الإمام ابن رجب رحمه الله :
(ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة ) فتح الباري ( مكتبة الغرباء الأثرية ، 1/ 121 )
وقال أيضا بعد أن ساق حديث الشفاعة :
( والمراد بقوله " لم يعملوا خيراً قط " من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ، ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيراً قط غير التوحيد …ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال : " فأقول يارب ائذن لي فيمن يقول : لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " خرجاه في الصحيحين وعند مسلم " فيقول ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك " وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط بجوارحهم ).اهـ
كتاب التخويف من النار طبعة دار الإيمان الباب الثامن والعشرون ص285 .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – (ج 1 / ص 66) :
( تنبيه ) قال القرطبي في تذكرته : قوله في الحديث « من إيمان » أي : من أعمال الإيمان التي هي من أعمال الجوارح ، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من الإيمان ، والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلناه ، ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد ونفي الشركاء والإخلاص بقول لا إله إلا الله : ما في الحديث نفسه من قول " أخرجوا – ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط " يريد بذلك : التوحيد المجرّد من الأعمال" . اهـ ملخصا
فالذي يقوله هؤلاء في حقّ الألباني يلزمهم أن يقولوه في هؤلاء الأئمة الأعلام ! , حيث تطابقت أقوالهم وإن تعددت الألفاظ , ولكن المعنى واحد , فهل سترمونهم – جميعا !! – بأنهم يقولون بقول المرجئة ؟؟!
أم نلزم جادة الصواب ونقول : أن تارك العمل بالكلية – على التفصيل السابق – كافر بإجماع السلف الصالح , ولكن هؤلاء العلماء الفحول ما قصدوا – بداهة- مثل هذه الصورة الخيالية التي نتحدث عنها ! , وكلامهم محمول على من يترك الصلاة وعامة الفرائض والواجبات , أي شُعب أعمال الجوارح وآحادها وإن كثرت وعظمت , كما هو حال أغلب فساق زماننا.
وذكّرتني هذه المسألة بما حدث مع إخواننا هؤلاء منذ سنوات , حينما رموا أهل السنة القائلين بأن تارك الصلاة إذا عُرض على السيف فأبى أن يصلي يقتل حدّا لا ردة ويدفن في مقابر المسلمين – ولا شك أن هذا خطأ محض إذ لا يصبر على القتل دون الصلاة مسلم ! – , والعلماء القائلين بهذا القول أكثر مما تتخيل ! , حتى كاد أن يكون إجماعا ! كما قال العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله , وهم من أئمة المذاهب الأربعة وفقهاء القرون المفضلة وما بعدها , فرموهم إخواننا هؤلاء بأن قولهم هذا إرجاء مبني على إرجاء !! , واستدلوا بكلمة قالها شيخ الإسلام وطاروا بها في الآفاق.
وهذه نبذة من أقوال العلماء – وما أكثرهم ! – الذين رُمِي كلامهم بالإرجاء !
الردّ على من قال أن أئمة السُنّة قولهم أقرب للإرجاء ! وأنه خطأ عقديّ خطير !!
وسبب هذه الفتنة القائمة وكذلك أختها القديمة هي أن إخواننا هؤلاء جهلوا – أو تجاهلوا ! – أن لازم القول ليس بلازم ما لم يلتزمه قائله , كما هو مقرّر عند أهل العلم لأن المتكلم قد يذكر الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه وتفطّن له ؛ أنكره أشد الإنكار! , فلا يشّنع على العالم المعروف بسلفيته وحرصه على السنة والعقيدة الصحيحة بلوازم الأقوال خاصة في مثل هذه المسائل الخفيّة ، وكذلك لا يقال عنه أنه يقول بقول أهل البدع !! في هذه المسألة بسبب لازم قوله ، خاصة مع وجود أقوال له أخرى صريحة في ردّ هذا اللازم الفاسد الذي قد يتبادر إلى ذهن البعض – كما هو الحال مع الألباني رحمه الله – , وإلا لزمنا التشنيع على جمع غفير من الأئمة السالف ذكرهم !! , ورميهم بأنهم يقولون بقول المرجئة !! ، ونقول – على طريقة هؤلاء الإخوان ! – : (( هؤلاء كلهم أئمة أعلام وعلماء كبار ، وعلى رؤوسنا وليسوا من المرجئة قطعا ! ، ولكن هم يقولون – جميعا ! بقول المرجئة في الإيمان في هذه المسألة !!! )) ، وهذا ما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:
"وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان: أحدهما لازم قوله الحق فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه ،فان لازم الحق حق و يجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره , وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.
والثاني:لازم قوله الذي ليس بحق فهذا لا يجب التزامه إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض , و قد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه و إلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر لـه فساده لم يلتزمه , لكونه قد قال ما يلزمه و هو لا يشعر بفساد ذلك القول و لا يلزمه .
وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب ؛ هو أجود من إطلاق أحدهما فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله , وما لا يرضاه فليس قوله و إن كان متناقضا . "
انتهى كلامه رحمه الله من القواعد النورانية/ 193
فياله من كلام نوراني (!) , فتأمّل , ولو تفطّن لهذا الكلام ووعاه إخواننا هؤلاء ؛ لما عانينا وتكلفنا عناء الردّ عليهم.
وأخيرا أذكر إخواني هؤلاء وأذكر نفسي , والذكرى تنفع المؤمنين , بقول ابن عساكر : " اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب ". اهـ
فإن كان قولكم في الإمام الألباني رحمه الله أنه يقول بقول المرجئة – وهو برئ من ذلك ! – ليس انتقاصا وطعنا ! , فلا أدري – والله- ما هو الطعن والانتقاص إذا ؟!!
ونقول لكم : من وافقكم من العلماء في نسبة القول بالإرجاء للألباني رحمه الله ؟؟