الحمد لله الرحمٰن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين المرسل رحمة للعالمين.
أما بعد ،
قال العلامةُ السعدي -رحمه الله- في بيان ما هو الأعراف؟ والمذكور في سورةٍ باسمه، جاء فيها قوله جَلَّ جلالُه:
[وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ] (46)
"الأعرافُ موضعٌ بين الجنةِ والنارِ يُشرِف على كل منهما، وليس هو موضعَ استقرارٍ، إنما هو موضعُ أُناسٍ تساوتْ حسناتُهم وسيّئاتُهم، يَمكثون فيه مُدةً كما يشاء اللهُ، ثم يَدخلون الجنة، وفي ذٰلك حِكَمٌ نَبَّهُ اللهُ تعالىٰ عليها، مِنها:
1- إنّ هذا منزلٌ يُستدَلُّ به علىٰ:
حيث جَعَلَ اللهُ تعالىٰ أسبابَ الثوابِ والعقابِ تَتجاذبُ وتَتعارضُ ويُقاوِمُ بعضُها بعضًا:
- فحسناتُهم: مَنعتْهم مِنَ النارِ
- وسيّئاتُهم: مَنعتْهم الجنةَ في ذٰلك الوقت
فصاروا وسطًا بين الدَّارَين، وفي برزخٍ بين المحلَّين؛ لِتظهَر الحكمةُ أولاً، ثم يأتيهم الفضلُ مِن ذي الفضلِ العظيمِ الذي أحاط بالخَلْقِ مِن جميع الوجوه، فيَغمرها ويكون الحكمُ له.
ففي هـٰذا تنويعُ حمدِه، وتصريفه لعباده ما به يَعرف العباد كمالَه وكمالَ أسمائه وصفاته وحكمته وعدله وفضله.
2- ومنها: أنّ حالَهم مِن جملةِ الأدلةِ علىٰ سعةِ رحمةِ اللهِ، وأنّ رحمتَه سَبقتْ غَضبَه، بحيث إذا تَعارَض موجبُ هـٰذا وموجبُ هـٰذا؛ صار الحُكمُ -قَطعًا- لِموجبِ الرحمةِ علىٰ موجب الغضب.
ومما يدل علىٰ هـٰذا: أنه إذا كان في العبدِ مِن موجبِ الرحمةِ مثقالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمانٍ؛ فإنه لا بد أنْ يَصيرَ الْحُكمُ له ولو عَملَ موجبُ الغضبِ عَمَلَهُ، فالعاقبةُ لموجب الرحمة.
3- ومنها: أنّ الله إذا أراد أمرًا هيَّأ أسبابَه، فلما قضىٰ تعالىٰ أنهم سيدخلون الجنة؛ جعل الطمعَ والرجاءَ في قلوبهم والدعاءَ أن يُجيرَهم من النار، ولا يجعلهم مع القوم الظالمين- على ألسنتهم.والدعاءُ مع الرجاءِ والطمع لا تتخلف عنه الإجابة.
4 – ومنها: أنّ أهلَ الأعرافِ جَعلهم اللهُ سَببًا يُعرَف به ما يصير إليه أهلُ الدَّارَين، وما كان عليه أهلُ الشقاء مِن النَّكالِ والوَبال، وما عليه أهلُ الجنةِ مِن السرورِ والغبطة، ولِهـٰذا؛ ذَكر اللهُ توبيخَهم لِرجالٍ يَعرفونهم بِسِيماهم مِن أهلِ النار…
إلى غير ذٰلك مِنَ الحِكَم الإلٰهِيّة فيما يُجْريه مِنَ الأحكام على البَرِيّة". ا.هـ
_________________________ ___
"المواهب الربانية من الآيات القرآنية" ص 37 و 38.
مرسلة بواسطة سُكَينة بنت محمد ناصر الدين الألبانية من عبر مدونتها