التصنيفات
العقيدة الاسلامية

السلفية منهج الاسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وفساد

السلفية منهج الاسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وفساد
للشيخ فركوس حفظه الله

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فقد وردَ على هذا الموقعِ الدعويِّ انتقادٌ آخرُ من النوع الذي قد سبق، يحمل في طيَّاته شبهاتٍ مكذوبةً على الدعوةِ السلفيةِ بأنها دعوةٌ حزبيةٌ مفرِّقةٌ مبتدعة، تجرُّ الفتنَ، وأنّ التغيير لا يحصل بالفتنة، وقد رأيت من المفيد أن أردّ على شبهاته المزعومةِ ومفاهيمِه الباطلة بتوضيحها بالحقّ والبرهان، عملاً بقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18].

[وهذا نصّ انتقاده]:

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أراسلُكَ وأنا أعلم يقينًا بأنَّ الشيخ فركوس عبدٌ من عباد الله ونحسبُك من المتقين.
1 – إطلاق لفظ السلفية على الفرقة الناجية ألا يُعتبر هذا حزبيةً، وأنت تعلم أنّ القرآن فيه لفظ الإسلام كما قال الله تعالى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].
2 – لا أشكّ أنّ كثيرًا من المسلمين يعتقدون أنّ السلفيَّ هو لِحيةٌ وقميص، وماذا عن حالق لحيته ألا يدخل الجنّة حنفي…؟! إنّ اسمَ السلفية فرّقت فأبصر..! ما هو الدليل القاطع على وجوب التسمية للفرقة الناجية؟

إنّ التغيير لا يكون بالدخول في الفتن أي الشبهات، ولو يجلس الشيخ فركوس في مسجده لكان خيرًا له وما النصر إلاّ من عند الله ومن سمَّع سمَّعَ اللهُ به، ﴿مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]».

• فأقـول -وبالله التوفيق وعليه التكلان-:

إنّ السلفيةَ تُطلَقُ ويرادُ بها أحد المعنيين:

الأول: مرحلةٌ تاريخيةٌ معيّنةٌ تختصُّ بأهل القرون الثلاثة المفضّلة، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»(١- أخرجه البخاري في «الشهادات» باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد: (2509)، ومسلم في «فضائل الصحابة» باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين…: (6472)، والترمذي في «المناقب» باب ما جاء في فضل من رأى النبي وصحبه: (3859)، وابن حبان في «صحيحه»: (7228)، وأحمد: (5383)، والبزار في «مسنده»: (1777)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)، وهذه الحِقبة التاريخيةُ لا يصحُّ الانتساب إليها لانتهائها بموت رجالها.
والثاني: الطريقةُ التي كان عليها الصحابةُ والتابعون ومَن تبعهم بإحسان من التمسّك بالكتاب والسُّـنَّة وتقديمهما على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم السلف الصالح، والمراد بهم: الصحابة والتابعون وأتباعهم من أئمّة الهدى ومصابيحِ الدُّجَى، الذين اتفقتِ الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، وتَلَقَّى المسلمون كلامَهم بالرِّضا والقَبول كالأئمّة الأربعة، والليثِ بنِ سَعْدٍ، والسُّفيانَين، وإبراهيمَ النَّخَعِيِّ، والبخاريِّ، ومسلمٍ وغيرِهم، دون أهلِ الأهواء والبدعِ ممّن رُمي ببدعة أو شهر بلقبٍ غيرِ مرضيٍّ، مثل: الخوارج والروافض والمعتزلة والجبرية وسائر الفرق الضالَّة. وهي بهذا الإطلاق تعدُّ منهاجًا باقيًا إلى قيام الساعة، ويصحّ الانتسابُ إليه إذا ما التُزِمت شروطُهُ وقواعِدُهُ، فالسلفيون هم السائرون على نهجهم المُقْتَفُونَ أثرَهم إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها، سواء كانوا فقهاءَ أو محدّثين أو مفسّرين أو غيرَهم، ما دام أنهم قد التزموا بما كان عليه سلفُهم من الاعتقاد الصحيح بالنصّ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمّة والتمسّك بموجبها من الأقوال والأعمال لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(٢- أخرجه مسلم في «الإمارة» باب قوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق..: (4920)، والترمذي في «الفتن» باب ما جاء في الأئمة المضلين: (2229)، وأحمد: (21889)، وسعيد بن منصور في «سننه»: (2372)، من حديث ثوبان رضي الله عنه)، ومن هذا يتبيّن أنّ السلفيةَ ليست دعوةً طائفيةً أو حزبيةً أو عِرقيةً أو مذهبيةً يُنَزَّل فيها المتبوعُ مَنْزِلةَ المعصوم، ويتخذ سبيلاً لجعله دعوة يدعى إليها، ويوالى ويعادى عليها، وإنما تدعو السلفيةُ إلى التمسُّك بوصية رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم المتمثِّلة في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة وما اتفقت عليه الأمّة، فهذه أصولٌ معصومة دون ما سواها.
وهذا المنهج الربانيُّ المتكاملُ ليس من الحزبية الضيّقةِ التي فرّقت الأمّةَ وشتّتت شملَها، وإنما هو الإسلام المصفَّى، والطريقُ القويمُ القاصدُ الموصلُ إلى الله، به بعث اللهُ رسلَه وأنزل به كتبَه، وهو الطريقُ البيِّنةُ معالِمُه، المعصومةُ أصولُه، المأمونةُ عواقِبُه؛ أمّا الطرقُ الأخرى المستفتحة من كلّ باب فمسدودة، وأبوابها مغلقة إلاّ من طريق واحد، فإنه متّصلٌ بالله موصولٌ إليه، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: «خطّ لنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم خطَّا ثمّ قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثم خطّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال:«هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾(٣- أخرجه الدارمي في «سننه»: (206)، وابن حبان في «مقدمة صحيحه» باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلاً وأمراً وزجراً: (7)، والحاكم في «المستدرك»: (3241)، وأحمد: (4131)، والبزار في «مسنده»: (1718)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (6/89)، وحسنه الألباني في «المشكاة»: (166))، وقد جاء في «تفسير ابنِ كثيرٍ»(٤- [2/191]): «أنّ رجلاً سأل ابنَ مسعود رضي الله عنه: ما الصراطُ المستقيم؟ قال: تَرَكَنَا محمّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادٌّ(٥- الجوادُّ: جمع جادّة، وهي معظم الطريق، وأصل الكلمة من جدَدَ. [«النهاية» لابن الأثير: 1/313]) وعن يساره جوادٌّ، ثمّ رجال يدعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثمّ قرأ ابن مسعود الآية».
وعليه يُدرك العاقلُ أنه ليس من الإسلام تكوين أحزابٍ متصارعةٍ ومتناحرةٍ ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: 53]، فقد ذّمّ الله التحزّب والتفرّق في آياتٍ منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159]، وفي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]، وإنما الإسلام حزب واحد مفلح بنصّ القرآن، قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]، وأهلُ الفلاح هم الذين جعل الله لهم لسانَ صِدْقٍ في العالمين، ومقامَ إحسانٍ في العِلِّـيِّين، فساروا على سبيل الرشاد الذي تركنا عليه المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الموصلِ إلى دار الجِنان، بيِّنٌ لا اعوجاجَ فيه ولا انحرافَ قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى البَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِها لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ»(٦- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين: (43)، والحاكم في «المستدرك»: (331)، وأحمد: (16692)، والطبراني في «الكبير»: (18/247)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث حسنه المنذري في «الترغيب والترهيب»: (1/47)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (937)).
واللهُ سبحانه وتعالى إِذْ سَمَّى في كتابه الكريمِ الرعيلَ الأوَّلَ ﺑ «مسلمين» لأنّ هذه التسميةَ جاءت مطابقةً لما كانوا عليه من التزامهم بالإسلام المصفّى عقيدةً وشريعةً، فلم يكونوا بحاجةٍ إلى تسميةٍ خاصّةٍ إلاّ ما سمّاهم اللهُ به تمييزًا لهم عمّا كان موجودًا في زمانهم من جنس أهل الكفر والضلال، لكن ما أحدثه الناس بعدهم في الإسلام من حوادث وبدع وغيرها ممَّا ليس منه، سلكوا بها طرق الزيغ والضلال، فتفرّق بهم عن سبيل الحقّ وصراطه المستقيم، فاقتضى الحال ودعت الحاجة إلى تسميةٍ مُطابقةٍ لِمَا وَصَفَ به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الفرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(٧- أخرجه الترمذي في «الإيمان» باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (2641)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال العراقي في «تخريج الإحياء» (3/284) «أسانيدها جياد»، والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع» (5343))، ومتميّزة عن سُبُل أهل الأهواء والبدع ليستبين أهل الهدى من أهل الضلال. فكان معنى قوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾ [الحج: 78]، إنما هو الإسلام الذي شرعه الله لعباده مجرّدًا عن الشركيات والبدعيات، وخاليًا من الحوادث والمنكرات في العقيدة والمنهج، ذلك الإسلام الذي تنتسب إليه السلفية وتلتزم عقيدتَه وشريعتَه وتؤسِّسُ دعوتَها عليه، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «لا عيبَ على مَن أظهر مذهبَ السلفِ وانتسبَ إليه واعتزى إليه، بل يجب قَبول ذلك منه باتفاق، فإنّ مذهبَ السلفِ لا يكون إلاّ حقًّا»(٨- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (4/91)).
هذا، وللسلفية ألقابٌ وأسماءٌ يُعرفون بها، تنصب في معنى واحد، فهي تتفق ولا تفترق وتأتلف ولا تختلف، منها: «أصحاب الحديث والأثر» أو «أهل السُّنَّة»، لاشتغالهم بحديث رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وآثارِ أصحابه الكرام رضي الله عنهم مع العمل على التمييز بين صحيحِها وسقيمها وفهمها وإدراك أحكامها ومعانيها، والعملِ بمقتضاها، والاحتجاجِ بها، وتسمى ﺑ «الفرقة الناجية» لأنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «إِن بَني إِسرائيلَ افْتَرَقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّة، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلّها في النّارِ إلا مِلَّة واحدة» فقيل له: ما الواحدة؟ قال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيومَ وَأَصْحَابي»(٩- أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (444)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (3/341): «الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند»، وحسنه سليم الهلالي في «درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه والأصحاب»)، وتسمى -أيضًا- ﺑ «الطائفة المنصورة»، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(١٠- سبق تخريجه). وتسمى ﺑ «أهل السُّنَّة والجماعة» لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»(١١- أخرجه الترمذي في «الفتن» باب ما جاء في لزوم الجماعة: (2166)، والحاكم في «المستدرك»: (398)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وصححه الألباني في «المشكاة»: الهامش رقم (5)، من (1/61))، وقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(١٢- أخرجه البخاري في «الفتن» باب قول النبي سترون بعدي أمورا تنكرونها: (6646)، ومسلم في «الإمارة» باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن: (4790)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه)، وفي قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الجَمَاعَةُ»(١٣- أخرجه أبو داود في «السنة» باب شرح السنة: (4597)، والحاكم في «المستدرك»: (443)، وأحمد: (16613)، والطبراني في «الكبير»: (19/377)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (204))، والمراد بالجماعة هي الموافقةُ للحقّ الذي كانت عليه الجماعةُ الأولى: جماعةُ الصحابة رضي الله عنهم، وهو ما عليه أهلُ العلم والفقه في الدِّين في كلّ زمان، وكلُّ من خالفهم فمعدود من أهلِ الشذوذ والفُرقة وإن كانوا كثرة قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ فَارَقُوا الجَمَاعَةَ، وَإِنَّ الجَمَاعَةَ مَا وَافَقَ الحَقَّ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ»(١٤- أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (49/286). وصححه الألباني في «المشكاة»: (1/61))، والنبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وصف الفِرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(١٥- سبق تخريجه)، وهذا التعيين بالوصف يدخل فيه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأصحابُه دخولاً قطعيًّا ولا يختصّ بهم بل هو شاملٌ لكلّ من أتى بأوصاف الفِرقة الناجية إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في معرض تعيين الفرقة الناجية: «وبهذا يتبيّن أنّ أحقّ الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنّة، الذين ليس لهم متبوع يتعصّبون له إلاَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمّتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها واتباعًا لها: تصديقًا وعملاً وحبًّا وموالاةً لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يروون المقالات المجملةَ إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا يُنَصِّبُون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجُمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بل يجعلون ما بعث به الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه»(١٦- «مجموع الفتاوى لابن تيمية»: (3/347)).
هذا، ولا يعاب التسمي ﺑ «السلفية» أو ﺑ «أهل السنة والجماعة» أو ﺑ «أهل الحديث» أو ﺑ «الفِرقة الناجية» أو «الطائفة المنصورة»؛ لأنه اسم شرعيٌّ استعمله أئمة السلف وأطلقوه بحسَب الموضوع إما في مقابلة «أهل الكلام والفلسفة» أو في مقابلة «المتصوفة والقبوريين والطُّرُقيِّين والخُرافِيِّين» أو تُطلق بالمعنى الشامل في مقابلة «أهل الأهواء والبدع» من الجهمية والرافضة والمعتزلة والخوارج والمرجئة وغيرِهم. لذلك لما سُئل الإمام مالك -رحمه الله- مَن أهلُ السُّنَّة؟ قال: «أهل السُّنَّة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي»(١٧- «الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء» لابن عبد البر: (35)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض: (1/172))، ومراده -رحمه الله- أنّ أهل السُّنَّة التزموا الأصلَ الذي كان عليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأصحابُه، وبقوا متمسّكين بوصيّته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من غير انتساب إلى شخص أو جماعة، ومن هنا يُعلم أنّ سبب التسمية إنما نشأ بعد الفتنة عند بداية ظهور الفِرق الدينية ليتميّز أهلُ الحقّ من أهل الباطل والضلال، وقد أشار ابنُ سيرين -رحمه الله- إلى هذا المعنى بقوله: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعتِ الفتنةُ، قالوا: سمّوا لنا رجالَكم، فيُنظَرُ إلى أهل السُّنَّة فيؤخذ حديثُهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثُهم»(١٨- رواه مسلم في «مقدمة صحيحه»: (84)، والدارمي في «سننه»: (422))، هذا الأمر الذي دعا العلماءَ الأثباتَ والأئمّةَ الفحولَ إلى تجريد أنفسهم لترتيب الأصول العظمى والقواعدِ الكبرى للاتجاه السلفي والمعتقد القرآني، ومن ثمَّ نسبته إلى السلف الصالح لحسم البدعة، وقطع طريق كلّ مبتدع. قال الأوزاعي -رحمه الله-: «اصبر نفسك على السنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكفّ عمّا كَفُّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم»(١٩- «الشريعة» للآجري: (58)).
هذا، والسلفية إذ تحارب البدعَ والتعصّبَ المذهبيَّ والتفرّقَ إنما تتشدّد في الحقّ والأخذ بعزائم الأمور والاستنان بالسنن وإحياء المهجورة منها، فهي تؤمن بأنّ الإسلامَ كُلَّه حقٌّ لا بـاطل فيه، وصِدق لا كذب فيه، وَجِدٌّ لا هزل فيه، ولُبٌّ لا قشورَ فيه، بل أحكامُ الشرع وهديُه وأخلاقُه وآدابُه كلُّها من الإسلام سواء مبانيه وأركانه أو مظاهره من: تقصير الثوب وإطالة اللحية والسواك والجلباب، ونحو ذلك كلّها من الدِّين، والله تعالى يأمرنا بخصال الإسلام جميعًا وينهانا عن سلوك طريق الشيطان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 208]، وقد ذمَّ الله تعالى بني إسرائيلَ الذين التزموا ببعض ما أُمروا به دون البعض بقوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85]. والحكم المسبق على المعيّن بدخول النار والمنعِ من دخول الجنة بتركه للهدي الظاهري للإسلام ليس من عقيدة أهل السنة لكونه حكمًا عينيًّا استأثر الله به، لا يشاركه فيه غيره، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنّ استحقاق الجنة ودخولها إنما يكمن في إخلاص العبادة لله سبحانه واتباع نبيه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذمَّ الله تعالى مقالة أهل الكتاب في قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 111-112]،
فالسلفيةُ لا تهوِّن من شأن السنّة مهما كانت، فلا تهدر من الشرع شيئًا ولا تهمل أحكامَه، بل تعمل على المحافظة على جميع شرعه: علمًا وعملاً ودعوةً قَصْدَ بيانِ الحقّ وإصلاحِ الفساد، وقد أخبر النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن الغرباء: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»(٢٠- أخرجه الطبراني في «الأوسط»: (219)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وأخرجه أبو عمرو الداني في «الفتن»: (25/1)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني «السلسلة الصحيحة»: (3/267)).
والسلفيةُ ليست بدعوةٍ مُفرِّقة، وإنما دعوة تهدف إلى وحدة المسلمين على التوحيد الخالص، والاجتماع على متابعة الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم والتزكيةِ بالأخلاق الحسنة، والتحلي بالخصال الحميدة، والصدعِ بالحقّ وبيانِه بالحجّة والبرهان، قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]، فقد كان من نتائج المنهج السلفي: اتحاد كلمة أهل السُّنَّة والجماعة بتوحيد ربهم، واجتماعهم باتباع نبيِّهم، واتفاقهم في مسائل الاعتقاد وأبوابه قولاً واحدًا لا يختلف مهما تباعدت عنهم الأمكنة واختلفت عنهم الأزمنة، ويتعاونون مع غيرهم بالتعاون الشرعي الأخوي المبني على البرّ والتقوى والمنضبط بالكتاب والحكمة.

هذا، والسلفية تتبع رسولها في الصدع بكلمة الحقّ ودعوة الناس إلى الدين الحقّ، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، والبقاء في البيوت والمساجد من غير تعليم ولا دعوة إخلالٌ ظاهر بواجب الأمانة وتبليغ رسالات الله، وإيصال الخير إلى الناس، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، فيجب على الداعية أن يدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على علم ويقين وبرهانٍ على نحو ما دعا إليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، والعلم إذا لم يَصْحَبْهُ تصديقٌ ولم يؤازِرْهُ عملٌ وتَقْوَى لا يُسَمَّى بصيرةً، فأهلُ البصيرةِ هم أولوا الألباب كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 18].
ومن منطلق الدعوة إلى الإسلام المصفّى من العوائد والبدع والمحدَثات والمنكرات كان الانتساب إلى «أهل السُّـنَّة والجماعة» أو «السلفية» عِزًّا وشَرَفًا ورمزًا للافتخار وعلامةً على العدالة في الاعتقاد، خاصّةً إذا تجسّد بالعمل الصحيح المؤيَّد بالكتاب والسنّة، لكونها منهج الإسلام في الوحدة والإصلاح والتربية، وإنما العيب والذّمُّ في مخالفة اعتقاد مذهب السلف الصالح، في أي أصل من الأصول، لذلك لم يكن الانتساب إلى السلف بدعةً لفظيةً أو اصطلاحًا كلاميًّا لكنه حقيقة شرعية ذات مدلول محدّد..

وأخيرًا؛ فالسلف الصالح هم صفوة الأمّة وخيرها، وأشدّ الناس فرحًا بسنّة نبيّهم صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأقواهم استشعارًا بنعمة الإسلام وهدايته التي منَّ الله بها عليهم، متمثلين لأمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 57-58]، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه، ومحبّته له، وإيثاره له على غيره، فإذا فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبّته له ورغبته فيه، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواتُه، فالفرح تابع للمحبة والرغبة»(٢١- «مدارج السالكين» لابن القيم: (3/158)).

نسأل الله أن يُعزَّ أولياءَه، ويُذِلَّ أعداءَه، ويهديَنا للحقِّ، ويرزقَنا حقَّ العِلم وخيرَه وصوابَ العمل وحُسنَه، فهو حَسْبُنَا ونعم الوكيل، وعليه الاتكال في الحال والمآل، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 11 جمادى الأولى 1443ﻫ
الموافق ﻟ: 28 ماي 2022م

المصدر




الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

ما انعمها من نعمة ان تنتهج نهج السلف وتنتسب اليهم ولا تخالفهم

حفظ الله الشيخ فركوس ورفع من شئنه

تقبلوا مروري

اختكم هناء




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

أهميـَّة التوحيـد



أهميـَّة التوحيـد

محاضرة لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله



بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71].

أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمّدٍ ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النّار.

أمّا بعد: فَيُسْعِدُني أن أتكلَّمَ في موضوعٍ مهمٍّ لا يبلغُه موضوعٌ آخر ولا يقاربُه في الأهمِّية، وهو موضوعُ التوحيد وأهميتُه الذي يقول فيه الإمامُ ابنُ تَيْمِيَةَ ـ رحمه الله ـ: (التوحيدُ سرُّ القُرآن، ولبُّ الإيمان) ويقول الإمامُ ابنُ القيّم ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن تكلّم عن عقائدِ أهلِ الضَلال، من أهلِ الاتحاد ـ دعاةِ وَحْدَةِ الوجود ـ والجهمية والمعتزلة وغيرهم من الفرقِ الضالة قال: (إنّ التوحيدَ الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب فشيءٌ وراءَ ذلك كلِّه>. ثم قال: <التوحيدُ نوعان: توحيدٌ في المعرفةِ والإثبات وتوحيدٌ في الطلبِ والقصد، فالنوعُ الأوَّل: توحيدُ المعرفةِ والإثبات؛ فهو حقيقةُ ذاتِ الرّبِ وأسمائِه وصفاتِه، وأفعالِه، واستوائه فوق سماواتِه على عرشِه ـ سبحانه وتعالىـ، وإثباتُ عمومِ قضائه وقدرِه وحكمِه، وقد أفصحَ القرآنُ عن ذلك جِدَّ الإفصاح كما في أوَّلِ سُورةِ الحديد وأوَّلِ سورة طه وآخرِ سورة الحشر وأوَّلِ سُورة آل عمران وغيرِ ذلك من السُّور التي تضمّنت هذا النوعَ من التوحيد، وأما النوعُ الثاني فهو ما تضمنته سُورةُ الإخلاص و?قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ? ، وما تضمنَهُ قولُ الله تبارك وتعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِن دُونِ اللهِ) [آل عمران: 64]، ومثل ما تضمّنته أوَّلُ سُورةِ (تَنْزِيلُ الكِتاب…) ،وجملةُ سورةِ الأنعام وأوَّلُ سُورةِ الأعراف وآخرُها، بل غالبُ القرآنِ في التوحيد،
بل القرآنُ كلُّه في التوحيد، وذلك أنّ القرآنَ إمّا خبرٌ عن اللهِ وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه، فذلك هو التوحيدُ العلميُّ الخبري وإمّا دعوةٌ إلى عبادتِه وحدَه ـ سبحانه وتعالى ـ، وخَلْعِ ما يُعْبَدُ من دُونِه، فهو توحيدُ الطلبِ والقصد، وإمّا أمرٌ ونهيٌ وإلزامٌ بطاعته في أمرِه ونهيِه، فذلك من مكمّلاتِ التوحيد، وإمّا خبرٌ عن أوليائه، وما كافأهم به في الحياة الدنيا وما يجزيهم به في الآخرة، فهذا جزاءٌ على التوحيد، وإما خبرٌ عن أهل الشرك وما نَزَل بهم من النَكالِ في الحياة الدنيا، وما يَحِلُّ بهم من العقابِ في الأخرى، فذلك جزاءُ من خَرَج عن حُكمِ التوحيد، فالقرآنُ كلُّه في التوحيد، وفي أهلِه وجزائِهم وفي من خالفَ التوحيدَ من أهل الشِّرك وجزائِهم،فأعاد القرآنَ كلَّه للتوحيد).
وهذا يدلّ دلالةً عظيمة جدًّا على أهمية التوحيد، ولا يَعرِف هذه الأهمية الكبيرة العظيمة إلاّ أئمةُ التوحيدِ من الرُسُلِ الكرام أولي العدل وغيرهم، ولا يعرفه إلاّ من حذا حذوهم في الاهتمام بهذا التوحيد والدعوة إليه.
ذلكم أن اللهَ ـ تبارك وتعالى ـ ما خَلَقَ السّموات والأرض والجنّ والإنس والجنّة والنار، وشرع الجهادَ، وكثيرًا من الأمور العظيمة، كلُّ ذلك من أجل هذا التوحيد، وعلى رأسِ التوحيد كلمةُ التوحيد ـ لا إله إلاّ الله ـ على لسان كلِّ رسول وعلى لسان كلّ نبي، ويلهج به الملائكة الكرام، ويكفينا قولُ الله تبارك وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 ـ 58]، فبيّن لنا أنّه لم يخلقنا لغرضٍ من الأغراض ـ جلّ وعزّ ـ وتَنَزَّه عن ذلك وإنّما خَلَقَنَا لعبادته، هذا الربُ العظيم الجليلُ الكبير الذي لا نستطيع أن نصفَه ولا نُخبر عن وصفه إلاّ بما أخبر به هوـ تعالى وتقدّس عن نَفْسِه، وأُحِبُّ أن أقرأ بعضَ الآيات التي تُنَّوِهُ عن عَظمةِ الله سبحانه وتعالى وجلاله وعظمتِه، وأنّه سيّدُ هذا الكون وربُّه والمسيطر عليه من أجل ذلك هو يستحقّ العبادة وحدَه ـ سبحانه وتعالى ـ، وأن يُخْلَصَ له الدّين، ولا نستطيع أن نُعَبِّرَ عن هذا الشيء، ولكنَّنَا نستوحي آياتٍ من القرآن تدلُّ على عظمةِ ربِّنا الجليل العظيم الذي يستحقّ هذه العبادة ويستحقّ أن نذل له، وأن نخضع له، وأن نستحييَ منه ـ سبحانه وتعالى ـ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ، سَوَاءٌ مِنكُم مَنْ أَسَرَّ القَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ و َسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) هذه من صفات عظمته وجلاله ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن وَالٍ ، هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ، وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ) ـ شديدُ الأخذ، شديدُ البطش ـ (لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ) ـ وحده سبحانه وتعالى ـ ?(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ، وَللهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلاَلُهُم بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ).
هنا نقف خاشعين أمام عظمة الله ـ تبارك وتعالى ـ التي صرحت بها هذه الآيات، فالله العظيم، الجليل، الكبير، العالم بكلّ شيء الذي لا يخفى عليه شيء، ولا يقف في وجه إرادته شيء ـ سبحانه وتعالى ـ، ويخضع له من في السّموات والأرض، وتخضع له الملائكة ـ سبحانه وتعالى ـ وأنا لا أستطيع أن أعبّر…، والمقام لا يتسع لتفسير هذه الآيات، ولكن قد يكفيكم أن أَقرأَها عليكم وآياتٍ أخرى في هذا المعنى، تدلُّ على جلالِ الله وعظمتِه وعزّتِه وكبريائِه وعليائِه ـ سبحانه وتعالى ـ الذي تتضاءل كلُّ عظمةٍ وكلُّ جلالةٍ أمامَ عظمته، بل ليس هناك جلالةٌ وعظمةٌ أمام عظمةِ هذا الواحد القهار المعبود بحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ الذي قال ـ سبحانه وتعالى ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) [الحج: 18] ـ سبحانه وتعالى ـ كلّ شيء يسجد له ويخرُّ خاضعًا ذليلاً لعظمته، الملائكة والأشجار والسماوات والأرض ومن فيها، وعظمة المخلوقات مهما بلغت من عظمة تتضاءلُ أمام عظمتِه، هذا الربُّ الذي يدعو الأنبياءُ إلى عبادته ـ سبحانه وتعالى ـ يدعون الأممَ الذين ذلّوا أمام الأشجار والأحجار وأمام الجنّ والشياطين، وتجاهلوا عظمةَ الله ـ تبارك وتعالى ـ، واستولى عليهم الشيطانُ وعبَثَ بعقولهم في الماضي ولا يزال، هذا العدوّ الألدّ الذي حذَّر الله ـ تبارك وتعالى ـ منه البشرية (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ). [يس : 60]
هذه دعوةُ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يدعون إلى عبادةِ هذا الربّ العظيم ـ عز وجلّ ـ، والذي وصف نَفْسَهُ في كُتُبِه المقدّسة، ووصف نفسه في هذا الكتاب العظيم في الآيات والسُّور، بل في القرآن كلِّه؛ كما ذكر ذلك ابنُ القيّم، ولعلِّي أَقرأُ بعضَ الآيات التي أشار إليها ابنُ القيم؛ لتدلّنا على عظمةِ الله، وتدفعنا إلى محبتِه والخضوعِ له والإخلاصِ له وإجلالِه وتقديسِه والخضوعِ لجلاله سبحانه وتعالى، في حين أصبح كثيرٌ من الناس يخضعون لبعضهم بعضًا أكثر مما يخضعون لله العليّ الكبير، الذي خضع له كلُّ شيء، وذلّ له كلُّ شيء ـ سبحانه وتعالى ـ، فلا ينبغي للعبد أن يكون عبدًا إلاّ لله، ولا يخضع إلاّ لعظمته وجلاله ـ سبحانه وتعالى ـ؛ يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ (هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [الحشر: 23 ـ 24].
سبق في ما نقلت لكم من كلامِ ابنِ القيم أنّه لا تخلو آية إلا وهي متضمّنَةٌ للتوحيد، انظر إلى هذه الآيات في آخر سورة الحشر، تضمنت توحيدَ الألوهية في قوله: (هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)، توحيد الأسماء والصفات في قوله: (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ…)،توحيد الربوبية في قوله: (هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ الْمُصَوِّرُ)، فهذه الآيات القليلة في آخر سورة الحشر تضمنت كلَّ أنواعِ التوحيد،توحيد العبادة، توحيد الأسماء والصفات، توحيد الربوبية، ويقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في أول سورة الحديد التي أشار إليها الإمام ابن القيم رحمه الله: (سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ، لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحشر: 1 ـ 3]، تضمنت أنواعَ التوحيد الثلاثة، فقوله سبحانه وتعالى(سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: خضع لله وعبد الله، وهذا توحيد العبادة، وقوله تعالى (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هذا توحيد الربوبية، وقوله تعالى: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)هذا توحيد الأسماء والصفات، فالقرآن يحتاج إلى تدبُّر، وإلى عقولٍ واعية تعيه، وتعرف قدرَه، وقدرَ مُنْزِلِه ـ ربّ السماوات والأرض ـ هذا الرب العظيم، وقدر هذا الرسول العظيم الذي أُنزل عليه هذا القرآن، فَنَعْلَمُ هذا القرآن ونَعْمَلُ به بعد التدبُّر والتعقُّل والتفهُّم والإدراك الواعي لمرامي القرآن ومقاصدِه، خاصةً فيما يتعلّق بذات الربِّ وأسمائِه وصفاتِه، وما يستحقّه من العبادةِ والتقديرِ والتعظيمِ والإجلالِ والهيبةِ والخوفِ والحياءِ والمحبّةِ والذُلِّ إلى آخر أنواع العبادات التي نعرفها من هذا القرآنِ العظيم ومن سنّةِ نَبِيِّنَا الكريم عليه الصلاةُ والسّلام.
وقال الله تعالى في آية الكرسي(اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ) [البقرة: 255] هذه الآية التي تعتبر أعظمُ آيةٍ في القرآن الكريم تضمَّنت كذلك توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
وقال الله سبحانه وتعالى في سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 1 ـ 4] تضمنت التوحيدَ العلمي الخبري، هذه السُّورة على وَجَازَتِها، قال الرسّولُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيها (إنَّها تعدلُ ثُلُثَ القرآن)،هذا يقوله رسولُ الله إمامُ أهل التوحيد، وأَعْرَفُ الناسِ بربِّه وأعلَمُهُمْ به، وأَعلمُ الناسِ بهذا القرآن الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
ونحن ليس عندنا تأمُّل ولا تدبُّر ولا تفّهم، كيف تعدل ثلث القرآن؟! قال بعضُ العلماء ومنهم ابنُ تيمية: (إنّ القرآن ثلاثة أقسام: القسم الأول: في الأحكام، والقسم الثاني: في الأخبار والقَصَص وما شاكل ذلك، والقسم الثالث: في التوحيد) وهذه ـ سورة الإخلاص ـ تضمّنت كلَّ أنواعِ التوحيد، توحيد الإثبات؛ إثباتُ الكمال بكلّ أنواعه لله ـ تبارك وتعالى ـ، وتوحيدُ التَّنْزيه؛ تَنْزيه الله عن كلّ عيبٍ ونقص ـ تعالى الله وتبارك وتقدس وتَنَزّه عن كلّ نقص وله الأسماء الحسنى والصفات العلى،
وأمّا التوحيدُ الثاني الذي يُفيدُ العبادة، القرآنُ مليءٌ به وما بُعِثَتْ الرُّسل من أوّلهم إلى آخرهم إلاّ من أجله، وما شُرِعَ الجهادُ إلاّ من أجله، و لا الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر إلا من أجله؛ لأنّ توحيدَ الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات فَطَرَ اللهُ الناسَ عليه، فلا يُكَاِبرُون فيه ولا يُجَاِدلُون فيه؛ قال الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان: 25] وقال سبحانه وتعالى: (أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ) [يونس: 31].

فكانت الأممُ تنحرفُ وتَضِلُّ في توحيد العبادة، من أوَّل انحرافٍ بدأ في قوم نوحٍ إلى آخرهم، إلى قيام الساعة، أكثر ما يأتي الانحرافُ في هذا التوحيد، والشيطان يَجْلبُ بخيله ورَجْله على بني آدم الذي آلى على نفسه ليغوينّهم وليأتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن شمائلهم، وقال كما أخبر الله عنه (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 17]، (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 82]، فهو يركض في هذا الميدان أحرص ما يستطيع، ويكفيه أن يعبث بكثير من الناس أو أكثرهم ليصيِّرهم من عبيده، لأنهم يطيعونه في دعوته، ويلبُّون دعوته إلى الشرك بالله فيعبدونه؛ كما قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)[يس: 60 ـ 61]، فالضلال ـ كما قدَّمنا ـ يقع في هذا التوحيد الذي يمثل قسمًا كبيرًا من القرآن.
ومنها سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) التي أشار إليها الإمام ابنُ القيم ـ رحمه الله ـ هذه تسمّى سورة الإخلاص الثانية، تلك -الأولى- تسمى سورة الإخلاص؛ لأنّه أُخلص فيها التوحيد، أي: توحيد الأسماء والصفات وهو التوحيد العلمي الخبري، وهذه أخلصت فيها العبادة لله (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون:1 ـ 6] فيه إثبات العبادة لله ـ تبارك وتعالى ـ والبراءة من عبادة غير الله ومن العابدين لغير الله، فهي سورة البراءة، وهي سورة الإخلاص، وهي سورة عظيمةٌ يجب أن نفهمها ونتدبّرها لعظم شأنها، وعظم شأن ما شاكلها من السُّور والآيات في وجوب إفراد الله ـ جلَّ وعلا ـ في العبادة، والبراءة من عبادة الطاغوت، وأشار ابنُ القيم ـ رحمه الله ـ إلى بعض الآيات وإلى بعض السُّور نذكر منها الذي يخطر بالبال الآن.
فمنها سورة الزمر؛ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ في أولها: (تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ، إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ، أَلا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 1 ـ 3]، إلى هذا أشار الإمامُ ابنُ القيّم، وإلى مثل قول الله ـ تبارك وتعالى (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي) [الزمر: 14]، وأشار إلى مثل قول الله ـ تبارك وتعالى ـ تهديدًا للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ يعني الأنبياء ـ (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ، بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِنَ الشَّاكِرِينَ )، ثم أخبر عن حال المشركين به سبحانه وتعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 65 ـ 67]، هذا في توحيد العبادة، تهديدٌ لكلّ نبيٍّ؛ فما من نبيٍّ إلا وجاءه الإنذار، وجاءه التهديد العظيم الذي ـ واللهِ ـ ترتجفُ قلوبُ المؤمنين حينما تتأمّل وتسمع دَوِيَّه ودويَّ هذا الترهيب من الله الذي شأنه أنَّ السماوات مطوياتٌ بيمينه ـ سبحانه وتعالى ـ، السماواتُ والأرضُ جميعًا قبضتُه يومَ القيامة، فالمسلمون يعبدون هذا الرّب العظيم الجليل، والنصارى واليهود والمشركون والقبوريون يَعْبُدون الأموات ويَعْبُدون البشر والأحجار، أيُّ عِزَّةٍ وأيُّ رفعةٍ تحصل للمسلم الذي لا يعبدُ إلا هذا الإلهَ العظيم! ولهذا يقول ـ تبارك وتعالى ـ (وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8]، العزةُ لله ولأهل التوحيد؛ لأنهم لا يخضعون ولا يحنون رؤوسـهم إلاّ لله، ولا يخـافون ولا يرجُون ولا يَرْغَبُون ولا يَطْمَعُون إلاّ فيما عند هذا الإله العظيم الجبّار الذي بيده كلّ شيء، وكلُّ شيءٍ ملكُه، وكلّ شيءٍ هو آخذٌ بناصيته سبحانه وتعالى، فيجب على المسلم أن يقف خائفًا مرتعدَ الفرائص حينما يَذكرُ اللهَ وحينما يؤدي أيَّ عبادةٍ فليكن في المقام الذي أشار إليه الرسّول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في مقام الإحسان (أن تَعْبُدَ اللهَ كَأَنّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُن تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)2.
يتسع الحديث في شرح كلام ابن القيم، وعندي في الموضوع فقرات أحبُّ أن أنتقل إليها، ولكن أدعوكم إلى أن تقرؤوا هذا الكلام، وهو في الجزء الثالث من (مدارج السّالكين) (ص 450) استفيدوا واستضيئوا به في معرفة التوحيد والآيات التي أشار إليها، وقوله في الأخير إنّ القرآنَ في التوحيد، ثم ذكر أنواعَ التوحيد وما يُكَمِّلُ التوحيد، استفيدوا من هذا الدرس.
هذه خلاصةٌ عظيمةٌ جدًّا، والله نحن ما نصل إليها
ونعترف بالعجز، فنحن واللهِ نتتلمذُ على مثل هؤلاء الأئمّة ونأخذُ منهم مثل هذه المفاتيح ونسيرُ في ضوئِها، نستفيد منهم في فهم كتابِ ربنا وسنّةِ نبيِّنا عليه أفضل الصَّلاة، هذا التوحيدُ لأهمّيته أنزل الله من أجله الكتب، وأرسل به الرسل، وتحدث الله عن قَصَصِ الأنبياء.
وأنا بجهدي الضعيف كتبت كتابًا اسمه (منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل) فإن شئتم فارجعوا إليه لتستفيدوا منه، بَيَّنْتُ فيه دعوةَ الأنبياء ـ عليهم الصَّلاة والسَّلام ـ وأنه طريقٌ رسمهُ الله لا تجوز الحيدةُ عنه يمينًا ولا شمالاً، فإنّ الحيدةَ عن منهجِ الأنبياء في الدعوةِ إلى الله حيدةٌ وانحرافٌ إلى الضلال والهلاك؛ لأنّ هذا المنهج وضعه الله ـ تبارك وتعالى ـ ورَسَمَهُ للأنبياء جميعًا من أوَّل رسولٍ ، نوح إلى خاتَمِهم محمّد عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ قال الله سبحانه وتعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]، هذه الآية تقصُّ علينا كيف كان بدء دعوة الأنبياء ـ عليهم الصَّلاة والسَّلام ـ وما هي خلاصةُ دعوتهم ـ عليهم الصَّلاة والسَّلام ـ، وقد أَثْبَتُّ في هذا الكتاب وجوبَ التزامِ هذا المنهج بالأدلة من القرآن والسنّة والفطرة والعقل، وأنّ الدَّعوات التي لا تبدأ بالتوحيد ولا تنطلق من التوحيد قد حادت عن منهج الله، واختارت طرقَ الضلال والهوى، وانحرفت بالمدعوّين عن صراط الله المستقيم.
كلُّ الدعوات الموجودة الآن على وجه الأرض إذا رَسَمَت لنفسها طريقًا للدعوةِ إلى اللهِ غير الطريقة التي رسمها الله لأنبيائِه ورسلِه والتزموها ونفّذوها فقد ضلّوا؛ كما قال سبحانه وتعالى (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة: 130]، ما هي ملة إبراهيم ؟ هي التوحيد والدعوة إليه ، فإبراهيم عليه السَّلام بدأ بالدعوة إلى التوحيد وناضلَ في هذا الميدان وحارب القريبَ والبعيد وناظرهم وأقام الحجّةَ عليهم، ثم بعد ذلك لماَّ يَئِسَ من استجابتهم ذهب إلى أصنامهم وحطّمَها، فاغتاظوا لأجل هذه الأصنام وغَضِبُوا من أجلِها، ولم يروا شيئًا يشفي غيظَهم إلاّ أن يقذفوه في النَّار، فنجَّاه الله منها فصارت عليه بردًا وسلامًا، وجعلهم الله الأسفلين، وكذلك نوحٌ عليه السَّلام قبله لبث ألفًا إلاّ خمسين عامًا يدعو إلى توحيد الله تبارك وتعالى، عندما تأتي إلى بلدٍ عندهم خرافات وبدع وشرك وضلالات، هل نقول لهم: تعالوا نقيم دولة أو نبدأ بتصحيح عقائدهم حكامًا ومحكومين؟؟ فأمّا الطريق التي رسمها الله فتبدأ بتصحيح عقيدة الحاكم، بأن تخبره أنّ الله هو ربُه، وأن يُعْبَدَ الله، وأن يُخْلَصَ له الدِّين، فإذا صلح وأصلح رعيته واستجابوا دخلوا في الإسلام تمامًا وسيكونون على أتمّ الاستعداد لتنفيذ حاكمية الله، وإذا رفضوا هذا فسوف يرفضون الحاكمية أيضًا ولن يستجيبوا لك، ومن السّفه ومن مخالفة دين الأنبياء ومنهجِهم أن تقصد إلى الحاكمية وتَسْلُك مثل هذه الأشياء؛ كما تفعل كثيرٌ من الدعوات، إمّا أن تذهب إلى جانب التصوّف، وإماَّ أن تذهب إلى جانب السّياسة وتترك دعوةَ الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، فتكون النتيجةُ هي الضياع والخسران في الدنيا والآخرة؛ لأنها قامت على غير منهجِ الأنبياء وقامت على أسسٍ فاسدة وقامت على الأهواء؛ لأنهم إذا لولم يكن عندهم أهواء وأغراض شخصية ومصالح لما قفزوا عن دعوة الأنبياء التي التزموها وطبَّقُوها، ولهذا أشار ابنُ القيم ـ رحمه الله ـ إلى الآيات من سورة الأعراف؛ يشير إلى دعوة الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، ما من نبيّ، نوح وهود وصالح وشعيب وموسى قصَّ الله قصصهم مُفصَّلة، كلُّ واحدٍ يدعو قومه يقول: (اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59]، وبيَّنَ مواقفَ هؤلاء الضالّين، وكيف كذبُّوهم، وكيف رموهم بالسّفاهة، وكيف رَمَوْهم بالجهل ، فأعداءُ الأنبياء تعرفونهم من مواقفهم تجاه دعوة التوحيد كما وقف أسلافهم للرُّسل بالرَّد والتكذيب والاستهزاء إذا دعاهم الأنبياء إلى عبادةِ الله وحده وإخلاصِ الدين له ونبذِ الأوثان وخلعِها والبراءةِ منها، ومع هذا كلِّه الأنبياء لا يتجاوزون الدعوة إلى توحيد الله، فإذا استجابوا فالحمد لله، ومشوا بهم خطوات أخرى، وإذا لم يستجيبوا وقفوا في هذه النقطة ولا يتجاوزونها، ويظلون يلهجون بالدعوة إلى التوحيد، والرسُّول عليه الصلاة والسلام كما عرفتم عاش ثلاث عشرة سنة في مكّة لا يدعو إلى شيءٍ غير التوحيد، لم يخف عليه إقامة الدولة آنذاك، ولم يكن مُهمَلاً ذكرها في القرآن الكريم، لكن يدعو إلى التوحيد واثقاً بوعد الله عزَّ وجلَّ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].
فعن خَبَّابِ بن الْأَرَتِّ رضي الله عنه قال : شَكَوْنَا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا له : ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو اللَّهَ لنا قال : ( كان الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرض فَيُجْعَلُ فيه فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ على رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وما يَصُدُّهُ ذلك عن دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ من عَظْمٍ أو عَصَبٍ وما يَصُدُّهُ ذلك عن دِينِهِ والله لَيُتِمَّنَّ هذا الْأَمْرَ حتى يَسِيرَ الرَّاكِبُ من صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إلا اللَّهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )(3).
وقد حقَّق الله عزَّ وجلَّ ما وعد رسوله صلى الله عليه وسلم من الظهور العظيم على يديه وعلى يدي الخلفاء الرَّاشدين؛ حيث أظهرهم الله وأظهر دينهم على الأديان كلِّها .

وكان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى الأمراء وإلى غيرهم وكتب إلى قيصر (قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64]، وكَتبَ إلى كسرى بنحو هذا الكلام.
وكتب إلى غيره قريبًا من هذا المضمون ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ بعدما قامت الدولة يدعوهم إلى التوحيد، وحينما بعث معاذًا إلى اليمن رتَّب له أمور الدَّعوة فقال: ( إنَّك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أوّلَ ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إلهَ إلاّ اللهَ) ، أهل الكتاب يؤمنون بالجنّة يؤمنون بالنار يؤمنون بالله يؤمنون بالملائكة، ويقولون لا إله إلاّ الله، لكن أفسدوا معنى لا إله إلاّ الله فقال: (فلْيكُن أوّل ما تدعوهم إليه، شهادةُ أن لا إلهَ إلا الله، وأنّ محمّدًا رسولُ الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم ـ انتقل إلى مرحلة أخرى ـ أن الله افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أنّ الله افترضَ عليهم صدقةً تُؤْخَذُ من أغنيائهم فَتُلْقى إلى فقرائهم)5.
هذه هي الطريقةُ الصحيحة للدعوةِ إلى اللهِ تبارك وتعالى، الآن العالَم الإسلامي تذهب إلى الشرق والغرب، تجد أوثانا وقبورًا، تجد مدنا من القبور، تدعى من دون الله، ويستغاث بها من دون الله، وتشدّ إليها الرحال كما تشدّ إلى البيت العتيق، ويطاف بهذه الأوثان، ويركع ويسجد لها، ويعتقدون فيها ما يخجل منه أبو جهل من أنّها تعلم الغيب وتتصرّف في الكون! وقد أتيت بعض البلدان ورأيت كيف الخشوع والخضوع والذلّ والطمع في أموات لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا! والله ما رأيت هذا الخشوع عند بيت الله العتيق! ـ وربِّ السماء ـ ويَخُور بعضهم كما يخور الثور، ويخرُّ يهوي على عتبة الولي طمعًا ورجاءً وخوفًا ورغبةً! وينسى الله تبارك وتعالى! أمر عظيم! الدعوات الموجودة غير دعوة التوحيد؛ دعوة الإمام المجدِّد محمّد بن عبد الوهاب رحمه الله تقف تتفرّج أمام هذه المشاهد المخزية، ولا ترى هذه منكرًا، بل تؤيِّدها، بل يذهبون في أيّام الانتخابات إلى هذه الأوثان، أو إلى أكبرها، فيخرُّون لها راكعين ويقدِّمون لها الزهور والنذور إجلالاً وتعظيماً لها، بدل أن يدعوا إلى التوحيد، واللهِ يفعلون هذه الأمور وهم معدودون دعاةً إسلاميين! فيَضِلّون ويُضلّون الأمَّةَ ويغرقونهم ويغمسونهم غمسًا إلى الحضيض في الضلال والشرك بالله تبارك وتعالى، ولا تجدُ دعوةً تواجهُ هذه الوثنية إلاّ دعوة الله تبارك وتعالى.
على كلِّ حال سأذكر لكم مقتطفات عن التوحيد وأُحِيلُكُم على كُتُبِ التوحيد، فإنَّ هذه المحاضرة إذا طالت لا تُغْني شيئًا، إنَّما نُوَجهكم ونُبيُّن لكم شيئًا من مكانة التوحيد وفضله وما شاكل ذلك، ادرسوا (كتاب التوحيد) للإمام محمّد ـ رحمه الله ـ وافهموه حقَّ الفهم، واقرأوا شُرُوحَه (تيسير العزيز الحميد)، وكتاب (فتح المجيد)، و(القول السديد)، و( قُرّة عيون الموحدّين)، وما شـاكل ذلك، واقرأوا (كشف الشبهات)، و(الأصول الثلاثة) للشيخ محمَّد كذلك، و(التوسل والوسيلة)، لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وكتاب (إغاثة اللهفان) للإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ، واقرأوا القرآن قبل كلّ هذه؛ فإنّه كتابُ التوحيد كما قال ابنُ القيم ـ رحمه الله ـ، واقرأوا كتبَ ابنِ تيمية عمومًا؛ فإنّه ما من مجالٍ يكتب فيه إلاَّ ويعرِّج على العقيدة ويَسْتَطردُ إليها لأهميتها عنده، واقرأوا كُتبَ ابنِ القيم أيضًا الأخرى مثل (زاد المعاد)؛ فإنّ له لمحات وإشارات وتوضيحات في هذا الباب.
وقد تأمَّلت حياة المسلم فوجدتها قائمةً على التوحيد فنأتي إلى الصلاة
إذا توضَّأت تقول (باسم الله)، تُسَمِّي الله وتتوضأ، هذا توحيد وإذا فرغت تقول كما في الحديث عن النَّبيِّ ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ (ما من عبدٍ يتوضأُ فَيسبغُ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحدَهُ لا شريكَ له، وأنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُه، إلا فُتحتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثمانية، يدخلُ مِنْ أَيِّها شاء)6، هذا توحيد، تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا رسولُ الله توحيد، فَتُفْتَحُ لك أبوابُ الجنَّة الثمانية، تدخل من أيِّها شئت، لأنّ كلمة لا إله إلاّ الله: لو وُضِعَتْ السَّماوات السَّبع ومن فيهنَّ غيرُ الله في كِفَّة، والأرضون السّبع أيضًا ولا إله إلاّ الله في كِفَّة لمالت بهنَّ لا إله إلاّ الله، هذا جاء عن موسى ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ وفي هذا الأثر شيءٌ من الضعف، ولكن يشدُّه وصيَّةُ نوحٍ لابنِه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أوصاه عند موته قال: (يا بُنَي آمُرُكَ بأن لا إله إلاّ الله؛ فإنّها لو وضعت في كِفَّة، ووضعت السماوات السبع والأرضون السبع في كِفَّة، لمالت بهنّ لا إله إلاّ الله)7، فإذا قالها العبدُ صادقًا، مخلصًا لله تبارك وتعالى، عارفاً بمعناها عاملاً بمقتضاها تفتحت له أبوابُ الجنّة.
فإذا قمت إلى الصلاة تفتتحها بالتوحيد، فتقول: (الله أكبر) هذا توحيد ، ثمَّ تستفتح فإمّا أن تقول: (وَجهتُ وجهي للذي فَطَرَ السماوات والأرضَ حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين…)8. وإما تقول (سبحانك اللهمّ وبحمدك وتبارك اسْمُك، وتعالى جَدُك، ولا إلهَ غيرُك) 9. في أنواع جاءت في الاستفتاح كلُّها توحيد، ومن جملتها (اللهمّ ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطرَ السَّماوات والأرض، عَالِمَ الغيب والشَّهـادة، أنـت تَحْكُمُ بين عبادِك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لما اخْتُلِفَ فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم) 10.
وجاء في صلاة اللّيل، أنواعٌ كثيرةٌ من الاستفتاحات منها أنّ رسولَ الله كان يقول:( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، ثلاث مرّات، الحمد لله ثلاث مرّات)، ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يقول هذا، وَوَرَدَ أنّه (يُكُبِّرُ اللهَ عشرًا، ويحمَدُ اللهَ عشرًا، ويُسَبِحُ الله عشرًا)11 في بعضِ صلواتِه في اللَّيل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وكثيرٌ من هذه الأنواع كلّها توحيد، ثمّ بعد ذلك تقرأُ سورةَ الفاتحة، وهي كلُّها توحيد (الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)، توحيد (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، توحيد (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، توحيد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)… كلّها توحيد، انظر كيف قامت الصَّلاة على التوحيد؛ حينما تركع تقول (الله أكبر)، هذا توحيد، (سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي العظيم وبحمده)12 (سُبُّوحٌ قُدُّوس، سُبُّوحٌ قُدُّوس، ربُّ الملائكة والرّوح)13 توحيد، وأذكار أخرى، يعني تأتي أيضًا في الرُكوع، ترفع (سَمِعَ الله لمن حَمِدَه)14، هذا توحيد (ربنا ولك الحمد، مِلْئ السَّماوات ومِلْئ الأرض، ومِلْئ ما بينهما، ومِلْئ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلُّنا لك عبد، لا مانعَ لما أَعْطَيْت، ولا مُعْطِيَ لما مَنَعْت، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدّ)15، هذا توحيد، وتَخِرُّ ساجدًا لله ـ تبارك وتعالى ـ توحيد فتقول: (سُبْحَانَ ربي الأعلى، سُبْحَانَ ربي الأعلى، سُبْحَانَ ربي الأعلى، سُبْحَانَ ربي الأعلى..)16 (سُبُّوحٌ قُدُّوس، سُبُّوحٌ قُدُّوس، سُبُّوحٌ قُدُّوس)17، تقول مثل هذا، (اللهمَّ إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثيرًا، ولا يَغِْفُر الذُنُوبَ إلاّ أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنَّك أنت الغفور الرحيم)18، هذا الدعاء الذي علَّمه رسولُ الله ( لأبي بكر يدعو به في صلاتِه توحيد، التَشَهّدْ توحيد، والآذان يرفع شعار التوحيد، فهذه العبادة انظروا ماذا تضمَّنت من توحيد الله في كلِّ حركة من الحركات، كلُّها قائمةٌ على توحيد الله تبارك وتعالى، الحجّ حينما تتأمّله تجده كلُّه قائماً على التوحيد، التلبية التي تَشْرَعُ بها في الحج، (لبيكَ اللهمّ لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والملك لا شريكَ لك)19، كيف سمَّاها الصحابة رضي الله عنهم؟ قالوا: أَهَلَّ رسولُ الله ( بالتوحيد)، بل رسولُ الله ( وأصحابُه لم يتوقفوا عن رفع شعار التوحيد، وظلّوا يرفعون أصواتَهم به حتى بُحَّتْ أصواتُهم، وكانو إذا أتوا شَرَفاً كبَّروا وإذا هبطوا منحدراً سبَّحوا20 في حجٍّ أو غيره من الأسفار والغزوات
والشاهد أنَّ الرسول ( ظلّ وأصحابُه يهتفون بالتلبية، إلى أن دخلوا مكَّة، ولما وصل إلى البيت الحرام شرع يُكَبر ويطوف ويَقرأُ القرآن أو يَذكرُ الله، هذا توحيد، ثم أتى إلى مقام إبراهيم ليصليَّ ركعتين، فهذا توحيد كذلك، ويَقرأُ فيهما سُورتي التوحيد (الإخلاص)، (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ)21 هذا توحيد، كلُّ هذه الأفعال تربيةٌ على التوحيد، تتحرك و تنام وتسافر وتستيقظ وتقرأ وتصلِّي، كلُّه توحيد، لكن كثيراً من الناس غافلون للأسف الشديد، يحتاجون إلى تنبيه، ليُدركُوا تَغَلْغُل التوحيد في كلِّ حركة من حركات المؤمن، لما تنام عندك أدعية هي كلُّها توحيد، لما تستيقظ أدعية كلُّها توحيد.
أنبّهكم إلى أهميّة التوحيد ومكانَتِه، حيث إنّ حياتَك أيُّها المؤمن إن كُنْتَ صادقًا في إيمانك ومخلصًا في توحيدك تستطيع أن تَجْعَلَها كلَّها توحيداً
وتقديساً وإجلالاً وعبادةً لله ربِّ العالمين، فهذه هي أهميَّة التوحيد.
أمّا خطورة الشرك، أنتقل الآن إلى هذه النقطة وسمعتم ما قرأنا من تهديد الله لأنبيائه (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]، وقول إبراهيم ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ وقال سبحانه وتعالى مخبراً عن دعاء رسوله إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [إبراهيم: 35]، هذا وإبراهيم أبو الأنبياء وإمامُ الموحدين وإمامُ الحُنفاء ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ?، ويقول الله عزَّ وجلَّ عنه ?وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132]، وقال الله تعالى في المشركين:(إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72]، وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48]، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31]، إذا عرفت خطورةَ الشِّرك لا تزداد إن شاء الله إلاّ تشبثًا بالتوحيد ومعرفةً لمكانة التوحيد، أسأل الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يُثَبِّتَنَا وإيّاكم على توحيده وإجلالِه وتعظيمِه، وإخلاصِ الدِّين له، وأن يُجَنِّبَنَا وإياكم الشّرك والبدع والنفاق ما ظهر من كلّ ذلك وما بطن؛ إنَّ ربنّا لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم.


1 أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي ( أمّته إلى توحيد الله تبارك وتعالى
2 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، (خ/كتاب الإيمان، باب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وم/ كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم9)
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب ـ باب علامات النُبوَّة في الإسلام . حديث رقم (3612)
4 رواه البخاري/ كتاب الجهاد والسِّيَر ، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم النَّاس إلى الإسلام برقم: (2940)، ومسلم/ كتاب الجهاد والسِّيَر، باب كتاب النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل..برقم: ( 1773)
5أخرجه البخاري ـكتاب المغازيـ باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قبل حجة الوداع
6 أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/145) ومسلم/كتاب الطهارة،باب الذكر المستحب بعد الوضوء برقم (234).
7 رواه أحمد (2/170 – 225) والحاكم (1/48-49) وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة برقم 134
8 أخرجه أحمد (1/94-102) ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل
9 أخرجه أبو داود (775/ كتاب الصلاة باب من رأى الاستفتاح بسبحانك) والنسائي (895/ كتاب الصلاة، نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة) والترمذي (242/ كتاب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة) وابن ماجه ( 804/كتاب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب افتتاح الصلاة، انظر صحيح سنن أبي داود برقم: 848/ج3/361)
10 أخرجه مسلم (770/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه)
11 رواه أحمد (6/143) وأبو داود، كتاب الصلاة، ما يستفتح به الصلاة (1/121) برقم 766، والنسائي (1/240) وابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل برقم: 1356 وصححه الألباني رحمه الله في تخريجه على سنن أبي داود (742/ج3/ص352)
12 رواه الدارقطني (130) وغيره، وصححه الألباني رحمه الله في (صفة الصلاة) انظر الأصل (2/651-657)
13 أخرجه أحمد وأبو داود (874) وروى مسلم طرفاً منه بدون الاستفتاح (772) كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القرآن في صلاة الليل وهو في صحيح سنن أبي داود برقم 818/ج/4/ ص27
14 متفق عليه : (خ/ كتاب الأذان، باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع برقم: 785، م/ كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كلِّ خفض ورفع…برقم: 392)
15 رواه مسلم / كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع برقم: 777
16 أخرجه أحمد(5/382و394و271) وأبو داود (871)باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، والنسائي(1/245)باب الدعاء في السجود، والترمذي(261) /كتاب الصلاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود، وابن ماجه (888)باب التسبيح في الركوع والسجود وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود(815/ج4/ص24) والإرواء (333).
17 أخرجه أحمد(6/94و115و148) ومسلم/ كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم: (487).
18 أخرجه أحمد(1/3و7) والبخاري/ كتاب الدعوات، باب الدعاء في الصلاة(6326)، ومسلم/كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من العجر والكسل وغيره برقم(2705).
19 متفق عليه من حديث ابن عمر ( (خ/1549) ك/الحج. باب التلبية، (م/1184) ك / الحج. باب التلبية وصفتها ووقتها، وأخرجه مسلم من حديث جابر( (1218) ك / الحج باب حجة النَّبي (.
20 أخرجه البخاري/ كتاب الجهاد والسِّير، باب التسبيح إذا هبط وادياً، وباب التكبير إذا علا شرفاً برقم: (1993،1994)
21 أخرجه مسلم من حديث جابر( (1218) ك / الحج باب حجة النَّبي (.




وٍفقـت في إختيآرٍ طرحك
تسـلم إيـدينك ، ولآعدمنآ القآدم
دمت بروٍعت نقلـك




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[فتاوى] الله الله في السّـــــرائــــــر!!! // حكم العبادة إذا اتصل بها رياء لفضيلة ا

تعليمية تعليمية
[فتاوى] الله الله في السّـــــرائــــــر!!! // حكم العبادة إذا اتصل بها رياء لفضيلة الشيخ ابن العثيمين رحمه الله //

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سُئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن:
حكـــم العبـــادة إذا اتصـــل بها الريـــاء

فأجاب رحمه الله :

حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء أن يقال اتصال الرياء على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل كمن قام يصلي لله مراءاة الناس من أجل أن يمدحه الناس على صلاته فهذا مبطل للعبادة .

الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها: بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها فأولها صحيح بكل حال، وآخرها باطل .
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص .

الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين:
الأمر الأول: أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه بل يعرض عنه ويكرهه، فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) [1] .

الأمر الثاني: أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه، فحينئذ تبطل جميع العبادة لأن أولها مرتبط بآخرها . مثال ذلك أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله –تعالى- ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها .

الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها لأنها تمت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك .
وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته، لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة، لأن ذلك دليل إيمانه قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: ((من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك مؤمن)) [2]
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)) [3]

______________________
[1]أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب: والطلاق في الإغلاق والمكره والسكران … ومسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس (127)
[2]أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (2195) .
[3]أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب: إذا أثنى على الصالح (2034) .

~~~~~~~~~~~~
من موقع فضيلة الشيخ رحمه الله وجمعنا به في الفردوس الأعلى

ونسأل المولى عز وجل أن يجعل كل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصه ولا نجعل لأحد فيها شيئا..

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

المعتقد الصحيح فى توحيد الأسماء والصفات

المعتقد الصحيح فى توحيد الأسماء والصفات

ومن جملة اعتقاد أهل السنة والجماعة :
أنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه ، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى ، لا يتجاوزون القرآن ، والحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

يثبتون الفاظ ذلك ، ويعلمون معناها فى لسان العرب الذي نزل به القرآن ، ويفوضون الكيفية لله تعالى ، لأن الله تعالى قد اختص بها فلم يطلع عليها احدا من البشر .
فهم ينطلقون فى هذا الباب الخطير من أسس شرعية ثابتة ، من لزمها سلم من الانحراف:

وصف الله تعالى بالصفات الواردة فى القرآن والحديث:-

أول ذلك : إثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أو نقصان ، لأنه لاأحد أعلم بالله تعالى من نفسه ، كما قال الله تعالى 🙁 قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة : 140 )

ولا أحد أعلم بالله بعد الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم : 3 ) (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم : 4 )

الله جل جلاله لايشبه المخلوقات: –

الثاني : تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات فى صفاته ، قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى : 11 )

وقال تعالى : (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص : 4 )

لا يدرك أحد كيفية صفاته تعالى : –

الثالث: عدم محاولة إدراك كيفية صفاته.
قال تعالى : (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (طه : 110 )
وقال 🙁 هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم : 65 )
فمن صفاته تعالى ما نص الله تعالى عليه بقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه : 5 )
فى مواضع من القرآن ، فيستفاد منها : إثبات استواء الله على العرش استواء حقيقيا ، نعرف معناه ، ونجهل كيفيته.

معنى الإستواء على العرش:-

فمعناه : العلو والإرتفاع . بذا جاء لسان العرب واتفق على هذا المعنى أهل السنة والجماعة.

عدم معرفة كيفية الإستواء: –

أما كيفية هذا الإستواء فلا يعلمه إلا الله وحده لاشريك له .

ذكر صفة السمع والبصر: –

ومن ذلك – أيضا- قول الله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء : 58 )
فيستفاد من الآية ونحوها : إثبات صفة السمع لله . والسمع فى لغة العرب : إدراك الأصوات .

فنثبت لله تعالى سمعا يدرك به الأصوات لا يشبه شيئا من خلق الله ، ونفوض كيفية ذلك لله تعالى ، فلا نقول : كيف يسمع ؟ ولا نخوض في ذلك ، إذ لم يطلعنا تبارك وتعالى عليه ، بل أستأثر جل وعلا بعلمه.

معنى صفة البصر : –

وهكذا البصر : إدراك المرئيات . كما ثبت فى صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال :
( إن الله لاينام ، ولاينبغي له ان ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

فنثبت لله بصرا حقيقا يدرك جل جلاله به المبصرات، إلا ان كيفية هذا البصر لانعلمه
، وإنما نعلم ماعلمنا الله بقوله 🙁 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى : 11 )

فهذه أمثلة من طريقة أهل السنة فى اسماء الله تعالى .

من كتاب المعتقد الصحيح الواجب على كل مسلم اعتقاده لفضيلة الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله




بارك الله فيكم وجزاكم الله خير




وفيكم بارك الله وجزاكم بالمثل




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[صوتية وتفريغها] حصرياً: تفريغ خطبة التآمر الإيراني على العرب للشيخ محمد بن عبد الله

تعليمية تعليمية
[صوتية وتفريغها] حصرياً: تفريغ خطبة التآمر الإيراني على العرب للشيخ محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله على طاعته يا أهل التوحيد، وأهل العقيدة الصافية

إليكم تفريغ هذه المحاضرة القيّمة
لفضيلة الشيخ
أبو نصر محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله

والتي كانت بعنوان
" التأمر الإيراني على العرب"

تعليمية

لتحميل المحاضرة الصوتية [اضغط هنا]

و التفريغ موجود بهذه الامتدادات
word2003
word2010
pdf

للتحميل [اضغط هنا]

أو [اضغط هنا]

الحقوق محفوظة لشبكة إمام دار الهجرة
ويسمح -حصراً- لموقع علماء اليمن بالتغيير في المحاضرة لإضافة تعديلات الشيخ.

الملفات المرفقة (افحص الملف ببرامج الحماية وقم بالتبليغ عنه إذا وجدته مخالفا) تعليمية التآمر على العرب.mp3&rlm; (4.05 ميجابايت)
تعليمية التآمر الإيراني على العرب.rar&rlm; (2.00 ميجابايت)

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[برنامج] الجواهر المضية لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى

تعليمية تعليمية
[برنامج] الجواهر المضية لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى

(*بسم الله*)
(*السلام عليكم*)
جمعت لكم مجموعة من متون الشيخ رحمه الله تعالى
أسال الله ان يجعل عملي خالصا لوجهه
تعليمية
تعليمية
التحميل
رابط مباشر

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[قصيدة صوتية] { سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ العلامة المحدث حافظ بن أحمد الحكمي رح

تعليمية تعليمية
[قصيدة صوتية] { سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ العلامة المحدث حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله }

بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم لإخواني متن
{سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول}
للشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله
قراءة خالد الشليمي

من هنا ترجمة الشيخ حافظ رحمه الله
ترجمة الشيخ العلامة زيد المدخلي
www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachment id=19513&d=1331982696
محاضرة للشيخ محمد بن هادي المدخلي
www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachment id=19891&d=1332842105

الملفات المرفقة (افحص الملف ببرامج الحماية وقم بالتبليغ عنه إذا وجدته مخالفا) تعليمية سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله.mp3&rlm; (4.77 ميجابايت)

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




بارك الله فيك…………………. …




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[مطوية] تصريح الإنجيل بعبودية عيسى صلى الله عليه وسلم

تعليمية تعليمية
[مطوية] تصريح الإنجيل بعبودية عيسى صلى الله عليه وسلم

المطويات الدعوية …119

تصريح الإنجيل بعبودية عيسى صلى الله عليه وسلم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه مطوية انتقيتها من رسالة "البراهين الإنجيلية على أن عيسى عليه السلام داخل في العبودية ولا حظ له في الألوهية" للشيخ محمد الهلالي رحمه الله سائلا الله أن ينفع بها.

تصريح الإنجيل بعبودية عيسى صلى الله عليه وسلم

اقرأ من أول الفصل الرابع من إنجيل متى إلى الرقم السادس والسابع ، ففيهما التصريح بأن عيسى عبد، والله سيد ورب ، لقوله في الآية السابعة، قد كتب أيضا (لا تمتحن الرب إلهك) وفي هذا الفصل نفسه أن الشيطان حمل المسيح وأخذ يطوف به من مكان إلى مكان، فكيف يستطيع الشيطان أن يحمل الرحمن ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

ثم أمره الشيطان أن يسجد له ويعبده ، وأطعمه بمال الدنيا ، فكيف يتجرأ الشيطان على الله بمثل هذه الجرأة، ولما أراد منه الشيطان ذلك أجابه المسيح بقوله : ( قد جاء في الكتب السابقة " لا تسجد إلا للرب إلهك" وهو وحده تعبده ) .

انظر الآية العاشرة لم يسم المسيح نفسه ابن الله، فيما أعلم، وإنما كان يسمي نفسه ابن الإنسان، إلا أنه سمع تسميته بذلك فلم ينكرها –بزعم الأناجيل- ولا خصوصية له في ذلك.

معنى عبارة " ابن الله " التي ترد في الأناجيل

ففي لغة التوراة والأناجيل : كل تقي بر يسمى ابن الله ، وفي الآية التاسعة من الفصل الخامس من إنجيل متى : ( طوبى لصانعي السلام ، لأنهم ابناء الله يدعون ) .

وجاء في الفصل نفسه رقم -45- : ( لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء )

وفي رقم -48- : ( فكونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم الذي في السماء كامل )

وفي الفصل السادس رقم-1- : ( وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء ).

مثال على تحريف أهل النصرانية لكتابهم

وفي الفصل السابع رقم -21- ترجمة كلمة ( لورد lord ) هنا بلفظة رب ، إيهاماً للناس أن المسيح هو الله ، ولكن من تأمل بقية الآية يجدها تشهد على المسيح بالعبودية ، فالترجمة الصحيحة هكذا : ( ليس كل أحد يقول لي يا سيدي يدخل ملكوت السماء ولكن الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء ) انتهت ترجمة الآية ، وقد تقدم أن إطلاق الأب على الله جاء في مواضع لا تحصى في الإنجيل ، وليس خاصاً بالمسيح .

التصريح بعبودية عيسى عليه السلام في الإنجيل

وجاء في الفصل -11- رقم -25- ( أحمدك أيها الرب رب السماء و الأرض ، لأنك أخفيت هذه الأشياء عن الحكماء و الفهماء و ألهمتها الأطفال ) .

وفي الفصل الرابع عشر -23- ( و بعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفرداً ليصلي ) أقول : إذا كان هو الله أو جزءاً من الله ، فكيف يصلي فالصلاة لا تكون إلا من العبد الفقير المحتاج إلى رحمة الله كما قال تعالى في سورة فاطر -15- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } ، وقال تعالى في سورة مريم { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } .

وفي الفصل الخامس عشر-21 إلى 28- قصة المرأة الكنعانية وفيها أمور :

الأول : نفي الرحمة و المحبة عن عيسى ! لو صحت الحكاية .

الثاني : التعصب الممقوت بحيث يعالج أبناء قومه و لا يعالج غيرهم ، مع أنه لا يخسر شيئاً !.

الثالث : التكبر القومي و الافتخار بالنسب و انتقاص الآخرين و جعلهم كلاباً .

الرابع : أن امرأة مشركة جاهلة ناظرته فغلبته .

و في الفصل التاسع عشر رقم -16 و 17- أن شاباً جاء إلى المسيح فقال له ( أيها الرجل الصالح ، فقال له لم تسميني صالحا ؟ لا صالح إلا الله ) وفي هذا اعتراف بالعبودية أيضاً .

و في الفصل -21 رقم 45 و 46- لما أرادوا أن يقبضوا عليه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم نبياً ، ففيه دليل على أن جموع المؤمنين بعيسى في زمانه لم يكونوا يعتقدون أنه إله أو ابن الله أو أحد الأقانيم الثلاثة ، بل كانوا يعتقدون أنه نبي فقط ، وهذا من أقوى الحجج على القائلين بإلوهيته لو كانوا يعقلون .

وفي الفصل -23- رقم -8- ( أما أنتم فلا تدعوا أحداً سيدكم ، فإن سيدكم حتى المسيح واحد ) ففيه دليل على أن جموع المؤمنين بعيسى في زمانه لم يكونوا يعتقدون أنه إله أو ابن الله أو أحد الأقانيم الثلاثة ، بل كانوا يعتقدون أنه نبي فقط ، وهذا من أقوى الحجج على القائلين بألوهيته لو كانوا يعقلون .

وفي الفصل -23- رقم -8- ( أما أنتم فلا تدعوا أحداً سيدكم ، فإن سيدكم حتى المسيح واحد ) ففيه دليل على أن المسيح عبد و أن السيد واحد و هو الله ، و قد ترجموا هذه الآية بالعربية و حرفوها على عمد ، فأوهموا أن المسيح هو السيد ، أما الترجمة الإنكليزية فهي سالمة من هذا الفساد .

وفيه أيضاً رقم -9- ( ولا تدعوا لكم أباً على الأرض ، لأن أباكم واحد وهو الذي في السماء ) ، و من ذلك تعرف أن الأبوة البنوة بمعنى العلاقة بين الرب و العبد ثابتة في الإنجيل في جميع الناس ، لا خصوصية للمسيح في ذلك .

و في الفصل -24- رقم -36- ( أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلهما أحد من الناس ولا ملائكة السماء ، ولكن أبي وحده هو يعلمها ) فهذا دليل قاطع على أن تلك الساعة لا يعملها أحد إلا الله ، ففيه دليل على أن علم المسيح قاصر كسائر البشر ، و الله وحده هو الذي أحاط بكل شيء علما .

و في الفصل -26- رقم -39- فيه أن المسيح ( خرّ ساجداً لله و قال يا أبت إن أمكن أن تصرف عني هذه الكأس و لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ) إن ثبت هذا فإن الشخص الذي قاله كان جاهلاً بقدرة الله ، و معترفاً بأنه عبد الله و هو الذي يتصرف فيه .

وفي الفصل -27- رقم -7و8- : ( فتشاوروا و اشتروا بها أرض الخازف لإحراق جثث الغرباء فيها ولذلك سميت تلك الأرض أرض الدم إلى هذا اليوم ) ، و من هذا نفهم أن الإنجيل لم يكتب في زمان المسيح ، و إنما كتب بعده بزمان طويل من الحكايات التي كانت عالقة بأذهان الناس .

وفي رقم -46- ( أن المسيح بزعمهم صاح بأعلى صوته يا إلهي يا إلهي لما أسلمتني ) وهذا من أعظم الأدلة على أن الذي قال هذا الكلام ليس من المؤمنين بالله فضلاً عن أن يكون من أنبياء الله ، لأن الله لا يخلف وعده و أنبياؤه لا يشكون في وعده .

الله أعلم

أعد المطويات أبو أسامة سمير الجزائري

قدم لها الشيخ علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[مقال] نبذة مختصرة عن عقيدة [ الأشاعرة ] لفضيلة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله- عقي

تعليمية تعليمية
[مقال] نبذة مختصرة عن عقيدة [ الأشاعرة ] لفضيلة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله

فضيلة العلامة د. محمد آمان بن علي الجامي : الأشاعرة : فرقة من أهل الكلام ، الأشاعرة : نسبة إلى أبي الحسن الأشعري – أبو الحسن الأشعري – ينتسب إلى أبي موسى الأشعري – الصحابي – ، أبو الحسن الأشعري نشأ نشأته الأولى على طريقة تسمى طريقة المعتزلة ، لأن شيخه كان زوج أمه ، أخذ أمه وهو طفل صغير تربى عند أبي علي الجبَّائي – زوج أمه – ، فتتلمذ عليه وأبو علي الجبَّائي من كبار المعتزلة ، والكلام يجر بعضه بعضًا ، من سائل أن يقول ماهي المعتزلة نفسها !؟
المعتزلة : فرقة من أهل الكلام ينفون صفات الله – تعالى – لا يثبتون لله أي صفة ، في زعمه تنزيه الله تعالى معناه : نفي الصفات ، لا قدرة له ، ولا إرادة ، ولا سمع ، ولا بصر ، ولا كلام إلى آخره ، هذه يقال لها : طريقة المعتزلة لأنهم كانوا في مجلس أبي الحسن ، مجلس الحسن البصري ، واصل ابن عطاء – رئيسهم – اعتزل خرج من مجلس الحسن فاعتزله ، فأتى بأفكار جديدة واعتزل المسلمين في عقيدتهم ، لم يسموا معتزلة لكونه اعتزلوا مجلس الحسن فقط ، اعتزلوا مجلس الحسن ثم اعتزلوا المسلمين في كثير من عقائدهم ، أطلق عليهم : معتزلة ، وهي طائفة كبيرة معروفة .
وإذا سألت هل لها وجود الأن !؟ نعم . كل شيعي فهو معتزلي خذوا هذه قاعدة : كل شيعي بدءً من أقرب الشيعة إلى السنة ، وهم : الزيدية ، ونهايةً إلى أبعدهم الإمامية الجعفرية كلهم على عقيدة الإعتزال في العقيدة . هذه قاعدة ، هذه المعتزلة عاش فيها أبو الحسن الأشعري نحو أربعين عامًا حتى أصبح إمامًا بعد عمِّه ، ولكن أراد الله ، اختلف مع عمِّه في بعض المسائل منها : هل يجب على الله أن يفعل لعباده الأصلح فالأصلح !؟
على عقيدة المعتزلة ، أبو الحسن أنكر بفطرته كون العبد يقول : يجب على الله أن يفعل كذا وكذا ففارقه ، فجعل يبحث عن الحق ، يشبه موقفه موقف سلمان الفارسي الذي فارق المجوسية ليبحث عن الحق وعكف عند الرهبان حتى هداه الله ، ولحق برسول الله – عليه الصلاة والسلام – بالمدينة ، تمامًا يشبه هذا ، أبو الحسن خرج من الإعتزال فيبحث عن الحق وعكف عند … من كلاب فأخذ العقيدة الكلابية ، ولكن لكونه كان إمامًا ومشهورًا ، ولكونه عالي النسب مشهور النسب نسي صاحب العقيدة الكلابي فنُسي ؛ فنسبة إليه العقيدة الأشعرية وهي التفريق بين الصفات ، بدلاً أن تنفى جميع الصفات على طريقة المعتزلة ، يفرق بين الصفات ، ما كان من الصفات العقلية يثبت لله ، وما كان من الصفات الخبرية يؤوَّل ، هذه طريقة الأشعرية ، عاش على هذا فترةً من الزمن وأخيرًا كما لحق سلمان الفارسي برسول الله – عليه الصلاة والسلام – وهداه الله إلى الحق ، لحق أبو الحسن بمنهج السلف الصالح ، وألَّف كتابًا سماه " الإبانة " ، وذكر في مقدمته – الكتاب مطبوع موجود – أنه على طريقة إمام أهل السنة والجماعة يعني : الإمام أحمد ابن حنبل ، وأثنى عليه ثناءً عاطرًا يليق به في مقدمة الكتاب فأعلن أنه رجع إلى منهج السلف الصالح .
والأشعرية الموجودة الأن التي تدرس في كثير من الجامعات خارج هذا البلد ؛ إنما هي على العقيدة الكلابية التي كان أبو الحسن عليها بعد رجوعه من الإعتزال ، لايزالون يكذبون ما في " الإبانة " يقولون : ما هو صحيح رجوع أبي الحسن إلى منهج السلف ، وهذا الكتاب ليس له ، وإنما من يدعون السلفية هم الذين ألَّفوا على لسانه وكذبوا عليه ، ولكن أراد الله ، أن كبار أتباع أبي الحسن رجعوا منهم : الإمام الغزالي ندم ندمًا بكى فيه ، وألَّف كتابًا سماه : " إلجام العوام عن علم الكلام " ، وإمام الحرمين ، ووالد إمام الحرمين ، والرازي ، والشهرستاني – هؤلاء فطاحلة علماء الأشاعرة – كلهم ندموا ، وذموا علم الكلام بما فيه الأشعرية ، أما والد إمام الحرمين فرجع رجوعًا صريحًا وألَّف رسالةً بين فيها عقيدته ، وكيف كان وكيف رجع ، ورسالته موجودة ضمن مجموعة " المتون المنيرية " لكم أن ترجعوا إليها لتعرفوا ، الأشعرية إذن عقيدةٌ كان عليها أبو الحسن الأشعري قبل رجوعه إلى منهج السلف ثم رجع عنها ، وهي المدروسة الأن في كثير من الجامعات التي تسمى الجامعات الإسلامية خارج هذا البلد كـ " الأزهر " ، وفروع " الأزهر " كل ما يدرس في كلية الدعوة وأصول الدين في " الأزهر الشريف " وأتباع " الأزهر الشريف " كلها عقيدة كلابية أشعرية تاب عنها أبو الحسن الأشعري . هذه هي الأشعرية .
رابط المقال http://www.eljame.com/mktba/play.php?catsmktba=80

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[كتاب مصور] كتاب "مناظرة بين الإسلام والنصرانية " نشرة دار الإفتاء

تعليمية تعليمية
[كتاب مصور] كتاب "مناظرة بين الإسلام والنصرانية " نشرة دار الإفتاء


كتاب "مناظرة بين الإسلام والنصرانية"

نبذة مختصرة عن الكتاب (منقول):
اقتباس:

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
وبعد :
الصراع بين الحق والباطل والكفر والإيمان سيظل قائما ما بقيت السماوات والأرض لا تهدأ معاركه ، ولا تخبو جذوته ، ولا تنتهي حوادثه ، لكن مهما بلغت قوة الباطل وصولته ، ومهما كانت دولته وكثرته فإن العاقبة ستكون بإذن الله دائما لأولياء الله المتقين ودعاته المخلصين ، فحسب دعاة الحق أنهم يستمدون قوتهم من قوة الله ، ويأخذون أدلتهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أما دعاة الباطل فليس لهم إلا الحجج الواهية التي ترتكز على ضروب من الجهل والأوهام السخيفة .
والكتاب الذي نمهد له خير شاهد على ذلك .
فلقد قام نخبة من علماء المسلمين بدعوة من بعض قساوسة نصارى ومبشرين في الفترة من 23 / 1 / 1401ه إلى 29 / 1 / 1401ه ، الموافق 1 / 12 / 1980م إلى 7 / 12 / 1980م ، بالخرطوم . وقد مثل الجانب الإسلامي كلا من الشيخ الدكتور محمد جميل غازي والأستاذ إبراهيم خليل أحمد واللواء المهندس أحمد عبد الوهاب .
وفي الجانب النصراني برئاسة البشير جيمس بخيت سليمان والأستاذ تيخا رمضان ، قام هؤلاء باستعراض تفصيلي لحقيقة العقيدة النصرانية المسطرة في كتبهم ومناقشتها على ضوء ما يقرون به من معتقدات التثليث والصلب والفداء والأبوة والبنوة وعن الكتب المقدسة بعهديها القديم والجديد ، وأماطوا اللثام عن هذا التعارض والتناقض الذي تحمله هذه الأناجيل .
ولا شك أن جدالا كهذا جدير بالاهتمام والاطلاع عليه لما فيه من حقائق عن النصرانية يجهلها كثير من الناس .
ولو لم يكن فيه من الفائدة إلا إعلان هؤلاء القساوسة دخولهم في الإسلام والتبرؤ من أفكار النصرانية المضللة بعد نقاش طويل واقتناع تام لكفى نصرا للإسلام والمسلمين .
فما أجدر المسلمين أن يقوموا بالدعوة إلى الله ونشر العقيدة الإسلامية في أرجاء العالم ، وما أحراهم أن يتمسكوا بدينهم منهجا وسلوكا .
ونلفت النظر إلى أنه قد ورد ضمن هذا الكتاب بعض الألفاظ التي تعبر عن رأيِ قائليها مثل " المسيحية " و " المسيحي " ، و " إخواننا المسيحيين " ، ولا يخفى ما فيها من التجاوز ، وقد آثرنا تركها على ما هي عليه لأنها حكاية قول ورد في هذه المناظرة .
هذا ويسر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – وهي حاملة لواء الدعوة الإسلامية في هذه البلاد الطيبة – أن تنشر هذا السفر الجليل على نفقتها وتوزعه مجانا مساهمة منها في محاربة الشرك والكفر والإلحاد ، وبيانا لمن أراد الله هدايته .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الرياض في 22 / 2 / 1407 هـ .

الناشر
الرئاسة العامة لإدارات البعوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

هذه نسخة مكتوبة:
تعليمية

وهذه نسخة مصورة:
تعليمية

الملفات المرفقة (افحص الملف ببرامج الحماية وقم بالتبليغ عنه إذا وجدته مخالفا) تعليمية مناظرة بين الإسلام والنصرانية-نسخة مكتوبة.pdf&rlm; (2.44 ميجابايت)

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية