التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

التلبيس والتعمية سبيل أهل الباطل

تعليمية تعليمية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمتأمِّل في الشريعة الغرَّاء يجد أنَّ القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية لم يُثبتَا سوى حقٍّ دعا إليه الشَّرع وهَدَى به الضال، وما يقابله الباطل نهى الشرع عن ركوبه وحَذَّر من اقترافه، ولا مرتبةَ بينهما معلومة، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ﴾ [الحج: 62]، وقال تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾ [يونس: 32]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: 24]، وقال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18]، وقال تعليمية: «القُرْآنُ حُجَةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»(١- أخرجه مسلم في كتاب «الطهارة»، باب فضل الوضوء (1/121)، وأحمد في «المسند» (5/343)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب (3517)، والنسائي في كتاب «الزكاة»، باب وجوب الزكاة (2435)، وابن ماجه في كتاب «الطهارة»، باب الوضوء شطر الإيمان (280)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.)، فهو يدلُّ على النَّجاة باتباع الحقِّ والعمل به، وعلى سوء عاقبة من أعرض عنه بلا عمل واتَّبع الباطل ورضيَه(٢- انظر: «حاشية السندي على النسائي»: (5/8)، و«فيض القدير» للمناوي: (4/291).).
والتلبيس هو إظهار الباطل في صورة الحقِّ. ومَزْجُ الحقِّ بالباطل بالكتمان والتعمية هو صنيع أهل الباطل، لكن منهج أهل الحقِّ العملُ على بيانه وتمييزه عن الباطل، وهذا هو منهج أهل السُّنة جاءوا بالبيان الكافي وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي، وتوافقوا على منهاج لم يختلف، كذا كانت حكمة بعثة الرسل من قبلُ. وكتمان الحقِّ إذا اقتضى المقام والحال والمصلحة بيانه في الحال من غير تأخير(٣- يجوز تأخير بيان الحقّ إذا اقتضت المصلحة وحال الناس كتمانَه، ولهذا قال علي رضي الله عنه «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحبُونَ أَنْ يُكَذَّب اللهُ وَرَسُولُهُ»؟ [أخرجه البخاري في «العلم» (1/225) باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا]، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّكَ لاَ تُحَدِّثُ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلَغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً». [أخرجه مسلم «مقدمة الكتاب» (1/10)].) يجب بيانه ولا يجوز تعمية الحقِّ أو تلبيسه على وجه يعطِّل الحقَّ ويصرفه الملَبِّس عن الناس بالاشتباه والتضليل، فإنَّ الشيطان الجنِّي والإنسي يمزج كلاًّ منهما بالبيان مُشْتَبَهًا، وبالدواء سُمًّا. والتلبيس والكتمان صورتان ورد النكير الشرعي عليهما لخلوهما من الصدق المأمور به شرعًا، إذ هو من متمِّمات الإيمان ومكمِّلات الإسلام، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، ولا يخفى أنَّه بانتفاء الصِّدق يَحُلُّ الغشُّ والخداع والتزوير والتغرير والمكر والتلبيس والخيانة، وهذه الأوصاف القبيحة لا تكون خُلُقًا للمسلم بحالٍ؛ لأنَّ طهارة نفسِه المكتسبة من الإيمان والعمل الصالح تأبى أن تتجانسَ مع هذه الأخلاق الذَّميمة.
ومثل هذا الصنيع من الخُلُق غير المرضي غَلَّظه الله تعالى على اليهود المغضوب عليهم، الذين كانوا يعلمون الحقَّ لكنَّهم كانوا يكتمونه ويلبسونه على الناس حتى يشتبه عليهم الحقُّ بالباطل، فقد كانوا يقولون مثلاً محمَّد تعليمية حقٌّ لكنَّه رسول الأُمِّيِّين لا جميع العالمين، فأنكر الله عليه تلبيسهم وكتمانهم الحقّ بقوله: ﴿وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 42].
وصُوَرُ تلبيس الحقِّ بالباطل عديدةٌ ومتنوعةٌ، ومصدُرها بلا شكٍّ من تلبيس إبليس اللعين، وقد وضع أبو الفرج عبد الرحمن بن الجَوزيّ البغدادي – رحمه الله – كتابًا في هذا الباب أغنانا عن إيراد صور التلبيس التي يقع فيها النَّاس في شراك إبليس وشباكه الشيطانية على مختلف درجاتهم وطبقاتهم، لكن الصورة التي أعني بها في هذا المقام بهذا المقال إنما هي عبث بعض المرتزقة الحاقدين من خصوم دعوة التوحيد – في بلدنا هذا – الذي استفحلت عداوتهم لهم وقويت رغبتهم في الدنيا ومناصبها من غير مبالاة لجهة كسبها، فحشا أقواله وتصريحاته بالتلبيس والتعمية، وغِيبة النَّاس ومدح النَّفس، وسمج الكلام والإكثار من اللغط، واتخذ من الجرائد والصحف سندًّا لتسويد أكاذيبه ومطيةً لنشر أباطيله، التماسًا للمال وتزلُّفًا للسُّلطان، وله مع مَنْ تعاون معه مآرب أخرى، كُلُّ ذلك على حساب الدِّين والقيم والأخلاق، ويدلُّ على هذا القصد إفلاس مقالاته من حُجَج الشرع وأدلة الفروع وأصول النظر، وليس عنده ما يعين الطبع على شموخه، إذ فاقدُ الشَّيءِ لا يعطيه، فترى الهوى يسرح فيه بلا زاد، ويشم البعيد منه رائحة الحقد والحسد والدَّغَل لهذه الأمة قبل القريب، واللهُ المستعان ونعوذ بالله من الخذلان، وأقول- وبالله التوفيق-:
إنَّ الحملة الشرسة المشحونة بالأراجيف والأكاذيب والأباطيل التي يفتعلها خصوم دعوة التوحيد – في بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين – للطعن في دعوة الشيخ محمّد بن عبد الوهاب – رحمه الله – الإصلاحية بشتى الأساليب والدعاوى الكاذبة، ووصفها بأنها دعوة سياسية حزبية مؤسسة على بغض النبي تعليمية﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾ [الكهف: 5]، وخاصة عند بحث بدعية الموالد والسيادة في الأذان والأوراد التي تضمنت غلوًّا في إطراء النبي تعليمية، ونحو ذلك لاستجلاب وتحريك عواطف المسلمين بمحبتهم النبي تعليمية بتلك الدعاوى الآثمة باسم أن السلفيين لا يحبون النبي تعليمية ويبغضون الصلاة عليه، كل ذلك تقصدًا لتنفير الناس عن منهج أهل السنة ولصدّ انتشار الدعوة السلفية المؤسسة على تجريد التوحيد من الشركيات، ونبذ جميع السبل إلاَّ سبيل محمَّد تعليمية، وقد بينت في مقال سابق أنَّ دعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب(٤- قال السعيد الزاهري –رحمه الله‑ (عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في رده على وزير المعارف بالمغرب الأقصى آنذاك: «بقي شيء واحد وهو قول الوزير: (إنّ مؤسس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهاب). والواقع أنَّ مؤسس هذا المذهب ليس هو ابن تيمية ولا ابن عبد الوهاب، ولا الإمام أحمد ولا غيره من الأئمة والعلماء، وإنما مؤسسه هو خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوة إلى الرجوع إلى السنة النبوية الشريفة، وإلى التمسك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيء آخر غير هذاL. [«مجلة الصراط السوي» (العدد: 5/5)، الصادرة في 26 جمادى الثانية 1352ﻫ، 16 أكتوبر 1933م].) -رحمه الله- ما هي «إلاَّ امتداد لدعوة المتبعين لمحمّد تعليمية من السلف الصالح ومن سار على نهجهم من أهل السنّة والجماعة، التي لا تخرج عن أصولهم ولا على مسلكهم في الدعوة إلى الله بالحجّة والبرهان قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، وقد كانت دعوتُه ودعوةُ أئمّةِ الهدى والدِّين قائمةً على محاربة البدعِ والتعصّبِ المذهبيِّ والتفرّقِ، وعلى منع وقوعِ الفتن بين المذاهب والانتصار لها بالأحاديث الضعيفة والآراء الفاسدة، وترك ما صحّ عن النبي تعليمية من السُّنن والآثار، كما حاربت دعوته تَنْزيل الإمام المتبوع في أتباعه مَنْزلة النبي تعليمية في أُمَّته، والإعراض عن الوحي والاستغناء عنه بأقوال الرجال، فمثل هذا الالتزام بمذهب واحد اتُّخِذَ سبيلاً لجعل المذهب دعوة يُدعى إليها يوالى ويعادى عليها، الأمر الذي أدّى إلى الخروج عن جماعة المسلمين، وتفريق صفّهم، وتشتيتِ وحدتهم، وقد حصل بسبب ذلك تسليط الأعداء عليهم واستحلال بيضتهم، فأهل السُّنَّة والجماعة إنما يدعون إلى التمسّك بوصية رسول الله تعليمية المتمثّلة في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة وما اتفقت عليه الأُمَّة، فهذه أصول معصومة دون ما سواها، قال تعليمية: «إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا, أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا, كِتَابَ اللهِ, وَسُنَّتِي, وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(٥- أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (319)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (20918)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال ابن عبد البر في «التمهيد» (24/331): «وهذا أيضًا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد». وصححه الألباني في «صحيح الجامع»: (2937).)، وقال تعليمية: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(٦- أخرجه أبو داود في «السنة» باب في لزوم السنة: (4607)، والترمذي في «العلم» باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع: (2676)، وابن ماجه في «المقدمة» باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين: (42)، والدارمي في «سننه»: (95)، والحاكم في «المستدرك»: (329)، وأحمد: (16629)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث حسنه البغوي في «شرح السنة»: (1/181)، وصححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (9/582)، والألباني في «صحيح الجامع»: (2549)، وفي «السلسلة الصحيحة»: (937).).
إنّ استصغار أهلِ السُّنَّة والجماعة والتنقصَ من قدرهم بنبزهم «بالوهابية» تارة، و«بعلماء البَلاط» تارة، و«بالحشوية» تارة، و«بأصحاب حواشٍ وفروع» تارة، وﺑ «علماء الحيض والنفاس» تارة، وﺑ «جهلة فقه الواقع» تارة، وﺑ «تَلَفِيُّون أتباع ذنب بغلة السلطان» تارة، وﺑ «العُملاء» تارة، وﺑ «علماء السلاطين»، ما هي إلاّ سُنَّة المبطلين الطاعنين في أهل السُّنَّة السلفيين، ولا تزال سلسلة الفساد لا تنقطع يجترُّها المرضى بفساد الاعتقاد، يطلقون عباراتهم الفَجَّة في حقّ أهل السُّنَّة والجماعة، ويلصقون التهم الكاذبة بأهل الهدى والبصيرة، لإبعاد الناس عن دعوتهم، وتنفيرهم عنها وصدِّهم عمّا دعوا إليه، والنظر إليهم بعين الاحتقار والسخط والاستصغار، وهذا ليس بغريب ولا بعيد على أهل الباطل في التجاسر على العلماء وما يحملونه من علم ودين باللمز والغمز والتنقّص، فقد طُعِنَ النبيُّ تعليمية بألقاب كاذبة، وَوُصِفَ بأوصاف خاطئة، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات:52-53]، وقد جاء هذا الخُلُق الذميم على لسان رجلٍ من الخوارج في قوله للنبيِّ تعليمية: «اعْدِلْ»(٧- أخرجه البخاري في «أبواب الخمس» باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين: (2969)، ومسلم في «الزكاة» باب ذكر الخوارج وصفاتهم: (2449)، وابن ماجه في «المقدمة» باب في ذكر الخوارج: (172)، وابن حبان في «صحيحه»: (4819)، وأحمد: (14405)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.)، وقال آخر منهم لعثمان رضي الله عنه عندما دخل عليه ليقتله: «نعثل»(٨- أخرجه ابن الجعد في «مسنده»: (2239)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى»: (3/58)، من حديث كنانة مولى صفية قال: «رأيت قاتل عثمان في الدار رجلا أسود من أهل مصر يقال له: جبلة باسط يديه أو قال رافع يديه يقول: أنا قاتل نعثل». قال ابن الأثير في «النهاية» (5/80): «كان أعداء عثمان رضي الله عنه يسمونه نعثلاً تشبيهًا برجل من مصر، كان طويل اللحية اسمه: نعثل، وقيل: النعثل: الشيخ الأحمق وذَكَر الضِبَاع».). قال: الشاطبي: «ورُوِي أنَّ زعيمًا من زعماء أهلِ البدعِ كان يريد تفضيلَ الكلام على الفِقه، فكان يقول: إنَّ عِلم الشافعيِّ وأبي حنيفةَ جُملته لا يخرج من سراويل امرأة» فعلّق عليه قائلاً: «هذا كلامُ هؤلاء الزائغين، قاتلهم الله»(٩- «الاعتصام» للشاطبي: (2/239).). والطعن في ورثة الأنبياء بريد المروق من الدِّين، ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، ومتى وُجدت أُمّةٌ ترمي علماءَها وصفوتَهَا بالجهل والتنقّص فاعلم أنهم على بابِ فتنةٍ وهَلَكةٍ، وأيّ سعادة تدخل على أعداء الإسلام بمثل هذا الأذى والبهتان»(١٠- «(نقد وتوضيح) في تحديد أهل الإصلاح وسبب تفرق الأمة» للمؤلف.).
هذا، وفي معرض بيان حال أهل الدجل الذين أحكموا الحيلة في هذه الأمة المسكينة بتخديرها بالرُّؤى والمنامات والفداء والمكفرات، وزعزعوا عقيدتها في الله بما أثبتوه لأنفسهم من التصرف في الكون أحياء وأمواتًا، ومن مشاركة الخالق فيما تفرد به من الخلق والأمر، وأفسدوا فطرتها بما ابتدعوه لها من عبادات بالزيادة والنقصان، ففي هذا المضمون التحذيري يذكر الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي – رحمه الله –(١١- هو محمَّد البشير بن محمَّد السعدي بن عمر بن عبد الله بن عمر الإبراهيمي الجزائري، يرتفع نسبه إلى إدريس بن عبد الله مؤسِّس دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى، كان -رحمه الله- عالِمًا فذًّا وإمامًا من أئمة السلفية وأديبًا مربيًا، ومجاهدًا مصلحًا، شملت كتاباته قضايا الوطن العربي وهموم العالم الإسلامي، توفي بالجزائر سنة (1385ﻫ-1965م). انظر ترجمته في: «مقالة الإبراهيمي» تحت عنوان: «أنا» مجلة مجمع اللغة العربية: (21/135-154)، «مقالة الهاشمي التيجاني» نشرها بمجلة «التهذيب الإسلامي»: (ع: 5، 6، س/1). «البشير الإبراهيمي نضاله وأدبه» لمحمد المهداوي. رسالة ماجستير بعنوان: «البشير الإبراهيمي أديبًا» قدَّمها السيد عباس محمَّد بكلية الآداب جامعة بغداد، سنة (1983م)، «الأعلام» للزركلي: (7/54).) توجيهًا صادقا ودفاعًا ماتعًا عن الوهابية وما ينقمون منها وهذا نصه: «يقولون عنا أننا وهابيون، كلمة كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أَنْسَت ما قبلها من كلمات: عبداويين وإباضيين وخوارج، فنحن – بحمد الله – ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحقّ، لكن القوم يصبغوننا في كل يوم بصبغة ويَسِمُونَنَا في كل لحظة بِسِمَةٍ، وهم يتخذون من هذه الأسماء المختلفة أدوات لتنفير العامة منا وإبعادها عنا وأسلحة يقاتلوننا بها، وكلما كلَّت أداة جاءوا بأداة، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المغلولة التي عرضوها في هذه الأيام كلمة «وهابي» ولعلهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها، ولعلهم كافأوا مبتدعها بلقب (مبدع كبير)»، ثم أضاف – رحمه الله – قائلاً:
«يا قوم!! إنّ الحق فوق الأشخاص، وإنّ السنة لا تسمى باسم من أحياها، وإنّ الوهابيين قوم مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده، ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدة وهي أنهم لا يقرون البدعة، وما ذنبهم إذا أنكروا ما أنكره كتاب الله وسنة رسوله وتيسر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟

أإذا وافقنا طائفة من المسلمين في شيء معلوم من الدين بالضرورة، وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندكم – والمنكر لا يختلف حكمه بحكم الأوطان- تنسبوننا إليهم تحقيرًا لنا لهم وازدراءً بنا وبهم، وإن فرّقت بيننا وبينهم الاعتبارات فنحن مالكيون برغم أنوفكم، وهم حنبليون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نُعمِل في طريق الإصلاح الأقلامَ، وهم يُعمِلون فيها الأقدامَ، وهم يُعْمِلُونَ في الأضرحة المعاول ونحن نُعْمِلُ في بانيها المقاول»(١٢- «آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/123-124).).
وقال أبو يعلى الزواوي –رحمه الله-: « وهذا الذي وقع لنا معشر المصلحين المخلصين في هذا العصر كلما نوّهنا أو نبّهنا إلى خطإ أو فساد في العقائد والعوائد أو عارضنا المفاسد والمعابد بالباطل أو ذكرنا الملل والنحل التي تفرعت في الإسلام الذي جاء بالتوحيد قام في وجوهنا فريق من البله الجامدين المغفلين وخرجوا إلينا بطرا ورئاء الناس أنهم يدافعون عن الأولياء والصالحين فيلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون»(١٣- «الشهاب»: (3/351).).
ونختم هذه الرسالة بكلام محمَّد الشيخ البشير الإبراهيمي –رحمه الله- بقوله:
«إننا نجتمع مع الوهابيين في الطريق الجامعة من سنة رسول الله تعليمية، وننكر عليهم غلوهم في الحقّ كما أنكرنا عليهم غلوهم في الباطل، فقعوا أو طيروا فما ذلك بضائرنا وما هو بنافعكم»(١٤- «آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/125).).
قلت: وكذلك هم أهل السنة أتباع السلف الصالح لم يكتموا مذهبَهم، وكلمتُهم في الحقِّ ظاهرةٌ، لا يُثنِيهم عن المُضِيِّ في إظهار الحقِّ وبيانه أهلُ الخِذلان والتقاعس، قال تعليمية: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(١٥- أخرجه مسلم في «الإمارة» باب قوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق.. : (4920)، والترمذي في «الفتن» باب ما جاء في الأئمة المضلين: (2229)، وأحمد: (21889)، وسعيد بن منصور في «سننه»: (2372)، من حديث ثوبان رضي الله عنه.).
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 22 شعبان 1443ﻫ
الموافق ﻟ: 13 أوت 2022م

الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس

الموقع الرسمي www.ferkous.com

١-

منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




بارك الله فيك




بارك الله فيك اختي

لو كبرت الخط قليلا




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

نصيحة بمناسبة استقبال شهر رمضان

سماحة الشيخ ما نصيحتكم للمسلمين ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل؟

نصيحتي للمسلمين جميعاً أن يتقوا الله جل وعلا، وأن يستقبلوا شهرهم العظيم بتوبة صادقة من جميع الذنوب، وان يتفقهوا في دينهم وأن يتعلموا أحكام صومهم وأحكام قيامهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))[1]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين))[2] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وصفدت الشياطين ويناد منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة))[3].
وكان يقول صلى الله عليه وسلم للصحابة: ((أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله))[4].
ومعنى: ((أروا الله من أنفسكم خيراً)):
يعني سارعوا إلى الخيرات وبادروا إلى الطاعات وابتعدوا عن السيئات.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))
[5].
ويقول صلى الله عليه وسلم: يقول الله جل وعلا: ((كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من اجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))[6].
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم))[7].
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[8] رواه البخاري في الصحيح.
فالوصية لجميع المسلمين أن يتقوا الله وان يحفظوا صومهم وأن يصونوه من جميع المعاصي، ويشرع لهم الاجتهاد في الخيرات والمسابقة إلى الطاعات من الصدقات والإكثار من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار؛ لأن هذا شهر القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ[9].
فيشرع للمؤمنين الاجتهاد في قراءة القرآن، فيستحب للرجال والنساء الإكثار من قراءة القرآن ليلاً ونهاراً، وكل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع الحذر من جميع السيئات والمعاصي، مع التواصي بالحق والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فهو شهر عظيم تضاعف فيه الأعمال، وتعظم فيه السيئات، فالواجب على المؤمن أن يجتهد في أداء ما فرض الله عليه وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن تكون عنايته في رمضان أكثر واعظم، كما يشرع له الاجتهاد في أعمال الخير من الصدقات وعيادة المريض واتباع الجنائز وصلة الرحم، وكثرة القراءة وكثرة الذكر والتسبيح والتهليل والاستغفار والدعاء، إلى غير هذا من وجوه الخير، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، نسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه، ونسأل الله أن يبلغنا وجميع المسلمين صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، نسأل الله أن يمنحنا وجميع المسلمين في كل مكان الفقه في الدين والاستقامة عليه، والسلامة من أسباب غضب الله وعقابه، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين وجميع أمراء المسلمين، وأن يهديهم وأن يصلح أحوالهم، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في جميع أمورهم، في عبادتهم وأعمالهم وجميع شئونهم، نسأل الله أن يوفقهم لذلك، عملاً بقوله جل وعلا: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ[10]، وعملاً بقوله جل وعلا: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[11]، وعملاً بقوله سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً[12]، وعملاً بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[13]، وعملاً بقول الله سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[14]، وقوله سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[15].
هذا هو الواجب على جميع المسلمين وعلى أمرائهم، يجب على أمراء المسلمين وعلى علمائهم وعلى عامتهم أن يتقوا الله وأن ينقادوا لشرع الله، وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم ؛ لأنه الشرع الذي به الصلاح والهداية والعاقبة الحميدة وبه رضا الله وبه الوصول إلى الحق الذي شرعه الله وبه الحذر من الظلم.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

[1] رواه البخاري في العلم باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين برقم 71، ومسلم في الزكاة باب النهي عن المسألة برقم 1037.
[2] رواه البخاري في بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده برقم 3277، ومسلم في الصيام باب فضل شهر رمضان برقم 1079.
[3] رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم 682، وابن ماجة في الصيام باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم 1642.
[4] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب باب الترغيب في صيام رمضان برقم 1490، وقال رواه الطبراني.
[5] رواه البخاري في الصوم باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً برقم 1901، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في صيام رمضان برقم 760.
[6] رواه البخاري في التوحيد باب قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله برقم 7492، ومسلم في الصيام باب فضل الصيام برقم 1151، وابن ماجة في الصيام باب ما جاء في فضل الصيام برقم 1638.
[7] رواه البخاري في الصوم باب هل يقول إني صائم إذا شتم برقم 1904.
[8] رواه البخاري في الصوم باب من لم يدع قول الزور برقم 1903.
[9] سورة البقرة، الآية 185.
[10] سورة المائدة، الآية 49.
[11] سورة المائدة، الآية 50.
[12] سورة النساء، الآية 65.
[13] سورة النساء، الآية 59.
[14] سورة النور، الآية 54.
[15] سورة الحشر، الآية 7.

مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الخامس عشرللشيخ ابن بارز رحمه الله




جزاك الله خير نصائح قيمة




اللهم بلغنا رمضان
بارك الله فيكم




وفيكم بارك الله وجزاكم بالمثل




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

ورقة عمل لاغتنام اليوم الواحد من رمضان

ورقة عمل لاغتنام اليوم الواحد من رمضان

المراد : كيف يغتنم المسلم يوما من رمضان حقا كما ينبغي مستغلا كل ساعة فيه بأداء طاعة وعبادة يتقرب بها إلى الله تعالى راجيا بذلك الأجر والثواب.
قالوا عن يوم من رمضان :

قال الإمام النخعي رحمه الله ( صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم وتسبيحه فيه ، أفضل من ألف تسبيحه وركعة فيه أفضل من ألف ركعة ) لطائف المعارف .
فاليوم الواحد من رمضان يعد فرصة سانحة ومجالا واسعا للتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات وتنوع العبادات فيكون الأجر أعظم والثواب اكبر .

*مظاهر هذا النشاط اليومي في رمضان :

1- استصحاب نية الخير طوال اليوم .
والمعنى :أن تقصد أعمال صالحة تعملها في هذا اليوم بنية العمل والتطبيق . فما دمت تنوي الخير فأنت بخير . ففي الحديث عند مسلم ( إذا تحدث عبدي بان يعمل حسنة فانا اكتبها له حسنه ) *ونص الإمام النووي على استحباب نية الخير مطلقا .

2- المحافظة على الصلوات الخمس في المسجد ، وخاصة صلاة العشاء والفجر.

قال صلى الله عليه وسلم ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله ) رواه مسلم

3- قراءة شيء من القران لا يقل عن جزء وخاصة انك في شهر القران .

4- المحافظة على صلاة التراويح كاملة مع الإمام:

قال صلى الله عليه وسلم ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) أخرجه الترمذي .

5- قال صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله تعالى أربع : سبحان الله ،والحمد لله ، ولا اله إلا الله والله اكبر، لا يضرك بأيهن بدأت) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم( من صلى علي صلاة واحدة صلى الله به عشراً) رواه مسلم

6- اقتناص فرص الخير اليومية :

والمعنى: أنت تجعل المجتمع كله خلال هذا اليوم محراباً للتعبد لله
– ابتسامه – إتباع جنازة – أماطه أذى – أمر بمعروف والنهي عن المنكر – حضور موعظة – إلقاء السلام – سواك – عيادة مريض – زيارة في الله – الصلاح .. الخ

7- محاولة تفطير صائم في هذا اليوم :
قال صلى الله عليه وسلم ( من فطر صائماً كان له مثل آجره غير انه لا ينقص من اجر الصائم شيئا ) رواه الترمذي

8- تحويل العادة إلى عبادة بالنية الصالحة:
عاده + نية صالحه = عبادة

9- مجالسة الصالحين الأخيار في ذلك اليوم:
قال عليه الصلاة والسلام ( قال الله تعالى : (وجبت محبتي للمتجالسين في ……) الحديث رواه مالك في الموطأ

10- استغلال الوقت الواحد في أكثر من عبادة:
مثال تطبيقي: المشي إلى المسجد عباده ويمكنك أن تذكر الله وأنت على هذه الحال فتكون قد استغليت الوقت الواحد في عبادتين

11- الدعاء، وخاصة انك في رمضان :
قال صلى الله عليه وسلم ( ثلاث مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ) رواه الترمذي .

12- القيام بخدمة المجتمع وعمل الخير :
قال صلى الله عليه وسلم ( خير الناس انفعهم للناس ) صحيح الجامع . وكان ابن المبارك رحمه الله يطعم أخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم .

13- استشعار الأجر والثواب عند تأدية العبادة لتكون لك حافزا على فعل الخير .

*استشعر معي فضل رمضان صيامه وقيامه يحصل لك المقصود إن شاء الله .

14- الكف عن فضول الكلام المباح ، ولو أبدلت عن ذلك تسبيحا وتهليلا لكان أفضل .
*قال صلى الله عليه وسلم في الحديث ( كل كلام ابن ادم عليه لا له ، إلا أمر بالمعروف ، اونهي عن منكر ، أو ذكر الله ) رواه الترمذي من كتاب هذه أخلاقنا .

15- إطعام الطعام على وجه الهدية أو الصدقة
فرمضان شهر الجود والكرم .
في الصحيحين : كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس فكان أجود ما يكون في رمضان …… الحديث .

16- استغلال الأوقات الفاضلة في هذا اليوم :
ا- بعد صلاة الصبح وذلك باحياءها بالذكر وقراءة القران والدعاء …….
ب-الثلث الأخير من الليل بالدعاء والاستغفار.
ج- بين الأذان والإقامة ( بسؤال الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة ) الحديث عند الترمذي.

17- محاولة التصدق ولو بالقليل في هذا اليوم فأفضل الصدقة صدقة في رمضان .
*كان بعض السلف يختم يومه بصدقه شكرا لله على إتمام اليوم على طاعة .

18- الجلوس في المسجد بعد صلاة العصر لسماع الموعظة .
19- الدعاء عن الفطر :
فكان صلى الله عليه وسلم إذا افطر قال ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) رواه أبو داود والترمذي .

20- تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب :
قال صلى الله عليه وسلم ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) رواه مالك في الموطأ .

21- الإفطار على الرطب أو التمر وترا :
*كان صلى الله عليه وسلم ( يفطر على رطبات قبل أن يصلي فان لم تكن فعلى تمرات فان لم يكن فعلى ماء ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه .

22- السحور وتأخيره
قال صلى الله عليه وسلم ( تسحروا فان في السحور بركة ) رواه الشيخان

23- حب الخير لكل مسلم وذلك بدعوته إلى الله " الذاتية الدعوية "
قال صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ) صحيح الجامع . من كتاب هذه أخلاقنا

24- أن يكون المسلم الصائم طوال يومه متوضأ : قال صلى الله عليه وسلم ( ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ) رواه ابن ماجه وابن حبان .

25- محاولة التصدق ولو بالقليل في هذا اليوم ، فأفضل الصدقة صدقة في رمضان .

*كان بعض السلف يختم يومه بصدقه شكرا لله على إتمام اليوم على الطاعة .

26- المطالعة الشخصية في كتب الرقائق والزهد وفضائل الأعمال الصالحة .

27- سماع الأشرطة الاسلاميه الوعظية التي ترفق القلب وتدمع العين .
28- إحياء ما بين المغرب والعشاء بالصلاة أو الذكر أو الدعاء أو الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح
.
29- المحافظة على النوافل اليومية للصلاة

أ‌- النوافل القبلية والبعدية للصلوات الخمس .
ب-صلاة الوتر .
ج- صلاة الضحى .
د- قيام الليل ( التهجد ).
ذ- ركعتي الوضوء .
و- سنة الفجر .

30- عيش الآخرة ، واقصد بذلك تذكر دار المال الجنة والنار وبتذكر الموت وآلامه والقبر وعذابه والبعث والحشر والحساب وغير ذلك من أهوال ذلك اليوم .
31- شكر الله تعالى وحمده على إتمام صيام ذلك اليوم .

قال الإمام النووي رحمه الله : ( يستحب حمد الله تعالى عند حصول نعمة أو اندفاع مكروه سواء حصل ذلك لنفسه أو لصاحبه أو للمسلمين)
* وهل هناك أعظم من نعمة إتمام صيام يوم من رمضان وأداء الطاعة فيه بيسر وسهوله .
* هكذا يعيش المسلم يوما من رمضان في كنف الطاعة والعبادة لله تعالى .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .

* فائدة للجادين : حاول أن تكون أيها الصائم ممن يصنعون الفرص في هذا الشهر ويسخرونها في خير ودعوه وبهذه تكون مفتاح للخير لك ولغيرك .

منقول للفائدة




والله كلمات جد رااااااااااااائعة تخليك تعيد حسابات ربي يحفظك
بارك الله فيكي على الطرح المميز
صح فطورك و رمضان كريم




وفيك بارك الله وجعلنا الله ممن يراجعون انفسهم ويصلحونها
والله يسلمك




كلمات فووور شباب موضوعك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

فصل الخطاب في بيان عدد ركعات صلاة التراويح في زمن عمر بن الخطاب

فصل الخطاب في بيان عدد ركعات صلاة التراويح في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
للشيخ د/ كمال قالمي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
أمّا بعد؛ فهذا بحث في دراسة الرّوايات الواردة في عدد ركعات صلاة التراويح التي أقامها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمسجد النبوي زمن خلافته، وقد وقع في هذه المسألة خلاف كبير بين أهل العلم قديماً وحديثاً ولا سيما علماء العصر، فمنهم من يرى أن عدد ركعات صلاة التراويح التي أمر بها عمر رضي الله عنه هي إحدى عشرة ركعة كما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، ولا يجوز الزيادة عليها بحال، ومنهم من يرى أنها ثلاث وعشرون ركعة، ولا مانع عندهم من الزيادة على إحدى عشرة ركعة، بل كل ذلك جائز سائغ؛ وهذا الذي عليه جمهور علماء نجد والحجاز؛ ولذا تقام صلاة التراويح في المسجد الحرام والمسجد النبوي بثلاث وعشرين ركعة، وفي العشر الأواخر يقومون بعشرين ركعة ويزيدون في النصف الثاني من الليل عشر ركعات ويوترون بثلاث.
ولما كان الزّوار والمعتمرون في شهر رمضان يأتون من بلدان مختلفة إلى أرض الحرمين، فيقع الذين اعتادوا القيام في صلاة التراويح بإحدى عشرة ركعة في حرج وحيرة هل يصلونها مع أئمّة الحرمين كلّها؟ أو ينصرفون بعد العشر الأوّل؟ أو يصلون العشر الأواخر؟ أو يصلون ثمان ركعات ويوترون مع الإمام؟(1).
كان ذلك وغيره من الدّوافع القويّة على بحث هذه المسألة المهمّة وجمع شتاتها وسبر أطرافها؛ بغية معرفة الحقّ بدليله وسلوك سبيله، أسأل الله تعالى أن يرينا جميعاً الحقَّ حقّاً ويرزقنا اتّباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يتقبل منا الصيام والقيام إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول مستعينا بالله الملك المعبود:
اعلم – علمني الله وإياك – أنّ قيام ليالي رمضان هو من أجلّ الطاعات وأعظم القربات المضاعفة للأجور والحسنات، حيث رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر فيه بعزيمة، ففي الصّحيحين(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه».
وعنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغّبُ في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه»(3).
وأداء هذه الصلاة في المسجد مع الجماعة سنّة دلَّت عليها جملة من الأحاديث:
منها ما رواه الشيخان(4) عن عائشة رضي الله عنها، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجد ذات ليلة، فصلَّى بصلاته ناسٌ، ثم صلَّى الليلة القابلة فكثُر النّاس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسولُ الله (5)، فلما أصبح قال: «قد رأيتُ الذي صنعتُم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أني خشيتُ أن تُفرض عليكم» وذلك في رمضان.
ومنها ما رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم(6) من طريق داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: صُمنا مع رسول الله (7) رمضان، فلم يقُمْ بنا شيئاً من الشَّهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهب شطر الليل. فقلت: يا رسول الله، لو نفّلتنا قيام هذه الليلة؟ قال: فقال: «إنّ الرجل إذا صلّى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة». قال: «فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السَّحور، ثم لم يقُمْ بنا بقية الشّهر». وإسناده صحيح، وقال الترمذي: «حسن صحيح».
ومنها ما رواه أحمد، والنسائي، وابن خزيمة، والحاكم(8) من طريق معاوية بن صالح، قال: حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة، قال: سمعتُ النّعمان بن بشير على منبر حمص يقول: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثُلث الليل الأوّل، ثم قُمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظنّنا أن لا ندرك الفلاح وكانوا يسمُّونه السُّحور».
وإسناده حسن لأجل معاوية بن صالح الحمصي.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط البخاريّ».
فتعقبه الذهبي بقوله: «معاوية إنما احتجّ به مسلم وليس الحديث على شرط واحد منهما، بل هو حسن».
ففي هذه الأحاديث دليل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام على قيامهم بعض ليالي رمضان خلفه في جماعة، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم العلّة التي من أجلها لم يخرج إليهم بعد ذلك، وهي خشية أن تفترض على هذه الأمّة، وهو صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمّته، وفي ذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم» متفق عليه(9).
ثم لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم زال ما كان يخشاه عليه الصّلاة والسلام؛ ولذلك كان بعض الصّحابة يقومون رمضان في المسجد جماعات ووحدانا حتى جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على إمام واحد لما رواه مالك(10) – ومن طريقه البخاريّ – عن ابن شهاب الزهري، عن عروة ابن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرِّقون، يصلّي الرجلُ لنفسه، ويصلي الرجل فيصلّي بصلاته الرَّهْط.
فقال عمر: والله إنّي لأراني لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبيّ بن كعب. قال: ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والنّاسُ يصلُّون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعمتِ البدعةُ هذه! والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يعني آخر الليل، وكان الناسُ يقومون أوله».
وأما قول عمر: «نعمت البدعة هذه» فالمراد بالبدعة هنا المعنى اللّغوي وهو الاختراع والابتداء من غير مثال سابق، وليس المراد بها المعنى الشّرعي؛ لأنّ البدع في الشّرع كلّها مذمومة وليس فيه بدعة حسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كلّ بدعة ضلالة» (11). فهذه قاعدة كليّة جامعة(12).
ولا شكّ ولا ريب في أن ما فعله عمر رضي الله عنه مشروع بل موافق للسنة الفعلية للأحاديث السابقة، بل وموافق للسنة القولية أيضاً – كما في حديث أبي ذر السابق -: «إنّ الرجل إذا صلّى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة».
يقول ابن بطال رحمه الله: إنّ قيام رمضان سنة؛ لأنّ عمر لم يسنّ منه إلاّ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّه، وقد أخبر عليه السلام بالعلّة التي منعته من الخروج إليهم، وهي خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيماً، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي أقام هذه السّنة وأحياها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته(13).
وأما عدد الرّكعات التي قام بها أبي بن كعب رضي الله عنه بالناس ففيه روايات:
الأولى – أنها إحدى عشرة ركعة.
أخرجها مالك بن أنس في "الموطأ"(14) عن محمد بن يوسف، عن السّائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميماً الدّاريَّ أن يقوما للنّاس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئُ يقرأ بالمئين، حتّى كُنّا نعتمد على العصِيّ من طول القيام، وما كُنّا ننصرف إلاّ في فروع الفجر.
ومن طريق مالك رواه الطّحاويّ في "شرح معاني الآثار"(15)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(16).
ورجاله ثقات؛ السّائب بن يزيد صحابيّ صغير، ففي صحيح البخاريّ أنه قال: «حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين»(17).
ومحمد بن يوسف هو الكِنْديّ المدنيّ الأعرج، وهو ابن أخت السائب بن يزيد – كما جاء ذلك في رواية البيهقيّ -، ويقال: ابن بنت السّائب بن يزيد. ثقة جليل، وثقه يحيى القطّان، وعلي ابن المديني، وابن معين، والنسائي وغيرهم.
وقال مصعب الزُّبيريّ: كان له شرف وقدر بالمدينة.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار"(18): « هكذا قال مالك في هذا الحديث: «إحدى عشرة ركعة»، وغير مالك يخالفه فيقول في موضع «إحدى عشرة ركعة» «إحدى وعشرين». ولا أعلم أحدا قال في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة غير مالك» اهـ.
كذا قال أبو عمر رحمه الله! وهو متعقّب بجماعة وافقوا مالكاً على قوله: «إحدى عشرة»، وهم:
1 – يحيى بن سعيد القطّان عند أبي بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(19).
2 – وإسماعيل بن جعفر المدنيّ عند علي بن حجر في "حديثه"(20).
3 -وعبد العزيز بن محمد الدّراورديّ عند سعيد بن منصور في "سننه"(21).
4 – وإسماعيل بن أمية عند أبي بكر النّيسابوريّ في "فوائده"(22).
هكذا رواه هؤلاء كلّهم عن محمد بن يوسف، فقالوا: «إحدى عشرة».
الرواية الثانية: أنها ثلاث عشرة ركعة.
أخرجها أبو بكر النّيسابوريّ في "فوائده"(23) قال: حدّثنا أبو الأزهر، ثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمد بن يوسف بن عبد الله ابن أخت [نَمر](24)، عن [جدّه](25) السّائب، قال: « كنّا نصلي في زمن عمر رمضان ثلاث عشرة ركعة، وما كنا نخرج إلاّ في وِجاه الصُّبح. كان القارئ(26) يقرأ في كل ركعة خمسين آية ستين آية ».
ومن طريق ابن إسحاق رواه ابن نصر المروزي في كتاب "قيام رمضان" – كما في مختصره(27)- وزاد: قال ابن إسحاق رحمه الله: « وما سمعت في ذلك حديثاً هو أثبت عندي ولا أحرى بأن يكون كان من حديث السائب؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له من اللّيل ثلاث عشرة ركعة ».
الرواية الثالثة: أنها إحدى وعشرون ركعة.
أخرجها عبد الرزاق في "مصنفه"(28) عن داود بن قيس وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السّائب بن يزيد: «أنّ عمر جمع النّاس في رمضان على أبي بن كعب، وعلى تميم الدّاري على إحدى وعشرين ركعة، يقرأون بالمئين وينصرفون عند بزوغ الفجر».
وداود بن قيس أبو سليمان المدنيّ، وثقه الشافعي وأحمد وابن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وغيرهم.
الرواية الرابعة: أنها عشرون ركعة.
أخرجها الفريابي في كتاب "الصيام"(29) من طريق يزيد بن هارون.
وأبو القاسم البغوي في "حديث علي بن الجعد"(30) – ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(31) – من طريق محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب.
ورواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (5409) من طريق محمد بن جعفر.
ثلاثتهم (يزيد بن هارون، وابن أبي ذئب، ومحمد بن جعفر) عن يزيد بن خُصيفة، عن السّائب ابن يزيد، قال: «كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة ، ولكن كانوا يقرؤون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكئون على عِصيِّهم من شدّة القيام». واللّفظ للفريابي.
ولفظ البيهقي في "المعرفة": «كنّا نقوم في زمان عمر بن الخطّاب بعشرين ركعة والوتر».
وصحَّح إسناده النّووي في "المجموع"(32)، و"الخلاصة" – كما في "نصب الرّاية"(33) -، وابن الملقن في "البدر المنير"(34)، وبدر الدّين العيني في "عمدة القاري"(35).
الرواية الخامسة: أنها ثلاثة وعشرون ركعة.
أخرجها عبد الرزّاق في "مصنفه"(36) عن الأسلميّ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب، عن السّائب بن يزيد، قال: «كنّا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر، وكان القيام على عمر ثلاثة وعشرين ركعة».
وإسناه ضعيف جدّاً، فيه الأسلميّ وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وهو متروك كما في "التقريب".
وأمّا الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذُباب، فمختلف فيه؛ فقال أبو حاتم: يروي عنه الدّراورديّ أحاديث منكرة، ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. وجمع الحافظ بين القولين فقال: «صدوق يهم» فمثله يعتبر بحديثه على أقل الأحوال؛ لكن علته إبراهيم الأسلمي، كما سبق.
فهذه أشهر الروايات في عدد ركعات التراويح في عهد عمر رضي الله عنه، ويلاحظ أنّ الخلاف وقع فيها من الرواة على السائب بن يزيد؛ حيث رواه عنه ثلاثة:
أحدهم: محمد بن يوسف وقد اختلف عليه كما في الروايات الثلاثة الأول.
والثاني: الحارث بن أبي ذباب.
والثالث: يزيد بن خصيفة.
وإذا استبعدنا رواية الحارث – لوهائها – يبقى الترجيح بين رواية ابن يوسف، ورواية ابن خصيفة، ورواية الأخير أولى بالترجيح؛ لأمور:
أولاً – أنه لم يختلف عليه.
بخلاف محمد بن يوسف فقد اختلف عليه أصحابه الثقات:
فرواه مالك وجماعة عنه بلفظ: «إحدى عشرة».
ورواه ابن إسحاق عنه بلفظ: «ثلاث عشرة».
ورواه داود بن قيس وغيره عنه، فقال: «إحدى وعشرين».
ولعلّ في سياق القصة الآتية ما يدل على عدم ضبطه للعدد كما ينبغي، وهي ما رواه أبو بكر النيسابوريّ في "فوائده"(37) قال: حدّثنا يوسف بن سعيد، ثنا حجاج، عن ابن جريج، حدثني إسماعيل بن أمية، أنّ محمد بن يوسف ابن أخت السّائب بن يزيد أخبره، أنّ السّائب بن يزيد أخبره قال: جمع عمر بن الخطاب الناس على أبي بن كعب وتميم الداري، فكانا يقومان بمائة في ركعة، فما ننصرف حتى نرى أو نشك في فروع الفجر. قال: فكنا نقوم بأحد عشر. قلت (القائل هو إسماعيل بن أمية): أو واحد وعشرين؟! قال: لقد سمع ذلك من السائب بن يزيد ابنُ خصيفة. فسألتُ يزيد بن خصيفة، فقال: حسبتُ أنّ السّائب قال: أحد وعشرين. قال محمد: […](38) لإحدى وعشرين».
قال أبو بكر: هذا حديث حسن لو كان عند علي بن المديني لفرح به إلا أنه قال: ابن أخت السائب.
قلت: وصحّح إسناده العّلامة الألباني رحمه الله(39).
فهذا النّص يشعر بأن محمد بن يوسف لم يكن بذاك الضابط المتقن للعدد؛ ولذلك جعل إسماعيل بن أمية يراجعه ويستوثقه بقوله: «أو واحد وعشرين» وكأنّه سمع ذلك من غيره.
وفي النّص أيضاً إشارة لطيفة وهي وثوق محمد بن يوسف بحفظ يزيد بن خصيفة حينما أحال السائلَ عليه بقوله: «لقد سمع ذلك من السائب بن يزيد» وقوله هذا يحتمل أحد أمرين: إمّا أنه سمع ذلك (أي أحد عشر) كما سمعته أنا، وإما أنه سمع ذلك العدد الذي ذكره إسماعيل بن أمية أي أحد وعشرين؛ وهذا أظهر للإشارة إلى أقرب مذكور، وعلى الاحتمال الأول ظنّاً منه أنه سيوافقه. وعلى كل حال فقد أجابه يزيد بن خصيفة بأنها إحدى وعشرين ركعة.
وقوله: «حسبت» لا يضره إن شاء الله؛ لأنّ الراوي ربما قال ذلك احترازاً وتحفظاً لا شكاً ومهما يكن فقد رواه عنه الجماعة على الجزم كما سبق.
وقوله أيضاً «أحد وعشرين» لا يخالف قول الجماعة عنه: «عشرين» أي من غير الوتر، وفي رواية عنه – كما سبق -: «عشرين ركعة والوتر» والوتر أقله ركعة.
ثانياً – أنها موافقة لأحد الأوجه المروية عن محمد بن يوسف أعني الرواية الثالثة من طريق داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد التي فيها «إحدى وعشرين».
ثالثاً – أنها وردت آثار كثيرة تشهد للعشرين ركعة من غير الوتر، فمن ذلك:
1 – ما رواه الضّياء المقدسيّ في "الأحاديث المختارة"(40) من طريق أحمد بن منيع، أنا الحسن ابن موسى، نا أبو جعفر الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب: أنّ عمر أمر أُبيّاً أن يصلِّي بالنّاس في رمضان، فقال: إنّ النّاس يصومون النّهار ولا يحسنون أن يقرؤوا فلو قرأتَ عليهم باللّيل؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا شيءٌ لم يكن! فقال: قد علمتُ، ولكنه أحسن. فصلّى بهم عشرين ركعة.
أبو العالية اسمه رُفيع بن مهران الرِّياحيّ، ثقة يرسل، وروايته عن أُبَيّ في السنن.
والرّبيع بن أنس البصريّ ثم الخراسانيّ قال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات"(41) وقال: الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر (يعني الرّازي) عنه؛ لأنّ في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً.
وأبو جعفر الرّازيّ مشهور بكنيته واسمه عيسى بن أبي عيسى ماهان، مختلف فيه. ولخصه الحافظ ابن حجر بقوله في "التقريب": «صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة».
2 – ومنها ما رواه مالك في "الموطأ"(42) عن يزيد بن رُومان أنه قال: «كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة».
ومن طريق مالك رواه الفريابي في "الصيام"(43)، والبيهقي في "الكبرى"(44) ، والمعرفة(45).
ويزيد بن رومان من أقران ابن شهاب الزهريّ، روايته عن صغار الصحابة، وقال المزي: حديثه عن أبي هريرة مرسل.
وقد نصَّ الزّيلعي في "نصب الراية"(46) على أنه لم يدرك عمر بن الخطّاب.
3 – ومنها ما رواه محمد بن نصر المروزيّ في "قيام رمضان" – كما في مختصره (ص220) – عن محمد بن كعب القرظيّ قال: «كان النّاسُ يصلون في زمان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في رمضان عشرين ركعة، يطيلون فيها القراءة، ويوترون بثلاث».
ومحمد بن كعب القرظيّ أبو عبد الله المدنيّ أحد العلماء الثقات روى عن جماعة من الصّحابة كابن عمر، وأنس، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وروايته عن عمر مرسلة؛ لأنه مات سنة (108هـ) في قول الأكثر وله (78 أو 80 سنة).
4 – ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(47) عن وكيع، عن مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد: «أنّ عمر بن الخطّاب أمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة».
ويحيى بن سعيد هو أبو سعيد الأنصاريّ المدنيّ لم يدرك عمر بن الخطّاب. قال علي بن المديني في "العلل": «لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس»(48).
5 – ومنها ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً عن حميد بن عبد الرحمن، عن حسن، عن عبد العزيز ابن رُفيع قال: «كان أبي بنُ كعب يصلّي بالنّاس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويُوتر بثلاث».
ورجاله ثقات، عبد العزيز بن رُفيع وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائيّ، لكنه لم يدرك أبيّ بنَ كعب فإنّه مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها، وقد أتى عليه نيّف وتسعون سنة، فيكون مولده بعد الثلاثين، وأمّا أُبي بن كعب رضي الله عنه فإنه مات في خلافة عثمان سنة (30هـ).
وحسن هو ابن صالح بن صالح بن حَيّ أبو عبد الله الكوفيّ ثقة رمي برأي الخوارج.
وحميد بن عبد الرحمن الرّؤاسيّ الكوفيّ، ثقة.
والحاصل أنّ هذه الآثار أسانيدها صحيحة إلى مرسليها باستثناء الأثر الأول فهو موصول وفي إسناده ضعف، ولكن إذا ضمّ بعضها إلى بعض اكتسبت قوّة ودلّت بمجموعها على صحّة رواية العشرين ركعة.
وأمّا «الاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر، وكأنه كان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث» (49).
وقد جزم غير واحد من أهل العلم بصحة ذلك، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (5/158): « وهو الصّحيح عن أُبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "فتاويه"(50): «قد ثبت أنّ أُبي بن كعب كان يقوم بالنّاس عشرين ركعة في قيام رمضان ويوتر بثلاث».
قلت: وهذا بناء على ترجيح رواية ابن خصيفة على رواية محمد بن يوسف، وعلى التسليم بأنّ ما رواه مالك والجماعة عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد: « أنّهم كانوا يقومون في زمن عمر بإحدى عشرة ركعة » محفوظ أيضاً، فهو محمول على أنّ ذلك كان في أوّل الأمر، ثم لما شقَّ على النّاس طول القيام زادوا في عدد الركعات إلى العشرين مع الإيتار بواحدة أو بثلاث.
قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار"(51): «يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشر ركعة، ثم خفّف عليهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة، يخفّفون فيها القراءة، ويزيدون في الركوع والسجود».
وإلى نحو هذا الجمع جنح الحافظ البيهقيّ فقال في "السنن"(52): « ويمكن الجمع بين الرّوايتين؛ فإنّهم كانوا يقومون بإحدى عشرة، ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث ».
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري"(53): «وقال الداودي وغيره: وليست رواية مالك عن السائب بمعارضة برواية من روى عن السائب ثلاثاً وعشرين ركعة؛ لأنّ عمر جعل الناس يقومون في أول أمره بإحدى عشرة ركعة كما فعل النبيّ عليه السلام، وكانوا يقرؤون بالمئين ويطولون القراءة، ثم زاد عمر بعد ذلك فجعلها ثلاثاً وعشرين ركعة، فليس ما جاء من اختلاف أحاديث قيام رمضان يتناقض، وإنما ذلك في زمان بعد زمان، والله الموفق» اهـ باختصار.
قلت: وهو الذي استقر عليه الأمر زمن عمر والخليفتين بعده وجرى عليه العمل في الحجاز والكوفة والبصرة وغيرها من عواصم الإسلام.
فقد روى محمد بن نصر المروزيّ في "قيام رمضان" – كما في "مختصره"(54)، وذكره العينيّ بإسناده في "عمدة القاري"(55)- قال: أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: «كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل».
قال الأعمش: كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث.
وإسناده صحيح إلاّ قول الأعمش: «كان يصلي… » فهو منقطع؛ لأنّه لم يدرك ابن مسعود.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(56)، وابن أبي الدنيا في "فضائل شهر رمضان"(57) من طريق عبد الملك، عن عطاء قال: «أدركتُ النّاس وهم يصلون ثلاثة وعشرين ركعة بالوتر».
وإسناده صحيح؛ عطاء هو ابن أبي رباح المكيّ وُلد في خلافة عثمان بن عفّان، ومات في سنة (114هـ) أو بعدها بسنة.
وعبد الملك هو ابن أبي سليمان العرْزميّ، أحد الثقات.
وروى ابن أبي الدنيا في "فضائل شهر رمضان"(58)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(59) من طريق هشيم، أنا يونس بن عبيد قال: «شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان، فكان يؤمُّهم عبد الرحمن بن أبي بكرة(60) – صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وسعيد بن أبي الحسن، ومروان العبدي، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة، ولا يقنتون إلاّ في النّصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرّتين». وإسناده صحيح.
هشيم هو ابن بشير الواسطيّ ثقة ثبت كثير التدليس، لكنه صرّح بالتحديث.
ويونس بن عبيد العبْدي البصري ثقة كثير الحديث، يروي عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح، مات سنة (139هـ) أو بعدها بسنة.
وفتنة ابن الأشعث كانت سنة إحدى وثمانين بالبصرة(61)، وهؤلاء الأئمة الثلاثة القرّاء كلّهم بصريّون.
وقال أبو عيسى الترمذي في "جامعه"(62): «أكثر أهل العلم على ما رُوي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي. وقال الشافعي: وهكذا أدركتُ ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة».
قلت: ثم زاد أهل المدينة بعد الخلفاء الراشدين في عدد الركعات إلى ست وثلاثين مع الإيتار بثلاث(63).
قال داود بن قيس: « أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز يصلون ستة وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث »(64).
وقال نافع مولى ابن عمر: « لم أدركْ الناسَ إلاّ وهم يُصلُّون تسعاً وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث »(65).
وقال ابن القاسم عن مالك في "المدونة" (1/287): « بعث إليَّ الأميرُ(66) وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة – قال ابن القاسم : وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر ستٌّ وثلاثون ركعةً والوتر ثلاث – قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئاً. وقلت له: هذا ما أدركتُ الناسَ عليه، وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه ».
وعن ابن أيمن عن مالك قال: « أستحبُّ أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلّم الإمام والناس ثم يوتر بهم واحدة وهذا العمل بالمدينة قبل الحرّة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم »(67).
قلت: وما استجاز الصحابة من لدن زمن عمر بن الخطاب إلى عهد أئمة السلف الزيادة في عدد الركعات إلا أنهم رأوا في ذلك فسحة وسعة، وأنّ قيام الليل في رمضان وغيره من النوافل المطلقة غير محصورة في عدد بعينه.
قال الزعفراني عن الإمام الشافعي أنه قال: رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعاً وثلاثين ركعة. قال: وأحبُّ إليَّ عشرون. قال: وكذلك يقومون بمكة. قال: وليس في شيء من هذا ضيق ولا حدّ ينتهي إليه؛ لأنه نافلة فإن طالوا القيام وأقلُّوا السجود فحسن وهو أحبُّ إليَّ، وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن(68).
وقال إسحاق بن منصور المروزيّ للإمام أحمد في "مسائله للإمام أحمد وإسحاق بن راهويه": قلت كم من ركعة يصلي في قيام شهر رمضان؟ قال: قد قيل فيه ألوان، يروى نحواً من أربعين، إنّما هو تطوّع(69).
بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، فقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (5/244): «قد أجمع العلماء على أن لا حدّ ولا شيء مقدّراً في صلاة الليل، وأنّها نافلة، فمن شاء أطال فيها القيام وقلّت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسّجود».
ونقله عنه أبو الحسن بن القطان في كتابه "الإقناع في مسائل الإجماع"(70) وأقرّه.
وحكاه أيضاً القاضي عياض اليحصبيّ فقال في "إكمال المعلم"(71): «ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأنّ صلاة الليل من الفضائل والرّغائب التي كلّما زيد فيها زيد في الأجر والفضل؛ وإنّما الخلاف في فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه».
ونقله عنه النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/19)، والعراقي في "طرح التثريب"(72) مقرين به.
ومما يدل على ذلك ما رواه مالك في "الموطأ" عن عبد الله بن عمر: أنّ رجلا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة اللّيل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاةُ اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصُّبحَ صلَّى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى ». ومن طريق مالك رواه البخاريّ، ومسلم(73).
وعن عمرو بن عبسة السُّلمي أنه قال: قلت: يا رسول الله أيّ الليل أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، فصلِّ ما شئت؛ فإنّ الصّلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح… » الحديث.
رواه أبو داود، وابن خزيمة(74) من طريق الربيع بن نافع، حدثنا محمد بن المهاجر، عن العباس ابن سالم، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة، فذكر الحديث بطوله في قصة إسلامه، وهو عند أبي داود مختصر، وإسناده صحيح، وهو في صحيح مسلم(75) من وجه آخر عن أبي أمامة، وليس فيه موضع الشاهد.
وقد فسَّر الحافظ العراقي في "طرح التثريب"(76) قوله صلى الله عليه وسلم: «مثنى مثنى» بقوله: «المراد أنه يسلِّم من كلِّ ركعتين من غير حصر في هذا العدد(77)؛ ولهذا عقّبه بقوله: «فإذا خشيت الصبح» فدلّ على أنه يصلي من غير حصر بحسب ما يتيسر له من العدد إلا أنه يكون على هذا الوجه وهو السلام من كل ركعتين إلى أن يخشى الصبح فيضيق حينئذ وقت صلاة الليل فيتعيّن الإتيان بآخرها وخاتمتها وهو الوتر، وهذا هو الذي فهمه جميع الناس».
قلت: وهذا هو الذي فهمه الصحابة كعبد الله بن عمر رضي الله عنهما رواي الحديث، فقد روى محمد بن نصر المروزي في "كتاب الوتر" – كما في مختصر المقريزي(78) – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، كلاهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: سأله رجل عن الوتر. فقال: أما أنا فإني إذا صليت العشاء الآخرة صليتُ ما شاء الله أن أصلي مثنى مثنى، فإذا أردت أن أنام ركعت ركعة واحدة أوترت لي ما قد صليت، فإن هببتُ من الليل فأردت أن أصلي شفّعتُ بواحدة ما مضى من وتري، ثم صليت مثنى مثنى، فإذا أردت أن أنصرف ركعت ركعة واحدة فأوترت لي ما صليت، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل آخر الصلاة من الليل الوتر. فقال له رجل: أفرأيت إن أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح؟ قال: ليس بذلك بأس حسن جميل.
وروى محمد بن نصر أيضاً – كما في الفتح(79)- من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل ابن عمر عن ذلك (يعني عن نقض الوتر) فقال: إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صلِّ ما بدا لك ثم أوتر، وإلا فصلِّ وِتْرَك على الذي كنت أوترت.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(80) عن وكيع، عن عمران بن حُدَيْر(81)، عن أبي مِجْلَز(82) أنّ أسامة بن زيد وابن عباس قالا: «إذا أوترت من أول الليل ثم قمتُ تصلي فصلِّ ما بدا لك واشفع بركعة ثم أوتر». وإسناده صحيح.
والشاهد في قولهم: «صلِّ ما بدا لك» أي من غير تحديد بعدد معين.
وأمّا التمسّك بما جاء في الصّحيحين(83) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يزيدُ في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة». على عدم جواز الزيادة على إحدى عشرة في قيام رمضان، فجوابه أنه إخبار منها رضي الله عنها بما كان عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل في أغلب أحيانه، ومع ذلك فكان أحياناً يزيد على ذلك العدد كما أخبرت بذلك عائشة نفسها رضي الله عنها، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يُصلي إذا سمع النداء بالصبحِ ركعتين خفيفتين. »وعن عبد الله بن أبي قيس قال: قلتُ لعائشة: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يُوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يُوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة. رواه أحمد، وأبو داود وغيرهما(84) بإسناد صحيح.
كما صحّ ذلك عن غيرها أيضاً، ففي الصحيحين(85) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كانت صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل».
وفي صحيح مسلم(86) عن زيد بن خالد الجُهني أنه قال: لأرمُقَنَّ الليلةَ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتوسدتُ عَتَبَتَه، أو فُسْطاطَه. فقام رسول الله الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلَّى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلَّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما. ثم أوتر. فتلك ثلاث عشرة ركعة.
كما أخبرت عائشة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقص عن إحدى عشرة، كما في حديث عبد الله بن قيس السابق.
ولما رواه مسلم(87) من حديث سعد بن هشام بن عامر أنه أتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: من؟ قال: عائشة، فأتها فاسألها… قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوصفت له صلاته إحدى عشرة ركعة، ثم قالت: «فلما سنَّ نبيُّ الله وأخذه اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسعٌ يا بُنيّ» الحديث.

وقالت في حديث آخر: كان رسول الله الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي من الليل تِسعاً، فلما أسَنَّ وثقل صلَّى سبعاً.
رواه أحمد، والنسائي بإسناد رجاله ثقات(88).
فهذه الصفات والكيفيات كلّها صحيحة محفوظة عن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم وسبب هذا التنوع «لما كان يتفق من اتساع الوقت له أو ضيقه، إما بتطويل قراءته في بعضها كما جاء، أو طول نومه، أو لعذرٍ من مرض أو كبر سنًّ»(89).
فالشاهد أنّه صلى الله عليه وسلم كان يزيد على إحدى عشرة ركعة أحياناً.
فإذا كان كذلك فمن منع من الزيادة بحجة أنّ النبي الله صلى الله عليه وسلم لم يزد على إحدى عشرة يلزمه منع الإيتار بواحدة وبثلاث وبخمس؛ لأنّ النبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ينقص عن سبع ركعات.
فإن قيل الإيتار بأقل من سبع صحَّ عن النبي الله صلى الله عليه وسلم من قوله كما في حديث أبي أيوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم: « الوتر حقٌّ على كلِّ مسلم، فمن أحبَّ أن يُوتِرَ بخمس فليفعل، ومن أحب أن يُوتِرَ بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يُوتِرَ بواحدةٍ فليفعل ». رواه الثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه(90).
فدلّ الحديث على جواز الاقتصار على ركعة واحدة في صلاة الوتر، وقد صح فعله عن جماعة من الصحابة كما قاله الحافظ ابن حجر.
والجواب: كذلك يقال في الزيادة إنه صحَّ عنه الله صلى الله عليه وسلم أنه قال – كما سبق -: «صلاة الليل مثنى مثنى»، وأنه قال: «صلّ ما شئت» حيث فوّض للمتنفل في صلاة الليل العدد بحسب ما يتيسر له من الوقت إلى صلاة الصبح، وبقدر ما يجد في نفسه من قوة ونشاط؛ ولو كان العدد مطلوباً لذاته لبينه صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما بيّن بعض النوافل كرواتب الصلوات المفروضة وغيرها.
كما جرى عمل السلف من الصحابة ومن بعدهم على الزيادة على إحدى عشرة ركعة فلا فرق بين الزيادة والنقصان على ما كان من فعله صلى الله عليه وسلم.
ثم يقال أيضاً: من تمسّك بالعدد في حديث عائشة ورأى عدم الزيادة على ذلك يلزمه أن يتمسك بالكيفية التي سئلت عنها عائشة رضي الله عنها وأخبرت بها في تمام الحديث بقولها: «يُصَلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصَلِّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصَلِّي ثلاثاً».
وتقول في حديث آخر مبيّنةً طول سجوده: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاتَه، يسجد السجدة من ذلك قَدْرَ ما يقرأُ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه. رواه البخاري(91).
ومن حسن صلاته صلى الله عليه وسلم وطولها أنه كان سجوده وركوعه قريبا من قيامه، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: صلَّيتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يُصَلِّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها. ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسِّلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سَبَّح. وإذا مرَّ بسُؤَال سأَل. وإذا مرَّ بتعوذٍ تعوَّذَ. ثمَّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: «سبحان ربي الأعلى» فكان سجوده قريباً من قيامه. رواه مسلم(92).
فمن يحتمل ذلك منا أو يطيقه ؟!.
بل حتى إنّ بعض الصّحابة كان يشقّ عليهم قيامه صلى الله عليه وسلم، ففي الصّحيحين(93) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي الله صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائماً حتى هممتُ بأمرِ سوءٍ، قلنا: وما هممتَ؟ قال: هممتُ أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يشقّ ذلك اليوم على آحاد الناس، فهل يطيقه جميع الناس في صلاة الجماعة؟!.
ومن المعلوم من السنّة أنّ التطوع بالصّلاة حال الانفراد يختلف عنه في جماعة من حيث التخفيف وعدم التطويل؛ كما جاء في الصّحيحين(94) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلّى أحدكم للناس فليُخفِّف، فإنّ منهم الضعيف والسَّقيم والكبير، وإذا صلّى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء».
بل هو الأمر الذي فعله عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في قيام رمضان، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليهم في رمضان فخفَّف بهم، ثم دخل فأطال، ثم خرج فخفَّف بهم، ثم دخل فأطال، فلما أصبحنا قلنا: يا نبي الله! جلسنا الليلة فخرجتَ إلينا فخفَّفتَ، ثم دخلتَ فأطلتَ؟ قال: «من أجلكم ». رواه الإمام أحمد(95) بإسناد صحيح.
والمقصود أنّ ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه لا يعارض قوله الذي هو تشريع عام للأمة؛ ولذلك لم يتحرّج عمر رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة من الزيادة في عدد الركعات، وذلك لأجل التخفيف عن المأمومين، ولعلمهم أيضاً بأنّ قيام الليل في رمضان وفي غيره يعدُّ من النوافل المطلقة التي لم يُوقّت فيها عددٌ معين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «قد ثبت أن أبى بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان ويوتر بثلاث ، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره مُنْكِر .
واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم . وقال طائفة : قد ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبي لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة.
واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصّحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين .
والصّواب أن ذلك جميعه حسن – كما قد نص على ذلك الإمام أحمد رضى الله عنه(96) – وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُوقِّت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الرّكعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبيّ كان يطيل القيام بالليل، حتى إنه قد ثبت عنه في الصّحيح من حديث حذيفة «أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران» (97)، فكان طولُ القيام يغني عن تكثير الركعات.
وأبيّ بن كعب لما قام بهم – وهم جماعة واحدة- لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثَّر الركعات ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام وجعلوا ذلك ضِعْفَ عدد ركعاته، فإنه [صلى الله عليه وسلم] كان يقوم باللّيل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كأنّ الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثَّروا الرّكعات حتى بلغت تسعا وثلاثين» انتهى(98).
ولا شكّ أن الالتزام بهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم كمًّا وكيفاً هو الأكمل والأفضل، ولكن ذلك لا يمنع من جواز الزيادة لما سبق بيانه، فلا ينبغي الإنكار على من أجاز الزيادة وتبديع فعله فضلا عن فاعله، مادام «ليس في عدد الركعات من صلاة الليل حدّ محدود عند أحد من أهل العلم لا يُتعدّى، وإنّما الصّلاة خير موضوع، وفعل برّ وقربة، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل، والله يوفق ويعين من شاء برحمته لا شريك له» (99).
وصلى الله وسلّم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه.

_________________________ _____ __________
(1) وبعض الناس – هدانا الله وإياهم – يصلون في المسجد النبوي ثمانَ ركعات أو عشراً ثم يجلسون ينتظرون صلاة الوتر، ويتبادلون أطراف الحديث فيحصل منهم إزعاج وتشويش على المصلّين، ومثل هذا لا يليق ولا ينبغي.
(2) صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759).
(3) الموطأ (1/113)، وصحيح مسلم (759: 174).
(4) صحيح البخاري (2012)، وصحيح مسلم (761: 177) واللفظ له.
(5) صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759).
(6) المسند (5/163)، وسنن أبي داود (1375)، وجامع الترمذي (806)، وسنن النسائي (1364)، وسنن ابن ماجه (1327)، وصحيح ابن خزيمة (2206)، وصحيح ابن حبان (2547) وغيرهم.
(7) صحيح البخاري (37)، وصحيح مسلم (759).
(8) المسند (4/272)، وسنن النسائي (1606)، وصحيح ابن خزيمة (2204)، والمستدرك (1/440).
(9) صحيح البخاري (1128)، وصحيح مسلم (718).
(10) الموطأ (1/114 – 115)، وصحيح البخاري (2010).
(11) رواه مسلم (867) من حديث جابر رضي الله عنه.
(12) ينظر في ذلك "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/93-97) لشيخ الإسلام، و"جامع العلوم والحكم" (2/128 – 131) لابن رجب. وللشاطبي كلام جيد في الرّد على من قسم البدع إلى الأحكام الخمسة، وجوابه على من استند إلى قول عمر: «نعمت البدعة» فراجعه إن شئت في كتابه "الاعتصام" (1/142) فما بعدها.
(13) شرح صحيح البخاري (4/147).
(14) (1/115).
(15) (1/293).
(16) (2/496).
(17) صحيح البخاري (1858).
(18) (5/154).
(19) (2/391).
(20) رقم (440).
(21) ينظر: "المصابيح في صلاة التراويح" للسيوطي (ص38).
(22) (135/ب) والجزء يوجد في ضمن مجموع، وهو من محفوظات المكتبة الظاهرية – سابقاً – وله مصورة فيلمية بمكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم (7046).
(23) (136/أ).
(24) هنا كلمة غير واضحة في المخطوطة، وأثبتها من عمدة القاري (11/127).
(25) زيادة من المصدر السابق، فقد ذكره بإسناد ابن نصر المروزيّ.
(26) في المخطوطة: «الداراني» والمثبت من مختصر قيام الليل.
(27) (ص220).
(28) (4/260).
(29) (158).
(30) المعروف بالجعديات (2844).
(31) (2/496).
(32) (4/32).
(33) (2/154).
(34) (4/350).
(35) (5/267).
(36) (4/261 – 262).
(37) (135/ب).
(38) هنا كلمة غير واضحة في المصورة بسبب الرطوبة التي طرأت على الأصل أو غير ذلك.
(39) صلاة التراويح (ص50).
(40) (3/367) رقم (1161).
(41) (4/228).
(42) (1/115).
(43) (160).
(44) (2/496).
(45) (4/42).
(46) (2/154).
(47) (2/163).
(48) تهذيب التهذيب (11/223).
(49) كما قاله الحافظ في "الفتح" (4/253).
(50) (23/112).
(51) (5/154).
(52) (2/496).
(53) (4/148) وينظر "فتح الباري" (4/253)، و"عمدة القاري" (11/127).
(54) (ص221).
(55) (11/127).
(56) (2/393).
(57) رقم (49).
(58) رقم (50).
(59) (36/13).
(60) الموصوف بالصحبة هو أبو بكرة واسمه نفيع بن الحارث نزيل البصرة رضي الله عنه.
تنبيه: وقع في طبعة "فضائل شهر رمضان" عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خطأ ظاهر؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق صحابي أيضاً مات في حياة أخته أم المؤمنين عائشة في طريق مكة سنة (53) فلا يمكن أن يدركه يونس بن عبيد.
(61) انظر: تاريخ خليفة (ص280)، والعبر للذهبي (1/68).
(62) (3/169).
(63) قال النووي في "المجموع" (4/33): قال أصحابنا: سببه أنّ أهل مكة كانوا يطوفون بين كلّ تروحتين طوافاً ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كلّ طواف أربع ركعات، فزادوا ست عشرة ركعة وأوتروا بثلاث فصار المجموع تسعاً وثلاثين.
(64) انظر مختصر كتاب قيام رمضان (ص221).
(65) نفسه.
(66) هو جعفر بن سليمان كما في رواية المروزيّ (خصر قيام رمضان ص222).
(67) انظر مختصر كتاب قيام رمضان (ص222).
(68) انظر مختصر "كتاب قيام رمضان" (ص222)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (4/42).
(69) مسائل إسحاق بن منصور (2/755) فقرة (387)، وانظر مختصر "كتاب قيام رمضان" (ص222).
(70) فقرة (948).
(71) (3/82).
(72) (3/50 – 51).
(73) الموطأ (1/132)، وصحيح البخاري (990)، وصحيح مسلم (749).
(74) سنن أبي داود (1277)، وصحيح ابن خزيمة (260).
(75) (832).
(76) (3/81).
(77) أي الاقتصار على أربع ركعات فقط! كما فهمه ابن حزم.
(78) (ص311).
(79) (2/481).
(80) (2/82).
(81) أبو عبيدة البصري، ثقة ثقة كما في "التقريب".
(82) مشهور بكنيته واسمه لاحق بن حميد البصري، ثقة. كما في التقريب.
(83) رواه مالك في الموطأ (1/120) ومن طريقه البخاري (1147)، ومسلم (738).
(84) المسند (6/149)، وسنن أبي داود (1362).
(85) البخاري (1138)، ومسلم (764).
(86) (765).
(87) (746).
(88) المسند (6/32)، وسنن النسائي (1708).
(89) من كلام القاضي عياض في كتابه "إكمال المعلم" (3/81).
(90) سنن أبي داود (1422)، والنسائي (1710، 1711)، وابن ماجه (1190)، وابن حبان (2407، 2410، 2411)، والمستدرك (1/302).
(91) (1123).
(92) (772).
(93) صحيح البخاري (1135)، وصحيح مسلم (773).
(94) صحيح البخاري (703)، وصحيح مسلم (467).
(95) (3/154).
(96) سبق نقل كلامه من رواية إسحاق بن منصور عنه.
(97) رواه مسلم (772) وقد سبق ذكره قريباً.
(98) مجموع الفتاوى (23/113).
(99) من كلام الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (13/214).

منقول من موقع منابر النور




جزاكم الله خيرا ونفع بكم




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

خطبة العيد



خطبة العيد لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبهم بإحسان وسلّم تسليمًا .
والحمدُ لله الذي سهّل لعباده طرق العبادة ويسّر، وتابَعَ لهم مواسم العبادة لتزدان أوقاتهم بالطاعة وتُعمر، فما انتهى شهر الصيام إلا بدخول أشهر حج بيت الله المطهّر، أحمده على صفاته الكاملة وأشكره على آلائه السابغة التي لا تُحصر، وأُقرّ بوحدانيته وتقديره وتدبيره فهو المتفرّد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدّر .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد؛ فإنه اليوم الذي توّج الله به شهر الصيام وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وهو أحد الأعياد الشرعية الثلاثة وثانيها عيد الأضحى وثالثها عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة وليس في الإسلام سواها عيد، ليس في الإسلام عيد لمولد نبيّ ولا لمولد زعيم ولا لانتصار على عدو ولا لقيام دولة، ليس في الإسلام سوى هذه الأعياد الثلاثة: عيد الأضحى وعيد الفطر وعيد الأسبوع .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
أيها المسلمون، في هذا اليوم تُخرجون قبل الصلاة زكاة الفطر تقرّبًا إلى الله تعالى وأداءً للفريضة، فقد فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «زكاة الفطر وأمر أن تُخرَج قبل صلاة العيد، فمَن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدّاها بعد الصلاة ولو في يوم العيد فهي صدقة من الصدقات»(1) لا تجزئ عن فريضة الزكاة إلا أن يكون الإنسان معذورًا .
فرضها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المسلمين «تطهيرًا لصيامهم وطعمةً لمساكينهم»(2)، فرضها «على الصغير والكبير والذكَر والأنثى والحر والعبد»(3)، فرضها صلى الله عليه وسلم «صاعًا من طعام الآدميين من تَمْر أو بُرٍّ أو رزٍّ أو غيرها»(4)، فلا تُخرج من الدراهم ولا من الثياب والأمتعة وإنما تُخرج مِمَّا فرضه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من طعام الآدميين خاصة، فمَن أخرجها من غيره فهي مردودة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(5) .
أيها المسلمون، في هذا اليوم تَخرجون إلى مصلى العيد معظّمين لربكم بأفئدتكم وألسنتكم تكبِّرون الله – عزَّ وجل – وتوحّدونه وتحمدونه على ما هداكم ويسّر لكم من نعمة الصيام والقيام وغيرهما من الطاعات، في هذا اليوم تؤدون صلاة العيد تعظيمًا لله – عزَّ وجل – وإقامة لذكْره وبرهانًا على ما في قلوبكم من محبته وشكره، تؤدّونها – أيها المسلمون – في الصحراء إظهارًا لشرائع الله واتّباعًا لسنَّة رسوله الله – صلى الله عليه وسلم – تنتظرون جوائز ربكم وتُحسنون الظن أن يتقبّل منكم .
أيها المسلمون، في هذا اليوم ودّعتم بالأمس شهر رمضان وانقسم الناس فيه إلى قسمين: قسم فرح بالتخلّص منه؛ لأنه ثقيل عليه مُتعبٌ لنفسه وبدنه فهو يريد أن يتخلّص من رمضان ويفارقه، وقسم آخر فرح بفطره، فرح بتخلّصه به من الذنوب؛ «فإن مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(6)، «ومَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(7)، «ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه»(8).
الله أكبر، الله أكبر،لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
الله أكبر على ما هدانا للإسلام وعلى ما منَّ به علينا من إتمام الصيام والقيام، والحمدُ لله على ما أنعم به علينا من دين الإسلام ذلك الدين القيّم الذي أكمله الله تعالى لنا عقيدة ومنهجًا، ثم نحمده أن هدانا له وقد أضلّ عنه كثيرًا .
أيها المسلمون، إن دين الإسلام هو الذي ارتضاه الله لنفسه وفرَضَه على عباده إلى يوم القيامة،﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: 19]، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]؛ولذلك ختمَ الله بهذا الدين الأديانَ كلّها بِما بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده ولا دين سوى ما جاء به، وفيه إصلاح الخلق والعزّ والتمكين في كل زمان ومكان، فمَن تمسَّك بهذا الإسلام عقيدة ومنهجًا، مَن تمسّك به نالَ العزّة والرفعة في الدنيا والآخرة، واسمعوا قول الله – عزَّ وجل – وهو سبحانه لا يخلف الميعاد: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]، ويقول الله تعالى:﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40] .
أيها المسلمون، إن ذلك لوعدٌ حقّ مثلما أنكم تنطقون، ولقد كان ذلك في سلف هذه الأمة حين تمسّكوا بهذا الدين فصاروا قادة العالَم بالعلْم والعقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة والحضارة الراقية وفتحوا بدينهم وأخلاقهم مشارق الأرض ومغاربها، فلو عُدْنا نحن المسلمين اليوم إلى ما كان عليه سلفنا بالأمس لَحَصَلَ لنا من العزّ والتمكين ما حصل لهم .
أيها المسلمون، لقد فهم أعداء الإسلام ذلك، فهموه منذ ظهر الإسلام، «فها هو هرقل ملك الروم قال لأبي سفيان حين سأله عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وما يدعو إليه، قال له هرقل وهو ملك الروم، قال: إن كان ما تقول صدقًا فَسَيَمْلِكُ موضع قدميّ هاتين»(9)، ولقد كان صدقًا ولقد ملكت الأمة الإسلامية، ملكت ما تحت قدمي هرقل وكسرى وسادوا العالَم، وفي هذا القرن قال أحد رؤساء الوزارة البريطانية: ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان، وقال أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية: إن الخطر الذي يهدّدنا تهديدًا مباشرًا وعنيفًا هو الخطر الإسلامي؛ ومن أجل خوف أعداء الإسلام من ظهور المسلمين عليهم حاوَلَ أعداء المسلمين والإسلام بكل ما أوتوا من قوّة بالمكر والخديعة، حاولوا أن يقضوا على الإسلام بالغزو العسكري المسلّح وبالغزو الفكري والخلقي فاحتلّوا كثيرًا من بلاد المسلمين في مِصْر والعراق والشام وأفسدوا عقائد كثير منهم وأخلاقهم وغزوا كثيرًا من المسلمين ولا سيما ذوي الضعف في الدين والبصيرة حتى خفَّفوا الدين في نفوسهم وأخرجوهم من الإسلام أو كادوا لولا أنْ مَنَّ الله على هذه البلاد بالتخلّص من استعمارهم .
لقد أدخل أعداء الإسلام على المسلمين أنواعًا من اللهو واللعب ليصرفوهم عن دينهم وعن الجد في أمورهم، زيَّنوا في قلوبهم الشهوات وأدخلوا في عقولهم الشبهات وثقَّلوا عليهم الصلوات والعبادات بل صوّروا لهم الصلاة والعبادة بالأمور التقليدية الفانية التي لا مكان لها في هذا العصر فانخدع كثيرٌ من الناس بهذه الدعاية الباطلة واستهانوا بشرائع دينهم وأنكروا عقائده وصاروا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً، يتّبعون الشهوات ويُضيعون الصلوات كما قال الله عزَّ وجل: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا[مريم: 59-60] .
أيها المسلمون، إن هذه الدعاية الباطلة وهذا الترويج الكاذب إنه خدعَ كثيرًا من الناس ولا سيما الشباب الذين يذهبون إلى بلاد الكفر والذين يشاهدون ما يشاهدون من أنواع الفسق والفجور حتى هانَ عليهم الدِّين وهانَ عليهم ما كان أسلالفهم الصالحة .
أيها المسلمون، إن ترك الصلاة كفرٌ مخرج عن الملّة كما قال الله عزَّ وجل: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11]، ومفهوم الآية الكريمة: أنهم إن لم يفعلوا ذلك فليسوا إخوانًا لنا في الدِّين، والأخوّة في الدِّين لا تنتفي إلا بالكفر؛ ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما صَحَّ عنه: «بين الرَّجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»(10)، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا حظّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاة»(11) و«حظ» نكرةٌ في سياق النفي العام، فلا حظّ من قليل ولا كثير في الإسلام لِمَن ترك الصلاة، هذا ما يدل عليه كتاب الله وسنَّة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وإذا كفر المسلم بعد إسلامه صار مرتدًّا يجب قتله إلا أن يتوب ويترتَّب على ردَّته أحكام دنيويَّة وأحكام أخرويَّة، أما الأحكام الدنيويَّة فإن مَن كفر فإن زوجته ينفسخ نكاحها منه ولا تَحِل له حتى يرجع إلى الإسلام ويصلي، فلا يحل له النظر إلى زوجته ولا مباشرتها ولا جِماعها ولا يَحِل لنا أن نأكل ذبَحه .
فتصورا أيها المسلمون، يذبح اليهودي أو النصراني فنأكلها لقول الله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5]، ويذبح تاركُ الصلاة الذبيحة فلا نأكلها؛ لأنها ميتة فلا تَحِل .
أيها المسلمون، وإذا مات تاركُ الصلاة على تركها فإنه لا يُصلّى عليه ولا يُدعى له ولا يُدفن مع المسلمين ولا يَحِل لأحد من أقاربه أن يرث شيئًا من ماله بل يكون ماله في بيت مال المسلمين للدولة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ»(12) .
هذه أحكام الدنيا في تارك الصلاة أما أحكام الآخرة فإن تارك الصلاة كما جاء به الحديث «يُحشر مع فرعون وهامان وقارون وأُبيّ بن خلف»(ث1)رؤساء الكفر ويُخلّد في النار، وهذه الأحكام كلّها ترتفع إذا رجع الإنسان إلى الإسلام وتابَ إلى ربه وأقام الصلاة .
أيها المسلمون، كُنَّا نتكلم في كل يوم عيد بِما يناسب من المشاكل الاجتماعية وإننا قبل سنتين تكلّمنا عن حكم تارك الصلاة وتكلّمنا أيضًا عن هؤلاء الذين يَجلبون اليهود والنصارى والوثنيين إلى جزيرة العرب وبيَّنا أن هؤلاء مخالفون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْرجوا المشركين من جزيرة العرب»(13)، هكذا قال صلى الله عليه وسلم، عهِدَ به إلى أمته وهو في مرض موته، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَخْرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب»(14)، فجزيرةُ العرب – أيها المسلمون – ليست كغيرها من بلدان الإسلام؛ لأنها مهدُ الإسلام ومنها خرج الإسلام وإليها يعود الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليأزِرُ إلى المدينة كما تأزِرُ الحيَّة إلى جحرها»(15)، وإني أقرع على رؤوس هؤلاء، أقرع عليهم وأقرع رؤوسهم أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْرجوا المشركين من جزيرة العرب»(16)، وإنني أقول لهم: إن الله سائلكم يوم القيامة إذا وقفتم بين يديه ولم يكن عندكم مالٌ ينجيكم ولا ولد يفديكم، إنكم مسؤولون عن هذا الحديث الذي قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في مرض موته في آخر حياته يعهد به إلى أمته صلى الله عليه وسلم، فأعِدُّوا لأنفسكم جوابًا وأعدّوا لأقدامكم مرتقًى وإلا فما أدري ماذا يكون حالكم ؟
أما المشكلة التي هي موضوع بحثنا هذا العام فإنها مشكلة الزواج وهي مشكلة اجتماعية عامة وسنتناولها من وجوه أربعة:
أولاً: من جهة ارتفاع المهور هذا الارتفاع الفاحش الذي هو خلاف شريعة الله؛ فإن المشروع تقليل المهور وإن أعظم النكاح بركةً أيْسَرُه مؤونة .
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المواطنون، أَتُريدون أن يخرج شبابكم إلى بلاد أخرى يتزوّجون منها وحينئذٍ تحدث مشاكل ومشاكل ؟ رويدكم أيها الناس؛ إن ارتفاع المهور خلاف السنَّة وإن فيه مشاكل ومضارّ عديدة؛ ولهذا أدعوكم وأبدأ أولاً بولاة الأمور من الأمراء والعلماء والوجهاء والأعيان أن يكونوا قدوةً في هذا الأمر حتى يحلّوا هذه المشكلة العظيمة .
أما الأمر الثاني فهو: عزوف كثير من الشباب والشابات عن الزواج خصوصًا المتعلّمين منهم وهذا جهلٌ وخلافُ ما أمَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج»(17) .
إذن: ألا يجدر بكم – أيها الشباب – من ذكور وإناث أن تقولوا سمعنا وأطعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أَتُريدون أن تُذهبوا شبابكم بدون زواج حتى إذا بردت الشهوة فيكم وكبرت سنّكم ذهبتم تطلبون الزواج بعد فوات الأوان ؟
أما الأمر الثالث فهو: الإسراف في الولائم، ذلك الإسراف الذي هو وقوع فيما نهى الله عنه؛ فإن الله يقول: ﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31] .
أيها الناس، ما هذا الإسراف الذي نسمع به والذي قد نشاهده نحن في هذه الولائم، إن هذه الأطعمة وإن هذه اللحوم إنها ربما تُلقى في المزابل وربما تُلقى في البراري، مالٌ ضائع ووقوعٌ في الإسراف الذي نهى الله عنه .
فيا أيها الأغنياء، تذكَّروا حال الفقر السابقة وتذكَّروا حال الفقراء في بلاد المسلمين ولا تُذهبوا أموالكم فيما ينهى الله عنه ورسوله، اتّقوا الله تعالى في الإسراف واحذوره؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141] .
أما الأمر الرابع وما أدراك ما الأمر الرابع فهو: اتخاذ بعض الأولياء موليّاتهن بمنزلة السلعة، يزوجوهنّ حسب رغبتهم لا حسب ما تقضيه الأمانة ومصلحتهن؛ إن بعض الناس يحتكر بناته وأخواته ومَن له ولاية عليها من النساء حتى لا يزوّجها إلا إذا دُفع له مال يرضيه، وإنه لا يَحل للأب ولا لغيره أن يشترط لنفسه شيئًا من مهر المرأة؛ لأن المهر لها كما قال الله عزَّ وجل: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: 4]، فأضاف الصدقات وهي المهور إلى الزوجات لا إلى أوليائهن، فلا يَحل للأب ولا للأم من حضر وبدو أن يشترط لنفسه شيئًا من مهر المرأة؛ فإن ذلك حرام عليه ولكن المرأة إذا ملكته فلها أن تُكرم به أو منه مَن شاءت من أبيها أو أخيها أو أحدًا من أقاربها .
أيها المسلمون، وإن بعض الناس يحتكر ابنته: يخطبها الكفؤ ولكنه يمنع: هذه صغيرة، هذه قد فاتت وهو كاذب في هذا ولكنه قد لا يرضى الرجل الخاطب لغرض شخصي بينه وبينه وهذا حرام عليه ولا يَحل له .
أيها المسلمون، إني أقُصُّ عليكم قصّة ولو أطلت عليكم فالأمر مهم: سمعت أن أحدًا من الناس عنده ثلاث بنات وكانت الكبيرة منهنّ تُخطب ولكنه يمنعها، فأراد الله – عزَّ وجل – فمُرضت الكبيرة وحضرها الموت فكانت في سياق الموت توصي مَن حولها وتقول: قولوا لأبي حسبي الله عليه؛ حيث منعني شبابي ومنعني شهوتي وإني واقفة بين يدي الله أنا وهو فلْيعدّ لنفسه جوابًا أو كما قالت، أفلا تخافون أن تكون هذه عاقبة بناتكم إذا منعتموهنّ ؟ فاتّقوا الله عباد الله .
ولا يَحل للرّجل كذلك أن يُجبر ابنته على زواج مَن لا تريد النكاح به؛ لأن ذلك محرّم عليه سواء كان الأب أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تُنكح البِكر حتى تستأذن»(18)، وفي رواية لمسلم: «والبِكر يستأمرها أبوها»(19) .
فاتّقوا الله عباد الله، تمسّكوا بدينكم واعتصموا به واحذورا كيد أعدائكم ومكرهم ولا ﴿تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: 33] .
وإني مواصل معكم في الخطبة الثانية نرجو الله تعالى أن ينفعنا جميعًا بِما سمعنا .
فأما بعد:
أيها الناس، اتّقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام واسألوه قبول ذلك فإنما المعوّل على القبول، واعملوا – أيها المسلمون – أنه وإن كان شهركم ناقص العدد فهو كامل الأجر؛ لأن الله إنما فرض عليكم صوم الشهر وقد صمتموه ولله الحمد، وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «شهرا عيدٍ لا ينقصان: رمضان وذو الحجة»(20) .
أيها المسلمون، إنكم تجتمعون في هذا المكان على طبقات مختلفة ما بين صغير وكبير وغنيّ وفقير وذكَر وأنثى فتذكّروا بهذا الاجتماع والاختلاف اجتماعكم يوم الجمع الأكبر – يوم القيامة – فذلك واللهِ يوم التغابن، ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: 21] .
تذكَّروا – أيها المسلمون – يوم يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الداعي وينفذهم البصر حافية أقدامهم عارية أجسامهم ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 2]، يوم توضع الموازين ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[المؤمنون: 102] .
أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يجعلني وإياكم من هؤلاء .
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ [المؤمنون: 103]، أعوذ بالله منها، أسأله تعالى أن يعيذني وإياكم منها .
تذكّروا يوم يُنصب الصراط على نار جهنم فتمرّون عليه على قدر أعمالكم فمُسلّم ناجٍ ومُكَرْدسٌ في نار جهنم، مَن كان مستقيمًا في هذه الدنيا على دين الله كان مستقيمًا يوم القيامة على الصراط، ومَن كان منحرفًا وزائغًا في هذه الدنيا زلّت به قدمه على الصراط يوم القيامة .
أيها المسلمون، إنكم بعد اجتماعكم هنا سوف تتفرّقون إلى منازلكم فتذكّروا بذلك تفرّق الناس من المجتمع العظيم يوم القيامة، ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ[الروم: 14-16]، ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان: 24] .
أيها المسلمون، تذكَّروا ذلك واعملوا ما ينجيكم في ذلك اليوم .
اللهُ أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – «أنه إذا خرجَ صلاة العيد من طريق رجع من طريق أخرى»(21)لتظهر بذلك شعائر العيد فاتّبعوه في ذلك فإنه بكم أجدر وأحرى .
ولا بأس أن يهنئ الناس بعضهم بعضًا بالعيد؛ لأنه فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ ولأن التهنئة بالعيد تجلب المودّة والألفة ويحصل بها التزاور والمودّة ولكنْ لا يهنئ الرجل المرأة إلا أن تكون من محارمه فإن بدأته هي بالتهنئة وهي من معارفه فلا بأس أن يردّ عليها إذا لم يحصل بذلك خلْوة بها أو فتنة .
ولا يصافح الرجل المرأة إلا أن تكون من محارمه؛ وإن كثيرًا من الناس يصافح المرأة مَن ليس من محرمها لكونه ابن عمّها أو ابن خالها أو أخا زوجها أو ما أشبه ذلك وهذا حرام عليهم سواء كانوا من الحاضرة أو من البدو لا فرق في ذلك، فلا يجوز لامرأة أن تصافح أحدًا بيدها مباشرة إلا أن يكون من محارمها، أما إذا كان من وراء حائل فإنه لا بأس به إذا لم تُخشَ الفتنة، ولا يقبّل الإنسان امرأة على فمِها إلا أن تكون زوجته، أما إذا كانت ليست زوجةً له ولكنّها من محارمه فلا بأس أن يقبّل رأسها وجبهتها، أما إذا كانت ليست زوجته ولكنها من محارمه كأمه وأخته فلا بأس أن يقبِّل رأسها وجَبْهَتِها .
وأما زيارة القبور باسم المعايدة فإنه بدعة لا أعلم له أصلاً في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يتقصَّد الخروج إلى المقبرة يوم العيد ولا أمر به وإنما أمر بزيارتها أمرًا عامًّا في كل وقت، وكان يزورها كلما سنحت له الفرصة وربما زارها في الليل .
وكان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وكمال تعليمه وتبليغه أنه إذا فرغ من خطبة الرجال يوم العيد توجَّه إلى النساء فوعظهن وخوّفهن .
ولنعم النساء نساء الصحابة رضي الله عنهم، وعظهن ذات يوم وحثَّهن على الصدقة، وكان معه بلال رضي الله عنه، فجعلن يُلقين في ثوب بلال من حُليِّهن، تُلقي المرأة خاتمها، والمرأة تُلقي قرطها وخُرَصها، والمرأة تُلقي قلادتها، والمرأة تُلقي سوارها كما في صحيح البخاري .
فيا إماء الله، إنني أتوجه إليكن كما توجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى النساء، أتبعه في ذلك إن شاء الله، وأرجو الله تعالى أن نكون جميعًا لربنا مُخلصين، ولنبيِّنا متَّبعين، وبهديه من المتمسكين .
يا إماء الله، اتَّقينَ الله واحفظنَ حدوده، وقمنَ بما أوجب الله عليكن من شرائع دينه، أقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، أكثرن من الصدقة؛ فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، اِلْزَمْنَ بيوتكن ولا تخرجن إلا لحاجة؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «بيوتهن خير لهن»(22)، وإذا خرجتن للسوق لا تخرجن متبرجات بزينة ولا متطيبات فقد قال الله تعالى لأمهات المؤمنين وهنَّ القدوة: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، وقال في القواعد من النساء وهن العجائز اللاتي يئسن من النكاح لكبرهن وعدم الرغبة فيهن، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ [النور: 60]، هكذا يقول سبحانه في حق العجائز اللاتي لا يرجون نكاحًا، فما بالكن بِمَن تتبرَّج بالزينة وهي محل الفتنة والرغبة من الشوَّاب ؟
ولقد قال سبحانه: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، فهل يُعقل أن ينهى الله سبحانه المرأةَ أن تضرب برجلها خوفًا من أن يسمع خلخالها الذي لا يرى ثم تسمح لنفسها أن تبدي ذراعيها بما عليهما من الساعة والحلي ؟ هل يُعقل أن ينهى الله سبحانه المرأة أن تضرب برجلها خوفًا من أن يعلم خلخالها الذي لا يرى ثم تسمح لنفسها أن تكشف عن ثيابها الجميلة التي تحت عباءتها ؟ هل يعقل هذا أيها المسلمون؟
إن ربكم الذي ينهى أن تضرب المرأة برجلها خوفًا من أن يعلم ما تخفي من زينتها إنما ينهاها عن ذلك وعمَّا هو مثله أو أشد فتنة، وإخراج المرأة ذراعيها المملوءين بالحلي أشد فتنة، ورفع المرأة عباءتها لتخرج ثيابها الجميلة أشد فتنة وأعظم تبرّجًا .
فيا إماء الله، ويا نساء المسلمات، لا تنخدعن ولا تغركن الحياة الدنيا، وإياكن ومزاحمة الرجال والاختلاط بهم؛ فإن ذلك من أسباب الفتنة التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد أشار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رغبة الإسلام في ابتعاد المرأة عن مزاحمة الرجال والاختلاط بهم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صفوفِ النساءِ آخرها وشرُّها أولها»(23)؛ وذلك لأن آخرها أبعد عن الرجال وأولها أقرب إليهم، فكلما ابتعدت المرأة عن الرجال حتى في أماكن العبادة فهو خير لها .
أيتها النساء، إن بعضًا من النساء يصلْنَ رؤوسهن بشيء وقد زجر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تصل المرأة بشعرها شيئًا، ولعن الواصلة والمستوصلة، وإن بعضًا من النساء تجمع شعر رأسها فوقه حتى يكون كسنام البعير، وهذا حرام؛ لأنه من فعل نساء أهل النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد» – وذكر صنفًا – ثم قال: «ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها»(24).
فاتّقينَ الله – أيتها النساء – والتزمنَ حدود الله وحافظنَ على تربية بناتكن على الشيمة والحياء؛ فإن الحياء من الدين .
ويا أيها الرجال، أنتم قوامون على النساء والمسؤولون عنهن، قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته»(25)، فأَلْزِمُوهن بأحكام الإسلام بالحجاب والحشمة والبعد عن محلات الفتن؛ فإنكم مسؤولون أمام الله وأمام التاريخ، فإذا أهمل الرجل أهله وأهمل الثاني أهله وأهمل الثالث والرابع فسَدَ المجتمع كله؛ لأن المجتمع هو الأفراد، فإذا صلح الأفراد صلح المجتمع، فأصلحوا أنفسكم وأصْلحوا أهليكم، ولا تنخدعوا بما يُزَيِّنه أعداؤكم في قلوبكم .
أيها المسلمون، إن مكاننا هذا مكان دعاء وخير، وإنني داعٍ فأَمِّنوا بقلوب حاضرة ونفوس راجية .
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله، الأحد الصمد، الحي القيوم، الجواد الكريم، أن تجود علينا بالقبول والصلاح والإصلاح، وأن تجعلنا في يومنا هذا من الفائزين المفلحين، نفوز بجائزتك، ونفلح برضوانك .
اللهم أتْمِم علينا نعمتك بالتمسك بدين الإسلام، والاقتداء بنبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم الرسل الكرام .
اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا مِمَّن يحشرون إليك وفدًا، ويفوزون بصحبة نبيهم في دار النعيم، وينعمون بالنظر إلى وجهك الكريم، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وصلِّ الله وسلّم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



——————–
(1) أخرجه أبو داوود في سننه رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: زكاة الفطر، رقم [1371]، وأخرجه ابن ماجه -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: صدقة الفطر، رقم [1817] ت ط ع .
(2) سبق تخريجه في الحديث الأول في نفس الصفحة .
(3) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: فرض صدقة الفطر، رقم [1407]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، رقم [1635] .
(4) أخرجه النسائي رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الزكاة] باب: فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة، رقم [2462] [2466]، وأخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الزكاة] باب: ما جاء في صدقة الفطر، رقم [609] .
(5) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الأقضية] باب: نقص الأحكام الباطلة ورَدُّ محدثات الأمور، رقم [3243] .
(6) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الإيمان] باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان، رقم [37]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم [1268] ت ط ع .
(7) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الصوم] باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان، رقم [36]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [صلاة المسافرين وقصرها] باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم [1266] ت ط ع .
(8) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الصوم] باب: مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيَّته، قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يبعثون على نياتهم» رقم [1768]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- سابقًا في نفس الصفحة في حديث رقم [6] ت ط ع .
(9) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه مطولاً، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في كتاب [بدء الوحي] باب: بدء الوحي، رقم [6] ت ط ع .
(10) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الإيمان] باب: بيان إطلاق اسم الكفر على مَن ترك الصلاة، رقم [116-117] ت ط ع .
(11) أخرجه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في [الموطأ]، من حديث أمير المؤمنين أبي حفص -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الطهارة] باب: العمل فيمن عليه الدم من جرح أو رعاف، رقم [74] ت ط ع .
(12) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الفرائض] باب: لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا إرث له، رقم [6267]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الفرائض] رقم [3027] ت ط ع .
(13) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الجهاد والسير] باب: يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم، رقم [2825]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الوصية] باب: ترك الوصية لِمَن ليس له شيء يوصي فيه، رقم [3089] ت ط ع .
(14) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد والسير] باب: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، رقم [3313]، وأخرجه البزار -رحمه الله تعالى- في مسنده في الجزء [1] في الصفحة [349] [230] واللفظ له، ت م ش .

(15) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الحج] باب: الإيمان يأزر إلى المدينة، رقم [1743]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الإيمان] باب: بيان أن الإسلام يبدأ غريبًا وسيعود غريبًا وأنه يأزر بين المسجدين، رقم [210] ت ط ع .
(16) سبق تخريجه في الحديث رقم [14] .
(17) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [النكاح] باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج» وهل يتزوج مَن لا إرب له في النكاح، رقم [4677]، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [النكاح] باب: استحباب النكاح لِمَن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونة واشتغال من عجز عن المؤونة بالصوم، رقم [2485] [2486] ت ط ع .
(18) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [النكاح] باب: لا ينكح الأب وغيره البكر ولا الثيب إلا برضاها، رقم [4741]، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب [النكاح] باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبِكر بالسكوت، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم [2546] ت ط ع .
(19) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [النكاح] باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبِكر بالسكوت، رقم [2546]، وأخرجه النسائي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [النكاح] باب: استئمار البِكر في نفسها، رقم [3212] ت ط ع .
(20) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الصوم] باب: «شهرا عيد لا ينقصان»، رقم [1779] ت ط ع .
(21) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم [5612] ت ط ع .
(22) جزء من حديث أخرجه أبو داوود، رقم [567]، وأحمد برقم [2/76]، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
(23) أخرجه مسلم، رقم [440] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(24) أخرجه مسلم، رقم [2128] من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
(25) أخرجه أحمد، رقم [2/5]، والبخاري برقم [893]، ومسلم برقم [1829]، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما .
(ث1) انظر إلى هذا الأثر في [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد] للهيثمي رحمه الله تعالى، الجزء [2] في الصفحة [21] [1611]، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، ت م ش .




بارك الله فيكم و نفع بكم




بارك الله فيك و جزاك ألف خير

و عيد سعيد على الجميع




وفيكم بارك الله
تقبل الله منا ومنكم صالح لأعمال




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

حكم التمسح بحيطان الكعبة وفي كسوتها، وبالمقام والحجر

السؤال : ما حكم التمسح بحيطان الكعبة وفي كسوتها، وبالمقام والحجر؟



الجواب : بدعة، كله بدعة لا يجوز؛ لأن الرسول ما فعل ذلك، ويقول الرسول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ويقول رسول – صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ويقول: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، وإذا قصد أن التمسح بالجدار أو بالكسوة يحصل له البركة من نفس الكسوة أو من الجدار؛ شرك أكبر، أما إذا ظن أنها مباركة وأن الله شرع هذا، يحسب أن شرع هذا، مشروع أنه يقبل هذا الجدار أو الكسوة؛ فهذه بدعة تصير بدعة، أما إذا فعله يطلب البركة شركٌ أكبر نسأل الله العافية، إنما يشرع تقبيل الحجر الأسود، يقبل الحجر يستلمه يقبله، هذا سنه فعله النبي – صلى الله عليه وسلم-، وهكذا الركن اليماني يستلمه بيده ويقول: بسم الله والله أكبر ولا يقبله، لما قبل عمر – رضي الله عنه – الحجر قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم- ما قبلتك)، فنحن نقبله تأسياً بالنبي-صلى الله عليه وسلم-، ولا نطلب البركة من الحجر، إنما تأسياً بالنبي – صلى الله عليه وسلم-، واتباعاً له وعملاً بسنته، لقوله – صلى الله عليه وسلم-: (خذوا عني مناسككم)، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فنصلي كما صلّى ونحج كما حج عيه الصلاة والسلام، ولا نتمسح بمقام إبراهيم ولا بالجداران ولا بالشبابيك ولا بالكسوة كل هذا لا أصل له من البدعة، أما الملتزم .. هذه عبادة، جعل وجهه يُقصد الملتزم من الركن إلى الباب هذا عبادة لله، مو بطلب من الكعبة ولا تبرك بها بل خضوع لله عند الباب وهكذا في داخل الكعبة إذا طاف بنواحيها وكبر في نواحيها أو التزمها، جعل صدره عليها ويديه ودعا كما فعله النبي-صلى الله عليه وسلم-؛كل هذا لا بأس به، هذا من باب التعبد والتقرب إلى الله جل وعلا.




جزاكم الله خيرا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : التمسح بحيطان الكعبة غير الركنين اليمانيين وتقبيل شيء منها غير الحجر الأسود ليس بسنة، .. فعلم أن سائر المقامات لا تقصد للصلاة فيها كما لا يحج إلى سائر المشاهد ولا يتمسح بها ولا يقبل شيء من مقامات الأنبياء ولا المساجد ولا الصخرة ولا غيرها ولا يقبل ما على وجه الأرض إلا الحجر الأسود(مجموع الفتاوى 27/472)




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

أحكام الأضحية والزكاة-العثيمين

أحكام الأضحية والزكاة-العثيمين
http://www.4shared.com/document/fpYes9Po/__-.html




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

التذكير بصيام يوم عاشوراء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التذكير بصيام يوم عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فهذه ذكرى ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ جعلنا الله جميعا مؤمنين.

بصيام يوم عاشوراء

عن بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ، فقال: (ما هذا ؟) قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى. قال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ). فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". أخرجه البخاري ومسلم.

والأمر هنا ليس على الوجوب، اتفق العلماء أن صوم يوم عاشوراء اليوم ليس بواجب
للأحاديث التي جاءت بالتخيير في صيامه، منها:

عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قال يوم عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ على الْمِنْبَرِ: يا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ولم يَكْتُبْ الله عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وأنا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ). أخرجه البخاري ومسلم.

و عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عليه وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ فلما فُرِضَ رَمَضَانُ لم يَأْمُرْنَا ولم يَنْهَنَا ولم يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ". أخرجه مسلم.

و قد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء كما في الحديث:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( .. وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ). وفي رواية: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ ). أخرجه مسلم.

وممّا يؤكد ويزيد في الحث على صيام يوم عاشوراء الحديث:

عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ رضي الله عنها قالت: "أَرْسَلَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الْأَنْصَارِ التي حَوْلَ الْمَدِينَةِ(من كان أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كان أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ)، فَكُنَّا بَعْدَ ذلك نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهم إن شَاءَ الله وَنَذْهَبُ إلى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لهم اللُّعْبَةَ من الْعِهْنِ فإذا بَكَى أَحَدُهُمْ على الطَّعَامِ أعطيناهم إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ". أخرجه البخاري و مسلم.

والسّنة في صياميوم عاشوراء أن يُصام التاسع والعاشر وهو الأفضل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم لما جاء في الحديث:

عن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال. قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ). أخرجه مسلم.

ويوضح هذا الحديث ويبين مقصود النبي صلى الله عليه وسلم مه؛ أثر ابن عباس.
عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود" أخرجه الترمذي، والبيهقي. وسنده صحيح موقوفا.

ولهذا نص الإمام أحمد على مثل ما رواه ابن عباس وأفتى به.
فقال في رواية الأثرم أنا أذهب في يوم عاشوراء إلى أن يصام يوم التاسع والعاشر لحديث ابن عباس.
وقال حرب سألت أحمد عن صوم يوم عاشوراء فقال نصوم التاسع والعاشر.
قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم": ومقتضى كلام أحمد أنه يكره الاقتصار على العاشر لأنه سئل عنه فأفتى بصوم يومين وأمر بذلك وجعل هذا هو السنة لمن أراد صوم عاشوراء واتبع في ذلك حديث ابن عباس وابن عباس كان يكره إفراد العاشر على ما هو مشهور عنه.

…………… تنبيه ……………
حديث:

محَمّد بْنُ أَبِى لَيْلَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا). أخرجه أحمد، وابن خزيمة، والبيهقي.
إسناده ضعيف لسوء حفظ بن أبي ليلى، وخالفه عطاء في أثر ابن عباس المتقدم الموقوف. قاله الألباني بتصريف في صحيح ابن خزيمة.
فاللهَ اسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يوفقنا إلى طاعته سبحانه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ,,,,,,,,,

كتبه
أبو فريحان
جمال بن فريحان الحارثي

المصدر




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

معاني التوحيد في التلبية بالحج للشيخ عبد الرزاق البدر

معاني التوحيد في التلبية بالحج

إن أوّل ما يبدأ به المسلم من أعمال حجّه هو الإهلال بالتوحيد ، معلنا من خلال كلمات التلبية العظيمة توحيده لله وحده ونبذه للشرك والتنديد، ثم يمضي راشدا إلى البيت العتيق يردِّدُ تلك الكلمات "لبيك اللهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وهو عالم بما دلّت عليه من الإخلاص والتوحيد ووجوب إفرادِ الله وحده بالعبادةِ والبعدِ عن اتخاذِ الشركاء مع الله ، مستشعرٌ لذلك مستحضرٌ له ، مقرٌّ بأنَّ ربَّه سبحانه المتفردَ بالنِّعمة والعطاء والهبة والنَّعماء لا شريك له هو المتفرِّد بالتوحيد لا ندَّ له ؛ ولذا فإنَّ الملبي بهذه الكلمات حقّاً وصدقاً لا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يتوكّل إلا على الله، ولا يذبح ولا ينذر إلا لله ولا يصرف شيئًا من العبادة إلا لله .
وهذا أصل عظيم وأساس متين يجب أن تبنى عليه كلُّ طاعة يتقرب بها العبدُ إلى الله عزّ وجل ، الحجُّ وغيره ولذا قال الله تعالى في سورة الحج {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [ الحج 27، 31 ].
فحذّر سبحانه في هذا السياق المبارك من الشرك وأمر باجتنابه وبيَّن قبحَه وسوءَ عاقبته ، وأنَّ فاعله كأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الرِّيح في مكان سحيق .
ولذا فإن نعمة الله علينا ـ أمّة الإسلام ـ عظيمة ومنته كبيرة أن هدانا لتوحيده ، ووفقنا لهذا الإهلال العظيم بالإخلاص والتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد ، بعد أن كان أهل الشرك يُهلُّون باتخاذ الأنداد والشركاء مع أنهم مقرّون بأن الخالق لهم هو الله وحده وأنه المالك لكل شيء ، وأنه وحده مولي النعمة ومسديها .
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ، ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه وهو يشرك به ، ألا ترى كيف قال إبراهيم: {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء 75، 77 ]. قد عرَف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون . قال : فليس أحد يشرك إلا وهو يؤمن به ، ألا ترى كيف كانت العرب تلبي ، تقول لبيك لا شريك له إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، المشركون كانوا يقولون هذا " روه ابن جرير الطبري في تفسيره .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك. قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلكم قد قد" (أي: تفي)، فيقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه ومن ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت " .
فهذه حال أهل الشرك والتنديد في تلبيتهم ، حيث يُدْخِلون مع الله في التلبية الشركاءَ والأندادَ ، ويجعلون ملكها بيده ويقرُّون بأنها لا تملك شيئا ، وهذا ضلال مبين ـ عافى الله أمّة الإسلام منه وهداهم إلى الإهلال بالتوحيد بتلك الكلمات النيِّرات " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " .
وقوله: "إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" متضمّن جملة من البراهين العظيمة على وجوب توحيد الله وإخلاص العبادة له ، والإقبال عليه وحده بالذل والخضوع ، والرغبة والرهبة والركوع والسجود، والخوف والرجاء وسائر أنواع العبادة، وتتلخص هذه البراهين في أمور خمسة:
الأول : أن الحمد كله لله سبحانه ، فهو تبارك وتعالى الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، المستحقّ لكل حمد ومحبة وثناء لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفات الجمال والجلال ، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال ، فهو المحمود على كل حال ، وهو سبحانه حميد من جميع الوجوه ، لأن جميع أسمائه حمد ، وصفاته حمد، وأفعاله حمد وأحكامه حمد ، وفضله وإحسانه إلى عباده حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمد ، ووجِد بحمده ، وظهر بحمده ، وكانت الغاية منه هي حمده، وقد نبَّه الله سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأن حمد نفسه في أول الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع ، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين ، وحمد نفسه على تفرده بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذ الولد والشريك إلى غير ذلك من أنواع ما حمد الله به نفسه في كتابه ، وكلُّ ذلك برهان جليٌّ على أنه وحده المعبود بحقٍّ ولا معبودَ بحقٍّ سواه {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[غافر65].
الثاني : أنّ النعمة كلها لله؛ لهذا عرَّفها باللام المفيدة للاستغراق أي: النّعمُ كلها لك يا الله أنت موليها ومسديها والمنعم بها {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } [ النحل 53] ونعمه سبحانه على عباده لا حصر لها ولا عد ؛ من جزيل المواهب ، وسعة العطايا، وكريم الأيادي ، وسعة رحمته لهم ، وبرّه ولطفه ، وإجابته لدعوات المضطرين ، وكشف كربات المكروبين ، وإغاثة الملهوفين ، وأعظم ذلك هدايته خاصته من عبادة إلى سبيل دار السلام ، ومدافعته عنهم أحسن الدفاع ، إلى غير ذلك من نعمه وعطاياه . أفيليق بأن يُجعل مع من هذا فضله ومنّه شريكٌ { وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ، وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 51، 56].
الثالث : أن الملك كله لله ، لا مالك إلا هو ، وجميع الأشياء هو المالك لها ، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة ، وفي هذا إثبات لكمال قوّته وعزّته وقدرته، وأنّ علمه محيط بكل شيء وأن مشيئته نافذة ، وقدرته شاملة ، وحكمته واسعة، وأنّ له الحكم العام للعالم العلوي والسفلي ، والحكم العام في الدنيا والآخرة، وأنه المتصرِّف في ملكه بما يشاء تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم حكيم خبير تام الملك لا ينازعه في ملكه منازع ، ولا يعارضه فيه معارض ، وهذا من براهين وجوب توحيده كما قال سبحانه: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [الزمر6]، وقال سبحانه:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }[المؤمنون11] .
أما من سوى الله فلا يملك لنفسه نفعاً أو ضراً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً فضلا عن أن يملك شيئا من ذلك لغيره { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [المائدة76 ]، { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ } [سبأ22].
الرابع : أن هذه التلبية " متضمّنة للإخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عزّ وجل ، وهذا نوع آخر من الثناء عليه ، غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العليّة، فله سبحانه من أوصافه العلى نوعا ثناء : نوعٌ متعلّق بكل صفةٍ صفةٍ على انفرادها ، ونوعٌ متعلّق باجتماعها ، وهو كمال مع كمال وهو عامة الكمال، والله سبحانه يفرِّق في صفاته بين الملك والحمد ، وسوغ هذا المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال ، والملك وحده كمال ، والحمد كمال ، واقتران أحدهما بالآخر كمال ، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة، مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرّحمة ، مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الدّاعي إلي محبته، كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله ، وكان في ذكر العبد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبّها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قاله ابن القيم رحمه الله في كتابه تهذيب السنن ( 2/ 339 ).
الخامس: في قوله: "لا شريك له" وقد تكرّرت في التلبية مرَّتين، مرة عقب إجابته بقوله " لبيك "، ومرة عقب قوله: " إنّ الحمد والنعمة لك والملك " فالأول يتضمّن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدّعوة ، والثاني يتضمّن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك ، وإذا تقرّر أن الحمد كله من الله ، والنعمة كلها من الله، والملك كله له ، ليس له شريك في ذلك بوجه من الوجوه فليُفرد وحده بالتلبية والخضوع والمحبّة والانقياد والطاعة والإذعان. وكيف يُجعل مع الله شريكا في العبادة من لا يملك في هذا الكون من قطمير ، وليس له مع الله شركة في الملك، ولا يملك نفعاً ولا دفعاً ، وليس بيده عطاءٌ ولا منع تعالى الله عما يشركون ، بل إنّ الأمر كله لله لا شريك له وهذا من أبين ما يكون من دلالة على فساد الشرك، وأنّ أهله من أسفه الناس وأضلهم عن سواء السبيل .
فهذه خمسة دلائل عظيمة وبراهين جليلة على وجوب التوحيد والإخلاص اشتملت عليها كلمات التلبية وأرشدت إليها بوضوح وجلاء .
وقد قال الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم عندما وصف حجّة النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فأهلَّ بالتوحيد ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " فوصف رضي الله عنه هذا الإهلال بأنه إهلاك بالتوحيد لما تضمنته كلمات التلبية من تحقيق الإخلاص ونبذ الشرك وإقامة الحجة والبرهان على ذلك ، وفي هذا أيضا دلالة على أن هذه الكلمات ليست ألفاظاً مجرّدة لا تدلُّ على معان، بل لها معنى عظيم ، ومدلول جليل ، ألا وهو روح الدِّين وأساسه وأصله الذي عليه يبنى توحيد الله عزّ وجل .
ولهذا فإن الواجب على كل من أهلَّ بهذه الكلمات أن يعرف ما دلَّت عليه من معنى ، وأن يستحضر ما تضمّنته من دلالة وأن يحقِّق ذلك ، ليكون صادقا في إهلاله ، موافقاً كلامُه حقيقة حاله؛ بحيث يكون مستمسكاً بالتوحيد، محافظا عليه مراعيا لحقوقه، مجانبا لنواقضه وما يضاده من الشرك بالله ، حذِراً تمام الحذر من الوقوع فيه ، أو في شيء من أسبابه ووسائله وطرقه؛ إذ هو أعظم ذنب وأكبر جرم أجارنا الله جميعا من الشرك ، وحمانا من وسائله وذرائعه ورزقنا التوحيد والإخلاص ، إنه سبحانه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
منقول من الموقع الرسمي للشيخ عبد الرزاق البدر.
لا تنسونا من صالح دعائكم.





جزاك اللخ خير الجزاء

نسال الله ان يجعل عملك هذا في ميزان حسناتك وان يجعلك من العليين في جنة الخلد

تقبل مروري

اختكم هناء




بارك الله فيك.




بارك الله فيك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

نمادج من نعم الله في شهر رمضان

خطبة:
نمادج من نعم الله في شهر رمضان
للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان ، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، ونصر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ببدر ، وسماه يوم الفرقان ، وأعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان فيا له من عز ارتفع به صرح الإسلام ، واندك به بنيان الشرك والطغيان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الرحمن ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروه ، وأعانوه ، فنعم الأنصار هم ، ونعم الأعوان ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان ، وسلم تسليما .

أما بعد أيها الناس : اتقوا الله تعالى : واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعم وافرة سابغة خصوصا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان ، ففيه أنزل الله كتابه المبين رحمة للعالمين ، ونورا للمستضيئين ، وهدى للمتقين ، وعبرة للمعتبرين ، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من تمسك به نجا ، ومن طلب الهدى منه اهتدى ، ومن أعرض عنه وقع في الهلاك والردى ، فبؤسا للمعرضين الهالكين .

وفي هذا الشهر غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمان ، وهزم فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج أبي سفيان بعير قريش من الشام ، ندب أصحابه إلى تلك العير ، فخرجوا في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فقط لا يريدون إلا العير لا يريدون عدوهم ، ولكن الله بحكمته جمع بينهم على غير ميعاد ليقضي سبحانه ما حكم به ، وأراد ، فإن أبا سفيان لما علم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم بعث صارخا إلى أهل مكة يستنجدهم ليمنعوا عيرهم ، فخرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ، ويصدون عن سبيل الله يقول قائلهم : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا ، ونقيم فيها ثلاثا ننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمور ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا قالوا هذا ، ولكن الله بما يعملون محيط ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأنصاره حفيظ ، فأوحى الله إلى ملائكته : { أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا }{ الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوااللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } . فقيض الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أسباب النصر ما به انتصروا ، ولأعدائه وحربه كسروا ، فقتلوا من صناديد قريش وفريقا أسروا ، ورجع فل قريش مهزومين موتورين خائبين ، فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين .

وفي هذا الشهر المبارك فتح الله مكة البلد الأمين على يد خليله ونبيه محمد أفضل النبيين ، وطهرها من الأصنام والمشركين ، وذلك هو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ، ودخل به الناس في دين الله أفواجا ، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في عشرة آلاف من أصحابه لعشر مضين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة يريد غزو قريش حين نقضوا صلح الحديبية ، فدخل مكة مؤزرا منصورا على إحدى مجنبتيه حواريه الزبير بن العوام ، وعلى الآخرى سيف الله خالد بن الوليد ، فدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم خاضعا لربه مطأطئا رأسه تواضعا ، وتعظيما لله رب العالمين ، وركزت رايته بالحجون ، ثم نهض وأصحابه المهاجرون والأنصار بين يديه ، وخلفه ، وعن يمينه ، وشماله رضي الله عنهم ، فطاف بالبيت ، وكان على البيت وحوله ثلثمائة وستون صنما ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطعنها بقوس في يده ، ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" . فلما أكمل طوافه دخل الكعبة ، فرأى فيها الصور ، فأمر بها ، فمحيت ، ثم أخذ بباب الكعبة وقريش تحته ينتظرون ماذا يصنع ، ثم قال :

« لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم قال : يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم : كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء » .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على عباده بفرض الصيام ، وجعله أحد أركان الإسلام ، وجعل ثواب من صامه إيمانا وإحتسابا أن يكفر عنه ما تقدم من الآثام .
وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على العباد بمشروعية القيام ، فمن قامه إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . وفي هذا الشهر المبارك أنعم الله على هذه الأمة بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر من قامها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
وبركات هذا الشهر كثيرة وفيرة ، فاحمدوا الله على ما أنعم به عليكم فيه ، وإياكم أن تضيعوا فرص أيامه ولياليه ، فلو علمتم ما فيها لتمنيتم أن يكون السنة كلها .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .

الضياء اللامع من الخطب الجوامع
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله




نشكرك اختي على موضوع
بارك لله فيك





جزاكم الله خيرا ورحم الله الشيخ العثيمين ونفعنا بعلمه