التصنيفات
العقيدة الاسلامية

بيان عقيدة الألباني في الإيمان , والردّ على من رماه بأنه يقول بقول المرجئة !!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه , وبعد :

لا شك أن الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله هو عَلَم من أعلام علماء السنة في هذا العصر , وقد أطبقت كلمة العلماء بالثناء عليه وعلى عقيدته ومنهجه السلفي الصافي , ومعلوم لدى القاصي والداني أن أهل الأهواء والبدع تكالبوا على بغض هذا الشيخ الإمام لما له من أيادي بيضاء في نصرة الحق والسنة , والردّ على أهل البدع والمذمّة , فمنهم من رماه بالإرجاء ! , ومنهم من رماه بقول الجهم بن صفوان ! , وأرادوا أن ينالوا من مكانة هذا الإمام في قلوب أهل السنة ؛ حتى يستطيعوا بعدها أن يطعنوا في منهجه السلفي الصافي , ومن ثَمّ يتسنّى لهم إدخال أفكارهم وعقائدهم ومناهجهم الفاسدة على الشباب السلفي ويلبسونها لباس المنهج السلفي كذبا وعدوانا , واستخدموا في ذلك سلاح الجهل والتهويل والزور والبهتان.

ثم ظهرت فئة من الناس هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا , وينتسبون إلى المنهج السلفي ؛ ثم يرمون هذا الإمام السلفي بأنه يقول في الإيمان بقول المرجئة !! , ثم يزعمون أنهم لا يطعنون فيه (!) , وإنّما يرمونه بقول المرجئة بيانا للحق ونصرة لأهله ! , وعزاؤنا الوحيد أنه ليس فيهم عالم واحد ! ؛ وإنما أحسنهم وأفضلهم حالا , هو طالب علم ! كنا نُحسّن به الظن , وما زلنا نحاول إحسان الظن بهم حتى هذه اللحظة , وإن كانوا هم لا يدَعُون لنا مجالا لذلك ! , ويتمادون في رمي هذا الإمام بما هو منه براء , ويصرّحون بذلك ويفتخرون به !.

فأحببت أن أكتب هذه الكلمة ؛ بيانا لعقيدة الإمام الألباني رحمه الله , ونصرة للحق وأهله , وردّا على الطاعنين في عقيدته , وأيضا أحببت أن أوضح حقيقة مذهب سلفنا الصالح في الإيمان , فقد التبس أمره – بسبب هذه الفتنة – على كثير من العوام , فصارت عقيدتهم في الإيمان أضغاث أحلام ! , وضل بسبب ذلك فئام , ومنهم من حاول الدفاع عن الألباني الإمام , فوقع – خطئا – في عقيدة المُرجئة اللئام ! .

أسأل الله الكبير المتعال , أن يلهمني الصواب في هذا المقال , وأن يجعله من حسناتي الخالصة في ميزان الأعمال.

وتضمنت هذه المقالة ما يلي :

المبحث الأول : بيان عقيدة الألباني رحمه الله في الإيمان من صريح أقواله وكتاباته , وإظهار موافقتها لعقيدة سلفنا الصالح.

المبحث الثاني : بيان مقصود العلماء المتأخرين والمعاصرين من لفظة ( تارك جنس العمل ) , أو قولهم ( تارك العمل بالكلية ) , ونقل إجماع السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على كفر من ترك العمل بالكليّة.

المبحث الثالث : بيان مقصود الألباني رحمه الله من بعض إطلاقاته وأنها من الخطأ (اللفظي) لا (العقدي) , وذكر من سبقه إلى بعض هذه الإطلاقات من العلماء سلفا وخلفا , مع بيان أن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله.

المبحث الأول

بيان عقيدة الألباني رحمه الله في الإيمان من صريح أقواله وكتاباته , وإظهار موافقته لعقيدة سلفنا الصالح

يعرف صغار طلبة العلم أن الألباني رحمه الله قد قام بتحقيق وإخراج رسائل و كتب كثيرة في الإيمان على عقيدة سلفنا الصالح منذ سنوات طويلة تزيد على العشرين عاما , ومن ذلك كتاب الإيمان لابن أبي شيبة ، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام , وكتاب شرح الطحاوية لابن أبي العز , وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية , والناظر في هذه التحقيقات العلمية الفريدة وتعليقاته عليها, يرى – وبجلاء – موافقة الإمام الألباني رحمه الله لعقيدة السلف الصالح في الإيمان جملة وتفصيلا , ويكفي الباحث المنصف أن يقرأ ردوده على المرجئة المتقدمين منهم والمعاصرين كأبي غدة عبد الفتاح والكوثري , وهؤلاء هم جبال الإرجاء في هذا العصر من الذابّين عن خبث معتقده , والداعين لضلاله , فدكّ هذا الأسد الألباني حصونهم دكّا , ونسف شبهاتهم الإرجائية نسفا , وتركها قاعا صفصفا , ثم يأتي شباب آخر الزمان , فيرمون هذا الإمام بالإرجاء ! ، أو يرمونه بقول المرجئة !! ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بيان عقيدة الألباني في الإيمان


قال الشيخ الألباني رحمه الله :


« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ! ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح…».اهـ

انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).

وقال أيضا الألباني -رحمه الله-

((قال الله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، هذه الباء هنا سببيه يعني بسبب عملكم الصالح، وأعظم الأعمال الصالحة هو الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ سأله رجل عن أفضل الأعمال.
قال: إيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان عمل قلبي مُشْ كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة لـه بالعمل!!!، لا، الإيمان:
أولًا: لابد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله ؛ ثم لابد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب، أن يظهر ذلك على البدن والجوارح لذلك فقوله تبارك وتعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني…)).اﻫ.


"الوجه الثاني" من الشريط (11) من "سلسلة الهدى والنور"

وقال الشيخ الألباني رحمه الله وهو يناقش رجلا يزعم أن الإيمان يزيد ولكن لا ينقص !!، فقال رحمه الله:

" أنا لازال أقول : أن هناك ارتباط وثيق جداً بين قلب المؤمن وجسده , وأقول عادة كلمة ما اُلهمت أن أقولها وسا استدركها على نفسي , كما أن صلاح القلب من الناحية المادية له ارتباط بصلاح البدن , فإنني لا أستطيع ان أتصور رجلاً مريض القلب ويكون صحيح البدن !، لا أستطيع ان أتصور هذا .
كذلك الأمر تماما فيما يتعلق بالناحية الإيمانية , لا أستطيع أن أتصور مؤمناً وقد كان كافراً , ثم آمن بالله ورسوله حقاً , مستحيل أن أتصور أنه سيبقى كما كان! .
وأظن أنك وافقت معي , لكن قلت مش ضروري – يقصد أن يكون التغير كلياً – كما اضفت على لساني سهواً منك ( كلياً ) أنا ما قلت ( كلياً ) والسبب أن الإيمان كما قلنا يزيد وينقص , ولا أستطيع أن أتصور إنساناً كامل الإيمان بعد المعصوم , ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكنني أتصور ناس يتفاوتون في الإيمان , فكلما قوي إيمان أحدهم , كلما قويت الأثار الصالحة الظاهرة في بدنه , وكلما ضعف هذا الإيمان أو قلّت قوته على الأقل كلما كان الظاهر في بدنه قليلاً أيضاً ….
ولن تجد وسيلة لتخرج من هذا المأزق إلا أن تقول برأي أهل السنة والجماعة : " الإيمان قول وعمل , يزيد وينقص " ، يصل لدرجة إذا نقص ذهب , وليس كل ناقص معناه ذهب
" . اهـ

شريط رقم 446 من سلسلة الهدى والنور عند الدقيقة 04:34 وما بعدها، نقلا عن أخينا النهدي وفقه الله

وقال الإمام الألباني رحمه الله في الشريط رقم 856 من سلسلة الهدى والنور الدقيقة 7:00 تقريبا وما بعدها :

« أن أنواع الكفر ستة أنواع : تكذيب وجحود وعناد وإعراض ونفاق وشك ، أن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده , بل وبالاعتقاد والقول والعمل , وأن المرجئة هم الذين حصروا الكفر في التكذيب بالقلب وذهبوا إلى أن : كل من كفّره الشارع , فإنما كفّره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى ». اهـ رحمه الله

وقال الإمام الألباني رحمه الله كما في "الوجه الأول" من شريط "الفرقة الناجية":

((كما نسمع ذلك في كثير من الأحيان من بعض الشباب الذين لم يربوا تربية إسلامية، وأخلّوا بكثير من الأركان الشرعية كالصلاة مثلًا، إذا قيل لهم: يا أخي لِـمَ ما تصلي؟ يقول لك: العبرة بما في القلب، كأنه يقول أو كأنه يتصور: أنه من الممكن أن يكون القلب صالحًا، وصحيحًا، وسليمًا، أما الجسد فلا يتجاوب مع الأحكام الشرعية!!! ؛ هذا أمر باطل تمام البطلان، فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة، ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن)).اﻫ.

وقال الإمام الألباني رحمه الله كما في ( الدرر المتلألئة ) ، وهو ينتقد بعض المواضع من كتاب "ظاهرة الإرجاء" لسفر الحوالي -هداه الله- صحيفة رقم 127 :

((قال (د. سفرٌ الحوالي في (ص161): (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار، ومن تركها في أكثر أحيانه ؛ فهو إليهم أقرب، وحاله بهم أشبه, ومن كان يصلي أحيانًا ويدع أحيانًا فهو متردد متذبذب بين الكفر والإيمان, والعبرة بالخاتمة.
وترك المحافظة…. غير الترك الكلي الذي هو الكفر)).اﻫ.

فقال الإمام الألباني: ((وهذا التفصيلُ نراه جيدًا ؛ ولكن: هل علة الكفر في هذه الحالة هو التـرك لأنه ترك؟ أم لأنه يدل بظاهره على العناد، والاستكبار ؛ وهو الكفر القلبي؟ هذا هو الظاهر، وهو مناط الحكم بالكفر, وليس مجرد الترك, وهو معنى ما كنت نقلته في رسالتي عن ابن تيمية (ص44-46), وهو المُصرّ على الترك -مع قيام الداعي على الفعل -كما فصلته هناك-؛ فراجعه، فكلام المؤلف لا يخرج عنه؛ بل يبيّنه ويوضحه)).اﻫ.

قلت ( أبو عبد العظيم ) : إذا كان الشيخ يعلق على من قال : (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار….وترك المحافظة…. غير الترك الكلي الذي هو الكفر) قائلا : (( وهذا التفصيلُ نراه جيدًا )) ، فما بالكم بـــ (الترك الكلّي) لكلّ العمل وليس الصلاة فقط ، ماذا يقول فيه الإمام يا تُرى ؟! ، أترك الإجابة لعقلاء أهل السنة …

وقال الألباني رحمه الله ردّا على أبي غدة كما في شرح الطحاوية :

" المسألة الخامسة : يقول الإمام تبعا للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهوية وسائر أهل الحديث وأهل المدينة :
(( إن الإيمان هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان ، وقالوا يزيد وينقص ))
وشيخك تعصبا لأبي حنيفة يخالفهم ! مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم ، بل ويغمزهم جميعا مشيرا إليهم بقوله في"التأنيب" (ص:44-45) إلى "أناس صالحون"يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه، وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم ،ثم يقول:إن الإيمان الكلمة !! ، وأنه الحق الصراح .
وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون (!) هم عنده على الباطل في قولهم :بأن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص …." إلى أن قال صفحة 58 : " والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصوّر للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي ، يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركنا أصليا ثم يتناسى أنهم يقولون : بأنه يزيد وينقص , وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقا، بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفّرة عندهم :"وبقوله الإيمان يزيد وينقص" كما في "البحر الرائق" – "باب أحكام المرتدين" فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدين !! , راجع شرح الطحاوية (ص:338-360)، والتنكيل (2/362-373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة .
وليعلم القارئ الكريم أن أقلّ ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم – ولو كان فاسقا فاجراً – : " أنا مؤمن حقا " ، ينافي مهما تكلفوا في التأويل – التأدّب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }[الأنفال:2-4[
فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المُتعصبة ، من هو المؤمن حقا عند الله تعالى؟ ، ومن هو المؤمن حقا عند هؤلاء ؟!!"

انتهى كلام الألباني رحمه الله تعالى.

وقال-رحمه الله- في السلسلة الصحيحة المجلد السابع (القسم الأول /153-15) : « مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية ،فأقول ( الألباني ) : الإيمان يزيد وينقص، وإن الأعمال الصالحة من الإيمان وإنه يجوز الاستثناء فيه خلافا للمرجئة ، ومع ذلك رماني بالإرجاء أكثر من مرة ! فقابلت بذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها …) فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة !!»

انتهى كلام الألباني رحمه الله

وقال الألباني رحمه الله وهو يردّ على أحد أهل البدع :

" أن الرجل حنفي المذهب ، ماتريدي المعتقد ، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان ، وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر – والعياذ بالله تعالى – فقد جاء في ( باب الكراهية ) من "البحر الرائق " –لابن نجيم الحنفي – ما نصه ( 8/ 205) :" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال " – ثم قال الشيخ الألباني – : وهذا يخالف – صراحة – حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل : أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " – الحديث – أخرجه البخاري –وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107) . وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص – بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان " ، فليراجعه من شاء البسط . أقول ( الألباني ) : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة – ولله الحمد – في مسائل الإيمان ، ثم يأتي – اليوم – بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء ! "
انتهى كلام العلامة الألباني رحمه الله من كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ص 32 – 33 .

وقال الألباني رحمه الله أن الكفر يكون بالأعمال كما يكون بالاعتقاد , حين قال :

"ومن الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً ، لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره ، كمثل من يدوس المصحف مع علمه به ، وقصده له " اهـ التحذير من فتنة التكفير صفحة 72

وهذا صريح في أن مناط التكفير عند الشيخ الألباني رحمه الله هو العمل المحض ، ولكنه -رحمه الله- أرجع ذلك لاعتقاد القلب وجحوده ، كما هو مذهب أهل السنة ، بخلاف المُرجئة الذين يجعلون مناط التكفير هو الجحود أو التكذيب !! ، وفرق كبير بين المسألتين ، كما لا يخفى ذلك على طلبة العلم ، فتأمّل.

وصرّح الألباني رحمه الله أن تارك الصلاة إذا عُرض على السيف وفضّل الموت على الصلاة ! , فهو كافر مرتدّ , كما في رسالة حكم تارك الصلاة صفحة 43

وأنكر رحمه الله إنكارا شديدا أن يكون الخلاف بين مرجئة الفقهاء وبين أهل السنة , خلافا لفظيا صوريا ! , وصرّح بأن الخلاف عقدي وجوهري , كما في شرح العقيدة الطحاوية صفحة 62 , فليُراجعه من شاء .

وقال الألباني رحمه الله في مقدمة تحقيق رياض الصالحين (ص:22) :

"والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب، وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أجمل بيان ".

فهل من يقول هذا الكلام ويقرر هذه التقريرات السنّية السلفية الخالصة , والتي تدك حصون المرجئة دكّا ؛ يُقال عنه أنه يقول بقول المُرجئة !!؟؟

سبحانك ربي هذا بهتان عظيم

المبحث الثاني

بيان مقصود العلماء المتأخرين والمعاصرين من لفظة ( تارك جنس العمل ) , أو قولهم ( تارك العمل بالكلية ) , ونقل إجماع السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على كفر من ترك العمل بالكليّة

إن مذهب سلفنا الصالح في الإيمان وعلاقته بعمل الجوارح من الوضوح بمكان , ولكن لمّا كثُرت الفتن , ووسّد الأمر إلى غير أهله , وانتشر الجهل , وأشربت القلوب حب الخصام والجدل , حارت في هذه المسألة عقول , ولم تكتف بما هو عن السلف مشهور ومنقول , فإذا بها في بحار الهوى تصول وتجول .

ولا شك عند أهل السنة أن الإيمان هو :

قول باللسان , واعتقاد بالقلب , وعمل بالجوارح .

وأنه يزيد وينقص , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حتى لا يتبقى منه إلا ذرة ! , أو يزول بالكلية والعياذ بالله .

والعلاقة بين اعتقاد القلب وعمل الجوارح علاقة وثيقة , فإذا قوي الإيمان في القلب , كثرت الأعمال الصالحة من أعمال الجوارح , وإذا ضعُف إيمان القلب , قلّت الأعمال الصالحة من أعمال الجوارح .

وإذا زالت أعمال الجوارح بالكليّة , دل ذلك على زوال إيمان العبد من القلب بالكلية ولابد .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " تخلّف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوّه من الإيمان,ونقصه دليل نقصه ,وقوته دليل قوته." اهـ [الفوائد: 112[

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما فى القلب مستلزم للعمل الظاهر. وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم" اهـ [الفتاوى 7294[

قال الإمام الشافعى رحمه الله: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية, لا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر " اهـ
شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 5/956

قال العلامة الآجري في كتابه العظيم "الشريعة" :

" ثم اعلموا : أنه لا تجزىء المعرفة بالقلب ، والتصديق ، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ، ولا تجزىء معرفة بالقلب ، ونطق باللسان ، حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث : كان مؤمناً , دل على ذلك الكتاب والسنة، وقول علماء المسلمين . "اهـ

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح ( 6/487 ) :

" وقد بسطنا الكلام على هذه في مسألة الإيمان ، وبيَّنا أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح وكذلك بالعكس؛ ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :} ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت ، صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب } وكما قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يعبث في الصلاة : } لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه { " اهـ رحمه الله

ومن أراد الإستزادة من أقوال العلماء حول هذه المسألة ، فليُطالع هذا الموضوع ..

إجماع الأئمة على كفر تارك العمل بالكلية , وبيان أنها مسألة خيالية

وهذا الذي قرّره هؤلاء الأئمة – من أنه لابد من عمل مع إيمان القلب – محلّ إجماع السلف الصالح قولا واحدا لا خلاف عليه .

فإذا كان في القلب ذرة من إيمان , يجب أن يظهر أثر هذا الإيمان الضعيف على أعمال الجوارح , مهما كان هذا العمل ضئيلا وصغيرا , ولكن لا بد أن يظهر شيئ , وإلا لم يكن في الباطن مؤمنا .

فاحفظ هذا يا أخا الإسلام , وعض عليه بالنواجز .

وهذا هو ما يقصده العلماء القائلين بأن تارك جنس العمل يكون كافرا ولا بد , وقولهم ( تارك جنس العمل ) أي ترك كل أعمال الجوارح الظاهرة بالكلية ! , فلا صام يوما من رمضان مرة في عمره قط ! , ولا صلّى ركعة لله مرة في عمره قط ! , ولا زكّى ولا تصدّق على فقير مرة واحدة في عمره قط ! , ولا حجّ مرة , ولا مدّ يده وقرأ صفحة من المصحف مرة قط ! , ولا دخل بيتا من بيوت الله مرة واحدة ليصلي قط !! , ولا أعان بيده ضعيفا لوجه الله مرة قط ! , ولا سقى كلبا شربة ماء لوجه الله مرة قط ! , ولا أماط الأذى عن الطريق لوجه الله مرة قط ! ولا ذهب يزور والديه ولا أقاربه ليصل رحمهم قط !!! , ولا فعل أي شيئ يصحّ أن يُطلق عليه أنه عمل صالح مرة !! , نطق بالشهادتين فقط وبقي دهرا لم يعمل شيئا قط على التفصيل الخيالي السابق ! , وشرب الخمر وزنا وسرق وركب المحرمات والفواحش بأنواعها , ثم يزعم أنه مسلم !

فهل يشك عاقل في كفر من كان هذا حاله ؟؟! ، ولينتبه القارئ الكريم أن كلمة جنس العمل عندما تُطلق في كلام أهل العلم قد يُراد بها الكل وقد يراد بها -عند البعض- الغالب ، والسعيد هو من تفطّن لهذا ووعاه قلبه ، ونحن إذا قلنا (تارك جنس العمل) نعني بذلك تارك ( كل ) الأعمال ! ، وهي مسألة غير عملية ولا تتصوّر ! ، كما سيأتي.

ولكن على فرض وجودها ؛ فلا يجوز للمسلم أن يتردد في أن تكفير من كان هذا حاله , وقد أجمع السلف على كفره وخروجه من حظيرة الإسلام , قولا واحدا , إذ لا يفعل هذا من عنده أدنى حد من الإيمان , كما صرّح بذلك الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في مقالته المشهورة " كلمة حق حول جنس العمل ", وهي منشورة على موقعه الرسمي على هذا الرابط .

وهذا هو عين ما قصده وقرّره الشيخ الألباني رحمه الله حين قال :

« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح , على كل حال: فنحن نفرق بين الإيمان الذي هو مقره القلب، وهو كما أفادنا هذا الحديث من عمل القلب، وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكمّلة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب…».اهـ

انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).

وقد زعم بعض من لا علم عنده , من الذين امتلأت قلوبهم حقدا وحسدا على هذا الإمام السلفي , أن هذا الكلام قديم ! , وأن الشيخ تغيّر اعتقاده في المسألة في آخر عمره !! , ولا شك أن هذه دعوى ينقضها الشيخ في كلامه القديم ! زعموا .

فها هو يقول ( فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكملة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب .. )

وهذا هو عين ما يذكره الشيخ دائما , بل هو كلام مفسّر لبعض إطلاقاته الأخرى , وكلام العلماء يفسر بعضه بعضا .

وقد يقول قائل : أنت تنقل ما هو حجة على الشيخ الألباني رحمه الله !! , لأنه ذكر أن أعمال الجوارح ليست جزءا أصيلا من الإيمان , ولكن هي أجزاء (مكملة) للإيمان…!

فأقول :

لقد صرّح الشيخ رحمه الله قبل هذه الكلمة الموهمة بلحظات (!) أن الإيمان بدون عمل لا يُفيد , وقال أن هذا لا يُتصور إلا في الخيال (!) , بل صرّح أن ( عدم ) العمل الصالح دليل على أن الإيمان لم يدخل القلب !

فهل بعد هذا البيان من بيان ؟؟ , أليس كلامه هذا دليل قاطع على أنه لا يقصد نفي مطلق أعمال الجوارح (!!) , اللهم بلى .

فقد صرّح الشيخ بأن ( عدم ) العمل دليل على ( أن الإيمان لم يدخل القلب ) ، ولكنه -رحمه الله- لا يتصوّر أن يقع هذا ويعتبره خيالا محض ، وهو الصواب.

فظهر من هذا التفصيل لكل منصف مُتجرد للحق مُحب لهذا الإمام بحق ! , أن الألباني يقصد آحاد وشُعب أعمال الجوارح وليس ( كل ) العمل , وإلا كان كلامه متناقضا ينقض أوله آخره ! , فتأمّل .

وجدير بالذكر أن الحكم على مسلم أنه لم يعمل شيئا من أعمال الجوارح قط على التفصيل السابق بيانه , هو مسألة خيالية – كما ذكر الألباني رحمه الله – وغير عملية ! ؛ لأنك لا تستطيع أن تحيط علما بما يفعله – أو لم يفعله الرجل ! – في خلواته وفلواته طيلة حياته (!) , وهذا الأمر لا يمكن لأحد إلا الله أن يحيط به علما ، وإذا كان الأمر كذلك فلن يترتب على هذه المسألة أحكام شرعية !!.

إذا علمت هذا , وضح لك مقصود هؤلاء العلماء – ومنهم الألباني – الذين يطلقون القول بأن تارك العمل لا يكفر , أو تارك جنس العمل , أو أشباه هذه العبارات – كما سيأتي في المبحث الثالث إن شاء الله – , فإنهم إنما عَنوا بذلك تارك الصلاة والزكاة والحجّ وعامّة الفرائض , وتارك الصلاة عندهم لا يكفر كما هو قول الجمهور , وإلا فتارك الصلاة يكفر بتركها مطلقا عند القائلين بكفره ولو أتى بكل الأعمال الصالحة , ولا يلزم من ذلك أنهم – أي الألباني ومن وافقه – ينفون عنه كل الأعمال الصالحة مطلقا على التفصيل الخيالي السابق !! , وكما ذكرت أن تارك العمل بهذه الصورة السالفة الذِكر لا يشك في كفره عاقل ! , فضلا عن عالم فاضل ، ولكن لأنها صورة خيالية غير عملية ، فقد أعرض عن ذكرها جمع من العلماء سلفا وخلفا ، وحُقّ لهم ذلك ، لأن الشرائع لم تبن على المسائل الخيالية والافتراضية ! كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم.

ويتبقى في هذا المبحث مسألة :

ما هو توجيه حديث الشفاعة المشهور وقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج أناسا من النار : " لم يعملوا خيرا قط " ويدخلهم الجنة , وفي رواية " فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه "
فكيف نجمع بين قوله " لم يعملوا خيرا قط " , وقوله " بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه " , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل بالكليّة ؟؟!

الجواب : أن هذه الألفاظ خرجت مخرج الأكثر والغالب من حال هؤلاء , والذي ترك الصلاة والزكاة وعامّة الفرائض , هذا فاسق فاجر شديد الفسق ويُخشى عليه من الكفر وسوء الخاتمة , فلا عجب أن يُطلق الشارع الحكيم فيه القول بأنه لم يعمل خيرا قط , أي في غالب أحواله وأكثرها لم يعمل خيرا قط , مع تلبسه بجميع أنواع المعاصي والآثام وإصراره عليها طوال حياته ! حتى يموت , ولكن هذا النفي لا يلزم منه نفي جنس الأعمال الصالحة مطلقا ! , فلا تعارض بين هذا الحديث وأمثاله , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل بالكلية .

وهذا الذي قرّرته ليس غريبا على لغة العرب , وإطلاق التعميم – لغة وشرعا – لا يُراد به الكل دائما ، وإنما قد يراد به الغالب والأكثر أحيانا , كما هو معلوم .

قال الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلاَّم-رحمه الله- في كتابه العظيم (الإيمان):"وإن قال قائل كيف يجوز أن يُقال ليس بمُؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه؟!، قيل هذا كلام العرب المُستفيض عندنا، غير مُستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنه يقولون للصانع إذا كان ليس بمُحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً !!، و إنما وقع معناهم هؤلاء على نفي التجويد، لا على الصنعةِ نفسها، فهُو عندهم عاملٌ بالاسم، وغير عاملٍ بإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا ، وذلك كرجُلٍ يُعِقُ أباهُ ويبلُغُ منهُ الأذى يُقال: ما هو بولد !، وهُم يعلمون أنه ابن صُلبه." انتهى كلامه رحمه الله ، وهو كلام متين فعض عليه بالنواجذ تسلم من الاضطراب في هذه النصوص المتشابهة، إن شاء الله تعالى.

قال الإمام أبو بكر ابن خزيمة-رحمه الله-في كتاب (التوحيد):"هذه اللفظة (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي تقُول العرب يُنفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام، فمن هذه اللفظة لم يعملوا خيراً قط على الكمال و التمام، لا على ما أوجب عليه به، وقد بيَّنة هذا في مواضع من كتبي".

ومن الأمثلة الواردة في السنة على أن إطلاق التعميم لا يُراد به الكل دائما ، هذا الحديث الذي رواه الإمام النسائي رحمه الله :
من رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ قَالَ لَا , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ "
صحّحه الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن النسائي .

يُستفاد من هذا الحديث أن قوله " لم يعمل خيرا قط " لا يُستفاد منه نفي جميع الأعمال الصالحة عنه بالكلّية مطلقا ! , ودليل ذلك أن الرجل كان يتجاوز عن المعسرين ويتصدق عليهم !! , وهذا من أعظم القربات والأعمال الصالحة , ومع ذلك قيل فيه أنه " لم يعمل خيرا قط " ، وما قيل في هذا الحديث يقال في غيره الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب ، فاعرف هذا واحفظه.

وفي الحديث فائدة أخرى ، وهي أن المسلم الفاسق مع فسقه الشديد ، وتركه لأعمال الجوارح من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك , لابد أن يكون معه شيئ من عمل الجوارح وإن كان قليلا جدا لا يكاد يُذكر , ولكن لا بد منه طالما أن أصل الإيمان القلبي معه , وإن كان هو – أي الإيمان الذي في القلب – أيضا ضعيف جدا , لا يكاد يُذكر مثل عمله الظاهر تماما سواء بسواء , وهذا هو الذي قرره أئمة السلف والخلف , فما أحكمهم وأعلمهم ! , فتأمّل .

المبحث الثالث

بيان مقصود الألباني رحمه الله من بعض إطلاقاته وأنها من الخطأ (اللفظي) لا (العقدي) , وذكر من سبقه إلى بعض هذه الإطلاقات من العلماء سلفا وخلفا , مع بيان أن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله

لا شك أن الشيخ الإمام الألباني رحمه الله بشر يصيب ويخطئ ، ويعلم ويجهل , ويؤخذ من قوله ويُترك , ولا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لذا فقد ورد في كلام الألباني رحمه الله وتقريراته عبارات وإطلاقات حمّالة أوجه , تحتمل الحق والباطل , وهو مسبوق إليها , ولكن بعد ظهور هذه الفتنة التي نعيشها تبيّن أن أدق العبارات وأصلحها هي عبارات السلف الصالح .

ومن ذلك قوله ( أن أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان )

وهذا خطأ بلا شك , والصواب أن يقال الأعمال جزء من الإيمان , أو يقال الإيمان قول وعمل , كما هو المأثور عن السلف الصالح , وهؤلاء العلماء يقولون بهذه العبارات السلفية , ولكن وددنا لو أنهم اقتصروا عليها دون غيرها من العبارات المُحدثة.

والصواب الذي يجب أن يتبعه طلبة العلم إذا سمعوا من يقول – من أهل العلم – أن ( أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان ) ، يجب عليهم أن يستفصلوا منه ، ويسألوه هل تقصد رجلا ما صلى ولا صام ولا زكّى وركب المحرمات بأنواعها ، ولكنه -كما هي طبيعة البشر !- لا يخلو من بعض الأعمال الصالحة مثل برّ الوالدين وزيارتهم مثلا ، أو مساعدة ضعيف ، أو إماطة الأذى ، وغير ذلك من الأعمال الظاهرة الصالحة التي لا يخلو منها بشر – فضلا عن مسلم موحّد – …. ، فإن كان هذا هو قصده فبها ونعمت ، وقد وافق قول السلف القائلين بعدم كفر تارك الصلاة ، ولكن نقول له يا ليتك تركت هذه الألفاظ الموهمة وإلتزمت بأقوال السلف الصالح ، أما إن كان يقصد تلك الصورة الخيالية ! ، فتجده يقول :أقصد رجلا ما صلى ولا صام وزكّى ولا زار والديه مرة ! ، ولا أماط الأذى عن الطريق مرة ، ولا تصدّق على فقير مرة ! ، ولا سقى رجلا ولا حتى كلبا! شربة ماء مرة ! ، ولا فعل أي شيئ يثاب عليه وإن دقّ !! ، فهذا عنده مسلم ناقص الإيمان ! ، فلا شك أنه قد وافق المرجئة في هذه الجزئية ، وهذه الصورة الخيالية التي انطبعت في رأسه ليس لها وجود على كوكب الأرض ! ، وعلى فرض وجودها فلا يجوز للمسلم التردد في تكفير من كان هذا حاله ، إذ لا يفعل ذلك من كان عنده أدنى أدنى حد من الإيمان ، وهذا نقوله على فرض وقوع مثل هذا ! ، وقد علمت أن هذا من الخيال المحض ، ومن المسائل الافتراضية ، وعلى كل حال الصواب هو أن نستفصل من قائل هذه العبارة ولا نتسّرع في إطلاق الأحكام.

ولا عجب أن يخفى على الألباني رحمه الله أو غيره من أهل العلم المعاصرين معنى لفظة ( جنس العمل ) ، فها هو العلامة عبد المحسن العبّاد حفظه الله يقول كما في شرحه على سنن أبي داوود شريط رقم 524 :

السؤال: هل الأعمال شرط كمال أو شرط صحة في الإيمان؟

الجواب: هي جزء منه، ومنها ما هو شرط كمال، ومنها ما هو شرط صحة، فمنها ما يكون لا بد منه لأنه يحصل به الكمال، ومنها ما يحصل به الأساس مثل الصلاة، فإن الصلاة لا يقال: إن الإنسان إذا أتى بها حصل كمالاً وإذا لم يأت بها لم يحصل شيئاً، وهذا على القول الصحيح بأنه كفر. فالكمال بالنوافل، وأما الفرائض فهي على سبيل الوجوب واللزوم، ولا بد منها. وفي هذه الأيام أصبحنا نسمع أن من ترك جنس العمل فإنه يكفر، ومعنى ترك جنس العمل: ترك أي عمل من الأعمال، وهذا هو معتقد الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، فعندهم أن من ترك جنس العمل -أي: ترك أي شيء من العمل- فإنه يكفر، والصواب: أن الأعمال مثلها كمثل جسد الإنسان، فهي متفاوتة، فمنها أشياء إذا ذهبت بقي الإيمان، ومنها أشياء إذا ذهبت ذهب الإيمان، فجسد الإنسان لو قطعت منه أصبعاً بقي الجسد، لكن لو قطع رأسه أو قطع منه شيء قاتل فإنه يذهب.

السؤال: هل أجمع العلماء على أن ترك جنس العمل كفر؟

الجواب:
كيف يكون ذلك والذين يقولون: إن ترك جنس العمل كفر إنما هم الخوارج؟ فهم يقولون: إن الإنسان إذا ارتكب معصية فإنه يخرج من الإيمان ويصير كافراً، ويقول المعتزلة: إنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين المنزلتين، لكنهم يتفقون مع الخوارج في كونه خالداً في النار أبد الآباد. ويقابلهم في الجانب الآخر المرجئة، وعندهم أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة، فهم يقولون: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو هو مؤمن ناقص الإيمان، فقولهم: مؤمن، خالفوا فيه الخوارج الذين قالوا: هو كافر، وقولهم: ناقص الإيمان، خالفوا فيه المرجئة الذين قالوا: هو كامل الإيمان، وهما طرفا الإفراط والتفريط، فالمرجئة فرطوا وأهملوا وضيعوا، فقولهم فيه تحلل من الدين، وانفلات من أحكام الشريعة، ويكون مع ذلك مؤمناً كامل الإيمان، والخوارج والمعتزلة أفرطوا حتى أخرجوا المؤمن العاصي من الإيمان، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط كما قال الخطابي : ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم يعني: طرف الإفراط وطرف التفريط. ومعنى جنس العمل: أيّ عمل من الأعمال، وأما إذا ترك العمل فيقال فيه: ترك العمل نهائياً، أو ترك كل الأعمال. ) انتهى كلامه حفظه الله تعالى .

فها هو الشيخ العبّاد حفظه الله اختلط عليه المقصود من هذه اللفظة ( جنس العمل ) ! ، وظنّ أن من يكفّر بترك جنس العمل قد وافق الخوارج !! ، وهذا من الأمثلة على ما ذكرته آنفا أن معنى جنس العمل عند العلماء المعاصرين قد يُراد به الكل وقد يُراد به الغالب ، لذا فالصواب هو الاستفصال من القائل عن مراده من هذه اللفظة ، فتأمّل.

أما قولنا أن العمل ( شرط كمال ) أو ( شرط صحة ) , فهذا خطأ محض لأننا بذلك أخرجنا العمل عن مسمّى الإيمان لفظا ، لأن الشرط خارج الماهية ، والركن داخل الماهية , كما قال العلامة الراجحي حفظه الله , ألا ترى أنك تقول الوضوء شرط صحة للصلاة , مع أن الوضوء ليس جزءا من الصلاة , ويستوي في ذلك قول بعض العلماء ( شرط صحة ) أو ( شرط كمال ) , والصواب والأولى والأكمل أن يقال : العمل ركن وجزء من الإيمان , كما هو مأثور عن السلف الصالح , فتنبّه .

نعم , بعض العلماء يذكرون الشرط بخلاف هذا المعنى , مثل قولهم : أن كذا وكذا من أعمال القلوب من شروط لا إلا إلا الله , ولا يقصدون بداهة أن هذه الأعمال خارج ماهية التوحيد ! , كما أفادني بذلك الشيخ أبو عمر العتيبي حفظه الله

ولكن أقول أن أسباب إنكار هؤلاء العلماء هذه اللفظة متعددة , منها أن هذه اللفظة تسببت في فتن كثيرة جدا بين الشباب , وقد يستغلها بعض الخوارج أو يستغلها بعض المرجئة ليدخلوا على الناس باطلهم ومذهبهم الخبيث , لذا فالصواب هو ما قرره العلامة الراجحي والعثيمين والسحيمي والربيع وغيرهم من الاقتصار على عبارات السلف التي هي أدق العبارات وأحكمها ، سواء قلنا أن (الشرط) داخل أو خارج الماهية.

ولكن لا يُقال أن الألباني رحمه الله – أو غيره ممن وافقه – قد أخرج العمل من مسمّى الإيمان !! بقوله هذا ، والصواب في هذه الفتنة هو أن نستفصل من قائل هذه العبارة وأمثالها ، وما هو مقصوده ؟ ، فإن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله – كما سيأتي بيانه إن شاء الله – , وكيف نرمي الألباني بهذا وهو يصرّح بأن العمل جزء وركن من الإيمان ، وأنه يزيد وينقص , ويردّ على مرجئة الفقهاء , ويؤكد على أن الخلاف معهم خلافا حقيقيا وليس لفظيا ، ويقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد ، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .

وقد سبق الألباني فيما في لفظه احتمال -وبعضه صريح جدا ! – أن الإيمان يصح بدون أعمال الجوارح , أئمة فحول وعلماء عدول , منهم :

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله :

" وَالْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدهمَا كَوْنه قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَالثَّانِي كَوْنه يَزِيد وَيَنْقُص . فَأَمَّا الْقَوْل فَالْمُرَاد بِهِ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَمَل فَالْمُرَاد بِهِ مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ عَمَل الْقَلْب وَالْجَوَارِح ، لِيَدْخُل الِاعْتِقَاد وَالْعِبَادَات . وَمُرَاد مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيف الْإِيمَان وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْد اللَّه تَعَالَى ، فَالسَّلَف قَالُوا هُوَ اِعْتِقَاد بِالْقَلْبِ ، وَنُطْق بِاللِّسَانِ ، وَعَمَل بِالْأَرْكَانِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَال شَرْط فِي كَمَالِهِ . وَمِنْ هُنَا نَشَأَ ثَمَّ الْقَوْل بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص كَمَا سَيَأْتِي . وَالْمُرْجِئَة قَالُوا : هُوَ اِعْتِقَاد وَنُطْق فَقَطْ . وَالْكَرَامِيَّة قَالُوا : هُوَ نُطْق فَقَطْ . وَالْمُعْتَزِلَة قَالُوا : هُوَ الْعَمَل وَالنُّطْق وَالِاعْتِقَاد وَالْفَارِق بَيْنهمْ وَبَيْن السَّلَف أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَال شَرْطًا فِي صِحَّته وَالسَّلَف جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ . " اهـ فتح الباري , الجزء الأول صفحة 9

قلت ( أبو عبد العظيم ) : وعلى كثرة من تكلّم في أخطاء ابن حجر العقدية في الفتح ، ومع شدة اعتناء العلماء بذلك لأهمية هذا الكتاب ، فلم نجد من تكلّم حول خطأ ابن حجر في هذه العبارة ! ، ولا من رماه بأنه يقول بقول المرجئة في الإيمان !! ، وذلك لأن الناس كانوا يكتفون بما قرّره السلف ، أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وأن الكافر هو من كفّره الله ورسوله بقول أو فعل أو اعتقاد ، هكذا كانت العقيدة سهلة يسيرة وعلى الفطرة ، أما الآن ! ، فقد نسج أهل البدع والضلال شراك ( جنس العمل ) ! ، وفتحوا أبواب الجدل ، فأوقعوا في شباكهم الكثير والكثير من الشباب المسكين ، والله المستعان ، وبعض الناس ينقل عن الشيخ ابن باز تخطئة ابن حجر في هذه العبارة – والله أعلم بصحة ذلك – .

قال الإمام محمد بن إسحاق بن يحي بن منده 310 – 395 هـ :
" ذكر اختلاف أقاويل الناس في الإيمان ما هو « فقالت طائفة من المرجئة : الإيمان فعل القلب دون اللسان ، وقالت طائفة منهم : » الإيمان فعل اللسان دون القلب ، وهم أهل الغلو في الإرجاء « ، وقال جمهور أهل الإرجاء : » الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعا « ، وقالت الخوارج : » الإيمان فعل الطاعات المفترضة كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح « ، وقال آخرون : » الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب الكبائر « ، وقال أهل الجماعة : » الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ، فإذا أتى بهذا الأصل ، فقد دخل في الإيمان ، ولزمه اسمه ، وأحكامه ، ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه ، وفرعه المفترض عليه ، أو الفرائض واجتناب المحارم ، وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان » ، فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين وبعضها بالقلب وبعضها بسائر الجوارح « . فشهادة أن لا إله إلا الله فعل اللسان تقول شهدت أشهد شهادة والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين المسلمين في ذلك والحياء في القلب وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح » " اهـ

كتاب الإيمان لابن منده , الجزء الأول صفحة 209

وها هو الإمام ابن منده رحمه الله يقول أن من قال بلسانه وآمن بقلبه فقد دخل في الإيمان , وحقق أصل الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه , وأنه لا يستكمله إلا بفرعه وهو عمل الجوارح مما افترض عليه

فهل هو مُرجئ ؟؟ أو هل قال بقول المُرجئة ؟؟!!

وقد يقول قائل : كلام الإمام ابن منده هذا عام ومطلق , ولكن له كلام آخر واضح كالشمس يبيّن مقصوده رحمه الله .

قلت : وكذلك الألباني رحمه الله له كلام آخر واضح كالشمس يبيّن مقصوده رحمه الله ! , فوجب حمل كلامه على أحسن المحامل , خاصة وأنه إمام في السنة ، وحرب على المرجئة ، ويؤصّل لمذهب أهل السنة في الإيمان ، ويردّ على خصومهم من أهل الإرجاء قديما وحديثا.

وأيضا من الإطلاقات الواردة في كلام الإمام الألباني رحمه الله قوله :

( أن تارك جنس العمل لا يكفر )

قال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :
" أن الجنس قد يراد به الواحد وقد يراد به الكل وقد يراد به الغالب ، ومن هنا إذا دندن حوله السلفيون حصل بينهم الخلاف الذي يريده التكفيريون وتكثروا بمن يقول به منهم، فيقولون هذا فلان السلفي يقول بتكفير تارك جنس العمل فيجرون الناشيء إلى مذهبهم في تكفير الحكام على منهجهم وإلى رمي علماء السنة بالإرجاء … الخ. " اهـ حفظه الله
من مقال ( كلمة حق حول جنس العمل ) على موقعه الرسمي على الشبكة .

ولا شك أن تارك العمل بالكلّية – على ما سبق تفصيله – كافر بإجماع السلف الصالح , ولكن قد يطلق العالم هذه العبارة ويريد منها تارك الصلاة وعامة الفرائض ( أي غالب آحاد وأفراد الأعمال ) ؛ فيحكم بعدم كفر تارك جنس العمل بهذا الاعتبار , ولا يجعلنا هذا نرميه بالإرجاء أو بقول المرجئة إلا إذا كان ممن عُرفوا بنصرة مذهب المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمّى الإيمان , أو ممن عرفوا بحصر الكفر في كفر التكذيب والجحود فقط – كما وقع ذلك من الحلبي ثم تراجع عنه – , فحينها يردّ عليه ويشنّع عليه ولا كرامة.

ولا شك أن الألباني رحمه الله ليس من هؤلاء , فهو سيف مسلول على المرجئة والخوارج , يعتبر الخلاف مع مرجئة الفقهاء خلافا حقيقيا , ويقول بأن العمل من الإيمان ويزيد وينقص , ويستثني في الإيمان , ويقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد ، فهل يقال عن من قال هذا بأنه مُرجئ ؟؟ أو قال بقول المرجئة !!؟

وقد وردت مثل هذه الإطلاقات في كلام الكثير من العلماء الفحول , فهل يرميهم إخواننا هؤلاء بأنهم يقولون بقول المرجئة !؟

قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :

( من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحداً مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقاً مقراً وإن لم يعمل وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها ) اهـ
التمهيد ( 23/ 290 )

و قال الإمام ابن جرير الطبري وهو يحكي قول أهل السنة في الإيمان:

( قال بعضهم الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن أتى بمعنيين من هذه المعاني الثلاثة ولم يأت بالثالث فغير جائز أن يقال أنه مؤمن ، ولكنه يقال له إن كان اللذان أتى بهما المعرفة بالقلب والإقرار باللسان وهو في العمل مفرّط فمسلم ) التبصير في معالم الدين ( 188 )

قال الإمام ابن رجب رحمه الله :

(ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة ) فتح الباري ( مكتبة الغرباء الأثرية ، 1/ 121 )

وقال أيضا بعد أن ساق حديث الشفاعة :

( والمراد بقوله " لم يعملوا خيراً قط " من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ، ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيراً قط غير التوحيد …ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال : " فأقول يارب ائذن لي فيمن يقول : لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " خرجاه في الصحيحين وعند مسلم " فيقول ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك " وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط بجوارحهم ).اهـ

كتاب التخويف من النار طبعة دار الإيمان الباب الثامن والعشرون ص285 .

وقال الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – (ج 1 / ص 66) :

( تنبيه ) قال القرطبي في تذكرته : قوله في الحديث « من إيمان » أي : من أعمال الإيمان التي هي من أعمال الجوارح ، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من الإيمان ، والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلناه ، ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد ونفي الشركاء والإخلاص بقول لا إله إلا الله : ما في الحديث نفسه من قول " أخرجوا – ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط " يريد بذلك : التوحيد المجرّد من الأعمال" . اهـ ملخصا

فالذي يقوله هؤلاء في حقّ الألباني يلزمهم أن يقولوه في هؤلاء الأئمة الأعلام ! , حيث تطابقت أقوالهم وإن تعددت الألفاظ , ولكن المعنى واحد , فهل سترمونهم – جميعا !! – بأنهم يقولون بقول المرجئة ؟؟!

أم نلزم جادة الصواب ونقول : أن تارك العمل بالكلية – على التفصيل السابق – كافر بإجماع السلف الصالح , ولكن هؤلاء العلماء الفحول ما قصدوا – بداهة- مثل هذه الصورة الخيالية التي نتحدث عنها ! , وكلامهم محمول على من يترك الصلاة وعامة الفرائض والواجبات , أي شُعب أعمال الجوارح وآحادها وإن كثرت وعظمت , كما هو حال أغلب فساق زماننا.

وذكّرتني هذه المسألة بما حدث مع إخواننا هؤلاء منذ سنوات , حينما رموا أهل السنة القائلين بأن تارك الصلاة إذا عُرض على السيف فأبى أن يصلي يقتل حدّا لا ردة ويدفن في مقابر المسلمين – ولا شك أن هذا خطأ محض إذ لا يصبر على القتل دون الصلاة مسلم ! – , والعلماء القائلين بهذا القول أكثر مما تتخيل ! , حتى كاد أن يكون إجماعا ! كما قال العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله , وهم من أئمة المذاهب الأربعة وفقهاء القرون المفضلة وما بعدها , فرموهم إخواننا هؤلاء بأن قولهم هذا إرجاء مبني على إرجاء !! , واستدلوا بكلمة قالها شيخ الإسلام وطاروا بها في الآفاق.

وهذه نبذة من أقوال العلماء – وما أكثرهم ! – الذين رُمِي كلامهم بالإرجاء !

تعليمية الردّ على من قال أن أئمة السُنّة قولهم أقرب للإرجاء ! وأنه خطأ عقديّ خطير !!

وسبب هذه الفتنة القائمة وكذلك أختها القديمة هي أن إخواننا هؤلاء جهلوا – أو تجاهلوا ! – أن لازم القول ليس بلازم ما لم يلتزمه قائله , كما هو مقرّر عند أهل العلم لأن المتكلم قد يذكر الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه وتفطّن له ؛ أنكره أشد الإنكار! , فلا يشّنع على العالم المعروف بسلفيته وحرصه على السنة والعقيدة الصحيحة بلوازم الأقوال خاصة في مثل هذه المسائل الخفيّة ، وكذلك لا يقال عنه أنه يقول بقول أهل البدع !! في هذه المسألة بسبب لازم قوله ، خاصة مع وجود أقوال له أخرى صريحة في ردّ هذا اللازم الفاسد الذي قد يتبادر إلى ذهن البعض – كما هو الحال مع الألباني رحمه الله – , وإلا لزمنا التشنيع على جمع غفير من الأئمة السالف ذكرهم !! , ورميهم بأنهم يقولون بقول المرجئة !! ، ونقول – على طريقة هؤلاء الإخوان ! – : (( هؤلاء كلهم أئمة أعلام وعلماء كبار ، وعلى رؤوسنا وليسوا من المرجئة قطعا ! ، ولكن هم يقولون – جميعا ! بقول المرجئة في الإيمان في هذه المسألة !!! )) ، وهذا ما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:

"وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان: أحدهما لازم قوله الحق فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه ،فان لازم الحق حق و يجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره , وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.

والثاني:لازم قوله الذي ليس بحق فهذا لا يجب التزامه إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض , و قد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه و إلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر لـه فساده لم يلتزمه , لكونه قد قال ما يلزمه و هو لا يشعر بفساد ذلك القول و لا يلزمه .
وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب ؛ هو أجود من إطلاق أحدهما فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله , وما لا يرضاه فليس قوله و إن كان متناقضا . "

انتهى كلامه رحمه الله من القواعد النورانية/ 193

فياله من كلام نوراني (!) , فتأمّل , ولو تفطّن لهذا الكلام ووعاه إخواننا هؤلاء ؛ لما عانينا وتكلفنا عناء الردّ عليهم.

وأخيرا أذكر إخواني هؤلاء وأذكر نفسي , والذكرى تنفع المؤمنين , بقول ابن عساكر : " اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب ". اهـ

فإن كان قولكم في الإمام الألباني رحمه الله أنه يقول بقول المرجئة – وهو برئ من ذلك ! – ليس انتقاصا وطعنا ! , فلا أدري – والله- ما هو الطعن والانتقاص إذا ؟!!

ونقول لكم : من وافقكم من العلماء في نسبة القول بالإرجاء للألباني رحمه الله ؟؟

شبهة والردّ عليها

ويستدل بعضهم بفتوى منسوبة للشيخ الراجحي حول الشيخ الألباني رحمه الله ولا أعلم مدى صحتها , ولكن على فرض ثبوتها , أقول لقد ورد في أول إجابة الشيخ العلامة الراجحي حفظه الله قوله : " فإذا كان قال: إن العمل خارج من مسمَّى الإيمان !! فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه " , وقد كان السائل لبّس على الشيخ حفظه الله سؤاله , وأوهمه أن الشيخ الألباني رحمه الله يقول أن الإيمان ليس ركنا وجزءا من أجزاء الإيمان (!!) ، قائلا -عامله الله بعدله – :

" فضيلة الشيخ، كما تعلمون علم وفضل الشيخ العلامة المحدِّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وأنه يعتبر ممن جدَّد علم الحديث، ونشر السنَّة، وكان شوكة في حلوق أهل البدع، ولكنه -رحمه الله- أخطأ وغلط في مسألة الإيمان، حيث وافق المرجئة حينما قال: إن العمل شرط كمال، وليس ركنًا وجزءًا من أجزاء الإيمان !!!!! ، فهل من قال هذا الكلام صحيح؟ وهل يُتابع الشيخ، ويقال: إنه حجتي عند الله؟ فإن طلاب الشيخ إذا ناقشناهم قالوا هذا الكلام ، وزعموا أن الشيخ أعرف بمذهب السلف ؟ " انتهى كلام السائل هداه الله

فياله من سؤال مُخادع باطل !! ، وقوله أن الألباني قال أن العمل ليس ركنا وجزءا من أجزاء الإيمان !!! ، محض افتراء على الألباني وكذب صراح ! , وقديما قالوا السؤال نصف الإجابة ! ، والجواب يخرج على قدر السؤال ، ومع ذلك فقد تفطّن الشيخ الراجحي حفظه الله – إن صح النقل عنه – فقال ما نصه :

" فإذا كان قال – يعني الألباني – : إن العمل خارج من مسمَّى الإيمان !!! فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه، وأبو حنيفة إمام من الأئمة، وسبق أن الخلاف بينه وبين أهل السنة خلاف لفظي، لا يترتب عليه فساد في العقيدة" . انتهى

والجواب أن الألباني رحمه الله يقول بأن العمل جزء وركن أصيل من أركان الإيمان ، كما تقدّم ، ولم يقل بهذا الذي سأل عنه السائل تلبيسا أو جهلا !! ، ومن زعم بخلاف ذلك فعليه البيّنة ، أو سيكون الألباني حجيجه أمام رب العباد ! ، إذ قد افتروا على هذا الإمام وقوّلوه ما لم يعتقده طرفة عين ! ، وعليه فما بني على باطل فهو باطل ! ، ولا مُتمسّك لهم بفتوى الراجحي – إن صحّت – ، وحاق بهم ما كانوا يمكرون ، والحمد لله رب العالمين.

وأورد بعضهم كلاما للشيخ السحيمي حفظه الله يقول فيه : (… وعنده إطلاقات – يقصد الحلبي – يدخل منها المرجئة ، عنده إطلاقات يخشى عليه أن يستغلها المرجئة ويدخلون معه . إطلاقاته هذه كقوله أحياناً ، كقوله أن الكفر إعتقادي وأن العملي لايُكفّر ؛ فهذا غير صحيح ، ولايوافق عليه ،حتَّى شيخنا الشيخ ناصر – رحمه الله – على فضله وقدره ، لانوافقه على هذه القضية ، فمن الكفر العملي ما يخرج من الملة ، كسبِّ الله ورسوله والسجود للصنم والاستهزاء بالسنة ، هذا كله كفر يخرج عن ملة الاسلام …)

قلت : وكذلك الألباني رحمه الله يقول بأن سبّ الله ورسوله والسجود للصنم والاستهزاء بالسنة كفر مخرج من الملة ، فلا يوجد خلاف أصلا ! ، وغاية ما في كلام الشيخ السُحيمي أنه ينكر الإطلاقات الخاطئة – الغير مقصودة – التي وقع فيها الألباني ، بل وقع فيها أئمة أعلام ! – كما مر معنا في هذه المقالة – ، وليس فيه أبدا أن الشيخ السحيمي حفظه الله يوافق من يرمي الألباني بأنه يقول بقول المرجئة !!! ، بل كلمة الشيخ السُحيمي في ذلك معروفة إذ يصف من يرمي الألباني بالإرجاء بأنه خطأ واضح ، وزلل فاضح ، فلله دره.

وخلاصة المسألة ، أن تخطئة الألباني في بعض إطلاقاته – التي هو مسبوق إليها من بعض العلماء كما قال العلامة السحيمي – لا حرج فيها ، وما من عالم إلا له هفوة وكبوة ، أما رمي الألباني بالإرجاء !!! ، أو بأنه يقول بقول المرجئة في الإيمان !!! ، فهذا محض افتراء على الألباني ! ، ولم يقل به أحد من العلماء ، وهو غلوّ فاحش وخطأ مقيت ، لا يخرج إلا من صاحب هوى أو جاهل ، وأحلاهما مرّ !، والحق الذي لا مرية فيه أن الألباني سيف مسلول على المرجئة، ولكن له بعض الإطلاقات الخاطئة التي قد يستغلها أصحاب العقائد الإرجائية الباطلة جهلا أو مكرا ! ، لذا فينبغي على طلبة العلم السلفيين أن يبيّنوا عقيدة الإمام الألباني من أقواله وعباراته الواضحة الجليّة ، وأن يحذّروا العوام وغيرهم من طلبة العلم من التعلّق بإطلاقاته التي قد يُفهم منها عكس ما أراده الإمام الألباني ! ، وخلاف ما كان يدين الله به ويعتقده رحمه الله تعالى.

نسأل الله أن يرحم إمامنا الألباني ، وأن يجمعنا به في مستقر جنّته، وأن يوفّق إخواننا هؤلاء لطريق الرشاد ، وأن يهديهم للبعد عن الظلم والعناد، قبل أن يقفوا بين يدي الجبار يوم التناد.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه
أبو عبد العظيم محمود بن إبراهيم الأثري
عفا الله عنا وعنه –




جزاكم الله خيرا بحث قيم جدا

رحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة و نفع بعلمه




جزاك الله خيرا ,ورحم الله الشيخ




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

كتاب " العقائد الإسلامية من الآيات و الأحاديث " للعلامة ابن باديس

تعليمية تعليمية

الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على نبيه الأميّ الأمين و على آله و صحبه أجميعن و بعد :

فإليكم كتابي العقائد الإسلامية لابن باديس مصوّرا

و الآن مع الكتاب :

عنوان الكتاب : العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية

المؤلف : العلامة المصلح عبد الحميد بن باديس الجزائري رحمه الله تعالى

رواية و تعليق : تلميذه محمد الصالح رمضان

الطبعة : الأولى

دار النشر : دار الفتح للطباعة و النشر و التوزيع

التحميل :
الواجهة ملونة

الكتاب

صفحة الكتاب على موقع أرشيف

تعليمية تعليمية




بارك الله فيك

في الحقيقة انا ابحث واريد ان اجمع اكبر عدد من مؤلفات الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله واعرف انها نادرة جدا لهذا ارجو ان توفرة عندك ان تحمليها لنا

اختك وزميلتك هناء




و فيكـِ بارك الله أختي هناء .
أبشري أخية ،

هذه الطبعات الالكترونية نادرة جدا
لكن إن شاء الله لما يتوفر المزيد نضعه .




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

منهج أهل السنة والجماعة

منهج أهل السنة والجماعة
منهاج أهل السنة و الجماعة للشيخ بن عثيمين(1)

——————————————————————————–
(1)طريقتهم أنهم يعبدون الله ، لله ، وبالله ، وفي الله .

أما كونهم يعبدون الله لله فمعنى ذلك الإخلاص يخلصون لله عز وجل لا يريدون بعبادتهم إلا ربهم لا يتقربون إلى أحد سواه ، إنما يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، ما يعبدون الله لأن فلاناً يراهم ، وما يعبدون الله لأنهم يعظمون بين الناس ، ولا يعبدون الله لأنهم يلقبون بلقب العابد لكن يعبدون الله لله .

وأما كونهم يعبدون الله بالله .

أي مستعينين به لا يمكن أن يفخروا بأنفسهم ، أو أن يروا أنهم مستقلون بعبادتهم عن الله ، بل هم محققون لقول الله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : الآية : 5) . فـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) يعبدون الله لله ، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . (سورة الفاتحة: الآية: 5). يعبدون الله بالله . فيستعينونه على عبادته تبارك وتعالى .

وأما كونهم يعبدون الله في الله أي في دين الله ، في الدين الذي شرعه على ألسنة رسله ، وهم وأهل السنة والجماعة في هذه الأمة يعبدون الله بما شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه ، فهم يعبدون الله في الله في شريعته في دينه لا يخرجون عنه لا زيادة ولا نقصاً لذلك كانت عبادتهم هي العبادة الحقة السالمة من شوائب الشرك والبدع ، لأن من قصد غير الله بعبادته فقد أشرك به ، ومن تعبد الله بغير شريعته فقد ابتدع في دينه والله سبحانه وتعالى يقول : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : الآية : 5) .

فعبادتهم لله في دين الله لا يبتدعون ما تستحسنه أهواؤهم لا أقول ما تستحسنه عقولهم لأن العقول الصحيحة لا تستحسن الخروج عن شريعة الله لأن لزوم شريعة الله مقتضى العقل الصريح ، ولهذا كان الله سبحانه وتعالى ينعي على المكذبين لرسوله عقولهم ويقول : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (العنكبوت : الآية63).

لو كنا نتعبد لله بما تهواه نفوسنا وعلى حسب أهوائنا لكنا فرقاً وشيعاً كل يستحسن ما يريد فيتعبد لله به وحينئذ لا يتحقق فينا وصف الله سبحانه وتعالى في قوله : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَة) (المؤمنون : الآية52) .

ولننظر إلى هؤلاء الذين يتعبدون لله بالبدع التي ما أذن الله بها ولا أنزل بها من سلطان ، كيف كانوا فرقاً يكفر بعضهم بعضاً ويفسق بعضهم بعضاً ، وهم يقولون : إنهم مسلمون لقد كفر بعض الناس ببعض في أمور لا تخرج الإنسان إلى الكفر ولكن الهوى أصمهم وأعمى أبصارهم .

نحن نقول : إننا إذا سرنا على هذا الخط لا نعبد الله إلا في دين الله فإننا سوف نكون أمة واحدة، لو عبدنا الله تعالى بشرعه وهداه لا بهوانا لكنا أمة واحدة فشريعة الله هي الهدى وليست الهوى.

إذاً لو أن أحداً من أهل البدع ابتدع طريقة عقيدة (أي تعود للعقيدة) أو عملية (تعود إلى العمل) من قول أو فعل، ثم قال إن هذه حسنة. والنبي صلى الله عليه و سلم ، يقول: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"(1). قلنا له بكل بساطة هذا الحسن الذي ادعيته أنه ثابت في هذه البدعة هل كان خافياً لدى الرسول، عليه الصلاة والسلام، أو كان معلوماً عنده لكنه كتمه ولم يطلع عليه أحد من سلف الأمة حتى ادخر لك علمه؟!

والجواب : إن قال بالأول فشر وإن قال بالثاني فأطم وأشر.

فإن قال : إن الرسول، عليه الصلاة والسلام لا يعلم حسن هذه البدعة ولذلك لم يشرعها.

قلنا: رميت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأمر عظيم حيث جهلته في دين الله وشريعته.

وإن قال إنه يعلم ولكن كتمه عن الخلق.

قلنا له: وهذه أدهى وأمر لأنك وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي هو الأمين الكريم وصفته بالخيانة وعدم الجود بعلمه، وهذا شر من وصفه بعدم الجود بماله، مع أنه صلى الله عليه وسلم ، كان أجود الناس، وهنا شر قد يكون احتمالاً ثالثاً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، علمها وبلغها ولكن لم تصل إلينا، فنقول له وحينئذ طعنت في كلام الله عز وجل لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:الآية 9). وإذا ضاعت شريعة من شريعة الذكر فمعنى ذلك أن الله لم يقم بحفظه بل نقص من حفظه إياه بقدر ما فات من هذه الشريعة التي نزل من أجلها هذا الذكر.

وعلى كل حال فإن كل إنسان يبتدع ما يتقرب به إلى ربه من عقيدة أو عمل قولي أو فعلي فإنه ضال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" وهذه كلية عامة لا يستثنى منها شيء إطلاقاً فكل بدعة في دين الله فإنها ضلالة وليس فيها من الحق شيء فإن الله تعالى يقول: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس: الآية32).

ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة بل قال: "من سن في الإسلام" وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام بل قد قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" وبهذا نعرف أنه لابد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام وإلا ليست سنة في الإسلام ومن علم سبب الحديث الذي ذكرناه علم أن المراد بالسنة المبادرة بالعمل أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها لأن سبب الحديث معلوم وهو أن جماعة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا فقراء فحث المسلمين على التصدق عليهم فأتى رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يديه صلى الله عليه وسلم ، فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها". وبهذا عرفنا المراد أن من سنها ليس من شرعها لكن من عمل بها أولاً لأنه بذلك أي بعمله أولاً يكون هو إماماً للناس فيها فيكون قدوة خير وحسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

ولا يرد على ذلك ما ابتدع من الوسائل الموصلة إلى الأمور المشروعة فإن هذه وإن تلجلج بها أهل البدع وقعدوا بها بدعهم فإنه لا نصيب له منها، إلا أن يكون الراقم على الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء.

أقول: إن بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله والتي يلزم منها ما سبق ذكره بما أحدث من الوسائل لغايات محمودة.

احتجوا على ذلك بجمع القرآن، وبتوحيده في مصحف واحد وبالتأليف، وببناء دور العلم وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات، فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلة إلى غاية محمودة مثبتة شرعاً لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة فهذه الوسيلة طبعاً تتجدد بتجدد الزمن وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) (الأنفال: الآية 60). وإعداد القوة على عهده عليه الصلاة والسلام غير إعداد القوة في زمننا هذا فإذا ما أحدثنا عملاً معيناً نتوصل به إلى إعداد القوة فإن هذه بدعة وسيلة وليست بدعة غاية يتقرب بها إلى الله ولكنها بدعة وسيلة، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد وبهذا نعرف أن ما تلجلج به مبتدع الحوادث في دين الله باستدلالهم بمثل هذه القضايا أنه ليس لهم فيها دليل أبداً لأن كل ما حصل فهو وسائل لغايات محمودة.

فجمع القرآن من تصنيف وما أشبه ذلك كله وسائل لغايات هي مشروعة في نفسها فيجب على الإنسان أن يفرق بين الغاية والوسيلة فما قصد لذاته فقد تم تشريعه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام بما أوحاه الله إليه من الكتاب العظيم ومن السنة المطهرة ولدينا ولله الحمد آية نتلوها في كتاب الله. وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) (المائدة: الآية 3). فلو كان في المحدثات ما يكمل به الدين لكانت قد شرعت وبينت وبلغت وحفظت، ولكن ليس فيها شيء يكون فيه كمال الدين بل نقص في دين الله.

قد يقول بعض الناس: إننا نجد في هذه الحوادث نجد عاطفة دينية ورقة قلبية واجتماعاً عليها فنقول: إن الله تعالى أخبر عن الشيطان أنه قال: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) (الأعراف: الآية 17). يزينها الشيطان في قلب الإنسان ليصده عما خلق له من عبادة الله التي شرع فترضخ النفس بواسطة تسلط الشيطان على المرء حتى يصده عن دين الحق، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه و سلم، بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، بل في القرآن قبل ذلك. قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل: الآيتان 99- 100). فجعل الله للشيطان سلطاناً على من تولاه وأشرك به أي جعل لله شريكاً به بواسطة الشيطان وكل من جعل له متبوعاً في بدعة من دين الله فقد أشرك بالله عز وجل وجعل هذا المتبوع شريكاً لله تعالى في الحكم.
وحكم الله الشرعي والقدري لا شريك له فيه أبداً (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (يوسف: الآية 40). وركزت على هذا الأمر لكي يعلم أهل الأحداث المحدثون أنه لا حجة لهم فيما أحدثوه، واعلم رحمك الله انه لا طريق إلى الوصول إلى الله عز وجل وإلى دار كرامته إلا من الطريق الذي وضعه هو سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم.

(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى) (النحل:الآية 60). لو أن ملكاً من الملوك فتح باباً للدخول عليه وقال من أراد أن يصل إليَّ فليدخل من هذا الباب فما ظنكم بمن ذهب إلى أبواب أخرى هل يصل إليه. كلا بالطبع.

والملك العظيم، ملك الملوك، وخالق الخلق جعل طريقاً إليه خاصاً بما جاءه به رسله وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي بعد بعثه لا يمكن لأي بشر أن ينال السعادة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.

والحقيقة أن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن نسلك ما سلك، ونذر ما ترك، وأن لا نتقدم بين يديه فنقول في دينه ما لم يقل، أو نحدث في دينه ما لم يشرع.

هل من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعظيمه أن نحدث في دينه شيئاً يقول هو عنه: "كل بدعة ضلالة". ويقول: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". هل هذا من محبة الرسول؟! هل هذا من محبة الله عز وجل أن تشرع في دين الله ما لم يشرع؟ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (آل عمران:الآية 31).

——————————————————————————–

(1) جزء من حديث رواه مسلم جـ4 كتاب العلم/ باب من سن سنة حسنة أو سيئة.

===============

منقول من موقع الشيخ

(2)طريقة أهل السنة و الجماعة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم

من المعلوم أنه لا يتم الإسلام إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة لا تتحقق إلا بثلاثة أمور:
1- عقيدة في القلب.

2- نطق في اللسان.

3- عمل في الأركان.

ولهذا يقول المنافقون للرسول عليه الصلاة والسلام إذا جاؤوه نشهد إنك لرسول الله. ويقول الباري جل ذكره فيهم: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: الآية 1). لماذا؟ لأن هذه الشهادة فقد منها أعظم ركن فيها وهو العقيدة فهم يقولون بألسنتهم ما لا يعتقدونه في قلوبهم، فمن قال أشهد أن محمداً رسول الله ولكن قلبه خال من هذه الشهادة فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله. ومن اعتقد ذلك ولم يقله بلسانه فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله.

ومن قال ذلك لكن لم يتبعه في شريعته فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله. وكيف تخالفه وأنت تعتقد بأنه رسول رب العالمين وأن شريعة الله هو ما جاء به؟!.

كيف تقول: إنك شهدت أن محمداً رسول الله على وجه التحقيق. لهذا نعتقد أن كل من عصى الله ورسوله فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله.

لست أقول إنه لم يشهد ولكنه لم يحقق وقد نقص من تحقيقه إياه بقدر ما حصل منه من مخالفة.

إذاً طريقة أهل السنة والجماعة في حق رسول الله عليه الصلاة والسلام الشهادة له بقلوبهم، وألسنتهم، وأعمالهم أنه رسول الله كذلك أيضاً يحبونه حب تقدير وتعظيم حباً تابعاً لمحبة الله عز وجل.

وليسوا يحبونه من باب التعبد له بمحبته لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يتعبد لله به – أي بشرعه – ولكنه لا يعبد هو.

فهم يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه رسول رب العالمين. ومحبتهم له من محبة الله تبارك وتعالى، ولولا أن الله أرسل محمداً بن عبد الله القرشي الهاشمي لكان رجلاً من بني هاشم لا يستحق هذه المرتبة التي استحقها بالرسالة.

إذاً نحن نحبه ونعظمه لأننا نحب الله ونعظمه فمن أجل أنه رسول الله وأن الله تبارك وتعالى هدى به الأمة حينئذ نحبه فالرسول عليه الصلاة والسلام عند أهل السنة والجماعة محبوب، لأنه رسول رب العالمين، ولا شك انه أحق الناس، بل أحق الخلق وأجدرهم بتحمل هذه الرسالة العظيمة عليه الصلاة والسلام.

كذلك أيضاً يعظمون الرسول عليه الصلاة والسلام حق التعظيم ويرون أنه أعظم الناس قدراً عند الله عز وجل.

لكن مع ذلك لا ينزلونه فوق منزلته التي أنزله الله، يقولون: إنه عبد الله، بل هو أعبد الناس لله عز وجل حتى إنه يقوم حتى تتورم قدماه فيقال كيف ذلك وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً".

من يحقق العبادة كتحقيق الرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا قال: "إني والله أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى". فهو بلا شك أعظم العابدين عبادة وأشدهم تحقيقاً لها صلى الله عليه وسلم، ولهذا حين تحدث عن البصل والكراث قال المسلمون حرمت فقال: "أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله".

انظروا إلى هذا الأدب مع الله عز وجل هكذا العبودية، ولهذا هم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم، عبد من عباد الله، وهو أكمل الناس في عبوديته لله.

ويؤمنون أيضاً بأن الرسول صلى الله عليه و سلم، لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا لغيره والله تعالى قد أمره أن يبلغ ذلك إلى الأمة فقال: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَك) (الأنعام: الآية 50).

وما هي وظيفته (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَي). ومن زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم شيئاً من الغيب غير ما أطلعه الله عليه فهو كافر بالله ورسوله، لأنه مكذب لله ورسوله.

فإن الرسول أمر أن يقول وقال: قال قولاً يتلى إلى يوم القيامة قوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَك) (الأنعام: الآية 50).

وبمناسبة هذه الآية الكريمة أود أن أقول: إن القرآن الكريم أحياناً تصدر الأخبار فيه بكلمة (قُلْ) وكل شيء صدر بهذه الكلمة معناه أن الله سبحانه وتعالى اعتنى به عناية خاصة لأن الرسول، عليه الصلاة والسلام، قد أمر أن يقول كل القرآن. (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك) (المائدة: الآية 67). لكن هذا الذي خص بكلمة (قُلْ) فيه عناية خاصة استحق أن يصدر بالأمر بالتبليغ على وجه الخصوص، مثل هذه الآية ومثلها في الأحكام (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (النور: الآية 30). (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ) (النور: الآية 31). والأمثلة كثيرة في القرآن. إذن الرسول، عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً بل ولا لغيره أيضاً (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (الجـن:الآية 21). (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ) (الجـن: الآية 22). لو أراد الله بي شيئاً ما أجارني أحد منه ولن أجد من دونه ملتحداً.

ويعتقدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام، بشر ليس له من شئون الربوبية شيء ولا يعلم الغيب إلا ما أطلعه عليه حتى إنه عليه الصلاة والسلام يسأل أحياناً عن شيء من الأحكام الشرعية فيتوقف حتى يأتيه الوحي، حتى إنه أحياناً يصدر القول فيأتيه الاستثناء أو الاستدراك من عند الله عز وجل فقد سئل عليه الصلاة والسلام عن الشهادة هل تكفر كل شيء؟ فقال: "نعم". ثم قال: "أين السائل؟" فقال: "إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفاً". أحياناً يجتهد عليه الصلاة والسلام ولكن يأتيه الوحي من الله عز وجل بأن الخير في كذا وكذا خلاف ما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم. إذن الرسول عليه الصلاة والسلام عبد عابد لله عز وجل وليس له من شئون الربوبية شيء هذا هو قول أهل السنة والجماعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يعتقد أهل السنة والجماعة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشر تجوز عليه كل الخصائص البشرية والجسدية فينام، ويأكل، ويشرب، ويمرض، ويتألم، ويحزن، ويرضى، ويغضب عليه الصلاة والسلام، ويموت كما يموت الناس. (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر: الآيتان 30 – 31) . ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئا ) (آل عمران: الآية 144). ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد مات ميتة جسدية فارقت روحه جسده فيها، وقام أهله وأصحابه بما يقومون به في غيره من شئون الموتى، سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يجرد عند تغسيله والمعروف أنه لم يصل عليه جماعة إنما كان الناس يصلون عليه أفراداً لأنه الإمام عليه الصلاة والسلام.

ومن زعم أنه حي في قبره حياة جسدية لا حياة برزخية وأنه يصلي ويصوم ويحج وأنه يعلم ما تقوله الأمة وتفعله فإنه قد قال قولاً بلا علم.

فالرسول عليه الصلاة والسلام انقطع عمله بموته كما قال هو نفسه: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

فعمله الذي يعمله بنفسه انقطع بموته ولكن لاشك أن كل علم علمناه من شريعة الله فإنه بواسطته عليه الصلاة والسلام وحينئذ فيكون منتفعاً من كل هذه العلوم التي علمناها بعد موته صلى الله عليه و سلم، وكذلك الأعمال الصالحة التي نعملها كانت بدلالته صلى الله عليه وسلم ، فيكون له مثل أجر العاملين.

===============

منقول من موقع الشيخ(3) طريقة أهل السنة و الجماعة في حق الصحابة رضي الله عنهم
أهل السنة والجماعة يعرفون للصحابة قدرهم، وأنهم خير القرون بشهادة النبي صلى الله عليه و سلم، فإنه صلى الله عليه و سلم، قال: فيما ثبت عنه من حديث عمران بن حصين: "خير الناس قرني، ثم الذي يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" فالصحابة خير هذه الأمة بلا شك ولكنهم على مراتب بعضهم أفضل من بعض.

قال الله تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (الحديد: الآية10). وقال الله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقـَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) (النساء: الآية 95).

ولكن هذه المراتب وهذه الفضائل يجب أن نعرف أن الواحد فيهم له مرتبة على الإطلاق وله مرتبة خاصة. أي أنه قد يكون أفضل من غيره على سبيل العموم والإطلاق ويكون في غيره خصلة هو أفضل منه فيها وأهل السنة والجماعة يقولون: إن أفضل الصحابة الخلفاء الأربعة، وأفضلهم أبوبكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي يرتبونهم في الفضل حسب ترتيبهم في الخلافة، ولكن لا يلزم من كون أبي بكر أفضل الصحابة ألا يتميز أحد من الصحابة عن أبي بكر بمنقبة خاصة.

وقد يكون لعلي بن أبي طالب منقبة ليست لأبي بكر، وقد يكون لعمر منقبة ليس لأبي بكر، كذلك قد يكون لعثمان، ولكن الكلام على الفضل المطلق والمرتبة الكلية العامة فإن مراتب الصحابة تختلف اختلافاً اتفق عليه أهل السنة والجماعة وهو دلالة القرآن، ودلالة السنة أيضاً.

فإن خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف تنازعا في أمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، لخالد: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".

كذلك أيضاً أهل السنة والجماعة يقولون: إن بعض الصحابة له مزية ليست لغيرهم فيجب أن ننزلهم في منازلهم، فإذا كان الصحابي من آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام كعلي بن أبي طالب، وحمزة، والعباس، وابن عباس وغيرهم فإننا نحبه أكثر من غيره من حيث قربه من الرسول عليه الصلاة والسلام، لا على سبيل الإطلاق. فنعرف له حقه بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لا يلزم من ذلك أن نفضله على غيره تفضيلاً مطلقاً ممن له قدم راسخ في الإسلام أكثر من هذا القريب من الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن المراتب والفضائل هي صفات يتميز الإنسان بصفة منها لا يتميز بها الآخر.

وأهل السنة والجماعة في آل البيت لا يغلون غلو الروافض، ولا ينصبون العداوة لهم نصب النواصب، ولكنهم وسط بين طرفين، يعرفون لهم حقهم بقرابتهم من الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنهم لا يتجاوزون بهم منزلتهم
_________________

(4) طريقة أهل السنة و الجماعة في حق الأولياء و الأئمة

أئمة هذه الشريعة الإسلامية ولله الحمد أئمة مشهورون أثنت عليهم الأمة وعرفت لهم قدرهم، ولكنها لا تعتقد فيهم العصمة، فليس عند أهل السنة والجماعة أحد معصوم من الخطأ ولا من الإقرار على الخطأ إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه معصوم من الإقرار على الخطأ. أما غيره مهما بلغت إمامته فإنه ليس معصوماً أبداً، كل يخطئ وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم، الذي أمرنا الله تعالى بطاعته على الإطلاق.

فهم يقولون لاشك أن في هذه الأمة أئمة، ولاشك أن فيها أولياء ولكننا لا نريد بذلك أن نثبت العصمة لأحد من هؤلاء الأئمة، ولا أن نثبت لأحد من الأولياء أنه يعلم الغيب أو يتصرف في الكون، وهم أيضاً لا يجعلون الولي من قال عن نفسه أنه ولي أو أتى بالدعايات الباطلة لأجل أن يجلب الناس إليه يقولون إن الولي بينه الله تعالى بقولهأَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: الآيتان 62، 63). هؤلاء الأولياء: الذين آمنوا، وكانوا يتقون. فالإيمان: العقيدة. والتقوى: العمل قولاً كان أو فعلاً، وأخذ شيخ الإسلام من هذه الآية عبارة طيبة وهي قوله: "من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً". هذا الولي حقيقة، لا الولي الذي يجلب الناس إليه، ويجمع الحاشية ويقول أنا أفعل ويستعين بالشياطين على معرفة الخفي، ثم يبهر الناس بما يقول فيقولون هذا ولي. لا لأن الولاية تكون باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، وبإيمانه وتقواه. فإن كان مؤمناً تقياً فهو ولي.

ولكن هؤلاء الأولياء أيضاً لا يلزم في كل ولي أن يجعل الله له كرامة فما أكثر الأولياء الذين لا كرامة لهم، لأن الكرامة في الغالب لا تأتي إلا لنصر حق أو دفع باطل لا لتثبيت شخص بعينه فلا يلزم إذاً أن يكون لكل ولي كرامة. قد يحيى الولي ويموت وليس له كرامة وقد يكون له كرامات متعددة وهذه الكرامات كما قال أهل العلم كل كرامة لولي فإنها آية للنبي الذي اتبعه، ولا أقول "معجزة" لأن الأولى أن تسمى آية، لأن هذا التعبير القرآني والآية أبلغ من المعجزة لأن الآية معناها العلامة على صدق ما جاء به هذا الرسول، والمعجزة قد تكون على يد مشعوذ أو على يد إنسان قوي يفعل ما يعجز عنه غيره، لكن التعبير بـ "الآية" أبلغ وأدق وهي التعبير القرآني فنسمي المعجزات بالآيات هذا هو الصواب.

يوجد أناس حسب ما نسمع في هذه الأمة يدعون أنهم أولياء ولكن من تأمل حالهم وجد أنهم بعيدون عن الولاية، وأنه لا حظ لهم فيها لكن لهم شياطين يعينونهم على ما يريدون فيخدعون بذلك البسطاء من الناس
(5) طريقة أهل السنة و الجماعة في الإصلاح في المجتمع

يرى أهل السنة والجماعة أن المجتمع الإسلامي لا يكمل صلاحه إلا إذا تمشى مع ما شرعه الله سبحانه وتعالى له، ولهذا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف: كل ما عرفه الشرع وأقره، والمنكر: كل ما أنكره الشرع وحرمه فهم يرون أن المجتمع الإسلامي لا يصلح إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأننا لو فقدنا هذا المقوم لحصل التفرق، كما يشير إليه قول الله عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: الآيتان 104، 105).

وهذا المقوم وللأسف في هذا الوقت ضاع أو كاد لأنك لا تجد شخصاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى في المحيط القليل المحصور إلا ما ندر.

وإذا ترك الناس هكذا كل إنسان يعمل ما يريد تفرق الناس ولكن إذا تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر صاروا أمة واحدة ولكن لا يلزم إذا رأيت أمراً معروفاً أن يكون معروفاً عند غيرك، إلا في شيء لا مجال للاجتهاد فيه إنما ما للاجتهاد فيه مجال فقد أرى أن هذا من المعروف ويرى الآخر أنه ليس منه وحينئذ يكون المرجع في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (النساء: الآية 59). ولكن طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب العظيم الذي فضلت فيه هذه الأمة على غيرها أنهم يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات المجتمع الإسلامي ولكنه يحتاج إلى أمور:

أولاً: أن يكون الإنسان عالماً بالحكم بحيث يعرف أن هذا معروف وأن هذا منكر، أما أن يأتي عن جهل ثم يأمر بشيء يراه معروفاً في ظنه وهو ليس بمعروف فهذا قد يكون ضره أكبر من نفعه، لذلك لو فرضنا شخصاً تربى في مجتمع يرون أن هذه البدعة معروف ثم يأتي إلى مجتمع جديد غيره يجدهم لا يفعلونها فيقوم وينكر عليهم عدم الفعل ويأمرهم بها فهذا خطأ، فلا تأمر بشيء إلا حيث تعرف أنه معروف في شريعة الله، ليس بعقيدتك أنت وما نشأت عنه فلابد من معرفة الحكم وأن هذا معروف حتى تأمر به وكذلك المنكر.

ثانياً: لابد أن تعلم أن هذا المعروف لم يفعل، وأن هذا المنكر قد فعل، وكم من إنسان أمر شخصاً بمعروف فإذا هو فاعله فيكون في هذا الأمر عبئاً على غيره وربما يضع ذلك من قدره بين الناس.

وإذا رأينا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وجدنا أن هذه طريقته دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم ، يخطب وجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، "أصليت؟" قال لا. قال: "فقم فصل ركعتين" صلاة الركعتين لداخل المسجد من المعروف ولا شك ولكن الرسول، عليه الصلاة والسلام ما أمره به مباشرة حتى علم أنه لم يفعله فأنت قد تأمر هذا الرجل أن يفعل شيء، وإذا هو قد فعله فتتسبب إلى التعجل وعدم التريث وتحط من قدرك ولكن اسأل وتحقق إذا لم يفعل حينئذ تأمر به.

وكذلك أيضاً بالنسبة للمعاصي فبعض الناس قد ينهى شخصاً عما يراه منكراً وليس بمنكر.

مثال ذلك:

رأيت رجلاً يصلي الفريضة وهو جالس فنهيته بأن ليس له حق أن يصلي وهو جالس. فهذا غير صحيح لكن اسأل أولاً لماذا جلس، قد يكون له عذر في جلوسه وأنت لا تعلم حينئذ تكون متسرعاً ويكون ذلك ناقصاً من قدرك، هذا أمر أيضاً لابد منه:

أن تعرف الحكم الشرعي، وأن تعرف الحال التي عليها المأمور والمنهي حتى تكون على بصيرة من أمرك.

ثالثاً: أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكر أعظم مفسدة من منفعة المعروف، فإن ترتب على فعل المعروف منكر هو أشد ضرراً من المنفعة الحاصلة بهذا المعروف فإن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضاً على إطلاقها أي أنه ليست كل مفسدة درؤها أولى من جلب مصلحة، بل إذا تكافئت مع المصلحة فدرء المفسدة أولى، وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرء المفسدة أولى، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: الآية 108). فسب آلهة المشركين كل يعلم أنه مصلحة وأن فيه خيراً لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر – وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر منه شيء – إذا تضمن مفسدة عظيمة فإنها تترك، لأننا إذا سببنا آلهتهم ونحن نسبها بحق سبوا الله عدواً بغير علم.

فهذه نقطة ينبغي أن نتفطن لها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما إذا كانت المفسدة تنغمر في جانب المصلحة، فإننا نفضل المصلحة ولا يهمنا وهذا عليه شيء كثير من أحكام الله الشرعية والكونية.

فمثلاً هذا المطر الذي ينزل وفيه مصلحة عامة لكن فيه ضرراً على إنسان بنى سقفه الآن وجاء المطر فأفسده لكن هذه المفسدة القليلة منغمرة في جانب المصلحة العامة. وهكذا أيضاً الأحكام الشرعية كالأحكام الكونية وهذا أمر ينبغي التنبه له، وهو أننا قد لا يكون من المصلحة أن ننهى عن هذا المنكر لأنه يتضمن مفسدة أكبر ولكننا نتريث حتى تتم الأمور.

ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتدرج في التشريع حتى يقبلها الناس شيئاً فشيئاً، وهكذا المنكر لابد أن نأخذ الناس فيه بالمعالجة حتى يتم الأمر هذه هي الثلاثة الأمور :

1- العلم بالحكم .

2- العلم بالحال .

3- أن لا يترتب على فعل المعروف منكر أعظم مفسدة

(6) قول أهل السنة و الجماعة في الإيمان

الإيمان حقيقته عند أهل السنة والجماعة هو: "اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح". ويستدلون لقولهم هذا بقول النبي صلى الله عليه و سلم، "إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". فالقول قول اللسان "لا إله إلا الله"، وعمل الجوارح وإماطة الأذى عن الطريق، والحياء عمل القلب.

أما عقيدة القلب فقوله، صلى الله عليه و سلم: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره".

وهم أيضاً يقولون إن الإيمان يزيد وينقص، فالقرآن قد دل على زيادته والضرورة العقلية تقتضي أن كل ما ثبت أنه يزيد فهو ينقص إذ لا تعقل الزيادة بدون نقص (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا) (المدثر: الآية 31). (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانا) (التوبة: الآية 124). ولاشك في ذلك، ومتى قلنا إن الإيمان قول وعمل فإنه لاشك أن الأقوال تختلف فليس من قال: "سبحان الله والحمد لله، والله أكبر" مرة كمن قالها أكثر، وكذلك أيضاً نقول إن الإيمان الذي هو عقيدة القلب يختلف قوة وضعفاً وقد قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: الآية 260). فإنه ليس الخبر كالمعاينة والمشاهدة.

رجل أخبر بخبر أخبره رجل واحد حصل عنده شيء من هذا الخبر فإذا جاء ثان إزداد قوة فيه، وإذا جاءه الثالث ازداد قوة وهلم، وعليه نقول: الإيمان يزيد وينقص حتى في عقيدة القلب وهذا أمر يعلمه كل إنسان من نفسه، وأما من أنكر زيادته ونقصانه فإنه مخالف للشرع والواقع. فهو يزيد وينقص.

وبهذا تم ما أردنا الكلام عليه، والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

=============

منقول من موقع الشيخ رَحِمَـهُ الله




موضوع قيم ومميز
بارك الله فيك وجزاك الخير المديد
تحياتي




أسمح لي وبكل مصداقيه
أن أقول أنت مميز في كل ماتطرحه وتقدمه
تقبلي مروري المتواضع في صفحتك الراقيه




بارك الله فيكم




شكرا جزيلا لكم
أسعدني مروركم
بالتوفيق




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[خطبة جمعة] ـ النهي عن مشابهة المشركين ـ لفضيلة الشيخ عزالدّين رمضاني حفظه الله- عقيد

تعليمية تعليمية
[خطبة جمعة] ـ النهي عن مشابهة المشركين ـ لفضيلة الشيخ عزالدّين رمضاني حفظه الله


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ـ النهي عن مشابهة المشركين ـ

http://www.archive.org/details/Cheikh3azdine_59

التاريخ : 28 محرم 1443 ه

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




بارك الله فيكِ أختي الفاضلة




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[مقطع صوتي] ما الذي حمل الأشاعرة على تأويل الصفات؟الجواب من الشيخ زيد بن هادي المدخلي

تعليمية تعليمية
[مقطع صوتي] ما الذي حمل الأشاعرة على تأويل الصفات؟الجواب من الشيخ زيد بن هادي المدخلي

الصور المصغرة للصور المرفقة تعليمية
الملفات المرفقة (افحص الملف ببرامج الحماية وقم بالتبليغ عنه إذا وجدته مخالفا) تعليمية ما الذي حمل الأشاعرة على تأويل الصفات؟ -للشيخ زيد المدخلي.mp3‏ (2.14 ميجابايت)

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




بارك الله فيك على الجلب المميز
في انتظار المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[سؤال] في بيت قاله الزمخشري

تعليمية تعليمية
[سؤال] في بيت قاله الزمخشري


وفق الله الجميع..
نجد إشكالا في بيت قاله الزمخشري مادحا النحوي أبو محمد الحريري..
قال ( الزمخشري ) :

أقسم بالله وآياته(1)**ومشعر الحج وميقاته(2)
إن الحريري حري بأن ** تكتب بالتبر مقاماته
معجزة تعجز كل الورى** ولو سروا في ضوء مشكاته

قال الزمخشري في تفسيره لسورة الشعراء

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)}

أقسموا بعزة فرعون وهي من أيمان الجاهلية، وهكذا كل حلف بغير الله، ولا يصح في الإسلام إلا الحلف بالله معلقاً ببعض أسمائه أو صفاته، كقولك: بالله، والرحمن، وربي، ورب العرش، وعزة الله، وقدرة الله، وجلال الله، وعظمة الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحْلِفُوا بآبَائِكُم وَلا بِأُمّهاتِكُمْ وَلا بِالطَوَاغِيتِ، وَلاَ تَحْلِفُوا إِلا بالله، وَلا تَحْلِفُوا باللَّهِ إِلا وَأَنْتُمْ صَادِقُون» ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية نسيت لها الجاهلية الأولى، وذلك أنّ الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شيء: لم يقبل منه، ولم يعتدّ بها حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف. اهـ

وقال
شيخ الأسلام إبن تيميه- رحمه الله-حينما سأله طالب علم عن تفسيره:(وأما الزمخشري فتفسيره محشو بالبدعه على طريقة المعتزله من إنكار الصفات والرؤيه والقول بخلق القرآن…وغير ذلك من أصول المعتزله).

والسؤال كيف يقسم بآيات الله وهو يعتقد خلق القرآن؟ ثم كيف ينكر الحلف بغير الله ويحلف بالمشعر؟
_______
(1) لا نعلم إن كانت الآيات المقصودة هنا الكونية أم الشرعية!
(2) وجدت قولا بأن تشكيل مشعر هو مُشَعِّر ويقصد بها الله ولا نعلم أيضا مدى صحة ذلك.

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[طلب] من العقيدة الواسطية من يفهمني

تعليمية تعليمية
[طلب] من العقيدة الواسطية …. من يفهمني

السلام عليكم ورحمة الله
أنا أقرأ في العقيدة الواسطية والم افه هذه المسألة

من كتاب العقيدة الواسطية للشيح محمد صالح العثيمين
في شرحه الاية " ذو القوة المتين " ص 167
وهذا نص كلامه:

" …. والفرق بينهما : أن القدرة يوصف بها ذو الشعور ، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره . "
السؤال:
هل ذو الشعور تدخل بها الحيوانات

والسلام عليكم ورحمة الله

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[بحث] بشرى المشتاق في إثبات صفة الساق

تعليمية تعليمية
[بحث] بشرى المشتاق في إثبات صفة الساق


الحمد لله وكفي والصلاة والسلام على المصطفى ثم بعد ‏‎:‎

هذا بحث جمعته حول إثبات صفة الساق وقد قسمته إلى عدة مباحث ‏‎:‎
المبحث الأول ‏‎:‎الأدلة في إثبات صفة الساق.‏
المبحث الثاني ‏‎:‎ما يستفاد من تلك النصوص
المبحث الثالث ‏‎:‎‏ كشف الشبهات ورد الإعتراضات

المبحث الأول ‏‎:‎الأدلة في إثبات صفة الساق:

قال الله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون الي السجود فلا يستطيعون‏{ القلم : 42 }‏
وهذه الآية يفسرها ماجاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد حيث طويل فيأتيهم الجبَّار في ‏صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ، فلا يكلمه إلا الأنبياء . فيقولون ‏هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟ فيقولون الساق . فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن.‏‎ أخرجه البخاري ‏في التفسير 4919، وفي التوحيد 7439، من حديث أبي سعيد الخدري‎ ‎رضي الله ‏عنه‎
فتبين من هذا الحديث أن الساق مضافة لله تعالى فهي صفة من صفاته جلا جلاله .‏
قال الإمام الشوكاني رحمه الله ‏‎:‎‏ و قد أغننا الله سبحانه في تفسير الآية بما صح عن النبي صلى ‏الله عليه و آله و سلم‎ ‎كما عرفت و ذلك لا يستلزم تجسيماً و لا تشبيهاً فليس كمثله شيء‎
د عوا كل قول عند‎ ‎قول محمدٍ فما آمن في دينه كمخاطر1‏

المبحث الثاني ‏‎:‎ما يستفاد من هذه النصوص؟

إعلم رحمك الله أن مذهب السلف في الصفات أنهم يجرونها على ظاهرها من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ‏‎:‎

قال الإمام أحمد – رحمه الله – : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به‎ ‎رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم ؛ لا يتجاوز القرآن والحديث [ ينظر: المسائل‎ ‎والرسائل المروية عن الإمام أحمد ‏ص 116‏‎ ]‎
وقال الإمام الآجري‎ : ‎هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان ‏بها ولا يقال فيها‎ : ‎كيف؟ ولِمَ ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق، وترك ‏النظر، كما قال من تقدَّم من أئمة‎ ‎المسلمين‎ ‎كتاب الشريعة للإمام ‏الآجري ص 262‏‎ .‎
وقال الأوزاعي – رحمه الله -: كنا – والتابعون متوافرون – نقول: إن الله فوق عرشه،‎ ‎ونؤمن بما ‏وردت به السنة من صفاته [ ينظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 408‏‎
‎وقال الإمام الشافعي ‏‏– رحمه الله – : لله أسماء وصفات لا يسع أحد جهلها، فمن خالف‎ ‎بعد ثبوت الحجة عليه كفر ، وأما ‏قبل قيام الحجة فيعذر بالجهل [ ينظر: مناقب‎ ‎الشافعي للبيهقي 1/412 ]‏
‏ وقال ابن عبد البر – رحمه الله -: أهل السنة مجتمعون‎ ‎على الإقرار بالصفات الواردة كلها في ‏القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على‎ ‎الحقيقة لا على المجاز؛ إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ‏وأما أهل البدع من‎ ‎الجهمية والمعتزلة والخوارج فينكرونها ولا يحملونها على الحقيقة ويزعمون أن ‏من أقر‎ ‎بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به‏‎ ‎الكتاب ‏والسنة وهم أئمة الجماعة [ ينظر: التمهيد لابن عبد البر 7/145 ]‏
‏ وقال‏‎ ‎شيخ الإسلام ابن تيمية: ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه ،‎ ‎وبما ‏وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف‎ ‎ولا تمثيل ؛ ‏فلا يجوز نفي صفات الله التي وصف بها نفسه، ولا يجوز تمثيلها بصفات‎ ‎المخلوقين، بل هو ‏سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ‎ [ ‎ينظر: مجموع الفتاوى 5/195‏‎ ]‎
وعلى هذا فإن صفة الساق قد وردت في السنة ووصف الله بها نفسه فلا يسعنا إلا إثباتها لله تعالى على الوجه ‏الذي يليق بجلاله من دون تمثيل ولا تكييف.‏
وقد ثبت هذا عن أبي هريرة رضي الله عنه:
قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في الدر المثور : أخرج ابن مندة في الرد على الجهمية‎ ‎عن ‏أبي هريرة قال : قال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يوم يكشف عن ساق قال ‏يكشف‎ ‎الله عز وجل عن ساقه‎ [‎‏2‏

كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه:

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في قوله جل و عز " يوم يكشف عن ساق " قال : ‏عن‎ ‎ساقيه . قال أبو عبد الله : هكذا في قراءة ابن مسعود.3‏.

المبحث الثالث ‏‎:‎كشف الشبهات ورد الاعترضات.‏

الشبهة الأولى ‏‎:‎‏ إستدلالهم بأثر ابن عباس في تفسير آية: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ [القلم: 42]، ‏بشدَّة الهول والأمر.‏

والرد على هذه الشبهة من عدة أوجه ‏‎:‎
الوجه الأول ‏‎:‎أن رواية ابن عباس قد جاءت ممن طرق كلها ضعيفة وقد تابعها واحدة ‏بواحدة فضيلة الشيخ سليم الهلالي في كتابه العظيم المنهل الرقراق في تخريج ما روي ‏عن ‏الصحابة والتابعين في تفسير { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وهاك خلاصة ما انتهى إليه بعد ‏تفنيد ‏الروايات المسندة إلى ابن عباس على كثرتها :‏
ا- أن بعضها ضعيف ضعفاً شديداً لا ينجبر مثل طريق أسامة بن زيد عن عكرمة عنه ، ‏وطريق ‏العوفيين ومسائل نافع بن الأزرق .‏
‏2- أن بعضها ذات علة واحدة وهي الانقطاع وإذا كانت كذلك فإنها لا تشهد لبعضها ، ‏ولا ‏يقوى أمرها ، وهي طريق علي بن أبي طلحة عنه ، وطريق إبراهيم النخعي عنه ، وطريق ‏الضحاك ‏عنه ، ونقل قول السيوطي في الإتقان "وهذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن ‏عباس غير ‏مرضية ورواتها مجاهيل " .‏
‏3- أن بعضها لا يشهد لبعض لأنها ذات معان مختلفة : ففي بعضها أنه قال " كرب وشدة ‏‏" ‏وفي آخر أنه قال " يكشف الأمر وتبدو الأعمال " وفي ثالث أنه قال " عن أمر عظيم " ‏وفي آخر أنه قال ‏‏" يقوم القيامة والساعة لشدتها " . وتعقب الروايات المروية عن غير ‏ابن عباس كمجاهد وقتادة ‏وغيرهما .‏
ثم انتهى إلى الجزم بعدم ثبوت الأثر عن ابن عباس ، وتعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله في ‏‏تحسين بعض الروايات بالرغم من اضطرابها فمنها ما يفسر الساق بالكرب والشدة وفيها ‏أسامة بن ‏زيد وهو ضعيف جداً ، ومنها ما يفسرها بيوم القيامة . وفي أخرى أنه من يكشف ‏عن نور عظيم . ‏وفيها روح بن جناح وقد ضعفه البيهقي.‏
الوجه الثاني ‏‎:‎‏ أنه على فرض صحة ثبوت الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه فإن هذا منه لا ‏يعد تأويلا لأن لفظ الساق في الآية لم يضف لله تبارك وتعالى فكان تفسيره للساق بالشدة ‏والكرب له وجه في اللغة العربية فلا شك أن العرب كانت تستعمل هذه الكلمة في التعبير ‏عن شدة الأمر ، فيقولون كشفت‎ ‎الحرب عن ساقها، ويقصدون بها كشفت عن شدة ‏وهول، كما جاء عن سعد بن مالك جد طرفة بن‎ ‎العبد من قوله‎
كشفت لهم عن ساقها*** وبدا من الشر البراح‎
‎ ‎ديوان الحماسة‎ 1/198 ‎، والخصائص 3/252 والمحتسب2/326 من ‏حاشية معاني القرآن للفراء 3/177‏‎‎
فإذا فسرنا الآية بمعنى يوم يكشف القيامة عن ساقها التي هي بمعنى الشدة ، فالمعنى‎ ‎مناسب ‏جدا ، ويدل عليه سياق الآيات ، فمن شدة ذلك اليوم أنهم يدعون فيه إلى السجود‎ ‎فلا ‏يستطيون : خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، فكل هذا من شدة ذلك اليوم وهوله، والله‎ ‎المستعان‎.
ولكن هذا لاينافي أن يكون من تفسير الآية أن يكشف ربنا سبحانه وتعالى‎ ‎عن ساقه التي ‏جاءت في الروايات ، فالآية تحتمل كل هذه المعاني وهذا ليس فيه اختلاف‎ ‎تضاد ، وإنما هو ‏اختلاف تنوع، فكون ابن عباس رضي الله عنه وغيره يفسرون الاية بمعنى‎ ‎الهول والشدة ، ‏لايمنع من تفسيرها بالساق لله سبحانه وتعالى ، فيكون كل واحد من‎ ‎المفسرين ذكرا جزءا ‏من المعنى ، ويكون تفسير الآية مجموع هذه الأقوال.‏
لهذا أشار أبو يعلى في كتابه ـ إبطال التأويلات لأخبار الصفات ـ فقال : و الذي روي ‏عن‎ ‎ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ و الحسن فيحتمل أن يكون هذا التفسير منهما على ‏مقتضى‎ ‎اللغة و هو أن الساق في اللغة هو الشدة ، و لم يقصد بذلك تفسيره في صفات الله ‏تعالى‎ ‎في موجب الشرع.‏
فابن عباس رضي الله عنه لم يجعلها من الصفات أصلا في تفسيره للآية لأنها لم تضف لله ‏تبارك تعالى ,ونزاع الصحابة لم يكن في الصفة ألبتة إنما كان في تفسير الآية هل هي من ‏الصفات التي تجرى على ظاهرها أم أنها ليست من الصفات فتجرى كذلك على ظاهرها إذ ‏لا يعرف عن الصحابة تأويل شيء من نصوص الصفات، قال شيخ الإسلام ابن‎ ‎تيمية: إن جميع ما ‏في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها،‎ ‎وقد طالعت التفاسير المنقولة ‏عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما‎ ‎شاء الله تعالى من الكتب الكبار ‏والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه‎ ‎عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات ‏الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها‎ ‎المفهوم المعروف …. وتمام هذا أنى لم أجدهم ‏تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: يوم‎ ‎يكشف عن ساق فروى عن ابن عباس-رضي الله عنهما- ‏وطائفة أن المراد به الشدة أن الله‎ ‎يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدوها ‏في الصفات للحديث الذي‎ ‎رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن ‏هذه من الصفات‎ ‎فإنه قال: يوم يكشف عن ساق نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، ‏فمع‎ ‎عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر ، ومثل هذا ليس بتأويل ،‎ ‎إنما ‏التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف [ ينظر: مجموع‎ ‎الفتاوى 6/394‏‎ ‎‎]‎
وقال ابن القيم‎ : والصحابة متنازعون في تفسير الآية هل المراد الكشف عن‎ ‎الشدة أو المراد بها أن الرب ‏تعال يكشف عن ساقه‎ ولا يحفظ عن الصحابة‎ ‎والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع‎
‎وليس في‎ ‎ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه‎ وإنما ذكره مجردا عن الإضافة منكرا والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع‎ ‎لم يأخذوا ‏ذلك من ظاهر القرآن‎ وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق‎ ‎على صحته وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه‎ ‎ ‎فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له‎ ‎سجدا ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى‎ ‎{‎يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى‎ ‎السجود } " القلم42 " مطابق لقوله‎ ‎‎فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدا وتنكيره‎ ‎للتعظيم والتفخيم كأنه قال يكشف عن ‏ساق عظيمة‎ جلت عظمتها وتعالى شأنها أن‎ ‎يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا‎ وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه فإن‎ ‎لغة القوم في مثل ذلك أن يقال كشفت الشدة ‏عن القوم‎لا كشف عنها كما قال‎ ‎الله تعالى‎‎فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} " الزخرف50 " وقال ولو‎ ‎رحمناهم ‏وكشفنا ما بهم من ضر المؤمنون75‏‎
‎ فالعذاب والشدة هو المكشوف لا‎ ‎المكشوف عنه وأيضا فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا ‏تزال إلا بدخول الجنة‎ وهناك‎ ‎لا يدعون إلى السجود وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة [ الصواعق المرسلة ج: ‏‏1 ص‏‎: 252 ]

الوجه الثالث ‏‎:‎أن الصحابي الجليل ابن مسعود قد خالفه في ذلك وأثبت لله الساق كما تقدم ومتى ‏اختلف الصحابة فوجب الرجوع إلى الدليل ويكفينا الحديث الذي جاء فيه ذكر الساق مضافا إلى الله ‏تعالى كدليل لحسم الخلاف
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية : و قيل أي يوم يكشف عن ساق الأمر‏‎ ‎فتظهر حقائقه ، و قيل يكشف عن ساق جهنم ، و قيل ساق العرش وقيل أنه عبارة عن ‏القرب‎ .. ‎و سيأتي في أخر البحث ما هو الحق و إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ..ـ ثم قال‎ ‎بعد ذكر حديث أبي سعيد و قول ابن عباس رضي الله عنهم ـ و قد أغننا الله سبحانه في‎ ‎تفسير الآية بما صح عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما عرفت و ذلك لا يستلزم‎ ‎تجسيماً و لا تشبيهاً فليس كمثله شيء‎
د عوا كل قول عند قول محمدٍ فما آمن في‎ ‎دينه كمخاطر.‏
قال شيخنا الدكتور عبد الله الغنيمان معلوم أن قوله تعالى "يوم يكشف عن ساق " ليس ‏نصاً في أن الساق صفة لله تعالى ؛‎ ‎لأنه جاء منكرا غير معرّف فيكون قابلاً كونه صفة و ‏كونه غير صفة و تعيينه لواحد من‎ ‎ذلك يتوقف على الدليل و قد دل الدليل الصحيح على ‏ذلك فلا يجوز تأوله بعد ذلك ، أما‎ ‎ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما و غيره أن ذلك ‏الشدة و الكرب يوم القيامة فهذا‎ ‎بالنظر إلى لفظ الآية لأنها كما قلنا لم تدل على الصفة ‏بلفظها و إنما الدليل هو‎ ‎الحديث المذكور‎‎‏4‏.

الوجه الرابع ‏‎:‎‏ روى الفراء في معاني القرآن 3/177 قال حدثني سفيان عن ‏عمرو بن دينار عن ابن عباس‎ ‎رضي الله عنه ، أنه قرا يو م تكشف عن ساق يريد : ‏القيامة والساعة لشدتها‎ ‎انتهى‎
قال شعيب الأنؤوط قلت : وهذا سند صحيح كما في حاشية العواصم والقواصم‎ ‎لابن ‏الوزير 8/341‏‎ .
فعلى ما ورد في كتاب الفراء من قراءة ابن عباس الآية‎ ‎بالتاء يوم تكشف ، فيكون ‏تفسيره لها بقوله يوم هول وشدة‎ ‎واضح جدا وليس فيه‎ ‎تأويل كما يقولون، وعلى هذا ‏لايستطيع أهل البدع الاستدلال بقول ابن عباس في التاويل‎ ‎فقد فسر الاية على حسب ‏قراءته بالتاءتكشف ، وعلى القراءة بالتاء لاتكون كذلك من‎ ‎آيات الصفات‎.‎
‏وفي ختام الرد على هذه الشبهة نسأل هؤلاء : هل احتجاجكم بقول ابن عباس يعني أنكم ‏تقيدون أنفسكم بالمأثور عن السلف ؟ لقد فسرتم الاستواء بالاستيلاء مع أن الثابت عن السلف خلاف هذا التأويل ‏تماماً . ما ضربوه لك إلا جدلا ؟! وإلا : فإن الذي فسر كشف الساق بكشف الكربة لم يفسر الاستواء بالاستيلاء.‏

الشبهة الثانية ‏‎:‎‏ تأويلهم الصفة الواردة في الحديث بشدة الأمر ‏

فالجواب من وجهين‎:

‎- ‎الأوَّل‎: ‎أنَّ سياق الحديث‎ ‎دالٌّ على أنَّ المقصود ساق الله تعالى‎.

قال القاضي أبو يعلى عن تفسير الساق‎ ‎في الحديث بشدَّة الأمر‎:

‎«‎هذا غلط لوجوه‎:

أحدها: أنَّه قال‎: «‎فيتمثَّل لهم الرَّب وقد كشف عن ساقه»، والشدائد لا تسمَّى ربًّا‎.

والثاني‎: ‎أنَّهم التمسوه ليتَّبعوه فينجوا من الأهوال والشدائد التي‎ ‎وقع فيها من كان يعبد‎ ‎غيره، وإذا كان كذلك لم يجز أن يلتمسوه على صفة تلحقهم فيها الشدَّة‎ ‎والأهوال‎.
الثالث: أنَّه قال: «فيخرون سُجَّدًا»، والسجود لا يكون للشدائد، وهذا‎ ‎جواب أبي بكر ‏رأيته في تعاليق أبي إسحاق عنه‎.

الرابع: إن جاز تأويل هذا على‎ ‎الشدَّة جاز تأويل قوله: «ترون ربَّكم» على رؤية أفعاله ‏وكراماته، وقد امتنع مثبتوا‎ ‎الصفات من ذلك». ‏‎
وقال الشيخ‎ ‎الألباني رحمه الله تعالى: «وأنا وإن كنت أرى من حيث الرواية أنَّ لفظ: ‏‏«ساق» أصحُّ‎ ‎من لفظ «ساقه» فإنَّه لا فرق بينهما عندي من حيث الدِّراية؛ لأنَّ سياق ‏الحديث‎ ‎يدلُّ على أنَّ المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى، وأصرح الروايات في ذلك رواية ‏هشام‎ ‎عند الحاكم بلفظ: «هَل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم الساق، ‏فيكشف‎ ‎عن ساق…»، قلت: فهذا صريح أو كالصريح بأنَّ المعنى إنَّما هو ساق ذي ‏الجلالة‎ ‎تبارك وتعالى، فالظاهر أنَّ سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حيث كان ‏يقول‎: «‎عن ساقه»، ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنَّه أصاب الحقَّ». [«السلسلة ‏الصحيحة‎» ‎للألباني: 2/128‏‎].‎‏5‏‎

‎- ‎الوجه الثاني‎:

أنَّ‎ ‎لحديث أبي سعيد الخدري بلفظ «ساقه» شاهدًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‎ ‎‎«‎فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودًا، وذلك قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن‏‎ ‎سَاقٍ ‏وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: 42]. 6‏

الشبهة الثالثة ‏‎:‎‏ التشبيه ‏

والجواب ‏‎:‎أن يقال ‏‎:‎
إطلاق لفظ التشبيه إطلاقاً مجملاً، قد يراد به معنى باطل أو حق، فبإطلاقه يراد به‎ ‎أحد المعنيين‎:

المعنى الأول: تشبيه الخالق بالمخلوق؛ أي ما يجب ويمتنع ويجوز‎ ‎للمخلوق، يوجب ويمتنع ويجوز ‏للخالق، وهذا التشبيه المذموم الذي يكفر به قائله، وهذا‎ ‎هو المعنى الحق في نفي التشبيه‎.

المعنى الثاني: المشابهة في اللفظ والمعنى‎ ‎العام الكلي؛ أي إن حقيقة معنى أسماء الله وصفاته غير ‏حقيقة أسماء وصفات المخلوقين،‎ ‎وإن اشتركت في اللفظ والمعنى العام الكلي، وهذا هو المعنى ‏الباطل في نفي التشبيه‎.

مثال ذلك: إن الله سمى نفسه بأسماء، وسمى بعض عياده بها. وكذلك سمى صفاته‎ ‎بأسماء، وسمى ‏ببعضها صفات خلقه، وليس المسمى كالمسمى؛ وبيانه: سمى الله نفسه‎ ‎بالسميع البصير، وأثبت بذلك ‏صفة السمع والبصر قال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ‎ ‎البَصِيرُ}، وقد أثبت الله للإنسان صفة السمع ‏والبصر قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا‎ ‎الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا‎ ‎بَصِيرًا}. والمشابهة هنا ‏وقعت في الاسم والمعنى العام الكلي، والانتفاء واقع في‎ ‎التماثل فإن سمع وبصره الله ليس كسمع ‏وبصر الإنسان، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ‎ ‎شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} أي: إن الله يسمع لا كسمع ‏الإنسان، ويبصر لا‎ ‎كما يبصر الإنسان؛ ونظائر هذا كثيرة‎.

وعليه فإن القول في الصفات جميعها من‎ ‎باب واحد، فإنا نثبت لله صفة الساق لا كساق المخلوقات، ‏كما أثبتنا لله سمعاً لا‎ ‎كسمع المخلوقات‎.

وقد زلت المبتدعة في ضابط نفي التشبيه، وزاغت عن الحق، فنفت‎ ‎التشبيه في الاسم والمعنى العام ‏الكلي، حتى صارت المبتدعة ترمي بعضها البعض‎ ‎بالتشبيه، فكل من نفى شيئاً سمى من أثبته مشبهاً‎.

أما نفي التشبيه عند أهل‎ ‎السنة والجماعة، إنما يقصد به المعنى الأول. قال الإمام أبو حنيفة النعمان‎ ‎فيما نسب إليه: "يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا" 7 وهذا معنى‏‎ ‎قوله تعالى: ‏‏{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فنفي المثل‎ ‎وأثبت الصفة 8‏‎.‎
وهو المنهج الوسط الذي سار عليه الأئمة، وإليك أخي القارئ ‏نصوصهم حول هذا‎ ‎‏‎:‎
‏ 1- قال نعيم بن حماد الحافظ‏‎: ‎من شبه الله بخلقه, فقد‎ ‎كفر, ‏ومن أنكر ‏ما وصف به نفسه فقد كفر, وليس ما وصف به ‏نفسه, ولا رسوله‎ ‎‏تشبيها.‏‎
‏2- ‏يقول الإمام إسحاق بن راهويه‎ :" ‎إنما‎ ‎يكون التشبيه إذا ‏قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال ‏كما‎ ‎‏قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، ‏فهذا لا يكون تشبيهاً، قال‎ ‎تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو ‏السميع ‏البصير‎ }" ‎ذكره الترمذي في جامعه.
ولو كان إثبات الساق لله تعالى معناه التشبيه, لكان كل من أثبت ‏‏الصفات الأخرى‎ ‎لله تعالى ككونه حيا قديرا سميعا بصيرا مشبها ‏أيضا, ‏وهذا ما لا يقول به مسلم ممن‎ ‎ينتسبون اليوم إلى أهل ‏السنة والجماعة ‏خلافا لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم .‏
قال‎ ‎شيخ الإسلام في "منهاج ‏السنة" "2/ 75":‏‎
‏"فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفات‎ ‎الصفات يجعلون كل من ‏أثبتها ‏مجسما مشبها, ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة‎ ‎الأئمة ‏المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم, كما ذكر ‏ذلك أبو حاتم ‏صاحب كتاب‎ "‎الزينة" وغيره.‏‎
وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى‎ ‎‏ويقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, ويقولون: إن الله ‏يرى في ‏الآخرة". هذا‎ ‎مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من ‏أهل البيت ‏وغيرهم.‏‎
‏‎ثم قال ص80:‏
‏"والمقصود هنا أن أهل السنة متفقون على أن الله ليس كمثله شيء, لا ‏في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس ‏لفظ مجمل, فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن, ودل عليه العقل فهذا ‏حق, فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء ‏من
صفاته.., وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات, فلا يقال ‏له علم, ولا قدرة ولا حياة, لأن العبد موضوف بهذه الصفات فيلزم أن ‏لا يقال له: حي, عليم, قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء, وكذلك في ‏كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك, وهم يوافقون أهل السنة على ‏أن الله موجود حي عليم قادر, والمخلوق يقال له: موجود حي عليم ‏قادر, ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه".1‏
وقد إعترف كبار الأشاعرة بهذا فقال الرازي في رده على المعتزلة‎‎إن كنتم بالمشبهة من يقول ‏بكون الله مشابها لخلقه من بعض الوجوه فهذا لا‎ ‎يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أن ‏الله موجود‎….‎‏.‏

وجمعه أخوكم جمال البليدي ستر الله عيوبه.
ونقله أخوكم / أبز أسيف

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[شرح متن] شرح الشيخ صالح اللحيدان ـ حفظه الله ـ على كتاب التوحيد

تعليمية تعليمية
[شرح متن] شرح الشيخ صالح اللحيدان ـ حفظه الله ـ على كتاب التوحيد

تعليمية

وبعد
فهذا شرح سماحة الشيخ العلامة :
صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله
على كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
والذي ألقاه بجامع عثمان بن عفان – حي الوادي مدينة الياض بداية من يوم الإثنين 28 شوال 1443 هـ أسأل الله جلّ وعلا أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح .
[ الشريط 01 ]
[ الشريط 02 ]
[ الشريط 03 ]
[ الشريط 04 ]
[ الشريط 05 ]
[ الشريط 06 ]
[ الشريط 07 ]
[ الشريط 08 ]
[ الشريط 09 ]
[ الشريط 10 ]

[ الشريط 11 ]
[ الشريط 12 ]
[ الشريط 13 ]
[ الشريط 14 ]
[ الشريط 15 ]
[ الشريط 16 ]
[ الشريط 17 ]
[ الشريط 18 ]
[ الشريط 19 ]
[ الشريط 20 ]

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[مطوية] توحيد الربوبية

تعليمية تعليمية
[مطوية] توحيد الربوبية

أعد المطويات: أبو أسامة سمير الجزائري

قدم لها الشيخ: علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم

مدونة المطويات الدعوية
http://matwyat.eb2a.com

الملفات المرفقة (افحص الملف ببرامج الحماية وقم بالتبليغ عنه إذا وجدته مخالفا) تعليمية توحيد الربوبية 133.doc‏ (73.0 كيلوبايت)

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




شكرا اختي العزيزة