التصنيفات
السنة اولى ثانوي

طلب-تصنيف الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ………..اخواني انا احتاج مساعدة عاجلة في مادة التاريخ………..السؤال هو- تصنيف الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي مع دكر تاريخ الانضمام لكل دولة ……. ارجووووووووووووووووووكم انا في ورطة .. انتظر تفاعلكم وشكرااااااااااااااااااااا اا




التصنيفات
شهادة البكالوريا BAC

خريطة العالم موضح عليها جميع الدول هامة للمقبليين على شهادة البكالوريا 2022

سلام عيلكم
اقدم لكم خريطة العالم موضح عيلها جميع الدول
ومصنفة

http://www.eyesfile.co/za79ddo5rxjz/maps_.rar.html




التصنيفات
الوظائف والتوظيف

موقع يعرض الاف كبرى الوظائف الشاغره فى جميع الدول خش ولن تندم

موقع يعرض الاف كبرى الوظائف الشاغره فى جميع الدول خش ولن تندم

لمشاهده الموقع اضغط هنا




جزاك الله خيــرا على هذا الإ نجــــاز المتميز , وشكرا جزيلا لك.




تعليمية




شكرا جعلها الله في ميزان حسناتكالسبت 6 شعبان 1443




شكرا لك اخي على الجلب المميز
بارك الله فيك وجزاك الخير
تحياتي





بارك الله فيك




مشكور اخي الكريم




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[كتاب] كتاب جديد: الوثائق التآمرية على الدول العربية والإسلامية للشيخ محمد الإمام حفظ

تعليمية تعليمية
[كتاب] كتاب جديد: الوثائق التآمرية على الدول العربية والإسلامية للشيخ محمد الإمام حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم هذا الكتاب الجديد
وهو بعنوان
::: الوثائق التآمرية على الدول العربية والإسلامية :::

لفضيلة الشيخ
محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله

تعليمية

للتحميل فضلاً [من هنا]

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
بلدان ومدن

موسوعة تاريخ الدول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني اخواتي اعضاء منتديات خنشلة التعليمية
اقدم لكم هذه الموسوعة العالمية
حيث اليوم نتاول :
قارة أفريقيا
هي القارة التي تتوسط قارات العالم القديم، وهي ثانية قارات العالم مساحة إذ تبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كلم2. وتملك دولها التي يصل عددها إلى 54 دولة خصائص مشتركة لكنها تختلف اختلافا بينا في المساحة وعدد السكان والموارد الاقتصادية. فنيجيريا هي أكبر دولة من حيث عدد السكان الذين يقدر عددهم بحوالي 111.5 مليون نسمة (عام 2000) في حين توجد سبع دول مستقلة في القارة لا يتجاوز عدد سكان كل منها مليون نسمة، وتعد سيشيل هي الدولة الأصغر من حيث عدد السكان الذين قدروا بحوالي 77 ألف نسمة. أما إجمالي عدد سكان القارة فيصل إلى حوالي 783.5 مليون نسمة (عام 2000).
ويعيش ثلثا سكان القارة الأفريقية على الزراعة. ورغم أنها قارة ضخمة المساحة حيث تبلغ كثافتها السكانية 22 نسمة لكل كلم2، فإن هذه الكثافة في الأراضي الزراعية تصل إلى 163 نسمة لكل كلم2، ومتوسط معدل الزيادة السكانية في القارة يصل إلى حوالي 2.9% سنوياً مما يمثل ضغطا سكانيا على الأراضي الزراعية ويدفع الشباب إلى الهجرة إلى المدن حتى لو كانت فرص العمل ضعيفة.


تعليمية

الفهرس الخاص بمواضيع القارة :





القيروان "اجمل المدن التونسيه والتاريخ الاسلامي"

فاس المغربيه"حضاره…تاريخ..ع لم..ثقافه"

تاريخ المغرب

تاريخ الجزائر

تاريخ تونس

تاريخ ليبيا

مدينه قسنطينه "صور قديمه وحديثه "

تاريخ الاسكندريه منذ نشاتها

الاسكندريه الامبراطوريه الضائعه

صفحه من تاريخنا المضئ دوله المرابطين

القاهره

موسوعه تاريخ وحضاره مصر الفرعونيه

بدايات الدوله العثمانيه حتي عهد السلطان محمد الفاتح"بالتفصيل "

دول منسلخه عن الخلافه العباسيه




القيروان …اجمل المدن التونسية و التاريخ الاسلامي

يعود تاريخ القيروان إلى عام 50 هـ / 670 م، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم. وقد اختير موقعها على أساس حاجات إستراتيجية واضحة. وقد اختار لها موضعا بعيدا عن البصر في وسط البلاد ولئلا تمر عليها مراكب الروم فتهلكها.

لعبت مدينة القيروان دورا رئيسيا في القرون الإسلامية الأولى، فكانت العاصمة السياسية للمغرب الإسلامي ومركز الثقل فيه منذ ابتداء الفتح إلى آخر دولة الأمويين بدمشق . وعندما تأسست الخلافة العباسية ببغداد رأت فيها عاصمة العباسيين خير مساند لها لما أصبح يهدد الدولة الناشئة من خطر الانقسام والتفكك. ومع ظهور عدة دول مناوئة للعاصمة العباسية في المغرب الإسلامي فقد نشأت دولة الأمويين بالأندلس، ونشأت الدولة الرستمية من الخوارج في الجزائر، ونشأت الدولة الإدريسية العلوية في المغرب الأقصى.

وكانت كل دولة من تلك الدول تحمل عداوة لبني العباس خاصة الدولة الإدريسية الشيعية التي تعتبرها بغداد أكبر خطر يهددها. لهذا كله رأى هارون الرشيد أن يتخذ سدا منيعا يحول دون تسرب الخطر الشيعي. ولم ير إلا عاصمة إفريقية قادرة على ذلك، فأعطى لإبراهيم بن الأغلب الاستقلال في النفوذ وتسلسل الإمارة في نسله.

وقامت دولة الأغالبة (184-296هـ / 800 -909م) كوحدة مستقلة ومداف عة عن الخلافة. وقد كانت دولة الأغالبة هذا الدرع المنيع أيام استقرارها، ونجحت في ضم صقلية إلى ملكها عام 264 هـ / 878 م، وقام أمراؤها الأوائل بأعمال بنائية ضخمة في القيروان ذاتها ومنها توسيع الجامع في القيروان، وتوسيع الجامع في تونس، كما عمل الأغالبة على الاهتمام بالزراعة والري في المنطقة، وأقاموا الفسقية المشهورة.

وقد استغل الأمراء الأغالبة تلك المكانة واتخذوها سلاحا يهددون به عاصمة بغداد كلما هم خليفة من خلفائها بالتقليل من شأن الأمراء الأغالبة أو انتقاص سيادتهم. وهذا ما فعله زيادة الله بن الأغلب مع الخليفة المأمون العباسي. فقد أراد هذا الأخير إلحاق القيراون بولاية مصر، وطلب من زيادة الله أن يدعو لعبد الله بن طاهر بن الحسين والي المأمون على مصر فأدخل زيادة الله رسول المأمون إليه، وقال له: إن الخليفة يأمرني بالدعاء لعبد خزاعة. هذا لا يكون أبدا ثم مد يده إلى كيس بجنبه فيه ألف دينار ودفعه للرسول. وكان في الكيس دنانير مضروبة باسم الأدارسة في المغرب ؛ ففهم المأمون مقصد الأمير الأغلبي فكف عن محاولته ولم يعد إليها.

وبسبب هذه المكانة فقد عمل على التقرب منها أكبر ملك في أوروبا إذ بعث الإمبراطور شارلمان بسفرائه إلى إبراهيم بن الأغلب فقابلهم في دار الإمارة بالعباسية في أبهة عجيبة بالرغم من الصلات الودية التي كانت بين هذا الإمبراطور والخليفة العباسي هارون الرشيد.

وفي عهد ولاية إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب (261 – 289هـ / 875 -902م) بدأت الفتن تدب بين أمراء الأغالبة. وكان إبراهيم بن أحمد سفاحا لم تسلم منه عامة الناس ولا أقرب الناس إليه وكان غدره بسبعمائة من أهل بلزمة سنة 280هـ / 894 م سببا من أسباب سقوط دولة بني الأغلب. وفي نفس السنة شقت عصا الطاعة في وجه هذا الأمير مدن تونس، وباجة، وقمودة، وغيرها. وعمت الفوضى أرجاء البلاد بينما الخطر العبيدي الشيعي يزداد يوما بعد يوم. ولما أيقن إبراهيم بن أحمد بخطر بني عبيد حاول سنة 289هـ /902 م تغيير سياسته، فرفع المظالم، واستمال الفقهاء، وبذل الأموال للشعب ولكن بدون جدوى. وفي عهد حفيده زيادة الله ازداد خوف بغداد واشتد جزعها من الزحف العبيدي فبعث الخليفة العباسي المكتفي بالله يحث أهل إفريقية على نصرة زيادة الله فلم يكن لذلك صدى في النفوس وبذل زيادة الله الأموال بلا حساب ولكن دون جدوى. فلم يمض على هذا الحادث سوى ثلاث سنوات حتى جاءت معركة الأربس الحاسمة سنة 296هـ / 909 م وفر على إثرها زيادة الله إلى المشرق ومعه وجوه رجاله وفتيانه وعبيده. وباستيلاء العبيديين على القيروان جمعوا كل المغرب تحت سيطرتهم فشجعهم ذلك على متابعة السير نحو المشرق. و ‎ أمكن لهم فيما بعد أن يستولوا على مصر والشام والحجاز. ولولا الظروف السياسية والوضع الداخلي للفاطميين لاستولوا على بغداد نفسها.

وعندما انتقل بنو عبيد إلى مصر ووصل المعز لدين الله الفاطمي القاهرة عام 362هـ / 973 م اهتموا بالقيروان واتخذوها مركزا لنائبهم في إفريقية، وعهدوا إليه بالسهر على حفظ وحدة المغرب والسيطرة عليه. واستخلف المعز الفاطمي بلكين بن زيري الصنهاجي على إفريقية، وكتب إلى العمال وولاة الأشغال بالسمع والطاعة له فأصبح أميرا على إفريقية والمغرب كله، وقام بلكين وخلفاؤه بقمع الثورات التي حصلت خاصة في المغرب في قبائل زنانة. واستمر المغرب في وحدته الصنهاجية وتبعيته إلى مصر الفاطمية إلى أن انقسم البيت الصنهاجي على نفسه فاستقل حماد الصنهاجي عن القيروان متخذا من القلعة التي بناها قاعدة لإمارته. وكان هذا الانقسام السياسي خير ممهد لظهور دولة المرابطين في المغرب الأقصى. كما كان لهذا الانقسام نتائجه الأليمة فيما بعد عندما أعلن المعز ابن باديس الصنهاجي استقلاله عن الفاطميين، فبعثوا إليه بقبائل الأعراب من الهلاليين فمزق شمل الدولة، وقضى على معالم الحضارة، وخربت القيروان، ولم تعد العاصمة السياسية القوية أو مركزا تشع منه المعارف والعلوم والآداب

تعليمية

تعليمية

تعليمية

تعليمية




2-فاس المغربية :: حضارة تاريخ علم و تراث::

مدينة فاس المدينة العريقة والتي تسمى العاصمة العلمية والروحية بسبب عدة امتيازات خاصة بها

فاس مدينة مغربية : ثالث اكبر مدن المملكة المغربية (بعد الدار البيضاء والعاصمة الرباط )، وهي واحدة من المدن الاربعة العتيقة بالمغرب (مراكش ،الرباط ،مكناس وفاس)

تأسست مدينة فاس يوم 4 يناير/كانون الثاني سنة 808 ميلادي/182 هجري، على يد إدريس الأول الذي جعلها عاصمة الدولة الإدريسية بالمغرب ،حيث ستحتفل المدينة سنة 2022 بعيد ميلادها ال1200. تنقسم فاس إلى 3 أقسام، فاس البالي وهي المدينة القديمة وفاس الجديد وقد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي والمدينة الجديدة التي بناها الفرنسيون إبان فترة الاستعمار الفرنسي.

تقع مدينة فاس في أقصى شمال شرق المملكة المغربية.

تعليمية

اختيرت مدينة فاس كأحد مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو عام 1981 م. تعد المدينة القديمة في فاس أكبر منطقة خالية من المركبات والسيارات في العالم.
والتي لم تتغير منذ القرن الثاني عشر

تعليمية

وهي اكبر مدينة قديمة في العالم وتعتبر كذلك احدى العواصم العربية المسلمة للثقافة بجانب دمشق وبغداد ..
وترجع تسمية المدينة " فاس " الى العثور على فأس اثناء تشييد المدينة

واكثر ماتشتهر المدن المغربية القديمة هي الابواب وتعتبر فاس اكثرها :

تعليمية

تعليمية

تعليمية

تعليمية

تعليمية

فاس ايضا مشهورة بجامع القرويين الذي بني عام 245 هـ/859 م.قامت ببنائه فاطمة الفهرية حيث وهبت كل ما ورثته لبناء المسجد. كان أهل المدينة وحكامها يقومون بتوسعة المسجد وترميمه والقيام بشؤونه. أضاف الأمراء الزناتيون بمساعدة من أمويي الأندلس حوالي 3 آلاف متر مربع إلى المسجد وقام بعدهم المرابطون بإجراء توسعة أخرى.

لا تزال الصومعة المربعة الواسعة في المسجد قائمة إلى الآن من يوم توسعة الأمراء الزناتيين عمال عبد الرحمن الناصر على المدينة، تعد هذه الصومعة أقدم منارة مربعة في بلاد المغرب العربي.

تعليمية

جامعة القرويين هي أول جامعة أنشئت في تاريخ العالم، وأقدمها على الإطلاق. بنيت الجامعة كمؤسسة تعليمية لجامع القرويين .

تخرج فيها العديد علماء الغرب، وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. درس فيها سيلفستر الثاني (غربيرت دورياك)، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويقال أنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية. كما أن موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في جامعة القرويين.

درّس فيها الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي وابن البنا المراكشي وابن العربي وابن رشيد السبتي وابن الحاج الفاسي وابن ميمون الغماري، زارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة كما زارها ابن زهر مرات عديدة ودون النحوي ابن آجروم كتابه المعروف في النحو فيها.

تعليمية

ننتقل الآن الى المدينة الحديثة

تعليمية

تعليمية

تعليمية




۞۞ تاريخ المغرب ۞۞

السكان الأصليون بالمغرب هم الأمازيغ، وعرف المغرب خلال فترات ما قبل التاريخ حتى يومنا هذا تعاقب عدة حضارات أمازيغية، منها: الحضارة الآشولية، الموستيرية، العاتيرية، الإيبروموريزية، الموريتانية الطنجية، و الحضارات الإسلامية بالمغرب.

تعليمية

قوس النصر بمدينة وليلي (فوليبليس) الاثرية

حضارات فترة ما قبل التاريخ

العصر الحجري القديم
الحضارة الآشولية: تعود بقايا هده الحضارة إلى حوالي 700.000 سنة وأهم الاكتشافات تمت بمواقع مدينة الدار البيضاء( مقالع طوما وأولاد حميدة، وسيدي عبد الرحمان…). الأدوات الحجرية الخاصة بهده الحضارة تتكون من حجر معدل، حجر ذو وجهين….

العصر الحجري الأوسط
الحضارة الموستيرية:عرفت هده الحضارة في المغرب بين حوالي 120.000و 40.000 سنة ق.م و من أهم المواقع التي تعود إلى هده الفترة حيث نذكر موقع جبل "يعود" والذي عثر فيه على أدوات حجرية تخص هذه الفــترة ( مكاشط…) وكذلك على بقايا الإنسان والحيوان.

الحضارة العاتيرية: –
تطورت هذه الحضارة في المغرب بين 40.000 سنة و 20.000سنة وهي حضارة خاصة بشمال إفريقيا وقد عثر عليها في عدة مستويات بعدة مغارات على الساحل الأطلسي: دار السلطان 2 ومغارة الهرهورة والمناصرة 1و2….

العصر الحجري الأعلى
الحضارة الإيبروموريزية: ظهرت هده الحضارة في المغرب واوروبا مند حوالي 21.000 سنة وتميزت بتطور كبير في الأدوات الحجرية والعظمية. أهم المواقع التي تخلد هده الفترة نجد مغارة تافوغالت والتي تقع في نواحي مدينة وجدة.

العصر الحجري الحديث
يلي هدا العصر من الناحية الكرونولوجية الفترة الإيبروموريزية وقد تطور في المغرب حوالي 6000 سنة ق م. تتميز هذه الحضارة بظهور الزراعة واستقرار الإنسان وتدجين الحيوانات وصناعة الخزف واستعمال الفؤوس الحجرية… في المغرب هناك عدة مواقع عثر فيها على هده الحضارة ونذكر مثلا: كهف تحت الغار وغار الكحل ومغارات الخيل ومقبرة الروازي الصخيرات….

عصر المعادن
يرجع هدا العصر إلى حوالي 3000 سنة ق.م وأهم مميزاته استعمال معدني النحاس ثم البرونز وأهم خصائصه ما يعرف بالحضارة الجرسية ثم حضارة عصر البرونز.

حضارات العصر الكلاسيكي بالمغرب

الفترة الفينيقية
يرجع المؤرخ Pline l’ancien بدايات تواجد الفينيقيين بالمغرب إلى حوالي نهاية القرن الثاني عشر ق.م مع ذكر موقع ليكسوس كأول ما تم تأسيسه بغرب المغرب. لكن بالنظر إلى نتائج الحفريات الأثرية نجد أن استقرار الفينيقيين بالمغرب لا يتجاوز الثلث الأول من القرن الثامن ق.م. بالإضافة إلى ليكسوس نجد موكادور التي تعتبر أقصى نقطة وصلها الفينيقيين في غرب المغرب. الاكتشافات الأخيرة أغنت الخريطة الأركيولوجية الخاصة بهذه الفترة بالمغرب حيث تم اكتشاف عدة مواقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط. و مكان تواجدها هو مدينة العرائش.

تعليمية
ليكسوس الاثرية

الفترة البونيقية
في القرن الخامس ق م قام حانون برحلة استكشافية على طول شواطئ المغرب حيث قام بتأسيس عدة مراكز، التأثير القرطاجي يظهر

بالخصوص في عادات الدفن وانتشار اللغة البونيقية. ومنذ القرن الثالث ق.م ، مدينة وليلي الموريطانية كانت تخضع لحكم يشبه حكم قرطاج.

الفتره الموريتانية الطنجية
أقدم ما ذكر حول الملوك الموريتانيين يعود إلى الحرب البونيقية الثانية حوالي 206 ق م و ذلك حين وفر الملك باكا حماية للملك الأمازيغي ماسينسا تتمثل في 4000 فارسا. أما تاريخ المملكة الموريطانية فلم تتضح معالمه إلا مع نهاية القرن الثاني ق.م و ذلك مع الاهتمامات التي أصبحت توليها روما لهذا الجزء من أفريقيا. في سنة 25 ق م، نصبت روما الملك يوبا الثاني علـــى رأس المملكة. و بعــد اغتيال" الملك بتوليمي" من طرف الإمبراطور كاليكيلا سنة 40 ق م تم إلحاق المملكة الموريتانية بالإمبراطورية الرومانية.

الفترة الرومانية
بعد إحداث موريتانيا الطنجية، قامت روما بإعادة تهيئة لعدة مدن: تمودة، طنجة، تاموسيدة، زليل، بناصا، وليلي، شالة… كما قامت بإحداث عدة مراكز ذات أهداف عسكرية، و خلال هذه الفترة عرف المغرب انفتاحا تجاريا مهما على حوض البحر الأبيض المتوسط. في سنة 285 بعد الميلاد تخلت الإدارة الرومانية على كل المناطق الواقعة جنوب اللكوس باستثناء سلا و موكادور. مع بداية القرن الخامس الميلادي، خرج الرومان من كل مناطق المغرب.

تعليمية

الحضارات الإسلامية بالمغرب

باعتناق المغاربة للإسلام ظهرت أول دولة إسلامية بالمغرب هي دولة الأدارسة سنة 788م. وقد كان مؤسس هذه الدولة مولاي ادريس ابن عبد الله الازدي الفارسي، الذي حل بالمغرب الأقصى فارا من موقعة فخ قرب مكة (786). استقر بمدينة وليلي حيث احتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية و دعمته حتى انشأ دولته.

تعليمية

الدولة الإدريسة
خلافا لأقاليم و بلدان المشرق لم يكن فتح المغرب بالشيئ الهين، فقد استغرق الأمر نصف قرن من 646م إلى 710م. باعتناق المغاربة الإسلام ظهرت بوادر انفصال هذا الإقليم عن الخلافة بالمشرق. عقب عدة محاولات تحققت هذه الرغبة بظهور أول دولة إسلامية بالمغرب هي دولة الأدارسة سنة 788م. وقد كان مؤسس هذه الدولة المولاى إدريس بن عبد الله المحض العلوي الهاشمي، الذي حل بالمغرب الأقصى فارا من موقعة فخ قرب مكة (786). استقر بمدينة وليلي حيث احتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية و دعمته حتى انشأ دولته. هكذا تمكن من ضم كل من منطقة تامسنا، فزاز ثم تلمسان. اغتيل المولى ادريس الأول بمكيدة دبرها الخليفة العباسي هارون الرشيد ونفذت بعطر مسموم. بويع ابنه ادريس الثاني بعد بلوغه سن الثانية عشر. قام هذا الأخير ببناء مدينة فاس كما بسط نفوذه على وادي الربيع ونواحي فاس بالمغرب. المغرب.

دولة المرابطين
في حدود القرن الحادي عشر الميلادي ظهر في ما يعرف اليوم بموريتانيا مجموعة من الرحل ينتمون لقبيلتي لمتونة وجدالة واستطاع عبد الله بن ياسين، وهو أحد المصلحين الدينيين أن يوحد هاتين القبيلتين و ينظمهما وفق مبادئ دينية متخذا اسم المرابطين لحركته. و هكذا سعى المرابطون إلى فرض نفسهم كقوة فاعلة ، وتمكنوا من إنشاء دولتهم عاصمتها مراكش التي أسسوها سنة 1069م. بسط المرابطون سلطتهم على مجمل المغرب الحالي وبعض جهات الغرب الجزائري و الأندلس ابتداء من 1086م.

الدولة الموحدية
المدرسة البوعنانية في مكناسفي بداية القرن 12م تعاظم بالمغرب شأن المصلح الديني و الثائر السياسي المهدي بن تومرت. حيث استقر بقرية تنمل بجبال الأطلس الكبير جنوب شرق مراكش. و نظم قبائل مصمودة من حوله بغرض الإطاحة بدولة المرابطين التي اعتبرها زائغة عن العقيدة الصحيحة للإسلام، كما سمى أتباعه بالموحدين. استطاع الموحدون بقيادة عبد المومن بن علي من السيطرة على المغرب الأقصى كله بحلول سنة 1147م. كما تمكن من بسط نفوذه على شمال إفريقيا كلها والأندلس مؤسسا بذلك أكبر إمبراطورية بغرب المتوسط منذ الإمبراطورية الرومانية.

الدولة المرينية
ينحدر المرينيون من بلاد الزاب الكبير في الشرق الجزائري (السفوح الغربية لجبال الاوراس امتدادا حتى منطقة المدية ،ومعنى كلمة المرينيون: القبائل التي هلكت ماشيتها، وهم قبائل بدوية كان أول ظهور لهم كمتطوعين في الجيش الموحدي ،واستطاعوا تشكيل قوة عسكرية وسياسية مكنتهم من الإطاحة بدولة الموحدين سنة 1269م. حكم المرينيون المغرب لمدة قرنيين لم يستطيعوا خلالها الحفاظ على الإرث الكبير الذي خلفه الموحدون. مما أجبرهم في نهاية الأمر على توجيه اهتمامهم على الحدود الترابية للمغرب الأقصى.ستتميز نهاية حكمهم بانقسام المغرب إلى مملكتين: مملكة فاس ومملكة مراكش، إضافة إلى سقوط مجموعة من المدن في يد المحتل الإيبيري، كسبتة 1415م و القصر الصغير 1458 و أصيلا و طنجة 1471 و مليلية 1497,ومن بعدهم حكم المغرب الوطاسيون وتنحدر اصولهم ايضا من الشرق الجزائري.

الدولة السعدية
انطلقت حركة الشرفاء السعديين من جنوب المغرب تحديدا من مناطق درعة. وقد اتخذت شكل مقاومة جهادية ضد المحتل الإيبيري للمدن الساحلية.
غير أن السعديين ما فتؤوا يتحولون إلى قوة عسكرية وسياسية تمكنت من فرض نفسها في غياب سلطة مركزية قوية قادرة على توحيد البلاد ودرء الاحتلال. وقد ساعد في بروز دولة السعديين سلسلة الإنتصارات المتلاحقة التي حققوها والتي كللت بدخولهم مراكش سنة 1525م تم فاس سنة 1554م. وقد كان هذا إيذانا بقيام حكم الدولة السعدية بالمغرب. لقد كان الإنتصار المدوي للسعديين على البرتغال في معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاث) سنة 1578م بالغ الأثر على المغرب،
حيث أعاد للمغرب هيبته في محيطه الجييوستراتيجي، كما مكنه من الإستفادة اقتصاديا خاصة في علاقته مع إفريقيا. كانت وفاةالمنصور الذهبي سنة 1603م إيذانا باندحار دولة السعديين بفعل التطاحن على السلطة بين مختلف أدعياء العرش.

الدولة العلوية
النزاع السياسي الذي خلفه السعديون سيدوم 60 سنة انقسم أثناءها المغرب الأقصى إلى كيانات سياسية جهوية ذات طابع ديني مثل إمارة تازروالت بسوس. هكذا وابتداءا من سنة 1664 ظهر الشريف مولاي رشيد بتافيلالت وانطلق في حملة عسكرية هدفها توحيد البلاد من التشرذم وتأسيس سلطة مركزية قوية، بسط مولى رشيد سلطته مؤسسا بذلك دولة العلويين. وقد كان على خلفه السلطان مولاي إسماعيل دور تثبيت سلطة الدولة الناشئة وفرض هيبتها. استمر عهد السلطان المولى إسماعيل 50 سنة تمكن خلالها من بناء نظام سياسي للدولة. تولى السلاطين العلويون على الحكم متحديين أزمات متعددة داخلية وأخرى خارجية من أبرزها فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م. وبفضل التضحيات استعاد المغرب استقلاله سنة 1956 معلنا عن ميلاد عهد جديد بالمغرب.

التاريخ الحديث

عهد الحماية
فرض على المغرب نوع من الحماية، جعل أراضيه تحت سيطرة فرنسا وإسبانيا بحسب ما تقرر في مؤتمر الجزيرة الخضراء (أبريل 1906)، وهي تتيح للدول المشاركة المشاركة في تسيير المغرب مع احتفاظه ببعض السيادة ورموزه الوطنية، بعثت فرنسا بجيشها إلى الدار البيضاء في غشت 1907، انتهى الأمر بالسلطان إلى قبول معاهدة الحماية في 3 مارس 1912. وقتها أصبح لإسبانيا مناطق نفوذ في شمال المغرب (الريف) وجنوبه (إفني وطرفاية). في 1923 أصبحت طنجة منطقة دولية. أما باقي المناطق بالمغرب فقد كانت تحت سيطرة فرنسا.
1920 إلى 1927: ثورة الريف في الشمال – حرب الريف – وقيام جمهورية الريف بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي إلى المغرب، خاصة في سنتين 1921 و1926. وتقوت المعارضة ذات النزعة الوطنية، وشرع في المقاومة، في الجبال وفي المدن؛ في 1930، ظهر أول تنظيم سياسي مغربي، بزعامة كل من علال الفاسي و الاوزاني ، وهم الذين سيؤسسون لاحقا حزب الاستقلال. وفي الحرب العالمية الثانية، كانت الحركة المعارضة للحماية قد تقوت، وكانت الجامعة العربية والولايات المتحدة يساندونها. وكان السلطان محمد الخامس يدعمها بدوره ( خطاب طنجة 1947). وقد أكد موقفه المناوئ للحماية أثناء الاحتفال بعيد العرش سنة 1952. وتجاوب معه الشعب على نطاق واسع، فنظمت مظاهرات مساندة لمساعيه ( في الدار البيضاء على الخصوص)، وواجهت سلطات الاحتلال المتظاهرين بالقمع العنيف، وقد عملت سلطات الاختلال على كسب دعم الاقطاعيين، خاصة، لخلع ملك البلاد الشرعي، واحلال ابن عمه ( ابن عرفة ) محله، وكرد فعل على ذلك، دعا رجالات الحركة الوطنية إلى الكفاح المسلح ضد الفرنسيين، وأعلن على استقلال المغرب في 3 مارس 1956. كما ان إسبانيا سلمت بدورها باستقلال هذا البلد في 7 ابريل 1956.

مسيرة الاستقلال
لمزيد من المعلومات، راجع المقال الرئيسي عن استعمار إنجليزي للمغرب، الاحتلال الإسباني للمغرب، الظهير البربري، مبدأ الحماية، حرب الريف والمسيرة الخضراء.
في 18 نوفمبر عام 1927، تربع الملك محمد الخامس على العرش وهو في الثامنة عشرة من عمره، وفي عهده خاض المغرب المعركة الحاسمة من أجل الاستقلال عن الحماية. في 11 يناير 1944 تم تقديم وثيقة المطالبة بإنهاء حماية المغرب واسترجاع وحدته الترابية وسيادته الوطنية الكاملة. في 9 أبريل 1947 زار محمد الخامس مدينة طنجة حيث ألقى بها خطاب طنجة الذي أدى إلى تصعيد المقاومة (جيش التحرير) لإنهاء الحماية. في 20 غشت 1953 نفي محمد الخامس والأسرة الملكية إلى مدغشقر واندلع بالمغرب ما يعرف بثورة الملك والشعب.

في 16 نونبر 1955 عاد محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى. وفي 2 مارس 1956 اعترفت الحكومة الفرنسية باستقلال المملكة المغربية في التصريح المشترك الموقع بين محمد الخامس والحكومة الفرنسية، وفي 7 أبريل 1956 تم التوقيع مع اسبانيا على اتفاقيات تم بموجبها استرجاع المغرب لأراضيه في الشمال، وفي اليوم 22 من نفس الشهر انضم المغرب إلى منظمة الأمم المتحدة، وفي عام 1958 استرجع المغرب إقليم طرفاية من الاحتلال الأسباني وتم إلغاء القانون الذي تم بمقتضاه تدويل مدينة طنجة. وفي 26 فبراير 1961 توفي محمد الخامس.

في عهد الحسن الثاني
تربع الحسن الثاني على العرش كملك للمغرب في 3 مارس 1961، في دجنبر 1962 تمت المصادقة بواسطة الاستفتاء على أول دستور يجعل من المغرب ملكية دستورية، في عام 1969 تم استرجاع سيدي إفني. في 6 نونبر 1975 انطلقت المسيرة الخضراء بـ350 ألف متطوع ومتطوعة عبروا الحدود الإستعمارية ودخلوا الصحراء الغربية. في 14 نونبر 1975 تم التوقيع على معاهدة مدريد التي تم بموجبها استرجاع المغرب للأقاليم الصحراوية، في 23 يناير 1987 اقترح الحسن الثاني على العاهل الأسباني خوان كارلوس الأول إنشاء خلية للنظر في قضية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية (جزر باديس ونكور وملوية) التي لا زالت تحت الاحتلال الإسباني. في 17 فبراير 1989 تم التوقيع بمراكش على المعاهدة التأسيسية لاتحاد المغرب العربي.
كما ترأس الحسن الثاني لجنة القدس منذ انعقاد المؤتمر العاشر لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي بفاس في جمادى الآخرة 1399هـ، مارس 1979م إلى حين وفاته في عام 1999م، وتم اختيار الملك محمد السادس رئيسا للجنة. وفي عام 1992م، ترأس الملك الحسن اجتماعات قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت بالدار البيضاء، كما شارك في قمة (صانعي السلام) بشرم الشيخ بمصر. وفي 23 يوليوز 1999م، توفي الملك الحسن الثاني بعد أن عمل على توحيد المغرب ودعم استقلال جميع أراضيه، وبذل جهوداً كبيرة من أجل تشجيع المبادرات الإسلامية والعربية والإفريقية. وفي اليوم نفسه تلقى الملك محمد بن الحسن البيعة في قاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط.

الأحداث الرئيسية

قبل الميلاد: الأمازيغ هم السكان الأصليون للبلاد، أسسوا اتحادات قبلية وممالك مثل "مملكة مازيليا" و "مملكة موريطانيا" و "مملكة نوميديا".
القرن 2 قبل الميلاد: الحملة الرومانية لجزء من شمال المغرب ووجهت بالمقاومة.
القرن 3: عبور الوندال ثم البيزنطيين للأجزاء الشمالية.
القرن 7:الفتح الإسلامي للمغرب.
من القرن 8 إلى القرن 17: تعاقبت عدة أسر على حكم المغرب ومنها: المرابطون، الموحدون، المرينيون والسعديون.
1660: تأسيس الدولة العلوية.
1822-1859: حكم مولاي عبد الرحمن الذي ناصر المقاومة الجزائرية بزعامة الأمير عبد القادر ضد الاستعمار الفرنسي.
1894-1908: خلال حكم مولاي عبد العزيز تمت معاهدة سرية بين فرنسا وإسبانيا حول تقسيم الصحراء الغربية. وهجوم القوات البحرية الفرنسية على مدينة الدار البيضاء سنة 1907.
1912: توقيع معاهدة الحماية وتقسيم المغرب إلى ثلاثة مناطق.
1920 إلى 1927 : ثورة الريف في الشمال – حرب الريف – وقيام جمهورية الريف بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي.
1927: اعتلاء محمد الخامس العرش وهو في سن الثامنة عشر.
1947: زيارة محمد الخامس مدينة طنجة (الخاضعة للحماية الدولية أنذاك) في خطوة مهمة عبر فيها المغرب عن رغبته في الاستقلال وانتمائه العربي الإسلامي في خطاب طنجة.
1953: نفي الملك محمد الخامس وعائلته إلى مدغشقر من طرف فرنسا لمطالبته باستقلال المغرب ودعم حركات المقاومة.
1955: سماح فرنسا بعودة العائلة الملكية إلى البلاد بعد الهجمات المتصاعدة للمقاومة والغضب الشعبي.
1956: استقلال البلاد مع بقاء سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وإفني والأقاليم الصحراوية تحت السلطة الإسبانية.
1957: استرجاع رأس جوبي (طرفاية) بعد حرب إفني مع إسبانيا وفرنسا.
1961: وفاة الملك محمد الخامس واعتلاء الحسن الثاني العرش.
1963: المغرب يدخل في حرب مع الجزائر بسبب الصراع على الحدود المغربية الجزائرية بمنطقة تندوف وتسمى حرب الرمال، تدخلت الجامعة العربية للصلح.
1972:الجنرال أحمد أوفقير ينفذ عملية انقلاب فاشلة ضد الملك الحسن الثاني.
1975: القيام بالمسيرة الخضراء بعد اعتراف محكمة العدل الدولية بوجود روابط البيعة بين الصحراويين وملوك المغرب و ثم توقيع معاهدة مدريد بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا تم بموجبها رسميا استرجاع الصحراء مع بقاء جزء منها تحت الإدارة الموريتانية.
1979: موريتانيا تتخلى رسميا عن الجزاء الخاص بها من الصحراء .
1984: الاتحاد العربي الأفريقي (اتفاقية وجدة) مع ليبيا .
1989: الإعلان في مراكش عن تأسيس اتحاد المغرب العربي.
1999: وفاة الملك الحسن الثاني.
1999: اعتلاء الملك محمد السادس العرش.
2022: ميلاد ولي عهد الملك محمد السادس الأمير الحسن.




تعليمية

كتاب تاريخ الجزائر في القديم والحديث للشيخ السلفي مبارك بن محمد الميلي

http://www.archive.org/details/Tarikh-Jazair

شعب الجزائر مسلم و الى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله او قال مات فقد كذب
يا نشؤ أنت رجاؤنا
و بك الصباح قد اقترب

التاريخ المبكر للجزائر

دلت الآثار التي تم اكتشافها بولايات مستغانم وتبسة (بئر العاتر) وقسنطينة (مشتى العربي) على أن الجزائر كانت آهلة بالسكان قبل 500,000 عام. ومع بداية الفترة الألفية الأولى قبل الميلاد، انتظم سكان المنطقة في قبائل استغلت الأراضي والمراعي جماعيًا، وكونت إمارات مثلت المراحل الفينقية الأولى ثم تأسست الدولة الجزائرية الأولى في القرن الثالث قبل الميلاد بقيادة سيفاكس ثم مسينيسا، وكانت الحروب البونية قد بدأت بين روما وقرطاج في ذلك الوقت وقد فتح سقوط قرطاج عام 146 ق.م الطريق أمام روما للتوسع خاصة وأنها كانت لا تستطيع تحمل وجود دولة قوية مستقلة وموحدة كالتي تركها مسينيسا وقد ساعد تفتت الدولة النوميدية وانقسامها بين الحلفاء المتنافسين روما لاحتلال نوميديا رغم المقاومة الطويلة التي أبداها يوغرطة (يوجورثا) وجوبا الأول، وكان ذلك في عام 25 ق.م لم يهادن شعب نوميديا الاحتلال لفترة خمسة قرون، وفشلت روما في التوغل أكثر من 150كم من ساحل نوميديا، رغم قوتها في الفترة البيزنطية، وتمكنها من طرد الوندال في عهد جستنيان حتى انحنت أمام الفتح الإسلامي.كانت الجزائر جزءًا من ولاية بلاد المغرب، التي كانت مدينة القيروان قاعدة لها، ضمن الدولة الإسلامية في العهد الأموي وفي مطلع العهد العباسي. لكن استقلال الأندلس عن بني العباس، ولجوء أصحاب المذاهب المناوئة لهم إلى الشمال الإفريقي، فتح الباب لظهور دويلات مستقلة في تلك الربوع النائية عن مركز الخلافة، وقد عرف تاريخ الجزائر في فترة ما بين منتصف القرن الثاني ومطلع القرن العاشر الهجري (آخر القرن التاسع إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي) بوقوعه تحت حكم دويلات مستقلة بالمغرب إمارات الخوارج. في سنة 160هـ، 777م نشأت في وسط المغرب الأوسط دولة صغيرة خارجية إباضية، خارجة عن القيروان التي كانت تحت حكم بني الأغلب الذين ظلوا مخلصين لبغداد. واستمرت هذه الدويلة قائمة بذاتها حتى سنة 296هـ، 909م، ليدخل المغرب الأوسط بعدها ضمن الدولة الفاطمية، التي ظهرت دعوتها قبيل هذا التاريخ في شرقي المغرب الأوسط نفسه، وامتدت إلى المغرب الأدنى لتخضع القيروان ثم تتخذ من مدينة المهدية عاصمة لها.وبقي المغرب الأوسط جزءًا من الدولة الزيرية التي انفصلت عن الخلافة الفاطمية سنة 435هـ، 1043م بعد انتقال مركزها إلى القاهرة المعزية. وقد دامت هذه الحالة من سنة 296هـ، 909م إلى 405هـ، 1014م، لينفصل فرع من بني زيري وهم بنو حماد بجزء من شرقي المغرب الأوسط عن القيروان، ويستقلوا بدويلة استمرت إلى سنة 547هـ، 1152م. وفي هذه الفترة كان الجزء الغربي من المغرب الأوسط قد دخل تحت سلطة المرابطين، الذين قامت دولتهم في المغرب الأقصى وامتدت شرقًا بهدف ضم كل بلاد المغرب وحمايته من الأخطار الأوروبية النصرانية، التي بدأت تهدد وجوده الإسلامي، وبخاصة من النورمنديين والأسبان والبرتغاليين. وقد واصلت دولة الموحدين هذا الدور، وكانت قد نشأت هي الأخرى بالمغرب الأقصى حوالي سنة 518هـ، 1124م، ونجحت في ضم كل المغرب العربي تحت سلطانها سنة 555هـ، 1160م. واستمرت هذه المرحلة إلى سنة 633هـ، 1235م، حيث قامت بتلمسان دولة بني عبد الواد، وهي دويلة انفصلت عن الدولة الموحدية واستمرت باسم الدولة الزيانية إلى حدود سنة 796هـ، 1394م. وتلت ذلك فترة من الاضطرابات امتدت إلى نهاية الثلث الأول من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وانضواء البلاد تحت الخلافة العثمانية. وفي تلك الفترة خضعت أجزاء من بلاد المغرب الأوسط إلى الحفصيين تارة وإلى المرينيين تارة أخرى، واستعاد بنو زيان استقلالهم بتلمسان أحيانًا.الدولة الرستمية. . عندما بلغت آراء أصحاب النِّحَل من الخوارج بالمشرق العربي إلى الشمال الإفريقي، اغتنمت بعض القبائل البربرية، فرصة انشقاق كلمة المسلمين لحمل راية العصيان في وجه أمراء القيروان. وقد انتشرت حركة الخوارج بسرعة في كافة بلاد المغرب والأندلس التابعة لإمارة القيروان إذ ذاك، ومن أشهر انتفاضاتهم في العصر الأموي انتفاضة عكاشة الأصفري سنة 124هـ، 771م التي حاصرت مدينة القيروان.وفي سنة 160هـ، 777م أسس الخوارج دولتهم على جزء من المغرب الأوسط، متخذين من مدينة تاهرت عاصمة لها. وقد اختاروا عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل إمامًا لهم، فسار سيرة حسنة وعرفت البلاد في عهده استقرارًا وازدهارًا. فلما مات سنة 171هـ، 788م اختارت القبائل الإباضية ابنه عبد الوهاب إمامًا، وخرجت عن تأييده بعض القبائل البربرية. وتولى بعده ابنه أفلح سنة 190هـ، 807م فحكم خمسين سنة رأى فيها الناس ما رأوا في عهد جده عبد الرحمن. وازدهرت الحركة الصناعية والتجارية.وقد أقام بنو رستم علاقات حسنة مع بني أمية بالأندلس وعقدوا معهم اتفاقيات، لكن علاقاتهم مع جيرانهم السنة بإفريقية والأدارسة بالمغرب الأقصى كانت مضطربة. وقد نازع بنو رستم الأدارسة عندما أعلنت قبيلة زناتة عصيانها للرستميين واحتماءها بالأدارسة، كما حاربوا الأغالبة الذين لم يكفوا عن محاولاتهم لإعادة توحيد بلاد المغرب العربي تحت سلطتهم باسم العباسيين. وتمكن الفاطميون من التغلب على تاهرت واحتلالها سنة 297هـ، 909، فتفرق الخوارج في مناطق مختلفة من إفريقيا والمغرب الأوسط كجبال نفوسة وجزيرة جربة وورفلة ومزاب.دولة بني عبد الواد. ظهرت هذه الدولة في نهاية الثلث الأول من القرن السابع الهجري (نهاية الثلث الأول من القرن الثالث عشر الميلادي)، واتخذت من تلمسان حاضرة لها. وأول من استقل بها أبو يحيى يغمراسن بن زيان، الذي بويع بعد مقتل أخيه زيان سنة 633هـ. وكانت الدعوة في تلمسان للموحدين، وقد ضعف أمرهم وثار عليهم صاحب إفريقية أبو زكرياء الحفصي ووصل بجيشه تلمسان، فخرج منها أبو يحيى يغمراسن ثم انتهى الأمر بينهما بالصلح. وأقبل بعد ذلك السعيد المؤمني من مراكش سنة 646هـ، 1248م يريد حرب الحفصي بإفريقية، فقاتل أبا يحيى يغمراسن لكن النصر كان لهذا الأخير، فقتل السعيد وغنم ما كان معه من ذخائر الدولة الموحدية وما كان لجيشه من متاع ومال. وكان ذلك بدء استقلال بني عبد الواد في تلمسان وما حولها من وسط غربي المغرب الأوسط. وكان يغمراسن أول من خلط زي البداوة بأبهة الملك في تلك الدولة، فكان محبًا للعلم ومجالسة العلماء، وقد استمرت إمارته أكثر من أربع وأربعين سنة (ت سنة 681هـ، 1283م).برزت تلمسان في ظل دولة بني عبد الواد كمركز ثقافي له أهميته، كما اشتهرت ببساتينها الغناء التي كانت منتجاتها تصدر عن طريق الموانئ الساحلية. وقد طمع جيرانها المرينيون والحفصيون في الاستيلاء عليها، فقد حاصرها أبو زكرياء الحفصي ودخلها سنة 640هـ، 1042م، وفرض عليها الولاء للحفصيين. وضمها المرينيون فعلاً بعد ذلك في سنة 737هـ، 1337م إلى أن أحيا الدولة أبو حمو الثاني 760هـ -791هـ، 1359- 1389م وأصبحت تُعرف بالدولة الزيانية، نسبة لبني زيان.وفي الوقت الذي كانت فيه تلمسان حاضرة المغرب الأوسط، كانت المدن الساحلية تكوّن دويلات مستقلة شبيهة بالدويلات القائمة بإيطاليا. وقد أدى ذلك إلى طمع القوى الأوروبية النصرانية في البلاد، فغزا الصقليون بعض مدنها الساحلية واحتلوها فترة خلال القرن السابع الهجري (الرابع عشر الميلادي)، واشتد الخطر الأسباني عليها منذ بداية القرن العاشر الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي). وقد كان الأسبان آنذاك يحتلون سبتة ومليلة، فاتجهوا بحملاتهم البحرية العدوانية شرقًا من ساحل الجزائر إلى طرابلس الغرب. وترجع هذه الحملات، بالإضافة إلى تمكن الروح الصليبية في الأسبان، إلى هجرة مسلمي الأندلس إلى موانئ المغرب العربي ومساهمتهم في تنشيط حركة الجهاد البحري وفي شن الغارات على ساحل أسبانيا. وقد شنت القوات البحرية الأسبانية حملة على ميناء المرسى الكبير في غرب الجزائر سنة 1505م، واستولت على حجر باديس سنة 1508م، وعلى وهران وبجاية سنة 1509م، وأجبرت ميناءي دلس والجزائر على دفع إتاوة، وأقام الأسبان أمام هذه الأخيرة حصنًا على صخرة مواجهة عُرف بالبينون.وعجزت مملكة تلمسان الزيانية عن مواجهة الخطر الأسباني، بسبب ضآلتها وتعرضها في تلك الفترة لتفكك جديد واضطرابات داخلية. فانتهى بها الأمر إلى عقد صلح مع الأسبان سنة 1512م، اعترفت فيه باستيلائهم على عدة موانئ في غربي البلاد. ولم ينقذ هذه الأخيرة من الهاوية التي تردت فيها، إلا ظهور الأسطول العثماني في غربي البحر المتوسط، كقوة قادرة على وقف الخطر الأسباني وعاملة، فيما بعد، على توحيد المغرب الأوسط سياسيًا.الجزائر ولاية عثمانيةاجتذب الصراع بين الإسلام والنصرانية (الأسبانية خصوصًا) في الحوض الغربي للبحر المتوسط في أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) عددًا كبيرًا من البحارة المغامرين، الذي نشأوا في خدمة الأسطول العثماني، ثم راحوا يكوّنون أساطيل صغيرة تعمل لحسابهم الخاص وتجاهد ضد أعداء الدين. ومن هؤلاء الأخوان عروج وخير الدين الذي عُرِف ببربروسة، أي (ذي اللحية الحمراء). فقد بدأ الأول نشاطه في غربي البحر المتوسط حوالي سنة 916هـ، 1510م، وفتح له الأمير الحفصي موانئ إفريقية. ولما سمع أهل المغرب الأوسط بغاراته الناجحة على الأسبان استقدموه إلى بلادهم، ليساعدهم على استرداد بجاية أكبر موانئ شرق الجزائر آنذاك. ثم استدعاه حاكم ميناء الجزائر، فنجح مع قوة عثمانية صغيرة في صد هجوم أسباني عن المدينة سنة 922هـ، 1517م. وحين خان بعض أهل تلمسان عروجًا اضطر للفرار فتتبعته القوات الأسبانية وقتلته وهو في طريقه إلى الجزائر.تحرّج موقف خير الدين بالجزائر، فاستعان بالسلطان العثماني سليم سنة 924هـ، 1518م. فأرسل له السلطان ألفي إنكشاري وسمح لرعاياه بالتطوع في جيش المغرب، ودخلت الجزائر ضمن الولايات العثمانية. لكن كان على خير الدين أن يجاهد في جبهتين إحداهما ضد دول أوروبا وأسبانيا بخاصة، والأخرى توحيد البلاد في قوة إسلامية تواجه خصومه في المتوسط، فنجح في صراعه مع أوروبا وإلى قدر كبير في طرد الأسبان من الموانئ التي كانوا يحتلونها على سواحل المغرب الأوسط، باستثناء وهران التي ظلت تحت السيطرة الأسبانية حتى القرن الثامن عشر. وقد واجه في سبيل ذلك مؤامرات الحفصيين بإفريقية وبني زيان وغيرهم من القوى المحلية. لكن نجاحه سنة 936هـ، 1529م في القضاء على حصن البينون الأسباني، كان بداية حقيقية لتأسيس ولاية الجزائر وتحول ميناء الجزائر إلى عاصمة للمغرب الأوسط.وأصبحت الجزائر عاصمة للولايات العثمانية في شمالي إفريقيا، بعد انضواء كل من تونس وطرابلس الغرب تحت لواء السلطنة العثمانية. فكان ممثل الدولة فيها يحمل لقب بيلرباي أي (رئيس البايات)، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلاً. على أن تبعية ولاية الجزائر وغيرها من ولايات لم يقف عند حد الإدارة المحلية، بل تجاوز ذلك إلى التحكم في اختيار الولاة. فقد شهدت الجزائر تغيرات عدة في نظام الحكم، بحيث يمكن تمييز أربع مراحل هي: عهد النيابة (922 ـ 977هـ، 1516 ـ 1588م) حكم فيه البيلربايات فسيطروا على جند الإنكشارية والبحرية، عهد الباشوات (997 ـ 1070هـ، 1588 ـ 1659م) أصبحت فيه الجزائر ولاية عادية، وفقد الباشوات السيطرة على الإنكشارية، فانتقلت السلطة الفعلية إليهم في عهد حكم الأوجاق وهو المجلس الأعلى للجند (1070 ـ 1082هـ، 1659 ـ 1672م)، وقد انتشرت الفوضى مما جعل رؤساء البحر يضعون حدًا لسيطرة الإنكشارية فبدأ عهد الدايات (1082 ـ 1246هـ، 1672 ـ 1830م). وقد كانت الخلافة العثمانية تصادق على جميع هذه التغييرات، وظلت مستمرة على إرسال الباشوات الذين يمثلونها في الجزائر، حتى قرر علي داي سنة 1122هـ، 1710م إخراج الباشا من البلاد، ومنذ ذلك الوقت حمل الدايات لقب الباشا مع لقب الداي.لم يقم نظام الحكم المحلي بالجزائر العثمانية على إدارة مباشرة، فاعتمد خارج المدن على تحالفات مع القبائل. وتركت الإدارة المركزية بعض التكتلات القبلية القوية دون التدخل في شؤونها، مكتفية بتلقي إتاوة غير منتظمة من بعضها. كما اشتهرت بعض القبائل بالتخصص في الخدمة العسكرية لدى العثمانيين مثل قبيلة زواوة. وظهرت طبقة خاصة من الجند العثمانيين تُعرف بالكورغلي، ناتجة عن زواج جند الأتراك من نساء محليات، عهد لها بالمحافظة على الأمن في الأقاليم. ولما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان شبيه بمجلس الوزراء. وكان الداي يتخذ مقره في أعلى مدينة الجزائر بضاحية تُعرف بالجنينة، إلى أن انتقل عمر باشا سنة 1815م إلى القصبة في أسفل المدينة على البحر ليكون في مأمن من الاضطرابات.وقد تجمعت لدى الدايات ثروة ضخمة من الهدايا التي كان يقدمها قناصل الدول الأجنبية، ومن نصيبهم من غنائم البحر، ومما يتلقونه من إتاوات لقاء تعيين حكام الأقاليم والنواحي. وازدهرت مدينة الجزائر وخاصة في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين)، وبلغ سكانها حوالي مائة ألف نسمة. ولكن شأنها أخذ يتضاءل خلال القرن الثاني عشرالهجري (القرن الثامن عشر الميلادي)، حتى وصل عدد سكانها إلى ثلاثين ألفًا سنة 1246هـ، 1830م عندما احتلها الفرنسيون.كانت علاقات الجزائر مع أوروبا سيئة في معظم فترات حكم الدولة العثمانية، وذلك بسبب الروح الصليبية التي تزعمتها أسبانيا وحركة الجهاد في البحر التي تزعمتها الجزائر، وهي ما ينعتها الأوروبيون بالقرصنة ظلمًا وقد هيأ موقع الجزائر وطول سواحلها لحكومتها تفوق بحري تجلّى خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين (القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين) في امتلاكها أسطولاً ضخمًا من أحدث أساطيل العالم وأقواها، تجاوز نشاطه البحر المتوسط إلى بحار الشمال، وكان يدر أرباحًا طائلة على المساهمين فيه بسبب ما يأتي به من غنائم وأسرى، حتى عدت مسألة استرقاق الأسرى وافتدائهم من أهم المسائل التي شغلت العلاقات بين الجزائر وأوروبا. وأذل أسطول الجزائر كثيرًا من الدول الأوروبية وأجبرها على دفع إتاوات وهدايا لحكامها نظير تأمين ملاحتها في المتوسط، ولا تكاد تخرج دولة منها عن هذا الالتزام. واستمرت بعض الدول تدفع ما عليها من إتاوات بصورة منتظمة حتى تدهورت قوة الجزائر البحرية قبيل الغزو الفرنسي، أما فرنسا فقد كفت عن تقديم الهدايا منذ عهد نابليون. ورغم ما بدا على تلك القوة البحرية من علامات الضعف منذ مطلع القرن الثاني عشر الهجري (نهاية القرن السابع عشر الميلادي)، فإن الدايات لم يكفوا عن العمل من أجل تخليص البلاد من الاحتلال الأسباني. لكن ذلك لم يتحقق نهائيًا إلا على يد الداي محمد باشا (1183- 1203هـ، 1769- 1788م) الذي اشتهر بجهاده البحري ضد الأسبان، وقد تكلل جهاده بخيبة ملك أسبانيا شارل الثالث في ثلاث حملات بحرية متتالية شنها على الجزائر في عهد ذلك الداي بين سنتي 1189- 1200هـ، 1775- 1785م، وبتسليم ميناء وهران إلى حسان داي سنة 1206هـ، 1791م.


الجزائر مستعمرة فرنسية

جمعت الدول الأوروبية قواها لإرغام الجزائر على التوقف عن تعرضها لسفن تلك الدول، فهاجمت البحريتان البريطانية والهولندية الأسطول الجزائري سنة 1231هـ، 1815م فأصبحت سواحل الجزائر مكشوفة لهجمات الأعداء.وقد دفعت فرنسا لاحتلال الجزائر عدة أسباب، منها فقدان فرنسا لمستعمراتها خلال حروب نابليون ورغبتها في تكوين إمبراطوريتها من جديد، وقد لقيت في ذلك تأييد دول أوروبا من وجهة نظر صليبية. كما أن الملك الفرنسي تشارل العاشر كان يعاني من تفاقم المعارضة الداخلية ضده، فرأى أن يصرف أنظار شعبه إلى الخارج بافتعال الحرب ضد الجزائر ويكسب نصرًا سهلاً. أما السبب المباشر فيكمن في أن فرنسا كانت قد مرت بضائقة اقتصادية شديدة إبان حروب نابليون وعداء الدول الأوروبية لها، فساعدتها الجزائر بأن باعتها حبوبًا بأثمان مؤجلة، وكان التاجران اليهوديان الأخوان بوشناق قد قاما بدور الوساطة في تلك الصفقة، فتآمرا وتلكأت فرنسا في دفع ما عليها، وألح داي الجزائر في الخلاص، فكانت حادثة المروحة التي اتخذتها فرنسا مبررًا لاحتلال الجزائر. لقد ادعت فرنسا أن قنصلها أهين من قِبَل الداي حسين في موكب رسمي، عندما جاء يهنئ هذا الأخير بعيد فطر سنة 1242هـ (28/ 4/1827م) فخاطبه بشأن الدين وغضب لرد ذلك القنصل، فضربه بكشاشة الذباب على وجهه. وجرت أحداث عدة وتهديد من فرنسا للداي بحصار إن لم يقدم اعتذارًا مهينًا عن الواقعة، ورفض الداي تقديم الاعتذار. وأخيرًا شنت حملة بحرية ضخمة على الجزائر، شاركت فيها 503 سفينة تحمل أربعين ألف جندي وثلاثة آلاف مدفع.أنزلت الحملة الفرنسية قواتها بضاحية سيدي فرج، وهزمت جند الجزائر بعد خمسة أيام من المعارك، فدخلت مدينة الجزائر يوم 14/1/1246هـ (5/7/1830م). لكن سقوط مدينة الجزائر بتلك السهولة لم يؤد إلى خضوع البلاد، وإنما دفعها للسير في اتجاهين متوازيين: اتجاه الفرنسة والإلحاق الذي تبنته السلطات الاستعمارية، واتجاه المقاومة والجهاد الذي التزم به الشعب الجزائري واستمات فيه.عمدت فرنسا إلى إلحاق الجزائر بها، وعينت عليها حاكمًا عامًا فرنسيًا يرجع بالنظر إلى وزارة الداخلية. وعملت جهدها لفَرْنَسَة البلاد، عن طريق محاولة فَرْنَسَة عرب الجزائر من ناحية، وجلب أعداد كبيرة من المهاجرين الأجانب عامة، والفرنسيين خاصة، ليستوطنوا الجزائر من ناحية أخرى. ولما أبدى الجزائريون رفضهم للتفرنس، عملت فرنسا على إبادتهم وتشريدهم ونشر الجهل والفقر بينهم. ومن الأساليب التي اتبعتها لتحقيق تلك الأهداف، محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي بغلق الكتاتيب القائمة ومنع انتشار المدارس الأهلية، وفرض اللغة الفرنسية وحدها في التعليم، وبهدم المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس (من أبرزها الجامع الكبير بمدينة الجزائر). والاستيلاء على مصادر الثروة، ومن ذلك مصادرة الأراضي الخصبة سواء أكانت ملكيات خاصة أم أراضي أوقاف أم أراضي جماعية للقبائل، لتسلمها إلى المستوطنين الأجانب. وقد فرض دستور سنة 1339هـ، 1920م الجنسية الفرنسية على الجزائريين، وكانت فرنسا بعد صدور هذا الدستور تفرض على الجزائريين واجبات المواطن الفرنسي كالخدمة العسكرية لكنها تحرمهم حقوق المواطنة، وتمارس عليهم تفرقة عنصرية ودينية. وبموجب تلك السياسة ساقت فرنسا عشرات الآلاف من شباب الجزائر إلى جبهات القتال أثناء الحربين العالميتين الأولى (1914 – 1918م) والثانية (1939 – 1945م)، وأجبرتهم على القتال في حروبها الاستعمارية لقمع انتفاضات شعوب المستعمرات الفرنسية في سوريا وإفريقيا والهند الصينية. تمسك الجزائريون بعروبتهم وإسلامهم، وقاوموا مائة و اثنين وثلاثين عامًا جنود الاحتلال قدموا فيها ما لا يقل عن مليون من الشهداء حتى أرغموا المستعمر على التسليم.المقاومة الجزائرية للاحتلالبدأت المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي منذ سنة 1246هـ، 1830م أولى سنوات الاحتلال نفسها. وكانت على نوعين: مقاومة رسمية ومقاومة شعبية. وقد بدأ النوع الأول داي الجزائر واستمر بعد سقوط مدينة الجزائر في غرب القطر الجزائري بقيادة حسن باي وهران إلى أواخر 1249هـ، 1833م، وفي شرق القطر بقيادة باي قسنطينة إلى سنة 1253هـ، 1837م. وبدأ النوع الثاني من المقاومة عندما بايعت قبائل منطقة وهران في غرب الجزائر في صيف 1248هـ، 1832م الأمير عبد القادر بن محيي الدين ليقودها في الجهاد ضد الفرنسيين، فقادها في حركة مقاومة استمرت إلى سنة 1260هـ، 1844م. وقد سيطر عبد القادر على ثلثي أراضي الجزائر متخذًا من مدينة معسكر عاصمة له وأنشأ فيها مصانع حربية أيضًا، واستطاع أن يحصر المستعمر الفرنسي على الساحل غير قادر على التوغل إلى عمق البلاد، مما ألجأ هذا الأخير إلى سياسة المكر والمفاوضة، فعقد مع الأمير عبد القادر معاهدتين، واحدة سنة 1250هـ، 1834م وثانية سنة 1253هـ، 1837م، تمكن بينهما الجنرال كلوزل من احتلال مدينة معسكر. ولما عاد القتال بعد المعاهدة الثانية في سنة 1255هـ، 1839م اضطر الأمير إلى الانسحاب إلى المغرب الأقصى للاستنجاد بسلطانه. لكن الفرنسيين أجبروا هذا الأخير على عقد صلح معهم سنة 1260هـ، 1844م التزم بموجبه بإجلاء الأمير عبد القادر، الأمر الذي هيأ لاستسلامه سنة 1261هـ، 1845م وأسره فبقي في الأسر حتى 1301هـ، 1883م.لم تهدأ القبائل فتتالت الانتفاضات الشعبية، وشن الجنرال راندون حملات انتقامية ضد القبائل الجزائرية مرتكبًا بحقها فظاعات يندى لها جبين الإنسانية. ومن تلك الانتفاضات انتفاضة بني سناسن سنة 1276هـ، 1860م، وانتفاضة أولاد سيدي الشيخ من 1281 إلى 1284هـ (1864 – 1867م)، وانتفاضة المقراني من نهاية 1287هـ إلى أواخر 1288هـ (1871 – 1872م). وقد كانت هذه الانتفاضة الأخيرة من أكثر الانتفاضات خطرًا على فرنسا، لأنها تصادفت مع هزيمة فرنسا أمام ألمانيا سنة 1870م، ودخول القوات الألمانية باريس وقيام انتفاضة الكمونة ضد الحكومة في العاصمة الفرنسية نفسها. وتميزت انتفاضة المقراني بشدتها واتساع رقعتها، ذلك أنها اندلعت شرقي القطر الجزائري فعمت جبال القبائل أولاً وإقليم قسنطينة ثم امتدت حتى أطراف سهل الميتجة غربًا وبسكرة جنوبًا، وأصبحت تسيطر على ثلث أراضي الجزائر. إلا أن عمرها كان قصيرًا، فقد استشهد أبرز زعمائها محمد أحمد المقراني في المعارك الأولى في الحادي عشر من فبراير عام 1871م، مما شتت الأطراف التي شاركت في هذه الانتفاضة ودفعها للمفاوضة من أجل التسليم، رغم أن بومرزاق المقراني، الذي خلف أخاه في زعامة الانتفاضة قد واصل الكفاح المسلح حتى أسرته القوات الفرنسية ومن بقي من أتباعه في شهر ذي القعدة 1288هـ (يناير 1872م). وقد تلت هذه الانتفاضة أكبر محاكمة من نوعها في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وكانت أحكامها ذات طابع انتقامي، هدف إلى ردع الوطنيين حتى لا يحدّث أحدٌ نفسه بالانتفاضة مستقبلاً. وقد تمثلت في صدور 6,000 حكم بالإعدام خفف معظمها فيما بعد إلى الإبعاد إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة الفرنسية جنوبي المحيط الهادئ، وشمل ذلك الإبعاد بومرزاق وأسرة الشيخ الحداد. وفرض غرامات مالية باهظة على القبائل التي شاركت في الانتفاضة بلغت 36,5 مليون فرانك ومصادرة 500 ألف هكتار من أراضي تلك القبائل سلمت للمستعمرين. وقد كان لأساليب القمع الوحشية التي واجهت بها السلطات الفرنسية الأهالي أثناء الانتفاضة وبعدها أثر في بث روح اليأس في نفوس الجزائريين؛ فبعد انتفاضة أولاد سيدي الشيخ بزعامة بوعمامة سنة 1298هـ، 1881م، التي أخضعت بعدها فرنسا المناطق الصحراوية وأعلنت ضم واحات المزاب، ساد الهدوء البلاد الجزائرية حتى الحرب العالمية الأولى.

الحركة الوطنية الجزائرية

تأخر ظهور فكرة الوطنية في الجزائر إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى ببضع سنوات. وذلك راجع إلى مدى الضرر الذي لحق بالثقافة العربية، وإلى ضآلة الطبقة المتوسطة بتلك البلاد، نتيجة انتزاع الاستعمار لمصادر الثروة من أيدي سكانها ووضعها بأيدي المستوطنين الأجانب. ومع ذلك فلم تعدم الجزائر بقية من مجتمعها العربي الإسلامي العريق. فظل أفرادها يرنون إلى دار الخلافة على أنها المخلص الطبيعي، ودعوا إلى فكرة الجامعة الإسلامية لمواجهة الاستعمار الأوروبي. وقد تزعم هذه الحركة بالجزائر سنة 1328هـ، 1910م المحامي أحمد بوضربة والصحفي الصادق دندان ورجل المال الحاج عمار. وفي سنة 1330هـ، 1912م قدم أربعة من الشبان الجزائريين، عريضة إلى الحكومة الفرنسية يطالبون فيها برفع القوانين الاستثنائية، والتسوية بين الجزائريين والفرنسيين في الحقوق والواجبات. وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو ما يعرف بسياسة الإدماج. وأثناء الحرب العالمية الأولى جندت فرنسا عشرات الآلاف من الجزائريين، أشركت آلافًا منهم في القتال على الجبهات وأرسلت الآخرين للعمل في المصانع الحربية والمناجم، وأتيح لعدد من الضباط الجزائريين الترقي إلى رتب عالية في الجيش الفرنسي حتى رتبة عقيد. وقد عقد هؤلاء الآمال على مؤتمر فرساي، فتزعموا بعد الحرب، وفي مقدمتهم الأمير خالد بن محي الدين أحد أحفاد الأمير عبد القادر، الدعوة للإصلاح على أساس بقاء الجزائر جزءًا من الأراضي الفرنسية. فألف الأمير ما أسماه بكتلة المنتخبين المسلمين الجزائريين، التي ركزت أهدافها في إصلاح الأحوال الاجتماعية وإيقاف هجرة المستوطنين ومساواة الجزائريين بالفرنسيين في الانتخاب والتمثيل في المجالس بمختلف مستوياتها. وأصدرت الكتلة جريدة الإقدام للمناداة بفكرة الإدماج. بيد أن الأمير تعرض للإبعاد، ولما سمح له بالعودة إلى فرنسا سنة 1336هـ، 1928م، اتصل بوطنيين جزائريين ومغاربة من أجل العمل المشترك على مستوى المغرب العربي. وهي الفكرة نفسها التي نادى بها من قبل الزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ذو الأصل الجزائري ورفاقه، وعمل من أجل تجسيدها مناضلون تونسيون وجزائريون منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى. ومن مظاهرها إصدار محمد باش حانبة في جنيف مجلة المغرب وتأسيسه لجنة لتحرير تونس والجزائر سنة 1334هـ، 1916م، التي وجه باسمها برقية إلى مؤتمر فرساي فيما بعد. وفي السنة نفسها أسس أخوه علي باش حانبة في الآستانة لجنة لتحرير المغرب العربي إلى جانب منظمة لتنظيم فيلق من الجنود المغاربة الذين أسرتهم الجيوش العثمانية والألمانية قصد إعدادهم لخوض معركة تحرير مسلحة في تونس والجزائر. وقد سار مصالي الحاج على فكرة النضال نفسها على مستوى المغرب العربي في بداية عمله السياسي. ومع أن الحركة السياسية في الجزائر قد ألغت فكرة الإصلاح ضمن الحماية الفرنسية من برنامجها منذ سنة 1330هـ، 1912م، إلا أن فئة قليلة ظلت متشبثة بها، فقد بقيت فكرة الإدماج مسيطرة بين المثقفين الجزائريين إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية. ومن أشهر هؤلاء فرحات عباس وابن جلول والأخضري، ومعظمهم أعضاء في المجالس البلدية أو مجالس الوفود المالية أو موظفون بالإدارة. ففي سنة 1930م ألف هؤلاء اتحاد المنتخبين المسلمين بزعامة ابن جلول، وكان هدفه الأساسي الإدماج التدريجي تحت قيادة النخبة من المثقفين في الحياة الفرنسية وتحسين أحوال الجزائريين. وقد لقي هذا الاتجاه تشجيعًا كبيرًا من حكومة الجبهة الشعبية الفرنسية سنة 1355هـ، 1936م، وعندما وضع رئيس الحكومة بلوم مع الوزير فيوليت مشروعًا يقضي بمنح الجزائريين حق المواطنة الفرنسية تدريجيًا مع اتخاذ إجراءات احتياطية، أيدته جماعة الاتحاد، لكن البرلمان الفرنسي بعد سقوط حكومة بلوم رفض ذلك المشروع على الرغم من عدم توفره على الحد الأدنى من حقوق الشعب الجزائري. ولما يئس الإدماجيون بتعاقب الحكومات اليمينية على السلطة بفرنسا، سعوا للتكتل مع الاتجاهات الوطنية الأخرى.ومن هذه الاتجاهات نذكر جماعة العلماء الذين كان لهم أثر مهم في إرساء القواعد النظرية لفكرة الوطنية الجزائرية القائمة على العروبة والإسلام. ففي سنة 1344هـ، 1926م أسس بعض الشيوخ العلماء نادي الترقي في مدينة الجزائر بقصد إحياء التراث العربي، وتركزت جهودهم على المحافظة على طهر العقيدة الإسلامية من الشوائب والبدع الدخيلة، ومقاومة الطرقية التي خدم عديد من زعمائها الاستعمار الفرنسي. ومن هنا اعتبرت حركة العلماء الجزائريين واحدة من حركات الإحياء السلفي، وقد كان لكثير من أعضائها اتصالات بالحركات الإصلاحية في المشرق العربي. فالشيخ الطيب العقبي مثلاً تلقى تعليمه بالحجاز وعمل زمنًا مع الملك عبد العزيز آل سعود. كما كان لكتابات الشيخ محمد عبده ورشيد رضا تأثير كبير في توجيه أفكارهم. وفي سنة 1350هـ، 1931م أسس العلماء الجزائريون بمدينة قسنطينة جمعية رسمية برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهو من خريجي جامع الزيتونة بتونس. وقام الطيب العقبي على نشر أفكار تلك الجمعية في إقليم الجزائر، والبشير الإبراهيمي في وهران الذي تولى رئاسة الجمعية بعد وفاة مؤسسها سنة 1358هـ، 1940م.كان ابن باديس قد أصدر مجلة الشهاب ثم مجلة البصائر، وافتتحت الجمعية عددًا من المدارس وأرسلت البعثات إلى جامعات الزيتونة والأزهر والقرويين وإلى مدارس الشام والعراق، مما مهد لإحداث فروع لجامع الزيتونة ببعض المدن الجزائرية. وكان شعار الجمعية شعب الجزائر مسلم وللعروبة ينتسب. وطالبت هذه الجمعية في مؤتمرها التاسع بالاعتراف باللغة العربية لغة وطنية ومنح حرية الدين والعبادة وإعادة الأوقاف إلى الإدارة الإسلامية وتنظيم المحاكم الشرعية. وقد استقال الشيخ العقبي منها سنة 1356هـ، 1937م لأنها رفضت تجديد الولاء لفرنسا.ومن هذه الحركات الوطنية حركة هيئة نجم شمال إفريقيا، التي أسسها مصالي الحاج بباريس سنة 1344هـ، 1925 ـ 1926م، وأصبح رئيسًا لها سنة 1345هـ، 1927م. وقد سيطر العمال الجزائريون على النجم. وتعرض النجم للحل من قِبَل الحكومة الفرنسية سنة 1929م، فانتقل للعمل السري. وعاد إلى الظهور من جديد سنة 1352هـ، 1933م، فعقد مؤتمرًا عامًا بفرنسا صدر عنه قرار مطول يتألف من قسمين: قسم أول طالب بالحريات الأساسية للجزائريين وبإلغاء جميع القوانين الاستثنائية وفي مقدمتها قانون السكان الأصليين، وبمساواة الجزائريين بالمستوطنين في التوظيف وتطبيق قوانين العمل وفي التعليم، مع جعل التعليم إلزاميًا وبالعربية، واعتبار اللغة العربية رسمية بالدوائر الحكومية. وقسم ثان نص على المطالبة بالاستقلال الكامل للجزائر وجلاء القوات الفرنسية، وتأليف جيش وطني وجمعية تأسيسية منتخبة تتولى وضع دستور للبلاد، وحكومة ثورية وطنية. كما نص على أن تملك الدولة جميع وسائل الإنتاج والمرافق العامة وإعادة الأراضي إلى الفلاحين الجزائريين، مع مساعدتهم بتقديم القروض لهم. وبذلك سبق نجم شمال إفريقيا، بحكم نشأته العمالية. وقد قابلت فرنسا تلك المطالب بحل النجم، فأعاد مصالي الحاج تكوينه في سنة 1934م باسم جديد هو الاتحاد الوطني لمسلمي شمال إفريقيا. لكن السلطات الفرنسية اعتبرته هيئة غير مشروعة وحكمت على مصالي الحاج بالسجن. بعد ذلك تعرف هذا الأخير في جنيف بسويسرا على الأمير شكيب أرسلان وتأثر به، مما جعله يعارض اقتراحات بلوم ـ فيوليت ويزيد في الاتصال بالحركة الإصلاحية الجزائرية. وعندما عاد مصالي الحاج إلى الجزائر في صيف 1355هـ، 1936م رأت حكومة الجبهة الشعبية الفرنسية في هذه الحركة منافسًا خطيرًا لها في أوساط الشباب الجزائري، فحلتها في 19 شوال 1356هـ، 2/1/1937م لتظهر من جديد بفرنسا في محرم 1357هـ، مارس 1937م باسم حزب الشعب الجزائري، الذي تعرض زعماؤه، بمن فيهم مصالي الحاج، للاعتقال والمحاكمة والسجن، وذلك بعد مشاركتهم في الانتخابات البلدية بالجزائر.وتجدر الملاحظة بأن الاتجاهات المختلفة العاملة على الساحة الجزائرية بدأت تحاول التقارب فيما بينها بعد خيبة الأمل التي ألحقتها حكومة الجبهة الشعبية بالجزائريين. ولما نشبت الحرب العالمية الثانية وتولت حكومة المارشال بيتان الحكم في فرنسا، بعد توقيع الهدنة مع ألمانيا في جمادى الأولى 1359هـ، يونيو 1940م، سلكت مسلكًا عنصريًا تمثل في إبعاد العرب عن أي نشاط سياسي، وحكمت على مصالي الحاج سنة 1941م بالسجن ثم نفته إلى جنوب الجزائر. مما دفع الوطنيين الجزائريين للعمل على الاتصال بجند الحلفاء عندما نزلوا بالجزائر في 2/11/1361هـ، 11/11/1942م. وقد ظهر فرحات عباس في مقدمة الحركة الوطنية الجزائرية خلال السنوات الباقية للحرب 1942-1945م، وبدأ نشاطه عندما تقدم مع 22 من أعضاء مجالس الوفود المالية بعدد من المطالب إلى القيادة الأمريكية والسلطات الإدارية الفرنسية. ومع أن أصحاب العريضة حاولوا استرضاء تلك السلطات بتقديم مذكرة أخرى معتدلة فإنها تمسكت بموقفها الرافض للحوار، الأمر الذي جعلهم يصدرون بيانًا في 26/1/1362هـ، 2/2/1943م أصبحوا يعرفون به أصدقاء البيان.وقد بدأ البيان بسرد قائمة حساب عن الاحتلال الفرنسي وكيف أدى إلى تلك الحالة المحزنة من البؤس والجهل، وطالب بحياة وطنية ديمقراطية للجزائر. ثم أردف أصدقاء البيان بيانهم بملحق تضمن مقترحات تطالب بدولة جزائرية مستقلة استقلالاً ذاتيًا وانتخابات جمعية تأسيسية لوضع دستور لتلك الدولة، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يحول دون تنظيم اتحاد لشمال إفريقيا مع المغرب وتونس. بيد أن الحاكم العام الفرنسي الجديد، الجنرال كاترو، رفض هذه المطالب جميعها، وحل الهيئات التي يشترك فيها الجزائريون، وفرض الإقامة الجبرية على فرحات عباس وغيره من الزعماء. وقد حاول الجنرال ديجول في تصريحه بمدينة قسنطينة في ذي الحجة 1362هـ، ديسمبر 1943م استرضاء الوطنيين، وأصبح ذلك أساسًا لقانون مارس 1944م الذي رفضته جماعة فرحات عباس، واشترك معها في رفضه جماعة العلماء ومصالي الحاج، مما هيأ لنجاح فرحات عباس في عقد مؤتمر شامل في 1364هـ، مارس 1945م حضرته الجماعات الثلاث بهدف توحيد الكفاح الوطني، الأمر الذي أثار المستوطنين، فردوا بمذبحة قسنطينة في جمادى الثانية 1365هـ، مايو 1945م، التي اشتركوا فيها مع الجيش الفرنسي في إبادة ما قدره الجزائريون بخمسة وأربعين ألف جزائري، وقدره الضباط الفرنسيون أنفسهم بما يتراوح بين ثمانية وعشرة آلاف ضحية. كما تلا المذبحة إعلان الأحكام العرفية وقبض على 4,500 من أعضاء الحركة الوطنية وزعمائها، فحكم على 90 منهم بالإعدام ونفذ فيهم، وعلى 64 بالأشغال الشاقة المؤبدة. وقد أنذرت هذه الأحداث الجزائريين بأن النضال السياسي لن يجدي كثيرًا، خاصة وأن الحكومات الفرنسية كانت أقل إدراكًا للتطور الذي شهده العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد أثبتت جميع الإجراءات التي اتخذت لمواجهة الحركة الوطنية الجزائرية تمسك فرنسا بالسيادة على الجزائر، ولم تخرج جميع الحلول الفرنسية عن هذا الاتجاه قبل مشروع ديجول لسنة 1959م. وحتى قانون 20/9/1947م، 16 ذي القعدة 1366هـ الذي يعتبره الفرنسيون حلاً وسطًا بين وجهة نظر اليمين المتطرف الذي يرغب في بقاء الوضع بالجزائر دون تغيير، وبين وجهة نظر اليسار الذي جعل الاندماج أساسًا لسياسته الجزائرية، مع تعبيره عن استعداده للقبول بجميع النتائج التي تترتب عن الإدماج الحقيقي، ومنها أن يكون للجزائر حق انتخاب خمسة أعضاء في مجلس النواب الفرنسي. إلا أن الحكومة الفرنسية لم تطبق هذا الحل. وقد أبطل الحاكم العام نيجيلين بعض الإجراءات الإصلاحية التي أدخلها سلفه شاتينيو، وأصبح تدخل الإدارة في الانتخابات الجزائرية مثلاً يضرب على التزييف. فجاءت انتخابات المجلس الجزائري (وهو صورة جديدة لمجلس الوفود المالية السابق) في عهد الحاكم العام المذكور بهزيمة ساحقة للحزبين الوطنيين الرئيسيين، حركة الانتصار للحريات الديمقراطية الذي يتزعمه مصالي الحاج، والاتحاد الديمقراطي لأنصار البيان الجزائري الذي يتزعمه فرحات عباس. وكذلك كان الحال في الانتخابات البرلمانية للدورة التشريعية الثانية سنة 1951م. الأمر الذي جعل الأحزاب الجزائرية تتفق على نبذ فكرة النضال عن طريق المؤسسات النيابية الفرنسية، وتحاول تأسيس جبهة وطنية. وقد نجحت في عقد مؤتمر بينها سنة 1951م، لكن خلافات ظهرت بين العناصر الرئيسية بخصوص المبادئ وطريقة تنظيم العمل من أجل استقلال الجزائر. وحينذاك شرع بعض أعضاء حركة الانتصار للحريات فعلاً في تشكيل قوة عسكرية سرية أسموها المنظمة الخاصة، كان من بين أعضائها أحمد بن بيلا وحسين آيت أحمد ومحمد خيضر، أخذت في جمع الأسلحة وقامت ببعض العمليات. وقد نجح فريق الشبان الذي سيطر على اللجنة المركزية للحركة في الدعوة لمؤتمر في صيف 1953م ببلجيكا، دعت فيه اللجنة إلى تحديد المبادئ السياسية للحزب بما فيها تنظيم دقيق لمراحل الكفاح من أجل الاستقلال التي ستنتهي بالثورة المسلحة.

الثورة الجزائرية الكبرى

شهدالجزائريون سنة 1954م (1373- 1374هـ) كيف بدأ الكفاح المسلح في تونس والمغرب الأقصى يعطي ثماره. وقد قدر عدد الجزائريين العاملين بالجيش الفرنسي في تلك السنة بـ 160 ألفًا، شارك منهم عشرات الآلاف في حرب الهند الصينية، ورأوا بأنفسهم كيف حققت ثورة وطنية آسيوية نصرًا كاسحًا على الاستعمار الفرنسي. وكانت أوضاع الجزائريين في ظل الاستعمار تزداد سوءًا، بحيث قدرت الإحصائيات الرسمية عدد العاطلين منهم عن العمل ما بين 900 ألف ومليون ونصف المليون. وكان أكثر من خمسة ملايين فدان من أخصب الأراضي الزراعية الجزائرية بيد 21,659 مستوطن أوروبي، في حين كان 6,3 ملايين يعيشون على استثمار عشرة ملايين فدان فقط. ولم تكن المدارس لتستوعب أكثر من ثُمْن الأطفال الجزائريين الذين هم في سن الدراسة، وما كان يصل منهم إلى المرحلة الثانوية أكثر من العُشر. ولم يترك لأهل البلاد من الوظائف الإدارية سوى أربعة آلاف من مجموع 26 ألفًا. كل هذه الظروف هيأت التربة الصالحة لاحتضان ثورة ليلة الرابع من ربيع الأول 1374هـ (غرة نوفمبر 1954م) ونجاحها.ففي أوائل سنة 1954م كانت قد تشكلت اللجنة الثورية للاتحاد والعمل من مجموعة شبان، كان معظمهم أعضاء في حركة الانتصار للحريات وعملوا في الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية. منهم أحمد بن بيلا، وحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف. وفي صيف السنة نفسها عقدت اللجنة مؤتمرًا سريًا بأوروبا الغربية، واتخذت قرارًا بإعلان الثورة. وفي ليلة الأول من نوفمبر نسق الوطنيون حوالي 30 هجومًا في جميع أنحاء الجزائر على أهداف عسكرية مختلفة ومراكز للشرطة. وتلا ذلك تكوين لجان ثورية متفرقة اندمجت جميعًا في هيئة واحدة باسم جبهة التحرير الوطني الجزائري. وبلغت الثورة أوج قوتها من حيث امتداد سلطتها على أكبر رقعة من الأرض في سنة 1956م، كما امتد نشاطها إلى الأراضي الفرنسية نفسها منذ صيف 1958م. وقد سيطر القادة العسكريون على الجبهة في مرحلتها الأولى، إلى أن قرر مؤتمر وادي الصمام، الذي انعقد داخل الجزائر في 20 أغسطس 1956م، إنشاء المجلس الوطني للثورة. فأصبح هذا المجلس يمثل أعلى جهاز بجبهة التحرير، يوجه سياسة الجبهة ويتخذ القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد، وله وحده الحق في إصدار أمر وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى لجنة التنسيق والتنفيذ التي أصبحت مسؤولة عن توجيه جميع فروع الثورة العسكرية والسياسية والدبلوماسية وإدارتها، وأصبح جميع القادة العسكريين والسياسيين القائمين بالنشاط الثوري مسؤولين بصورة مباشرة أمامها. ثم تقرر في مؤتمر طنجة في أبريل 1958م، بالاتفاق مع حكومتي تونس والمغرب، تأسيس حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، وأعلن عن تكوينها فعلاً يوم 19 سبتمبر 1958م (5 ربيع الأول 1378هـ) برئاسة فرحات عباس. وقد تولى رئاستها بعده يوسف بن خدة في أغسطس 1961م (1381هـ). كما بعثت جبهة التحرير الاتحاد العام للعمال الجزائريين، واتحاد الطلاب الجزائريين، واتحاد التجار وصغار رجال الأعمال الوطنيين، وأصدرت مجلة عربية تتحدث باسمها تُدعى المجاهد الحر.وقد ظلت الحكومة الفرنسية تحاول التقليل من أهمية الثورة حتى أبريل 1955م، حين أعلنت حالة الطوارئ بالجزائر لمدة ستة أشهر، منحت بمقتضاها السلطات الإدارية صلاحيات واسعة استثنائية، منها إنشاء محاكم عسكرية حلت محل المحاكم الجنائية. وقد اضطرت فرنسا إلى تجديد العمل بهذا القانون، لأن الثورة استمرت أكثر مما كانت تتوقع. وارتبط بها الأشخاص المولودون في الجزائر والمقيمون بالأراضي الفرنسية، وذلك سنة 1957م في عهد حكومة بورجيس مونوري، وقد أدى الجزائريون المقيمون بفرنسا دورًا مهمًا في الثورة من الناحية المالية. جربت فرنسا كل أساليب القمع، فزادت قواتها بالجزائر إلى ما يقارب نصف مليون رجل، وعزلت الجزائر بالأسلاك المكهربة عن تونس والمغرب لمنع المدد عن الثوار، وشاركت في حرب السويس ضد مصر سنة 1375هـ، 1956م لإجبار الحكومة المصرية كي تمتنع عن دعم ثوار الجزائر بالأسلحة والعتاد والدعم السياسي. انظر: أزمة السويس. لكن الثورة الجزائرية أصبحت، بعد مضي أربع سنوات، من الأهمية بحيث امتد أثرها إلى داخل فرنسا ذاتها. وتعد عودة ديجول إلى الحكم، وقيام الجمهورية الخامسة نتيجة مباشرة لفشل فرنسا في قمع الثورة. وقد تمهد السبيل للانقلاب بعد أن جرت الحرب الجزائرية الجيش للخوض في السياسة، وتم الانقلاب فعلاً في 13 مايو 1958م بقيادة فرقة المظلات. لكنه فشل، لأن أهداف القائمين به لم تكن واحدة. كما تمهد السبيل لكي تقبل الجمعية الوطنية، بأغلبية ساحقة. تولّى ديجول رئاسة الحكومة مع سلطات مطلقة خاصة بناء على طلبه. وقبل أن يعلن هذا الأخير عن مشروعه في 16 سبتمبر 1959م بخصوص السياسة الجزائرية، اتخذ عدة إجراءات تنم ضمنًا عن أنه كان يتجه إلى فكرة الإدماج. وكان ذلك المشروع يحتوي على الاعتراف بحق الجزائر في تقرير مصيرها حتى ولو أدى ذلك إلى الانفصال عن فرنسا، لكنه أحاط ذلك المبدأ بقيود وتحفظات جعلت المشروع في مجموعه غير مقبول بتاتًا من جبهة التحرير الجزائرية. وازدادت علاقات ديجول بالمستوطنين الفرنسيين سوءًا، وقاموا في مدينة الجزائر بأول حركة تمرد واسعة من 26 يناير إلى 2 فبراير 1960م. وتكتلت أحزاب اليمين في فرنسا باسم جبهة الجزائر الفرنسية برئاسة جورج بيدو، وقام أربعة من الجنرالات (سالان، وشال، وزيلر، وجوهو) بمحاولة انقلابية ضد الجمهورية الخامسة فيما بين 22 و26 إبريل 1961م لكنها قمعت. وعندما قام ديجول بزيارته للجزائر في 10 ديسمبر 1960م شعر بأن كل إجراء يتخذ بدون الاتفاق مع جبهة التحرير سيكون مآله الفشل الذريع.وإزاء تصاعد الثورة الجزائرية، وعجز فرنسا عن القضاء عليها، ومناداة الرأي العام الفرنسي نفسه بالجلاء عن الجزائر، نتيجة لما جرته الحرب على الفرنسيين من خسائر بشرية واقتصادية بالغة الأهمية، بالإضافة إلى التأييد العالمي الذي لقيته القضية الجزائرية، والذي تجسد يوم 17 من ربيع الأول1380هـ الموافق 19 ديسمبر1960م في إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية اللجنة السياسية القاضية بحق الجزائر في الاستقلال. كل هذه الأسباب دفعت فرنسا، بقيادة ديجول، للقبول بالتفاوض مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية. فجرت مفاوضات إيفيان بين 6 و 17 رمضان 1382هـ الموافق 10 و 17 فبراير 1962م، التي تعثرت أول الأمر، لكنها أدت في النهاية إلى عقد اتفاق بين الطرفين قضى بوقف إطلاق النار، وقد جرى إثر ذلك استفتاء أبدى فيه الجزائريون رغبتهم الأكيدة في الاستقلال، فتم إعلان استقلال الجزائر في 25 من المحرم 1382هـ الموافق 27 من يونيو 1962م، واعترفت الدول به. واختير أحمد بن بيلا أول رئيس للجمهورية الجزائرية، التي كانت قد انضمت إلى جامعة الدول العربية في 16 يونيو، وإلى الأمم المتحدة في 8 أغسطس من السنة نفسها.الجزائر المستقلةواجهت الجزائر المستقلة عدة مشاكل، كان في مقدمتها مشكلة المستوطنين، الذين قاوموا اتفاقية الصلح، وكذلك المنظمات السرية الفرنسية. وقد حلت هذه المشكلة بتعاون السلطات الفرنسية، مما أدى إلى هجرة أولئك المستوطنين بكثافة من الجزائر عائدين إلى فرنسا. ومن المشاكل أيضًا بناء مؤسسات الدولة وتكوين الجيش، وتعريب التعليم، وحل مشاكل مئات الآلاف من أيتام شهداء الثورة. وقد استطاعت الجمهورية أن تضع حلولاً لتلك المشاكل بمعونة الدول العربية والصديقة. وبخصوص الأراضي الزراعية، أعلن بن بيلا سياسة استيلاء الدولة على ما سمي بالأملاك الشاغرة، وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي. وفي سنة 1383هـ، 1963م أقر الشعب أول دستور للجزائر، تم بموجبه انتخاب أحمد بن بيلا رئيسًا للجمهورية. وقد واجهت الحكومة الجزائرية مشكلة الحدود مع المغرب، فوقعت معارك بين الدولتين سنة 1383هـ، 1963م لكنها توقفت إثر توسط الدول العربية بينهما. وخلال رئاسة بن بيلا ارتبطت الجزائر بحركة عدم الانحياز التي اقترن فيها بن بيلا مع جمال عبدالناصر وكوامي نكروما رئيس جمهورية غانا، وبذلك اتضح اهتمام بن بيلا بالقضايا التحريرية والإفريقية. وفي عام 1385هـ، 1965م، قاد العقيد هواري بومدين انقلابًا عسكريًا، أدى إلى اعتقال بن بيلا وعزله بتهمة الإسراف، واستخدام أموال الدولة في غير وجوهها. وتولى مجلس قيادة الثورة حكم الجزائر برئاسة بومدْين.وقد حققت الجزائر في عهد الرئيس بومدْين (1385 ـ 1398هـ، 1965 ـ 1978م) منجزات ضخمة على المستوى الداخلي، منها نشر التعليم وتعريبه، وإعادة استثمار الأراضي الزراعية التي غادرها المستوطنون الأجانب عن طريق برنامج الثورة الزراعية. الأمر الذي حفظ للجزائر مركزها العالمي. وأصبحت الجزائر من أهم الدول المنتجة لزيت الزيتون والتين والتمور والفلين. بيد أن أهم مورد للثروة الوطنية بالبلاد ظل يتمثل في النفط والغاز الطبيعي، وأهم حقولها بالصحراء الجزائرية حاسي مسعود والعجيلات للنفط وحاسي الرمل وحاسي الطويل للغاز الطبيعي. وقد أممت الحكومة الجزائرية هذين الموردين الاقتصاديين المهمين سنة 1971م، وأنشأت لاستثمارهما شركة وطنية اشتهرت باسم سوناطراك وذلك إلى جانب عدد من الشركات الأجنبية، الفرنسية والأمريكية، وأقامت مصنعًا ضخمًا لتكرير النفط قرب مدينة الجزائر لتأمين حاجيات البلاد من مشتقاته، ومصنعًا آخر لتمييع الغاز بأرزو. وواصلت تصدير بقية إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي خامًا، عبر القنوات التي مدت لتربط حقول الإنتاج بميناءي بجاية الجزائري والصخيرة التونسي. وتمثل صادراته ثلاثة أرباع الصادرات الجزائرية، مما يغطي العجز المسجل باستمرار في الميزان التجاري للبلاد. وقد أنشأت الحكومة الجزائرية عددًا من الصناعات التعدينية والتحويلية في نطاق خططها الإنمائية الخماسية، وعملت على إقامة علاقات اقتصادية مع مختلف بلدان العالم. لكن العلاقة التجارية مع فرنسا بقيت تتصدر القائمة ولاتزال سواء على مستوى التوريد أو التصدير.تعتبر الزراعة أهم نشاط يمارسه الجزائريون، وذلك بالإضافة إلى توسع قطاع الخدمات كما هو الحال في غير الجزائر من الدول الحديثة العهد بالاستقلال. ومازالت الجزائر تواجه مشاكل البطالة والهجرة الداخلية والخارجية (إلى فرنسا بالخصوص)، الناجمة عن ارتفاع معدل النمو الديموجرافي (أكثر من 3,5% سنويًا)، كما أن الإخفاقات على مستوى برامج الثورة الزراعية والنمو الاقتصادي عمومًا، وانتشار الأمية وعزوف الشباب عن العمل بالفلاحة، تشكل تحديات رئيسية للمسؤولين الجزائريين وتنتظر منهم حلولاً جادة.أما على المستوى الخارجي، فقد برزت مشاركة الجزائر المستقلة في المجال العربي، وكانت سياستها تقوم على المشاركة بفعالية في تعزيز التضامن العربي. ومن هذا المنطلق كانت مشاركتها فاعلة في حربي 1387هـ، 1967م و1393هـ، 1973م ضد إسرائيل. وصار لها في المجال الدولي صوتٌ قويٌ يحسب حسابه، كما ساهمت الجزائر في دعم حركات التحرر مما جعل علاقاتها متميزة مع تلك الحركات وبخاصة في القارة الإفريقية.وفي أواخر عام 1398هـ، 1978م توفي الرئيس هواري بومدين، فانتخبت جبهة التحرير الوطني الجزائري العقيد الشاذلي بن جديد رئيسًا.واصل الشاذلي سياسة سلفه. فقامت الحكومة الجزائرية في عهده بمحاولات حثيثة للتوسط بين العراق وإيران من أجل وقف القتال بينهما منذ سنة 1981م. وسار بن جديد مع جيرانه المغاربة في مسار التقارب، بحيث دخلت الجزائر في تجربة اتحاد دول المغرب العربي، الذي أعلنه رؤساء الجزائر وتونس وليبيا وملك المغرب إثر اجتماعهم بالمملكة المغربية سنة 1988م في نطاق إحياء ذكرى مؤتمر طنجة، الذي كان قد انعقد بتلك المدينة المغربية سنة 1958م. كما ولج الرئيس الشاذلي بن جديد بالجزائر باب التعددية الحزبية، لكن عوامل عديدة منها تراكم نتيجة وجود بعض الأزمات المزمنة، مثل أزمة الديون وأزمة البطالة، فجرت الموقف بالبلاد، وغذت روح التطرف في كل الاتجاهات، وحالت دون تطبيق التجربة الديمقراطية. فتعثرت هذه التجربة منذ بدايتها بعد فوز حركة الإنقاذ الإسلامية بزعامة عباس مدني في الانتخابات البلدية سنة 1410هـ، 1990م، وما تلاها من توتر العلاقات بين مختلف التيارات والأحزاب السياسية بالبلاد، واستقالة الرئيس بن جديد في ديسمبر 1990م (أواسط 1411هـ) ليتولى مجلس للرئاسة إدارة البلاد لما تبقى من مدته، والإعلان سنة 1991م عن إلغاء نتائج الانتخابات البلدية السابقة الذكر وإلغاء نتيجة الانتخابات التي كانت جارية مما أوجد جوًا متوترًا بالبلاد أخذ يستفحل بتنفيد العصيان المدني الذي دعت إليه جبهة الإنقاذ الإسلامية، وما تلا ذلك من اعتقالات واسعة في صفوف أعضاء تلك الجبهة وبخاصة قيادتها، ومحاكمة أعداد كبيرة منهم وانتشرت عمليات القتل والاغتيال في أنحاء البلاد، وذهب ضحيتها عديد من الجزائريين بمن فيهم الرئيس محمد بوضياف نفسه، الذي تسلم منصب الرئاسة في رجب 1412هـ ، يناير 1992م، وأعلن عن عزمه للسير بالبلاد نحو الانفراج، لكنه اغتيل بعد أقل من سبعة أشهر من توليه منصبه واختير الرئيس علي الكافي سنة 1413هـ، 1992م، ليحل محله على رأس المجلس الأعلى للدولة. وفي عام 1994م حل محله الأمين زروال. وفي عام 1996م، أجريت انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس الأمين زروال وفي العام نفسه، 1996م، وافق الشعب الجزائري على تعديل دستوري نصّ على حظر الأحزاب السياسية التي تتخذ من الدين أو اللغة أو الجنس أو المنطقة أساسًا لها وفي عام 1997م، أجريت انتخابات برلمانية لاختيار أعضاء مجلس الشعب الوطني وفي أبريل 1998م تم انتخاب عبدالعزيز بوتفليقة، المقبول من الشعب والجيش والرئيس السابق الأمين زروال رئيسًا للبلاد وفي يونيو 1999م، أعلن الجيش الإسلامي للإنقاذ وهو الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ وقف العمليات العسكرية ضد الحكومة.





ما قبل التاريخ


يعود ظهور الإنسان في المنطقة التي تعرف اليوم بتونس إلى فترة ما قبل التاريخ، حيث تم العثور على آثار نشاط إنساني يعود إلى العصر الحجري القديم السفلي وذلك تحديدا في موقع القطّار والذي اكتشف فيه عالم الآثار جراي كوما من الحجارة مخروطي الشكل يعتقد أنه تعبير عن معتقد ما.

تُعدّ الحضارة القبصية (6.800 ق.م. إلى 4.500 ق.م.) أول مظاهر المجتمعات الإنسانية المنظمة بالمنطقة.وفي هذه الفترة وفد البربرالأمازيغ كما يبدو مع هجرة الشعوب الليبية (تعبير اغريقي عن الشعوب الأفريقية آنذاك) وإن كان لا يعرف أصل الشعوب البربرية بالتحديد ويعتبرهم كثيرون السكان الأصليين للبلاد.
عرفت المنطقة تعاقب العديد من الحضارات التي جلبتها ثروات هذه الأرض وأهمية موقعها الإستراتيجي في قلب حوض البحر الأبيض المتوسط وساعد على دخولها الانفتاح الطبيعي لتونس وسهولة تضاريسها. ويعد قدوم الفينيقيين بداية دخول المنطقة فترة التاريخ بتأسيسهم لدولة قرطاج.

التاريخ القديم
تعليمية

الفترة القرطاجية

(814 ق.م.164 ق.م.)

أقام السكان الموجودون بالبلاد التونسية علاقات تجارية مع الفينيقيين منذ القرن 11 ق.م. حيث قام هؤلاء بإنشاء مرافئ لتبادل البضائع تعتمد في أغلب الأحيان على المقايضة. وتعتبر أوتيكا من أهم هذه الموانئ وكان تأسيس قرطاج كقاعدة عسكرية لحماية الموانئ التجارية على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط. وعلى إثر الإضرابات التي نشبت فيفينقيا قامت مجموعة من التجّار بالفرار إلى —-قرطاج والإستقرار فيها ولكن الروايات التاريخية عن تأسيس المدينة أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة أحيانا.

بمرور الزمن ضعفت الإمبراطورية التجارية الفينيقية وورثت قرطاج أمجادها ومستعمراتها وقامت بتوسيع رقعتها لتشمل جزءا كبيرا من سواحل البحر الأبيض المتوسط، ونظرا لموقعها الإستراتيجي والمُطل على حوضي المتوسط، استطاعت بسط نفوذها والسيطرة على حركة التجارة بشكل لم يكون لينال رضاء القوة العظمى آن ذلك. حيث شكل التوسع القرطاجي خطرا على مصالح ونفوذ الإغريقيين مما أدى إلى اشتباكات عسكرية بين الدولتين.

وفي سنة 753 ق.م برز كيان جديد في شبه الجزيرة الإيطالية تحت اسم روما ودخلت روما حلبة الصراع منافسة قرطاج، الشيء الذي أدى إلى نشوب سلسلة من الحروب (سنة 264 ق.م) اشتهرت باسم الحروب البونيقية ولعل أشهرها حملة حنبعل (الحرب البونيقية الثانية) الذي قام بعبور سلستي البيرينيوالألببفيلته (218 ق.م. – 202 ق.م.). انتهت هذه الحروب البونيقية بهزيمة القرطاجيين واضعافهم بشكل كبير خاصة بعد حرب زوما المفصلية مما مهد الطريق لحرب ثالثة وحاسمة انتهت بزوال قرطاج وخراب المدينة وقيام الرومانيون بإنشاء "أفريكا" أول مقاطعة رومانية بشمالإفريقيا وذلك سنة 146 ق.م.


الفترة الرومانية

(146 ق.م431 م)

سنة 44 ق.م قرر الامبراطور الروماني يوليوس قيصر اعادة بناء مدينة قرطاج بعد أن كانت أوتيكا العاصمة ولكن أعمال البناء لم تبدأ رسميا إلا مع خلفه أوغيست وبذلك بدأت فترة ازدهار في المنطقة حيث أصبحت أفريقية مخزن حبوب روما.
ازدهرت مدن رومانية أخرى بالتزامن مع أرض قرطاج ومازلت الآثار شاهدة على بعض منها مثل دقةبولاية باجةوالجمبولاية المهدية.

أدى نمو قرطاج السريع إلى تبوئها مكانة ثاني مدينة في الغرب بعد روما إذ ناهز عدد سكانها مائة ألف نسمة. وبدأ انتشار المسيحية في تلك الفترة والذي لاقى في البداية معارضة كبيرة من السكان ولم يحسم الأمر للدين الجديد إلا مع القرن الخامس وأصبحت قرطاج إحدى العواصم الروحية الهامة للغرب آنذاك.

الفترة الوندالية

(431533)

عبر الوندال مضيق جبل طارق في 429 م وسيطروا سريعا على مدينة قرطاج حيث اتخذوها عاصمة لهم. وكانوا أتباع الفرقة الأريانية والتي اعتبرتها الكنيسة الكاثوليكية آنذاك فرقة من الهراطقة (هم الزنادقة في الإسلام) كما اعتبرهم السكان برابرة وأدى ذلك إلى حملة قمع سياسي وديني واسعة ضد المعارضين.
بدأت مناوشات بين الوندال والممالك البربرية المتاخمة للدولة وكانت انهزام الوندال سنة 530 م الحدث الذي شجع بيزنطة على القدوم لطرد الوندال.

الفترة البيزنطية

سيطر البيزنطييون بسهولة على قرطاج سنة 533م ثم انتصر الجيش البيزنطي والذي كان أغلبه مكونا من المرتزقةعلى الخيل الوندالية والتي كانت أقوى تشكيل في جيش الوندال. واستسلم آخر ملك وندالي سنة 534م.
هجر أغلب الشعب الوندالي قسرا إلى الشرق أين أصبحوا عبيدا بينما جند الباقون في الجيش أو كعمال في مزارع القمح.
سرعان ما عاد الحكام الجدد إلى سياسة القمع والإضطهاد الديني كما أثقلوا كاهل الناس بالضرائب مما حدى بهم إلى الحنين إلى سيطرة الوندال على مساوئهم.

الفتح الإسلامي

استقر الإسلام في المنطقة بعد ثلاث فتوحات متتالية عرفت مقاومة كبيرة من البربر بينما لم تُعَرّب شعوب المنطقة إلا بعد ذلك بقرون طويلة.
كانت أولى الفتوحات سنة 647م وعرفت بفتح العبادلة لكثرة المشاركين فيها ممن يحملون اسم عبد الله وانتهت بمقتل الحاكم البيزنطي.

وقعت الحملة الثانية سنة 661م وانتهت بالسيطرة على مدينة بنزرت. أما الحملة الثالثة والحاسمة فكانت بقيادة عقبة بن نافع سنة 670م وتم فيها تأسيس مدينة القيروان والتي أصبحت فيما بعد القاعدة الأمامية للحملات اللاحقة فيإفريقيةوالأندلس. إلا أن مقتل عقبة بن نافع سنة 683م كاد يفشل الحملة واضطر الفاتحون إلى حملة رابعة ونهائية بقيادة حسان بن النعمان سنة 693م أكدت سيطرة المسلمين على إفريقية رغم مقاومة شرسة من البربر بقيادةالكاهنة. وتمت السيطرة على قرطاج سنة 695م ورغم بعض الانتصارات للبربر واسترجاع البيزنطيين لقرطاج سنة696م فإن المسلمين سيطروا بصفة نهائية على المدينة في 698م وقتلت الكاهنة في السنة نفسها.

لم تسترجع قرطاج هيبتها بعد ذلك وتم استبدالها بعد ذلك بميناء تونس القريب والذي كان مركز انطلاق للغزوات في البحر باتجاه صقلية وجنوب إيطاليا.
لم يكتفي الفاتحون الجدد بالسيطرة على السواحل بل أتجهوا برا ونشروا عقيدتهم في صفوف البربر الذين أصبحوا من ذلك الحين رأس الحربة في الفتوحات اللاحقة وخاصة في الأندلس بقيادة طارق بن زياد.
احتوت مدينة القيروان على العديد من مراكز تعليم الإسلام إلا أن بعد إفريقية عن المشرق مهد الديانة ومركز الحكم أدى إلى انتشار الفرق الاسلامية التي لا تنتمي إلى أهل السنة وخاصة الفكر الخارجي.

الدولة الأغلبية

بقيت القيروان عاصمة لولاية أفريقية التابعة للدولة الأموية حتى 750م ثم الدولة العباسية ولم تشهد المنطقة حكما مستقلا إلا بقيادة إبراهيم ابن الأغلب مؤسس الدولة الأغلبية بقرار من هارون الرشيد سنة 800م والذي كان يريد بذلك وضع سد أمام الدويلات المنتشرة في غرب أفريقية أين انتشر الفكر الخارجي.
دام حكم الأغالبة 100 سنة وازدهرت خلاله الحياة الثقافية وأصبحت القيروان مركز إشعاع كما شهدت نفس الفترة تأسيس أسطول بحري قوي لصد الهجومات الخارجية والذي مكن أسد بن الفرات لاحقا من فتح جزيرة صقلية.

الدولة الفاطمية

شكل وصول بني أمية إلى سدة الحكم بعد مقتل الإمام علي نقطة انطلاق تنظيم الشيعة العلويين وتحلقهم حول ذرية الإمام من السيدة فاطمة الزهراء، الحسنوالحسين. كما أعطى مقتل الإمام الحسين شحنة جديدة زادت من تكتلهم ومن تقوية صفوفهم وذلك حتى نهاية الحكم الأموي.
لم يتغير وضع الشيعة كثير بعد وصول أبناء أعمامهم العباسيون إلى الحكم مما زاد شعورهم بالإحباط والكبت. وفي عهدالخليفة المنصور ظهرت عدة فرق في صفوف الشيعة لعل أهمها وأكثرها تنظيما سواء من ناحية العقدية أو سياسة أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق.
بوفاة إسماعيل بن جعفر بدأت فترة الأئمة المستورين الذين لم يكن لهم مشاركة في الحياة السياسية وهم: الوافي أحمدوالتقي محمدوالزكي عبد الله والتي انتهت بظهور المهدي عبد الله والمعروف أكثر باسم عبيد الله المهدي.

استطاع عبد الله الشيعي في غضون 7 سنوات الاستيلاء على أغلب مناطق شمال إفريقيا وذلك بمساعدة بعض القبائل البربرية التي استجابت إلى دعوته واعتنقت المذهب الإسماعيلي. وبعد انتصارهم على الجيش الأغلبي دخل عبيد الله رقادة يوم الخميس 20 ربيع الثاني سنة 296 هـ/6 جانفي909 م والتي كان زيادة الله الثالث قد تخلى عنها. دام حكم الفاطميين في تونس 64 عاما عرفت فيها البلاد إزدهارا كبيرا. عام 969 تمكن الفاطميون من فتح مصر لينقلوا إليها عاصمتهم عام 973.

الدولة الصنهاجية

لما إنتقل الفاطميون إلى مصر ولوا على إفريقية أميرا من أصل أمازيغي يدعى بلكين بن زيري بن مناذ الصنهاجي. إستطاع بلكين القضاء على الفتن والثورات القبائلية المجاورة على حدود البلاد مما مكنه من تعزيز حكمه والإحتفاظ بالأراضي الشاسعة التي ورثها عن الفاطميين. في بداية القرن الحادي العشر خرج والي أشيرحماد بن بلكين عن سلطة الصنهاجيين مما أدخل الطرفين في حرب طاحنة دامت عدة سنوات. فقد الصنهاجيون شيئا فشيئا جزءا كبيرا من المغرب الأوسط (الجزائر) لتقتصر في النهاية رقعة دولتهم أساسا على تونس وصقلية.

شهدت البلاد في عهد الصنهاجيين نهضة عمرانية وثقافية وإقتصادية كبيرة، فإزدهرت الزراعة في أنحاء البلاد بفضل انتشار وسائل الري، ووقع تشييد العديد من القصور والمكتبات والأسوار والحصون، فيما أصبحت عاصمتهم القيروانمركزا هاما للعلم والأدب.
عام 1045 أعلن الملك الصنهاجي المعز بن باديس خروجه عن الخلافة الفاطمية في القاهرة وانحيازه إلى الخلافة العباسية في بغداد. قامت قيامة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله الذي أذن، بإيعاز من وزيره أبو محمد الحسن اليازوري، للقبائل البدوية المتمركزة في الصعيد بالزحف نحو تونس. أدى زحف القبائل البدوية (أساسا بنو هلال وبنو سليم) إلى تمزيق أوصال الدولة الصنهاجية وإلى خراب عاصمتهم بعد تعرضها للسلب والنهب.
بعد الغزو الهلالي أصبحت البلاد مقسمة بين عدة دويلات أهمها إمارة بنو خرسان في مدينة تونس والوطن القبلي، ومملكة بنو الورد وعاصمتها بنزرت، ومملكة بنو الرند وعاصمتها قفصة فيما حافظ الصنهاجيون على منطقة الساحلوإتخذوا من المهدية عاصمة لهم.


الفترة الموحدية

عام 1060 إنتهز النورمان إنهيار الدولة الصنهاجية ليستولوا على صقلية لتصبح البلاد عرضة لغاراتهم. في عام 1135تمكن روجيه الثاني من إحتلال جزيرة جربة تبعها عام 1148 إحتلال المهدية، سوسة، وصفاقس. إستنجد الملك الحسن بن علي الصنهاجي بعبد المؤمن بن علي مؤسس الدولة الموحدية في المغرب لطرد الغزاة. إستطاع الموحدون في السنوات التالية إسترجاع كامل الأراضي التونسية من النورمان ليصبحوا مسيطرين على معظم أجزاء المغرب الكبيروجزء من الأندلس.

الدولة الحفصية

عام 1207 ولى الموحدون على إفريقية أحد أتباعهم وهو أبو محمد بن عبد الواحد بن أبي حفص ابن الشيخ عبد الواحد بن أبي حفص الذي رافق محمد بن تومرت أثناء دعوته. عام 1228 تمكن أبو زكريا يحيى بن حفص من الإنفراد بالمنصب لصالحه وأعلن منذ ديسمبر1229 إستقلاله عن الموحدين. إتخذ أبو زكريا مدينة تونس عاصمة له وإتخذ لنفسه لقب السلطان. عام 1249 خلف أبو أبو زكريا إبنه عبد الله محمد المستنصر الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين عام 1255. تعرضت البلاد عام 1270 إلى غزوة صليبية قادها لويس التاسع ضمن الحملة الصليبية الثامنة. شهدت الدولة بعد وفاة المستنصر عام 1277 عدة صراعات خلافة تخللتها عدة ثورات لقبائل جنوب البلاد، ولم تسترجع الدولة وحدتها إلا في عهدأبو يحي أبو بكر. إسترجعت الدولة سالف مجدها في عهد أبو العباس أحمد وأبو فارس عبد العزيز الذان شهدت البلاد في عهدتها إزدهار التجارة والملاحة. دخلت الدولة في أواخر القرن الخامس عشر حالة من الركود تخللتها حروب خلافة وأصبحت منذ 1510 عرضة لغارات الإسبان.

الحقبة الإسبانية

دخلت الدولة الحفصية سنة 1535 في صراع خلافة بين السلطان أبو عبد الله محمد الحسن وأخيه الأصغر رشيد. طلب الأخير العون من العثمانيين الذين تمكنوا من الإستيلاء على العاصمة بقيادة خير الدين بارباروسا (دون إرجاع رشيد على العرش). إستنجد أبو عبد الله محمد الحسن بشارل الخامس، ملك إسبانيا الذي جهز جيشا قوامه 33،000 رجل و400 سفينة بالتحافل مع الدول البابوية، جمهورية جنوة ونظام فرسان مالطا. تمكن الإسبان من القيام بإنزال شمالي العاصمة في 16 يونيو، ثم بالإستيلاء على ميناء حلق الوادي، ثم تمكنوا من دخول العاصمة في 21 يوليو. أعيد تنصيب السلطان حسن على العرش لكنه أجبر على المصادقة على معاهدة تضع البلاد عمليا تحت الحماية الإسبانية. استمر في السنوات التالية الصراع بين الإسبان وحلفاءهم والعثمانيين. تمكن العثمانيون في النهاية سنة 1574، من طرد الإسبان نهائيا بعد الإنتصار عليهم في معركة تونس.





أصل التسمية

كان ظهور الاسم ليبيا وتداوله في النقوش المصرية القديمة ليدل وبوضوح على القبائل الليبية التي كانت تقطن جبل برقة والصحراء الغربية لمصر، فورد ذكرها على لوحة الملك مرنبتاح وكذلك في معبد الكرنك.
من الناحية التاريخية يبدو انه اشتق من الكلمة المصرية القديمة (ريبو) او الليبو وتقابلها في اليونانية (ليبوس) مما يقابلها في العربية ليبيا، وورد اسم الليبو أو ليبيا في نقش مصري قديم يرجع إلى عهد رمسيس الثاني (1298-1232) قبل الميلاد وكان يطلق على إحدى الفرق العسكرية التي عملت في الجيش المصري آنذاك وشاركت في الحملات على بلاد فلسطين وسوريا.
من الواضح ان الليبيين هم من اتصل بهم في بادئ الأمر وذلك في عصر الملك رمسيس السادس من الأسرة العشرين ثم انتقل الاسم ليبيا حيث تلقفه الفينيقيون قبل هجرتهم إلى الشمال الإفريقي وعُثر على نقوش فينيقية متعددة ورد بها هذا اللفظ ( ليبيا ) وما لبث ان انتقل إلى الإغريق سكان اليونان الحالية وذلك خلال العصر البرونزيمما الهب خيالهم وهم المولعون بالخرافات والأساطير فراحوا ينسجون الأساطير عن ليبيا مثال ذلك ما ورد في الأوديسا ل هوميروس حيث ورد بالفظ ما معناه ( إن من يأكلاللوتس من غير الليبيين سينسى وطنه ويعيش في ليبيا ليقضى حياته يأكل اللوتس) أما هيروديت أبو التاريخ الذي زار ليبيا في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد فذكر ليبيا في عدة مواضع وكان يعنى بها قارة إفريقيا بأسرها وكان يقسم ليبيا إلى قسمين :- الليبيون في الشمال و الافيوب في الجنوب.
اما الرومان فقد اخدوا اسم ليبيا من الإغريق دون تحريف مع تقنين المساحة الجغرافية لذلك بحيث اصبح يدل عندهم على الأراضي الواقعة غرب مصر من برقة حتىطرابلس واطلقوا على قورينا اسم ليبيا العليا وهى المساحة الممتدة من غرب مدينة درنه الحالية إلى شرق مدينة سرت والمنطقة من شرق درنه حتى الدلتا القريبة من وادي النيل فعرفت عندهم باسم ليبيا السفلى او(مرماريداي) والتي عرفت عند العرب باسم (مراقية).
وعندما جاء العربالمسلمون كانت لوبية ومراقية اسم لكورتان من كور مصر الغربية حيث يذكر ابن عبد الحكم إن لوبية ومراقية (كوران) من كور مصر الغربية وعرفهما بأنهما مما يشربان من السماء ولا ينالهما النيل ويذكر ابن عبد الحكم انه في ولاية حسان بن النعمان كانت انطابلس ولوبية ومراقية إلى حدود إجدابيا من أعمال حسان ولم يحدد اسم ليبيا ذو مذلول جغرافي محدد إلا في مطلع القرن الحالي.
وربما يكون أول ذكر محدد لليبيا هو ما خرجه الجغرافي الإيطالي (ف.مينوتلى) في كتابه (جغرافية ليبيا) المطبوع في تورينتوسنة1903 ميلادية ليدل على الولاية التركية التي تشمل طرابلس و برقة ثم اتخذت إيطاليا ( ليبيا )اسما رسميا لولاية طرابلس بعد إعلان السيادة الإيطالية عليها في يونيه 1924م ومنذ ذلك الوقت شاع استعمال اسم ليبيا في جميع أنحاء العالم، وشمل طرابلس و برقة و فزان والواحات التابعة لها.

نبذة مختصرة عن تأريخ ليبيا

يمكن تقسيم تاريخ ليبيا إلى مجموعة من المراحل، تبدأ من تاريخ ليبيا القديم ويضم علاقة الليبيين بالمصريين خلال حكم الفراعنة ويتميز بوصول أحد الليبيين إلى عرش مصر الفرعونية وهو الفرعون شيشنق ثم مرحلة العلاقة مع الفينيقين وانشاء المدن الثلاث اويا و صبراتة و لبدة الكبرى ، ثم مرحلة العلاقة مع الاغريق أو اليونانوانشاء قورينا والمدن الخمس ثم العلاقة مع قرطاج او قرطاجنة وظهور حنبعل أو هنيبال ثم العلاقة مع الامبراطورية الرومانية ويتميز بوصول أحد الليبيين إلى عرش الامبراطورية الرومانية وهو الامبراطور سيبتيموس سيفيروس وابنائه، كم تتميز ميلادالرسول مرقس رسول المسيح إلى أرض مصر وليبيا ثم حكم البطالمة وغزو الوندال. ثم تبدا المرحلة الاسلامية وتبدأ بالفتح الاسلامي على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وتستمر مع الدولة الاموية ثم العباسية مع تبعيتها المختلفة لولايات مختلفة او كولاية منفصلة ودويلات مثل بني الغلب او الدولة الرستمية و المرابطون و الموحدون ثم الخلافة الفاطمية وما حصل فيها من هجرة بني هلالوبني سليم وتعريب ليبيا بسبب هذه الهجرة ثم الدولة الايوبية ثم غزو فرسان القديس يوحنا ثم الانضمام إلى الخلافة العثمانية وولاية القرمانلي وحتى بداية التاريخ الحديث والغزو الايطالي و الجمهورية الطرابلسية ثم الحرب العالمية الثانية والاستقلال ثم انشاء المملكة الليبية المتحدة وحتى قيام ثورة الفاتح.

تأريخ ليبيا القديم

العلاقة مع المصريين عرّف قدماء المصريين الأقوام التي تقطن إلى الغرب من مصر بالليبيين، وكانت القبيلة الليبية التي تعيش في المنطقة المتاخمة لمصر هي قبيلة الليبو قد ورد ذكر هذه القبيلة لأول مرة في النصوص المصرية التي تنسب إلى الملك مرنبتاح من الأسرة التاسعة عشرة (القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، ومن اسمها اشتق اسم ليبيا، وقد عرف الإغريق هذا الاسم عن طريق المصريين ولكنهم أطلقوه على كل شمال أفريقيا إلى الغرب من مصر وهكذا ورد عند هيرودوت الذي زار ليبيا في بداية النصف الثاني من (القرن الخامس قبل الميلاد). وقد بلغت بعض القبائل درجة من القوة مكنتها من دخول مصر وتكوين أسرة حاكمة هي الأسرة الثانية والعشرون التي احتفظت بالعرش قرنين من الزمان (من القرن التامن إلى القرن العاشر قبل الميلاد) واستطاع مؤسس تلك الأسرة الملك شيشنق الاول أن يوحد مصر، وأن يجتاح فلسطين ويستولي على عدد من المدن ويرجع بغنائم كثيرة.

العلاقة مع الفينيقين

بدأ اتصال الفينيقيين بسواحل ليبيا منذ فترة مبكرة، وبلغ الفينيقيون درجة عالية من التقدم والرقي وسيطروا على البحرالابيض المتوسط واحتكروا تجارته وكانوا عند عبورهم هذا البحر بين شواطىء الشام و إسبانيا التي كانوا يجلبون منها الفضة والقصدير يبحرون بمحاذاة الساحل الغربي من ( ليبيا ) وذلك لأنهم اعتادوا عدم الإبتعاد كثيرا عن الشاطىء خوفا من اضطراب البحر، وكانت سفنهم ترسو على شواطىء ( ليبيا ) للتزود بما تحتاج إليه أثناء رحلاتها البحرية الطويلة، وقد أسس الفينيقيون مراكز ومحطات تجارية كثيرة على طول الطريق من موانئهم في شرق البحر الابيض المتوسط إلى إسبانيا غرباً، وعلى الرغم من كثرة هذه المراكز والمحطات التجارية فإن المدن التي أنشأها وأقام فيها الفينيقيون في ليبيا كانت قليلة وذلك لأنهم كانوا تجاراً لا مستعمرين، ويرجع بعض المؤرخين أسباب إقامة المدن التي استوطنها الفينيقيون في ليبيا وشمال أفريقيا إلى تزايد عدد السكان وضيق الرقعة الزراعية في الوطن الأم، وكذلك بسبب الصراع الذي كثيرا ما قام به عامة الشعب والطبقة الحاكمة، أضف إلى ذلك ما كانت تتعرض له فينيقيا بين فترة وأخرى من غارات، كغارات الآشوريين و الفرس ثم الغارات اليونانية.
امتد نفوذ الفينيقيين إلى حدود برقة (قورينا) وأسسوا بعض المدن التجارية المهمة على ساحل ليبيا ( طرابلس ولبدة و صبراته) التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ ليبيا والشمال الإفريقي، وقد ازدهرت تجارتهم على الساحل الغربي من ليبيا وذلك لسهولة الوصول إلى أواسط إفريقيا الغنية بمنتجاتها المربحة كالذهب والأحجار النفيسة والعاج وخشب الأبنوس وكذلك الرقيق، وكانت أهم طرق القوافل تخرج من مدينة جرمة. ولهذا صارت تلك المدينة مركزا مهما تُجمع فيه منتجات أواسط إفريقيا التي تنقلها القوافل عبر الصحراء إلى المراكز الساحلية حيث تباع للفينيقيين مقابل المواد التي كانوا يجلبونها معهم، واستمر الجرمانيون مسيطرين على دواخل ليبيا لفترة جاوزت الألف سنة.
وفي حين دخل الفينيقيون و الإغريق في علاقات تجارية معهم، حاول الرومان إخضاع الجرمانيين بالقوة والسيطرة مباشرة على تجارة وسط إفريقيا عبر ليبيا، ولكنهم فشلوا في ذلك وفي النهاية وجدوا أنه من الأفضل مسالمة تلك القبيلة، واستمر وجود الفينيقيين وازداد نفوذهم في ليبيا وشمالا أفريقيا خاصة بعد تأسيس مدينة قرطاجنة في الربع الأخير من القرن التاسع قبل الميلاد (814 ق .م)، وصارت قرطاجنة أكبر قوة سياسية وتجارية في حوض البحر الابيض المتوسط الغربي، وتمتعت بفترة طويلة من الإستقرار السياسي والإزدهار الاقتصادي.
دخلت قرطاجنة بقيادة حنبعل (هنيبال) بعد ذلك في صراع مرير مع روما وكان الحسد والغيرة يملآن قلوب الرومان على ما وصلت إليه تلك المدينة الفينيقية من قوة وثراء وبدءوا يعملون ويخططون من أجل القضاء عليها وبعد سلسلة من الحروب المضنية تكبد فيها الطرفان الكثير من الأرواح والأموال، وهي الحروب التي عرفت في التاريخ بالحروب البونية ، استطاعت روما أن تحقق هدفها وأن تدمر قرطاجنة تدميرا شاملا وكان ذلك سنة (146 ق.م.) وآلت بذلك كل ممتلكات قرطاجنة بما فيها مدن ليبيا الثلاث (طرابلس، لبدة، وصبراته) إلى الدولة الرومانية .
اما السواحل الشرقية من ليبيا برقة (قورينا)، فكانت من نصيب المستعمرين الإغريق، ومثلت سواحل برقة أحد انسب المواقع التي يمكن أن ينشئ فيها المهاجرون الإغريق مستعمراتهم فهي لا تبعد كثيرا عن بلادهم، بالإضافة إلى ما كانوا يعرفونه من وفرة خيراتها وخصب أراضيها وغنى مراعيها بالماشية والأغنام.

العلاقة مع الاغريق

بدأ الإستعمار الإغريقي لإقليم قورينا (برقة) في القرن السابع قبل الميلاد عندما أسسوا مدينة قوريني (شحات) سنة 631 قبل الميلاد، وكان باتوس الأول هو أول ملك للمدينة، وقد توارثت أسرته الحكم في قوريني لفترة قرنين من الزمان تقريبا ولم يكن عدد المهاجرين الأوائل كبيرا إذ يقدره البعض بحوالي مائتي رجل. ولكن في عهد ثالث ملوك قوريني باتوس الثاني حضرت أعداد كبيرة من المهاجرين الإغريق واستقرت في الإقليم وقد أزعج هذا الأمر سكان ليبيا، فدخلوا في حرب مع الإغريق من أجل الدفاع عن وجودهم وأراضيهم التي طردوا منها والتي منحت للمهاجرين الجدد، وعلى الرغم من أن الأسرة التي أسسها باتوس الأول استمرت في حكم ليبيا زمناً طويلاً إلا انها لم تنعم بالإستقرار وذلك بسبب الهجمات المتتالية التي كانت القبائل الليبية تشنها على المستعمرات الإغريقية في المنطقة الساحلية لليبيا.
في عهد أركيسيلاوس الثاني رابع ملوك قوريني، ترك بعض الإغريق وعلى رأسهم أخو الملك مدينة قوريني ليؤسسوا بمساعدة الليبيين مدينة برقة (المرج)، ولما ازداد عدد المهاجرين الذين أتوا إلى مدينة قوريني، أرسلت تلك المدينة بعضا منهم لإنشاء بعض المواقع السكانية الجديدة على شواطىء ليبيا وكان ان أنشئت طوخيرة (توكرة)، كما أسست مدينة قوريني مستعمرة أخرى هي مدينة يوهسيبريديس (بنغازي) وميناء أبولونيا (سوسة)، كما أنشأت مدينة برقة (المرج) ميناء لها في موقع بطولوميس (طلميثه).
عندما احتل الفرس مصر، بعث ملك قوريني رسولاً إلى الملك الفارسي معلنا خضوع اقليم قورينا، واستمرت تبعية الإقليم لمصر وواليها الفارسي وان كانت في الغالب تبعية اسمية، وفي منتصف القرن الخامس قبل الميلاد (440 ق .م) قتل أركيسيلاوس الرابع، آخر ملوك أسرة باتوس ، في يوهسيبريديس (بنغازي)، وأصبحت قورينا تضم مدنا مستقلة عن بعضها البعض، وعلى الرغم من أن مدن الإقليم في هذه الفترة قد تمتعت بشيء من الازدهار الاقتصادي، الا انها عانت من الاضطرابات السياسية، فبالإضافة إلى ازدياد خطر هجمات القبائل الليبية، كانت تلك المدن تتصارع فيما بينها، كما عصفت بها الإنقسامات الداخلية.

تعليمية

العلاقة مع الرومان

غزا الإسكندر المقدوني مصر (332 ق .م.) واستولى البطالمة الذين خلفوه في حكم مصر على إقليم قورينا (332 ق .م.) إذ ساد شيء من الهدوء النسبي وأصبحت مدن الإقليم تعرف جميعا باسم بنتابوليس ، أي أرض المدن الخمس، فقد تكون اتحاد إقليمي يضم هذه المدن ويتمتع بالاستقلال الداخلي، وبقيت قورينا تحت الحكم البطلمي حتى أرغم على التنازل عنها لروما سنة (96 ق .م.) وصار الإقليم تحت رعاية مجلس الشيوخ وكان يٌكوّن مع كريت ولاية رومانية واحدة إلى أن فصلها الإمبراطور قلديانوسفي نهاية القرن الثالث الميلادي.
عند اعتراف الإمبراطور قسطنطين الأول بالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، نجد أن تلك الديانة كانت قد انتشرت في ليبيا، ولكن يجب ألا نفهم أن ذلك كان يعني القضاء على الوثنية، فقد تعايشت الديانتان جنبا إلى جنب فترة قاربت القرن ونصف القرن من الزمان حتى بعد أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحيةالدين الرسمي والأوحد في الإمبراطورية في مرسوم أصدره سنة (392 م) وهذا أمر لا تختلف فيه ليبيا عن بقية أقاليم الدولة الرومانية. وكان أول أسقف لإقليم برقة بليبيا سجّله التاريخ شخصا يدعى آموناس، وحضر أساقفة من مدن البنتابوليس أول مؤتمر مسيحي عالمي، وهو المؤتمر الذي دعا إلى عقده الإمبراطور قسطنطين في مدينةنيقيا سنة (325 م) وكان الأسقف سينسيوس القوريني أهم شخصيات الفترة المسيحية في برقة، تولى أسقفية طلميثة وذهب إلى البلاط الإمبراطوري في القسطنطينية في عهد الإمبراطور أركاديوس ليعرض المشاكل التي كانت تواجه الإقليم والتي كان من أهمها الضرائب الثقيلة المفروضة على مدنه، وان المشكلة الرئيسية التي واجهت الإقليم في أيامه هي الدفاع ضد غزوات القبائل الليبية التي زادت حدتها بعد عام (332 م) ولما لم يكن في الإمكان الاعتماد على مساعدة الحكومة الإمبراطورية، قام المستعمرون سكان المدن والمناطق الريفية القريبة بتنظيم حرس محلي لصد هجمات قبائل ليبيا، وان الصورة التي يعطيها سينسيوس عن الأوضاع في الإقليم دفعت كثيرا من الدارسين إلى القول بأن الحياة في البنتابوليس قد خبت نهائيا في القرن الخامس الميلادي، ومع ذلك فإن الآثار القديمة تثبت أنه بينما كانت المدن تتضاءل ظل الريف محتفظا بحيوية ملحوظة لمدة قرنين من الزمان بعد ذلك.
ولم يكن الأمر يختلف بالنسبة لمدن الساحل الغربي لليبيا، فبعد زوال الأسرة السيفيرية في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي سادت الإمبراطورية حالة من الفوضى والحروب الأهلية لمدة نصف قرن، بينما استطاعت الأقاليم الأخرى في الإمبراطورية استرداد أنفاسها بعد تلك الأزمة وعاد إليها شيء من الأمن والنظام، استمرت الاضطرابات تعصف بليبيا والشمال الإفريقي، الأمر الذي سهل وقوعه في أيدي الوندال ، حيث عبرت جموع الوندال إلى ليبيا وشمال أفريقيا حوالي سنة (430 م) واستولت على مدن إقليم طرابلس (ليبيا) التي عانت الكثير مما يلحقه الوندال عادة من خراب ودمار في كل مكان يحلون فيه، وعلى الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية قد استعادت اقليم ليبيا في القرن السادس الميلادي في عهد الإمبراطور جستينيان عندما نجح قائده بلزاريوس من طرد الوندال، فإن ليبيا سواء في إقليم برقة أو في إقليم طرابلس، ظلت تعاني من آثار تلك الجروح العميقة التي خلفتها جحافل الوندال، وأصبحت ليبيا بأكملها مستعدة لاستقبال أي فاتح جديد يخلصها من حالة الفوضى والاضطراب والضعف، وفي هذه الأثناء لاحت في الأفق طلائع الفاتحين من العرب المسلمين، الذين جاءوا ليضعوا نهاية لذلك الوضع السيئ وليفتحوا صفحة جديدة في تاريخ ليبيا العربي الإسلامي.

الدولة الاسلامية

انتشر المسلمون العرب في كل أرجاء ليبيا واندمجوا مع السكان المحليين استطاع العرب بعد فترة وجيزة من قدومهم لليبيا أن يوطدوا أركان حكمهم وأن ينشروا الأمن في ربوعها، وبقيت ليبيا تابعة للخليفة في المشرق العربي حتى استقل إبراهيم بن الأغلب بولاية أفريقيا حوالي سنة(800 م) وأصبحت تبعيته للخلافة في المشرق العربي تبعية اسمية، وهو أمر يبدو أن الخليفة لم يعترض عليه كثيرا وذلك لأن الظروف السياسية في دولته المترامية الأطراف اقتضت اللامركزية في الحكم.
أسس ابن الأغلب أسرة ظلت تحكم ليبيا حتى قيام الدولة الفاطمية سنة (909-910 م) هذا بالنسبة للجزء الغربي من ليبيا، أما الجزء الشرقي من ليبيا فقد ظل في معظم الأحيان تابعا لولاية مصر.


الدولة الفاطمية وغزوة القبائل القيسية

في مطلع القرن العاشر الميلادي، كان دعاة الشيعة نشطين في ليبيا وشمال أفريقيا فجمعوا حولهم عددا كبيرا من الأعوان من الليبين الذين ثاروا على الحكاكم الاغلبي، واستطاعوا في (910 م) أن ينتزعوا تونس من الأغالبة، وعملوا على توطيد أركان حكمهم وأخذ أمراؤهم لقب خليفة، مُتَحَدِين بذلك الخليفة العباسي في بغداد، وفي سنة ( 969 م) نجح جوهر الصقلي قائد جيوش الخليفة العبيدي الفاطمي الرابع المعز لدين الله في أخذ مصر من الإخشيديين و ذلك في مايزيد عن مائة الف جندي من البربر، واختط مدينة القاهرة، التي أصبحت حاضرة الدولة الفاطمية التي انتقل إليها المعز لدين الله سنة (973 م) صحبة اعداد كبيرة من اعوانه من القبائل البربرية "الامر الذي احدث حالة من الاخلاء السكاني "وترك المعز بلكين بن زيري واليا على أفريقية (تونس الحالية و نواحي طرابلس )، وعلى الرغم من الود الذي ميز العلاقة بين الخليفة الفاطمي ونائبه على أفريقية في البداية، فإن ابن زيري وجد أن الترتيبات التي وضعها المعز لدين الله لولاية ليبيا غير مناسبة له، حيث جعل المعز لدين الله كل شؤون ولاية ليبيا المالية في أيدي موظفين يتبعونه مباشرة وهذا ما رفضه ابن زيري الذي ألقى القبض على عمال الخليفة وأرسل خطابا شديد اللهجة إلى المعز في القاهرة. مات المعز لدين الله قبل أن يتمكن من اتخاذ أي إجراء ضد ابن زيري. فخلفه العزيز الذي اعترف بالأمر الواقع وأقر ابن زيري على ولاية ليبيا التي أصبحت الآن تمتد حتى أجدابيا، وظلت الولاية في أيدي بني زيري حتى سنة (1145 م).
وفي عهد المعز بن باديس بن منصور (398-454 هـ/1008-1062 م) الذي حكم الشمال الأفريقي في الفترة 406-454 هـ/10161062 م، استقل عن الفاطميين فانتقم الخليفة الفاطمي من ابن زيري بارسال القبائل القيسية من بني هلال وبني سليم و من معهم من جموع القبائل العربية الاخرى والتي كان الفاطميون قد جلبوها من مواطنها في الجزيرة العربية و اسكنوها شرق النيل و دخلت تلك القبائل في موجات متتالية كانت اولى تلك الموجات المتكونة من بني هلال و جشم و المعقل كافية لهزيمة و الي أفريقية و من معه في معركة حيدران التاريخية واحتلوا القيروان وسوسة فتقهقر إلى المهدية ، كانت في حالة من الفوضى والضعف ثم تلى ذلك دخول موجة بني سليم و غطفان (فزارة ، و رواحة ) و التي استوطن اغلبها في ليبيا.
وقد حدث ان احتل النورمانديين مدينة طرابلس الا ان نجح الموحدون في طرد النورمانديين من طرابلس في عام (1158م)و بشكل عام فانه و بسبب سيطرة قبائل الاعراب على اغلب المناطق الليبية و لصعوبة السيطرة على هذه القبائل فانها كانت دائما محتفظة باستقلاليتها ولدى فمن المعروف تاريخيا ان السيطرة على مدينة طرابلس ((و التي كانت تتم في الغالب بمعاونة هذه القبائل ))لم تكن يوما كافية للسيطرة على الاراضي المكونة لليبيا الحالية،و قد بقي هذا الوضع حتى فترة الجهاد الليبي ضد الطليان و ما بعدها .
احتل الأسبان طرابلس سنة (1510م) وظلوا يحكمونها حتى سنة (1530م) عندما منحها شارل الخامس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية لفرسان القديس يوحنا الذين صاروا يعرفون في ذلك الوقت بفرسان مالطا. وبقي الفرسان في طرابلس إحدى وعشرين سنة، ولم يكن الفرسان متحمسين كثيرا للاحتفاظ بطرابلس، فبالإضافة للعداء الذي أظهره الليبيون تجاههم لأنهم اعتبروهم عنصرا أجنبياً دخيلاً وأهم من ذلك أنهم أعداء في الدين، اعترض الفرسان على تلك المنحة التي تعني تقسيم قواتهم، كما أن المسافة التي تفصل مالطا عن طرابلس تعني تعذر العون في حالة أي هجوم.

الخلافة العثمانية

في سنة (1551 م)، وبعد الاستغاثات التي وجهها سكان ليبيا إلى السلطان العثماني، باعتباره خليفة للمسلمين، حضر سنان باشا ودرغوت باشا إلى طرابلس، ففرضا عليها حصارا دام أسبوعاً واحداً وانتهى بسقوط المدينة، وفي الواقع أن طرابلس لم تكن أبدا مركزا يستطيع فرسان القديس يوحنا الاحتفاظ به ضد أية مقاومة.
دخلت ليبيا منذ (1551 م) عهدا جديدا اتفق المؤرخون على تسميته ب العهد العثماني الأول والذي ينتهي (1711 م) عندما استقل أحمد باشا القره مانلي بزمام ولاية ليبيا .
وقد شمل الحكم العثماني كافة أقاليم ليبيا: طرابلس الغرب وبرقة وفزان، وكان يدير شؤونها وال (باشا) يعينه السلطان، ولكن لم يمض قرن من الزمان حتى بدأ الضعف يدب في أوصال الدولة العثمانية نتيجة تكالب الدول النصرانية الأوروبية على الولايات العثمانية، ودخول دولة الخلافة العثمانية عدة حروب في آن واحد، مع الروس واليونانيين والبلغار والرومان والأرمن واليوغسلاف والانجليز وعرب الجزيرة الذين تحالفوا مع الإنجليز وخسارتها الحرب العالمية الثانية، وأصبحت حكومة الخلافة عاجزة عن حماية ولاياتها وفرض النظام والتحكم في الولاة الذين صاروا ينصبون ويعزلون حسب نزوات الجند في جو مشحون بالمؤامرات والعنف. وفي كثير من الأحيان لم يبق الوالي في منصبه أكثر من عام واحد حتى أنه في الفترة ما بين سنة (1672 م-1711 م) تولى الحكم أربعة وعشرون واليا على ليبيا، ولقد مرت ليبيا بأوقات عصيبة عانى الليبييون فيها الويلات نتيجة لاضطراب الأمن وعدم الاستقرار.

الدولة القره مانلية

في سنة 1711م قاد أحمد القره مانلي ثورة شعبية أطاحت بالوالي العثماني، وكان أحمد هذا ضابطاً في الجيش العثماني فقرر تخليص ليبيا من الحكام الفاسدين ووضع حد للفوضى، ولما كان شعب ليبيا قد ضاق ذرعا بالحكم الصارم المستبد فقد رحب بأحمد القره مانلي الذي تعهد بحكم أفضل، وقد وافق السلطان على تعيينه باشا على ليبيا ومنحه قدرا كبيرا من الحكم الذاتي، ولكن القره مانليين كانوا يعتبرون حتى الشؤون الخارجية من اختصاصتهم، وكانت ليبيا تمتلك أسطولا بحرياً قويا مكنها من أن تتمتع بمكانة دولية مهيبة وأصبحت تنعم بنوع من الاستقلال.
أسس أحمد القره مانلي أسرة حاكمة استمرت في حكم ليبيا حتى (1835م) ويعتبر يوسف باشا القره مانليYusufKaramanli أبرز ولاة هذه الأسرة. كان يوسف باشا حاكما طموحا أكد سيادة ليبيا على مياهها الإقليمية وفرض الجزية (رسوم المرور) عبر مياه البحر الابيض المتوسط على كافة سفن الدول البحرية الأمريكيةوالأوروبية (بريطانيا و السويد و فرنسا و إيطاليا)، وفي سنة 1803م طالب بزيادة الرسوم على السفن الأمريكية تأمينا لسلامتها عند مرورها في مياه ليبيا والبحر المتوسطوعندما رفضت الولايات المتحدة النزول عند رغبة ليبيا، استولت البحرية الليبية على إحدى سفنها، الأمر الذي دفع حكومة أمريكا إلى الدخول في حرب مع ليبيا فيما عرف ب "حرب السنوات الاربع " وفرضت حصاراً على طرابلس وضربتها بالقنابل ولكن ليبيا استطاعت مقاومة ذ لك الحصار وأسرت البحرية الليبية إحدى أكبر السفن الحربية الأمريكية (فيلاديلفيا) آنذاك مع كامل بحارتها وجنودها في عام 1805م الأمر الذي جعل أمريكا ترضخ وتخضع في النهاية لمطالب ليبيا، وبذلك استطاع يوسف باشا أن يملأ خزائن ليبيا بالأموال التي كانت تدفعها الدول البحرية تأميناً لسلامة سفنها، وتركت هذه الحرب آثارها حتى الآن في البحرية الأمريكية حيث لازال نشيد مشاة البحرية يشير الي شواطئ طرابلس كما ان هناك قطعة حربية تسمى طرابلس ولكن يوسف باشا ما لبث أن أهمل شؤون ليبيا وانغمس في الملذات والترف ولجأ إلى الإستدانة من الدول الأوروبية.
كان السلطان العثماني قد بدأ يضيق بيوسف باشا وبتصرفاته في حكم ليبيا، خاصة عندما رفض يوسف مساعدة الدولة العثمانية في حربها ضد اليونانيين 1829م وفي هذه الأثناء قامت ضد القره مانليين ثورات عربية عارمة بقيادة الشيخ عبد الجليل سيف النصر شيخ قبائل اولاد سليمان و زعيم مناطق سرت و ورفلة و فزان و كذلك ثورة قبائل المحاميد الكبيرة في منطقة غرب و جنوب غرب طرابلس بزعامة الشيخ غومة بن خليفة المحمودي اللذين استقلا بحكم تلك الاقاليم . واشتد ضغط الدول الأوروبية على يوسف لتسديد ديونه، ولما كانت خزائنه خاوية فرض ضرائب جديدة، الأمر الذي ساء شعب ليبيا وأثار غضبه، وانتشر السخط وعمت الثورة كل ليبيا وأرغم يوسف باشا على الاستقالة تاركاً الحكم لابنه علي وكان ذلك سنة 1832م، ولكن الوضع في ليبيا كان قد بلغ درجة من السوء استحال معها الإصلاح.

وعلى الرغم من أن السلطان محمود الثاني ( 18081839) اعترف بعلي واليا على ليبيا فإن اهتمامه كان منصباً بصورة أكبر على كيفية المحافظة على ما تبقى من ممتلكات الدولة العثمانية خاصة بعد ضياع بلاد اليونان و الجزائر (1830 م). وبعد دراسة وافية للوضع في ليبيا (طرابلس) قرر السلطان التدخل مباشرة واعاد سلطته وحكمه على ليبيا، ففي 26 مايو1835 م وصل الأسطول التركي طرابلس والقي القبض على علي باشا ونقله إلى تركيا، وانتهى بذلك حكم القره مانليين في ليبيا وتفاءل الليبيون خيراً بعودة الأتراك العثمانيون ورأوا فيهم حماة لهم ضد مخاطر الفرنسيين في الجزائر و تونس ، وكذلك خطر الإنجليز الذين بدأ نفوذهم يتزايد في مصر والسودان، ولكن اتصال الدولة التركية بليبيا أصبح صعباً ومحفوفاً بالمخاطر نتيجة لوجود الإنجليز في مصر ، الأمر الذي أدى إلى ضعف الحكم التركي في ليبيا وجعل الليبيين يدركون أنه سيكون عليهم وحدهم عبء مواجهة وصد أي خطر خارجي.

الاحتلال الايطالي

كانت إيطاليا آخر الدول الأوروبية التي دخلت مجال التوسع الاستعماري. وكانت ليبيا عند نهاية القرن التاسع عشر، هي الجزء الوحيد من الوطن العربي في شمال أفريقيا الذي لم يتمكن الصليبيون الجدد من الاستيلاء عليه، ولقرب ليبيا من إيطاليا جعلها هدفا رئيسا من أهداف السياسة الاستعمارية الإيطالية، ولم يصعب على إيطاليا اختلاق الذرائع الواهية لاحتلال ليبيا فاعلنت الحرب على تركيا في 29 سبتمبر سنة 1911 م، وبدأت الحرب العثمانية الإيطالية واستطاعت الاستيلاء على طرابلس في 3 أكتوبر من السنة نفسها.
قاومت القوات الليبية و العثمانية الإيطاليين لفترة قصيرة، ولكن تركيا تنازلت عن ليبيا لإيطاليا بمقتضى المعاهدة التي أبرمت بين الدولتين في 18 أكتوبر 1912م (معاهدةاوشئ)، وأدرك الليبيون الآن أن عليهم أن ينظموا صفوفهم ويتولوا بأنفسهم أمر المقاومة والجهاد ضد المستعمر، وقد اشتدت مقاومة الليبيين للقوات الإيطالية مما حال دون تجاوز سيطرة الإيطاليين المدن الساحلية، ولما دخلت إيطاليا الحرب العالمية الأولى 1915 م انضم أحمد الشريف ، الذي كان يتولى قيادة المقاومة ضد الغزو الإيطالي في برقة، إلى جانب تركيا ضد الحلفاء، ولكن بعد هزيمة قواته تنازل عن الزعامة لإدريس السنوسي وقاد الجهاد نيابة عنه في منطقة الجبل الاخضر المجاهد عمر المختار و عدد من مشائخ القبائل العربية مثل صالح الاطيوش و عبد السلام الكزة. وفي المنطقةالوسطى قاد الجهاد مجموعة من مشائخ القبائل امثال حمد سيف النصر . اما في المنطقة الغربية فقد قاد الجهاد مجموعمة من الزعماء و المشائخ منهم رمضان السويحلي و احمد المريض ومحمد سوف المحمودي و سليمان الباروني و عبد النبي بلخير ومحمد بن عبد الله البوسيفي .

الحرب العالمية الثانية

وعندما قامت الحرب العالمية الثانية، رآها الليبيون فرصة يجب استغلالها من أجل تحرير ليبيا، فلما دخلت إيطاليا الحرب 1940 م انضم الليبيون إلى جانب صفوف الحلفاء، بعد أن تعهدت بريطانيا صراحة بأنه عندما تضع الحرب أوزارها فإن ليبيا لن تعود بأي حال من الأحوال تحت السيطرة الإيطالية. و قد تحالف السنوسية مع البريطانيين مكونيين الجيش السنوسي من أبناء القبائل بزعامة ادريس السنوسي و دخلوا مع القوات البريطانية اقليم برقة من مصر حيث كانوا فارين من وجه الطليان ، حيث تم اعلان ادريس السنوسي اميرا على برقة .
و كذلك دخل الشيخ حمد سيف النصر بمن معه من القبائل صحبة القوات الفرنسية التي دخلت عن طريق مناطق السودان الأوسط (تشاد) و اعلن الشيخ حمد اميرا على فزان .
كانت الشكوك تساور الليبيين في نوايا بريطانيا بعد انتهاء الحرب، واتضحت هذه النوايا بعد هزيمة إيطاليا الفاشية وسقوط كل من بنغازي وطرابلس في أيدي القوات البريطانية. كان هدف بريطانيا المتماشي مع سياستها المعهودة (فرق تسد)، هو الفصل بين إقليمي برقة وطرابلس ومنح فزان لفرنسا، وكذلك العمل على غرس بذور الفرقة بين أبناء ليبيا وبينما رأى الليبيون أنه بهزيمة إيطاليا سنة 1943م يجب أن تكون السيادة على ليبيا لأهلها، الا ان الإنجليز والفرنسيين رفضوا ذلك وصمموا على حكم ليبيا حتى تتم التسوية مع إيطاليا.
أصبحت هاتان الدولتان تتحكمان في مصير ليبيا ضد رغبات الشعب الليبي، وبعد كثير من المفاوضات، تم بفضل الله الاتفاق على منح برقة استقلالها الذي اعترف به الإنجليز على الفور، وكان ذلك في أول يونيو 1949م ولكن هذا الإجراء الذي كانت غايته تقسيم ليبيا وتهدئة الليبيين وإلهائهم عن قضيتهم لم يُسكت صوت أحرار ليبيا الذين استمروا في المطالبة بحقوقهم واستعادة حريتهم، هذا الإصرار من جانب شعب ليبيا ضمن لقضية ليبيا مكاناً في جداول أعمال المؤتمرات التي عقدتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية كما نقل الليبيون قضيتهم إلى الأمم المتحدة.

استقلال ليبيا

في هذه الأثناء كانت الدوائر الاستعمارية تدبر المكائد وتحيك المؤامرات على مستقبل ليبيا، فقد اتفقت بريطانيا و إيطاليا في 10 مارس1949 م على مشروع (بيفن سيفورزا) الخاص بليبيا الذي يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية، وقد وافقت عليه اللجنة المختصة في الأمم المتحدة في يوم 13 مايو1949 م وقُدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للإقتراع عليه، ولكن المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة، نتيجة للمفاوضات المضنية لحشد الدعم لإستقلال ليبيا التي قام بها وفد من احرار ومناضلي ليبيا للمطالبة بوحدة واستقلال ليبيا، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في 21/11/1949 م الذي يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952 م، وكُوِنت لجنة لتعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة ولتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق وحدة ليبيا ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة.
وفي شهر أكتوبر 1950م تكونت جمعية تأسيسية من ستين عضواً يمثل كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة (عشرون عضواً) وفي 25 نوفمبر من السنة نفسها اجتمعت الجمعية التأسيسية برئاسة مفتي طرابلس لتقرر شكل الدولة، وعلى الرغم من اعتراض ممثلي طرابلس على النظام الإتحادي فقد تم الإتفاق، وكلفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور، فقامت تلك اللجنة بدراسة النظم الإتحادية المختلفة في العالم وقدمت تقريرها إلى الجمعية التأسيسية في سبتمبر 1951 م وكانت قد تكونت حكومات إقليمية مؤقتة بليبيا، وفي 29 مارس1951م أعلنت الجمعية التأسيسية عن تشكيل حكومة اتحادية لليبيا مؤقتة في طرابلس برئاسة السيد محمود المنتصر، وفي يوم 12/10/1951 م، نقلت إلى الحكومة الإتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية، فالسلطات المالية نقلت إلى حكومة ليبيا الاتحادية في 15/12/1951 م، وأعقب ذلك فق 24 ديسمبر1951 م إعلان الدستور واختيار ادريس السنوسي ملكا ل المملكة الليبية المتحدة بنظام فيدرالي يضم ثلاثة ولايات (طرابلس، برقة، فزان). ولكن على الرغم من كل ما قامت به بعض الدوائر الاستعمارية بعد 1951 م من أجل الإبقاء على ليبيا مقسمة وضعيفة تحت ذلك النظام الإتحادي، فإن شعب ليبيا عبر ممثليه المنتخبين قاموا في 26 أبريل1963م بتعديل دستورهم وأسسوا دولة ليبيا الموحدة وأزالوا جميع العقبات التي كانت تحول دون وحدة ليبيا تخت اسم المملكة الليبية وعاصمتها طرابلس.

ثورة الفاتح من سبتمبر

وفي الاول من سبتمبر 1969 م قام مجموعة من الظباط الشبان من ذوي الرتب الصغيرة وبقيادة الملازم معمر القذافي بتحرك ضد النظام الملكي والقيام ب ثورة الفاتح من سبتمبر واعلنوا الجمهورية العربية الليبية.

اعلان قيام سلطة الشعب

في 2 مارس 1977 تم الاعلان عن قيام الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية وتحويل النظام السياسي من النظام الجمهوري إلى النظام الجماهيري بمؤتمرات شعبية تقرر ولجان شعبية تنفذ.




التصنيفات
بلدان ومدن

موسوع تاريخ الدول 2 قارة اروبا

۞۞ قارة أوروبا ۞۞

هي إحدى قارات العالم السبع. جغرافياً تعد أوروبا شبه قارة أو شبه جزيرة كبيرة تكون الجزء الغربي الممتد من أوراسيا بين جبالالأورالوالقوقازوبحر قزوين من الشرقوالمحيط الأطلسي من الغرب والبحار الأبيض المتوسطوالأسود ومنطقة القوقاز من الجنوب والمحيط القطبي الشمالي من شمال القارة وتعتبر قارة صغيرة نسبيا مقارنة ببقية القارات لكن قارة أستراليا أصغر منها.

تصل مساحة القارة لحوالي 10.79 مليون كم2 (7.1 % من مساحة الأرض). ثالث قارة من حيث عدد السكان في العالم إذ يزيد عدد سكانها عن 700 مليون نسمة (11 % من سكان الأرض).

تعليمية


المواضيع المتناولة

الفهرس الخاص بمواضيع القارة :


الاندلس


تاريخ الاندلس


الاندلس مجد المسلمين الضائع

تاريخ النمسا


لمحات من تاريخ النمسا


تاريخ اسبانيا


تاريخ البانيا


بريطانيا العظمي


نبذه من تاريخ ايرلندا


نبذه من تاريخ المانيا


نبذه عن تاريخ "اسكتلندا"

السنجق"جوهره اسلاميه "


البلقان "تاريخ _ مشكلات "


نبذه عن تاريخ الدوله الشيشانيه

تـــــــاريــخ روسيـــــــــــا القديــــــــم.


تاريخ روسيا


الفردوس المفقود "ماذا اعرف عنها ؟وماذا تعرف انت عنها "




بسم الله الرحمن الرحيم

تعليمية

نبذه عن الاندلس

الأندلس اسم مأخوذ من لغة الفندال القبيلة التي تعيش هناك أطلق على منطقة جنوب إسبانيا بعد الفتح الإسلامي العربي لها وقد أصبحت الأندلس جزءاً من الدولة الإسلامية. ويعتبر عبدالرحمن الداخل المؤسس للدولة الأندلسية سنة 750 التي كانت مستقلة عن الدولة الاسلامية تحت حكم بني العباس واعتبرت الأندلس امتدادا لدولة بني أمية التي قضى عليها العباسيون في الشرق.

وفي سنة 756 بنى عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) مدينة قرطبة والتى أصبحت عاصمة الأندلس واعتبرت المدينة المنافسة لبغداد عاصمة العباسيين . دام الوجود العربي الإسلامي في اسبانيا قرابة 800 سنة حتى قامت بالقضاء على كل ماهو عربي وإسلامي.

وقد أصبح في الأندلس عدة دول بعد سقوط الدولة الأموية عام 399هـ منها : دويلات ملوك الطوائف ودولة المرابطين ودولة الموحدين ومملكة غرناطة .

و في العصر الحاضر لا تزال منطقة جنوب إسبانيا تعرف بإسم الأندلس و تعتبر إحدى المقطاعات التي تشكل إسبانيا الحديثة و تحتفظ بالعديد من المباني التي يعود تاريخها إلى عهد الدولة الإسلامية في الأندلس، و تحمل اللغة الإسبانية كثيراً من الكلمات التي يعود أصلها إلى اللغة العربية.

الأندلس قبل الإسلام

تشير الأدوات الحجرية ورسوم الكهوف إلى أن الإنسان استوطن شبه جزيرة أيبريا منذ أكثر من 10,000 سنة. وقد أقام الفينيقيون مدنا على السواحل. ثم ضمها الرومان إلى إمبراطوريتهم، حتى غزاها القوط الغربيون (Visigoth) حوالي عام 450 ضمن اجتياح مختلف قبائل البربر للإمبراطورية الرومانية. طرد القوط الغربيون قبائل الوندال البربرية إلى شمال أفريقيا.وقد جاء اسم الاندلس من كلمة "وندال "حيث اصبحت واندالش ، ومنها اندلس والاندلس هي كل ارض دخلها المسلمين في شبه جزيرة ايبيريا حتى اصبحت في النهايه حوالي ثمان مدن

فتح الاندلس

في عام 86 هـ وفي زمن الوليد بن عبد الملك الأموي تولى موسى بن نصير المغرب ، فأخضع البربر ، ونشر الأمن في هذه الربوع ، واستطاع أن يفتح طنجة فترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، وعهد إليه بالعمل على نشر الإسلام في المنطقة ، وعسكر طارق بمن معه من المسلمين على سواحل بحر الزقاق ، وبدأت أنظارهم تتجه نحو أسبانيا .

وعاد موسى إلى القيروان ، وعلم طارق أن ميناء سبتة على مقربة منه فبدأ يتحرك نحوه ، وكان حاكم سبتة يليان قد تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، وأصبح كالحاكم المستقل في سبتة وماحولها ، واحتك يليان بالمسلمين وأحس بقوتهم وضغطهم عليه ، فعمل على كسب ود طارق بن زياد ، وكان طارق يتطلع لفتح أسبانيا ، فراسل يليان ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه .

وأما الأندلس ( أسبانيا ) فقد حكمها القوط منذ عام 507 م ، غير أن أمرهم بدأ يضعف ، وقسمت أسبانيا إلى دوقيات ، يحكم كل منها دوق ، يرجـع في سلطنته إلى الملك في طليطلة ، وقسم المجتمع إلى طبقات : أعلاها طبقة الأشراف أصحاب الأموال والمناصب وحكام الولايات والمدن والإقطاعيون ، ثم طبقة رجال الدين الذين ملكوا الضياع وعاملوا عبيدهم بالعسف ، ثم طبقة المستخدمين وهم حاشية الملك وموظفو الدولة ، ثم الطبقة الوسـطى وهم الزراع والتجار والحرفيين وقد أثقلوا بالضرائب ، وأخيراً الطبقة الدنيا وهم الفلاحين والمحاربين والعاملين في المنازل ، وبلغ البؤس بأهل أسبانيا أن حل بهم الوباء في السنوات : 88 ، 89 ، 90 هـ حتى مات أكثر من نصـف سكانها .

وفي عام 709 م تولى العرش وتيكا الذي يسميه العرب غيطشة ، ولكنه عزل في نهاية السنة نفسها ثم قتل ، واستلم الحكم بعده أخيلا ، وفي العام التالي710 م وصل ردريك – ويسميه العرب لذريق – إلى الحكم بعد عزل أخيلا ، وغرق لذريق في الشهوات حتى نفرت منه القلوب ، وانقسمت البلاد في عهده ، فظهـر حزب قوي بزعامة أخيلا الذي حاول استرداد عرشه وحزب آخر ناصر الملك .

ولما كان يليان حليفاً لغيطشة فقد حـاول مد يد العون إلى حليفه ، ولكن أنصار لذريق ردوه عن الأندلس إلى العدوة الإفريقية ، فتحصن في سبتة ، وأخذ يرقب الأحداث .

وتذكر الروايات أن يليان هو الذي دعا موسى لغزو الأندلس ، وذلك أن يليان كان قد أرسل ابنته إلى قصر لذريق لتتأدب ، وتنشأ فيه أسوة بغيرها من بنات القوط في ذلك الزمان ، وأن لذريق بصر بالفتاة وطمع فيها ونال منها ، فكتبت إلى أبيها بخبرها ، فدفعه ذلك إلى التفكير في الانتقام من لذريق ، فاتصل بطارق وزين له فتح الأندلس ، وجعل نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمـأن إليهم ، وزار يليان موسى بن نصـير في القيروان لإقناعـه بسهولة الفتح ، وطبيعي أن يشك موسى في صحة المعلومات فطلب من يليان أن يقوم بغارة سريعة ، ففعل وعاد محملاً بالغنائم .

وليس هذا هو السبب الحقيقي للفتح ولكنه عجل به وساعد عليه ، وكما ذكرفأن اعين طارق بن زياد كانت دائما علي الأندلس منذ أن وصل طنجة ، ثم إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة يليان ، كما أن المسلمين منذ أيام عثمان بن عـفان رضي الله عنه يفكرون بفتح القسطنطينية من جهة أوروبا بعد فتح الأندلس ، وقال عثمان حينها : ( إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر ، وأنتم إذا فتحتـم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان ) .

وكتب موسى يستأذن الخليفة بدمشق ، فجاء رد الخليفة الوليد : ( أن خضها بالسرايا حتى تختبرها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ) ، فكتب إليه موسى : ( إنه ليس ببحر وإنما هو خليج يكاد الناظر أن يرى ماخلفه ) ، فكتب إليه الخليفة : ( وإن كان ، فاختبره بالسرايا ) ، فأرسل موسى مولاه طريف ، وكان في مائة فارس وأربعين راجلاً ، في مهمة استطلاعية ، وجاز البحر في أربعة مراكب أعانهم بها يليان ، وذلك في شهر رمضان ، ونزل المسلمون في جزيرة صغيرة على مقربة من الموضع الذي قامت فيه بلدة حملت اسم طريف ، وخفّت قوة من أنصار يليان وأبناء غيطشة لعونهم وقامت بحراسة المعبر حتى تم نزولهم ، ومن ذلك الموضع قام طريف وأصحابه بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل غنموا فيها كثيراً ، وشجع هذا موسى على عبور الأندلس .

واختار موسى للفتح طارق بن زياد ، وركب طارق السفن في سبعة آلاف من المسلمين ، معظمهم من البربر ، ويقال بينما كان طارق في عرض المضيق على رأس سفينته إذ أخذته سنة من النوم ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار ، قد تقلدوا السيوف ، وتنكبوا القسيّ ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا طارق تقدم لشأنك ) ، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه ، فيهب طارق مستبشراً .

وألقت السفن مرساها قبالة الجزيرة الخضراء عند جبل سمي فيما بعد جبل طارق ، وكان لذريق مشغولاً بثورة أخيلا في الشمال ، ولما علم بنزول المسلمين في أرض أسبانيا جمع جيشاً جراراً بلغ سبعين ألفاً ، وفي رواية : مائة ألف .

وجاءت امرأة عجوز من أهل الجزيرة الخضراء إلى طارق ، وقالت له : إنه كان لها زوج عالم بالحدثان [ أخبار الزمان ] ، فكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيتغلب عليه ، ويصف من نعته أنه ضخم الهامة ، فأنت كذلك ، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت فيك فأنت هو ، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت ، فاستبشر ومن معه .

وسار طارق باتجاه قرطبة حتى وصل لوادي بكة والذي حرّف فيما بعد إلى وادي لكة ، وهنا عرف طارق بأن لذريق وصل لقرطبة ، ثم تقدم واستعد للموقعة في سهل البرباط ، وأرسل طارق يطلب المدد من موسى بن نصير ، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من خيرة الجنود يقودهم طريف ، وفيهم عدد عظيم من العرب ، فأدركوا طارقاً قبيل المعركة ، فأصبح عددهم اثني عشر ألفاً ، وقام طارق في أصحابه خطيباً فشجعهم على الجهاد ، واستعد لذريق للقاء ، وقد ولى ولدي غيطشة على ميمنته وميسرته .

وقبيل الالتحام أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق ، وأرسلوا إلى طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعاً وخادماً لأبيهم ، فغلبهم على سلطانه بعد مهلكه ، ويسألونه الأمان ، على أن يميلوا إليه عند اللقاء فيمن يتبعهم ، وأن يسلم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلها ، فأجابهم طارق إلى ذلك وعاقدهم عليه ، وأرسل لذريق رجلاً من أصحابه ليعاين له جيش المسلمين ، فلما عاد قال له : خذ على نفسك ، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت ، أو إصابة ماتحت قدميك .

وقدم طارق نفراً من السودان بين يدي جيشه ليتلقوا بما عرف عنهم من الصبر والثبات صدمة الجيش الأولى ، وبدأ القتال يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ ، فأظهر فرسان القوط مقدرة عظيمة أول المعركة ، وثبتوا لضغط المسلمين ، وأخذ يليان ورجاله يخذلون الناس عن لذريق ويصرفونهم عنه ، قائلين لهم : إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط ، وإنهم إن خذلوا لذريق اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك .

وأثر هذا الكلام في جنود القوط فقد كان كثير منهم يكرهون لذريق ، فخرج فرسانه من المعركة وتركوه لمصيره ، فاضطرب نظام جيشه وفر الكثير منهم ، وخارت قوى لذريق ولم تغنه شجاعته شيئاً ، ويئس من النصر لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين . وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل : إنه جرحه ورمى بنفسه في وادي لكة فغرق ، وحمل النهر جثته إلى المحيط .

وبعد مصرعه احتل المسلمون المعسكر وغنموه ، واتجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس ففتح شذونة ومدوّرة وقرمونة وإشبيلية واستجة ، وكانت فيها قوة تجمعت من فلول عسكر لذريق فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أظهر الله المسلمين عليهم ، ولم يلق المسلمون فيما بعد ذلك حرباً مثلها ، وأقاموا على الامتناع أولاً إلى أن ظفر طارق بأمير المدينة على النهر وحده ، فوثب عليه طارق في الماء فأخذه وجاء به إلى المعسكر ، ثم صالحه طارق وخلى سبيله ، واستمر طارق في زحفه ، وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة وتمكن من فتحها .

وجاءته الرسائل من موسى تأمره بالتوقف ، وعبر موسى إلى الأندلس بناء على استغاثة وجهها إليه طارق ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ، بجيش عدده ثمانية عشر ألفاً ، ففتح بعض المدن كشذونة وقرمونة وإشبيلية وماردة ، وهي مدن لم يفتحها طارق ، ثم التقى بطارق ووبخه على أنهم توغلوا أكثر مما ينبغي ، وأن خطوط مواصلاتهم في الأندلس الواسعة في خطر ، فقد بقيت مناطق واسعة في شرق الأندلس وغربها لم تفتح .

وأخيراً لقد قررت معركة وادي لكة مصير الأندلس لمدة ثمانية قرون ، وظل الأثر العربي الإسلامي في أسبانيا ليوم الناس هذا .

الخلافه الامويه في الاندلس

سقطت الخلافه الامويه في دمشق سنه132هجريا_750م ،وتعقب العباسيون اخر خلفاء الامويين مروان بن محمد وقتلوه في مصر عقب موقعه بو صير،وقتلوا كل من وقع في ايديهم من امراء بني اميه ،ولم ينج من تلك المذبحه الا نفر قليل من امراء بني اميه كان من بينهم الامير عبد الرحمن بن معاويه بن هشام بن عبد الملك والذي تمكن من الفرار من ايدي العباسيين والهروب الي الاندلس
وكانت الاندلس في تلك الفتره تعيش حاله من التدهور والفوضي السياسيه بعد سقوط الخلافه الامويه وضعف يد الخلافه العباسيه الجديده في بسط سلطانها علي الاندلس،وقد حدث خلاف بين المضريه واليمنيه من اجل السلطه علي الاندلس ،الي ان استقر الامر بينهم الي ان يتولي يوسف بن حبيب الحكم لمده عام وقد كان مضريا ،ثم يرد الامر الي اليمنيه فيولوا من يريدوا ،وعندما انقضت السنه رض الناس التخلي عن يوسف واستمر حكمه للاندلس0
وعندما دخل الامير عبد الرحمن بن معاويه الاندلس في ذي القعده سنه138هجريا،اجتمع حوله الناس ودخل في حروب كتير مع يوسف بن حبيب وانتهت بانتصار عبد الرحمن بن معاويه وفرض نفوذه علي الاندلس،واعلن تاسيس الدوله الامويه في الاندلس،وقد عمل المير عبد الرحمن علي تثبيت حكمه في الاندلس والتقرب الي الناس ،
وعلي الرغم من سيطره الاميرعبد الرحمن علي زمام الامور في الاندلس الا انه لم يتمكن من اعلان قيام الخلافه الامويه وذلك نظرا لقوه الخلافه العباسيه في هذه الفتره ،كما ان عبد الرحمن الداخل لم يكن يرغب في اثاره غضب الخلافه العباسيه لانها لن تقبل بوجود خلافه ثانيه في العالم الاسلامي،ولذلك فضل عبد الرحمن الداخل الابتعاد عن هذه الخطوه 0
وقد استمر خلفاء عبد الرحمن الداخل في حكم الاندلس دون احداث اي تغييرات في النظام السياسي حتي تولي الحكم عبد الرحمن الناصر في سنه300هجريا،وقد تمكن من القضاء علي الفتن والقلاقل التي كانت موجوده في بلاد الاندلس وتمكن ايضا من القضاء علي منافسيه وبذلك تمكن من اقرار الامور في الاندلس 0
اما بالنسبه للخلافه العباسيه فقد بدات سلطتها في الضعف والتهاوي لدرجه ان بلاد المغرب في هذه الفتره انفصلت في حكمها عن الخلافه العباسيه وتمكن الفاطميين من اقامه الخلافه الفاطميه في المغرب وبذلك اصبح يوجد في العالم الاسلامي خلافتين ،الخلافه العباسيه في بغداد والخلافه الفاطميه في المغرب0
وقد اشتغل عبد الرحمن الناصر هذا الانقسام ليعلن للعالم الاسلامي اعاده احياء الخلافه الامويه في الاندلس وانه هو الخليفه الاموي وبدا في ضرب اسمه علي النقود وسجل عليها لقب امير المؤمنين وكان ذلك في عام316هجريا0
ويعد عهد عبد الرحمن الناصر ازهي عصور الخلافه الامويه في الاندلس ،وقد استمر هذا الازدهار في عهد خليفته الحكم المستنصر ،ولكم منذ عهد الخليفه هشام بدات الخلافه الامويه في الضعف والتهاوي الي ان سقطت تمام بموت اخر الخلفاء الامويين هشام الثالث والذي توفي عام422هجريا،ولقد كان موته هو موت للخلافه الامويه في الاندلس0

الاندلس بعد سقوط الخلافه الامويه

لقد ولي أمر الخلافة طفل في السابعة من عمره يدعى ‏"‏ هشاما ‏"‏ ولما لم يكن بإمكانه حكم البلاد ، فقد كانت أمه ‏"‏ صبح ‏"‏ وصية عليه ، ولم تستطع صبح هذه أن تنفرد بالسلطة ، فقد أشركت معها في الأمر رجلا من أغرب الرجال وأقدرهم يدعى ‏"‏ المنصور بن أبى عامر ‏"‏ ‏.‏‏.‏

وقد نجح المنصور في أن يعبر الانقلاب السلمي بنجاح ، ويحول الخلافة الأموية في الأندلس إلى ملك ينتسب إليه ، ويرثه أبناؤه من بعده ، وإن كان لبني أمية الاسم الرمزي والخلافة الصورية بينما كان الحكم الفعلي للمنصور ‏.‏

ولم يمض أكثر من أربعين سنة حتى كانت دولة العامريين قد أصبحت آخر ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة الأموية في الأندلس ، وبسقوط دولة العامريين التي قامت على غير أساس ، انفرط عقد الأندلس ، وظهر بهذه الأرض الطيبة عصر من أضعف وأردأ ما عرف المسلمون من عصور الضعف والتفكك والضياع ‏.‏

الطمع الصليبي في بلاد الاندلس

لقد ورث خلافة الأمويين أكثر من عشرين حاكما في أكثر من عشرين مقاطعة أو مدينة ، وقد انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر وصقالبة وعرب ، وكانت بينهم حروب قومية لم تخمد طيلة السنوات التي حكموا فيها ، ولقداستغل الملوك النصارى هذا الانقسام الذي شهدته الاندلس ليتوسعوا علي حساب المسلمين في الاندلس في الوقت الذي انشغل فيه الامراء بحروبهم الداخلية ، ونتيجه لضعف المسلمين في الاندلس اضطروا الي عمل محاولات لكسب رضا النصاري فدفعوا الجزية وتنازلوا طوعا عن بعض مدنهم للنصارى ، وحاربوا في جيوش النصارى ضد المسلمين من إخوانهم في المدن الأخرى من ارض الأندلس الإسلامية ‏.‏

ولقد استفحل الخلاف والتنافس بين هؤلاء الملوك ، كما استفحل كذلك ضعف كل منهم ، وكان من نتائج ذلك طمع النصارى في إشبيلية وفي المدن الأندلسية الأخرى ‏.‏

ولما زاد الخطر المسيحي بشكل كبير اضطر المعتمد بن عباد الاستعانة بقوة المغرب العربي ‏.‏‏.‏ فاستعان بالمرابطين في المغرب الأقصى ، وعندما كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من المعتمد ، قال لهم كلمته المشهورة ‏:‏ ‏"‏ لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في أرض الصليبيين ‏"‏ ‏.‏

دور المرابطين في انقاذ الاندلس

ولقد تقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر البحر و ‏(‏ جبل طارق ‏)‏ لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق في ‏(‏ معركة الزلاقة ‏)‏ سنة 479 هـ ‏(‏ 1086 م ‏)‏ انتصارا كبيرا ساحقا على النصارى كان من أثره مد عمر الإسلام في الأندلس فترة أخرى من الزمن ‏.‏

ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس ، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس فاستولى على الأندلس وأعاد إليها وحدتها ، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه ، ويفضل بعضهم النصارى عليه ‏.‏
وقد بدات الاندلس تسقط مدينه تلو الاخري في القرن السابع الهجري ‏.‏‏.‏ ذلك القرن الذي شهد سقوط معظم القلاع والمدن الإسلامية الأندلسية ، ولم تفلت منه – إلى حين – سوى مملكة غرناطة ، التي لم تلبث بعد قرنين – أن لقيت حتفها ‏.‏

عوده التفكك للاندلس

وعلى امتداد الأندلس – شرقا وغربا – بدأت حركة ما يسمى بالاستيراد الصليبي تسوق المسلمين المفككين ، المتناطحين بالألفاظ ، المقسمين في ولائهم بين ملوك النصارى ‏.‏‏.‏ تسوقهم إلى حتفهم الأخير ‏.‏
وقد تبع سقوط الموحدين التمهيد لسقوط كثير من مدن الأندلس كمرسية وبلنسية وقرطبة والشرق الأندلسي ‏.‏‏.‏ ثم الغرب الأندلسي الذي كانت عاصمته إشبيلية ‏!‏

لقد عرف أهل إشبيلية بعد سقوط الموحدين ، أنهم لا بد لهم من حماية خارجية بعد أن فشلوا في الاعتماد على الذات ‏.‏‏.‏ وقد أرسلوا بيعتهم إلى الأمير أبي زكريا الحفصي أمير الحفصيين في تونس هؤلاء الذين لمع نجمهم بعد سقوط الموحدين ، لكن الرجال الذين أرسلهم الأمير الحفصي إلى إشبيلية أساءوا معاملة الناس وأظهروا الفساد ‏.‏‏.‏ فاضطر أهل إشبيلية لإخراجهم ، وبدءوا في الاعتماد على أنفسهم ، وألغوا معاهدة ذليلة كانت قد عقدت بينهم وبين ملك قشتالة النصراني فرناندو الثالث ، ‏

وكان هذا نذيرا ببداية النهاية لإشبيلية ، إلا أنهم قد فقدوا العون الإسلامي الخارجي ‏.‏‏.‏ وأعلنوا – بقطعهم المعاهدة – حربا على قشتالة ، لم تكن ظروفهم مهيأة لدخولها ‏،وقد شهدت سنة 644هـ بداية التحرك النصراني ضد إشبيلية ، واستولى الصليبيون على حامية إشبيلية في هذا العام ‏.‏‏.‏ وكان ذلك بمساعدة ابن الأحمر ملك غرناطة وفقا لمعاهدته مع فرناندو ‏.‏‏.‏ ‏!

وفي العام التالي تقدمت الجيوش النصرانية مرة أخرى على إشبيلية ، وقد نجحت في الاستيلاء على عشرات من المدن الإسلامية بفضل تدخل ابن الأحمر ، ومنعه هذه المدن من القتال بحجة أن القتال عبث ‏.‏‏.‏‏ وتم حصار إشبيلية وتطويقها من جميع الجهات بالكتائب النصرانية ‏.‏ وبالكتيبة التي يقودها ابن الأحمر المسلم ، مشتركين جميعا في تشريد أهلها وسحق دعوة الإسلام بها ‏.‏‏.‏ ولعل وجود راية محاربة إسلامية يلمحها المسلمون المحاصرون ‏.‏‏.‏ كان أشد ضربة تلقاها بعيون وقلوب باكية أهل إشبيلية المستبسلون ‏

لقد وقف أهل إشبيلية الشرفاء نحوا من سنة يدافعون الحصار النصراني المدعوم من ابن الأحمر ‏.‏‏.‏ وقد نجحوا في إيقاع النصارى في أكثر من كمين وأصابوهم بالهزيمة غير مرة ‏.‏ وقد حاولوا – وهم في حصارهم ، الاستنجاد بالمغرب دون جدوى ‏.‏‏.‏ بينما توالت النجدات على النصارى ، حتى نجحوا بسببها في منع المؤن عن المسلمين المحاصرين في إشبيلية ‏.‏‏.‏ فنفدت الأقوات وبدأ شبح الجوع يدب في أوصال المدينة المجهدة ‏.‏‏.‏‏.‏

وكان قضاء الله ‏.‏‏.‏ وخرج المسلمون الإشبيليون من مدينتهم وفق شروط المعاهدة ‏.‏‏.‏ خرجوا نازحين إلى مدن إسلامية أسبانية أخرى لم تلبث أن أسقطت ‏،وكان سقوط ‏(‏ قرطبة ‏)‏ أكبر معاقل الإسلام في الأندلس سنة 633هـ النهاية لسقوطنا التام في الأندلس ‏.‏

وقد اضطر ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة إلى أن يهاد ن ملك قشتالة الصليبي، وأن يعقد معه صلحا لمدة عشرين سنة ، وأن يسلم له – بناء على شروط الصلح – مدينة جيان وما يلحق بها من الحصون والمعاقل ، وأن ينزل عن أرجونة وبيع الحجار وقلعة جابر وأرض الفرنتيرة ‏.‏‏.‏ واعترف بالطاعة لملك قشتالة وتعهد بأن يؤدي إليه جزية سنوية قدرها مائة وخمسون ألف مرافيدي ‏(‏ العملة الإسبانية ‏)‏ وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه ‏(‏ المسلمين ‏)‏ ‏!‏ وعندها استغل ملك قشتالة هذا الصلح ليتفرغ لضرب المسلمين الآخرين ، هاجم مدينة إشبيلية قاعدة غربي الأندلس كله ‏.‏‏.‏ وكانت هناك كتيبة إسلامية أرسلها ابن الأحمر تهاجمها معه ‏(‏ باسم التقدمية ‏!‏‏!‏‏)‏ فسرعان ما سقطت إشبيلية الإسلامية حاضرة الثقافة الإسلامية الرفيعة – بيد فرناندو الثالث ملك قشتالة سنة 646هـ وبمعونة ابن الأحمر 0- مؤسس مملكة غرناطة العظيم ، ‏.‏‏.‏ ولم تعد إشبيلية إلى الإسلام منذ ذلك اليوم ‏!‏‏!‏

وعندما كاد أمد الصلح بين ابن الأحمر وبين ملوك قشتالة ينتهي بعد ‏(‏ العشرين سنة ‏)‏ سعى ابن الأحمر لتجديد الصلح ‏.‏‏.‏ وفي سبيل ذلك تنازل لقشتالة عن عدد كبير من بلاد الإسلام قيل إنها بلغت أكثر من مائة بلد وحصن ‏

سقوط غرناطة

كان بقاء مملكة غرناطة الإسلامية في الأندلس قرنين من الزمان معجزة من معجزات الإسلام ‏.‏

فهذه الجزيرة الإسلامية العائمة فوق بحر الصليبية المتلاطم الأمواج والطافح بالحقد والمكر التاريخيين ‏.‏‏.‏ هذه الجزيرة ما كان لها أن تصمد صمودها المشهور إلا لأن طبيعة الصمود كامنة في العقيدة والمبادئ الإسلامية ‏.‏ وبدون العقيدة الإسلامية ‏.‏‏.‏ ما كان لهذه الجزيرة أن تصمد وحدها في الأندلس بعد أن سقطت كل المدن والقلاع الإسلامية منذ قرنين من الزمان ‏.‏

كان قانون ‏"‏ الاستجابة للتحدي ‏"‏ هو الذي أبقى غرناطة حية زاخرة بالفكر الإسلامي والرقي الحضاري هذين القرنين ‏.‏‏.‏ وكان شعور الغرناطيين بأنهم أمام عدو محيط بهم من كل جانب ، ينتظر الفرصة لالتهامهم ، وبأنه لا أمل لهم في استيراد النصر من العالم الإسلامي ، وبأنه لا بد لهم من الاعتماد على أنفسهم ‏.‏‏.‏ كان هذا الشعور باعثهم الأكبر على الاستعداد الدائم ‏.‏‏ ورفع راية الجهاد والتمسك بإسلامهم ‏.‏

وبهذا نجحت غرناطة في أن تظل إلى سنة 1492م ‏(‏ 897 هـ‏)‏ سيدة الأندلس الإسلامي ومنارة العلوم وشعلة الحضارة الإسلامية الباقية في أوربا ‏.‏

لكن الأعوام القريبة من عام السقوط شهدت تطورا في الحياة الأندلسية ‏.‏‏.‏ فعلى المستوى النصراني بدأ ‏"‏ اتحاد ‏"‏ كبير يضم أكبر مملكتين مسيحيتين مناوئتين للإسلام ‏.‏‏.‏ وهما مملكتا أرجوان وقشتالة ، وقد اندمج الاثنان في اتحاد توجاه بزواج ‏"‏ إيزابيلا ‏"‏ ملكة قشتالة من ‏"‏ فرناند ‏"‏ ملك أرجوان ‏.‏‏.‏ وكان الحلم الذي يراود الزوجين الملكين الكاثوليكيين ليلة زفافهما هو دخول غرناطة ‏.‏‏.‏ وقضاء شهر عسلهما في الحمراء ، ورفع الصليب فوق برج الحراسة في غرناطة – أكبر أبراجها – وعلى المستوى الإسلامي ‏.‏‏.‏ كان ‏"‏ خلاف ‏"‏ كبير قد دب داخل مملكة غرناطة ولا سيما بين أبناء الأسرة الحاكمة ، وتم تقسيم مملكة غرناطة المحدودة قسمين ، يهدد كل قسم منهما الآخر ويقف له بالمرصاد ‏.‏‏.‏ قسم في العاصمة الكبيرة ‏(‏ غرناطة ‏)‏ يحكمه أبو عبد الله محمد علي أبو الحسن النصري ‏(‏ آخر ملوك غرناطة ‏)‏ وقسم في ‏(‏ وادي آش ‏)‏ وأعمالها يحكمه عمه أبو عبد الله محمد المعروف بالزغل ‏.‏

وقد بدأ الملكان الكوثوليكيان هجومهما على ‏(‏ وادي آش ‏)‏ سنة 894 هـ ، ونجحا في الاستيلاء على وادي آش وألمرية وبسطة ‏.‏‏.‏ وغيرها ، بحيث أصبحا على مشارف مدينة غرناطة ‏.‏

وقد أرسلا إلى السلطان أبي عبد الله النصري يطلبان منه تسليم مدينة الحمراء الزاهرة ، وأن يبقى هو حيا في غرناطة تحت حمايتها ‏.‏‏.‏ وكما هي العادة في الملوك الذين يركبهم التاريخ وهو يدور إحدى دوراته ، كان هذا الملك ضعيفا ‏.‏‏.‏ لم يحسب حسابا لذلك اليوم ‏.‏‏.‏ ولقد عرف أن هذا الطلب إنما يعني الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك الإسلام في الأندلس فرفض الطلب ودارت الحرب بين المسلمين والنصارى واستمرت عامين ‏.‏‏.‏ يقودها ويشعل الحمية في نفوس المقاتلين فيها فارس إسلامي من هؤلاء الذين يظهرون كلمعة الشمس قبل الغروب ‏"‏ موسى بن أبي الغسان ‏"‏ ‏.‏

وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الملكين الكاثوليكيين عامين وتحملت حصارهما سبعة أشهر ‏.‏‏.‏

لكن مع ذلك ‏.‏‏.‏ لم يكن ثمة شك في نهاية الصراع ‏.‏‏.‏ فأبو عبد الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ الرجال ‏.‏ والانقسام العائلي والخلاف الداخلي في المملكة في مقابل اتحاد تام في الجبهة المسيحية ‏.‏‏.‏ مضافا إلى ذلك حصاد تاريخ طويل من الضياع والقومية الجاهلية والصراع بعيدا عن الإسلام ‏.‏‏.‏ عاشته غرناطة وورثته مما ورثته عن الممالك الإسلامية الإسبانية الساقطة،كل هذه العوامل قد عملت على إطفاء آخر شمعة إسلامية في الأندلس ‏.‏




تعليمية
¤ô¤ تـ،ــاريــ،ـــخ الأنــ،ـــدلـــ،ـــــس ¤ô¤

هذا الكتاب قام بعض الأخوة غفر الله لهم بتصويره ورفعه على الشبكة فجزاهم الله خيرا

http://www.waqfeya.com/books/10/0963/0963.rar
الحجم كبير 115 ميجا بايت ، لكن الكتاب أكثر مما تتصور

نبذة مختصرة عن الأندلس

الأندلس هو الأسم الذي أطلقه المسلمون على شبه جزيرة أيبيريا عام 711م. بعد أن دخلها المسلمون بقيادة طارق بن زياد وضمّوها للخلافة الأموية واستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492.
محتويات

* 1 مرحلة ما قبل فتح الأندلس
* 2 الفتح الإسلامي للأندلس
* 3 التوسع الإسلامي
* 4 خلافة قرطبة
* 5 ملوك الطوائف
* 6 دولتا المرابطين و الموحدين
* 7 مملكة غرناطة
* 8 سقوط الأندلس
* 9 انظر أيضاً
* 10 وصلات خارجية
* 11 مقالات ذات علاقة

تعليمية

مرحلة ما قبل فتح الأندلس

حقّق المسلمون تقدّماً واسعاً في شمال أفريقيا، ووصلوا إلى المغرب الأقصى (يقابل ما يُعرف اليوم بالمملكة المغربية) المواجه لشبه جزيرة أيبيريا. وذلك في عهد الوليد بن عبد الملك (86-96هـ). ثم استُبدلَ حسّان بن النعمان، والي أفريقيا،عام (85هـ)، بموسى بن نصير الذي توجّه من مصر إلى القيروان مصطحباً أولاده الأربعة الذين كانت لهم أدوار مهمة في التوسعات.

شرعَ بمعالجة نقاط الضعف التي واجهت المسلمين هناك، فقرّر العمل على تقوية البحرية الإسلامية، وجعل القيروان قاعدة حصينة في قلب أفريقيا، واعتمد سياسة معتدلة ومنفتحة تجاه البربر مما حوّل معظمهم إلى حلفاء له، بل دخلوا في الإسلام وأصبحوا فيما بعد عمادَ سقوط اسبانيا في يد المسلمين، واستكمل التوسع في شمال أفريقيا وتأمين المنطقة درءاً لتمرّدٍ قد ينشأ ضد السيادة الإسلامية.

وفي إحدى الحملات التي قادها موسى بن نصير بنفسه، استولى المسلمون على طنجة ذات الموقع المهم بين القارتين الأوروبية والأفريقية عام (89هـ/ 708م)، وحوّلها موسى بن نصير إلى مركز عسكري لتموين الحملات باتجاه المناطق المجاورة. وفي هذه الحملة برز طارق بن زياد.

لكنّ مدينة سبتة عصت على تلك الفتوحات، حيث استطاع حاكمها الوالي البيزنطي يوليان الصمود بوجه المسلمين. لكنه فيما بعد لعبَ دوراً أساسياً في تشجيعهم ومساعدتهم على عبور المضيق إلى الأندلس.

الفتح الإسلامي للأندلس
مقالة رئيسية: الفتح الإسلامي للأندلس

في عهد الوليد بن عبد الملك بين عامى (92 – 93 هـ) في الخلافة الأموية و في عام 711 م أرسل موسى بن نصير القائد الشاب طارق بن زياد من طنجة مع جيش صغير من البربر والعرب يوم 30 أبريل 711، عبر المضيق الذي سمي على اسمه، ثم استطاع الإنتصار على القوط الغربيين وقتل ملكهم لذريق (Roderic or Rodrigo) في معركة جواداليتي في 19 يوليو 711.أو معركة وادى برباط في 28 رمضان 92هجرى

وظلت الأندلس بعد ذلك خاضعة للخلافة الأموية كإحدى الولايات الرئيسة، إلى أن سقطت الخلافة الأموية سنة (132هـ)، واتجه العباسيون إلى استئصال الأمويين. وتمكن عبد الرحمن بن معاوية -عبد الرحمن الداخل- أن يفلت من قبضة العباسيين، فهرب إلى أخواله في الشمال الإفريقي، وأقام عندهم فترة من الزمن، ثم فكر في دخول الأندلس ليبتعد عن العباسيين، فراسل الأمويين في الأندلس.

بحلول عام 718 استولى المسلمون على معظم أيبيريا عدا جيباً صغيراً في الركن الشمالي الغربي حيث أسس النبيل القوطي بيلايو مملكة أستورياس في العام نفسه 718. واستطاع بيلايو الدفاع عن مملكته في وجه المسلمين في معركة كوفادونجا عام 722.واستمر موسى ابن النصير في محاولاته لفتح الاندلس

تعليمية

التوسع الإسلامي

واصل المسلمون التوسع بعد السيطرة على معظم أيبيريا لينتقلوا شمالاً عبر جبال البرنييه حتى وصلوا وسط فرنسا وغرب سويسرا. هـُزم الجيش الإسلامي في معركة بلاط الشهداء (بواتييه) عام 732 أمام قائد الفرنجة شارل مارتل. محاولة السيطرة على البرتغال: أرسل القائد موسى بن نصير إلى إبنه عبد العزيز ليستكمل الغزوات في غرب الأندلس حتى وصل إلى لشبونة أما موسى بن نصير وطارق بن زياد فقد اتّجها شمالاً إلى برشلونه ثم سرقسطه فشمال تجاه الوسط والغرب حتى انتهت السيطرة على كل الأندلس في 3 سنين ونصف

خلافة قرطبة

تشمل هذة الفترة قيام الدولة الأموية في الأندلس مما بين دخول عبد الرحمن الداخل قادماً من دمشق إلى شمال أفريقيا ثم الأندلس 136 هجرية حتى آخر خليفة أموي في الأندلس و هو هشام الثالث المعتد بالله سنة 416 هجرية وازدهار عصر الدولة الاموية في الاندلس وتحولت هذة الدولة من إمارة في عهد عبد الرحمن الناصر الذي سمى الدولة بالخلافة.

وأسس الأمويون حضارة إسلامية قوية في مدن الأندلس المختلفة. وهي أطول وأهم الفترات التي استقر فيها المسلمون في الأندلس الدولة الاموية ونقلوا إليها الحضارة الأدب والفن والعمارة الإسلامية، واثار الأمويون هي الطابع الغالب على الأندلس بأكملها ومن روائع ما خلفه الأمويون مسجد قرطبة. وقد كان ل عبدالرحمن الداخل جهود حضارية متميزة فقد جمل مدينة قرطبة وأحاطها بأسوار عالية وشيد بها المباني الفخمة والحمامات على شاكلة الحمامات في دمشق والمدن الاسلامية والمدارس والمنتديات والمكتبات.

وكان الطراز الاموي هو ابرز سمات الفن الاندلسي وبرع الامويون في شتى الفنون فن النحت على الخشب والزخرفة والنسيج والتحف المعدنية والنحاسية التى نقلوا صناعتها من دمشق حيث اصبحت مدن الاندلس منارة للعلم والحضارة وكانت قرطبة تنار بالمصابيح ليلا لمسافة 16 كم واحاط الخلفاء الامويون مدن الاندلس بالحدائق الغناء فكانت قبلة للناظرين وما تركوه وخلفوه لنا من اثار ينطق بالعظمة والجلال .




الفردوس المفقود
لماذا تاريخ الأندلس ؟

وقد يبرز هنا سؤال آخر، لماذا تاريخ الأندلس بالذات؟ لماذا ندرس تاريخ الأندلس دون غيره؟ فنقول: إن تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة، ثمانمائة سنة من تاريخ الإسلام، وتحديدًا من سنة 92 للهجرة إلى سنة 897 للهجرة، أي ثمانمائة سنة وخمس سنين، هذا إذا أغفلنا التداعيات التي أعقبت ما بعد 897 هجرية، فهي إذن فترة ليست بالهينة من تاريخ الإسلام.
فمن العجيب إذن ألا يعرف، أو يتعرف المسلمون على تفاصيل فترة هي أكثر من ثلثي التاريخ الإسلامي، هذا أمر. والأمر الآخر أن تاريخ الأندلس لكبر حجمه وسعة مساحته، مرت فيه كثير من دورات التاريخ التي اكتملت ثم انتهت، فسنن الله في تاريخ الأندلس واضحة للعيان، ففيه كثير من الأمم قامت وارتفع نجمها، وفيه أيضا كثير من الأمم سقطت وأفل نجمها، كثير من الدول أصبحت قوية، ومن ثم راحت تفتح ما حولها من البلاد، وكثير من الدول سقطت وهوت، وأصبحت في تعداد الدول المنهزمة والتي نسمع عن مثلها في هذه الآونة، أيضا ظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع، وظهر في تاريخ الأندلس الخائف الجبان، ظهر في تاريخ الأندلس التقي الورع، وظهر في تاريخ الأندلس المخالف لشرع ربه سبحانه وتعالى، ظهر في تاريخ الأندلس الأمين على نفسه وعلى دينه وعلى وطنه، وظهر في تاريخ الأندلس الخائن لنفسه ولدينه ولوطنه، ظهرت كل هذه النماذج، وتساوى فيها الحكام والمحكومين والعلماء وحتى عوام الناس.
وإن دراسة مثل هذه الأمور يفيد كثيرا في استقراء المستقبل المجهول للمسلمين.

تعليمية

هل سمعت عما جرى في الأندلس ؟

والآن، تُرى كم من المسلمين يسمع عن موقعة وادي برباط؟ تلك الموقعة التي تُعد من أهم المواقع في التاريخ الإسلامي، الموقعة التي فُتحت فيها الأندلس، الموقعة التي تُشَبّه في التاريخ بموقعتي اليرموك والقادسية، ومع ذلك جم غفير من المسلمين لا يسمع من الأساس عن وادي برباط.
وتُرى، هل قصة حرق السفن التي حدثت في عهد طارق بن زياد رحمه الله هل هي حقيقة؟ أم من نسج الخيال؟ كثير من الناس لا يعلم حقيقة وتفاصيل هذه القصة، وكيف حدثت؟ إن كانت حدثت، وإن لم يكن قد حدثت في الأصل فلماذا انتشرت بين الناس؟!
ثم، من هو عبد الرحمن الداخل رحمه الله؟ وكم من الناس يعرف تاريخه؟ ذلك الرجل الذي قال عنه المؤرخون: لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من بلاد الأندلس.
ومن هو عبد الرحمن الناصر؟ أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق. ماذا تعرف عن حياته؟ كيف وصل إلى هذه الدرجة العالية؟ وكيف أصبح أكبر قوة في عالم عصره؟يوسف بن تشفين رحمه الله القائد الرباني، صاحب موقعة الزلاقة، كيف نشأ؟ كيف ربّى الناس على حياة الجهاد؟ كيف تمكن من الأمور؟ بل كيف ساد دولة ما وصل المسلمون إلى أبعادها في كثير من الفترات؟أبو بكر بن عمر اللنتوني، من يسمع عن هذا الاسم؟؟ من يسمع عن ذلك المجاهد الذي دخل الإسلام على يده أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية؟! إنه أبو بكر بن عمر اللنتوني، من يسمع عنه؟من يسمع عن أبي يوسف يعقوب المنصور، صاحب موقعة الأرك الخالدة، تلك التي دُكّت فيها حصون النصارى وانتصر فيها المسلمون نصرا ساحقا؟من يسمع عن دولة المرابطين المجاهدة؟ ومن يسمع عن دولة الموحدين وكيف قامت؟من يسمع عن مسجد قرطبة؟ ذلك المسجد الذي كان يُعد أوسع مساجد العالم، ثم كيف حُوّل إلى كنيسة ما زالت قائمة إلى اليوم؟من يسمع عن مسجد أشبيليه؟ من يسمع عن جامعة قرطبة؟ من يسمع عن قصر الزهراء ومدينة الزهراء؟ من يسمع عن قصر الحمراء؟ وغيرها من الأماكن الخالدة التي أمست رسوما وأطلالا، وهي اليوم في عداد أفضل المناطق السياحية في إسبانيا وتُزار من عموم الناس سواء مسلمين أو غير مسلمين.

ثم من يسمع عن موقعة العقاب؟ تلك التي مُني فيها المسلمون بهزيمة ساحقة ، رغم تفوقهم على عدوهم في العدد والعدة، وكأن حنين عادت من غابر التاريخ لتروي أحداثها في موقعة العقاب، تلك الموقعة التي قال عنها المؤرخون: بعد موقعة العقاب لم يُر في الأندلس شاب صالح للقتال.

من يعلم أن عدد المسلمين الذين هلكوا في هذه الموقعة الضخمة قد تجاوز ثمانين ألف مسلم؟ فهل نسمع عن موقعة العقاب؟كيف سقطت الأندلس؟ وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت في أمة من المسلمين سقطت لا محالة بفعل سنن الله الثابتة.
ثم كيف وأين سطعت شمس الإسلام بعد سقوط الأندلس؟ كيف جاء غروب شمس الإسلام في الأندلس في غرب أوروبا متزامنا مع إشراقها وسطوعها في القسطنطينية شرق أوربا؟ما هي مأساة بلانسير ؟ وكيف قتل ستة آلاف مسلم في يوم واحد؟ وما هي مأساة أوبدّة؟ وكيف قتل ستة آلاف مسلم آخرين في يوم واحد؟ما هي مأساة بربشتر، وكيف قتل أربعة آلاف مسلم في يوم واحد، وسبي سبعة آلاف فتاة بكر من فتيات بربشتر؟ وإننا لنشاهد هذه الأحداث الغابرة تتحدث الآن عن نفسها في البوسنة والهرسك.
ماذا كان رد فعل المسلمين، وكيف تصرفوا، وكيف قاموا من هذه المآسي المفزعة، أسئلة كثيرة وكثيرة، لو استطعنا الإجابة عنها لعرفنا كيف ننهض الآن ونقوم.
فتاريخ الأندلس بصفحاته الطويلة – أكثر من ثمانمائة سنة – يعد ثروة حقيقية، وثروة ضخمة جدًّا من العلم والخبرة والعِبرة، ومن المستحيل في هذه الدراسة أن نلم بكل أحداثه وتفصيلاته، ولذلك فلا بد وأن نُغفل منه بعض الجوانب، ليس تقليلا من شأنها وإنما اختصارا للمساحة.
وواجب على الجميع أن يبحث في هذا التاريخ، تاريخ الأندلس، تاريخ ثمانمائة سنة؛ إذ هو يحتاج أكثر وأكثر مما أفردنا له، فلا بد من القراءة والاستزادة من المصادر التاريخية وغيرها.

وتاريخ الأندلس هذا يعد جزءا ضئيلا جدا من تاريخ الدولة الإسلامية ذات الألف وأربعمائة عام من الزمن.

تعليمية

التعريف ببلاد الأندلس

وفي بداية الحديث عن تاريخ الأندلس نرد أولا عما قد يُثار من أسئلة حول معنى هذه الكلمة والمراد منها، فبلاد الأندلس هي اليوم دولتي إسبانيا والبرتغال، أو ما يُسمى شبه الجزيرة الأيبيرية، ومساحتها (مجموع الدولتين) ستمائة ألف كيلو متر، أي أقل من ثُلثي مساحة مصر.
وعن سبب تسميتها بالأندلس فقد كانت هناك بعض القبائل الهمجية التي جاءت من شمال إسكندناف من بلاد السويد والدانمارك والنرويج وغيرها، وهجمت على منطقة الأندلس وعاشت فيها فترة منذ القرن الأول الميلادي، ويقال أن هذه القبائل جاءت من ألمانيا، وما يهمنا هو أن هذه القبائل كانت تسمى قبائل الفندال أو الوندال بالللغة العربية؛ فسميت هذه البلاد بفاندليسيا على اسم القبائل التي كانت تعيش فيها، ومع الأيام حُرف إلى أندوليسيا فأندلس.
وقد كانت هذه القبائل تتسم بالوحشية والهمجية حتى إن في الإنجليزية إلى الآن همجية ووحشية تعني فندليزم، وتعني أيضا أسلوب بدائي أو غير حضاري، وهو المعنى والاعتقاد الذي رسخته قبائل الفندال، وقد خرجت هذه القبائل من الأندلس وحكمها طوائف أخرى من النصارى عُرفت في التاريخ باسم قبائل القوط أو القوط الغربيين، وظلوا يحكمون الأندلس حتى قدوم المسلمين إليها.
لماذا اتجه المسلمون في فتوحاتهم إلى بلاد الأندس بالذات من بلاد العالم، وأيضا لم هذا التوقيت بعينه أي سنة اثنتين وتسعين من الهجرة؟ المسلمون كانوا قد فتحوا الشمال الإفريقي كله، ففتحوا مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ووصلوا إلى حدود المغرب الأقصى والمحيط الأطلسي،ومن ثم لم يكن أمامهم في سير فتوحاتهم إلا أحد سبيلين، إما أن يتجهوا شمالا، ويعبروا مضيق جبل طارق ويدخلوا بلاد إسبانيا والبرتغال وهي بلاد الأندلس آنذاك، وإما أن يتجهوا جنوبا صوب الصحراء الكبرى ذات المساحات الشاسعة والأعداد القليلة من السكان، والمسلمون بدورهم ليس من همهم إلا البحث عن تجمعات البشر حتى يعلمونهم دين الله سبحانه وتعالى، ولم يكن همهم البحث عن الأراضي الواسعة أو جمع الممتلكات.
في أي زمان تم فتح الأندلس؟ سؤال مهم جدا ونقصد به: مع أي العصور الإسلامية يتوافق تاريخ فتح الأندلس وهو اثنتان وتسعون من الهجرة؟ والجواب أن هذه الفترة كانت من فترات الدولة الأموية، وتحديدا في خلافة الوليد بن عبد الملك رحمه الله الخليفة الأموي الذي حكم من سنة ست وثمانين إلى سنة ست وتسعين من الهجرة، وهذا يعني أن فتح الأندلس كان في منتصف خلافة الوليد الأموي رحمه الله.

أوروبا حال الفتح الإسلامي للأندلس
من المفيد جدا أن نتعرف على حالة أوروبا والوضع الذي كانت عليه – خاصة بلاد الأندلس – عند الفتح الإسلامي وكيف كان؟ وكيف تغير هذا الوضع وهذا الحال بعد دخول أهل هذه البلاد الإسلام؟ والواقع أن أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش فترة من فترات الجهل العظيم جدا، حيث الظلم هو القانون السائد، فالحكام يمتلكون الأموال وخيرات البلاد، والشعوب تعيش في بؤس كبير، والحكام بنوا القصور والقلاع والحصون، بينما عامة الشعب لا يجد المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقر شديد، بل إنهم يباعون ويشترون مع الأرض، وبالنسبة للفرد نفسه، فالأخلاق متدنية والحرمات منتهكة، وبُعد حتى عن مقومات الحياة الطبيعية، فالنظافة الشخصية – على سبيل المثال – مختفية بالمرة، حتى إنهم كانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يهذبونها، وكانوا – كما يذكر الرحالة المسلمين الذين جابوا هذه البلاد في هذا الوقت – لا يستحمّون في العام إلا مرة أو مرتين، بل يظنون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحة لهذا الجسد، وهي خير وبركة له.
وكانوا يتفاهمون بالإشارة، فليست لهم لغة منطوقة أصلا فضلا عن أن تكون مكتوبة، وكانوا يعتقدون بعض اعتقادات الهنود والمجوس من إحراق المتوفى عند موته، ومن حرق زوجته معه وهي حية، أو حرق جاريته معه، أو من كان يحبه من الناس، والناس تعلم وتشاهد هذا الأمر، فكانت أوربا بصفة عامة قبل الفتح الإسلامي يسودها التخلف والظلم والفقر الشديد، والبعد التام عن أي وجه من أوجه الحضارة المدنية، ولنقارن هذا بما أصبحت عليه أوروبا وبلاد الأندلس بعد الفتح الإسلامي.
تعليمية
المسلمون في الشمال الإفريقي
لكي نفهم الفتح الإسلامي للأندلس لا بد أن نتعرف على طبيعة الوضع في البلاد الملاصقة لهذا البلد وهي بلاد الشمال الإفريقي، فقد دخلها الإسلام قبل فتح الأندلس بسبعين سنة، أي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان يسكن هذا الإقليم (إقليم الشمال الإفريقي) قبائل ضخمة تسمى قبائل البربر – سنفصل الأمر فيها قريبا بمشيئة الله – وهذه القبائل كانت دائمة الارتداد عن دين الله سبحانه وتعالى، فتدخل في الإسلام، ثم ترتد، ثم تسلم، ثم ترتد، ودارت حروب بين هذه القبائل والمسلمين انتهت باستقرار الإسلام في هذا الإقليم أواخر سنة خمس أو ست وثمانين من الهجرة على يد موسى بن نصير رحمه الله.
تعليمية
فكرة فتح الأندلس
لم تكن فكرة فتح الأندلس وليدة أيام موسى بن نصير، بل إنها فكرة قديمة جدا، فمنذ أن استعصت القسطنطينية على الفتح زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه – وكانت الحملات الإسلامية قد وصلت إليها – قال قولته: إن القسطنطينية إنما تفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر.
فكان عثمان رضي الله عنه يعني أن المسلمين سيفتحون الأندلس أولا (غرب أوروبا) ثم يتوجهون منها صوب القسطنطينية (شرق أوروبا) فيفتحونها من قِبَل الغرب لا من قِبَل الشرق، من جهة البحر الأسود في ذلك الوقت،
لكن المسلمين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذه المنطقة من المغرب العربي إلا في أيام بني أمية وفي فترة حكم موسى بن نصير على الشمال الإفريقي.

تعليمية

موسى بن نصير وعقبات فتح الأندلس
العقبة الأولى: قلة السفن
وجد موسى بن نصير أن المسافة المائية التي سيقطعها بين المغرب والأندلس لا تقل عن ثلاثة عشر كيلو مترا، وهو ليس لديه سفنا كافية لعبور هذه العقبة المائية، فمعظم فتوحات المسلمين – باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري وفتح قبرص – كانت برية، ومن ثم لم يكن هناك حاجة كبيرة إلى سفن ضخمة، تلك التي احتاجوا إليها هنا لتنقل الجنود وتعبر بهم مضيق جبل طارق ليصلوا إلى الأندلس.
العقبة الثانية:
وجود جزر البليار النصرانية في ظهره إن دخل الأندلس
كان موسى بن نصير قد تعلم من أخطاء سابقيه؛ فلم يخطو خطوة حتى يأمن ظهره أولا، وفي شرق الأندلس كانت تقع جزر تسمى جزر البليار، وهي قريبة جدا من الأندلس، ومن هنا فإن ظهره لن يكون آمنا إن هو دخل الأندلس، وكان عليه أولا أن يحمي ظهره حتى لو كانت هذه الجزر تابعة للرومان.
العقبة الثالثة:
وجود ميناء سبتة المطل على مضيق جبل طارق في يد نصارى على علاقة بملوك الأندلس
كان ميناء سبتة المطل على مضيق جبل طارق والذي لم يُفتح مع بلدان الشمال الإفريقي، كان يحكمه ملك نصراني يُدعى يُليان أو جريان، وكان لهذا الملك علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غَيْطَشَة، وغيطشة هذا كان قد انقلب عليه لوذريق أو رودريقو – كما يُنطق في بعض الأحيان – وتولى حكم الأندلس، وكانت العقبة تكمن في خوف موسى بن نصير من أن ينقلب عليه يوليان صاحب ميناء سبتة والذي سيكون في ظهره ويتحد مع لوزريق صاحب الأندلس، حتى وإن كان على خلاف معه، فمن يضمن ألا يدخل يوليان مع لوزريق في حربه ضد موسى بن نصير نظير مقابل مادي أو تحت أي بند آخر؟
العقبة الرابعة: قلة عدد المسلمين
كانت العقبة الرابعة التي واجهت موسى بن نصير هي أن قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من جزيرة العرب ومن الشام واليمن قوات محدودة جدا، وكانت في نفس الوقت منتشرة في بلاد الشمال الإفريقي، ومن ثم فقد لا يستطيع أن يتم فتح الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين، هذا مع خوفه من أن تنقلب عليه بلاد الشمال الإفريقي إذ هو خرج منها بقواته.
العقبة الخامسة: قوة عدد النصارى
في مقابل قوة المسلمين المحدودة كانت تقف قوات النصارى بعدتها وضخامتها عقبة في طريق موسى بن نصير لفتح الأندلس، فكان للنصارى في الأندلس أعداد ضخمة، هذا بجانب قوة عدتهم وكثرة قلاعهم وحصونهم، وإضافة إلى ذلك فهم تحت قيادة لوزريق القائد القوي المتكبر.
العقبة السادسة
طبيعة جغرافية الأندلس وكونها أرض مجهولة بالنسبة للمسلمين
وقف البحر حاجزا بين المسلمين وبين بلاد الأندلس، فلم تعبر سفنهم هذه المنطقة من قبل فضلا عن أن يرتادوها أصلا، ومن ثم فلم يكن لهم علم بطبيعتها وجغرافيتها، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة الإقدام على غزو أو فتح هذه البلاد، وفضلا عن هذا فقد كانت بلاد الأندلس تتميز بكثرة الجبال والأنهار، تلك التي ستقف عقبة كئود أمام حركة أي جيش قادم، خاصة إذا كانت الخيول والبغال والحمير هي أهم وسائل ذلك الجيش في نقل العدة والعتاد.
تعليمية

موسى بن نصير ومواجهة العقبات
أولا: بناء الموانئ وإنشاء السفن
عمد موسى بن نصير أول أمره في سبيل تجاوز عقبات الطريق إلى الأندلس إلى إنشاء السفن؛ فبدأ في سنة سبع وثمانين أو ثمان وثمانين ببناء الموانئ الضخمة والتي يبنى فيها السفن، وهذ وإن كان يعد أمرا يطول أمده إلا أنه بدأه بهمة عالية وإرادة صلبة؛ فبنى أكثر من ميناء في الشمال الإفريقي، كان أشهرها ميناء القيروان (المدينة التي فتحها عقبة بن نافع).
ثانيا: تعليم البربر الإسلام
وفي أثناء ذلك أيضا عمد موسى بن نصير إلى تعليم البربر الإسلام في مجالس خاصة لهم كما الدورات المكثفة تماما، حتى إنه بدأ في تكوين جيش الإسلام منهم أنفسهم، وهذا الصنيع من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن نجده عند غير المسلمين؛ فلم توجد دولة محاربة أو فاتحة غير الدول الإسلامية تُغيّر من طبائع الناس وحبهم وولائهم الذي كانوا عليه، حتى يصبحوا هم المدافعين عن دين هذه الدولة المحاربة أو الفاتحة، خاصة وإن كانوا ما زالوا حديث عهد بهذا الفتح أو بهذا الدين الجديد،فهذا أمر عجيب حقا، ولا يتكرر إلا مع المسلمين وحدهم، فقد ظلت فرنسا – على سبيل المثال – في الجزائر مائة وثلاثين عاما ثم خرجت والجزائريون ظلوا كما كانوا على الإسلام لم يتغيروا، بل زاد حماسهم له وزادت صحوتهم الإسلامية، علّم موسى بن نصير البربر الإسلام عقيدة وعملا، وغرس فيهم حب الجهاد وبذل النفس والنفيس لله سبحانه وتعالى، فكان أن صار جُلّ الجيش الإسلامي وعماده من البربر الذين كانوا منذ ما لا يزيد على خمس سنين من المحاربين له.
ثالثا: تولية طارق بن زياد على الجيش
هو قبلة الجيش وعموده، بهذا الفهم ولّى موسى بن نصير على قيادة جيشه المتجه إلى فتح بلاد الأندلس القائد البربري المحنك طارق بن زياد، ذلك القائد الذي جمع بين التقوى والورع والكفاءة الحربية وحب الجهاد والرغبة في الاستشهاد في سبيل الله، ورغم أنه كان من البربر وليس من العرب إلا أن موسى بن نصير قدمه على غيره من العرب، وكان ذلك لعدة أسباب منها:
الكفاءةلم يمنع كون طارق بن زياد غير عربي أن يوليه موسى بن نصير على قيادة الجيش؛ فهو يعلم أنه ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر فضل إلا بالتقوى، فقد وجد فيه الفضل على غيره والكفاءة في القيام بهذه المهمة على أكمل وجهقدرته على فَهم وقيادة قومهإضافة إلى الكفاءة فقد كان من البربر، وذلك أدعى للقضاء على أيٍ من العوامل النفسية التي قد تختلج في نفوس البربريين الذين دخلوا الإسلام حديثا، ومن ثم يستطيع قيادة البربرجميعا وتطويعهم للهدف الذي يصبو إليه، ثم ولكونه بربريا فهو قادر على فهم لغة قومه؛ إذ ليس كل البربر يتقنون الحديث بالعربية، وكان طارق بن زياد يجيد اللغتين العربية والبربرية بطلاقة، ولهذه الأسباب وغيرها رأى موسى بن نصير أنه يصلح لقيادة الجيش فولاه إياه.
رابعا: فتح جزر البليار وضمها إلى أملاك المسلمين
من أهم الوسائل التي قام بها موسى بن نصير تمهيدا لفتح الأندلس وتأمينا لظهره كما كان عهده بذلك، قام بفتح جزر البليار التي ذكرناها سابقا وضمها إلى أملاك المسلمين، وهو بهذا يكون قد أمّن ظهره من جهة الشرق، وهذا العمل يدل على حنكة وحكمة عظيمة لهذا القائد الذي أُغفل دوره في التاريخ الإسلامي.

مشكلة سبتة والعناية الإلهية
استطاع موسى بن نصير أن يتغلب على قلة عدد الجيش من خلال البربر أنفسهم، كذلك تغلب على العقبة المتمثلة في قلة السفن نسبيا ببناء موانئ وسفن جديدة، وبقيت أرض الأندلس كما هي أرضا مجهولة له، وكذلك ظلت مشكلة ميناء سبتة قائمة لم تُحل، وهي -كما ذكرنا – ميناء حصين جدا يحكمه النصراني يوليان، وقد استنفد موسى بن نصير جهده وطاقته وفعل كل ما في وسعه ولم يجد حلا لهاتين المشكلتين، وهنا وفقط كان لا بد للأمر الإلهي والتدبير الإلهي أن يتدخل: [إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ] {الحج:38} . [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى] {الأنفال:17} . وهذا بالفعل ما حدث وتجسد في فعل يوليان صاحب سبتة وكان على النحو التالي:
فكر يوليان جديا في الأمر من حوله، وكيف أن الأرض بدأت تضيق عليه وتتآكل من قِبَل المسلمين الذين يزدادون قوة يوما بعد يوم، وإلى متى سيظل صامدا أمامهم إن هم أتوا إليه؟
كان يوليان مع ذلك يحمل الحقد الدفين على لذريق حاكم الأندلس ذلك الذي قتل غيطشة صاحبه الأول، وقد كان بينهما علاقات طيبة، حتى إن أولاد غيطشة من بعده استنجدوا بيوليان هذا ليساعدهم في حرب لذريق، ولكن هيهات فلا طاقة ليوليان بلذريق ولا طاقة لأولاد غيطشة أيضا به، ومن هنا فكان ثمة عداء متأصل بين صاحب سبتة وحاكم الأندلس؛ ومن ثم فإلى أين سيفر يوليان إن استولى المسلمون على ميناء سبتة؟

الأمر الأخير الذي دار في خلد يوليان هو أن أولاد غيطشة القريبين منه كان لهم من الضياع الضخمة في الأندلس الكثير والتي صادرها وأخذها منهم لذريق قاتل أبيهم، وكان يوليان يريد أن يستردها لهم، وكان لذريق أيضا قد فرض على شعبه الضرائب الباهظة وأذاقهم الأمرّين؛ فعاشوا في فقر وبؤس شديد بينما هو في نعيم دائم ومُلك يتصرف فيه كيف يشاء؛ ومن هنا فكان شعبه يكرهه ويتمنى الخلاص منه.

ومن تدبير رب العالمين أن اختمرت هذه الأفكار جيدا في عقل يوليان – وموسى بن نصير آنذاك قد استنفد جهده وحار في أمره – فإذا به يُرسل إلى طارق بن زياد والي طنجة (على بعد عدة كيلو مترات من ميناء سبتة)

برسل من قِبَله يعرض عليه عرضا للتفاوض، أما تدبير العناية الإلهية والمفاجأة فكانت في بنود هذا العرض وهذا الطلب العجيب الذي نص على ما يلي:
نسلمك ميناء سبتة. تلك المعضلة التي حار المسلمون أعواما في الاهتداء إلى حل لها؛ حيث كانت فوق مقدراتهم.

نمدك ببعض السفن التي تساعدك في عبور مضيق جبل طارق إلى الأندلس. وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول: سأتم ما لم يستطع المسلمون إتمامه ووقفت عندهم قدراتهم، حتى ولو كان ذلك من قِبَل أعدائهم، وقد علمنا مدى احتياج موسى بن نصير لهذه السفن.

نمدك بالمعلومات الكافية عن أرض الأندلس.

أما المقابل فهو: ضيعات وأملاك غيطشة التي صادرها لذريق. وكان لغيطشة ثلاث آلاف ضيعة (ضيعة تعني عقَارُ وأرضٌ مُغِلَّةُ)، وكانت ملكا لأولاده من بعده، فأخذها منهم لذريق وصادرها.

ما أجمل العرض وأحسن الطلب:
وبهذا العرض فقد أراد يوليان صاحب سبتة أن يتنازل للمسلمين عن سبتة ويساعدهم في الوصول إلى الأندلس، ثم حين يحكمها المسلمون يسمع يوليان ويطيع، على أن يرد المسلمون بعد ذلك ضيعات وأملاك غيطشة، فما أجمل العرض وما أحسن الطلب! وما أعظم السلعة وما أهون الثمن!
المسلمون لم يفكروا يوما في مغنم أو ثروة أو مال حال فتوحاتهم البلاد، لم يرغبوا يوما في دنيا يملكها غيطشة أو يوليان أو لذريق أوغيرهم، كان جل هدفهم تعليم الناس الإسلام وتعبيدهم لرب العباد، فإذا دخل الناس في الإسلام كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، بل لو لم يدخلوا في الإسلام وأرادوا دفع الجزية فحينئذ يُترك لهم كل ما يملكونومن هنا فكان الثمن هينا جدا والعرض غاية الآمال، فبعث طارق بن زياد إلى موسى بن نصير وكان في القيروان عاصمة الشمال الإفريقي آنذاك (وهي في تونس الآن) يخبره هذا الخبر، فسُرّ سرورا عظيما، ثم بعث موسى بن نصير بدوره إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يطلعه أيضا الخبر ويستأذنه في فتح الأندلس.
وهنا أذن له الوليد بن عبد الملك إلا أنه شرط عليه شرطا كان قد فكر فيه قبل ذلك موسى بن نصير نفسه، وهو: ألا تدخل بلاد الأندلس حتى تختبرها بسرية من المسلمين، فمن أدراك أن المعلومات التي سيقدمها لك يوليان عن الأندلس ستكون صحيحة؟ ومن يضمن لك ألا يخون يوليان عهده معك أو يتفق من ورائك مع لذريق أو مع غيره عليك؟

تعليمية
سرية طريف بن مالك أول سرية للمسلمين إلى الأندلس
جهز موسى بن نصير بالفعل سرية من خمسمائة رجل وجعل رأسهم طَريف بن مالك- أو ملوك كما جاء في روايات أخرى- وكان طريف أيضا من البربر كما كان القائد طارق بن زياد، وهذه مزية تفرد بها الإسلام كما ذكرت، خاصة وأن طريف من البربر حديثي العهد بالإسلام وهو الآن وبعد أن كان يحارب الإسلام صار قائدا مدافعا عن الإسلام وناشرا له،سار طريف بن مالك من المغرب على رأس خمسمائة من المسلمين صوب الأندلس، وقد وصلها في رمضان سنة واحد وتسعين من الهجرة، وقام بمهمته في دراسة منطقة الأندلس الجنوبية والتي سينزل بها الجيش الإسلامي بعد ذلك على أكمل وجه، ثم عاد بعد انتهائه منها إلى موسى بن نصير وشرح له ما رآه، وفي أناة شديدة وعمل دءوب ظل موسى بن نصير عاما كاملا بعد عودة طريف بن مالك يجهز الجيش ويعد العدة، حتى أعد في هذه السنة سبعة آلاف مقاتل، وبهم بدأ الفتح الإسلامي للأندلس رغم الأعداد الضخمة لقوات النصارى هناك.

تعليمية

الصدام الأول وبدايات الفتح الإسلامي للأندلس
في شعبان من سنة اثنتين وتسعين من الهجرة تحرك هذا الجيش المكون من سبعة آلاف فقط، وعلى رأسه القائد طارق بن زياد، تحرك هذا الجيش وعبر مضيق جبل طارق، والذي ما سُمّي بهذا الاسم (مضيق جبل طارق) إلا في هذا الوقت؛ وذلك لأن طارق بن زياد حين عبر المضيق نزل عند هذا الجبل، وقد ظل إلى الآن حتى في اللغة الإسبانية يسمى جبل طارق ومضيق جبل طارق، ومن جبل طارق انتقل طارق بن زياد إلى منطقة واسعة تسمى الجزيرة الخضراء، وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس، وهو حامية جيش النصارى في هذه المنطقة فلم تكن قوة كبيرة، وكعادة الفاتحين المسلمين فقد عرض طارق بن زياد عليهم: الدخول في الإسلام ويكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا ونترككم وأملاككم، أو دفع الجزية ونترك لكم أيضا ما في أيديكم، أو القتال، ولن نؤخركم إلا لثلاث، لكن تلك الحامية أخذتها العزة وأبت إلا القتال، فكانت الحرب وكانت سجالا بين الفريقين حتى انتصر عليهم طارق بن زياد، فأرسل زعيم تلك الحامية رسالة عاجلة إلى لذريق وكان في طليطلة عاصمة الأندلس، يقول له فيها: أدركنا يا لذريق؛ فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟!
تعليمية

موقعة وادي برباط وفتح الأندلس

حين وصلت رسالة قائد الحامية إلى لذريق جن جنونه، وفي غرور وصلف جمّع جيشا قوامه مائة ألف من الفرسان، وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب يقصد جيش المسلمين، كان طارق بن زياد في سبعة آلاف فقط من المسلمين جلهم من الرّجّالة وعدد محدود جدا من الخيل، فلما أبصر أمر لذريق وجد صعوبة جدا في هذا القياس، سبعة آلاف أمام مائة ألف، فأرسل إلى موسى بن نصير يطلب منه المدد، فبعث إليه طريف بن مالك على رأس خمسة آلاف آخرين رجالة أيضا، وصل طريف بن مالك إلى طارق بن زياد وأصبح عدد جيش المسلمين اثني عشر ألف مقاتل، وبدأ طارق بن زياد يستعد للمعركة، فكان أول ما صنع بحث عن أرض تصلح للقتال حتى هداه البحث إلى منطقة تسمى في التاريخ وادي البرباط، وتسمى في بعض المصادر وادي لُقّة أو لِقة بالكسر، وتسميها بعض المصادر أيضا وادي لُكّة،ولقد كان لاختيار طارق بن زياد لهذا المكان أبعاد استراتيجية وعسكرية عظيمة، فقد كان من خلفه وعن يمينه جبل شاهق، وبه حمى ظهره وميمنته فلا يستطيع أحد أن يلتف حوله، وكان في ميسرته أيضا بحيرة عظيمة فهي ناحية آمنة تماما، ثم وضع على المدخل الجنوبي لهذا الوادي (أي في ظهره) فرقة قوية بقيادة طريف بن مالك؛ حتى لا يباغت أحد ظهر المسلمين، ومن ثم يستطيع أن يستدرج قوات النصارى من الناحية الأمامية إلى هذه المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يلتف من حوله، ومن بعيد جاء لذريق في أبهى زينة، يلبس التاج الذهبي والثياب الموشاة بالذهب، وقد جلس على سرير محلى بالذهب يجره بغلين، فلم يستطع أن يتخلى عن دنياه حتى وهو في لحظات الحروب والقتال، وقدم على رأس مائة ألف من الفرسان، وجاء معه بحبال محملة على بغال؛ لتقييد المسلمين بها وأخذهم عبيدا بعد انتهاء المعركة، وهكذا في صلف وغرور ظن أنه حسم المعركة لصالحه؛ فبمنطقه وبقياسه أن اثني عشر ألفا يحتاجون إلى الشفقة والرحمة، وهم أمام مائة ألف من أصحاب الأرض مصدر الإمداد.

وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين من الهجرة يتم اللقاء في وادي برباط، وتدور معركة هي من أشرس المعارك في تاريخ المسلمين، وإن الناظر العادي إلى طرفي المعركة ليدخل في قلبه الشفقة حقا على المسلمين الذين لا يتعدى عددهم الاثني عشر ألفا وهم يواجهون مائة ألف كاملة، فبمنطق العقل كيف يقاتلون فضلا عن أن يَغلبوا؟!

هكذا وفي شهرمضان بدأت معركة وادي برباط الغير متكافئة ظاهريا والمحسومة بالمنطق الرباني، بدأت في شهر الصيام والقرآن، الشهر الذي ارتبط اسمه بالمعارك والفتوحات والانتصارات، ولكن وللأسف تحول هذا الشهر الآن إلى موعد مع الزمن لإنتاج أحدث المسلسلات والأفلام وغيرها، تحول إلى نوم بالنهار وسهر بالليل لا للقرآن أو للقيام، ولكن لمتابعة أو ملاحقة المعروضات الجديدة على الفضائيات وغير الفضائيات، تحول إلى شهر المراوغة من العمل، وقد كان المسلمون ينتظرونه للقيام بأشق الأعمال وأكدّها، تحول إلى شهر الضيق وافتعال المضايقات، وهو شهر الصبر والجهاد وتهذيب للنفس، ففي هذا الشهر الكريم وقبل العيد بيوم أويومين – وهكذا كانت أعياد المسلمين – وعلى مدى ثمانية أيام متصلة دارت رحى الحرب، وبدأ القتال الضاري الشرس بين المسلمين والنصارى، أمواج من النصارى تنهمر على المسلمين، والمسلمون صابرون صامدون [رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا] {الأحزاب:23} .وعلى هذا الحال ظل الوضع طيلة ثمانية أيام متصلة انتهت بنصر مؤزّر للمسلمين بعد أن علم الله صبرهم وصدق إيمانهم، وقتل لذريق وفي رواية أنه فر إلى الشمال، لكنه اختفى ذكره إلى الأبد، وقد تمخض عن هذه المعركة عدة نتائج كان أهمها:
طوت الأندلس صفحة من صفحات الظلم والجهل والاستبداد، وبدأت صفحة جديدة من صفحات الرقي والتحضر من تاريخ الفتح الإسلامي.
غنم المسلمون غنائم عظيمة كان أهمها الخيول، فأصبحوا خيّالة بعد أن كانوا رجّالة.

بدأ المسلمون المعركة وعددهم اثنا عشر ألفا، وانتهت المعركة وعددهم تسعة آلاف، فكانت الحصيلة ثلاثة آلاف شهيد رووا بدمائهم الغالية أرض الأندلس، فأوصلوا هذا الدين إلى الناس، فجزاهم الله عن الإسلام خيرا.

طارق بن زياد يتجه فاتحا نحو الشمال
توجه طارق بن زياد بعد فتح أَشبيليّة إلى مدينة أَسْتُجّة، و هي أيضا من مدن الجنوب، وفي أستجة قاتل المسلمون قتالا عنيفا، لكنه – بلا شك – أقل مما كان في وادي برباط؛ فقد فَقَدَ النصارى معظم قواتهم في موقعة وادي برباط، وقبل أن ينتصر المسلمون في آواخر المعركة فتح النصارى أبوابهم وقالوا قد صالحنا على الجزية.
وثمة فارق كبير جدا بين أن يصالح النصارى على الجزية، وبين أن يفتح المسلمون المدينة فتحا؛ لأنه لو فتح المسلمون هذه المدينة فتحا (أي بالقتال) لكان لهم أن يأخذوا كل ما فيها، أمّا إن صالح النصارى على الجزية، فإنهم يظلون يملكون ما يملكون ولا يدفعون إلا الجزية، والتي كانت تقدّر آنذاك بدينار واحد في العام كما وضحنا سابقا.
ومن أستجة وبجيش لا يتعدى التسعة آلاف رجل يبدأ طارق بن زياد بإرسال السرايا لفتح المدن الجنوبية الأخرى، وينطلق هو بقوة الجيش الرئيسة في اتجاه الشمال حتى يصل إلى طُلَيْطِلة عاصمة الأندلس في ذلك الزمن، فقد بعث بسرية إلى قرطبة، وسرية إلى غِرناطة، وسرية إلى مَالْقة، وسرية إلى مُرْسِيَه، وهذه كلها من مدن الجنوب المنتشرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والمطلة على مضيق جبل طارق، وكان كل من هذه السرايا لا يزيد عدد الرجال فيها عن سبعمائة رجل، ومع ذلك فقد فُتحت قرطبة على قوتها وعظمتها بسرية من تلك التي لا تتعدى السبعمائة رجل [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى] {الأنفال:17}. ثم ظل طارق بن زياد رحمه الله متوجها ناحية الشمال حتى وصل إلى مدينة جَيّان وهي من مدن النصارى الحصينة جدا.
تعليمية
طارق بن زياد على أعتاب طُليطلة
كان موسى بن نصير رحمه الله الذي اتسم بالحكمة والأناة كان قد أوصى طارق بن زياد ألا يتجاوز مدينة جَيّان أو لا يتجاوز مدينة قرطبة، و أمره ألا يسرع في الفتح في طريقه إلى العاصمة طليطلة حتى لا يحوطه جيش النصارى.
لكن طارق بن زياد وجد أن الطريق أمامه مفتوحًا، ووجد أن الطريق إلى طليطلة ليس فيه من الصعوبة شيء؛ فاجتهد برأيه، وعلى خلاف رأي الأمير موسى بن نصير وجد أن هذا هو الوقت المناسب لفتح طليطلة العاصمة، وقد كانت تعد أحصن مدن النصارى على الإطلاق، فرأى أنه إن هاجمها في هذه الفترة التي يكتنف النصارى فيها ضعفا شديدا لا يستطيعون معه مقاومة جيش المسلمين فقد يتمكن من فتحها، الأمر الذي قد يتعذر بعد ذلك فلا يستطيع فتحها.
وكان الأفضل في هذا الأمر أن يستشير طارق بن زياد موسى بن نصير في المغرب، وأن يرسل إليه ولو رسالة يشرح له فيها طبيعة الموقف، وأن الطريق مهيأ أمامه لفتح طليطلة، ويستوضح رأيه ورده في ذلك.
تعليمية
أما طارق بن زياد فقد أسرع في اتجاه طليطلة دون استئذان من موسى بن نصير، وكان موسى بن نصير قد علم بتقدم طارق لفتح طليطلة، ولكن لطول المسافات لم يستطع أن يلحق به فيكون مددا له.
كانت مدينة طليطلة من أحصن مدن الأندلس، بل هي أحصن مدينة في الأندلس؛ فقد كانت محاطة بجبال من جهة الشمال والشرق والغرب، أما الجهة المفتوحة وهي الجنوب فعليها حصن كبير جدا.
ومع ذلك فقد فتحت أبوابها لطارق بن زياد وصالحت على الجزية.
موسى بن نصير يأمر طارقا بالكف عن الفتوحات ويجهز نفسه لمدده تقدم طارق بن زياد بهذه السرعة في بلاد الأندلس لم ينل قبولا لدى موسى بن نصير؛ إذ وجد فيه تهورا كبيرا لا يُؤْمن عواقبه، وكان قد عُرف عن موسى بن نصير الأناة والحكمة والصبر في كل فتوحاته في شمال أفريقيا حتى وصل إلى المغرب، ومن ثم فقد بعث برسالة شديدة اللهجة إلى طارق بن زياد يأمره فيها بالكف عن الفتح وبالانتظار حتى يصل إليه؛ وذلك خشية أن تلتف حوله الجيوش النصرانية.
وفي أثناء ذلك بدأ موسى بن نصير يُعد العدة لإمداد طارق بن زياد بعد أن انطلق إلى هذه الأماكن البعيدة الغائرة في وسط الأندلس، فجهز من المسلمين ثمانية عشر ألفا.
تعليمية
ولكن من أين جاءوا وقد كان جيش الفتح لا يتعدى الاثنا عشر ألفا؟!
وذلك أن الناس من مشارق الأرض و مغاربها قد انهمروا على أرض الأندلس حين علموا أن فيها جهادا، فقد كان جل الاثني عشر ألف مسلم الذين فتحوا الأندلس مع طارق بن زياد من البربر، أما هؤلاء الثمانية عشر ألفا فهم من العرب الذين جاءوا من اليمن والشام والعراق، اجتازوا كل هذه المفاوز البعيدة حتى وصلوا إلى بلاد المغرب، ثم عبروا مع موسى بن نصير إلى بلاد الأندلس نصرة ومددا لطارق بن زياد.
موسى بن نصير وأعمال عظام في طريقه إلى طارق بن زياد عبر موسى بن نصير بجيشه إلى بلاد الأندلس وكان ما توقعه؛ فقد وجد أن النصارى قد نقضوا عهدهم مع طارق في أَشبيليّه، وهي المدينة الحصينة الكبيرة التي كانت قد صالحت طارقا على الجزية، وكانوا قد جهّزوا العدة كي يأتوا طارقا من خلفه، ولكن يُقدّر الله أن يفاجَئوا بجيش موسى بن نصير رضي الله عنه وهو قادم فيحاصر أشبيليه.
كان موسى بن نصير قائدا محنّكا، له نظرة واعية وبُعد نظر ثاقب، ولم يكن يومًا كما يدعي أناس أنه عطّل طارق بن زياد عن الفتح حسدا أن ينسب إليه وحده فتح بلاد الأندلس، ومن ثم أراد أن يُشْرَك في الأمر معه.
تعليمية
فإن طارق بن زياد من عمال موسى بن نصير، وواليه على الأندلس، وحسنات طارق بن زياد تعد في ميزان موسى بن نصير رحمهما الله؛ فقد دخل الإسلام على يديه، وقد كان أقصى مراد موسى بن نصير هو النصر لجيش المسلمين وعدم الهلكة له بعيدا عن أرضه. ومن ثم فقد قدم موسى بن نصير وحاصر أشبيليه حصارا شديدا غاب مداه شهورا حتى فتحت أبوابها أخيرا، ثم جوّزها موسى بن نصير إلى الشمال، ولم يكن يفتح المناطق التي فتحها طارق بن زياد، وإنما اتجه ناحية الشمال الغربي وهو الاتجاه الذي لم يسلكه طارق بن زياد؛ فقد أراد استكمال الفتح ومساعدة طارق بن زياد وليس أخذ النصر أو الشرف منه.
واصل موسى بن نصير سيره نحو طارق بن زياد وفي طريقه فتح الكثير من المناطق العظيمة حتى وصل إلى منطقة تسمى مَرْدَه، كل هذا وطارق بن زياد في طليطلة ينتظر قدومه، وكانت مرده هذه من المناطق التي تجمّع فيها كثير من القوط النصارى، فحاصرها موسى بن نصير حصارا بلغ مداه أيضا شهورا، كان آخرها شهر رمضان، ففي أواخره وفي عيد الفطر المبارك وبعد صبر طويل فتحت المدينة أبوابها، وصالح أهلها موسى بن نصير على الجزية، فهكذا كانت تمر الأعياد على المسلمين.
تعليمية
لم يكتف موسى بن نصير بذلك، بل أرسل ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير رضي الله عنهم الذي تربى كأبيه وجده على الجهاد؛ ليفتح مناطق أوسع ناحية الغرب، وقد توغل عبد العزيز في الغرب كثيرا، حتى إنه في فترات معدودة فتح كل غرب الأندلس والتي تسمى حاليا دولة البرتغال، فقد وصل إلى لشبونة وفتحها ثم فتح البلاد التي في شمالها، وبهذا يُعد عبد العزيز بن موسى بن نصير فاتح البرتغال.
موسى بن نصير وطارق بن زياد.. لقاء الأبطال واستكمال الفتح ذكرت بعض المصادر أنه لما التقى موسى بن نصير وطارق بن زياد أمسك موسى بطارق وعنفه ووبّخه، بل تذكر أنه قيّده وضربه بالسوط. والحقيقة أن مثل هذا لم يأت إلا من خلال الروايات الأوروبية فقط، وهو لم يحدث على الإطلاق، والذي حدث أن موسى بن نصير قد عنّف طارق بن زياد بالفعل على معصيته له بعدم البقاء في قرطبة أو جيّان واستمراره حتى طليطلة كما ذكرنا، وقد كان تعنيفا سريعا إلا أنه كان لقاء حارا بين بطلين افترقا منذ سنتين كاملتين، منذ رمضان سنة اثنتين وتسعين من الهجرة وحتى ذي القعدة سنة أربع وتسعين.. فقد أخذت الحملة التي قادها طارق بن زياد حتى وصل إلى طليطلة عاما كاملا، وكذلك استغرقت الحملة التي قادها موسى بن نصير حتى قابل طارق في نفس المكان عاما كاملا.
تعليمية
وبعد اللقاء اتحدا سويا واتجها معا إلى فتح منطقة الشمال والشمال الشرقي والشمال الغربي، فبدآ بمنطقة الشمال ومرّا بمناطق عدة، كان منها على سبيل المثال منطقة برشلونة ففتحاها سويا وهكذا كانت همم الأجداد المسلمين التي ناطحت السحاب، فقد اتجها بعد ذلك سويا إلى مدينة سَرَقُسْطَة وهي أعظم مدن الشمال الشرقي ففتحوها، واتجها أيضا إلى منطقة شمال الوسط، ثم إلى الشمال الغربي.
وفي منطقة الشمال قام موسى بن نصير بعمل يُحسد عليه؛ فقد أرسل سرية خلف جبال البِرِينيه، وهي الجبال التي تفصل بين فرنسا وبلاد الأندلس، وتقع في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، عبرت هذه السرية جبال البرينيه ثم وصلت إلى مدينة تُسمّى أربونة، وتقع هذه المدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبذلك يكون موسى بن نصير قد أسس نواة لمقاطعة إسلامية وبعد هذه السرية الوحيدة التي فتحت جنوب غرب فرنسا اتجه موسى بن نصير بجيشه إلى الشمال الغربي حتى وصل إلى آخره، وقد ظل المسلمون يفتحون مدن الأندلس المدينة تلو الأخرى حتى تم الانتهاء من فتح كل بلاد الأندلس، إلا منطقة واحدة في أقصى مناطق الشمال الغربي وتُسمى منطقة الصخرة أو صخرة بيليه، وهي تقع على خليج بسكاي عند التقائه مع المحيط الأطلنطي.
ففي زمن قُدّر بثلاث سنوات ونصف السنة، ابتدأ من سنة اثنتين وتسعين من الهجرة، وانتهى في آخر سنة خمس وتسعين من الهجرة كان قد تم للمسلمين فتح كل بلاد الأندلس خلا صخرة بيليه هذه.
تعليمية
رسالة الوليد بن عبد الملك ووقف الفتوحات

من أقصى بلاد المسلمين من دمشق من أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك تصل رسالة إلى موسى بن نصير وطارق بن زياد بأن يعودا أدراجهما إلى دمشق ولا يستكملا الفتح، أمر عجيب وغريب! حزن له موسى بن نصير وأسف أشد الأسف، لكن لم يكن بُدّا من الاستجابة والعودة كما أُمر.

ولنا أن نندهش مع موسى بن نصير لماذا هذا الأمر الغريب؟! ولماذا كان في هذا التوقيت بالذات؟! إلا أن هذه الدهشة سرعان ما تتبخر حين نعلم سبب ذلك عند الوليد بن عبد الملك، وكان ما يلي:
كان الوليد بن عبد الملك يشغله همّ توغل المسلمين بعيدا عن ديارهم، فهو المسئول عن المسلمين الذين انتشروا في كل هذه المناطق الواسعة، وقد رأى أن المسلمين توغلوا كثيرا في بلاد الأندلس في وقت قليل، وخشي رحمه الله أن يلتف النصارى من جديد حول المسلمين، فإن قوة المسلمين مهما تزايدت في هذه البلاد، فهي قليلة وبعيدة عن مصدر إمدادها، فأراد ألا يتوغل المسلمون أكثر من هذا.
كان من الممكن للوليد بن عبد الملك أن يوقف الفتوح دون عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد، لكن كان هناك أمر آخر عجيب قد سمعه الوليد بن عبد الملك جعله يُصرّ على عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق، وهو أنه قد وصل إلى علمه أن موسى بن نصير يريد بعد أن ينتهي من فتح بلاد الأندلس أن يفتح كل بلاد أوروبا حتى يصل إلى القسطنطينية من الغرب.
كانت القسطنطينية قد استعصت على المسلمين من الشرق، وكثيرا ما ذهبت جيوش الدولة الأموية إليها ولم تُوفّق في فتحها. وهنا فكر موسى بن نصير أن يخوض كل بلاد أوروبا، فيفتح فرنسا ثم إيطاليا ثم يوغوسلافيا ثم رومانيا ثم بلغاريا ثم منطقة تركيا، حتى يصل إلى القسطنطينية من جهة الغرب،أي أنه سيتوغل بالجيش الإسلامي في عمق أوروبا منقطعا عن كل مدد. فأرعب هذا الأمر الوليد بن عبد الملك، وفكر فيما لو احتاج هذا الجيش إلى مدد؟ فالمدد على بعد شهور منه، ويفصل بينه وبين بلاد المسلمين بحار وجبال وأراض واسعة، فخشي الوليد بن عبد الملك على جيش المسلمين من الهلكة وعجل بأمر عودة موسى بن نصير وطارق بن زياد ، لم يجد موسى بن نصير إلا أن يسمع و يطيع لأمر الوليد بن عبد الملك، فأخذ طارق بن زياد وعاد أدراجه إلى دمشق، وعندما وصل وجد الوليد بن عبد الملك في مرض الموت، وما هي إلا ثلاثة أيام حتى مات وتولى الخلافة من بعده أخوه سليمان بن الملك، وكان على رأي أخيه في استبقاء موسى بن نصير في دمشق خوفا على هلكة جيش المسلمين في توغله داخل بلاد أوروبا نحو القسطنطينية.

عاد موسى بن نصير وطارق بن زياد من الأندلس بعد أن تخطى المسلمون بلاد الأندلس ووصلوا بفتوحاتهم إلى غرب فرنسا

برجوع موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق تكون قد انتهت فترة هي من أهم الفترات في تاريخ الأندلس، وقد أُطلق عليها في التاريخ عهد الفتح؛ حيث إن تاريخ الأندلس يُقسّم إلى فترات أو عهود بحسب طريقة الحكم وبحسب نظام المُلك في هذه الفترات، وعهد الفتح هذا كان قد بدأ سنة اثنتين وتسعين من الهجرة، وانتهى سنة ست وتسعين من الهجرة أو أواخر خمس وتسعين، وبهذا يكون عهد الفتح قد ظل ثلاث سنوات ونصف السنة فقط


معركة بلاط الشهداء وتوقف المد الإسلامي بأوروبا
ولم يكد يمضي على فتح الأندلس سنوات قليلة حتى نجح المسلمون في فتح جنوبيفرنسا واجتياح ولاياتها، وكانت تعرف في ذلك الحين بالأرض الكبيرة أو بلادالغال، وكان بطل هذه الفتوحات هو "السمح بن مالك" والي الأندلس، وكانحاكما وافر الخبرة، راجح العقل، نجح في ولايته للأندلس؛ فقبض على زمامالأمور، وقمع الفتن والثورات، وأصلح الإدارة والجيش.
وفي إحدى غزواته التقى السمح بن مالك بقوات الفرنجة في تولوشة (تولوز)،ونشبت معركة هائلة ثبت فيها المسلمون ثباتا عظيما على قلة عددهم وأبدواشجاعة نادرة، وفي الوقت الذي تأرجح فيه النصر بين الفريقين سقط السمح بنمالك شهيدًا من فوق جواده في (9 من ذي الحجة 102 هـ = 9 من يونيو 721م)،فاضطربت صفوف الجيش واختل نظامه وارتد المسلمون إلى "سبتمانيا" بعد أنفقدوا زهرة جندهم.
تعليمية
مواصلة الفتح

وعلى إثر استشهاد السمح بن مالك تولّى عبد الرحمن الغافقي القيادة العامةللجيش وولاية الأندلس، حتى تنظر الخلافة الأموية وترى رأيها، فقضى الغافقيبضعة أشهر في تنظيم أحوال البلاد وإصلاح الأمور حتى تولّى "عنبسة بن سحيمالكلبي" ولاية الأندلس في (صفر سنة 103 هـ = أغسطس من 721م)، فاستكمل مابدأه الغافقي من خطط الإصلاح وتنظيم شئون ولايته والاستعداد لمواصلةالفتح، حتى إذا تهيأ له ذلك سار بجيشه في أواخر سنة (105 هـ = 724م) فأتمفتح إقليم سبتمانيا، وواصل سيره حتى بلغ مدينة "أوتون" في أعالي نهرالرون، وبسط سلطانه في شرق جنوبي فرنسا، وفي أثناء عودته إلى الجنوبداهمته جموع كبيرة من الفرنج، وكان في جمع من جيشه؛ فأصيب في هذه المعركةقبل أن ينجده باقي جيشه، ثم لم يلبث أن تُوفِّي على إثرها في (شعبان 107هـ = ديسمبر 725م).

وبعد وفاته توقف الفتح وانشغلت الأندلس بالفتن والثورات، ولم ينجح الولاةالستة الذين تعاقبوا على الأندلس في إعادة الهدوء والنظام إليها والسيطرةعلى مقاليد الأمور، حتى تولى عبد الرحمن الغافقي أمور الأندلس في سنة (112هـ = 730م).

تعليمية
عبد الرحمن الغافقي

لم تكن أحوال البلاد جديدة عليه فقد سبق أن تولى أمورها عقب استشهاد السمحبن مالك، وعرف أحوالها وخبر شئونها، ولا تمدنا المصادر التاريخية بشيءكثير عن سيرته الأولى، وجل ما يعرف عنه أنه من التابعين الذين دخلواالأندلس ومكنته شجاعته وقدراته العسكرية من أن يكون من كبار قادة الأندلس،وجمع إلى قيادته حسن السياسة وتصريف الأمور؛ ولذا اختاره المسلمون لقيادةالجيش وإمارة الأندلس عقب موقعه "تولوشة".

كان الغافقي حاكما عادلا قديرا على إدارة شئون دولته، وتجمع الرواياتالتاريخية على كريم صفاته، وتشيد بعدله، فرحبت الأندلس بتعيينه لسابقمعرفتها به وبسياسته، ولم يكن غريبا أن يحبه الجند لرفقه ولينه، وتتراضىالقبائل العربية فتكف عن ثوراتها، ويسود الوئام إدارة الدولة والجيش.

غير أن هذا الاستقرار والنظام الذي حل بالأندلس نغصه تحركات من الفرنجوالقوط واستعداد لمهاجمة المواقع الإسلامية في الشمال، ولم يكن لمثلالغافقي أن يسكت وهو رجل مجاهد عظيم الإيمان، لا تزال ذكريات هزيمة تولوشةتؤرق نفسه، وينتظر الفرصة السانحة لمحو آثارها، أما وقد جاءت فلا بد أنينتهزها ويستعد لها أحسن استعداد، فأعلن عزمه على الفتح، وتدفق إليهالمجاهدون من كل جهة حتى بلغوا ما بين سبعين ومائة ألف رجل.

تعليمية
خط سير الحملة

جمع عبد الرحمن جنده في "بنبلونة" شمال الأندلس، وعبر بهم في أوائل سنة (114 هـ = 732م) جبال ألبرت ودخل فرنسا (بلاد الغال)، واتجه إلى الجنوبإلى مدينة "آرال" الواقعة على نهر الرون؛ لامتناعها عن دفع الجزية وخروجهاعن طاعته، ففتحها بعد معركة هائلة، ثم توجه غربا إلى دوقية أقطاينا "أكويتين"، وحقق عليها نصرا حاسما على ضفاف نمهر الدوردوني ومزّق جيشها شرممزق، واضطر الدوق "أودو" أن يتقهقر بقواته نحو الشمال تاركا عاصمته "بردال" (بوردو) ليدخلها المسلمون فاتحين، وأصبحت ولاية أكويتين في قبضةالمسلمين تماما، ومضى الغافقي نحو نهر اللوار وتوجه إلى مدينة "تور" ثانيةمدائن الدوقية، وفيها كنيسة "سان مارتان"، وكانت ذات شهرة فائقة آنذاك؛فاقتحم المسلمون المدينة واستولوا عليها.

ولم يجد الدوق "أودو" بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورهافي يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته .

تعليمية
استعداد الفرنجة
وجد شارل مارتل في طلب نجدته فرصة لبسط نفوذه على أقطانيا التي كانت بيدغريمه، ووقف الفتح الإسلامي بعد أن بات يهدده، فتحرك على الفور ولم يدخرجهدا في الاستعداد، فبعث يستقدم الجند من كل مكان فوافته جنود أجلافأقوياء يحاربون شبه عراة، بالإضافة إلى جنده وكانوا أقوياء لهم خبرةبالحروب والنوازل، وبعد أن أتم شارل مارتل استعداده تحرك بجيشه الجرارالذي يزيد في عدده على جيش المسلمين يهز الأرض هزا، وتردد سهول فرنسا صدىأصوات الجنود وجلباتهم حتى وصل إلى مروج نهر اللوار الجنوبية.

تعليمية
اللقاء المرتقب

كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتيبواتييه وتور بعد أن استولى على المدينتين، وفي ذلك الوقت كان جيش شارلمارتل قد انتهى إلى اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه، وحين أرادالغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكملاستعداده فاجأه مارتل بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في الكثرة،فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييهوتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيشالغافقي.

وفي ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يُعرف على وجه الدقة موقعالميدان الذي دارت فيه أحداث المعركة، وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعتعلى مقربة من طريق روماني يصل بين بواتييه وشاتلرو في مكان يبعد نحو عشرينكيلومترا من شمالي شرق بواتييه يسمّى بالبلاط، وهي كلمة تعني في الأندلسالقصر أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سميت المعركة في المصادر العربيةببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى في المصادرالأوربية معركة "تور- بواتييه".

ونشب القتال بين الفريقين في (أواخر شعبان 114 هـ = أكتوبر 732م)، واستمرتسعة أيام حتى أوائل شهر رمضان، دون أن يحقق أحدهما نصرا حاسما لصالحه.
وفي اليوم العاشر نشبت معركة هائلة، وأبدى كلا الفريقين منتهى الشجاعةوالجلد والثبات، حتى بدأ الإعياء على الفرنجة ولاحت تباشير النصرللمسلمين، ولكن حدث أن اخترقت فرقة من فرسان العدو إلى خلف صفوف المسلمين،حيث معسكر الغنائم، فارتدت فرقة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة لردالهجوم المباغت وحماية الغنائم، غير أن هذا أدى إلى خلل في النظام،واضطراب صفوف المسلمين، واتساع في الثغرة التي نفذ منها الفرنجة.
وحاول الغافقي أن يعيد النظام ويمسك بزمام الأمور ويرد الحماس إلى نفوسجنده، لكن الموت لم يسعفه بعد أن أصابه سهم غادر أودى بحياته فسقط شهيدافي الميدان، فازدادت صفوف المسلمين اضطرابا وعم الذعر في الجيش، ولولابقية من ثبات راسخ وإيمان جياش، ورغبة في النصر لحدثت كارثة كبرى للمسلمينأمام جيش يفوقهم عددا. وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهزوا فرصة ظلامالليل وانسحبوا إلى سبتمانيا، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنيمة للعدو.
ولما لاح الصباح نهض الفرنجة لمواصلة القتال فلم يجدوا أحدا من المسلمين،ولم يجدوا سوى السكون الذي يطبق على المكان، فتقدموا على حذر نحو الخياملعل في الأمر خديعة فوجدوها خاوية إلا من الجرحى العاجزين عن الحركة؛فذبحوهم على الفور، واكتفى شارل مارتل بانسحاب المسلمين، ولم يجرؤ علىمطاردتهم، وعاد بجيشه إلى الشمال من حيث أتى.

تعليمية
تحليل المعركة

تضافرت عوامل كثيرة في هذه النتيجة المخزية، منها أن المسلمين قطعوا آلافالأميال منذ خروجهم من الأندلس، وأنهكتهم الحروب المتصلة في فرنسا،وأرهقهم السير والحركة، وطوال هذا المسير لم يصلهم مدد يجدد حيوية الجيشويعينه على مهمته، فالشقة بعيدة بينهم وبين مركز الخلافة في دمشق، فكانوافي سيرهم في نواحي فرنسا أقرب إلى قصص الأساطير منها إلى حوادث التاريخ،ولم تكن قرطبة عاصمة الأندلس يمكنها معاونة الجيش؛ لأن كثيرًا من العربالفاتحين تفرقوا في نواحيها.

وتبالغ الروايات في قصة الغنائم وحرص المسلمين على حمايتها، فلم تكنالغنائم تشغلهم وهم الذين قطعوا هذه الفيافي لنشر الإسلام وإعلاء كلمته،ولم نألف في حروب المسلمين الحرص عليها وحملها معهم أينما ذهبوا، ولوكانوا حريصين عليها لحملوها معهم في أثناء انسحابهم في ظلمة الليل، فيالوقت التي تذكر فيه الروايات أن الجيش الإسلامي ترك خيامه منصوبةوالغنائم مطروحة في أماكنها.

تعليمية
نتائج المعركة

كثر الكلام حول هذه المعركة، وأحاطها المؤرخون الأوربيون باهتمام مبالغ،وجعلوها معركة فاصلة، ولا يخفى سر اهتمامهم بها؛ فمعظمهم يعدها إنقاذًالأوروبا، فيقول "إدوارد جيبون" في كتاب "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" عن هذه المعركة: "إنها أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الفرنسيين مننير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال روما، وشدت بأزر النصرانية".ويقول السير "إدوارد كريزي": "إن النصر العظيم الذي ناله شارل مارتل على العرب سنة 732م وضع حدا حاسما لفتوح العرب في غرب أوروبا، وأنقذ النصرانيةمن الإسلام".ويرى فريق آخر من المؤرخين المعتدلين في هذا الانتصار نكبة كبيرة حلتبأوروبا، وحرمتها من المدنية والحضارة، فيقول "جوستاف لوبون" في كتابهالمعروف "حضارة العرب"، الذي ترجمه "عادل زعيتر" إلى العربية في دقةوبلاغة:

"لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا،مركزا للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعرأحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم".


عبد الرحمن الداخل صقر قريش
بعد استشهاد عبد الرحمن الغافقي رحمه الله في موقعة بلاط الشهداء في منطقة بواتيه وبعد هزيمة المسلمين فيها انسحب المسلمون وتوقفت الفتوحات الإسلامية في هذه المنطقة.
قصة عبد الرحمن الداخل
لكي نفهم قصة دخول عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك إلى أرض الأندلس، نعود إلى الوراء قليلًا حتى سنة اثنين وثلاثين ومائة من الهجرة، وهو زمن سقوط بني أمية، فقد أعمل العباسيون السيوف قتلا وتنكيلا لكل من كان مؤهلا من الأمويين لتولي الخلافة، فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء وأبناء أبناء الأمراء (الأحفاد) إلا قلة ممن لم تصل إليه سيوفهم.

كان عبد الرحمن بن معاوية حفيد هشام بن عبد الملك (حكم من خمس ومائة إلى خمس وعشرين ومائة من الهجرة) من هذه القلة التي لم تصلهم سيوف العباسيين، وكان عمره آنذاك تسع عشرة سنة فقط، وكان له أخ صغير لم يتجاوز عمره الثالثة عشرة، وكلاهما مطلوبي الرأس من قِبَل العباسيين.
في العراق كان عبد الرحمن بن معاوية يجلس في بيته إذ دخل عليه ابنه ابن الأربع سنين يبكي فزعًا، وكان عبد الرحمن بن معاوية مريضا معتزلا في الظلام في ركن من البيت من أثر رمد في عينه، فأخذ يسكن الطفل بما يسكن به الأطفال إلا أن الطفل ظل فزعًا مرعوبًا لم يسكن، فقام معه عبد الرحمن بن معاوية فوجد الرايات السود خارج البيت (رايات الدولة العباسية)، وكانت تعم القرية جميعها، فعلم أنّه مطلوب، رجع عبد الرحمن بن معاوية وأخذ أخاه الوليد بن معاوية وما معه من نقود، وترك النساء والأطفال وكل شيء؛ لأن العباسيين لم يكونوا ليقتلوا النساء ولا الأطفال، ولكن كانوا يقتلون كل من بلغ وكان مؤهلًا للخلافة، ثم خرج هاربا نحو الفرات، وعند الفرات وجد عبد الرحمن بن معاوية وأخوه القوات العباسية تحاصر النهر، فألقيا بأنفسهما فيه وأخذا يسبحان، ومن بعيد ناداهما العباسيون أن ارجعا ولكما الأمان، حينها كان الوليد بن معاوية أخو عبد الرحمن بن معاوية قد أجهد من السباحة، فأراد أن يعود، فناداه أخوه الأكبر أن لا تعد يا أخي وإلا فسيقتلوك، فرد عليه إنهم قد أعطونا الأمان، ثم عاد راجعا إليهم، فما أن أمسك به العباسيون إلا أن قتلوه أمام أعين أخيه، عَبَر عبد الرحمن بن معاوية النهر وهو لا يستطيع أن يتكلم أو يفكر من شدة الحزن على أخيه ابن الثالثة عشرة، ثم يمم جهة بلاد المغرب لأن أمه كانت من قبيلة من قبائل البربر، فهرب إلى أخواله هناك، في قصة هروب طويلة جدًا عبر فيها الحجاز ومصر وليبيا والقيروان، وصل عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان وعمره تسع عشرة سنة فقط، وهناك وجد ثورة كبيرة للخوارج في الشمال الأفريقي كله وعلى رأسها عبد الرحمن بن حبيب، وكان قد استقل بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية، ولأنه كانت هناك كراهية شديدة جدا بين الخوارج والأمويين (حيث إن الخوارج لم يرضوا ارتضاء سيدنا علي بتحكيم كتاب الله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان الأموي في موقعة صفين، ومن ثم فقد خرجوا عليه وسموا من بعدها بالخوارج، ومن حينها وهم يبغضون الأمويين) فقد كان عبد الرحمن بن حبيب يسعى هو الآخر للقضاء على عبد الرحمن بن معاوية حين علم بأمره، فحين قدم عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان اجتمع عليه الخوارج وكادوا أن يقتلوه، فهرب من جديد إلى برقه (في ليبيا)، وفيها ظل مختبئا عند بعض أخواله هناك طيلة أربع سنوات كاملة، حتى سنة ست وثلاثين ومائة، وكان قد بلغ من العمر ثلاث وعشرين سنة، وفي أمره ظل عبد الرحمن بن معاوية يفكر، أيظهر فيُقتل أم يظل مختبئا طوال العمر؟! ففي أي قطر من بلاد المسلمين هو مطلوب الرأس، ففي الشام في بلاد المشرق الإسلامي مطلوب من العباسيين، وفي الشمال الإفريقي في بلاد المغرب الإسلامي مطلوب من الخوارج، فهل يظل مختبئا طوال حياته وهو سليل الأمراء والخلفاء؟! أو هل يظل مختبئا في مكانه والأمويون في كل مكان يُقتلون ويذبحون؟! وهنا جال بخاطره أن يذهب إلى الأندلس، وقد كانت الأندلس أصلح البلدان لاستقبال عبد الرحمن بن معاوية، وذلك لأنها أولاأبعد الأماكن عن العباسيين والخوارج، ثانيا لأن الوضع في الأندلس ملتهب جدا، وذلك على نحو ما ذكرنا في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري وفي نهاية الفترة الثانية من عهد الولاة؛ ففي هذا الجو يستطيع عبد الرحمن بن معاوية أن يدخل هذه البلاد؛ ولو كانت تابعة للخلافة العباسية ما استطاع أن يدخلها، كما أنها لو كانت على فكر الخوارج ما استطاع أيضا أن يدخلها؛ فكانت الأندلس أنسب البلاد له على وعورتها واحتدام الثورات فيها.

عبد الرحمن بن معاوية ودخول الأندلس
في سنة ست وثلاثين ومائة بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعد العدة لدخول الأندلس، فعمل على الآتي
أولا أرسل مولاه بدر إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيها.
ثانياراسل كل محبي الدولة الأموية في أرض الأندلسبعد أن علِمَهم من مولاه بدر، والحق أن كثيرا من الناس في عهد الدولة الأموية وفي غيرها كانوا يحبون الأمويين كثيرا، فمنذ ولاية معاوية بن أبي سفيان على الشام في خلافة عمر بن الخطاب، وفي خلافة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، والمسلمون في أقطار الدولة الإسلامية يحبون بني أمية حبا شديدا، فقد اشتهر بنو أمية على مر العصور بالسخاء الشديد والسياسة والحكمة، واكتساب الناس وحسن معاملتهم، والجهاد في سبيل الله ونشر الدين وفتح البلاد، فكان لبني أمية داخل بلاد الأندلس كثير من المريدين حتى من غير بني أمية من القبائل الأخرى المختلفة.
ثالثا في ذكاء شديد وحرص أشد راسل عبد الرحمن بن معاوية البربر، يطلب معونتهم ومساعدتهم، وكانوا في ذلك الوقت على خلاف شديد جدا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ لأنه فرق بينهم وبين العرب، فهم يريدون أن يتخلصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملهم بهذه العنصرية.
رابعا راسل كل الأمويين في كل الأماكن التي هربوا إليها يعرض عليهم فكرته، وأنه يعزم على دخول الأندلس ويطلب معونتهم ومددهم.
وبالفعل بدأ في تجميع الأعوان، واستغرق ذلك عامين حتى قدم عليه رسول من عند مولاه بدر سنة ثمان وثلاثين ومائة يقول له إن الوضع قد تجهز لاستقبالك هناك، وحينما سأله عن اسمه فقال غالب التميمي، وبدأ يعد العدة ويجهز السفينة التي أخذته منفردا إلى بلاد الأندلس.

عبد الرحمن الداخل في الأندلس
نزل عبد الرحمن بن معاوية رحمه الله على ساحل الأندلس بمفرده، واستقبله هناك مولاه بدر، ثم انطلق معه إلى قرطبة، كان يحكم الأندلس في ذلك الوقت يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكالعادة كان في الشمال يقمع ثورة من الثورات، ذلك الوقت الذي قال عنه المؤرخون – كما ذكرناكاد الإسلام أن ينتهي من بلاد الأندلس في عام ثمانية وثلاثين ومائة.
ويدخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس ويبدأ في تجميع الناس من حوله، محبي الدولة الأموية، والبربر، وبعض القبائل المعارضة ليوسف بن عبد الرحمن الفهري، وقد جاء بعض الأمويين من بقاع الأرض المختلفة، ومع ذلك لم يجد العدد كافيا والذي يستطيع به أن يغير من الأوضاع.
فكر عبد الرحمن بن معاوية في اليمنيين الذين كانوا على خلاف مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري الحجازي رغم كونه أيضا من الحجاز، لكنهم رأوا أنهم ليس لهم طاقة بيوسف بن عبد الرحمن الفهري، فقبلوا أن يتحدوا مع عبد الرحمن بن معاوية.
كان على رأس اليمنيين في ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبي، وكان المقر الرئيسي لهم أشبيلية، وهي المدينة الكبيرة التي تعد حاضرة من حواضر الإسلام في ذلك الوقت، فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى أشبيلية واجتمع طويلا مع أبي الصباح اليحصبي، واتفقا على أن يقاتلا سويا ضد يوسف بن عبد الرحمن الفهري.
قبل القتال كان عبد الرحمن بن معاوية قد أرسل عدة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب وده وأن يسلم له الإمارة ويكون الفهري رجلا من رجاله في بلاد الأندلس، بحكم أنه (عبد الرحمن) حفيد هشام بن عبد الملك من رموز الخلافة الأموية، لكن يوسف الفهري رفض كل ذلك، وجهز جيشا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومن معه.

موقعة المسارة
من المؤسف حقا أن يلتقي المسلمون بسيوفهم، لكن كثرة الثورات وكثرة الفتن والانقلابات جعلت الحل العسكري هو الحل الحتمي في ذلك الوقت.
ففي ذي الحجّة سنة ثمان وثلاثين ومائة، وفي موقعة كبيرة عرفت في التاريخ باسم موقعة المسارة ، دار قتال شرس بين يوسف بن عبد الرحمن الفهري من جهة وعبد الرحمن بن معاوية الذي يعتمد بالأساس على اليمنيين من جهة أخرى.
وقبل القتال كان أبو الصباح اليحصبي (رئيس اليمنيين) قد سمع بعض المقولات من اليمنيين تقول إن عبد الرحمن بن معاوية غريب عن البلاد، ثم إن معه فرس عظيم أشهب، فإن حدثت هزيمة فسيهرب من ساحة القتال ويتركنا وحدنا للفهريين.
وصلت عبد الرحمن بن معاوية تلك المقولة، فقام وفي ذكاء شديد يفوق سن الخامسة والعشرين وذهب بنفسه إلى أبي الصباح اليحصبي وقال له إن جوادي هذا سريع الحركة ولا يمكّنني من الرمي، فإن أردت أن تأخذه وتعطيَني بغلتك فعلت، فأعطاه الجواد السريع وأخذ منه البغلة يقاتل عليها، حينئذ قال اليمنيون إن هذا ليس بمسلك رجل يريد الهرب، إنما هو مسلك من يريد الموت في ساحة المعركة، فبقوا معه وقاتلوا قتالا شديدا، ودارت معركة قوية جدا، انتصر فيها عبد الرحمن بن معاوية، وفَرّ يوسف الفهري.

عبد الرحمن الداخل وأمارات نجابة وعلم وذكاء
كان عادة المحاربين في ذلك الزمن أن يتبع الجيش المنتصر فلول المنهزمين والفارين، ليقتلوهم ويقضوا عليهم، ومن ثَمّ على ثورتهم، وحين بدأ اليمنيون يجهزون أنفسهم ليتتبعوا جيش يوسف الفهري منعهم عبد الرحمن بن معاوية وقال لهم قولة ظلت ترن في أصداء التاريخ، أمارة على علم ونبوغ، وفهم صحيح وفكر صائب في تقدير الأمور، قال لهملا تتّبعوهم، اتركوهم، لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم.
يريد رحمه الله أن هؤلاء الذين يقاتلوننا اليوم سيصبحون غدا من جنودنا، ومن ثم عونا على أعدائنا من النصارى وغيرهم في ليون وفرنسا وغيرها. فهكذا رحمه الله كان ذو نظرة واسعة جدا تشمل كل بلاد الأندلس، بل تشمل كل أوروبا، بل إني أراه بذلك التفكير يملك أن يعيد ملك الشام بعد ذلك أيضا إلى أملاك الأمويين، وذلك لما يلي
أولا ليس في قلبه غل ولا حقد على من كان حريصا على قتله منذ ساعات قليلة.
ثانيا الفهم العميق للعدو الحقيقي وهو النصارى في الشمال.
ثالثا رغم كونه لم يتجاوز الخامسة والعشرين إلا إنه كان يمتلك فهما واعيا وإدراكا صحيحا، وفقها وعلما وسعة اطلاع، علم به أنه إن جاز له شرعا أن يقاتلهم لتجميع المسلمين حول راية واحدة، فهو في ذات الوقت لا يجوز له شرعا أن يتتبعهم، وأن يقتل الفارين منهم، ولا أن يجهز على جريحهم، ولا أن يقتل أسيرهم، لأن حكمهم حكم الباغين في الإسلام وليس حكم المشركين، وحكم الباغي في الإسلام أنه لا يتتبع الفار منهم، ولا يقتل أسيره، ولا يجهز على جريحه، بل ولا تؤخذ منه الغنائم.

بين عبد الرحمن الداخل وأبي الصباح اليحصبي
بعد انتهاء موقعة المسارة قام أبو الصباح اليحصبي في اليمنيين وقال لهم لقد انتصرنا على عبد الرحمن الفهري وجاء وقت النصر على غيره، يُعرّض بعبد الرحمن بن معاوية، هذا الذي كان يقاتل معه منذ ساعات، ويرى أنه إن انتصر عليه وقتله (عبد الرحمن الداخل)دانت لهم بلاد الأندلس كلها.
لكن اليمنيين لم يوافقوه على ذلك؛ ليس حبا في عبد الرحمن الداخل وإنما خوفا منه، فقالوا له إن هذا الرجل ليس بالسهل. وتصل هذه الأنباء إلى عبد الرحمن بن معاوية، فما كان منه إلا أن أسرّها في نفسه، ولم يُبْدها لهم، ولم يُعلمهم أنه يعلم بما يضمرونه له، لكنه أصبح على حذر شديد جدا من أبي الصباح اليحصبي.
لم يرد عبد الرحمن بن معاوية أن يحدث خللا في الصف المسلم في هذه الأوقات، لم يرد أن يحدث خللا بين الأمويين ومحبي الدولة الأموية وبين اليمنيين في ذلك الوقت المليء بالثورات والمعارك الداخلية، إنما كان كل همه هو تجميع الناس ثم حرب النصارى بعد ذلك، وبالفعل وهناك وبعد إحدى عشرة سنة من هذه الأحداث عزل أبا الصباح اليحصبي عن مكانه، واستطاع أن يتملك زمام الأمور كلها في الأندلس.

عبد الرحمن الداخل، وبداية فترة الإمارة الأموية
بعد موقعة المسارة والسيطرة على منطقة قرطبة والجنوب الأندلسي لُقب عبد الرحمن بن معاوية بعبد الرحمن الداخل؛ لأنه أول من دخل من بني أمية قرطبة حاكما، كما كان له كثير من الأيادي البيضاء على الإسلام في بلاد الأندلس كما سنرى.
ومنذ أن تولى عبد الرحمن الداخل الأمور في بلاد الأندلس عُرفت هذه الفترة بفترة الإمارة الأموية، وتبدأ من سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة، وتنتهي سنة ست عشرة وثلاثمائة من الهجرة، وسميت "إمارة" لأنها أصبحت منفصلة عن الخلافة الإسلامية، سواء كانت في عصر الخلافة العباسية أو ما تلاها بعد ذلك من العصور إلى آخر عهود الأندلس.
بدأ عبد الرحمن الداخل ينظم الأمور في بلاد الأندلس، كانت هناك ثورات كثيرة جدا في كل مكان من أرض الأندلس، وبصبر شديد وأناة عجيبة أخذ عبد الرحمن الداخل يراوض هذه الثورات الواحدة تلو الأخرى، وبحسب ما يتوافق معها أخذ يستميل بعضها ويحارب الأخرى.

وفي فترة حكمه التي امتدت أربعة وثلاثين عاما متصلة، من سنة ثمان وثلاثين ومائة وحتى سنة اثنتين وسبعين ومائة كانت قد قامت عليه أكثر من خمس وعشرين ثورة، وهو يقمعها بنجاح عجيب الواحدة تلو الأخرى، ثم تركها وهي في فترة من أقوى فترات الأندلس في التاريخ بصفة عامة.

الإمارة الأموية وفتراتها
ظل عبد الرحمن الداخل يحكم الأندلس منذ سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة، وحتى سنة اثنتين وسبعين ومائة من الهجرة، أي قرابة أربعة وثلاثين عاما، وكانت هذه هي بداية تأسيس عهد الإمارة الأموية، والتي استمرت من سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة وحتى سنة ست عشرة وثلاثمائة من الهجرة.
ولفهم عهد الإمارة الأموية يمكننا تقسيمه إلى فترات كما يلي

الفترة الأولى واستمرت مائة عام كاملة، من سنة ثمان وثلاثين ومائة وحتى سنة ثمان وثلاثين ومائتين من الهجرة، وتعتبر هذه الفترة هي فترة القوة والمجد والحضارة، وكان فيها هيمنة للدولة الإسلامية على ما حولها من مناطق.

الفترة الثانية وتعد فترة ضعف، وقد استمرت اثنين وستين عاما، من سنة ثمان وثلاثين ومائتين وحتى سنة ثلاثمائة من الهجرة.
الفترة الأولى من الإمارة الأموية فترة القوة

تمثل هذه الفترة عهد القوة في فترة الإمارة الأموية، كانت البداية فيها –كما ذكرنا – لعبد الرحمن الداخل رحمه الله ثم خلفه من بعده ثلاثة من الأمراء، كان أولهم هشام بن عبد الرحمن الداخل، وقد حكم من سنة اثنين وسبعين ومائة وحتى سنة ثمانين مائه
من الهجرة.
عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل

بعد فترة طويلة من الاختبارات والمشاورات كان عبد الرحمن الداخل قد استقر من بين ابنيه الأكبر سليمان والأصغر هشام على ابنه هشام، فولاّه العهد مع كونه أصغر من أخيه سليمان، وقد صدق حدسه فيه؛ حيث كان الناس يشبهونه بعد ذلك بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في علمه وعمله وورعه وتقواه.

كان هشام بن عبد الرحمن الداخل عالما محبا للعلم، قد أحاط نفسه رحمه الله بالفقهاء، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها، وقد أخذ ذلك منه مجهودا وافرا وعظيما، حتى لقد أصبحت اللغة العربية تُدرّس في معاهد اليهود والنصارى في داخل أرض الأندلس، ثم قام أيضا بنشر المذهب المالكي بدلا من المذهب الأوزاعي، هذا فضلا عن صولاته وجولاته الكثيرة في الشمال مع الممالك النصرانية.

عهد الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل

تولى بعد هشام بن عبد الرحمن الداخل ابنه الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، وذلك من سنة ثمانين ومائة وحتى سنة ست ومائتين من الهجرة، لكن الحكم هذا لم يكن على شاكلة أبيه ولا على شاكلة جده، فكان قاسيا جدا، فرض الكثير من الضرائب، واهتم بالشعر والصيد، وقاوم الثورات بأسلوب غير مسبوق في بلاد الأندلس في عهد الإمارة الأموية، حيث كان يحرق بيوت الثائرين، وكان يطردهم خارج البلاد.

ومن أشهر الثورات التي قمعها الحكم بن هشام ثورة الربض، وهم قوم كانوا يعيشون في منطقة جوار قرطبة، وقد ثار أهلها ثورة كبيرة جدا عليه، فأحرق ديارهم وطردهم خارج البلاد، ورغم ما في هذا الأمر من القسوة وغيرها فإنه حين طرد الربضيين خارج البلاد فقد انتقلوا إلى جزيرة كريت في عرض البحر الأبيض المتوسط، وأسسوا بها مملكة إسلامية ظلت قائمة مائة عام متصلة.
ورغم أفعاله تلك إلا أن الحكم بن هشام لم يوقف حركة الجهاد؛ وذلك لأن الجهاد كان عادة في الإمارة الأموية سواء في بلاد الشام أو في بلاد الأندلس، لكن كانت له انتصارات وهزائم في نفس الوقت، وكنتيجه طبيعية لهذا الظلم الذي كان عنده، وهذه العلاقة التي ساءت بين الحاكم والمحكوم سقطت بعض البلاد الإسلامية في يد النصارى، فسقطت برشلونة وأصبحت تُكّون إمارة نصرانية صغيرة في الشمال الشرقي عرفت في التارخ باسم إمارة أراجون، وكانت متاخمة لحدود فرنسا بجوار جبال البيرينيه في الشمال الشرقي للبلاد.
لكن الحكم بن هشام بفضل من الله ومنٍ عليه أنه تاب عن أفعاله في آخر عهده، ورجع عن ظلمه، واستغفر واعتذر للناس عن ذنوبه، ثم اختار من أبنائه أصلحهم وإن لم يكن الأكبر ليكون وليا لعهده، وكان من حسن خاتمته أنه قام بهذا الاعتذار وهذه التوبة وهو في كامل قوته وبأسه، وذلك قبل موته بعامين.

عهد عبد الرحمن الأوسط
بعد الحكم بن هشام تولى ابنه عبد الرحمن الثاني، وهو المعروف في التاريخ باسم عبد الرحمن الأوسط فهو الأوسط بين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر كما سيأتي، وقد حكم من سنة ست ومائتين وحتى آخر الفترة الأولى عهد القوة من عهد الإمارة الأموية، وذلك سنة ثمان وثلاثين ومائتين من الهجرة، وتعد فترة حكمه هذه من أفضل فترات تاريخ الأندلس، فاستأنف الجهاد من جديد ضد النصارى في الشمال وألحق بهم هزائم عدة، وكان حسن السيرة، هادئ الطباع، محبا للعلم محبا للناس.
ومن أهم ما ميز عهد عبد الرحمن الأوسط الأمور الثلاثة التالية
أولا ازدهار الحضارة العلمية
كان عبد الرحمن الأوسط لتقديره العلم يستقدم العلماء من بغداد ومن كل بلاد العالم الإسلامي، فجاءوا إلى بلاد الأندلس وعظمهم وأكرمهم ورفع من شأنهم، وأسس نواة مكتبة قرطبة العظيمة، وأشاع التعليم في كل بلاد الأندلس.

وقد اشتهر العلماء في هذه الفترة في كل مجالات العلوم، وكان من أشهرهم في ذلك الوقت عباس بن فرناس رحمه الله، وهو أول من قام بمحاولة طيران في العالم، وقد راح ضحية هذه المحاولة البكر، وفضلا عن هذا فقد كانت له اختراعات كثيرة في شتى المجالات، فاخترع آله لتحديد الوقت، واخترع آله تشبه قلم الحبر، وقد كان لهذا الاختراع أهمية كبيرة في ذلك الزمن الذي انتشر فيه العلم والتعليم، ويعد أيضا أول من اخترع الزجاج من الحجارة.

ثانيا ازدهار الحضارة المادية
اهتم عبد الرحمن الأوسط بالحضارة المادية العمرانية والاقتصادية وغيرهااهتماما كبيرا، فازدهرت حركة التجارة في عهده، ومن ثم كثرت الأموال؛ الأمر الذي أجمع فيه المؤرخون أنه لم يكن هناك في الأندلس ما نسميه بـ "عادة التسول"، كانت هذه العادة منتشرة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى لكنها لم تُعرف أصلا في بلاد الأندلس.

كذلك تقدمت وسائل الري في عهده بشكل رائع، وتم رصف الشوارع وإنارتها ليلا في هذا العمق القديم جدا في التاريخ، الوقت الذي كانت أوروبا تعيش فيه في جهل وظلام دامس، كما أقام القصور المختلفة والحدائق الغنّاء، وتوسع جدا في ناحية المعمار حتى كانت المباني الأندلسية آية في المعمار في عهده

ثالثا وقف غزوات النورمان
النورمان هم أهل إسكندنافيا، وهي بلاد تضم الدانمارك والنرويج وفنلندا والسويد، وقد كانت هذه البلاد تعيش في همجية مطلقة، فكانوا يعيشون على ما يسمى بحرب العصابات، فقاموا بغزوات عرفت باسم غزوات الفايكنج، وهي غزوات إغارة على أماكن متفرقة من بلاد العالم، ليس من هم لها إلا جمع المال وهدْم الديار.

في عهد عبد الرحمن الأوسط وفي سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة هجمت هذه القبائل على أشبيلية من طريق البحر في أربع وخمسين سفينة، دخلوا فأفسدوا فسادا كبيرا، فدمروا أشبيلية تماما، ونهبوا ثرواتها، وهتكوا أعراض نسائها، ثم تركوها إلى شذونة وألمرية ومرسيه وغيرها من البلاد فأشاعوا الرعب وعم الفزع، وشتّان بين المسلمين في فتحهم للبلاد وبين غيرهم في معاركهم.

ما كان من عبد الرحمن الأوسط رحمه الله إلا أن جهز جيشه وأعد عدته، ولأكثر من مائة يوم كاملة دارت بينه وبينهم معارك ضارية، أغرقت خلالها خمس وثلاثين سفينة للفايكنج، ومنّ الله على المسلمين بالنصر، وعاد النورمان إلى بلادهم خاسئين.

لم يجنح عبد الرحمن الأوسط رحمه الله بعدها إلى الدعة أو الخمول، وإنما عمل على تفادي تلك الأخطاء التي كانت سببا في دخول الفايكنج إلى بلاده فقام بما يليأولا رأى أن أشبيلية تقع على نهر الوادي الكبير الذي يصب في المحيط الأطلنطي، ومن السهولة جدا أن تدخل سفن الفايكنج أو غيرها من المحيط الأطلنطي إلى أشبيلية، فقام بإنشاء سور ضخم حول أشبيلية، وحصّنها تحصينا ظلت بعده من أحصن حصون الأندلس بصفة عامة.
ثانيا لم يكتف بذلك بل قام أيضا بإنشاء أسطولين قويين جدا، أحدهما في الأطلسي والآخر في البحر الأبيض المتوسط، وذلك حتى يدافع عن كل سواحل الأندلس، فكانت هذه الأساطيل تجوب البحار وتصل إلى أعلى حدود الأندلس في الشمال عند مملكة ليون، وتصل في البحر الأبيض المتوسط حتى إيطاليا.
وكان من نتيجة ذلك أنه فتح جزر البليار للمرة الثانية، كنا قد ذكرنا أن الذي فتحها للمرة الأولى كان موسى بن نصير رحمه الله وذلك قبل فتح الأندلس سنة إحدى وتسعين من الهجرة، ثم سقطت في أيدي النصارى في عهد الولاة الثاني حين انحدر حال المسلمين آنذاك، وهنا وفي سنة أربع وثلاثين ومائتين من الهجرة تم فتحها ثانية.
كذلك كان من نتيجة هزيمة الفايكنج في هذه الموقعة قدوم سفارة من الدانمارك محملة بالهدايا تطلب ود المسلمين، وتطلب المعاهدة معهم .

الفترة الثانية من الإمارة الأموية فترة الضعف
بوفاة عبد الرحمن الأوسط رحمه الله يبدأ عهد جديد في بلاد الأندلس، وهو فترة الضعف في الإمارة الأموية، ويبدأ من سنة ثمان وثلاثين ومائتين وحتى سنة ثلاثمائة من الهجرة، أي حوالي اثنتين وستين سنة.
تولى بعد عبد الرحمن الأوسط ابنه محمد بن عبد الرحمن الأوسط ثم اثنين من أولاده المنذر ثم عبد الله، وحقيقة الأمر أن الإنسان ليتعجب كيف بعد هذه القوة العظيمة والبأس الشديد والسيطرة على بلاد الأندلس وما حولها يحدث هذا الضعف وهذا السقوط وهذا الانحدار؟!

أولا انفتاح الدنيا وحب الغنائم.
ثانيا القبلية والقومية.
ثالثا ظلم الولاة.
رابعا ترك الجهاد.
وكل هذه الأسباب لم تنشأ فجأة، وإنما كانت بذورها قد نشأت منذ أواخر عهد القوة من عهد الولاة أثناء وبعد موقعة بلاط الشهداء.

إذن لكي نفهم سبب ضعف الإمارة الأموية علينا أن نرجع قليلا، وندرس الفترة الأخيرة من عهد القوة، ونبحث فيها عن بذور الضعف والأمراض التي أدّت إلى هلكة أو ضعف الإمارة الأموية في هذا العهد الثاني.


وقفة مع عبد الرحمن الناصر وبداية حياته نحو الإصلاح
تعليمية

عبد الرحمن الناصر وتغيير التاريخ
بعد تولي عبد الرحمن الناصر الحكم وبهذه المؤهلات السابقة، بهذه التربية الشاملة لكل فروع ومقومات الشخصية الإسلامية السوية، وبهذه الثقة الشديدة بالله وبنفسه، أقدم على تغيير التاريخ، فقام بما يلي

أولا إعادة توزيع المهام والمناصب، أو ما يمكن تسميته "تنظيف قرطبة"

حين تولى الحكم لم يكن يملك عبد الرحمن الناصر من بلاد الأندلس سوى قرطبة وما حولها من القرى، ورغم أنها تعد أكبر بلاد الأندلس وتمثل مركز ثقل كبير لكونها العاصمة، إلا أنها لم تكن لتمثل أكثر من عشر مساحة الأندلس، بدأ عبد الرحمن الناصر من هذه المساحة الصغيرة يغير من التاريخ.
قام بتطهير المراكز المرموقة في قرطبة، من وزراء وقواد للجيش وغيرهم من رموز الفساد التي استولت عليها، واستبدالهم بمن ينتقيهم هو ممن يتصفون بالتقوى والورع ونظافة اليد وسعة العلم، وهكذا في كل المراكز القيادية في قرطبة.

ثم أعلى من شأن العلماء جدا، ورفع منزلتهم فوق منزلته نفسه، ورضخ لأوامرهم ونواهيهم، فطبق ذلك على نفسه أولا قبل أن يطبقه على شعبه، ثم طبق الشرع الإسلامي بكامله، ولم يتنازل ولو عن نقطة واحدة من أحكام الشرع الكريم

ثانيا الاتجاه إلى الثورات ومحاولة ترويضهابعد الانتهاء من الشأن الداخلي في قرطبة وتهيئته تماما بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله يتجه إلى المحيط الخارجي، حيث الثورات المتعددة في كل أرض الأندلس، هداه تفكيره إلى أن يبدأ بعمر أو صمويل بن حفصون؛ وذلك لسببينالأول أن هذا الرجل لا يختلف اثنان على أنه يستحق القتل؛ وذلك لأنه ارتد عن دين الله سبحانه وتعالى ومن ثم فقد أصبح قتاله فرضا على المسلمين. والسبب الثاني أنه يستطيع بذلك أن يحفز أهل قرطبة الذين كانوا قد ألفوا الثورات في هذه الآونة؛ حيث المعركة في منتهى الوضوح هي بين المسلمين والمرتدين.

في الطريق للقضاء على ثورة صمويل بن حفصون
بعد نحو شهرين فقط من توليه الحكم قاد عبد الرحمن الناصر أول حملة له لقتال المرتدين استرد فيها مدينة أَسْتُجّه، وكانت من أحصن مدن الأندلسكما علمنا عند بداية الفتوحات- ثم بعد ذلك بنحو شهرين أو ثلاثة أشهر قاد بنفسه حملة كبيرة على صمويل بن حفصون استمر مداها طيلة ثلاثة أشهر كاملة، هي شعبان ورمضان وشوال من سنة ثلاثمائة من الهجرة من نفس العام الذي تولى فيه رحمه الله فاسترد جَيّان، وهي أيضا من المدن الحصينة جدا في الأندلس، ويكفي لمعرفة هذا أنه استرد فيها سبعين حصنا من حصون صمويل بن حفصون.
ما زالت قوة صمويل بن حفصون كبيرة جدا؛ فالمدد يأتيه من الشمال من دول النصارى، ويأتيه أيضا من الجنوب من الدولة الفاطمية، هذا فضلا عن إمدادات مدينة أشبيلية والتي كان عليها حاكم مسلم من أولاد ابن حجاج، لكنه كان متمردا على سلطة قرطبة، وكان يملك جيشا مسلما كبيرا.
فكر عبد الرحمن الناصر كثيرا في كيفية قطع هذه الإمدادات على صمويل بن حفصون، اهتدى أخيرا في أن يبدأ بالهجوم على مدينة أشبيلية أكبر مدن الجنوب بعد قرطبة؛ وذلك بمنطق النزعة الإسلامية التي غلبت عليه، حيث أمّل إن هو ذهب إلى أشبيلية واستطاع أن يُرغم حاكمها على الانضمام له أو الانصياع إليه بالقوة أن ينضم إليه جيش أشبيلية المسلم الكبير، وبذلك تقوى جيوش الدولة الأموية، وتقوى شوكته.
وبالفعل وبعون من الله كان له ما أمّل، حيث ذهب إلى أشبيلية بعد أقل من عام واحد من ولايته في سنة ثلاثمائة وواحد من الهجرة، واستطاع أن يضمها إليه؛ فقويت بذلك شوكته وعظم جانبه، فعاد إلى صمويل بن حفصون بعد أن قطع عنه المدد الغربي الذي كان يأتيه من أشبيلية، واسترد منه جبال رندة ثم شذونة ثم قرمونة، وهي جميعا من مدن الجنوب.
تعمق عبد الرحمن الناصر بعد ذلك ناحية الجنوب حتى وصل إلى مضيق جبل طارق فاستولى عليه، ويكون بذلك أيضا قد قطع الإمدادات والمساعدات التي كانت تأتيه من الجنوب من الدولة الفاطمية عن طريق مضيق جبل طارق، وسعى عبد الرحمن الناصر إلى أكثر من هذا حيث قطع أيضا طريق الإمدادات التي كانت تأتيه من الدول النصرانية في الشمال عن طريق المحيط الأطلسي، ثم مضيق جبل طارق، ثم البحر الأبيض المتوسط حتى تصله، وبذلك يكون عبد الرحمن الناصر قد قطع عن صمويل بن حفصون كل طرق الإمدادات والمساعدات التي كانت تمده وتقويه.

لم يجد صمويل بن حفصون بدا من طلب الصلح والمعاهدة من عبد الرحمن الناصر على أن يعطيه اثنين وستين ومائة حصنا من حصونه، ولأن البلاد كانت تشهد موجة من الثورات والانقسامات يريد عبد الرحمن الناصر أن يتفرغ لها، فضلا عن أنه سيضمن في يده اثنين وستين ومائة حصنا وسيأمن جانبه فقد قبل المعاهدة ووافق على الصلح من صمويل بن حفصون.

عبد الرحمن الناصر يفجأ الجميع ويتجه نحو الشمال الغربي
أصبحت قوة عبد الرحمن الناصر رحمه الله تضم قرطبة وأشبيلية وجيان وأستجة، وهي جميعا من مدن الجنوب، بالإضافة إلى حصون أخرى كثيرة – كما ذكرنا – وكل هذه المساحة كانت تمثل تقريبا سدس مساحة الأندلس الإسلامية في ذلك الوقت، هذه واحدة.
الأمر الثاني أن صمويل بن حفصون ما زال يملك حصونا كثيرة ويسيطر سيطرة كاملة على الجنوب الشرقي من البلاد، لكن قطعت عنه الإمدادات الخارجية سواء من النصارى أو الدولة الفاطمية أو أشبيلية.
والأمر الثالث أنه كان هناك تمرد في طليطلة تقع في شمال قرطبة، ورابعاتمرد في سرقسطة في الشمال الشرقي، وخامسا تمرد في شرق الأندلس في بلنسية، وسادسا تمرد في غرب الأندلس يقوده عبد الرحمن الجليقي.
أي أن الأندلس في عام اثنين وثلاثمائة من الهجرة كانت مقسمة إلى ستة أقسام، قسم واحد فقط في يد عبد الرحمن الناصر، ويضم قرطبة وأشبيلية وما حولها بما يقارب سدس مساحة الأندلس كما ذكرنا، والخمسة الأخرى موزعة على خمس متمردين، والمتوقع – إذن – هو أن يحاول عبد الرحمن الناصر من جديد مقاومة إحدى مراكز التمرد هذه إن لم تكن الأقرب إليه.
وإن المرء ليقف فاغرا فاه شاخصا بصره حين يعلم أن عبد الرحمن الناصر ترك كل هذه التمردات، واتجه صوب الشمال الغربي صوب مملكة ليون النصرانية مباشرة. ترك عبد الرحمن الناصر كل شيء وأخذ جنده من قرطبة وأشبيلية وصعد في اتجاه الشمال الغربي ليقابل قوات النصارى هناك، والتي كانت تهاجم منطقة من مناطق المتمردين غرب الأندلس.
ظل عبد الرحمن الناصر في حرب مع قوات النصارى تلك في أرض المتمردين عامين كاملين، عاد بعدها منتصرا محملا بالغنائم، تاركا البلاد راجعا إلى قرطبة وأشبيلية، وكأنه أراد أن يعلم الناس أمرا ويرسل إليهم برسالة في منتهى الوضوح كانت قد خفيت عليهم، مفادها الأعداء الحقيقيين ليسو المسلمين في الداخل، إنما هم النصارى في الشمال، إنما هم في مملكة ليون، ومملكة نافار، ومملكة أراجون.

بهذا العمل استطاع عبد الرحمن الناصر رحمه الله إحراج المتمردين إحراجا كبيرا أمام شعوبهم.

عبد الرحمن الناصر والطريق إلى راية واحدة للأندلس
لم يلتقط عبد الرحمن الناصر رحمه الله أنفاسه، وقام في سنة ثمان وثلاثمائة من الهجرة بالتحرك نحو واحدة من مراكز التمرد وهي طليطلة، تلك التي لم تستطع أن تقف أمام هذه القوة الجارفة فضمها إليه في سهولة، بعدها أصبح الطريق آمنا نحو الشمال مباشرة؛ حيث سرقسطة في الشمال الشرقي، وطليطلة في وسط الشمال قد أصبحتا في يده.

وفي نفس العام في سنة ثمان وثلاثمائة من الهجرة، وعمره آنذاك ثلاثون سنة فقط، قام عبد الرحمن الناصر على رأس حملة ضخمة جدا باتجاه نصارى الشمال، فكانت غزوة موبش الكبرى بين عبد الرحمن الناصر من جهة، وجيوش ليون ونافار مجتمعة من جهة أخرى، واستمرت هذه الغزوة طيلة ثلاثة أشهر كاملة، حقق فيها عبد الرحمن الناصر انتصارات ضخمة وغنائم عظيمة، وضم إليه مدينة سالم وكانت تحت يد النصارى.
بعد أربعة أعوام من غزوة موبش وفي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة من الهجرة قاد عبد الرحمن الناصر بنفسه رحمه الله حملة ضخمة أخرى على مملكة نافار، واستطاع في أيام معدودات أن يكتسحها اكتساحا، ويضم إلى أملاك المسلمين مدينة بمبلونة عاصمة نافار، ثم بدأ بعدها يحرر الأراضي التي كان قد استولى عليها النصارى في عهد ضعف الإمارة الأموية.
وفي سنة ست عشرة ومائة من الهجرة يقود عبد الرحمن الناصر حملة أخرى على شرق الأندلس ويقمع التمرد الذي كان هناك ويضمها إلى أملاكه، ثم في نفس العام حملة أخرى على غرب الأندلس وهزيمة لعبد الرحمن الجليقي ومن ثم يضم غرب الأندلس إلى أملاكه من جديد.

وبذلك وبعد ستة عشرا عاما من الكفاح المضني، يكون رحمه الله قد وحّد الأندلس كله تحت راية واحدة، وحّدها جميعا ولم يتجاوز عمره آنذاك ثمانية وثلاثين عاما بعد، رحمه الله رحمة واسعة.

عهد جديد.. عهد الخلافة الأموية
نظر عبد الرحمن الناصر رحمه الله إلى العالم الإسلامي من حوله فوجد الخلافة العباسية قد ضعفت، وكان قد قُتل المقتدر بالله الخليفة العباسي في ذلك الوقت على يد مؤنس المظفر التركي، وقد تولى الأتراك حكم البلاد فِعْليا وإن كانوا قد أجلسوا الخليفة العباسي القادر بالله على كرسي الحكم.

ثم نظر رحمه الله إلى الجنوب فوجد الفاطميين قد أعلنوا الخلافة وسمّوا أنفسهم أمراء المؤمنين، فرأى أنه وقد وحّد الأندلس وصنع هذه القوة العظيمة أحق بهذه التسمية وبذلك الأمر منهم فأطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين، وسمى الإمارة الأمويّة بالخلافة الأموية.

ومن هنا يبدأ عهد جديد في الأندلس هو عهد الخلافة الأموية، وذلك ابتداء من سنة ست عشرة وثلاثمائة وحتى سنة أربعمائة من الهجرة، أي نحو أربع وثمانين سنة متصلة، وهو يعد عهد الخلافة الأموية استكمالا لعهد الإمارة الأموية، مع فروق في شكليات الحكم وقوة السيطرة والسلطان لصالح الأخير.

عبد الرحمن الناصر يتابع سياسته العسكرية التوسعية
بعد ثلاث سنوات من إعلان الخلافة الأموية، وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة من الهجرة يتجه عبد الرحمن الناصر جنوبا نحو مضيق جبل طارق، ويقوم بغزو بلاد المغرب ويحارب الفاطميين هناك فيضم سبتة وطنجة إلى بلاد الأندلس، وتتم له بذلك السيطرة الكاملة على مضيق جبل طارق، فيبدأ بإمداد أهل السنة في منطقة المغرب بالسلاح، لكنه لم يشأ أن يمدهم بالجنود تحسبا لهجمات ممالك النصارى في الشمال.

وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة من الهجرة تحدث خيانة من حاكم مملكة الشمال الشرقي سرقسطة محمد بن هشام التجيبي، حيث ينضم إلى مملكة ليون النصرانية لحرب عبد الرحمن الناصر، وبكل حزم وقوة يأخذ عبد الرحمن الناصر جيشا كبيرا يتصدى به لهذه الخيانة ويهاجم مدينة سرقسطة، وعند أطراف المدينة يهاجمه جيش سرقسطة، فيغزو عبد الرحمن الناصر قلعة حصينة ويمسك بقوّاد هذا الجيش، ويقوم بإعدامهم على الفور وأمام أعين الجميع في عمل لا يوصف إلا بالكياسة والحزم.
وهنا أعلن حاكم سرقسطة محمد بن هشام التجيبي ندمه وعودته إلى عبد الرحمن الناصر، وكعادة الأبطال الدهاة والساسة الحكماء قبل منه رحمه الله اعتذاره ثم أعاده حاكما على سرقسطة، رابحا بذلك كل قلوب التجيبيين بعد أن كان قد تملك منهم، وبمنطق الحزم وقت الحزم والعفو عند المقدرة عمل عبد الرحمن الناصر، فأطلق حكّام سرقسطة بعد أن أعلنوا توبتهم وأعاد التجيبيين إلى حكمهم؛ فأثّر ذلك كثيرا في المدينة كلها، فما ارتدت بعد ذلك على عهدها مع عبد الرحمن الناصر رحمه الله.
وفي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة من الهجرة هجم عبد الرحمن الناصر على مملكة أراجون النصرانيّة في الشمال الشرقي بجوار مملكة سرقسطة وضمها إلى أملاك المسلمين، وكذلك ضم برشلونة والتي كانت قد سقطت منذ سنوات كثيرة.
وفي زلة لا تعرفها السنن الكونية راح عبد الرحمن الناصر يعتقد في جيشه وقوة عدده، ونسوا جميعا الدعاء الذي كانوا يتضرعون به لرب العالمين وهم عالة ضعفاء أن ينصرهم على أعدائهم، وفي درسٍ قاسٍ له ولجيشه الجرار، وفي حنين أخرى تدور واحدة من أشرس وأعنف المعارك على المسلمين أصحاب الأرقام الستة، سميت بموقعة الخندق أو موقعة سامورة.
وإذا بالتاريخ يعيد نفسه، وإذا بسامورة تنقلب حنينا، والله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد من البشر نسبا، فإذا أخطأ العباد وبعدوا عن ربهم سبحانه وتعالى تكون الهزيمة محققة لا محالة، فانهزم جيش المسلمين في موقعة الخندق أو موقعة سامورة، وبانتهاء المعركة كان نصف عدد الجيش خمسون ألفا بين القتل والأسر، وفر عبد الرحمن الناصر رحمه الله مع النصف الآخر عائدين بأكبر خسارة وأثقل هزيمة.
بعد موقعة سامورة لم يستسلم عبد الرحمن الناصر رحمه الله، وهو الذي رُبّي على الجهاد والطاعة لربه ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فعلم مواضع الخلل ومواطن الضعف، ومن جديد تدارك أمره وقام وقام معه العلماء والمربون يحفزون الناس ويعلمونهم الإسلام.
ومن جديد أعادوا هيكلهم وقاموا بحرب عظيمة على النصارى في سنة تسع وعشرين وتسعمائة من الهجرة، تلتها حملات مكثفة وانتصارات تلو انتصارات، ظلت من سنة تسع وعشرين وتسعمائة إلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة، حتى أيقن النصارى بالهلكة، وطلب ملك ليون الأمان والمعاهدة على الجزية، يدفعها لعبد الرحمن الناصر عن يد وهو صاغر.

كذلك فعل ملك نافار، ومثلهما مملكة أراجون النصرانية التي كانت في حوزة عبد الرحمن الناصر رحمه الله فدفعوا جميعا الجزية ابتداءا من سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة إلى آخر عهده رحمه الله سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة

جهاد الحكم بن الناصر وتوسعاته
ظنت ممالك أوروبا الشمالية وممالك الأندلس النصرانية الشمالية أن الحكم بن عبد الرحمن الناصر يهتم بالعلم على حساب الجهاد، وعلى خلاف عهدهم الذي كانوا قد أبرموه مع أبيه عبد الرحمن الناصر قاموا بمهاجمة مناطق الشمال، فما كان من الحكم إلا أن ردّ عليهم كيدهم في نحورهم، وهاجمهم بغزوات كغزوات أبيه، وانتصر عليهم رحمه الله في مواقع عدة، حتى رضوا بالجزية من جديد عن يد وهم صاغرون.

ومن منطلق إسلامي بَحْت بدأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله في حرب الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، كان الأندلسيون لا يملكون سوى مينائي سبتة وطنجة في عهد عبد الرحمن الناصر، وفي عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر كانت قد انضمت كل بلاد المغرب إلى الأندلس تحت حكم الخلافة الأمويّة.

ظل الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله يحكم من سنة خمسين وثلاثمائة من الهجرة، وحتى سنة ست وستين وثلاثمائة من الهجرة، في فترة هي أقوى فترات الأندلس على الإطلاق وأعظم عهودها.

بالرغم من أنه كان من أفضل الحكام المسلمين على الأندلس إلا أن الحكم بن عبد الرحمن الناصر في آخر عهده قد أخطأ خطأ جسيما، فقد أصيب في آخر أيامه بالفالج شلل فقام باستخلاف أكبر أولاده هشام بن الحكم وعمره آنذاك اثنتا عشرة سنة فقط، استخلفه على بلاد الأندلس وفوقها بلاد النصارى في الشمال ومن تحتها الدولة الفاطمية في الجنوب، وكل ممالك أوروبا تتشوق إلى الكيد بهذه القوة العظيمة وهزيمتهاوهي بلا شك زلّة خطيرة جدا من الحكم بن عبد الرحمن الناصر؛ إذ كان عليه أن ينتقي من يستخلفه لهذه المهمة الجسيمة، ويولي رجلا آخر من بني أميّة، يستطيع أن يقوم بالأعباء الثقيلة لمهمة حكم دولة قوية، كثيرة الأعداء متسعة الأطراف، ومترامية الأبعاد كدولة الأندلس.

توفي الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله سنة ست وستين وثلاثمائة من الهجرة، مستخلفا على الحُكم ابنه الطفل الصغير هشام بن الحكم .

ملوك الطوائف
وهو ذلك العهد الذي قسمت فيه بلاد الأندلس إلى سبع مناطق رئيسة هي كما يلي
أولا بنو عبادوهم من أهل الأندلس الأصليين الذين كان يطلق عليهم اسم المولدين، وقد أخذوا منطقة أشبيلية.
ثانيا بنو زيري وهم من البربر، وقد أخذوا منطقة غرناطة، وكانت أشبيلية وغرناطة في جنوب الأندلس.
ثالثا بنو جهور وهم الذين كان منهم أبو الحزم بن جهور زعيم مجلس الشورى، وقد أخذوا منطقة قرطبة.
رابعا بنو الأفطس وكانوا أيضا من البربر، وقد استوطنوا غرب الأندلس، وأسسوا هناك إمارة بطليوس.
خامسا بنو ذي النون كانوا أيضا من البربر، واستوطنوا المنطقة الشمالية والتي فيها طليطلة وما فوقها.
سادسا بنو عامر وهم أولاد بني عامر الذي يعود أصلهم إلى اليمن، فاستوطنوا شرق الأندلس، وكانت عاصمتهم بلنسية.
سابعا بنو هود وهؤلاء أخذوا منطقة سرقسطة، تلك التي تقع في الشمال الشرقي.

صور عابرة من أوضاع الطوائف والدويلات
أولا أنفة وعزة في زمن عز أن تشم رائحتهما
كما رأينا حال وواقع كل الممالك وأمراء المؤمنين في هذه الفترة، وكل يدفع الجزية إلى ألفونسو السادس ومن معه، إلا أنه كان هناك رجلا واحدا كان يملك عزة وأنفا، ولم يرضَ بدفع الجزية، وهو المتوكل بن الأفطس أمير مملكة بطليوس.
فرغم ذلك الجو المفعم بالذل والخزي، ورغم أن مملكته كانت صغيرة جدا، إلا إن المتوكل بن الأفطس لم يكن يدفع الجزية للنصارى، وبالطبع فقد كان النصارى يعلمون أن هذا الرجل مارق وخارج عن الشرعية، تلك التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت؛ حيث خرج عن المألوف واعتز بإسلامه ولم يقبل الذل كغيره من أبناء جلدته.
وهنا أرسل له ألفونسو السادس رسالة شديدة اللهجة يطلب فيها منه أن يدفع الجزية كما كان يدفعها إخوانه من المسلمين في الممالك الإسلامية المجاورة، فكان من نبأ المتوكل بن الأفطس أنه أرسل له ردا عجيبا، أرسل إليه برسالة حفظها التاريخ ليعلم قارئيه أن المؤمن وهو في أشد عصور الانحدار والانهيار إذا أراد أن تكون له عزة فلا محالة هي كائنة، يقول المتوكل بن الأفطس في رسالتهوصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدعٍ في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ثم يفرق، ويهدد بجنوده المتوافرة وأحواله المتظاهرة، ولو علم أن لله جنودا أعز بهم الإسلام وأظهر بهم دين نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون، بالتقوى يُعرفون وبالتوبة يتضرعون، ولإن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين، وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين.
أما تعييرك للمسلمين فيما وهى من أحوالهم فبالذنوب المركومة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك لعلمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تتجرعه، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك لما أجبر أجدادك على دفع الجزية حتى أهدى بناته إليه. وكان ملك نافار جد ألفونسو السادس قد أرسل ابنته هديه إلى المنصور حتى يأمن جانبه، وهي أم عبد الرحمن بن المنصور الذي انتهت بحكمه الدولة العامرية كما ذكرنا.
ويضيف المتوكل بن الأفطس قائلا أما نحن إن قلّت أعدادنا وعدم من المخلوقين استمدادنا، فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه، ليس بيننا وبينك إلا السيوف، تشهد بحدها رقاب قومك، وجلاد تبصره في نهارك وليلك، وبالله تعالى وملائكته المسومين نتقوى عليك ونستعين، ليس لنا سوى الله مطلب، ولا لنا إلى غيره مهرب، وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين، نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة، أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة، وفي الله العوض مما به هددت، وفرج يفرج بما نددت ويقطع بما أعددت
ما كان من ألفونسو السادس إلا أن وجم ولم يفكر ولم يستطع أن يرسل له جيشا، فقد غزا كل بلاد المسلمين في الأندلس خلا بطليوس، لم يتجرأ على أن يغزوها، فكان يعلم أن هؤلاء الرجال لا يقدر أهل الأرض جميعهم على مقاومتهم، فأعز الإسلامُ ورفع من شأن المتوكل بن الأفطس ومن معه من الجنود القليلين حين رجعوا إليه، وبمجرد أن لوحوا بجهاد لا يرضون فيه إلا بإحدى الحسنيين، نصر أو شهادة.
ثانيا ضعف وخور وذل وهوان
لم يكن عموم الوضع في أرض الأندلس على شاكلة الصورة السابقة في موقف المتوكل بن الأفطس من ألفونسو السادس
والصورة الأولى من الشمال الشرقي للأندلس وبالقرب من فرنسا، وبالتحديد في سرقسطة التي كان يحكمها كما ذكرنا بنو هود، فحين وافت حاكم سرقسطة المنية أراد أن يستخلف من بعده، وكان له ولدان، الكبير، وكان الأولى لكبره كما هي العادة في توارث الحكم، والصغير، وهو الأنجب والأفضل من الكبير، ولئلا يظلم أيا منهما كما خُيّل له فقد قام الأب الحاكم بعمل غريب لم يتكرر في التاريخ؛ حيث قسم الدويلة، الأرض والشعب والجيش، كل شيء إلى نصفين لكل منهما النصف.
يموت الأب وتمر الأيام ويختلف الأخوان على الحدود فيما بينهما، فيقوم أحدهما بالهجوم على أخيه لتحرير حقه وأرضه المسلوبة، ولأنه لم يكن له طاقة بالهجوم لأن الجيش مقسم والكيان ضعيف، فما كان من هذا الأخ إلا أنه استعان بملك نصراني ليحرر له أرضه من أخيه المسلم.
لم يستمع هذا الأخ ما قيل له من أن هذا الملك النصراني سيأخذ هذه الأرض ويضمها إلى أملاكه، فكان اعتقاده أن ملك برشلونة (مملكة أراجون) رئيس دولة صديقة، ويستطيع أن يأخذ له حقه من أخيه، وكان كل همه أن يظل ملكا على دويلته، وملكه لا بد وأن يعود إلى حوزته.
مأساة بربشترجاء النصارى بالفعل ودخلوا البلاد، وفي مملكة سرقسطة أحدثوا من المآسي ما يند له الجبين، ومن أشهر أفعالهم فيها ما عرف في التاريخ بمأساة بربشتر.
دخل النصارى على بربشتر البلد المسلم ليحرروه ويعطوه للأخ المسلم الذي ادعى أن أخاه قد اغتصبه منه، بدأ الأمر بالحصار وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة من الهجرة، وظل مداه طيلة أربعين يوما كاملة، والمسلمون في الداخل يستغيثون بكل أمراء المؤمنين في كل أرض الأندلس، ولكن لا حراك، فالقلوب تمتلئ رهبة من النصارى، وأمراء المسلمين يعتقدون بأنهم ليس لهم طاقة بحربهم أو الدفاع عن إخوانهم ضدهم، وفكروا بأن يستعينوا بدولة أخرى غير تلك الدولة الصديقة المعتدية، وظلوا الأربعين يوما يتفاوضون ويتناقشون حتى فتح النصارى بربشتر.
ما إن دخل النصارى بربشتر، وفي اليوم الأول من دخولهم قتلوا من المسلمين أربعين ألفا، (من رواية ياقوت الحموي، وهناك رواية أخرى تزيدهم إلى مائة ألف) وسبوا سبعة آلاف فتاة بكر منتخبة (أجمل سبعة آلاف فتاة بكر في المدينة) وأعطين هدية لملك القسطنطينية، وأحدثوا من المآسي ما تقشعر منه الأبدان وتنخلع منه القلوب؛ إذ كانوا يعتدون على البكر أمام أبيها وعلى الثيًب أمام زوجها، والمسلمون في غمرة ساهون.
ومثل هذه الصورة لا نعدمها عبر التاريخ في حقل الصراع بين المسلمين والنصارى حتى عصرنا الشاهد، وليس ببعيد عنا ما قام به النصارى وإخوانهم اليهود في البوسنة والهرسك، حيث اغتصاب لخمسين ألف فتاة وقتل لمائتي وخمسين ألف مسلم، غير ما حدث في كشمير وكوسوفا، وما يقومون به اليوم في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين الممتحنة.
مأساة بلنسيهومثلها أيضا كانت مأساة بلنسيه في سنة ست وخمسين وأربعمائة من الهجرة، حيث قتل ستون ألف مسلم في هجوم للنصارى عليها. ولا أحد يتحرك من المسلمين.
ثالثا غنى فاحش وأموال في غير مكانها
رغم ما كان من صور الضعف والمآسي السابقة وأمثالها الكثير والكثير إلا إن أمراء المسلمين كانوا لاهين غير عابئين بما يدور حولهم، فقد كانوا يملكون من المال الكثير، والذي شغلهم بدنياهم عن دينهم، ومما جاء في ذلك أن زوجة حاكم أشبيلية المعتمد على الله بن عباد كانت تقف ذات مرة في شرفة قصرها فشاهدت الجواري وهن يلعبن في الطين خارج القصر، فاشتهت نفسها أن تفعل مثلهن وتلعب في الطين.
ما كان من حاكم أشبيلية (المعتمد على الله) إلا أن صنع لها طينا خاصا لها، فاشترى كميات كبيرة من المسك والعنبر وماء الورد، وخلطها وجعلها طينا خاصا بالملوك، حتى وإن كان من أموال المسلمين، لعبت زوجة الملك بهذا الطين ثم سأمت منه، ومرت الأيام وضاع ملك المعتمد على الله، وحدث شجار مع زوجته تلك في أحد الأيام فقالت له كعادة من يكفرن العشير ما رأيت منك من خير قط، فرد عليها واثقا ولا يوم الطين؟! فسكتت واستحيت خجلا من الأموال (أموال المسلمين) التي أنفقت عليها في لُعبة كانت قد اشتهتها.

سقوط طليطلة..
ما زلنا في عهد ملوك الطوائف وقد تصاعدت المأساة كثيرا في بلاد الأندلس، ففي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة تسقط طليطلة، يسقط الثغر الإسلامي الأعلى في بلاد الأندلس، المدينة التي كانت عاصمة للقوط قبل دخول المسلمين في عهد موسى بن نصير وطارق بن زياد رحمهما الله، طليطلة التي فتحها طارق بن زياد بستة آلاف، فتحها بالرعب قبل مسيرة شهر منها، طليطلة الثغر الذي كان يستقبل فيه عبد الرحمن الناصر الجزية من بلاد النصارى، ومنه كان ينطلق هو ومن تبعه من الحكام الأتقياء لفتح بلادهم في الشمال، طليطلة المدينة العظيمة الحصينة التي تحوطها الجبال من كل النواحي عدا الناحية الجنوبية.
وكان قد سبق سقوط طليطلة استقبالٌ لملك من ملوك النصارى مدة تسعة أشهر كاملة، حيث كان قد فر هاربا من جراء خلاف حدث معه في بلاد النصارى، ومن ثم فقد لجأ إلى (صديقه) المقتدر بالله حاكم طليطلة، والذي قام بدوره (حاكم طليطلة) في ضيافته على أكمل وجه، فأخذ يتجول به في كل أنحاء البلد، في كل الحصون وكل المداخل، وعلى الأنهار الداخلة لمدينة طليطلة.
وحين عاد الرجل النصراني إلى بلاده حاكما كان أول خطوة خطاها هي الهجوم على طليطله، فقام بفتحها وضمها إلى بلاده، وقد كان معاونا وصديقا قبل ذلك، فكان كما أخبر سبحانه وتعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ] {الممتحنة1} .فضَلّ المقتدر بالله سواء السبيل، وأسرّ لملك النصارى بأسرارها، فسقطت طليطلة.
وبسقوط طليطلة اهتز العالم الإسلامي في الشرق والغرب، وحدث إحباط شديد في كل بلاد الأندلس، وفي تصوير بارع لهذا الإحباط نرى ابن عسال أحد الشعراء المعاصرين لهذا السقوط يقول
شُدُّوا رَوَاحِلَكُمْ يَا أَهْلَ أَنْدَلُسِ ، فَمَا الْمَقَامُ فِيهَا إِلَّا مِنَ الْغَلَطِ

الثَّوْبُ يَنْسَلُّ مِنْ أَطْرَافِهِ ، وَأَرَى ثَوْبَ الْجَزِيرَةِ مَنْسُولًا مِنَ الْوَسَطِ

مَنْ جَاوَرَ الشَّرَّ لَا يَأْمَنْ بَوَائِقَهُ ، كَيْفَ الْحَيَاةُ مَعَ الْحَيَّاتِ فِي سَفَطٍ
وهي صورة عجيبة ينقلها ذلك الشاعر (إعلام ذلك الوقت) المحبط، حتى لكأنه يدعو أهل الأندلس جميعا بكل طوائفه ودويلاته إلى الهجرة والرحيل إلى بلاد أخرى غير الأندلس؛ لأن الأصل الآن هو الرحيل، أما الدفاع أو مجرد المكوث فهو ضرب من الباطل أو هو (الغلط) بعينه، ولقد سانده وعضد موقفه هذا أن من الطبيعي إذا ما انسلت حبة من العقد مثلا فإن الباقي لا محالة مفروط، فما البال وما الخطب إذا كان ما انسل هو الأوسط وهي طليطلة أوسط بلاد الأندلس، فذاك أمر ليس بالهزل، بل وكيف يعيشون بجوار هؤلاء (الحيات) إن هم رضوا لهم بالبقاء؟! فما من طريق إلا الفرار وشد الرحال.

حصار أشبيلية
مع هذا الحدث السابق المؤسف تزامن حصار أشبيلية، وإن تعجب فعجب لماذا تُحاصر أشبيلية وحاكمها يدفع الجزية لألفونسو السادس، وهي أيضا بعيدة كل البعد عن مملكة قشتالة، حيث تقع في الجنوب الغربي من الأندلس؟!
وإن العجب ليكمن خلف قصة هذا الحصار، حيث أرسل ألفونسو السادس حاكم قشتالة وزيرا يهوديا على رأس وفد إلى أشبيلية لأخذ الجزية كالمعتاد، فذهب الوفد إلى المعتمد على الله بن عباد وحين أخرج له الجزية كما كل مرة وجد الوزير اليهودي يقول له متبجحا إن لي طلبا آخر غير الجزية، فتساءل (المعتمد على الله) عن هذا الطلب، وفي صلف وغرور وإساءة أدب أجابه الوزير اليهودي بقوله إن زوجة ألفونسو السادس ستضع قريبا، وألفونسو السادس يريد منك أن تجعل زوجته تلد في مسجد قرطبة.
تعجب المعتمد على الله وسأله عن هذا الطلب الغريب الذي لم يتعوده، فقال له الوزير اليهودي في رد يمثل قمة في التحدي ولا يقل إساءة وتبجحا عن سابقهلقد قال قساوسة قشتالة لألفونسو السادس إنه لو ولد لك ولد في أكبر مساجد المسلمين دانت لك السيطرة عليهم.
وكعادة النفوس التي قد بقي بها شيء من عوالق الفطرة السوية أخذت الغيرة المعتمد على الله، فرفض هذا الطلب المزري ووافق على دفع الجزية فقط، وبطبيعته فما كان من الوزير اليهودي إلا أن أساء الأدب وسبه في حضرة وزرائه.
وبنخوة كانت مفقودة قام المعتمد على الله وأمسك بالوزير اليهودي وقطع رأسه، ثم اعتقل بقية الوفد، ثم أرسل رسالة إلى ألفونسو السادس مفادها أنه لن يدفع الجزية ولن يحدث أن تلد زوجتك في مسجد قرطبة.
جن جنون ألفونسو السادس، وعلى الفور جمع جيشه وأتى بحده وحديده، فأحرق كل القرى حول حصن أشبيلية الكبير، وحاصر البلاد، وطال الحصار فأرسل إلى المعتمد على الله إن لم تفتح سأستأصل خبركم.
طاول المعتمد على الله في التحصن خوفا من نتيجة فك هذا الحصار، وفي محاولة لبث الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين والفت في عضدهم أرسل ألفونسو السادس رسالة قبيحة أخرى إلى المعتمد على الله بن عباد يقول فيها إن الذباب قد آذاني حول مدينتك، فإن أردت أن ترسل لي مروحة أروح بها عن نفسي فافعل.
يريد وبكل كبرياء وغرور أن أكثر ما يضايقه في هذا الحصار هو الذباب أو البعوض، أما أنت وجيشك وأمتك وحصونك فهي أهون عندي منه.

وبنخوة أخرى وفي رد فعل طبيعي أخذ المعتمد على الله بن عباد الرسالة وقلبها وكتب على ظهرها ردا وأرسله إلى ألفونسو السادس، لم يكن هذا الرد طويلا، إنما هو لا يكاد يتعدى السطر الواحد فقط، وما إن قرأه ألفونسو السادس حتى أخذ جيشه، وعاد من حيث أتى.

الأندلس بعد حصار أشبيلية

في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة – كما ذكرنا – كانت قد سقطت طليطلة، وللملاحظة فمنذ سقوطها في ذلك التاريخ لم تعد للمسلمين حتى الآن، ثم حوصرت أشبيلية مع أنها تقع في الجنوب الغربي للأندلس وبعيدة جدا عن مملكة قشتالة النصرانية التي تقع في الشمال، وكاد المعتمد على الله بن عباد أن يحدث معه مثلما حدث مع بربشتر أو بلنسية لولا أن مَنّ الله عليه بفكرة الاستعانة أو التلويح بالاستعانة بالمرابطين.

دولة المرابطين

موضوع تفصيلى
صفحة من تاريخنا المضىء ___ دولة ___ المرابطين (حصرى )

دولة الموحدين

في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة بزغ نجم دولة الموحدين، وكان أول حكامها عبد المؤمن بن عليّ صاحب محمد بن تومرت المؤسس الحقيقي والفعلي لجماعة الموحدين.
أخذ عبد المؤمن بن عليّ من محمد بن تومرت وكذلك أخذ عنه كل أتباعه أسلوب الحدة والغلظة في المعاملة، وتعلم منه التقشف والزهد في الدنيا، وحب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنه كان شخصية قوية مهابة، وكان صاحب جهاد كبير وصولات وجولات، وقد استطاع أن يُقيم دولة قوية تربعت على بلاد المغرب وبلاد الأندلس وهي دولة الموحدين.
مؤسسو الموحدين.. ورهبانية ابتدعوها في وصف لشخص عبد المؤمن بن عليّ ذكر الذهبي في كتابه العبر، وابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكا عادلا، سائسا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير – وهذا يعني أن لبس الحرير كان عادة وإلفا في زمانه – وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الملك كأنما خُلق له. ثم بعد هذه الأوصاف نجد هذه العبارة التي تحمل كثيرا من علامات الاستفهام، وهي وكان سفّاكا لدماء من خالفه.
ومثل هذه الأوصاف ذكرها ابن كثير أيضا في البداية والنهاية، وأضاف أنه كان يعيبه كثرة سفك الدماء لمن عارضه من أتباعه أو من غير أتباعه.
وهذه بالطبع- وكما ذكرنا- هي تعاليم محمد بن تومرت.
وإضافة إلى هذا المنهج العقيم وتلك الصفة السابقة فقد كان محمد بن تومرت حين يعلم أن أتباعه ينظرون إلى الغنائم التي حصّلوها من دولة المرابطين في حربهم معهم كان يأخذها كلها فيحرقها.. وكان يعذّر بالضرب من يفوته قيام الليل من جماعته. فنشأت جماعة من الطائعين الزاهدين العابدين، لكن على غير نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يحرق الغنائم أو يضرب المتباطئين أو المتثاقلين عن قيام الليل، أو يتبع مثل هذا المنهج وتلك الرهبنة المتشددة، فكره كثير من الناس مثل هذا الأسلوب، لكنهم اتبعوه بحكم أنه الغالب والمتفرد الذي ليس هناك غيره.
وعلى ما يبدو فقد كانت فكرتا العصمة والمهدية التي ادعاهما محمد بن تومرت واقتنع بها أتباعه من بعده لم يكن مقتنعا بهما عبد المؤمن بن عليّ؛ لأنه أبدا ما دعى أيا منهما، ولا أيٍا من فكر الخوارج الذي كان قد اعتقد به أو ببعضه محمد بن تومرت.
وعلى الجانب الآخر فإن عبد المؤمن بن عليّ لم ينف مثل هذه الأفكار الضالة صراحة؛ وذلك لأن غالب شيوخ الموحدين كانوا على هذا الفكر وذلك الاعتقاد، فخاف إن هو أعلن أن أفكار محمد بن تومرت هذه مخالفة للشرع أن ينفرط العقد ويحدث التفكك في هذه الفترة الحرجة من دولة الموحدين.

تداعيات سقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين
متابعة للأحداث بصورة متسلسلة فقد كان لسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين في عام واحد وأربعين وخمسمائة من الهجرة، ومقتل ما يربو على الثمانين ألف مسلم في بلاد الأندلس نتيجة الحروب بينهما – كان لهذه الأحداث العظام تداعيات خطيرة على كل بلاد المغرب العربي والأندلس، وما يهمنا هنا هو ما حدث في الأندلس، فكان ما يلي
أولا بعد قيام دولة الموحدين بعام واحد وفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة من الهجرة سقطت ألمرية في أيدي النصارى، وهي تقع على ساحل البحر المتوسط في جنوب الأندلس، أي أنها بعيدة جدا عن ممالك النصارى، لكنها سقطت عن طريق البحر بمساعدة فرنسا.. وفي ألمرية استشهد آلاف من المسلمين وسبيت أربعة عشر ألف فتاة مسلمة.
ثانيا بعد ذلك أيضا بعام واحد وفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من الهجرة سقطت طرطوشة ثم لاردة في أيدي النصارى أيضا، وهما في مملكة سراقسطة التي تقع في الشمال الشرقي، والتي كان قد حررها المرابطون قبل ذلك.
ثالثا وفي نفس العام أيضا توسعت مملكة البرتغال في الجنوب، وكانت من أشد الممالك ضراوة وحربا على المسلمين.
رابعا بدأ النصارى يتخطون حدود الأندلس ويهاجمون بلاد المغرب العربي، فاحتلت تونس في ذات السنة أيضا من قِبل النصارى، وهي خارج بلاد الأندلس.
ولقد كانت مثل هذه التداعيات شيئا متوقعا نتيجة الفتنة الكبيرة والحروب التي دارت بين المسلمين في بلاد المغرب العربي.

عبد المؤمن بن عليّ وأعمال عظام في المغرب
كان عبد المؤمن بن علي – كما ذكرنا – صاحب شخصية قوية جدا وفكر سياسي عالٍ، فبدأ وبطريقة عملية منظمة وشديدة في تأسيس وبناء دولته الفتية الناشئة، فعمل على ما يلي
أولا أطلق حرية العلوم والمعارف وأنشأ الكثير من المدارس والمساجد، وكان هذا على خلاف نهج محمد بن تومرت صاحب الفكر الأوحد، فأصبح الناس يتعلمون أكثر من طريقة ومنهج وأكثر من فكر وفقه، وأصبحوا لا يرتبطون بقطب واحد كما كان العهد أيام محمد بن تومرت، لكن هذا لم يكن ليغضّ الطرف عن كون عبد المؤمن بن عليّ ذو فرديّة في نظام الحكم والإدارة، أي أنه كان – بلغة العصر – حاكما ديكتاتورا، فردي الرأي لا يأخذ بالشورى.
ثانيا عمل عبد المؤمن بن عليّ على إقران الخدمة العسكريّة بالعلوم التثقيفية، وأنشأ مدارس كثيرة لتعليم وتخريج رجال السياسة والحكم، وكان يمتحن الطلاب بنفسه، فأنشأ جيلا فريدا من قوّاد الحروب والسياسيين البارعين في دولة الموحدين، وكان يدربهم على كل فنون الحرب، حتى إنه أنشأ بحيرة صناعية كبيرة في بلاد المغرب لتعليم الناس كيف يتقاتلون في الماء، وكيف تكون الحروب البحرية، وكان أيضا يختبر المقاتلين الموحدين بنفسه.
ثالثا أقام مصانع ومخازن ضخمة وكثيرة للأسلحة، و أصبحت دولة الموحدين من أقوى الدول الموجودة في المنطقة من الناحية العسكرية.
هذا كله في بلاد المغرب العربي، ولم تكن بلاد الأندلس بعد قد دخلت في حسابات عبد المؤمن بن عليّ في ذلك الوقت؛ لأنه كان يحاول أن يستتب له الأمر أولا في بلاد المغرب العربي حيث أنصار المرابطين في كل مكان. وكان الوضع في بلاد الأندلس – كما ذكرنا – حيث سقوط أكثر من مدينة في أيدي النصارى، وأصبح التدهور هناك سريعا.

عبد المؤمن بن عليّ في الأندلس
في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من الهجرة، وبعد التدهور الكبير الذي حدث في بلاد الأندلس، قدم إلى بلاد المغرب العربي القاضي ابن العربي صاحب (العواصم من القواصم) قدم من الأندلس وبايع عبد المؤمن بن علي، وطلب النجدة لأهل الأندلس.
وإن مبايعة القاضي ابن العربي لعبد المؤمن بن عليّ لتعطي إشارة واضحة إلى أن عبد المؤمن بن عليّ لم يكن ليعتقد أو يدعو إلى أفكار ضالة كما في الدعوة إلى العصمة أو المهدية أو غيرها مما كان يدين بها محمد بن تومرت وبعض من أتباعه، وإلا لم يكن للقاضي ابن العربي – وهو الذي اشتهر وعرف عنه الذبّ عن الإسلام من الضلالات والانحرافات – أن يقدم من بلاد الأندلس لمبايعته على الطاعة والنصرة.
قبِل عبد المؤمن بن عليّ الدعوة من القاضي ابن العربي، وجهزّ جيوشه وانطلق إلى بلاد الأندلس، وهناك بدأ يحارب القوات الصليبية حتى ضم معظم بلاد الأندلس الإسلامية التي كانت في أملاك المرابطين إلى دولة الموحدين، وكان ممن قاتله هناك بعض أنصار دولة المرابطين إلا أنه قاتلهم وانتصر عليهم وذلك في سنة خمس وأربعين وخمسمائة من الهجرة.
وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة من الهجرة استطاع أن يستعيد ألمريّة، وفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة من الهجرة استعاد تونس من يد النصارى، وبعدها بقليل – ولأول مرة – استطاع أن يضم ليبيا إلى دولة الموحدين، وهي بعد لم تكن ضمن حدود دولة المرابطين.
وهو بهذا يكون قد وصل بحدود دولة الموحدين إلى ما كانت عليه أثناء دولة المرابطين إضافة إلى ليبيا، وقد اقتربت حدود دولته من مصر كثيرا، وكان يفكر في أن يوحّد كل أطراف الدولة الاسلامية تحت راية واحدة تكون لدولة الموحدين.

يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ وحكم الموحدين
في عام ثمانية وخمسين وخمسمائة من الهجرة يتوفي عبد المؤمن بن عليّ، ثم يخلفه على الحكم ابنه يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ، وكان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما، وقد كان مجاهدا شهما كريما إلا أنه لم يكن في كفاءة أبيه القتالية.
ظل يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ يحكم دولة الموحدين الفتية اثنين وعشرين عاما متصلة، منذ سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وحتى سنة ثمانين وخمسمائة من الهجرة، وقد نظم الأمور وأحكمها في كل بلاد الأندلس وبلاد المغرب العربي، وكانت له أعمال جهادية ضخمة ضد النصارى، لكنه كان يعيبه شيء خطير وهو أنه كان متفرد الرأي لا يأخذ بالشورى، وهذا – بالطبع – كان من تعليم وتربية أبيه عبد المؤمن بن علي صاحب محمد بن تومرت كما ذكرنا.
كان لانفراد يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ بالرأي سببا قويا في حدوث أخطاء كثيرة في دولته، كان آخرها ما حدث في موقعة له مع النصارى حول قلعة من قلاع البرتغال كان يقاتل فيها بنفسه، فقد قتل فيها ستة من النصارى، ثم طُعن بعد ذلك واستشهد رحمه الله في هذه الموقعة في سنة ثمانين وخمسمائة من الهجرة.

أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي والعصر الذهبي لدولة الموحدين
بعد وفاة يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ تولى من بعده ابنه يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن عليّ، وقد لُقب في التاريخ بالمنصور، وكان له ابن يُدعى يوسف فعُرف بأبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي.
تولى أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي حكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة متصلة، من سنة ثمانين وخمسمائة وحتى سنة خمسة وتسعين وخمسمائة من الهجرة، وكان أقوى شخصيه في تاريخ دولة الموحدين، ومن أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين بصفة عامة، وقد عُدّ عصره في دولة الموحدين بالعصر الذهبي.

المنصور الموحدي وبلاد الأندلس
إضافة إلى أعماله السابقة في دولة الموحدين بصفة عامة، فقد وطد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي الأوضاع كثيرا في بلاد الأندلس، وقوى الثغور هناك، وكان يقاتل فيها بنفسه، وقد كانت أشد الممالك ضراوة عليه مملكة البرتغال ثم من بعدها مملكة قشتالة. وقد كان له في الأندلس ما يلي

أولا القضاء على ثورات بني غانية
في سنة خمسة وثمانين وخمسمائة من الهجرة وفي جزر البليار من بلاد الأندلس قامت قبيلة بني غانية من أتباع المرابطين بثورة عارمة على الموحدين، وقد كان لهذه القبيلة ثورات من قبل على عبد المؤمن بن عليّ وابنه يوسف بن علي أيضا من بعده، فقاموا بثورة في جزر البليار وأخرى في تونس.
ما كان من أبي يوسف يعقوب المنصور إلا أن عاد من داخل بلاد الأندلس إلى جزر البليار فقمع ثورة بني غانية هناك، ثم رجع إلى تونس فقمع أيضا ثورتهم، وكان من جراء ذلك أن ضعفت كثيرا قوة الموحدين في الأندلس.
استغل ملك البرتغال انشغال أبي يوسف يعقوب المنصور بالقضاء على هذه الثورات واستغل الضعف الذي كان نتيجة طبيعية لذلك، واستعان بجيوش ألمانيا وإنجلترا البرية والبحرية، ثم حاصر أحد مدن المسلمين هناك واستطاع أن يحتلها ويخرج المسلمين منها، وقد فعل فيها من الموبقات ما فعل، ثم استطاع أن يواصل تقدمه إلى غرب مدينة أشبيليّة في جنوب الأندلس. وهنا يكون الوضع قد أضحى في غاية الخطورة.
وحول ثورات بني غانية. فقد كان مقبولا منهم أن يقوموا بثورات على السابقين من حكام الموحدين قبل أبي يوسف يعقوب المنصور بحجة أفكارهم الضالة التي خرجت عن منهج الله سبحانه وتعالى، لكن السؤال هو لماذا الثورة على هذا الرجل الذي أعاد للشرع هيبته من جديد، والذي أقام الإسلام كما ينبغي أن يقام، والذي أعاد القرآن والسنة إلى مكانهما الصحيح؟!
كان من الواجب على بني غانية أن يضعوا أيديهم في يد أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي رحمه الله ويضموا قوتهم إلى قوته ليحاربوا العدو الرئيس الرابض والمتربص لهم، والمتمثل في دول الشمال الأندلسي، سواء أكانت دول قشتالة أو البرتغال أو الممالك الأخرى، لكن هذا لم يحدث، فأدت هذه الثورات الداخلية إلى ضعف قوة الموحدين في بلاد الأندلس، وإلى هذا الانهيار المتدرج في هذه المنطقة.

ثانيا المواجهات مع النصارى واستعادة السيطرة
بعد القضاء على ثورات بني غانية أخذ أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي يفكر في كيفية إعادة الوضع إلى ما كان عليه، ووقف أطماع النصارى في بلاد الأندلس.
علم أولا أن أشد قوتين عليه هما قوة قشتالة وقوة البرتغال، لكنه رأى أن قوة البرتغال أشد وأعنف من سابقتها، فقام بعقد اتفاقيه مع قشتالة عاهدهم فيها على الهدنة وعدم القتال مدة عشر سنوات.
اتجه أبو يوسف يعقوب المنصور بعد ذلك إلى منطقة البرتغال، وهناك حاربهم حروبا شديدة وانتصر عليهم في أكثر من مرة، واستطاع أن يحرر المنطقة بكاملها ويسترد إلى أملاك المسلمين من جديد ما كان قد فقد هناك.
وقبل أن يكتمل له تحرير تلك المنطقة نقض ملك قشتاله العهد الذي كان قد أبرمه معه، وعليه فقد بدأ يعيث تهجما وفسادا على أراضي المسلمين، ثم بعث ألفونسو الثامن- ملك قشتالة في ذلك الوقت، وهو من أحفاد ألفونسو السادس الذي هُزم في موقعة الزلاّقة الشهيرة – بعث برسالة إلى أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي يهين فيها المسلمين ويهدده ويتوعده.
ما كان من المنصور الموحدي إلا أن مزق خطاب ألفونسو الثامن، ثم على جزء منه وقد أرسله مع رسولهم كتب [ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ] {النمل37} . وعلى الفور أعلن الجهاد والاستنفار العام في كل ربوع المغرب والصحراء، وقد نشر ما جاء في كتاب ألفونسو الثامن ليحمس الناس ويزيد من تشويقهم للجهاد.
قبل هذا الوقت بسنوات قلائل كان المسلمون في كل مكان يعيشون نشوة النصر الكبير الذي حققه صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في موقعة حطين الخالدة في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من الهجرة، أي قبل هذه الأحداث بسبع سنوات فقط، } .
بدأ هذا الاستنفار في سنة تسعين وخمسمائة من الهجرة، وبعدها بعام واحد وفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة انطلقت الجيوش الإسلامية من المغرب العربي والصحراء وعبرت مضيق جبل طارق إلى بلاد الأندلس لتلتقي مع قوات الصليبيين الرابضة هناك في موقعة ما برح التاريخ يذكرها ويجلها.


موقعة الأرك الخالدة
في التاسع من شهر شعبان لسنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة وعند حصن كبير يقع في جنوب طليطلة على الحدود بين قشتالة ودولة الأندلس في ذلك الوقت يسمى حصن الأرك التقت الجيوش الإسلامية مع جيوش النصارى هناك.

أعد الفونسو الثامن جيشه بعد أن استعان بمملكتي ليون ونافار، وبجيوش ألمانيا وإنجلترا وهولندا.. في قوة يبلغ قوامها خمسة وعشرين ألفا ومائتي ألف نصراني، وقد أحضروا معهم بعض جماعات اليهود لشراء أسرى المسلمين بعد انتهاء المعركة لصالحهم، ليبيعونهم بعد ذلك بدورهم في أوروبا.
وعلى الجانب الآخر فقد أعد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي جيشا كبيرا، بلغ قوامه مائتي ألف مسلم من جراء تلك الحمية التي كانت في قلوب أهل المغرب العربي وأهل الأندلس على السواء.

البدايات وأمور جديدة على الموحدين
في منطقة الأرك وفي أول عمل له عقد أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي مجلسا استشاريا يستوضح فيه الآراء والخطط المقترحة في هذا الشأن، وقد كان هذا على غير نسق كل القادة الموحدين السابقين له والذين غلب عليهم التفرد في الرأي، فنهج منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر.
وفي هذا المجلس الاستشاري استرشد أبو يوسف يعقوب المنصور بكل الآراء، حتى إنه استعان برأي أبي عبد الله بن صناديد في وضع خطة الحرب، وهو زعيم الأندلسيين وليس من قبائل المغرب البربرية، وهذا أيضا كان أمرا جديدا على دولة الموحدين التي كانت تعتمد فقط على جيوش المغرب العربي، فضم أبو يوسف يعقوب المنصور قوة الأندلسيين إلى قوة المغاربة وقوة البربر القادمين من الصحراء.

الاستعداد ووضع الخطط
في خُطة شبيهة جدا بخطة موقعة الزلاقة قسم أبو يوسف يعقوب المنصور الجيش إلى نصفين، فجعل جزءا في المقدمة وأخفى الآخر خلف التلال كان هو على رأسه، ثم اختار أميرا عاما للجيش هو كبير وزرائه أبو يحيى بن أبي حفص، وقد ولى قيادة الأندلسيين لأبي عبد الله بن صناديد؛ وذلك حتى لا يوغر صدور الأندلسيين وتضعف حماستهم حين يتولى عليهم مغربي أو بربري.
وإتماما لهذه الخطة فقد جعل الجزء الأول من الجيش النظامي الموحدي ومن الأندلسيين، وقد قسمه إلى ميمنه من الأندلسيين وقلب من الموحدين وميسرة من العرب، ثم جعل من خلفهم مجموعة المتطوعين غير النظاميين، الذين ليست لهم كفاءة عالية في القتال.
وهو يريد بذلك أن تتلقى الجيوش النظامية التي في المقدمة الصدمة والضربة الأولى من قوات الصليبيين فيصدونهم صدا يليق بتدريباتهم؛ مما يوقع الرهبة في قلوب الصليبيين ويرفع من معنويات الجيش الإسلامي، أما المتطوعين غير النظاميين الذين ليست لهم كفاءة عالية في القتال فوضعهم من وراء المقدمة حتى لا يُكسروا أول الأمر، ومكث هو – كما ذكرنا – في المجموعة الأخيرة خلف التلال.
راح بعد ذلك أبو يوسف يعقوب المنصور يوزع الخطباء على أطراف الجيش يحمسونه على الجهاد، وعند اكتمال الحشد وانتهاء الاستعداد للقتال أرسل الأمير الموحدي رسالة إلى كل المسلمين يقول فيها إن الأمير يقول لكم اغفروا له فإن هذا موضع غفران، وتغافروا فيما بينكم، وطيبوا نفوسكم، وأخلصوا لله نياتكم. فبكى الناس جميعهم، وأعظموا ما سمعوه من أميرهم المؤمن المخلص، وعلموا أنه موقف وداع، وفي موقف مهيب التقى المسلمون مع بعضهم البعض وعانقوا بعضهم بعضا، وقد ودّعوا الدنيا وأقبلوا على الآخرة.

اللقاء المرتقب
في تلك الموقعة كان موقع النصارى في أعلى تل كبير، وكان على المسلمين أن يقاتلوا من أسفل ذلك التل، لكن ذلك لم يرد المسلمين عن القتال.
وقد بدأ اللقاء ونزل القشتاليون كالسيل الجارف المندفع من أقصى ارتفاع، فهبطوا من مراكزهم كالليل الدامس وكالبحر الزاخر، أسرابا تتلوها أسراب، وأفواجا تعقبها أفواج، وكانت الصدمة كبيرة جدا على المسلمين، فقد وقع منهم الكثير في تعداد الشهداء، ثم ثبتوا بعض الشيء ثم تراجعوا، وحين رأى المنصور ذلك نزل بنفسه ودون جيشه، وفي شجاعة نادرة قام يمر على كل الفرق مناديا بأعلى صوته في كل الصفوف جددوا نياتكم وأحضروا قلوبكم. ثم عاد رحمه الله إلى مكانه من جديد.
استطاع المسلمون بعدها أن يردوا النصارى في هذا الهجوم، ثم ما لبث النصارى أن قاموا بهجوم آخر، وكان كسابقه، انكسار للمسلمين ثم ثبات من جديد وردّ للهجوم للمرة الثانية، ثم كان الهجوم الثالث للنصارى وكان شرسا ومركزا على القلب من الموحدين، فسقط آلاف من المسلمين شهداء، واستشهد القائد العام للجيش أبو يحيى بن أبي حفص.
وهنا ظن النصارى أن الدائرة قد دارت على المسلمين وأن المعركة قد باتت لصالحهم، فنزل ملك قشتالة إلى الموقعة يحوطه عشرة آلاف فارس، عندئذ كانت قد تحركت ميمنة المسلمين من الأندلسيين وهجمت على قلب الجيش القشتالي مستغلة ضعفه في تقدم الفرسان القشتاليين نحو الموحدين في القلب، وهجمت بشدة على النصارى ، واستطاعت حصار العشرة آلاف الذين يحوطون ألفونسو الثامن.
حدث لذلك اضطراب كبير داخل صفوف الجيش القشتالي، واستمرت الموقعة طويلا، وقد ارتفعت ألسنة الغبار الكثيف، وأصبح لا يسمع إلا صوت الحديد وقرع الطبول وصيحات التكبير من جيش المؤمنين، وبدأت الدائرة تدريجيا تدور على النصارى، فالتفوا حول ملكهم وقد تزعزت قلوبهم.
وهنا وحين رأى ذلك أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أمر جيشه الكامن خلف التلال بالتحرك، وقد انطلق معهم وفي مقدمة جيشه علم دولة الموحدين الأبيض، وقد نقش عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا غالب إلا الله.
ارتفعت بذلك معنويات الجيش الإسلامي كثيرا، وقد أسلم النصارى رقابهم لسيوف المسلمين فأعملوها فيهم قتلا وتشريدا، وانتصر المسلمون انتصارا باهرا في ذلك اليوم الموافق التاسع من شهر شعبان لسنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة، وأصبح يوم الأرك من أيام الإسلام المشهودة، قالوا عنه مثل الزلاقة، وقالوا عنه بل فاق الزلاقة.
وقد هرب ألفونسو الثامن في فرقة من جنوده إلى طليطلة، وطارت أخبار النصر في كل مكان، ودوت أخبار ذلك الانتصار العظيم على منابر المسلمين في أطراف دولة الموحدين الشاسعة، بل وصلت هذه الأخبار إلى المشرق الاسلامي، وكانت سعادة لا توصف.

نتائج انتصار الأرك

أولا الهزيمة الساحقة لقوات النصارى
كان من أهم آثار انتصار الأرك تبدد جيش النصارى بين القتل والأسر، فقد قتل منهم في اليوم الأول فقط – على أقل تقدير – ثلاثون ألفا، وقد جاء في نفح الطيب للمقرّي، وفي وفيات الأعيان لابن خلّكان أن عدد قتلى النصارى وصل إلى ستة وأربعين ألف ومائة ألف قتيل من أصل خمسة وعشرين ألفا ومائتي ألف مقاتل، وكان عدد الأسرى بين عشرين وثلاثين ألف أسير، وقد منّ عليهم المنصور بغير فداء؛ إظهارا لعظمة الإسلام ورأفته بهم، و عدم اكتراثه بقوة النصارى.
ثانيا النصر المادي
رغم الكسب المادي الكبير جدا، إلا أنه كان أقل النتائج المترتبة على انتصار المسلمين في موقعة الأرك، فقد حصد المسلمون من الغنائم ما لا يحصى، وقد بلغت – كما جاء في نفح الطيب – ثمانين ألفا من الخيول، ومائة ألف من البغال، وما لا يحصى من الخيام.
وقد وزع المنصور رحمه الله هذه الأموال الضخمة وهذه الغنائم كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوزع على الجيش أربعة أخماسها، واستغل الخمس الباقي في بناء مسجد جامع كبير في أشبيلية؛ تخليدا لذكرى الأرك، وقد أنشأ له مئذنة سامقة يبلغ طولها مائتي متر، وكانت من أعظم المآذن في الأندلس في ذلك الوقت، إلا أنها – وسبحان الله – حين سقطت أشبيليّه بعد ذلك في أيدي النصارى تحولت هذه المئذنة والتي كانت رمزا للسيادة الإسلامية إلى برج نواقيس للكنيسة التي حلت مكان المسجد الجامع، وهي موجودة إلى الآن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثالثا النصر المعنوي
كان من نتائج موقعة الأرك أيضا ذلك النصر المعنوي الكبير الذي ملأ قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد ارتفع نجم دولة الموحدين كثيرا، وارتفعت معنويات الأندلسيين وهانت عليهم قوة النصارى، وارتفعت أيضا معنويات المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي حتى راحوا يعتقون الرقاب ويخرجون الصدقات فرحا بهذا الانتصار.
وكان من جراء ذلك أيضا أن استمرت حركة الفتوح الإسلامية، واستطاع المسلمون فتح بعض الحصون الأخرى، وضموا الشمال الشرقي من جديد إلى أملاك المسلمين كما كان في عهد المرابطين، وحاصروا طليطلة سنوات عديدة إلا أنها – كما ذكرنا من قبل – كانت من أحصن المدن الأندلسية فلم يستطيعوا فتحها.
وارتفعت معنويات الموحدين كثيرا حتى فكروا بجدية في ضم كل بلاد المسلمين تحت راية واحدة، خاصة وأن المعاصر لأبي يوسف يعقوب المنصور في المشرق هو صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، لكن لم يرد الله سبحانه وتعالى لهذا الأمر أن يتم، حيث وافت أبا يوسف يعقوب المنصور الموحدي المنية قبل أن يكتمل حلمه هذا.
رابعا صراعات شتى بين ممالك النصارى
نتيجة لموقعة الأرك أيضا حدثت صراعات شتى بين ليون ونافار من ناحية وبين قشتالة من ناحية أخرى.. فقد ألقى عليهم ألفونسو الثامن (ملك قشتالة) مسؤلية الهزيمة، وكان من نتائج ذلك أيضا أن وقعت لهم الهزيمة النفسية. وترتب على هذا أيضا أن أتت السفارات من بلاد أوروبا تطلب العهد والمصالحة مع المنصور الموحدي رحمه الله والتي كان من أشهرها سفارة إنجلترا، تلك التي جاءت المنصور الموحدي في أواخر أيامه.
خامسا معاهدة جديدة بين قشتالة والمسلمين
أيضا كان من نتائج موقعة الأرك أن تمت معاهدة جديدة بين قشتالة و المسلمين على الهدنة ووقف القتال مدة عشر سنوات، بداية من سنة خمس وتسعين وخمسمائة وحتى سنة خمس وستمائة من الهجرة، أراد المنصور أن يرتب فيها الأمور من جديد في بلاد الموحدين.

وفاة المنصور الموحدي وبداية عهد ينذر بالنهاية
في نفس العام الذي تمت فيه الهدنة بين قشتالة وبين المسلمين، وفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة من الهجرة يلقى المنصور الموحدي ربه عن عمر لم يتعدى الأربعين سنة، تم له فيه حكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة، منذ سنة ثمانين وخمسمائة وحتى وفاته في سنة خمس وتسعين وخمسمائة من الهجرة.
ومن بعده يتولى ابنه الناصر لدين الله أبو محمد عبد الله، وعمره آنذاك ثمان عشرة سنة فقط، ورغم أن صغر السن ليس به ما يشوبه في ولاية الحكم، خاصة وقد رأينا من ذلك الكثير، إلا أن الناصر لدين الله لم يكن على شاكلة أبيه في أمور القيادة.
كان المنصور الموحدي قد استخلف ابنه الناصر لدين الله قبل وفاته على أمل أن يمد الله في عمره فيستطيع الناصر لدين الله أن يكتسب من الخبرات ما يؤهله لأن يصبح بعد ذلك قائدا فذا على شاكلة أبيه، لكن الموت المفاجئ للمنصور الموحدي عن عمر لم يتجاوز الأربعين عاما بعد كان أن وضع الناصر لدين الله على رئاسة البلاد، وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره. وقد كان من الواجب على الموحدين أن ينتخبوا من بينهم ومن حين الوفاة من يصلح للقيادة بدلا منه.

الناصر لدين الله وعقبات في الطريق
كان الناصر لدين الله شابا طموحا قويا مجاهدا لكنه لم يكن في كفاءة أبيه، وفضلا عن هذا فقد كانت البلاد محاطة بالأعداء من كل جانب، و النصارى بعد لم ينسوا هزيمتهم في موقعة الأرك التي كانت قبل سنوات قلائل، ويريدون أن يعيدوا الكرة من جديد على بلاد المسلمين، وفوق ذلك فبعد وفاة المنصور الموحدي قامت من جديد ثورات بني غانية المؤيدة لدولة المرابطين السابقة.
وقطعا – كما ذكرنا قبل ذلك – ما كان يجوز لبني غانية أن يثوروا وينقلبوا على الناصر لدين الله، إلا إن ذلك هو عين ما حدث، فبدأت الخلخلة والاضطرابات تتزايد داخل الدولة الاسلاميّة الكبيرة.
وفي سبيل استعادة الوضع إلى ما كان عليه وجّه الناصر لدين الله جلّ طاقته للقضاء على ثورات بني غانية داخل دولة الموحدين، فخاض معهم معارك وحروب كثيرة، حتى استطاع نهاية الأمر إخمادها تماما، وذلك في سنة أربع وستمائة من الهجرة، أي أنها استمرت تسع سنوات كاملة منذ بداية حكمه وحتى ذلك التاريخ.

ألفونسو الثامن واستغلال الوضع الراهن

في هذه الأثناء التي كان يسعى فيها الناصر لدين الله للقضاء على ثورات بني غانية، كان قد تجدد الأمل عند ألفونسو الثامن، فعمل على تجهيز العدة لرد الاعتبار، وأقسم على ألا يقرب النساء ولا يركب فرسا ولا بغلا، وأن ينكس الصليب حتى يأخذ بثأره من المسلمين، فأخذ يعد العدة ويجهز الجيوش ويعقد الأحلاف ويعد الحصون تمهيدا لحرب جديدة معهم.

وقبل انتهاء الهدنة ومخالفة للمعاهدة التي كان قد عقدها مع المنصور الموحدي قبل موته هجم ألفونسو الثامن على بلاد المسلمين، فنهب القرى وأحرق الزروع، وقتل العزّل من المسلمين، وكانت هذه بداية حرب جديدة ضد المسلمين.

دولة الموحدين وعيوب خطيرة في مواجهة النصارى
إضافة إلى ضعف كفاءة القيادة في دولة الموحدين المتمثلة في الناصر لدين الله، والتي لم تكن بكفاءة السابقين، فقد كان ثمة عيب خطير آخر في القيادة كان متأصلا في أجداده من قبله، وهو اعتداد الناصر لدين الله برأيه ومخالفته أمر الشورى، ذلك العيب الذي تفاداه أبوه من قبله، فأفلح وساد وتمكن ونصره الله سبحانه وتعالى، وفوق هذا وذاك فكان المسلمون قد أنهكوا في رد الثورات المتتالية لبني غانية داخل دولة الموحدين.
وزاد من ذلك أمر آخر كان في غاية الخطورة، وهو أن الناصر لدين الله كان قد استعان ببطانة سوء ووزير ذميم الخلُق يدعى أبا سعيد بن جامع، والذي شكّ كثير من المؤرخين في نواياه، وشك كثير من الأندلسيين والمغاربة المعاصريين له في اقتراحاته.
ورغم أن هذا الوزير كان من أصل أسباني فإن كثيرا من الناس قالوا بأنه كان على اتصالات مع النصارى، والتي أدّت بعد ذلك إلى أمور خطيرة جدا في دولة الموحدين، ومع كل هذا فقد كان هو الرجل الوحيد الذي يأمن له الناصر لدين الله ويستعين بآرائه، ضاربا عرض الحائط كل آراء أشياخ الموحدين وقادة الأندلسيين في ذلك الوقت.

النصارى والتعبئة العامة

على الجانب الآخر من أحداث دولة الموحدين فقد كانت هناك تعبئة روحية عالية في جيش النصارى يقودها البابا في روما بنفسه، وقد أعلنوها حربا صليبية وراحوا يضفون عليها ألوانا من القداسة، وقد رفعوا صور المسيح، وصرح البابا بأن من يشارك في هذه الحرب سيمنح صكوك الغفران، تماما كما حدث في موقعة الزلاّقة.

أتبع ذلك استنفار عام في كل أنحاء أوروبا، اشتركت فيه معظم الدول الأوروبية حتى وصل إلى القسطنطينية في شرق أوروبا وبعيدا جدا عن بلاد الأندلس، وقد تولت فرنسا مهمة الإنفاق على الجيوش بالإضافة إلى إمداد الجيش القشتالي بالرجال، وكانت فرنسا يهمها كثيرا هزيمة المسلمين لكونها البلاد التالية لبلاد الأندلس، فإن قامت لدولة الموحدين دولة قوية فحتما ستكون الدائرة عليها في المرحلة التالية.
وقد زاد الأمر تعقيدا إرسال البابا رسالة إلى مملكة نافار – وكانت قد وقعت معاهدة مع المنصور الموحدي قبل وفاته – يحضها فيها على نبذ المعاهدة التي مع الموحدين، وعلى استعادة العلاقة مع القشتاليين، وكان القشتاليون – كما ذكرنا – قد اختلفوا مع مملكة ليون ونافار بعد هزيمة الأرك، لكن البابا الآن يريد منهم التوحد في مواجهة الصف المسلم، فخاطبه بنقض عهده مع المسلمين ومحالفة ملك قشتالة، فما كان من ملك نافار إلا أن أبدى السمع والطاعة.
تكون دول أوروبا بذلك قد توحدت، وبلغ عدد جيوشها مائتي ألف نصراني يتقدمهم الملوك والرهبان نحو موقعة فصل بينهم وبين المسلمين.

جيش الموحدين وطريقه نحو العقاب
في مقابل جيوش النصارى تلك كان الناصر لدين الله قد أعلن الجهاد وجمع المجاهدين من بلاد المغرب العربي والأندلس في عدد قد بلغ خمسمائة ألف مقاتل، أي أنه أكثر من ضعف جيوش النصارى مجتمعة، كانت أقل الروايات قد ذكرت أن عدد المسلمين قد بلغ ستين ألفا ومائتي ألف، وكانت هي نفسها التي ذكرت أن عدد النصارى لم يتجاوز ستين ألفا ومائة ألف، فكان جيش المسلمين في كل الأحيان يزيد على جيش النصارى أكثر من مرة ونصف أو مرتين على الأقل.
انطلق الناصر لدين الله بجيشه من بلاد المغرب وعبر مضيق جبل طارق، ثم توجّه إلى منطقة عُرفت باسم العِقَاب – وذلك لوجود قصر قديم كان يحمل هذا الاسم في تلك المنطقة -وهي تلك المنطقة التي دارت فيها الموقعة، وقد كانتوسبحان الله – اسما على مسمى، فكانت بحق عقابا للمسلمين على مخالفات كثيرة، ظهر بعضها سابقا وسيظهر الباقي تباعا.
دخل الناصر لدين الله أرض الأندلس بهذا العدد الكثيف من المسلمين، وفي أول عمل له حاصر قلعة سَالْبَطْرَة، وكانت قلعة كبيرة وحصينة جدا وبها عدد قليل من النصارى، وكانت تقع في الجبل جنوب طليطلة، لكن حصانة القلعة أعجز المسلمين عن فتحها، وكان أن اجتمع قادة الأندلسيين وقادة الموحدين وأشاروا على الناصر لدين الله بأن يترك حامية عليها ثم يدعها ويتجه إلى جيش النصارى في الشمال؛ وذلك خوفا من إنهاك قوتهم فيما لا طائل من ورائه، لكن الناصر لدين الله رفض هذا الأمر واستمع لرأي وزيره الذي رأى أنه لا يجب أن تُجوّز هذه القلعة، فظل يحاصرها طيلة ثمانية أشهر كاملة.

نتائج الاستبداد وملامح الهزيمة
كان من جراء هذا العمل الذي قام به الناصر لدين الله أن حدث ما يلي
أولا إضاعة ثمانية أشهر كان من الممكن أن يستغلها في الشمال، والانتصار على النصارى هناك قبل أن يتجمعوا في كامل عدتهم.
ثانيا أكمل النصارى استعداداتهم خلال هذه الفترة الطويلة، واستطاعوا أن يستجلبوا أعدادا أخرى كثيرة من أوروبا.
ثالثا هلك الآلاف من المسلمين في صقيع جبال الأندلس في ذلك الوقت، حيث كان الناصر لدين الله قد دخل بلاد الأندلس في شهر مايو وكان مناسبا جدا للقتال، إلا أنه ظل يحاصر سَالْبَطْرَة حتى قدم الشتاء القارس وبدأ المسلمون يهلكون من شدة البرد وشدة الإنهاك في هذا الحصار الطويل.

أبو الحجاج يوسف بن قادس والتحيز إلى فئة المؤمنين
في بداية لحرب فاصلة قُسّم الجيش النصرانى القادم من الشمال إلى ثلاثة جيوش كبيرة، فالجيش الأول هو الجيش الأوروبي، والجيش الثاني هو جيش إمارة أراجون، والجيش الثالث هو جيش قشتالة والبرتغال وليون ونافار، وهو أضخم الجيوش جميعها.
قامت هذه الجيوش الثلاث بحصار قلعة رباح، وهي قلعة إسلامية كان قد تملكها المسلمون بعد موقعة الأرك، وكان على رأسها القائد البارع الأندلسي الشهير أبو الحجاج يوسف بن قادس رحمه الله وهو من أشهر قواد الأندلس في تاريخها.
حوصرت قلعة رباح حصارا طويلا من قبل الجيوش النصرانية، وقد طال أمد الحصار حتى أدرك أبو الحجاج يوسف بن قادس أنه لن يفلت منه، كما بدأت بعض الحوائط في هذه القلعة تتهاوى أمام جيش مملكة أراجون.
أراد أبو الحجاج يوسف بن قادس أن يحقق الأمن والأمان لجيشه، وأراد أن يتحيز إلى فئة المؤمنين وينضم إلى جيش المسلمين، فعرض على النصارى معاهدة تقضي بأن يترك لهم القلعة بكامل المؤن وكامل السلاح على أن يخرج هو ومن معه من المسلمين سالمين ليتجهوا جنوبا فيلتقوا بجيش الموحدين هناك ودون مؤن أو سلاح.
وافق ألفونسو الثامن على هذا العرض، وبدأ بالفعل انسحاب أبي الحجاج يوسف بن قادس من الحصن ومن معه من المسلمين، وقد اتجهوا إلى جيش الناصر لدين الله.
ولأن الوليمة ليست قصرا على ألفونسو الثامن، فقد اعترض على هذا الانسحاب جيش النصارى الأوروبي المتحد مع جيش قشتالة.. فقد كانوا يرون أنهم ما أتوا من أبعد بلاد أوروبا ومن إنجلترا وفرنسا والقسطنطينية إلا لقتل المسلمين؛ فلا يجب أبدا أن يتركوا ليخرجوا سالمين.
وقد فعل ألفونسو الثامن ذلك حتى إذا حاصر مدينة أخرى من مدن المسلمين فيفتحون له كما فعل سابقوهم؛ لأنه لو قاتلهم بعد العهد الذي أبرمه معهم فلن يفتح له المسلمون بعد ذلك مدنهم، فاختلف الأوروبيون مع ألفونسو الثامن، وعليه فقد انسحبوا من الموقعة.
وبذلك يكون قد انسحب من موقعة العقاب وقبل خوضها مباشرة خمسون ألفا من النصارى، وبالطبع فقد كان هذا نصرا معنويا وماديا كبيرا للمسلمين، وهزيمة نفسية وهزة كبيرة في جيش النصارى، وقد أصبح جيش المسلمين بعد هذا الانسحاب أضعاف جيش النصارى.
حين عاد أبو الحجاج يوسف بن قادس إلى الناصر لدين الله، وعندما علم منه أنه قد ترك قلعة رباح وسلمها بالمؤن والسلاح إلى النصارى، أشار عليه الوزير السوء أبو سعيد بن جامع بقتله بتهمة التقاعس عن حماية القلعة.
لم يتردد الناصر لدين الله، وفي ميدان موقعة العقاب يمسك بالقائد المجاهد أبي الحجاج يوسف بن قادس ثم يقتله.

وإن هذا – وبلا شك – ليعد خطأ كبيرا من الناصر لدين الله، وعملا غير مبرر، ويضاف إلى جملة أخطائه السابقة.

خطة الناصر لدين الله ومتابعة الأخطاء
تكملة للأخطاء السابقة فقد وضع الناصر لدين الله خطة شاذة في ترتيب جيشه وتقسيمه، حيث لم يسِر فيه على نهج السابقين، ولم يقرأ التاريخ كما قرأه المنصور الموحدي ويوسف بن تاشفين.. فقد قسم جيشه إلى فرقة أمامية وفرقه خلفيه، لكنه جعل الفرقة الأمامية من المتطوعين وعددهم ستين ألفا ومائة ألف متطوع، وضعهم في مقدمة الجيش ومن خلفهم الجيش النظامي الموحدي.

وإنْ كان هؤلاء المتطوعة الذين في المقدمة متحمسين للقتال بصورة كبيرة، فإنهم ليست لهم الخبرة والدراية بالقتال كما هو الحال بالنسبة لتلك الفرقة المنتخبة من أجود مقاتلي النصارى، والتي هي في مقدمة جيشهم.
فكان من المفترض أن يضع الناصر لدين الله في مقدمة الجيش القادرين على صد الهجمة الأولى للنصارى؛ وذلك حتى يتملك الخطوات الأولى في الموقعة، ويرفع بذلك من معنويات المسلمين ويحط من معنويات النصارى، لكن العكس هو الذي حدث حيث وضع المتطوعه في المقدمة.
ولقد زاد من ذلك أيضا فجعل الأندلسيين في ميمنة الجيش، وما زال الألم والحرقة تكمن في قلوبهم من جراء قتل قائدهم الأندلسي المجاهد المغوار أبي الحجاج يوسف بن قادس، فكان خطأ كبيرا أيضا أن جعلهم يتلقون الصدمة الأولى من النصارى.
فنستطيع الآن حصر أخطاء الناصر لدين الله وهو في طريقه نحو العقاب على النحو التالي
أولا حصار قلعة سَالْبَطْرَة طيلة ثمانية أشهر كاملة.
ثانيا الاستعانة ببطانة السوء الممثلة في الوزير السوء أبي سعيد بن جامع.
ثالثا قتل القائد الأندلسي المشهور أبي الحجاج يوسف بن قادس.
رابعا تنظيم الجيش وتقسيمه الخاطئ في أرض الموقعة.
خامسا أمر في غاية الخطورة وهو الاعتقاد في قوة العدد والعدة، فقد دخل الناصر لدين الله الموقعة وهو يعتقد أنه لا محالة منتصر؛ فجيشه أضعاف الجيش المقابل.

العقاب.. والعقاب المر
تماما وكما تكررت حُنين في أرض الأندلس قبل ذلك في بلاط الشهداء، وفي موقعة الخندق مع عبد الرحمن الناصر وهو في أعظم قوته، تتكرر حُنين أيضا مع الناصر لدين الله في موقعة العقاب وهو في أعظم قوة للموحدين، وفي أكبر جيش للموحدين على الإطلاق، بل وفي أكبر جيوش المسلمين في بلاد الأندلس منذ أن فتحت في سنة اثنتين وتسعين من الهجرة.
لتوالي الأخطاء السابقة كان طبيعيا جدا أن تحدث الهزيمة، فقد هجم المتطوعون من المسلمين على مقدمة النصارى، لكنهم ارتطموا ارتطاما شديدا بقلب قشتالة المدرّب على القتال، فصدوهم بكل قوة ومزّقوا مقدمة المسلمين وقتلوا منهم الآلاف في الضربة الأولى لهم.
واستطاعت مقدمة النصارى أن تخترق فرقة المتطوعة بكاملها، والبالغ عددهمكما ذكرنا – ستين ألفا ومائة ألف مقاتل، وقد وصلوا إلى قلب الجيش الموحدي النظامي الذي استطاع أن يصد تلك الهجمة، لكن كانت قد هبطت وبشدة معنويات الجيش الإسلامي نتيجة قتل الآلاف منهم، وارتفعت كثيرا معنويات الجيش النصارى لنفس النتيجة.
وحين رأى ألفونسو الثامن ذلك أطلق قوات المدد المدربة لإنقاذ مقدمة النصارى ، وبالفعل كان لها أثر كبير وعادت من جديد الكرّة للنصارى.
في هذه الأثناء حدث حادث خطير في جيش المسلمين، فحين رأى الأندلسيون ما حدث في متطوعة المسلمين واستشهاد الآلاف منهم، إضافة إلى كونهم يقاتلون مرغمين مع الموحدين – كما ذكرنا قبل ذلك – وأيضا كونهم يعتقدون بالعدد وليس في الثقة بالله عز وجل كل هذه الأمور اعتملت في قلوبهم، ففروا من أرض القتال.
وحين فرت ميمنة المسلمين من أرض الموقعة التف النصارى حول جيش المسلمين وبدأت الهلكة فيهم، فقتل الآلاف من المسلمين بسيوف النصارى في ذلك اليوم، والذي سُمّي بيوم العقاب أو معركة العقاب.
قُتل سبعون ألفا من مسلمي دولة الموحدين ومن الأندلسيين.. قُتلوا على يد النصارى، وفر الناصر لدين الله من أرض الموقعة ومعه فلول الجيش المنهزم المنكسر والمصاب في كل أجزاء جسده الكبير..
ومما زاد من مررارة الهزيمة أنه ارتكب خطأ آخر لا يقل بحال من الأحوال عن هزيمته المنكرة السابقة وفراره من أرض المعركة، وهو أنه لم يمكث بعد موقعة العقاب في المدينة التي تلي مباشرة مدينة العقاب، وهي مدينة بيّاسة، بل فر وترك بيّاسة ثم ترك أوبدّة، ترك كلتيهما بلا حامية وانطلق إلى مدينة أشبيليّة، وما زالت قوة النصارى في عظمها وما زالت في بأسها الشديد.

الفواجع بعد العقاب
انطلقت قوة النصارى بعد عقاب وهزيمة المسلمين تلك في موقعة العقاب فحاصرت بيّاسة، وكانت مأوى للمرضى والنساء والأطفال، فجمعوهم في المسجد الجامع الكبير في المدينة وقاموا بقتلهم جميعهم بالسيف، ثم انطلقوا إلى مدينة أوبدة، وهناك حاصروها ثلاثة عشر يوما، ثم أعطوا أهلها الأمان على أن يخرجوا منها، وعند خروجهم أمر القساوسة الملوك بقتلهم وعدم تركهم، فقتل من المسلمين في مدينة أوبدّة وفي أعقاب موقعة العقاب وفي يوم واحد ستون ألف مسلم.
وقد تدهور حال المسلمين كثيرا في كل بلاد المغرب والأندلس على السواء، حتى قطع المؤرخون بأنه بعد موقعة العقاب ما كنت تجد شابا صالحا للقتال لا في بلاد المغرب ولا في بلاد الأندلس. فكانت موقعة واحدة قد بددت وأضاعت دولة في حجم وعظم دولة الموحدين.
ثم إنه قد انسحب الناصر لدين الله أكثر مما كان عليه، فانسحب من أشبيلية إلى بلاد المغرب العربي، ثم قد اعتكف في قصره واستخلف ابنه وليا للعهد من بعده وهو بعد لم يتجاوز العشر سنين.
وفي عمل قد يعد أمرا طبيعيا ونتيجة حتمية لمثل هذه الأفعال، فقد توفي الناصر لدين الله بعد هذا الاستخلاف بعام واحد في سنة عشر وستمائة من الهجرة، عن عمر لم يتجاوز الرابعة والثلاثين، وتولى حكم البلاد من بعده ولي عهده وابنه المستنصر بالله، وعمره آنذاك إحدى عشرة سنة فقط.
ومن جديد وكما حدث في عهد ملوك الطوائف تضيع الأمانة ويوسّد الأمر لغير أهله وتتوالى الهزائم على المسلمين بعد سنوات طويلة جدا من العلو والسيادة والتمكين لدولة الموحدين.

متابعة المأساة بعد موقعة العقاب
في موقف مدّ في عمر الإسلام في بلاد الأندلس بضع سنوات ظهرت بعض الأمراض في الجيوش القشتالية، الأمر الذي اضطرهم إلى العودة إلى داخل حدودهم.
وفي سنة أربعة عشرة وستمائة من الهجرة، وبعد موقعة العقاب بخمس سنين، ونظرا لتردي الأوضاع في بلاد المغرب، وتولي المستنصر بالله أمور الحكم وهو بعد طفل لم يبلغ الرشد، ظهرت حركة جديدة من قبيلة زناته في بلاد المغرب واستقلت عن حكم دولة الموحدين هناك، وأنشأت دولة سنية هي دولة بني مارين، والتي سيكون لها شأن كبير فيما بعد في بلاد الأندلس.
وفي سنة عشرين وستمائة من الهجرة سقطت جزر البليار، وقتل فيها عشرون ألفا من المسلمين على يد ملك أراجون بمساعدة إيطاليا.
وفي نفس العام أيضا استقل بنو حفص بتونس، وانفصلوا بها عن دولة الموحدين.. وهو ذلك العام الذي توفي فيه أمير الموحدين المستنصر بالله عن إحدى وعشرين سنة فقط.
وعلى إثر هذا فقد دار صراع شديد على السلطة؛ حيث لم يكن المستنصر بالله قد استخلف بعد، فتولى عم أبيه عبد الواحد من بعده، إلا أنه خلع وقتل، ثم تولى من بعده عبد الله العادل، وعلى هذا الحال ظل الصراع، وأصبح الرجل يتولى الحكم مدة أربع أو خمس سنوات فقط ثم يُخلع أو يُقتل ويأتي غيره وغيره، حتى سارت الدولة نحو هاوية سحيقة.
وفي سنة خمسة وعشرين وستمائة من الهجرة استقل رجل يسمى ابن هود بشرق وجنوب الأندلس، وكان كما يصفه المؤرخون مفرطا في الجهل، ضعيف الرأي، لم يُنصر له على النصارى جيش.

وفي سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة من الهجرة استقل بنو جيّان بالجزائر، وفي نفس هذا العام حدث حادث خطير ومروع. إنه حادث سقوط قرطبة حاضرة الإسلام.

المأساة الكبرى وسقوط قرطبة

على أنقاض دولة الموحدين التي انفكت عراها بعد هزيمتهم المدوية في معركة العقاب في (15 من صفر 609هـ= 16 من يوليو 1212م) المعروفة أمام الجيوش الإسبانية والأوروبية المتحالفة – نجح محمد بن يوسف بن هود في أن يقيم دولة كبيرة ضمت قواعد الأندلس الكبرى، مثل: إشبيلية حاضرة الحكم الموحدي، وشاطبة، وجيان، وغرناطة، ومالقة، وألمرية، وأصبح بعد هذا النجاح زعيم الأندلس وقائد حركة تحريرها والدفاع عنها أمام أطماع النصارى التي ليس لها حد؛ ولذلك دخل في معارك معهم أصابه التوفيق في بعضها، وحلّت به الهزيمة في بعضها الآخر.

ومحمد بن يوسف بن هود كان قبل أن يظهر أمره من أجناد “مرسية” ومن بيت عريق في الزعامة والرياسة، فهو سليل بني هود ملوك سرقسطة أيام حكم الطوائف، استطاع أن يجمع حوله الأتباع والأنصار، وأن يحارب بهم دولة الموحدين، وكانت تمر بظروف حرجة فلم تقو على الوقوف أمامه، فتساقطت مدنها في يده بعدما اشتد أمره وذاع ذكره.

صراع ومنافسة
ولم يكن ابن هود منفردًا بحكم الأندلس، ولم تتحد قواعدها الكبرى تحت سلطانه فقد نافسه في شرقي الأندلس “أبو جميل زيان بن مردنيش” وكانت بلنسية تحت يده. وفي وسط الأندلس وجنوبها نافسه “محمد بن يوسف الأحمر” وكان زعيمًا شجاعًا مقدامًا، أهلته ملكاته ومواهبه أن يشتد أمره ويضع يده على “جيان” وما حولها، وأن يتطلع إلى أن يبسط سلطانه على قواعد الأندلس في الجنوب.
واستشعر ابن هود بقوة منافسه ابن الأحمر وتوجس منه خيفة ومن تطلعاته الطموحة، فشاء أن يقضي على آمال خصمه قبل أن تتحول إلى حقيقة ويعجز هو عن إيقاف مده والقضاء على خطره، فلجأ إلى السيف لتحقيق ما يتمنى، ولم يكن خصمه القوي في غفلة عما يدبر له، فاستعد ليوم اللقاء، وعقد حلفًا مع “أبي مروان أحمد الباجي” القائم على إشبيلية التي خرجت من سلطان ابن هود.
وكان مما لا بد منه، والتقى الفريقان على مقربة من إشبيلية في معركة حامية في سنة (631هـ=1233م)، وانتصر الحليفان على غريمهما ابن هود، ودخل ابن الأحمر إشبيلية بعد ذلك، وهو يضمر في نفسه التخلص من حليفه الباجي، فدس له من يقتله، وحاول أن يبسط يده على إشبيلية فلم يتمكن، وثار عليه أهلها، وأخرجوه منها بعدما علموا بفعلته مع زعيمهم أبي مروان الباجي، وأرسلوا إلى ابن هود يسلمون له مدينتهم لتكون تحت حكمه وسلطانه.

الرجوع إلى الحق
وحدث ما لم يكن متوقعًا، فقد حل السلم والصلح بين الزعيمين المتخاصمين، ولعلهما أدركا خطر الحرب بينهما واستنزاف الأموال والدماء في معارك لن يستفيد منها سوى عدوهما المشترك ملك قشتالة، فغلّبا صوت العقل وخلق الأخوة على التنافس البغيض، وعقدا الصلح في (شوال 631هـ= يونيو 1234م)، واتفقا على أن يقر ابن الأحمر بطاعة ابن هود على أن يقره الأخير على ولايتي أرجونة وجيان.
وفي هذه الفترة لم يكن فرناندو الثالث يكف عن شن غزواته وحروبه، ولا يهدأ في إرسال جيوشه تعبث في الأرض فسادًا. وكان ابن هود يرده في كل مرة بعقد اتفاقية وهدنة، ويدفع له إتاوة عالية، وينزل له عن بعض الحصون، وكان فرناندو يهدف من وراء غزواته المتتالية أن يرهق المسلمين ويستولي على حصونهم، حتى تأتي الفرصة المواتية فينقض على قرطبة تلك الحاضرة العظيمة ذات المجد الأثيل ويستولي عليها.
ولم تكن المدينة العظيمة في أحسن حالتها، تضطرب الأمور فيها اضطرابًا، تميل مرة إلى ابن الأحمر، ومرة أخرى إلى ابن هود، لا تتفق على رأي، ولا تسلم زمامها لمن يستحق وتمكنه قدرته وكفاءته من النهوض بها، وتفتك الخصومات والأحقاد بها، ويبدو أن الملك القشتالي كان على علم بعورات المدينة، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليها.

غزو قرطبة
وأواخر (ربيع الآخر 633هـ= 1236م) خرج جماعة من فرسان قشتالة المغامرين صوب قرطبة، واحتموا بظلام الليل وخيانة البعض ونجحوا في الاستيلاء على منطقة من مناطق المدينة تعرف بالربض الشرقي، وكانت قليلة السكان، ضعيفة الحراسة، وقتلوا كثيرًا من سكانها، وفر الباقون إلى داخل المدينة، وبعدما زالت المفاجأة جاءت حامية المدينة وهاجموا هؤلاء الغزاة الذين تحصنوا بالأبراج، وبعثوا في طلب النجدة والإمداد، فجاءتهم نجدة صغيرة من إخوانهم النصارى، وتحرك فرناندو على الفور صوب قرطبة، غير ملتزم بالمعاهدة التي عقدها مع ابن هود الذي تتبعه المدينة، وبدأت تتجمع قوات من النصارى تحت أسوار المدينة ويزداد عددها يومًا بعد يوم، وتتوقد قلوبهم حماسة وحمية، وبدأ الملك يضع خطته للاستيلاء على المدينة العظيمة.

موقف ابن هود
تطلع القرطبيون في هذه اللحظات الحرجة إلى ابن هود لإنجادهم والدفاع عن مدينتهم باعتباره حاكم المدينة الشرعي، فاستجاب لهم حين علم بالخطر الداهم الذي يحيط بالمدينة العريقة، وخرج في جيش كبير من بلنسية إلى قرطبة، وعسكر على مقربة منهم، وكان أهل قرطبة ينتظرون مقدمه واشتباكه مع النصارى في موقعة فاصلة، وبدلاً من أن يفعل ذلك ظل واقفًا في مكانه لا يحرك ساكنًا، ولا يتحرش بهم، ولو أنه اشتبك معهم لحقق نصرًا هائلاً وألحق بهم هزيمة كبيرة، فحشودهم لم تكن ذات شأن، جمعتها الحماسة والحمية، وفرسانهم لم يكن يتجاوزا المائتين.
ويختلف المؤرخون في السبب الذي جعل ابن هود يقف هذا الموقف المخزي، وهو الذي ملأ الأندلس كلامًا بأنه سيعمل على تحرير الأندلس من عدوان النصارى، وعلى إحياء الشريعة وسننها. يذهب بعض المؤرخين إلى أن قسوة الجو وهطول الأمطار بشدة ونقصان المؤن هو الذي حمل ابن هود على اتخاذ هذا الموقف.
وتذهب بعض الروايات أن أحد رجال ابن هود وكان مسيحيًا قشتاليًا خدعه وأوهمه بأن الملك في أعداد هائلة من جيشه، مجهزة بأقوى الأسلحة وأفتكها، وأنه لا يأمل أن يتحقق النصر على جيش مثل هذا، فانخدع له ابن هود وتخلى عن نجدة أهل قرطبة، وأيًا كانت الأسباب التي يلتمسها المؤرخون لموقف ابن هود فإن ذلك لن يغير من الحقيقة شيئًا، وهو أن ابن هود ترك قرطبة دون أن ينجدها ويضرب القوات التي تحاصرها، ولم يكن عاجزًا أو ضعيفًا، فقواته كانت تتجاوز خمسة وثلاثين ألف جندي، لكنه لم يفعل.

سقوط قرطبة
لم يعد أمام قرطبة بعد أن تركها ابن هود تلقى مصيرها سوى الصمود ومدافعة الحصار الذي ضربه حولها فرناندو الثالث، الذي قطع عنها كل اتصال عن طريق البر أو عن طريق نهر الوادي الكبير؛ فانقطعت عنها المؤن والإمدادات وكل ما يجعلها تقوى على الصمود، وظل هذا الوضع قائمًا حتى نفدت موارد المدينة المنكوبة ونضبت خزائنها، واضطر زعماء المدينة إلى طلب التسليم على أن يخرجوا آمنين بأموالهم وأنفسهم، فوافق الملك على هذا الشرط.
وفي أثناء المفاوضات علم أهل قرطبة أن الجيش القشتالي يعاني من نقص المؤن مثلما يعانون، فابتسم الأمل في نفوسهم، فتراجعوا عن طلب تسليم المدينة أملاً في أن يدفع نقص المؤن الجيش القشتالي على الرحيل ورفع الحصار، لكن أملهم قد تبدد بعد أن تحالف ملك قشتالة مع ابن الأحمر أمير جيان، فتآمر عليهم العدو والصديق، ولم يجدوا بدًا من التسليم ثانية بعد أن تعاونت الخيانة مع ضياع المروءة والشرف في هذا المصير المحتوم.
وأغرى هذا الموقف المخزي بعض القساوسة الغلاة في أن يصر الملك على فتح المدينة بالسيف وقتل من فيها، لكن الملك رفض هذا الرأي خشية أن يدفع اليأس بأهل قرطبة إلى الصبر والصمود وتخريب المدينة العامرة وكانت درة قواعد الأندلس، فآثر الموافقة على التسليم.
وفي يوم حزين وافق (الثالث والعشرين من شهر شوال 633هـ= 29 من يونيو 1236م) دخل القشتاليون المدينة التليدة، ورُفع الصليب على قمة صومعة جامعها الأعظم، وصمت الأذان الذي كان يتردد في سماء المدينة أكثر من خمسة قرون، وحُوّل المسجد في الحال إلى كنيسة، وفي اليوم التالي دخل فرناندو قرطبة في كوكبة من جنوده وأتباعه، وهو لا يصدق أن ما يحلم به قد تحقق، لا بقدرته وكفاءته وإنما بتنازع المسلمين وتفرقهم، ووطئت أقدامه عاصمة الخلافة في الأندلس لا بشجاعة جنوده وبسالتهم وإنما بجبن قادة المسلمين وحكامهم.. وهكذا سقطت المدينة التليدة التي كانت يومًا ما مركز الحكم، ومثوى العلوم والأدب، ومفخرة المسلمين..

سقوط الأندلس

الوضع الآن هو سقوط دولة الموحدين على إثر موقعة العقاب، ثم سقوط مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، حتى سقطت قرطبة حاضرة الإسلام وعاصمة الخلافة، وسقطت جيان في سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة.
هذا ولم يبق في الأندلس إلا ولايتان فقط كبيرتان نسبيا، الأولى هي ولاية غرناطة، وتقع في الجنوب الشرقي، وتمثل حوالي خمس عشرة بالمائة من بلاد الأندلس، والثانية هي ولاية أشبيلية، وتقع في الجنوب الغربي، وتمثل حوالي عشرة بالمائة من أرض الأندلس.
هاتان الولايتان هما اللتان بقيتا فقط من جملة بلاد الأندلس، وكان من العجيب كما ذكرنا أن يظل الإسلام في بلاد الأندلس بعد هذا الوضع وبعد سقوط قرطبة، وبعد هذا الانهيار الكبير لمدة تقرب من خمسين ومائتي سنة، فكانت هذه علامات استفهام كبيرة، ولا بد من وقفة معها بعض الشيء.

ابن الأحمر وملك قشتالة ومعاهدة الخزي
في نفس العام التي سقطت فيه جيان، وفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، وحماية لحقوق وواجبات مملكة قشتالة النصرانية وولاية غرناطة الإسلامية، يأتي فرناندو الثالث ملك قشتالة ويعاهد ابن الأحمر الذي يتزعم ولاية غرناطة، ويعقد معه معاهدة يضمن له فيها بعض الحقوق ويأخذ عليه بعض الشروط والواجبات.
وقبل أن نتحدث عن بنود هذه الاتفاقية وتلك المعاهدة، نتعرف أولا على أحد طرفي هذه المعاهدة وهو ابن الأحمر، فهو محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر، والذي ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن شتّان بين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا، وبين سعد بن عبادة الخزرجي، وقد سُمّي بابن الأحمر لاحمرار لون شعره، ولم يكن هذا اسما له، بل لقبا له ولأبنائه من بعده حتى نهاية حكم المسلمين في غرناطة.
وفي بنود المعاهدة التي تمت بين ملك قشتالة وبين محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر هذا أو محمد الأول كان ما يلي
أولا أن يدفع ابن الأحمر الجزية إلى ملك قشتالة، وكانت خمسين ومائة ألف دينار من الذهب سنويا، وكان هذا تجسيدا لحال الأمة الإسلامية، وتعبيرا عن مدى التهاوي والسقوط الذريع بعد أفول نجم دولة الموحدين القوية المهابة، والتي كانت قد فرضت سيطرتها على أطراف كثيرة جدا من بلاد الأندلس وإفريقيا.
ثانيا أن يحضر بلاطه كأحد ولاته على البلاد، وفي هذا تكون غرناطة تابعة لقشتالة ضمنيا.
ثالثا أن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علانية، وبهذا يكون ملك قشتالة قد أتم وضمن تبعية غرناطة له تماما.
رابعا أن يسلمه ما بقي من حصون جيّان- المدينة التي سقطت أخيرا- وأرجونه وغرب الجزيرة الخضراء حتى طرف الغار، وحصون أخرى كثيرة جدا تقع كلها في غرب غرناطة، وبذلك يكون ابن الأحمر قد سلم لفرناندو الثالث ملك قشتالة مواقع في غاية الأهمية تحيط بغرناطة نفسها.
خامسا وهو أمر في غاية الخطورة، وهو أن يساعده في حروبه ضد أعدائه إذا احتاج إلى ذلك، أي أن ابن الأحمر يشترك مع ملك قشتالة في حروب ملك قشتالة التي يخوضها أيا كانت الدولة التي يحاربها.

قمة التدني والانحطاط وسقوط أشبيلية
في أول حرب له بعد هذه الاتفاقية قام ملك قشتالة بالزحف نحو أشبيلية، وبالطبع طلب من ابن الأحمر أن يساعده في حربها وفق بنود المعاهدة السابقة، والتزاما صاغرا بها، ودوسا بالأقدام لتعاليم الإسلام وشرائعه، وضربا عرض الحائط لرابطة النصرة والأخوة الإسلامية، وموالاة للنصارى وأعداء الإسلام على المسلمين، ما كان من ابن الأحمر إلا أن سمع وأطاع، وبكامل عدته يتقدم فرسان المسلمين الذين يتقدمون بدورهم جيوش قشتالة نحو أشبيلية، ضاربين حصارا طويلا وشديدا حولها.
وإنه لمما يثير الحيرة والدهشة ويدعو إلى التعجب والحسرة في ذات الوقت هو أنه إذا كان ابن الأحمر على هذه الصورة من هذه السلبية وذاك الفهم السقيم، والذي لا يُنبئ إلا عن مصلحة شخصية ودنيوية زائلة، فأين موقف شعب غرناطة الذي هو قوته وجيشه؟! وكيف يرتضي فعلته تلك ويوافقه عليها، ومن ثم يتحرك معه ويحاصر أشبيلية المسلمة المجاورة، وهما معا (أشبيلية وغرناطة) كانا مدينة واحدة في دولة إسلامية واحدة هي دولة الأندلس؟!
أليس الجيش من الشعب؟! أوليس هم مسلمون مثلهم وأخوة في الدين لهم حق النصرة والدفاع عنهم؟! فإنه ولا شك كان انهيارا كبيرا جدا في أخلاق القادة وأخلاق الشعوب.
يتحرك الجيش الغرناطي مع الجيش القشتالي ويحاصرون المسلمين في أشبيلية، ليس لشهر أو شهرين، إنما طيلة سبعة عشر شهرا كاملا، يستغيث فيها أهل أشبيلية بكل من حولهم، لكن هل يسمع من به صمم؟!

المغرب الآن مشغول بالثورات الداخلية، وبنو مارين يصارعون الموحدين في داخل المغرب، والمدينة الوحيدة المسلمة في الأندلس غرناطة هي التي تحاصر أشبيليّةوهناك وفي السابع والعشرين من شهر مضان لسنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة، وبعد سبعة عشر شهرا كاملا من الحصار الشديد، تسقط أشبيليّة بأيدي المسلمين ومعاونتهم للنصارى، تسقط أشبيليّة ثاني أكبر مدينة في الأندلس، تلك المدينة صاحبة التاريخ المجيد والعمران العظيم، تسقط أشبيليّة أعظم ثغور الجنوب ومن أقوى حصون الأندلس، تسقط أشبيليّة ويغادر أهلها البلاد، ويهجّر ويشرّد منها أربعمائة ألف مسلم، وواحسرتاه على المسلمين، تفتح حصونهم وتدمر قوتهم بأيديهم
وَمَا فَتِئَ الزَّمَانُ يَدُورُ حَتَّى مَضَى بِالْمَجْدِ قَوْمٌ آخَرُونَوَأَصْبَحَ لَا يُرَى فِي الرَّكْبِ

قَوْمِي وَقَدْ عَاشُوا أَئِمَّتُهُ سِنِينًاوَآلَمَنِي وَآلَمَ كُلَّ حُرٍّ سُؤَالُ الدَّهْرِ أَيْنَ الْمُسْلِمُونَ؟
أين المسلمون؟! إنهم يحاصرون المسلمين! المسلمون يقتلون المسلمين! المسلمون يشرّدون المسلمين!
وعلى هذا تكون أشبيلية قد اختفت وإلى الأبد من الخارطة الإسلامية، وما زال إلى الآن مسجدها الكبير الذي أسسّه يعقوب المنصور الموحدي بعد انتصار الأرك الخالد، والذي أسسّه بغنائم الأرك، مازال إلى اليوم كنيسة يعلّق فيها الصليب، ويُعبد فيها المسيح بعد أن كانت من أعظم ثغور الإسلام.

غرناطة ولماذا يعاهدها ملك قشتالة؟
لم يتبق في الأندلس في سنة ست وأربعين وستمائة من الهجرة بلادا إسلامية غير غرناطة وما حولها فقط من القرى والمدن، والتي لا تمثل كما ذكرنا أكثر من خمس عشرة بالمائة من أرض الأندلس، وهي تضم ثلاث ولايات متحدة هي ولاية غرناطة، وولاية ملقة، وولاية ألمرية، ثلاث ولايات تقع تحت حكم ابن الأحمر، وإن كان هناك شيء من الاستقلال داخل كل ولاية.
ولنا أولا أن نتساءل ونتعجب لماذا يعقد فرناندو الثالث اتفاقية ومعاهدة مع هذه القوة التي أصبح القضاء عليها أمرا ميسورا خاصة بعد هذا الانهيار المروّع لدولة المسلمين؟! لماذا يعقد معاهدة مع ابن الأحمر؟! ولماذا لم يأكل غرناطة كما أكل غيرها من بلاد المسلمين ودون عهود أو اتفاقيات؟!
والواقع أن ذلك كان للأمور التالية
أولا كانت غرناطة بها كثافة سكانية عالية؛ الأمر الذي يجعل من دخول جيوش النصارى إليها من الصعوبة بمكان، وقد كان من أسباب هذه الكثافة العالية أنه لما كانت تسقط مدينة من مدن المسلمين في أيدي النصارى فكان النصارى كما ذكرنا ينتهجون نهجا واحدا، وهو إما القتل أو التشريد والطرد من البلاد.
فكان كلما طُرد رجل من بلاده عمق واتجه ناحية الجنوب، فتجمع كل المسلمون الذين سقطت مدنهم في أيدي النصارى في منطقة غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، فأصبحت ذات كثافة سكانية ضخمة، الأمر يصعب معه دخول قوات النصارى إليها.
ثانيا كانت غرناطة ذات حصون كثيرة ومنيعة جدا، وكانت هذه الحصون تحيط بغرناطة وألمرية وملقة.
ثالثا أنها (غرناطة) كانت تقع في الجنوب الشرقي وعلى البحر المتوسط، أي أنها قريبة من بلاد المغرب العربي، وكانت قد قامت في بلاد المغرب العربي كما ذكرنا نواة دولة إسلامية جديدة هي دولة بني مارين، وكانت دولة سنية تقوم على التقوى، فكانت بين الحين والآخر تساعد بلاد غرناطة؛ ومن جراء ذلك استطاعت غرناطة أن تصمد بعض الشيء وتقف على أقدامها ولو قليلا أمام فرناندو الثالث ومن معه من النصارى في مملكة قشتالة.
ومن هنا وافق فرناندو الثالث على عقد مثل هذه المعاهدة، وإن كانت كما رأينا معاهدة جائرة ومخزية، يدفع فيها ابن الأحمر الجزية، ويحارب بمقتضاها مع ملك قشتالة، ويتعهد فيها بألا يحاربه في يوم ما.

غرناطة وموعد مع الأجل المحتوم
كعادتهم ولطبيعة متأصلة في كينونتهم، ومع كون المعاهده السابقة والتي بين ابن الأحمر وملك قشتالة تقوم على أساس التعاون والتصالح والنصرة بين الفريقين، إلا أنه بين الحين والآخر كان النصارى القشتاليون بقيادة فرناندو الثالث ومن تبعه من ملوك النصارى يخونون العهد مع ابن الأحمر، فكانوا يتهجمون على بعض المدن ويحتلونها، وقد يحاول هو (ابن الأحمر) أن يسترد هذه البلاد فلا يفلح، فلا يجد إلا أن يعاهدهم من جديد على أن يترك لهم حصنا أو حصنين أو مدينة أو مدينتين مقابل أن يتركوه حاكما على بلاد غرناطة باسمهم، ولاحول ولا قوة إلا بالله.
فلم تؤسَّس غرناطة على التقوى، بل أسسها ابن الأحمر على شفا جرف هارٍ، معتمدا على صليبي لا عهد له ولا أمان وقد ظل ابن الأحمر طيلة الفترة من سنة ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة، ومنذ أول معاهدة عقدها مع ملك قشتالة، وحتى سنة إحدى وسبعين وستمائة ظل طيلة هذه الفترة في اتفاقيات ومعاهدات.
وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة من الهجرة بدأ ملك قشتالة وكان في ذلك الوقت ألفونسو العاشر بالمخالفة الصريحة لبنود المعاهدة المبرمة بينهما، وبدأ في تجييش الجيوش لدخول غرناطة، ومن ثم إنهاء الوجود الإسلامي تماما من أرض الأندلس.
هنا وجد ابن الأحمر نفسه في مأزق، وحينها فقط علم أنه عاهد من لا عهد له، فماذا يفعل؟ ما كان منه إلا أن يمّم وجه شطر بلاد المغرب حيث بنو مارين، وحيث الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين، والتي كان عليها رجل يُسمّى يعقوب بن منصور الماريني، الماريني تمييزا بينه ويعقوب بن منصور الموحدي في دولة الموحدين، وكلاهما كانا على شاكلة واحدة، وكلاهما من عظماء المسلمين، وكلاهما من أكبر القواد في تاريخ المسلمين.

يعقوب بن منصور الماريني رجل الشدائد
في وصف بليغ ليعقوب بن منصور الماريني يحدث المؤرخون المعاصرون له أنه كان صوّاما قوّاما، دائم الذكر، كثير الفكر، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرا، وفي أكثر ليله قائما يصلي، مكرما للصلحاء، كثير الرأفة والحنين على المساكين، متواضعا في ذات الله تعالى لأهل الدين، متوقفا في سفك الدماء، كريما جوّادا، وكان مظفرا، منصور الراية، ميمون النقيبة، لم تهزم له راية قط، ولم يكسر له جيش، ولم يغزو عدوا إلا قهره، ولا لقي جيشا إلا هزمه ودمّره، ولا قصد بلدا إلا فتحه، وكان خطيبا مفوها، يؤثّر في نفوس جنوده، شجاعا مقداما يبدأ الحرب بنفسهوفي تطبيق عملي لإحدى هذه الصفات وحين استعان محمد بن الأحمر الأول بيعقوب بن منصور الماريني ممثلا في دولة بني مارين، ما كان منه إلا أن أعد العدة وأتى بالفعل، وقام بصد هجوم النصارى على غرناطة.

بلاد الأندلس واستيراد النصر وقفة عابرة
لقد تعودت بلاد الأندلس استيراد النصر من خارجها كانت هذه مقولة ملموسة طيلة العهود السابقة لبلاد الأندلس، فلقد ظلت لأكثر من مائتي عام تستورد النصر من خارج أراضيها، فمرة من المرابطين، وأخرى من الموحدين، وثالثة كانت من بني مارين وهكذا، فلا تكاد تقوم للمسلمين قائمة في بلاد الأندلس إلا على أكتاف غيرهم من بلاد المغرب العربي وما حولها.
ومن الطبيعي ألا يستقيم الأمر لتلك البلاد التي تقوم على أكتاف غيرها أبدا، وأبدا لا تستكمل النصر، وأبدا لا تستحق الحياة، لا يستقيم أبدا أن تنفق الأموال الضخمة في بناء القصور في غرناطة مثل قصر الحمراء الذي يعد من أعظم قصور الأندلس ليحكم منها ابن الأحمر أوغيره وهو في هذه المحاصرة من جيوش النصارى، ثم يأتي غيره ومن خارج الأندلس ليدافع عن هذه البلاد وتلك القصور.
ولا يستقيم أبدا لابن الأحمر أن يُنشئ الجنان الكثيرة (أكثر من ثلاثمائة حديقة ضخمة في غرناطة، وكان يطلق على كل حديقة منها اسم (جنّة) لسعتها وكثرة الثمار والأشجار فيها) وينفق كل هذا الإنفاق والبلاد في حالة حرب مع النصارى، ثم حين يأتي وقت الجهاد يذهب ويستعين بالمجاهدين من البلاد المجاورة.
وعلى كلٍ فقد أتى بنو مارين كما ذكرنا واستطاعوا أن يردوا الهجوم عن غرناطة، وحفظها الله من السقوط المدوي.

وفاة محمد الأول وولاية محمد الفقيه
في ذات العام الذي رُدّ فيه جيش النصارى، وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة يموت محمد بن الأحمر الأول وقد قارب الثمانين من عمره، وقد استخلف على الحكم ابنه، ومثل اسمه واسم معظم أمراء بني الأحمر كان اسم ابنه هذا محمد، فكان هو محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر، وكانوا يلقبونه بالفقيه؛ لأنه كان صاحب علم غزير وفقه عميق.
لما تولى محمد الفقيه الأمور في غرناطة نظر إلى حال البلاد فوجد أن قوة المسلمين في بلاد الأندلس لن تستطيع أن تبقى صامدة في مواجهة قوة النصارى، هذا بالإضافة إلى أن ألفونسو العاشر حين مات ابن الأحمر الأول ظن أن البلاد قد تهاوت، فما كان منه إلا أن أسرع بالمخالفة من جديد وبالهجوم على أطراف غرناطة، ما كان أيضا من محمد الفقيه إلا أن استعان بيعقوب المنصور الماريني رحمه الله.
وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة من الهجرة يجهز المنصور جيشا قوامه خمسة آلاف رجل فقط، ويضع نفسه على رأسه، ويعبر به إلى بلاد الأندلس حتى يساعد محمد الفقيه في حربه ضد النصارى.
وهناك وفي مكان خارج غرناطة وبالقرب من قرطبة يلتقي المسلمون مع النصارى، المسلمون تعدادهم عشرة آلاف مقاتل فقط، خمسة آلاف من جيش بني مارين، ومثلهم من جيش غرناطة، وفي مقابلتهم تسعون ألفا من النصارى، وعلى رأسهم واحد من أكبر قواد مملكة قشتالة يدعى دون نونيو دي لارى ( تعمدنا ذكر اسمه لأن الموقعة التي دارت بين المسلمين والنصارى في هذا المكان عُرفت بموقعة الدونونيّة؛ نسبة إلى اسمه).

موقعة الدونونيّة ونصر مؤزر
في سنة أربع وسبعين وستمائة من الهجرة تقع موقعة الدونونية، وكان على رأس جيوش المسلمين المنصور الماريني رحمه الله، وقد أخذ يحفز الناس بنفسه على القتال، وكان مما قاله في خطبته الشهيره في تحفيز جنده في هذه الموقعة، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها وجِدُّوا في طلبها، وابذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإنّ الجنّة تحت ظلال السيوف [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {التوبة111} . فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ فمن مات منكم مات شهيدا، ومن عاش رجع إلى أهله سالما غانما مأجورا حميدا، فـ [اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {آل عمران200} .
كان من جراء هذا أن عانق الناس بعضهم بعضا للوداع، وبكوا جميعا،وبهؤلاء الرجال الذين أتوا من بلاد المغرب، وبهذه القيادة الربانية، وبهذا العدد الذي لم يتجاوز العشرة آلاف مقاتل حقق المسلمون انتصارا باهرا وعظيما، وقتل من النصارى ستة آلاف مقاتل، وتم أسر ثمانية آلاف آخرون، وقتل دون نونيو قائد قشتاله في هذه الموقعة، وقد غنم المسلمون غنائم لا تحصى، وما انتصر المسلمون منذ موقعة الأرك في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من الهجرة إلا في هذه الموقعة، موقعة الدونونية في سنة أربعة وسبعين وستمائة من الهجرة.

الفتوحات بعد الدونونية
بعد موقعة الدونونية انقسم جيش المسلمين إلى نصفين، توجه النصف الأول إلى جيّان وكان على رأسه ابن الأحمر، ففتح جيّان وانتصر عليهم، وتوجّه النصف الآخر وعلى رأسه المنصور الماريني إلى أشبيلية، فإذا به يحرر أشبيليّة ويصالح أهلها على الجزية.
وإنه والله لأمر عجيب هذا، أمر هؤلاء الخمسة آلاف رجل، والذين يذهب بهم المنصور الماريني ويحاصر أشبيلية، فيحررها ويصالح أهلها على الجزية، تماما كما قال صلى الله عليه وسلم نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. فكان هذا مثال حي على صلاح الرجال وصلاح الجيوش.
وبعد ثلاث سنوات من هذه الموقعة، وفي سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة ينتقض أهل أشبيلية فيذهب إليهم من جديد يعقوب الماريني رحمه الله، ومن جديد وبعد حصار فترة من الزمن يصالحونه على الجزية، ثم يتجه بعد ذلك إلى قرطبة ويحاصرها، فترضخ له أيضا على الجزية.
أمر والله في غاية الغرابة والعجب، يحرر قرطبة وجيّان وأشبيلية وقوام جيشه لا يتعدى الخمسة آلاف مقاتل! وإنه ليستحق وقفات ووقفات، وإن كان هذا ليس بغريب في التاريخ الاسلامي، بل إنه قد تحقق أن الغريب هو أن يحدث عكس ذلك كما ذكرنا من قبل.
الغريب هو أن يُهزم جيش مثل جيش المنصور الماريني بهذا العدد القليل الذي يعتمد فيه على الله ويأمل فيه الشهادة، والغريب هو أن ينتصر جيش مثل جيش الناصر لدين الله في موقعة العقاب حين كان قوامه خمسمائة ألف مقاتل وهم يعتقدون في عدتهم وقوتهم، وهي سنن الله الثوابت التي تتكرر في تاريخنا الإسلامي، ولنا فيها العبرة والعظة.
ومثل تلك السنن التي تتكرر كثيرا، فما أن يحقق المنصور الماريني كل هذه الانتصارات ويجمع مثل هذه الغنائم التي لا حصر لها، حتى يعطي وفي غاية الورع ومنتهى الزهد يعطي كل الغنائم لأهل الأندلس من غرناطة ويعود إلى بلاد المغرب ولا يأخذ معه شيئا، تماما كما فعل يوسف بن تاشفين رحمه الله بعد موقعة الزلاقة، وبحق كان هؤلاء هم الرجال المنصورون.
ابن حاكم ألمرية وصورة سامية ومحمد بن الأحمر الفقيه والخيانة العظمىفي أثناء رجوع يعقوب الماريني رحمه الله يموت حاكم ألمرية (من ضمن الولايات الثلاث في منطقة غرناطة، والأخريان هما ولاية ملقة وولاية غرناطة)، ومن بعده يتولى عليها ابنه وكان شابا فتيا، وقد أُعجب بأفعال ابن يعقوب الماريني وانتصاراته المتعددة إعجابا كبيرا، فعرض عليه حكم ألمرية بدلا منه، استجاب المنصور الماريني رحمه الله لطلبه، فخلّف عليها قوة صغيرة من المسلمين يبلغ قوامها ثلاثة آلاف رجل، ثم استجلب ثلاثة آلاف آخرين من بلاد المغرب، ووضعهم في جزيرة طريف حتى يكونوا مددا قريبا لبلاد الأندلس إذا احتاجوا إليهم في حربهم ضد النصارى، ثم عاد هو إلى بلاد المغرب.
هنا نظر محمد بن الأحمر الفقيه إلى ما فعله حاكم ألمرية فأوجس في نفسه خيفة ابن الأحمر، وقال إن في التاريخ لعبرة، وهو يقصد بهذا أنه حينما استعان المعتمد على الله ابن عبّاد من ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، فما كان من الأخير إلا أن أخذ البلاد وضمها كلها إلى دولة المرابطين، وها هو الآن يعقوب المنصور الماريني يبدأ بمدينتي طريف وألمريّة، إن في التاريخ لعبرة، ففكر عازما على أن يقف حائلا وسدا منيعا حتى لا تُضم بلاد الأندلس إلى دولة بني مارين.
ويا لهول هذا الفكر الذي كان عليه ذلك الرجل الذي لُقب بالفقيه الذي ما هو بفقيه، فماذا يفعل إذن لكي يمنع ما تكرر في الماضي ويمنع ما جال بخاطره؟ بنظرة واقعية وجد أنه ليست له طاقة بيعقوب بن منصور الماريني، ليست له ولا لشعبه ولا لجيشه ولا لحصونه طاقة به، فماذا يفعل؟!
ما كان من محمد ابن الأحمر الفقيه إلا أن أقدم على عمل لم يتخيله أحد من المسلمين، ما كان منه إلا أن ذهب إلى ملك قشتالة واستعان به في طرد يعقوب بن منصور الماريني من جزيرة طريف، يذهب إلى ملك قشتالة بعد أن كان قد انتصر عليه هو والمنصور الماريني في موقعة الدومونية وما تلاها في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة من فتح أشبيلية وجيّان وقرطبة، يذهب إلى الذي هو عدوٌّ لهما (لابن الأحمر والمنصور الماريني) ويستعين به على طرد الماريني من جزيرة طريف.
وعلى موعد مع الزمن يأتي ملك قشتالة بجيشه وأساطيله ويحاصر طريف من ناحيتين، فناحية يقف عليها ابن الأحمر الفقيه، والأخرى يقف عليها ملك قشتالة.
وما إن يسمع بذلك يعقوب المنصور الماريني رحمه الله حتى يعود من جديد إلى جزيرة طريف، وعلى الفور يجهز الجيوش ويعد العدة، ثم يدخل في معركة كبيرة مع النصارى هناك في سنة سبع وسبعين وستمائة من الهجرة، فينتصر يعقوب المنصور الماريني رحمه الله على النصارى، ويفرون من أمامه فرّا إلى الشمال، ويجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة مع يعقوب المنصور الماريني.
المنصور الماريني وعلو المقاصد والهمم وابن الأحمر الفقيه والخسة والدناءةما كان من محمد بن الأحمر الفقيه حين وجد نفسه في مواجهة مع الماريني إلا أن أظهر الندم والاعتذار، وتعلل وأبدى الأسباب (الغير مقبولة بالطبع)، وبأمر من حكيم وبصورة لا تتكرر إلا من رجل ملَكَ قَلْبَه، يعفو عنه يعقوب بن منصور الماريني ويتوب عليه، بل ويعيده إلى حكمه.
وإن ما فعله محمد بن الأحمر الفقيه ليفسر لنا لماذا سقطت بلاد الأندلس بعد ذلك؟ ولماذا لا تستحقّ هذه البلاد النصر والحياة؟ وإن ما فعله ابن الأحمر هذا لم يقم به بمفرده، بل كان معه أمته وشعبه وجيشه، يحاربون الرجل الذي ساعدهم في حرب النصارى وتخليصهم من أيديهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وفي سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة يأتي من جديد يعقوب بن منصور الماريني ليساعد ابن الأحمر في حرب جديده ضد النصارى، وهكذا كان يعقوب بن منصور الماريني قد وهب حياته للجهاد في سبيل الله، والدفاع عن دين الله، وفي هذه السنة ينتصر المسلمون على النصارى، ويعقدون معهم عهدا كانت له شروط أملاها وفرضها عليهم يعقوب بن منصور الماريني رحمه الله.
في هذه المعاهدة لم يطلب يعقوب بن منصور الماريني مالا ولا قصورا ولا جاها، إنما طلب منهم أن يأتوا له بكتب المسلمين، والتي هي في قرطبة وأشبيلية وطليطلة، وغيرها من البلاد التي سقطت في أيدي النصارى، هذا هو الذي طلبه واشترطه في معاهدته.
وبالفعل أتوا إليه بكميات ضخمه من كتب المسلمين، الأمر الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن من الضياع، وما زالت وإلى الآن الكتب التي أخذها يعقوب بن منصور الماريني في الموقعة التي تمت في سنة أربع وثمانين وستمائة من الهجرة ما زالت في مكتبة فاس في المغرب وإلى هذه اللحظة، وهكذا كانت علو المقاصد وعلو الهمم عند يعقوب بن منصور الماريني، وكانت الخسة والدناءة عند ابن الأحمر وأولاد ابن الأحمر.

تكرار الخيانة من ابن الأحمر الفقيه وسقوط طريف
بعد الموقعة السابقة بعام واحد وفي سنة خمس وثمانين وستمائة من الهجرة يموت المنصور الماريني رحمه الله ويخلفه على إمارة بني مارين ابنه يوسف بن المنصور، ومن حينها يذهب ابن الأحمر الفقيه إليه ويعرض عليه الولاء والطاعة وما شاء من أرض الأندلس ويقدم له ما يريد، طلب منه يوسف بن المنصور رحمه الله أن يأخذ الجزيرة الخضراء وجزيرة طريف؛ حتى تكون قاعدة له في حربه مع النصارى، وقد هدأت الأمور نسبيا هناك في غرناطة.
لكن حين أخذ يوسف بن المنصور الجزيرة الخضراء وطريف، كانت قد اعتملت الوساوس من جديد في قلب ابن الأحمر، ومن جديد يذهب ابن الأحمر الفقيه إلى النصارى ويستعين بهم في حرب يوسف بن المنصور وطرده وطرد بني مارين من طريف.
وكسابقه وعلى موعد أيضا مع الزمن يأتي بالفعل جيش النصارى ويحاصر طريف كما فعل في السابق، لكن في هذه المرة يستطيعون أن يسقطوا طريف.
وقد كان الاتفاق بين ابن الأحمر الفقيه وبين النصارى أنهم إذا استولوا على جزيرة طريف من بني مارين أن يعطوها إلى ابن الأحمر الفقيه، لكن النصارى بعد أن استولوا عليها لم يعيدوها إليه، وإنما أخذوها لأنفسهم، وبذلك يكونون قد خانوا العهد معه، وتكون قد حدثت الجريمة الكبرى والخيانة العظمى وسقطت طريف.
وكان موقع طريف هذه في غاية الخطورة، فهي تطل على مضيق جبل طارق، ومعنى ذلك أن سقوطها يعني انقطاع بلاد المغرب عن بلاد الأندلس، وانقطاع العون والمدد من بلاد المغرب إلى الأندلس تماما.

أبو عبد الله بن الحكيم وأمور يندى لها الجبين
في سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة يموت ابن الأحمر الفقيه ويتولى من بعده محمد الثالث، والذي كان يلقب بالأعمش، وهذا كان رجلا ضعيفا جدا، وقد تولى الأمور في عهده الوزير أبو عبد الله بن الحكيم الذي ما هو بحكيم، حيث كانت له السيطرة على الأمور في بلاد غرناطة، وكان على شاكلة من سبقه في مراسلة ملك قشتالة والتحالف معه.
لم يكتف أبو عبد الله بن الحكيم بذلك، لكنه زاد على السابقين له في هذه المحالفات وغيرها بأن فعل أفعالا يندى لها الجبين، كان منها أنه جهّز جيشا وذهب ليقاتل، تُرى يقاتل من؟ أيقاتل النصارى الذين هم على حدود ولايته وقد فعلوا الأعاجيب، أم من يقاتل؟كانت الإجابة المخزية أنه سلم منه النصارى، وذهب بجيشه واحتلّ سبتة في بلاد المغرب، ذهب إلى دولة بني مارين واحتلّ مدينة سبته حتى يقوي شأنه في مضيق جبل طارق.
وفي سبيل لزعزعة الحكم في بني مارين، وبعد اعتماده في حكمه تماما على ملك قشتالة، فقد فعل ما هو أشدّ من ذلك، حيث راسل رجلا من بني مارين وأمدّه بالسلاح ليقوم بانقلاب على يوسف بن المنصور، وقامت فتنة في بني مارين.
وإنه ولا شك غباء منقطع النظير، أمر لا يقره عقل ولا دين، لكن هذا ما حدث، فكانت النتيجة أنه بعد ذلك بأعوام قليلة سقط جبل طارق في أيدي النصارى، وذلك سنة تسع وسبعمائة من الهجرة، وعُزلت بالكلية بلاد الأندلس عن بلاد المغرب، وتركت غرناطة لمصيرها المحتوم.
انقطع الآن النصر الذي كان يأتي ويستورد ويعتمد ولسنوات طويلة على بلاد المغرب، انقطع عن شعب وحكام غرناطة الذين كثيرا ما ألفوه بينهم، وتُركوا لحالهم ولشأنهم.
وطيلة قرابة مائتي عام، ومنذ سنة تسع وسبعمائة وحتى سنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة ظل الحال كما هو عليه في بلاد غرناطة، معاهدات متتالية من أبناء الأحمر وملوك غرناطة مع ملك قشتالة، تسليم وجزية، وخزي وعار، سنوات طويلة لكنها وسبحان الله لم تسقط.

وكان السر في ذلك والسبب الرئيسي والذي من أجله حفظت هذه البلاد (وهي من غير مدد ولا عون من قبل بلاد المغرب)، هو وجود خلاف كبير وصراع طويل كان قد دار بين مملكة قشتالة ومملكة أراجون (المملكتان النصرانيّتان في الشمال)؛ حيث تصارعا سويا بعد أن صارت كل مملكة منهم ضخمة قوية، وكانتا قد قامتا على أنقاض الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس، وكانت قوة غرناطة قد أصبحت هزيلة جدا، الأمر الذي لا يبعث على الخشية منها على الإطلاق؛ ومن ثم صرفوا أنظارهم عنها، وقد شغلوا بأنفسهم وتركوا المسلمين.

غرناطة قبل السقوط بخمس وعشرين سنة

في دراسة للوضع في آخر الخمس والعشرين سنة المتبقية من المائتي عام قبل السقوط النهائي لغرناطة وللدولة الإسلامية بصفة عامة في الأندلس، والذي كان يُعد (خلال المائتي عام) عهد خمول ودعة، وركون إلى معاهدات مخزية مع النصارى، تبدلت الأحوال (في الخمس والعشرين سنة الأخيرة من السقوط)، والتفت النصارى إلى غرناطة بعد أن كانوا قد شُغلوا عنها بحروبهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى سقوط الأندلس بالكلية.

مملكة غرناطة وممالك النصارى نحو الفرقة ونحو الوحدة
قبل السقوط بست وعشرين سنة تقريبا، وفي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة كان يحكم غرناطة في ذلك الوقت رجل يدعى محمد بن سعد بن إسماعيل بن الأحمر، والذي كان يلقب بالغالب بالله، وكان له أحد الإخوة واسمه أيضا محمد، ويعرف بأبي عبد الله محمد الملقب بالزغل (الزغل يعني الشجاع) ، فكان الأول غالب بالله، وكان الثاني زغلا أو شجاعا.
وكما حدث في عهد ملوك الطوائف اختلف هذان الأخَوان على الحكم، وبدآ يتصارعان على مملكة غرناطة الهزيلة الضعيفة والمحاطة في الشمال بمملكتي قشتالة وأراجون النصرانيتين.
وكالعادة أيضا استعان أبو عبد الله محمد الزغل بملك قشتالة في حرب أخيه الغالب بالله، وقامت على إثر ذلك حرب بينهما، إلا أنها قد انتهت بالصلح، لكنهما وللأسف قد اصطلحا على تقسيم غرناطة البلد الضعيف جدا والمحاط بالنصارى إلى جزء شمالي على رأسه الغالب بالله وهي الولاية الرئيسة، وجزء جنوبي وهي ملقة، وعلى رأسها أبو عبد الله محمد الزغل،وبعد هذا التقسيم بثلاثة أعوام، وفي سنة أربع وسبعين وثمانمائة يحدث أمر غاية في الخطورة في بلاد الأندلس، فقد تزوج فرناندو الثالث ملك أراجون من إيزابيلا وريثة عرش قشتالة؛ وبذلك تكون الدولتان قد اصطلحتا معا وأنهتا صراعا كان قد طال أمده، وبعد خمس سنوات من هذا الزواج كانت المملكتان قد توحدتا معا في مملكة واحدة هي مملكة أسبانيا، وكان ذلك في سنة تسع وسبعين وثمانمائة من الهجرة، وكانت هذه بداية النهاية لغرناطة.

غرناطة وصراع أُسَري في ولاية الغالب بالله
بعد زواج فرناندو الثالث ملك أراجون من وريثة عرش قشتالة إيزابيلا كانا قد أقسما على ألا يعقدا عرسا إلا في قصر الحمراء، قصر الرئاسة الذي هو في غرناطة.
على الجانب الآخر كانت غرناطة في ذلك الوقت وفي سنة تسع وسبعين وثمانمائة من الهجرة كانت منقسمة إلى شطرين، شطر مع الزغل والآخر مع الغالب بالله، ومن ناحية أخرى فكان الشعب يعيش حالة من الترف والخمول والدعة، وقد انتشرت الخمور والغناء بصورة لافتة في هذه الآونة، وفوق ذلك أيضا كان هناك الأشدّ والأشنع.
كان الغالب بالله الذي يحكم غرناطة متزوجا من امرأة تُدعى عائشة، وقد عرفت في التاريخ بعائشة الحرة، وكانت له جارية نصرانية تُسمى ثريّا قد فُتن بها وغرق في عشقها، وكانت قد أنجبت له ولدا اسمه يحيى، وقد أثرت عليه حتى تجعل يحيى هذا وريث عرش غرناطة من بعده.
كان المؤهل للحكم رسميا هو ابن عائشة الحرة، والذي يدعى محمد أبو عبد الله محمد، وللتفرقة بين اسم العم واسم ابن الأخ، سمّوا الأخير بالصغير، حيث هو أصغر من عمه، وقد كان اسما على مسمى، فكان بالفعل صغيرا في سنه وصغيرا في مقامه.
وحتى يضمن ولاية العهد لابنه يحيى الذي هو من الجارية النصرانية، قام الغالب بالله بحبس ابنه الآخر أبو عبد الله محمد الصغير هو وأمه عائشة في قصر كبير، وقد قيد حركتهما تماما، ولأن هناك أناس كثيرون من الشعب كانوا يأبون أن يحكمهم رجل أمه جارية نصرانية، وكان هناك أيضا من يرى أحقية أبي عبد الله محمد الصغير في الحكم بعد أبيه، انطلق هؤلاء الناس حيث الابن وأمه، واستطاعوا تخليصهما، بعد فكاكه من السجن قام أبو عبد الله محمد الصغير بثورة على أبيه، وقد أحدث انقلابا في غرناطة ثم تولى الحكم وقام بطرد أبيه إلى الجنوب حيث أخيه الزغل (أخو الغالب بالله) في ملقة، وهكذا آلت البلاد إلى قسمين، قسم عليه الصغير في غرناطة، وقسم عليه الزغل في مالقة، ومعه وتحت حمايته أخوه الغالب بالله.

فرناندو الثالث واستغلال النزاع والفرقة
حيال هذا الوضع الذي آل إليه حال المسلمين في الأندلس استغل فرناندو الثالث هذا الموقف جيدا لصالحه، وبدأ يهاجم حصون غرناطة؛ حيث كان يعلم أن هناك خلافا وشقاقا كبيرا داخل البلد، وعلى غير عادة الغالب بالله الذي كان بينه وبين ملك أسبانيا معاهدات، قامت الحروب بين الصغير وبين ملك أسبانيا، لكنه (الصغير) لم يكن له طاقة بحرب ملك أسبانيا، فأُسر من قِبل الأخير وصار في يده.
وبعد أسْر الصغير استطاع الزغل أن يضم غرناطة إلى أملاكه، فأصبحت غرناطة من جديد إمارة واحدة تحت حكم الزغل.
وبعد ذلك بعام واحد مات هما وكمدا الغالب بالله، وذلك من جراء الذي حدث في البلاد، ولقد كان هذا هو ما جنته عليه نفسه وما اقترفته يداه، وما جناه عليه أحد.
وفي محاولة لفك أسر الصغير عرض الزغل على ملك أسبانيا أموالا كثيرة، ولأنه (ملك أسبانيا) كان يفكر في أمر غاية في الخطورة قابل طلبه بالرفض، فقد اتفق ملك أسبانيا مع الصغير (الذي هو في الأسر، وكان يبلغ من العمر آنذاك خمسة وعشرين عاما) على أن يُمكّنه من حكم بلاد غرناطة ويطرد منها الزغل بالكليّة.

الصغير وملك أسبانيا وخطة السراب الخادع
أشار ملك أسبانيا على الصغير بأن يدخل البلاد من جهة الشمال (شمال غرناطة)، فيثور فيها، أما هو (ملك أسبانيا) فسيأخذ جيشه ويحاصر ملقة من الجنوب، وبذلك تنحصر غرناطة بين فكي الكمّاشة.
وكان الهدف من وراء ذلك كما أراد ملك أسبانيا أنه حينما يقوم الزغل بصد ومحاربة ملك أسبانيا في ملقة في الجنوب، هو أن يدخل الصغير غرناطة في غياب الزغل عنها ويسيطر تماما عليها، ثم بعد أن يأخذ ملك أسبانيا ملقة فيعطيها بعد ذلك للصغير، ليصبح هو حاكما على غرناطة باسم ملك أسبانيا.
وافق الصغير على هذه الخطة، فثار في شمال غرناطة، واتجه فرناندو الثالث بجيوشه إلى ملقة، وعلى الفور توجه الزغل إلى ملقه لحرب النصارى هناك، لكنه لم يستطع أن يصمد، واستطاع النصارى أن يأخذوا ملقة منه، وهنا عاد سريعا إلى غرناطة فوجدها وقد صارت في يد ابن الأحمر الصغير.
انطلق الزغل إلى شرق غرناطة حيث منطقة تسمى وادي آش، واستقل بها وأقام فيها جزءا من مملكة، وبذلك تقلصت غرناطة في انقساماتها المتكررة إلى نصفين، والنصف بدوره إلى نصفين، فكان الوضع هو جزء في شرق غرناطة هو وادي آش وعلى رأسه الزغل، ثم جزء آخر في غرناطة على رأسه الصغير، وجزء أخير هو ملقة وقد أصبحت في يد ملك أسبانيا، ومن المفترض أن يعيدها إلى ابن الأحمر الصغير.
طلب ابن الأحمر الصغير من ملك أسبانيا أن يعيد إليه ملقة كما كان العهد والاتفاق، إلا أن ملك أسبانيا أجابه بأنه إن هو سحب جيشه منها (من ملقة)فسيطمع الزغل فيها ويأخذها منه (من الصغير)، فالحل إذن هو أن أُبقي جيوشي فيها لحمايتك.
ثم ما مرت إلا شهور حتى استرقّ ملك أسبانيا أهل ملقة جميعا (أخذهم رقيقا، وكانوا مسلمين)، ولم يرعى المعاهده التي تمت بينه وبين الصغير.

ملك أسبانيا والتداعي على باقي القصعة
كان على الساحة الآن الصغير ومعه ولاية غرناطة، والزغل ومعه وادي آش، ثم ملك أسبانيا وتحت قبضته ملقة، واستكمالا لآمال كان قد عقدها قديما، وفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة من الهجرة انطلق ملك أسبانيا من ملقة إلى ألمرية على ساحل البحر المتوسط فاحتلها، ثم منها توجه إلى وادي آش (التي هي في يد الزغل) فاستولى عليها، وهرب الزغل منها إلى تونس، وقد ترك البلاد بما فيها من المسلمين، تماما كما هو حال ملوك هذا الزمان.
كان الوضع الآن أن حوصرت مدينة غرناطة وكل قراها ومزارعها من كل مكان بجيوش النصارى، أحاطوها من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، فقد تداعت ملوك النصارى حول مملكة غرناطة الصغيرة والضعيفة جدا في ذلك الوقت، وقد حاصروها وأحرقوا القرى والمزارع حول حصونها، وطلبوا من الصغير أن يسلم مفاتيح المدينة، وكان ذلك في سنة خمس وتسعين وثمانمائة من الهجرة، وقبل السقوط بعامين.
حينها فقط شعر الصغير أن ما حدث من ملك أسبانيا هو خلاف ما كان يعتقده؛ فقد كان يعتقد أنه بينه وبين النصارى ولاء، وبينه وبين ملك أسبانيا تحالفات وعهود، لكن الذي حدث الآن هو أنهم ما أبقوه على كرسيّه كما وعدوه، بل طالبوه بأن يترك غرناطة ويرحل ليتولى هم أمرها، وذلك بعد إعطائه مهلة للتفكير في ذلك.

وفي هذا الأمر فكر كثيرا محمد بن الأحمر الصغير، إلا أنه لم يجد حلا سوى أن يحاربهم، فلو أطاع أمرهم واستجاب لمطلبهم ترك البلاد وترك الحكم، وهذا لا يريده ولا يقدر أن يتحمله، فاقتنع وبعد تفكير وجدال طويل مع وزرائه بأنه يجب أن يدافع عن البلد، يجب أن يدافع عن غرناطة

كان المتوقع والطبيعي بعد أن أعلن الصغير الدفاع عن غرناطة هو أنه لن تكون له قدرة ولا طاقة هو ومن معه من جيشه ووزرائه وهيئته الحاكمة على الحرب أو الدفاع، فقامت في غرناطة في ذلك الوقت انتفاضة إسلامية قوية، وعلى رأسها رجل يُسمى موسى بن أبي غسّان، فكان أن حرّك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يحمسهم على الموت في سبيل الله وعلى الدفاع عن بلدهم وهويتهم، فاستجاب له الشعب وتحرك للدفاع عن غرناطة.

وطيلة سبعة أشهر كاملة ظل أصحاب الانتفاضة في دفاعهم عن حصون غرناطة ضد الهجمات النصرانية الشرسة، وفي ذات الوقت كان محمد بن الأحمر الصغير ينظر إلى الأمور ويستطلعها من بعيد حال الواقف المتفرج، ولم يستطع أن يفعل شيئا، يريد ويتمنى أن يجد حلا أو مخرجا يستر به ماء وجهه لكنه لا يجد.
وبعد سبعة أشهر يجد الصغير بريق أمل كان قد تمنى مثله، حيث أرسل فرناندو الثالث وإيزابيلا رسالة إليه يطلبان فيها أن يسلم غرناطة لهما على أن يضمنوا له ولقومه ولجيشه الأمان، وفي مقابل أكثر من سبعين شرطا يضمن له فيها البقاء.
كان من بين هذه الضمانات وتلك الشروط أن تُترك المساجد، ولا تُدخل الديار، ويُطلق الأسرى، وتُؤمّن الأعراض والأموال، ويوضع عبد الله بن الصغير كأحد الوزراء المعاونين لملك أسبانيا.

الصغير وكبح الانتفاضة
كان قد فهم مغزى الرسالة السابقة موسى بن أبي غسّان الرجل الذي قاد الانتفاضة في بلاد غرناطة وعلم أنها محاولة لوقف الانتفاضة، ووقف الدفاع عن البلاد، ووقف الحميّة للجهاد، ووقف حميّة الناس للموت في سبيل الله، لكن محمد الصغير لم يفهم هذا المغزى، فوافق على هذه الشروط، وذلك بعد أن وجد فيها حلا مناسبا للخروج من المأزق الذي هو فيه؛ إذ كان يرفض الجهاد، ويرفض الحرب، ويريد أن يبقى حيا حتى وإن ظل ذليلا،من هنا وافق الصغير على هذه المعاهدة، إلا أنه وخوفا من الخيانة المعهودة، وحرصا على حياة أبدية وسرمدية، ونجاة بنفسه من نهاية لا يحمد عقباها، اشترط لنفسه شرطين هما
أولا أن يقوم فرناندو وإيزابيلا بالقسم على هذه العهود، فاستُجيب له، وأقسما الملكان له.
ثانيا أن تحكم في هذه المعاهدة هيئة معينة، تضمن تطبيقها بالصورة السليمة، وبعد أن نظر في دول العالم لم يجد من يحترم ملك أسبانيا رأيه إلا البابا في إيطاليا، فألزم أن يوقّع البابا على هذه المعاهدة، ولا ضير، فوقّع البابا عليها.
وبعدها اتجه الصغير ليسلم مفاتيح مدينة غرناطة، ويوقف حركة الجهاد في البلد في مقابل أن يعطوه الأمان كما ذكروا، وذلك بعد أن وقّع له بابا روما، وأقسم على هذه العهود فرناندو وإيزابيلا.

موسى بن أبي غسّان وعملية استشهاديّة
في رد فعل طبيعي وصريح له حيال ما حدث وقف موسى بن أبي غسّان رحمه الله في قصر الحمراء ثم خطب خطبة مهيبة قال فيها
لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة مَلِكِهم؛ إن الموت أقل ما نخشى (يريد أن هناك ما هو أصعب من الموت)؛ فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي، والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق، أما أنا فوالله لن أراه.
يريد موسى بن أبي غسّان أنه لن يرى كل هذا الذُلّ الذي سيحل بالبلاد جراء هذا التخاذل والتقاعس، أما أنا فسأموت الموت الشريف.
ثم غادر المجلس وذهب إلى بيته ولبس سلاحه وامتطى جواده، وانطلق يقابل سريّة من سرايا النصارى.
وبمفرده يقابل موسى بن أبي غسّان خمس عشرة رجلا من النصارى، فيقتل معظمهم ثم يُقتل هو في سبيل الله رحمه الله.

انتهاء عصر الدولة الإسلامية في الأندلس

كان مقتل موسى بن أبي غسّان وتسليم ابن الأحمر الصغير غرناطة إيذانا بانتهاء عصر الدولة الإسلامية في مملكة غرناطة.
أعطى أبو عبد الله محمد الصغير الموافقة بالتسليم للملكين فرناندو الثالث وإيزابيلا، ولم ينس أن يرسل إليهما بعضا من الهدايا الخاصة، وفي خيلاء يدخل الملكان قصر الحمراء الكبير ومعهما الرهبان، وفي أول عمل رسمي يقومون بتعليق صليب فضي كبير فوق برج القصر الأعلى، ويُعلن من فوق هذا البرج أن غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين، وأن حكم المسلمين قد انتهى من بلاد الأندلس.
وفي نكسة كبيرة وذل وصغار يخرج أبو عبد الله بن محمد بن الأحمر الصغير من القصر الملكي، ويسير بعيدا في اتجاه المغرب، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء يتطلع منها إليه وإلى ذاك المجد الذي قد ولّى، وبحزن وأسى قد تبدّى عليه لم يستطع فيه الصغير أن يتمالك نفسه، انطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته، حتى قالت له أمه عائشة الحرة:
أجل، فلتبك كالنساء مُلْكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال
وإلى هذه اللحظة ما زال هذا التل الذي وقف عليه أبو عبد الله بن محمد الصغير ما زال موجودا في أسبانيا، وما زال الناس يذهبون إليه، يتأملون موضع هذا المَلِك الذي أضاع مُلكا عظيما كان قد أسسه الأجداد، ويعرف (هذا التل) بـ زفرة العربي الأخيرة، وهو بكاء أبي عبد الله محمد الصغير حين ترك ملكه.
وقد تم ذلك في الثاني من شهر ربيع الأول، لسنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة، الموافق الثاني من يناير، لسنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وألف من الميلاد.
وقد هاجر بعدها أبو عبد الله بن محمد الصغير إلى بلاد المغرب، وهناك اعتقله ملكها بتهمة الخيانة لبلاد المسلمين، ثم وضعه في سجنه، وكما يقول المؤرخون فقد شوهد أولاده (أولاد أبي عبد الله بن محمد الصغير) بعد ذلك بسنوات وسنوات يشحذون في شوارع المغرب.
فلعنة الله على هذا الذُلّ، ولعنة الله على هذا التَرْك للجهاد اللذَيْن يوصلان إلى هذا المثوى وتلك المنزلة.
وما كان من أمر، فقد اندثرت حضارة ما عرفت أوروبا مثلها من قبل، إنها حضارة الدنيا والدين، وقد انطوت صفحة عريضة خسر العالم أجمع بسببها الكثير والكثير، وقد ارتفع علم النصرانية فوق صرح الإسلام المغلوب، وأفل وإلى الآن نجم دولة الإسلام في بلاد الأندلس.
وليت شعري، أين موسى بن نصير؟ أين طارق بن زياد؟ أين يوسف بن تاشفين؟ أين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر؟ أين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟ أين يعقوب المنصور المُوَحدي؟ أين يعقوب المنصور الماريني؟ أين كل هؤلاء؟ غابوا وانقطعت آثارهم وإمداداتهم.
كالعادة ولطبيعة جُبلت نفوسهم عليها، وبعد أن ترك أبو عبد الله بن محمد الصغير البلاد، لم يوف النصارى بعهودهم مع المسلمين، بل تنكّروا لكلامهم، وأغفلوا شروطهم السبعين، وقد أهانوا المسلمين بشدة، وصادروا أموالهم} .
وبعد تسع سنوات من سقوط غرناطة، وفي سنة إحدى وخمسمائة وألف من الميلاد أصدر الملكان فرناندو الثالث وإيزابيلا أمرا كان خلاصته أن الله قد اختارهما لتخليص الأندلس من الكفرة (يقصدان المسلمين)، ولذلك يحظر وجود المسلمين في بلاد الأندلس، ويعاقب من يخالف ذلك بالقتل.
ومن هذا المنطلق قام النصارى بعدة أمور، كان منها:
أولا: التهجير
هجر المسلمون بلاد الأندلس بالكلية، هجروها إلى بلاد المغرب والجزائر، وإلى تونس وغيرها من بلاد المسلمين.
ثانيا: التنصير
ولكي يعيش آخرون في بلاد الأندلس في ظل حكم النصارى الأسبان، تَنَصّر من المسلمين آخرون، وهؤلاء لم يرتض لهم النصارى الأسبان حتى بالنصرانية، فلم يتركوهم دون إهانة، وقد سمّوهم بالمُورِسْكِيين احتقارا لهم وتصغيرا من شأنهم، فلم يكن المُورِسْكِي نصرانيا من الدرجة الأولى، لكنه كان تصغيرا لهذا النصراني الأصيل.
ثالثا: محاكم التفتيش
لم يقف الأمر عند حد التهجير والتنصير، وإنما تلى ذلك أن قام رئيس الأساقفة الأسباني كان يُدعى كِنِّيس وكان صليبيا حاقدا قام بحرق ثمانين ألف كتاب إسلامي من مكتبة قرطبة وأشبيلية وغرناطة في يوم واحد.
وهو نفسه الذي قام بعد ذلك بما سُمّي في التاريخ بمحاكم التفتيش؛ وذلك للبحث عن المسلمين الذين ادّعوا النصرانية وأخفوا الإسلام، فكانوا إذا وجدوا رجلا يدّعي النصرانية ويخفي إسلامه، كأن يجدوا في بيته مصحفا، أو يجدوه يصلي، أو كان لا يشرب خمرا، أقاموا عليه الحدود المغلظة، فكانوا يلقون بهم في السجون، ويعذبونهم عذابا لا يخطر على بال بشر، فكانوا يملأون بطونهم بالماء حتى الاختناق، وكانوا يضعون في أجسادهم أسياخا محمية، وكانوا يسحقون عظامهم بآلات ضاغطة، وكانوا يمزقون الأرجل ويفسخون الفك، وكان لهم توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيا، وأيضا أحواض يقيّد فيها الرجل ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يملأ الحوض ويموت.
كانوا أيضا يقومون بدفنهم أحياء، ويجلدونهم بسياط من حديد شائك، وكانوا يقطعون اللسان بآلات خاصة.
كل هذه الآلات الفتاكة وغيرها شاهدها جنود نابليون حين فتحوا أسبانيا بعد ذلك، وقد صوروها في كتاباتهم، وعبروا عن شناعتها بأنهم كانوا يصابون بالغثيان والقيء، بل والإغماء من مجرد تخيل أن هذه الآلات كان يُعذّب بها بشر، وقد كان يُعذّب بها مسلمون.










التاريخ القديم

يعود تاريخ النمسا إلى القرن الثاني قبل الميلاد حيث كانت هناك مملكة النوريكوم .في عام 15 قبل الميلاد استولت دولة الروم في عهد القيصر آوكوستوس على الأراضي النمساوية ومنذ ذلك الحين يعود كثير من مدن النمسا إلى عصر الرومان مثل فيينا و التي كانت أسمها ( فيندوبونا)، سالسبورج (يو فافوم) وغيرها .

وبعد وفاة القيصر الروماني مارك أوري في سنة 180 بعد الميلاد في فيينا ، أنتهي العصر الروماني بالنمسا حيث انسحبت الروم وتركتها للجرمانيين ( الألمان ) حيث انتشرت الحملة الصليبية في البلاد من المبشرين القادمين من أيرلندا و شوتلاند ،ويعود تاريخ أكبر مركز رهباني في سالسبورج ( سانت بينرس ) إلى هذا العهد .

تعليمية

تشكل الدولة النمساوية

وقد حكمت هذه المنطقة في القرن التاسع عشر عائلة ( بابين بيرج )، وكانت أول الوثائق التاريخية التي ذُكرت فيها النمسا هي في عام 996 م تحت أسم (اوستاريشي) وذلك في عهد ليوبولد الأول من عائلة ( بابين بيرج).

وما بين عام 1080 و 1136 ميلادي وخاصة في عهد ليوبولد الثالث و الذي كان يتخذ من مدينة كلوستر نيبورج مركز لحُكمه وصلت النمسا في ذلك الوقت إلى عصر مزدهر.

وفي عصر الحروب الصليبية أشترك ليوبولد الخامس و ليوبولد السادس في هذه الحروب ، في عام 1246 ميلادي يسقط أخر عضو من حاشية بابين بيرج وهو فريدريخ الثاني وينتهي بذلك عصر عائلة بابين بيرج.

تعليمية

عهد الهبسبورج

يبدأ بعد ذلك عهد عائلة الهابسبورج حيث يستلم في عام 1273 رودولف فون هابسبورج زمام الحكم وكملك على ألمانيا ، وفي عصر رودولف الرابع 1363 تعيش النمسا نهضة حضارية ومعمارية كبيرة حيث تبنى الجامعة في فيينا عام 1365 وهي الآن أقدم جامعة في البلاد الناطقة بالغة الألمانية ، وكذلك تم بناء كنيسة شتيفان دوم . ومن خلال حروب الهابسبورج مع البوهيميين و المجر حصلت النمسا على عرش هاتين الدولتين في عام 1526 و أصبحت بذلك قوى عظمى وكان هذا في عصر مكسيميليان الذي استطاع تطوير النمسا من دولة متأخرة إلى دولة لها مؤسستها المتطورة.

تعليمية

الصراع مع العثمانيين

وفي نفس العام 1526 احتل السلطان سليمان الثاني مدينة بودابست وفي عام 1529 وصل السلطان سليمان إلى أبواب فيينا و لكنه ترك حصارها بعد وقت قصير و حصاره لفيينا الثاني كان عام 1532 وكنه لم يكن متوج بالنجاح ، ولكن بعد معارك طاحنة في المجر مع الأتراك عام 1547 تم توقيع اتفاقية هدنة بين النمسا و الإمبراطورية العثمانية ، وكان على فرديناند الإمبراطور النمساوي دفع الجزية إلى العثمانيين وكان وقتها 30 ألف دوكتا سنوياً .

ولقد كان في عهد فرديناند تطوير المؤسسات الحكومية إلى حكومات مركزية و التي بقيت سارية المفعول حتى منتصف القرن التاسع عشر ، وكذلك أنتشر المذهب البروتستانتي المسيحي في النمسا و التي كانت في ذلك الحين كاثوليكية المذهب .

وفي عام 1618 اندلعت الثورة البوهيمية ضد إمبراطورية الهابسبورج و التي عرفت بحرب الثلاثين عاماً لأنها دامت إلى عام 1648 و انتهت بمعاهدة فيستفال في عثر فرديناند الثالث .

في عام 1683 حاصر الأتراك فيينا للمرة الثانيةولكن استطاع جراف شتارهمبرج في معركة فيينا عند جبل الكالينبرج رد الأتراك . وفي عام 1686 استردوا بودابست من الدولة العثمانية بعد 145 عام من السيطرة العثمانية على بودابست .

تعليمية

تشكل الإمبراطورية النمساوية

بعد موت كارل السادس تولت أبنته ماريا تيريزيا الإمبراطورية النمساوية من عام 1740 إلى 1780 و تعتبر ماريا تيريزيا من أهم الشخصيات في تاريخ النمسا لأنها بدأت حملة تجديد واسعة حيث جعلت أمور التعليم من واجبات الدولة وهكذا أنشأت أول المدارس الابتدائية كما أنشأت أيضاً ميزانية التعليم،والمنهج الطبي الفييباوي من فانسويتن الذي كان طبيب ماريا تيريزيا.بعد وفاة زوج ماريا تيريزا شارك أبنها الأكبر جوزيف الثاني بالحكم وكان هذا في عام 1765 وكان من المعروف أن حُكام النمسا في ذلك الوقت هم حُكام ألمانيا ،حيث اصبح هو أيضا إمبراطورا لألمانيا.وقد تابع جوزيف الثاني الجهود لتحديث الإمبراطورية النمساوية حيث وضعت قوانين الحرية الدينية مما حسن من وضع اليهود آنذاك ، و قوانين الرعاية الصحية و الاجتماعية وفي عصره أنشأت المستشفى العامة الجامعية و التي كانت من أكبر مستشفيات العالم .

وبعد وفاة جوزيف الثاني جاء أخوه ليوبولد الثاني عام 1790 .وكانت فيينا بذلك الوقت عاصمة العالم الموسيقية من خلال هايدن موتسارت و بيتهوفين في اواخر القرن .

وفي عام 1789 قامت الثورة الفرنسية و قبل أن تتخذ النمسا خطوات رد الفعل ضد فرنسا خوفا منها ، مات ليوبولد الثاني و أستلم أبنه زمام الحكم .

ومن خلال اجتياح نابليون لأوروبا وصلت جيوشه إلى النمسا في عام 1809ولكن الجيوش النمساوية هزمته في معركة أسبرن ، ولكن الجيش الفرنسي استطاع الانتصار عليهم في معركة بمارخ فيلد في نفس العام ، وبذلك بدأ عصر نابليون بالنمسا ومن نتائج هذه الهزيمة أن نابليون فصل جزء من النمسا الجنوبية وشكل منها دولة الهيرين وهي يوغوسلافيا ، وبذلك فقدت النمسا حدودها البحرية . .

وفي عام 1810 كان الأمير ميترنيخ متولي الأمور الدبلوماسية و استطاع أن يخفف من حدة الصراع مع نابليون بتدبير زواجه من الدوقة الكبيرة ماري لويز ابنة الإمبراطور النمساوي فرانس الأول .

وبعد هزيمة نابليون في معركة لايبزيخ 1813 استعادة النمسا السيادة على أراضيها من جديد ثم بعد ذلك معاهدة فيينا عام 1815 لإعادة تنظيم أوروبا .

وفي عام 1848 قامت الثورة من الطلاب و العمال و الأمراء ، وأدت هذه الثورة إلى تغير كبير حيث أنشأ مجلس الدولة ( البرلمان النمساوي الأول ) في هذه السنة أستلم فرانس يوسف الإمبراطورية وفي عام 1849 أنشأت السكة الحديدية .وأسست فصائل الجاندارم. عام 1866 حروب النمسا مع روسيا و إيطاليا في معارك كونيكسكريتس و كستوزا و ليسا ، ثم خروج النمسا من الحلف الألماني ، عام 1867 التسوية مع المجر و وضع أسس لحقوق المواطنين .

1869 الخدمة العسكرية الإجبارية العامة ، وقانون التعليم الإجباري العام . 1889 انتحار ولي عهد النمسا رودولف وتعيين ولي العهد الدوق الأكبر فرانس فرديناند.

في عام 1907 حق الانتخاب العام ، وفي عام 1908 ضمت النمسا إلى الإمبراطورية أراضي سلوفينيا ،وكان لهذا دور كبير في تطور الأمور في البلقان حيث حقدت الصرب على النمسا.

تعليمية

الحرب الاولى

وفي عام 1914 اغتيل ولي عهد النمسا فرانس فرديناند في سراييفو من أحد الصرب الحاقدين ، والذي بسببها اندلعت الحرب العالمية الأولى من عام 1914-1918 ،وفي عام 1916 توفى الإمبراطور فرانس يوسف واستلم كارل الأول الإمبراطورية النمساوية.

عام 1918 عند انتهاء الحرب العالمية الأولى أعلنت براغ الجمهورية التشكوسلوفاكية وبعدها استقال الإمبراطور كارل الأول وأعلنت الجمهورية النمساوية (الأولى) أيضاً في عام 1918 وتوفي كارل في عام 1922 في جزيرة ماديرا وكان هذا أخر إمبراطور للنمسا.

تعليمية

الجمهورية الأولى

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة النمسا حددت دول الإتلاف المنتصرة في مؤتمر جرمان 1919 حدود النمسا الجديدة (الحالية)، وفي 1920 وضع القانون الجديد للجمهورية، وإلى عام 1932 توالت عدة حكومات برئاسة المسيحيين الاشتراكيين بينما بقي الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعيمه أوتوباور في المعارضة.

1932 استلم أنكلبرت دولفوس الحكم ومارس حكماً ديكتاتوريا من ناحية ومن ناحية أخرى كان ضد سياسة هتلر مما أدى إلى محاولة انقـلاب من الوطـنيون الاشـتراكيون ( النازيون) عام 1934 و تم اغتيال دولفوس وفشل الانقلاب. المستشار كورت شوشنيك يخلف دولفوس كمستشار للحكومة النمساوية.

عام 1938 دخول القوات الألمانية النمسا وضم النمسا إلى الرايخ الألماني ، وخاضت النمسا الحرب العالمية الثانية مجبرة مع ألمانيا ، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة هتلر دخلت قوات الحلفاء إلى النمسا عام 1945 وفي 27/4/1945 تكونت الجمهورية النمساوية ( الثانية ) بزعامة الدكتور كارل رينر، ولكنها كانت تحت سيطرة الحلفاء ( أمريكا ، روسيا ، فرنسا، إنجلترا ).

تعليمية

الجمهورية الثانية

وفي عام 1955 و بعد أكثر من 300 جلسة عقدها وزراء خارجية الحلفاء يقوم وفد حكومي نمساوي رفيع المستوى مؤلف من مستشار الحكومة النمساوية حينذاك يوليوس راب ونائبه أودلوف شارف ووزير الدولة كرايسكي بعقد مباحثات مع الحكومة السوفيتية بمقتضى ما يسمى بـ( مذكرة موسكو ) على الموافقة المبدئية للحكومة السوفيتية على معاهدة الدولة.

توقيع معاهدة الدولة من جانب الدول العظمى والنمسا في قصر البيلفيدير يوم 15/5/1955 مع تأكيد حظر انضمام النمسا إلى ألمانيا، و وافق البرلمان على قانون الحياد في 26أكتوبر1955، وأصبح هذا اليوم هو العيد الوطني للنمسا.

وفي نفس العام تم افتتاح دار الأوبرا وكان هذا رمزاً واضحاً للانتهاء من إعادة بناء البلاد ثم دخول النمسا كعضو في منظمة الأمم المتحدة ، وفي عام 1956 دخول النمسا كعضو في المجلس الأوروبي.

1966-1970 انتهاء النظام السياسي السالف للحكومات الائتلافية وحكومات انتخاب التمثيل النسبي، حكومة كلاوس للأغلبية المطلقة ( حزب الشعب النمساوي ) .اعتبارا من 1973 بدأ عصر الحكومات الاشتراكية التي بدأها كرايسكي الذي جعل السياسة الخارجية محورا أساسيا، وادخل العرب إلى ساحة السياسة العالمية وخاصة رؤيته الحكيمة الصحيحة للقضية الفلسطينية.

1979 أصبحت مدينة فيينا ثالث مقر من مقرات الأمم المتحدة




لمحات من تاريخ النمسا

تعليمية

التاريخ القديم

يعود تاريخ النمسا إلى القرن الثاني قبل الميلاد حيث كانت هناك مملكة النوريكوم .في عام 15 قبل الميلاد استولت دولة الروم في عهد القيصر آوكوستوس على الأراضي النمساوية ومنذ ذلك الحين يعود كثير من مدن النمسا إلى عصر الرومان مثل فيينا و التي كانت أسمها ( فيندوبونا)، سالسبورج (يو فافوم) وغيرها .
وبعد وفاة القيصر الروماني مارك أوري في سنة 180 بعد الميلاد في فيينا ، أنتهي العصر الروماني بالنمسا حيث انسحبت الروم وتركتها للجرمانيين ( الألمان ) حيث انتشرت الحملة الصليبية في البلاد من المبشرين القادمين من أيرلندا و شوتلاند ،ويعود تاريخ أكبر مركز رهباني في سالسبورج ( سانت بينرس ) إلى هذا العهد .

تشكل الدولة النمساوية

وقد حكمت هذه المنطقة في القرون العاشر والحادى عشروالثاني عشروالثالث عشرعائلة ( بابين بيرج )، وكانت أول الوثائق التاريخية التي ذُكرت فيها النمسا هي في عام 996 م تحت أسم (اوستاريشي) وذلك في عهد ليوبولد الأول من عائلة ( بابين بيرج).
وما بين عام 1080 و 1136 ميلادي وخاصة في عهد ليوبولد الثالث و الذي كان يتخذ من مدينة كلوستر نيبورج مركز لحُكمه وصلت النمسا في ذلك الوقت إلى عصر مزدهر.
وفي عصر الحروب الصليبية أشترك ليوبولد الخامس و ليوبولد السادس في هذه الحروب ، في عام 1246 ميلادي يسقط أخر عضو من حاشية بابين بيرج وهو فريدريخ الثاني وينتهي بذلك عصر عائلة بابين بيرج.

عهد الهابسبورج

يبدأ بعد ذلك عهد عائلة الهابسبورج حيث يستلم في عام 1273 رودولف فون هابسبورج زمام الحكم وكملك على ألمانيا ، وفي عصر رودولف الرابع 1363 تعيش النمسا نهضة حضارية ومعمارية كبيرة حيث تبنى الجامعة في فيينا عام 1365 وهي الآن أقدم جامعة في البلاد الناطقة بالغة الألمانية ، وكذلك تم بناء كنيسة شتيفان دوم . ومن خلال حروب الهابسبورج مع البوهيميين و المجر حصلت النمسا على عرش هاتين الدولتين في عام 1526 و أصبحت بذلك قوة عظمى وكان هذا في عصر مكسيميليان الذي استطاع تطوير النمسا من دولة متأخرة إلى دولة لها مؤسستها المتطورة.

الصراع مع العثمانيين

وفي نفس العام 1526 احتل السلطان سليمان الثاني الجزء الشرقى من مدينة (بودابست) المسمى (بست) وفي عام 1529 وصل السلطان سليمان إلى أبواب فيينا و لكنه ترك حصارها بعد وقت قصير و حصاره لفيينا الثاني كان عام 1532 ولكنه لم يكن متوج بالنجاح ، و فى عام 1541 استطاع العثمانيون احتلال كامل مدينة (بودابست) بجزئيها الشرقى و الغربى ، ولكن بعد معارك طاحنة في المجر مع الأتراك عام 1547 تم توقيع اتفاقية هدنة بين النمسا و الإمبراطورية العثمانية ، وكان على فرديناند الإمبراطور النمساوي دفع الجزية إلى العثمانيين وكانت وقتها 30 ألف دوكتا سنوياً .
ولقد كان في عهد فرديناند تطوير المؤسسات الحكومية إلى حكومات مركزية و التي بقيت سارية المفعول حتى منتصف القرن التاسع عشر ، وكذلك أنتشر المذهب البروتستانتي المسيحي في النمسا و التي كانت في ذلك الحين كاثوليكية المذهب .
وفي عام 1618 اندلعت الثورة البوهيمية ضد إمبراطورية الهابسبورج و التي عرفت بحرب الثلاثين عاماً لأنها دامت إلى عام 1648 و انتهت بمعاهدة فيستفال في عصر فرديناند الثالث .
في عام 1683 حاصر الأتراك فيينا للمرة الثالثةولكن استطاع جراف شتارهمبرج في معركة فيينا عند جبل الكالينبرج رد الأتراك . وفي عام 1686 استردوا بودابست من الدولة العثمانية بعد 145 عام من السيطرة العثمانية عليها .

تشكل الإمبراطورية النمساوية

بعد موت كارل السادس تولت أبنته ماريا تيريزا الإمبراطورية النمساوية من عام 1740 إلى 1780 و تعتبر ماريا تيريزا من أهم الشخصيات في تاريخ النمسا لأنها بدأت حملة تجديد واسعة حيث جعلت أمور التعليم من واجبات الدولة وهكذا أنشأت أول المدارس الابتدائية كما أنشأت أيضاً ميزانية التعليم،والمنهج الطبي الفييباوي من فانسويتن الذي كان طبيب ماريا تيريزا.بعد وفاة زوج ماريا تيريزا شارك أبنها الأكبر جوزيف الثاني بالحكم وكان هذا في عام 1765 وكان من المعروف أن حُكام النمسا في ذلك الوقت هم حُكام ألمانيا ،حيث اصبح هو أيضا إمبراطورا لألمانيا.وقد تابع جوزيف الثاني الجهود لتحديث الإمبراطورية النمساوية حيث وضعت قوانين الحرية الدينية مما حسن من وضع اليهود آنذاك ، و قوانين الرعاية الصحية و الاجتماعية وفي عصره أنشأ المستشفى العام الجامعي و الذي كان من أكبر مستشفيات العالم .
وبعد وفاة جوزيف الثاني جاء أخوه ليوبولد الثاني عام 1790 .وكانت فيينا بذلك الوقت عاصمة العالم الموسيقية من خلال هايدن موتسارت و بيتهوفين في اواخر القرن .
وفي عام 1789 قامت الثورة الفرنسية و قبل أن تتخذ النمسا خطوات رد الفعل ضد فرنسا خوفا منها ، مات ليوبولد الثاني و أستلم أبنه زمام الحكم .
ومن خلال اجتياح نابليون لأوروبا وصلت جيوشه إلى النمسا في عام 1809ولكن الجيوش النمساوية هزمته في معركة أسبرن ، ولكن الجيش الفرنسي استطاع الانتصار عليهم في معركة بمارخ فيلد في نفس العام ، وبذلك بدأ عصر نابليون بالنمسا . ومن نتائج هذه الهزيمة أن نابليون فصل جزء من النمسا الجنوبية وشكل منها دولة الهيرين وهي يوغوسلافيا ، وبذلك فقدت النمسا حدودها البحرية . .
وفي عام 1810 كان الأمير ميترنيخ متولي الأمور الدبلوماسية و استطاع أن يخفف من حدة الصراع مع نابليون بتدبير زواجه من الدوقة الكبيرة ماري لويز ابنة الإمبراطور النمساوي فرانس الأول .
وبعد هزيمة نابليون في معركة لايبزيخ 1813 استعادة النمسا السيادة على أراضيها من جديد ثم بعد ذلك معاهدة فيينا عام 1815 لإعادة تنظيم أوروبا .
في عام 1848 قامت الثورة من الطلاب و العمال و الأمراء ، وأدت هذه الثورة إلى تغير كبير حيث أنشأ مجلس الدولة ( البرلمان النمساوي الأول ) . في هذه السنة أستلم فرانس يوسف الإمبراطورية وفي عام 1849 أنشأت السكك الحديدية .وأسست فصائل الجاندارم. عام 1866 حروب النمسا مع روسيا و إيطاليا في معارك كونيكسكريتس و كستوزا و ليسا ، ثم خروج النمسا من الحلف الألماني ، عام 1867 التسوية مع المجر و وضع أسس لحقوق المواطنين .
1869 الخدمة العسكرية الإجبارية العامة ، وقانون التعليم الإجباري العام . 1889 انتحار ولي عهد النمسا رودولف وتعيين ولي العهد الدوق الأكبر فرانس فرديناند.
في عام 1907 حق الانتخاب العام ، وفي عام 1908 ضمت النمسا إلى الإمبراطورية أراضي سلوفينيا ،وكان لهذا دور كبير في تطور الأمور في البلقان حيث حقدت الصرب على النمسا.

الحرب الاولى

وفي عام 1914 اغتيل ولي عهد النمسا فرانس فرديناند في سراييفو من أحد الصرب الحاقدين ، والذي بسببها اندلعت الحرب العالمية الأولى من عام 1914-1918 ،وفي عام 1916 توفى الإمبراطور فرانس يوسف واستلم كارل الأول الإمبراطورية النمساوية.
عام 1918 عند انتهاء الحرب العالمية الأولى أعلنت براغ الجمهورية التشكوسلوفاكية وبعدها استقال الإمبراطور كارل الأول وأعلنت الجمهورية النمساوية (الأولى) أيضاً في عام 1918 وتوفي كارل في عام 1922 في جزيرة ماديرا وكان هذا أخر إمبراطور للنمسا.

الجمهورية الأولى

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة النمسا حددت دول الإتلاف المنتصرة في مؤتمر جرمان 1919 حدود النمسا الجديدة (الحالية)، وفي 1920 وضع القانون الجديد للجمهورية، وإلى عام 1932 توالت عدة حكومات برئاسة المسيحيين الاشتراكيين بينما بقي الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعيمه أوتوباور في المعارضة.
1932 استلم أنكلبرت دولفوس الحكم ومارس حكماً ديكتاتوريا من ناحية ومن ناحية أخرى كان ضد سياسة هتلر مما أدى إلى محاولة انقـلاب من الوطـنيون الاشـتراكيون ( النازيون) عام 1934 و تم اغتيال دولفوس وفشل الانقلاب. المستشار كورت شوشنيك يخلف دولفوس كمستشار للحكومة النمساوية.
عام 1938 دخول القوات الألمانية النمسا وضم النمسا إلى الرايخ الألماني ، وخاضت النمسا الحرب العالمية الثانية مجبرة مع ألمانيا ، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة هتلر دخلت قوات الحلفاء إلى النمسا عام 1945 وفي 27/4/1945 تكونت الجمهورية النمساوية ( الثانية ) بزعامة الدكتور كارل رينر، ولكنها كانت تحت سيطرة الحلفاء ( أمريكا ، روسيا ، فرنسا، إنجلترا ).

الجمهورية الثانية

وفي عام 1955 و بعد أكثر من 300 جلسة عقدها وزراء خارجية الحلفاء يقوم وفد حكومي نمساوي رفيع المستوى مؤلف من مستشار الحكومة النمساوية حينذاك يوليوس راب ونائبه أودلوف شارف ووزير الدولة كرايسكي بعقد مباحثات مع الحكومة السوفيتية بمقتضى ما يسمى بـ( مذكرة موسكو ) على الموافقة المبدئية للحكومة السوفيتية على معاهدة الدولة.
توقيع معاهدة الدولة من جانب الدول العظمى والنمسا في قصر البيلفيدير يوم 15/5/1955 مع تأكيد حظر انضمام النمسا إلى ألمانيا، و وافق البرلمان على قانون الحياد في 26أكتوبر1955، وأصبح هذا اليوم هو العيد الوطني للنمسا.
وفي نفس العام تم افتتاح دار الأوبرا وكان هذا رمزاً واضحاً للانتهاء من إعادة بناء البلاد ثم دخول النمسا كعضو في منظمة الأمم المتحدة ، وفي عام 1956 دخول النمسا كعضو في المجلس الأوروبي.

1966-1970 انتهاء النظام السياسي السالف للحكومات الائتلافية وحكومات انتخاب التمثيل النسبي، حكومة كلاوس للأغلبية المطلقة ( حزب الشعب النمساوي ) .اعتبارا من 1973 بدأ عصر الحكومات الاشتراكية التي بدأها كرايسكي الذي جعل السياسة الخارجية محورا أساسيا، وادخل العرب إلى ساحة السياسة العالمية وخاصة رؤيته الحكيمة الصحيحة للقضية الفلسطينية.
1979 أصبحت مدينة فيينا ثالث مقر من مقرات الأمم المتحدة.

تعليمية




تاريخ اسبانيا
ما قبل التاريخ

نجد في شبه الجزيرة الإيبيرية العديد من المواقع الأثرية ذات الشهرة العالمية وتشير الأبحاث إلى حضور الإنسان منذ العصر الحجري القديم الأسفل (مواقع أورثي، بينادو، أريدش، طورألبا، أمبرونة، أتابواركا). خلال العصر الحجري القديم الأعلى ترك السولوتري الإسباني بعض الآثار في كهف باراباليو ويعرض موقع ألتاميرا عينة من الفنون الجدارية التي تعود على 12.000 سنة ق.م.

ظهرت خلال العصر الحجري الحديث ثقافات خاصة تدل عليها الأواني الجرسية الشكل التي عثر عليها قرب المرية (حضارة أرغار). من العصر الحجري الأعلى يمكن ذكر رسوم الكهوف الموجودة في التاميرا، ومن العصر الحجري القديم نستطيع التعرف على رسم كوجول (الرسم التصويري) ومن العصر الحجري الحديث يمكن ملاحظة الأرجار والكاس الذي يشبه شكل الناقوس.

*****

التاريخ القديم

وصل الأيبيريون إلى شبه الجزيرة في نهايات العصر الحجري الحديث وبداية العصر البرونزي (2000-1500 قبل الميلاد) وقد قبعوا في الجنوب والجنوب الشرقي من شبه الجزيرة . وبعد ذلك جاء في أعقابهم جنس آخر يعرف باسم السلتيون الذين احتلوا منطقة الشمال وغرب شبه الجزيرة الأيبيرية. وعندما اتحد الشعبان عرفوا بعد ذلك باسم السلت الأيبيريين. وأيضا وحتى القرن العاشر قبل الميلاد وصلت الشعوب الجرمانية والغالية والفينيقيون وكذلك شعوب الإغريق والقرطاجيين[1].

*****

الإيبيريون، الإيبيريون السلت، الفينيقيون والإغريق

الإيبيريون هم السكان الأصليون لشبه الجزيرة الإيبيرية التي سميت بإسمهم حسب كثير من المصادر المكتوبة ولا تعرف أصولهم بالتحديد ولكن يغلب الظن على أنهم ليسوا من الشعوب الهندوسية الإيبيرية. هاجر السلت لاحقا إلى شبه الجزيرة واختلطوا بالسكان الأصليين.

*****

القرطاجيون

بعد الحرب البونيقية الأولى (264ق.م 240 ق.م) وسع القرطاجيون نفوذهم إنطلاقا من قرطاجنة أو قرطاج الجديدة في شبه الجزيرة الإيبيرية وساهم الاستغلال المكتف للمناجم في استرجاع قرطاج لقوتها الإقتصادية و السياسية. وكان سبب اندلاع الحرب البونيقية الثانية حصار الجيش القرطاجي لمدينة ساجونتا التي كانت حليفة لروما.

*****

الرومانيون

سيطر الرومان على شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الثالث قبل الميلاد و طردوا منها على يد الوندال في القرن الخامس ميلادي. أكمل الإمبراطور أوغست غزو شبه الجزيرة في القرن الأول ق.م وتلت ذلك مرحلة من الإضطرابات والثورات بالتزامن مع محاولات ‘رومنة’ الإيبيريين والتي اتسمت بالصعوبة و تأخرت نسبيا عن بقية أرجاء الامبراطورية.

هسبانيا Hispania هو الاسم المعطى من قبل الرومان إلى كامل شبه الجزيرة الإيبيرية (الحديثة البرتغال ، واسبانيا ، واندورا ، و جبل طارق و جزء جنوبي صغير جدا من فرنسا).

أعطى الامبراطور فاسباسيان حق المواطنة لكل الايبيريين سنة 74م. واسم أسبانيا في اللغة الأسبانية مشتق من هسبانيا.

أصبحت أسبانيا مقاطعة مهمة في الإمبراطورية الرومانية، وانتقل الكثير من الرومان للعيش هناك. وبنوا مدنًا في أسبانيا، كما عبَّدوا طُرُقًا ممتازة امتدت إلى كل المناطق. كذلك أنشأوا قنوات ضخمة كانت تحمل الماء من الأنهار إلى المناطق الجافة. وقد وُلِد العديد من أباطرة روما العظام ـ مثل هادريان وتراجان ـ في أسبانيا. كذلك فإن كتابًا بارزين مثل مارشيال وسنيكا انحدروا من أسبانيا.

أدخل الرومان اللغة اللاتينية إلى المقاطعة، وتطورت اللغة الأسبانية تدريجيًا عن اللاتينية التي كانت لغة التخاطب. كذلك أدْخلت النصرانية إلى المقاطعة خلال الحكم الروماني، وأصبحت النصرانية هي الديانة الرسمية للمقاطعة ـ وللإمبراطورية الرومانية ـ خلال أواخر القرن الرابع الميلادي. وفي الوقت نفسه تقريبًا انقسمت الإمبراطورية إلى جزأين: الإمبراطورية الرومانية الشرقية والإمبراطورية الرومانية الغربية. وأصبحت أسبانيا جزءًا من الإمبراطورية الرومانية الغربية[2].

*****

ابتدأت الحملات الجرمانية في زعزعة أمن روما خاصة في ما يعرف اليوم بفرنسا قبل أن تمتد في القرن الخامس ميلادي إلى شبه الجزيرة الإيبيرية.

التاريخ الوسيط

القوط الغربيون

القوط الغربيون شعب من الشعوب الجرمانية زحف جنوبا تحت ضغط الشعوب الجرمانية الأخرى و سيطر على شبه الجزيرة بعد أن طرد الوندال منها وأقاموا فيها حضارة استمرت حتى القرن السابع ميلادي

*****

الحكم الإسلامي

الأندلس هي الدولة التي أسسها المسلمون في شبه جزيرة أيبيريا عام 711م بعد ان استولوا تحت قيادة طارق بن زياد وضموها للخلافة الأموية وأستمر وجود المسلمين بالأندلس حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492.

واصل المسلمون التوسع بعد السيطرة على معظم أبيريا لينتقلوا شمالا عبر جبال البرنييه حتى وصلوا وسط فرنسا وغرب سويسرا. هـُزم الجيش الإسلامي في معركة بلاط الشهداء (تورز) عام 732 أمام قائد الفرنجة شارل مارتل.أرسل القائد موسى بن نصير إلى إبنه عبد العزيز ليستكمل الغزوات في غرب الأندلس حتى وصل إلى لشبونة أما موسى بن نصير وطارق بن زياد فقد لإتجاها شمالا إلى بارشلونه ثم سراقسطه ثم شمال تجاه الوسط والغرب حتى انتهت السيطرة على كل الأندلس في 3 سنين ونصف.

*****

الإسترداد

كانت سنة احتلال العرب لمنطقة البروفانس الفرنسية قد أعقبت الاحتلال والتدمير النرويجي للمنطقة من ابادة وسلب ونهب، ليستغل دوق "ليون" تلك الفوضى، وبدعم من رجال الدين، فيؤسس مملكته الخاصة مملكة ليون في البروفانس عام 879م وعندما مات سنة 887م كان وريثه صغيرا غير قادر على الحكم، مما جعل بقية الأمراء المحليين ينتهزون الفرصة لتأكيد استقلالهم في الحكم، مما جعل لإمبراطورية الكارولنجية في فرنسا تنقسم إلى مملكتين شرقية وغربية[3].

بدات حركة الاسترداد في 718 يرى المؤرخون الإسبان أن هذه الحركة تبدأ من معركة "كوفا دونجا" أو مغارة دونجا وفيها انهزم ابن علقمي اللخمي شر هزيمة من قوات "بلايه" (Pelayo)، وانتهت بتأسيس أولى الإمارات المسيحية في شمال الأندلس[4].

جمع عبد الرحمن الغافقي المجاهدين وخرج باحتفال مهيب ليعبر جبال البرانس واتجه شرقاً ليضلل النصارى عن وجهته الحقيقية، فأخضع مدينة "أرل" التي خرجت عن طاعة المسلمين، ثم اتجه إلى "دوقية"، فانتصر على الدوق انتصاراً حاسماً، ومضى الغافقي في طريقه متتبعاً مجرى نهر "الجارون" ففتح "بردال" واندفع شمالاً ووصل إلى مدينة "بواتييه". في بداية غزو جنوب فرنسا. دققت بهاأودو العظيم في معركة تولوز في 721 تراجعت وتجميعهم ، تلقى التعزيزات. ولم يجد الدوق "أودو" بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورها في يد شارل مارتل، بعد الغزو كان تشارلز مارتل هزم في معركة جولات في 732 معركة بواتييه وقعت 10 أكتوبر عام 732 م بين قوات المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي وقوات الإفرنج بقيادة قارلة (أو تشارلز/ كارل مارتل). هُزم المسلمون في هذه المعركة وقتل قائدهم وأوقفت هذه الهزيمة الزحف الإسلامي تجاه قلب أوروبا وحفظت المسيحية كديانة سائدة فيها.

كان شمال شبه الجزيرة الايبيريه به ثلاثة ممالك نصرانية وهم أرجون ونافار وليون وكانت أكبرها هي ليون وكانت هذه الممالك تجترئ على الحدود الشمالية الأندلسية وتهجم عليها واحتلت بعض المدن الإسلامية مثل مدينة سالم[5] .

في عام 1095 كانت البرتغال إقطاعية حدودية من مملكة ليون. أراضيها البعيدة عن مراكز الحضارة الأوروبية، والتي تتضمن بشكل كبير الجبال والأراضي البرية والغابات، جاورت من الشمال مينهو، ومن الجنوب مونديجو.

أصبح فرناندو الثاني ملك ليون من عام 1157 حتى وفاته . قسم والده مملكته عند وفاته ، و باستلام فرديناند عرش ليون ، استلم سانشو الثالث ملك قشتالة عرش قشتالة .

انكفأ المسلمون في الأندلس التي كانت تشمل معظم أجزاء إسبانيا باستثناء بعض المناطق الشمالية الغربية مثل منطقة جليقية أو غاليسيا ، فإن المسلمين لم يفرضوا سلطانهم تماماً على هذه النواحي لوعورة مسالكها وبرودة مناخها، فأهملوا جانبها زهداً فيها واستهانة بشأنها. ولهذا استطاعت بعض فلول الجيش القوطي المنهزم بزعامة قائد منهم يدعى بلاي أن تعتصم بالجبال الشمالية في هذه المنطقة ، وعاشوا على عسل النحل الذي وجدوه في خروق الصخر . ولما أعيى المسلمين أمرهم ، تركوهم وانصرفوا عنهم استخفافاًً بشأنهم وقالوا : ثلاثون علجاً ما عسى أن يجيء منهم ؟.

من هذه المناطق نبتت نواة دولة إسبانيا المسيحية، ونبتت معها حركة المقاومة الإسبانية التي أخذت تنمو وتتسع حتى سيطرت على جميع المناطق الشمالية الغربية التي أصبحت تعرف بمملكة ليون . ولقد أحاطت هذه المملكة نفسها بسلسلة من القلاع والحصون لحماية نفسها من هجمات المسلمين . ولم تلبث هذه القلاع أن اتحدت في القرن العاشر الميلادي بزعامة أقوى أمرائها ويدعى فرنان جون زالس ، واستقلت عن مملكة ليون وصارت تعرف بإمارة قشتالة . وكانت الكنيسة الكاثوليكية في روما تحرّض الأسبان بشكل مستمر على صدّ المسلمين وقتالهم ، ودعت هذه الكنيسة ملوك أوروبا إلى مساعـدة الأسبان ضد العـرب والمسلميـن[6]

*****

مملكة اسبانيا

اندمج تاج أراغون مع تاج كاستيا لتتكون مملكة اسبانيا ،اصبحت مملكة فالنسيا عضوا في الملكيه الاسبانيه. اتحدت مملكة كاستيا و مملكة ليون مع مملكة أراجون و استطاع الملك فيرنانديو و الملكة إيزابيلا ، الاستيلاء على الممالك العربية في الاندلس الواحدة تلو الأخرى إلى أن سقطت في أيديهم غرناطة آخر قواعد المسلمين سنة 1492 .

ضمنت ايزابيلا الاستقرار السياسي طويلة الاجل في اسبانيا عن طريق ترتيب الزيجات الاستراتيجيه لكل من اطفالها الخمسة. أول ، بنت اسمها ايزابيلا ، تزوجت من ملك البرتغال الفونسو ، من المهم اقامة علاقات بين هذين دول الجوار و لضمان مستقبل التحالف ، ولكن سرعان ما ماتت ايزابيلا قبل ولادة ولي العهد البرتغال . Juana ، ابنة ايزابيلا الثانيه خوانا ، تزوجت من فيليب الوسيم ، ، ملك بوهيميا (النمسا) والمعنون إلى التاج من الامبراطور الروماني المقدس وقد كفل هذا التحالف مع الامبراطوريه الرومانيه المقدسة الاقليم القوي ، بعيدة المدى الذي أكد اسبانيا مستقبل الأمن السياسي. ، تزوج ابن ايزابيلا الاول والوحيد ، خوان من مارغريت النمسا ، والحفاظ على علاقات مع عائلة هابسبورغ النمساوية ، وعلى اسبانيا التي كانت تعتمد إلى حد بعيد. تزوجت ماريا الطفل الرابع لها من مانويل الأول من البرتغال ، وتعزيز الصلة التي اقامها زواج الاخت الاكبر سنا . الطفل الخامس، كاترين ، تزوجت عام 1501م من آرثر، الأخ الأكبر للملك هنري الثامن، إلا انها ترملت بعد ستة أشهر فقط، فتم تزويجها من هنري الثامن عام 1509م. أنجبت خمسة أطفال، توفوا كلهم أثناء الولادة عدا الطفلة ماري (والتي أصبحت الملكة ماري الأولى).

*****

التاريخ الحديث

الإمبراطورية الاستعمارية

عندما ارتقى «فيليب الثاني» عرش إسبانيا، كانت أقوى دولة في العالم، وبخاصة ممتلكاتها العينية والمالية.بلغ عدد سكان إسبانيا أواخر القرن الخامس عشر حوالي تسعة ملايين نسمة بما فيهم العبيد والمغاربة.. و كانت إسبانيا بلد التزمت الديني في تلك الحقبة. ولكن إسبانيا لم تكن لتخلوا من توترات داخلية تدفع بإسبانيا إلى هاوية الفقر. وكان أحد الأسباب في ذلك طرد اليهود عام /1492م/ ثم المغاربة عام /1609م/ مما أفقر إسبانيا من الخبرة التجارية واليد العاملة. ثم يضاف توسع إسبانيا عسكرياً مما كلفها الكثير من قوتها المادية وبخاصة ما رافق هذا التوسع من حروب

في الثاني والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975 أعلن خوان كارلوس ملك لإسبانيا بعد موت فرانسيسكو فرانكو ، وفي رسالته الأولى إلى الأمة أبدى افكاره الداعية لإعادة الديمقراطية للبلاد . حسب الدستور المعدل عام 1978 أصبحت إسبانيا دولة قانون اجتماعية وديمقراطية تحت نظام ملكي برلماني. قبل ذلك كانت تحت حكم شمولي تحت حكم فرانكو. الملك منصبه فخري و رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي للبلاد. البرلمان الإسباني (Cortes Generales) مقسم إلى مجلسين واحد للأعيان (Senado) وعدد أعضاءه يبلغ 259 عينا وآخر للنواب (Congreso de los Diputados) وعدد أعضاءه يبلغ 350 نائبا. ينتخب الأخير مباشرة من الشعب كل 4 سنوات، بينما يعين 51 عضو من مجلس الأعيان و ينتخب الباقون من الشعب أيضاً. رئيس الوزراء و الوزراء يتم تعيينهم من قبل البرلمان اعتماداً على نتائج الانتخابات النيابية.

*****

أهم الأحزاب الإسبانية:

حزب الشعب
حزب العمال الاشتراكي الاسباني
اتحاد اليسار
التحالف الديمقراطي لكاتالونيا
الحزب الوطني الباسكي
اليسار الجمهوري لكتالونيا




التصنيفات
بلدان ومدن

موسوع تاريخ الدول قارة اسيا

۞۞ قارة أسيا ۞۞

قارة آسيا متصلة مع أوروبا بحيث إنه يمكن إعتبارهما قارة واحدة ولكنهما تعتبران قارتين لأسباب تاريخية، وتعتبر جبال الاورالونهر الاورال الحد الفاصل بينهما. وترتبط مع أفريقيا بشبه جزيرة سيناء وتعتبر قناة السويس الخط الفاصل بينهما ويقطن آسيا أكبر عدد من السكان مقارنة بالقارات الأخرى وفيها أكبر تجمعين سكانيين في دولتين وهما الصين (1.3 بليون نسمة) والهند (1.1 بليون نسمة)، كما أن بها أكبر دول العالم وأصغرها مساحة روسيا و هي أكبر دولة عالمية من حيث المساحة بحث تغطي مساحة قدرها 17 مليون كيلومتر مريع، وفيها أصغر الدول مثل البحرين، والمالديف، وسنغافورة مساحة كل منها أقل من 780 كيلومتر مربع. وأكثر من خمسي بلاد آسيا بها سكان أقل من ستة مليون نسمة. وقامت بها أكبر عدد من الحضارات القديمة كحضارات الهندوبابلوسومروآشوروالفرسوالصين. وحضارةالفينقيينوالحيثيينوالحضارة الإسلامية.
وتعتبر قارة آسيا مزيجا من التضايس والمعالم الأرضية ففيها أطول أنهر الأرض وأكبر الصحارى، وأكثف الغابات. بالاضافة إلى أعلى وأخفض نقطتين في الأرض، حيثقمة افرست في جبال الهملايا ترتفع 8,848 متر عن سطح البحر وبذلك تكون أعلى نقطة في سطح الأرض، بينما اخفض نقطة على سطح الأرض تكون قرب البحر الميتوعمقها 399 متر تحت سطح البحر بين الضفة الغربية والاردن. وزيادة على ذلك فإن دول آسيا فيها نظم سياسية متنوعة، فبعض الأنظمة الشيوعية تحكم بلدان في آسياكالصينوفيتنام. وبعض الدول لها ملوك كالمملكة العربية السعوديةومملكة البحرين.

تعليمية

الفهرس الخاص بمواضيع القارة :

الناقل الرسمي للحضاره الاسلاميه

تاريخ لبنان

تاريخ ايران

تاريخ الكويت

تاريخ البحرين

تاريخ فلسطين

تاريخ القدس منذ الفتح العربي

نبذه عن افغانستان

تاريخ كوريا

تاريخ المملكه الاردنيه الهاشميه

تاريخ الامارات العربيه المتحده

تاريخ المملكه العربيه السعوديه

اليابان

الجولان

حضاره بلاد الشام "سوريا "

تاريخ سوريا المصور

نبذه عن تاريخ افغانستان

نبذه عن مدينه حلب

نبذه عن سامراء

مدينه دقه الاثريه "تاريخ فنيقي _ارض قرطاجيه _عماره رومانيه "

مملكة سبأ




تاريخ لبنان
التاريخ القديم (ما قبل 636م)

هناك أثار تدل أن مناطق غربي أسيا ومنها لبنان كانت مستوطنة منذ العصر النياندرتالي
الا أن ذكرَ اسم لبنان بشكلٍ مؤرَخ يعود لأثار من 3000 سنة قبل المسيح. وكان سكان هذا الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من الكنعانيين
الساميين من صلب سام بن نوح.
دعا الإغريق سكان هذه المناطق بالفوينيكوس (phoinikies) والتي تعني البنفسجيين و ذلك نسبة للون البنفسجي الذي طغى على البستهم وللصباغ الأرجواني الذي اشتهروا به. وهكذا عرفوا بالفينيقيون في الأثار القديمة.
الا أن اهالي هذه البلاد أطلقوا على أنفسهم اسم "تجار من صيدا" وعلى بلادهم باسم "لبنان" بسبب موقعه و طبيعته.
خلال الفترة الفينيقية، كانت شعوب غربي اسيا مؤلفة من ممالك مستقلة كل في مدينة ساحلية. وكانت تشتهر كل مدينة بحسب صنعة أبناءها. فمدينتي صيداوصور اشتهرتا بتجارتيهما البحرية. أما مدينة جبلا التي اشتهرت ببييلوس (واليوم تعرف بمدينة جبيل) فاشتهرت بمراكزها الدينية وتجارتها مع مصرالفرعونية ما بين 2686ق.م و 2181 ق.م بحيث صدّرت خشب شجر الأرزوزيت الزيتونوالنبيذ واستوردت الذهب من وادي النيل. واشتهرت مدينة بيريتوس (الإسم ألإغريقي لبيروت) بتجارتها ومراكز العبادة.

تعليمية

الفراعنة

وخلال طرد الفراعنة للهكسووسمن مصر، احتل تحتموس الثالث الساحل الشرقي للبحر المتوسط وضم المدن الفينيقية لحكمه.

الفينيقيون

وبنهاية القرن الرابع عشر ما قبل الميلاد، ضعفت الدولة الفرعونية مما اعطى لبنان الفرصة ليستقل عنهم في بداية القرن 12 ق.م. وبقي استقلال
الفنيقيين للعقود الثلاث التي تلت، فازدهرت المنطقة وفرضت وجودها التجاري على حوض المتوسط.
في هذه الفترة، استعمل الفنيقيون أحرفا أبجدية لتسهيل تجارتهم ومخاطبتهم للشعوب الأخرى. وهذه الأحرف اعتمدت على ترميز مخارج الأصوات بدلا من تصور للمعاني التي كانت معتمدة في الكتابة في ذلك الزمن. وعلَّم الفنيقيون الكتابة لشعوب البحر المتوسط مستعملين أحرفهم فيما عرف بالأحرف الأبجدية.
وفي هذه الفترة وسّع الفنيقيون تجارتهم لتشمل، بالاضافة للنسيج، المعادن والزجاج. كما برعوا في تشكيل المعادن وتشكيل الزجاج وفي الملاحة البحرية. كما اسسوا المستعمرات في حوض المتوسط مثل قبرص، رودوس، كريتوقرطاجنة. كما دارت سفنهم حول القارة الأفريقية الاف السنين قبل البحارة البرتغاليين. واستمر ازدهار الشعب الفنيقي حتى الغزو الاشوري.

الحكم الأشوري

استولى الأشوريون (875 – 608 ق.م) علي الساحل الشرقي للمتوسط وقضوا على ازدهار الفنيقيين. حاول سكان صور وبيبلوس الانتفاضة على حكم ألأشوريون في القرن 8 ق.م الا ان تَغْلَثُ فَلاَسَرَ اخضعهم وفرض جزية قاسية. وحاولت صور الانتفاضة ضد سرجون الثاني الا انه اخضعها في سنة 721 ق.م. وقام اسرحدون (681ق.م) بتدمير وسبي سكان صيدا وبناء مدينة جديدة على أنقاضها.

الحكم البابلي والفارسي

بنهاية القرن الثامن ق.م ضعف الأشوريون مما سمح للبابليين بالقضاء عليهم وانشاء دولة قوية في بلاد ما بين النهرين. وخلال الحكم البابلي، قاومت مدينة صور لمدة 13 عاما حصارا قويا من ِقِبل نبوخذنصرالبابلي قبل أن يفتحها ويأسر أهلها.
أنهى الفرس الأخمينيون حكم البابليين في عهد قوروش مما جعل الفينيقيين يخضعوا لهم. وساند الفنيقيون الفرس بحروبهم ضد الأغريق وخاصة باستعمال مراكبهم في المعارك البحرية. الا انهم انتفضوا على دارا الأول بسبب مأسي الجزية المفروضة عليهم.

حكم الأغريق

عند انتصارات الملك الاغريقي الاسكندر المقدوني على الفرس في عام 333 ق.م، رحب الفنيقيون به فاتحا لبلادهم. الا أن أهل صور رفضوا طلبه لتقديم ذبائح في معبد ملكارتمما دفعه لتدمير الجزيرة بعد 8 أشهر من الحصار.تأثر الفينقيون كثيرا بالثقافة الاغريقية مما اعطاهم طابعا مختلفا عن بقية شعوب المنطقة. بعد موت الاسكندر، تبع الفنيقيون الدولةالسلوقية. الا ان المنطقة تأثرت بالنزاعات بين القادة الاغريق.

تعليمية

نزوح بني عاملة إلى لبنان

وفي القرن الثالث ما قبل الميلاد، وقعت حادثة سيل العرم و انهيار سد مأرب و ضياعمملكة سبأ المعروفة في التاريخ. وبسبب هذه الكارثة، هاجرت قبيلة عاملة بن سبأ بن يشجب بن قحطان من اليمن إلى اطراف الشام فيما عرف بجبل عامل. وهي منطقة الهضاب في جنوب لبنان المشرفه على البحر المتوسط وفلسطين وعرف سكانها باسم اهل جبل عامل.

حكم الرومان

في سنة 64 ق.م انهى القائد بومبي حكم السلقيون وضم المدن الفينيقية لحكم الرومان. ونعمت المدن الفنيقية بالازدهار الاقتصادي والفكري والثقافي. كما مَنح الرومانيون أهل مدن صيدا وصور و بيبلوس المواطنية الرومانية. كما بنى الرومان الصروح والهياكل مثل معبد بعلبك ودار الحقوق والحمامات العامة في بيروت والهياكل في صور. وازدهرت التجارة حيث صدَّرالفينيقيين خشب شجر الأرْز والعطور والمجوهرات والنبيذ وعبَّدوا الطرق.

حكم البزنطيين

في سنة 395 ق.م تبعت منطقة لبنان الدولة البزنطية مما تابع ازدهارها لقرن كامل. وفي القرن السادس الميلادي ضرب البلاد زلالزل التي دمرت العديد من معالمها كهيكل بعلبك
ومدرسة الحقوق في بيروت وقتل 30,000 من سكانها.

الموارنة

في عهدالبزنطيين، حصل صراع بين المسيحيين حول طبيعة السيد المسيح. و كان القديس مارون من أشد المقاومين لعقيدة الطبيعة الواحدة واتفقوا مع ثوابت المجمع الخلقيدوني الذي انعقد عام 451م. ادى هذا الإختلاف إلى مجازر عنيفة انتهت بمقتل أكثر من 3300 راهب ماروني في ديرالقديس مارون وأفاميا. دفعت هذه المجازر إلى هروب أتباع القديس مارون جنوبا إلى مرتفعات جبل لبنان التي امنت لهم حماية طبيعية. ومذاك الوقت أستوطن الموارنة جبال لبنان الوعرة وبنوا الاديرة في صخوره.

المردة

في نفس فترة انتقال الموارنة إلى لبنان، تواجد في لبنان قوم سمي بالمردة. اختلف على نسبهم فمن قال أنهم من الجراجمة ومنهم من نسبهم إلى الموارنة الذين نزحوا إلى تلك الجبال. الا ان ما اتفق عليه ان المردة كانوا مقاتلين شديدوا البأس مرهوبوا الجانب عاشوا في لبنان وجعلوه حصينا.

تعليمية

الحكم الإسلامي (636م-1920م)

قامت الفوضي في منطقة لبنان بسبب الزلازل، الجزية القاسية والإختلافت الدينية في القرن السادس الميلادي مما أضعف الدولة البيزنطية وفتح البلاد أمام المسلمون القادمون من الجزيرة العربية. أرسل أبو بكر الصديق (ر) قواته لفتح بلاد الشام. وفي سنة 636م دحر القائد الاسلامي خالد بن الوليد القوات البيزنطية في موقعةاليرموك مما فتح له بلاد الشام ومنها لبنان.

الحكم الأموي

بعد انتصار معركة اليرموك، عُيٍّن معاوية ألأموي حاكما على سوريا والتي كانت تشمل لبنان. طلب معاوية من اهل لبنان بناء السفن من أجل مواجهة آلة الحرب البحرية البيزنطية كما أوقف غزوات المردة الأقوياء في جبال لبنان الذين ناصروا الروم بعد معاهدة صلح مع البزنطيين ودفع الجزية لهم. خلال هذة الفترة، استوطن العديد من القبائل العربية مناطق ساحل لبنان للحد من التدخل البيزنطي. أول القبائل العربية التي استقدمت إلى لبنان كانو اللمعيون الدين سكنوا كفرسلوان.

تشيُّع أهل جبل عامل

تذكر بعض المصادر الشيعية أنه في عهد الامويين، تشيع اهل جبل عامل على يد أبي ذر الغفاري الذي نفاه معاوية إلى جبل عاملو لا يزال هناك مسجدان يعرفان باسمه الاول في بلدة ميس الجبل و الثاني في بلدة الصرفند. و منذ ذلك الحين سمي أهل جبل عامل بالمتاولة أحد أهم أسماء الشيعة الإمامية وهي جمع متوالي، وهي مشتقة على القياس من توالى، أي تتابع، أو مشتقة على غير القياس من كلمة تولى اي اتخذ وليّا.

تعليمية

الحكم العباسي

استولى العباسيون على الحكم من ألأمويين سنة 750م وضموا لبنان لحكمهم. في بداية هذا العهد، استوطن الإرسلانيون في لبنان عام 756م. فرض العباسيون ضرائب قاسية على لبنان مما دفع اللبنانيين القيام بالعديد من الإنتفاضات. وفي القرن العاشر اعلن الامير الصوري علاقة استقلاله عن العباسيين الا أن حكمه انتهى مع استلاء الفاطميين على الحكم.

الصليبيين

خلال الحملات الصليبية (1096م – 1291م)، أبدى الصليبيين أهتماماً بمدن ساحل لبنان وسيطروا عليها تدريجياً. فبعد تأسيس ممكلة بيت المقدس في مدينة القدس توجهوا لطرابلس واستولوا عليها في عام 1109م. ثم على بيروت وصيدا في عام 1110م. وأخيراًصور عام 1124م. خلَّف الصليبيون وراءهم العديد من القِلاع في لبنان مثل قلعة طرابلسوقلعة شقيف وقلعة سان جيل.
خلال هذه الحملات، تجاوب الموارنة مع ثقافةالصليبيين وتحولوا إلى مرجعية البابا في روما بعدما كانوا يخالفونه الرإي والمعتقد.
وبما أن الفرنسيين كانو يشكلون عصب الحملات الصليبية بدأت العلاقات المارونية-الفرنسية تتوطت منذ ذلك الحين ولا سيما بعد مجيء ملك فرنسا القديس لويس التاسع إلى الشرق

المماليك

تمحور القرن الثالث عشر الميلادي بالصراعات بين الصليبيين من الشمال (أوروبا) والمغول من الشرق (أي هضاب اسيا) والمماليك من الجنوب (أي من مصر) والتي انتهت بغلبة المماليك.
المماليك كانو عبيد أحضرهم الأيوبيين من جبال القوقاز بين بحر قزوين والبحر الأسود. استولوا على الحكم من الأيوبيين وحكموا لبنان لقرنين من الزمن. ما بين القرنين ال11 وال 13 ميلادي، استوطن شيعة سورية والعراق والجزيرة العربية مناطق شمال البقاع وكسروان والجبال شمالي بيروت. انتفضوا الشيعة والدروز على المماليك عام 1291 مستغلين انشغاهم بالحروب مع الصليبيين. وفي عام 1308 استعاد المماليك السيطرة عليهم مما أجبر الشيعة ترك منطقة كسروان والنزوح إلى جنوب لبنان. وخلال العصر المملوكي أنتعشت تجارة مدينة بيروت واصبحت من أهم موانئ التجارة بين أوروبا والعالم العربي. وفي هذه الفترة، اتت القبائل العربية التالية واستوطنت مناطق مناطق وادي التيموساحل بيروت والشوف: الشهابيون، التلحوقيون، المعنيون وآل نكد.

الحكم العثماني

في عام 1516 سيطرت جيوش السلطان سليم الأول على لبنان وعلى المناطق الجبلية من سوريا وفلسطين، وعهد بإدارة هذه المناطق لفخر الدين الأول وهو أمير من الأسرة المعنية الذي قدم الولاء للباب العالي. ولقد أزعجت الأتراك محاولاته التي كانت ترمي إلى التملص من دفع الجزية. فقرروا بسط النفوذ المباشر على البلاد، ولكن ملاك الأراضي والفلاحيين اللبنانيين على السواء قاوموا ذلك، وفي عام 1544 توفي فخر الدين في بلاط باشا دمشق مسموما، وكذلك أستشهد ابنه قرقماز في عام 1585 أثناء قتاله للأتراك.
عام 1590 إعتلى فخر الدين الثاني نجل قرقماز السلطة، وكان سياسيا ماهرا حتى وصف بأنه تلميذ لميكافيلي وأنه كان يتقنع بأقنعة الدرزية والمسيحية بحسب حاجته، فقام بدفع الجزية للسلطان وتقاسم معه الغنائم الحربية، فعينه السلطان واليا على جبل لبنانوالمناطق الساحلية التابعة له، وكذلك قسم كبير من سوريا وفلسطين.

تعليمية

الأسرة الشهابية

ضم بشير الثاني (1795 – 1840) جبيل في الشمال ووادي البقاع إلى حكمه. وفي 1819 عين حاكم جديد في عكا هو عبد الله باشا، الذي فرض جزية كبيرة على لبنان، فثار الفلاحون ورفضوا دفع الضرائف لبشير الثاني ولم يستطع جمع المبلغ الملطلوب، ولم يستطع السيطرة على الأوضاع إلا بمساعدة الشيخ جنبلاط.
في عام 1822 هرب بشير إلى مصر وإستلم الجنبلاطيون الزمام الفعلي للأمور. ولكن بشير ما لبث أن عاد ونكل بآل جنبلاط وآل أرسلان، وفي عام ،1831 لدى وقوع لبنان في سيطرة محمد علي، كان بشير حليفا وتابعا له حتى عام 1840 حيث إضطر لمغادرة لبنان حيث قامت ثورة فلاحية ضده وضد الحكم المصري. عاد ملاك الأراضي الدروز بعد عزل بشير الثاني، فقاومهم الموارنة الذين كانوا قد حلّوا في بعض أراضي الدروز، فتدخلت القوى الأجنبية ودعم الفرنسيون الموارنة ودعم الإنجليز الدروز.
وفي اكتوبر 1841 قام الإقطاعيون الدروز بإنتفاضة ضد بشير الثالث الذي عينه الباب العالي، وحصلت مجازر متبادلة، فكانت الغلبة للدروز وسيطروا على جنوب لبنان.
أرسل الحاكم العثاني قواته إلى لبنان فعزل بشير الثالث وتحولت امارة لبنان إلى ولاية عثمانية عادية وعين عمر باشا واليا عليها. قمع عمر باشا الدروز فأرسل ثمانية من شيوخ الدروز إلى بيروت وعاد الموارنة الذين هربوا من المناطق الجنوبية بعد أحداث 1841.
تدخلت القوى الأجنبية في لبنان مرة أخرى، وأجرى الحاكم التركي إستفتاء في صيف 1842 أظهر ان الموارنة يريدون إمارة لبنان بحاكم من إسرة الشهاب وأظهر الدروز رغبتهم بالحكم التركي المباشر، ولكن ما لبثوا ان إنتفضوا في اكتوبر 1842 مطالبين بإطلاق سراح الشيوخ وإستقالة عمر باشا، فسحق عمر باشا الإنتفاضة وأحرق قصر آل جنبلاط.

تعليمية

حوادث 1845

كان التوزيع الطائفي للبنان غير متجانس، فكان في القسم الشمالي (كسروان) كان كل السكان تقريبا من الموارنة، وفي الوسط (المتن) كان الموارنة يشكلون الأغلبية الساحقة مع وجود بعض القرى الدرزية، وفي الشوف كان الفلاحون خليطا من الدروز والموارنة، أما الإقطاعيون في الشوف فكانوا من الدروز، وقام الحكم العثماني بتوزيع الوظائف بين قائمقامين على أساس طائفي، ووقعت كسروان تحت سلطة قائمقام ماروني، بينما إعتبرت بقية المناطق "مناطق مختلطة"، وإعتبر مسيحيو المناطق المختلطة بأنهم يجب أن يخضعوا بصورة مباشرة لقائمقام مسيحي، وأصر الإقطاعيون الدروز بأنه لا يمكن وجود سلطتين في مكان واحد، وأن موارنة الشوف يجب أن يخضعوا لقائمقام درزي، وحمي وطيس الخلاف حتى إقترح القنصل الفرنسي في سبتمبر 1844 تعيين عمدتان أو وكيلان في كل قرية مختلطة، واحد للمسيحيين وآخر للدروز، وخضع الموارنة في الشوف للقائمقام الدرزي، إلا أنه كان بإمكانهم تقديم الشكاوى ضد أعمالة إلى القائمقام المسيحي بواسطة وكيلهم، وبتعيين قائمقام درزي في الشوف، عاد شيوخ الدروز إلى إقطاعياتهم، وبدأ الفلاحون الموارنة بالإنتفاضة على الإقطاعيين الدروز بقيادة لجنة سرية في دير القمر في مايو 1845، ولكن الإنتفاضة شملت عامة الدروز ولم تنحصر في الإقطاعيين فبدأت موجة من المذابح والمذابح المعاكسة بين الطائفتين، ووقف الباب العالي العثماني إلى جانب شيوخ الدروز، وكنتيجة لذلك إمتدت الإنتفاضة إلى شمال لبنان حيث هب الفلاحون الموارنة ضد الطبقة الحاكمة (المارونية كذلك) في الشما وعمت الإنتفاضة جميع لبنان وأخليت العديد من القرى الدرزية والمارونية، ولكن الثورة قمعت قبيل خريف 1845، ووضع نظام جديد للحكم بمشاركة القناصل الأجانب، لم يلغ إزدواجية سلطة القائمقامية وإزدواج الوكلاء في القرى، بل وأضاف له مجلس لدى القائمقام له وظائف قضائية ويملك الحق في الإشراف على توزيع وجباية الضرائب، ويكون مكون من عشرة اشخاص، مارونيين ودرزيين وسنيين وإثنان من الروم الأرثوكس وإثنين من الروم الكاثوليك، مما عمق الخلافات الدينية وأعطى ذريعة لتدخل الدول الأجنبية للتدخل بشؤون لبنان بشكل دائم.

تعليمية

إنتفاضة الفلاحين بكسروان18581860 وأحداث الستينات 1860

ثار الفلاحون اللبنانيون الموارنة بشكل خاص على الإقطاعيين اللبنانيين، وقاد الثورة طانيوس شاهين وهو بيطري حداد وشملت مناطق كسروان والمتن والفتوح وكانت خلعت السلطة الإقطاعية بالكامل وأحلت محلها نظام شعبي بقيادة طانيوس شاهين، ومرة أخرى إمتدت الإنتفاضة لتشمل الموارنة في مناطق الإقطاع الدرزية، فبدأ الإقطاعيون الدروز بتسليح فصائل المتطوعين الدروز مرة أخرى، وفي 1860 تحولت الإنتفاضة إلى مذبحة شاملة جديدة، ففي 22 مايو أطلقت مجموعة من الموارنة النار على دروز عند بوابة بيروت، فقتل درزي وجرح اثنان فبدأت موجة جديدة من الحرق والذبح المتبادل في جميع أنحاء لبنان، ودمرت في الفترة بين 29 و31 أيار/مايو فقط حوالي 60 قرية في ضواحي بيروت، وإمتدت الإضطرابات في حزيران/يونيو إلى المناطق المختلطة في الجنوب والجبل الشرقي، وحاصر الدروز أثناء الأحداث أديرة وإرساليات كاثوليكية فأحرقوها، وإمتدت الأحداث إلى دمشق حيث حصلت مذبحة ضد المسيحيين، وحتى بعلم ومساهمة من الجنود الأتراك في الفترة بين 9 و 11 تموز/يوليو، وتكبد كل من المسيحيين والدروز وبقية الطوائف الإسلامية خسائر فادحة..

تعليمية

الحملة الفرنسية

بروتوكول 1861 و نظام المتصرفية
النظام الأساسي
الحركة التثقيفية

اتفاقية سايكس بيكو

إقتسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام والعراق، ووقع لبنان وسوريا تحت الإستعمار الفرنسي.

الأنتداب الفرنسي (1920-1946)

أثناء الحرب الإيطالية التركية، وصلت السفن الحربية الإيطالية عام 1912 إلى مقربة من بيروت وأطلقت نيرانها على السفن التركية الراسية في الميناء، مما سمح لفرنسا بالإعلان أن لها مصالح خاصة في سوريا ولبنان وأنها لن تتخلى عن مواقعهاالتقليدية فيهما ولا عن حقها بالدفاع عن مصالحها. وسنة 1918 أعلنت عصبة الامم فرض الوصاية على البلاد التي انتزعت من الدولة العثمانية فيما عرف بالانتداب. وكان هدف الانتداب مساعدة الدول على النهوض وتأسيس القوانين لانشاء دول حديثة. وبحسب تقسيم اتفاقية سايكس بيكو انتدبت فرنسا للاشراف على منطقة سورية والتي شملت لبنان.
في هذه الاثناء قام الملك فيصل باعلان المملكة العربية وعاصمتها دمشق. اندفع مسلمو الساحل اللبناني للمطالبة بالانضمام للدولة العربية.

مؤتمر فرساي

في عام 1919 م عقد مؤتمر فرساي الذي حدد توزيع المناطق العثمانية على المستعمرين الجدد وهم بريطانيا وفرنسا. ذهب البطريرك الحويك إلى المؤتمر طالبا استقلال لبنان بينما كان الامير فيصل يتفاوض في المؤتمر على تاسيس المملة العربية على جميع البلاد جنوبي تركيا بما فيها لبنان. وبطبيعة الحال، اراد مسلمو لبنان الانضمام إلى المملكة العربية.

دولة لبنان الكبير

و في أيلول/سبتمبر من عام 1920 أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير معلنا بيروت كعاصمة لها. و تمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً. ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على أساس ضمّ إليه ولاية بيروت مع أقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع أقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا)، فاتسعت مساحته من 3500 كلم مربع إلى 10452 كلم مربع، وازداد سكانه من 414 ألف نسمة إلى 628 ألفاً

وفي 23 مايو/أيار من عام 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية. وفي عام 1926 انشأ الفرنسيون الجمهورية اللبنانية، والتي تعبر بداية التاريخ الحديث للبنان وانتخب شارل دباس كأول رئيس للبنان.

اللبنانيون والصراع من أجل الإستقلال

معارضة المسلمين

كان مسلمو "دولة لبنان الكبير" قد رفضوا، في أكثريتهم، الدولة والكيان الوطني اللبناني، عند نشوئه لثلاثة أسباب هي:

  • 1ـ ان الدولة الجديدة جعلت منهم أقلية، وهم الذين كانوا جزءا من الأكثرية المسلمة الحاكمة في العهد العثماني.
  • 2ـ لأن أمنيتهم، بعد الانسلاخ عن السلطنة العثمانية، كانت الانضمام إلى "دولة عربية"، برئاسةالأمير فيصل، تضم "سوريا الكبرى" أي سوريا الحالية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.
  • 3ـ لأنهم كانوا رافضين للانتداب الفرنسي على اعتبار انه حكم دولة أوروبية أجنبية.
لم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين، بالكيان اللبناني. و في المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية في مطلع الثلاثينات، اشترطت فرنسا ان تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان. ولقد قبل ممثلو الحركة الوطنية هذا الشرط الأمر الذي أحدث تصدعا في صفوف السياسيين المسلمين "الوحدويين" في لبنان، وراح بعضهم "يتلبنن" مثل خير الدين الأحدب والبعض الآخر يبحث عن صيغة للتوفيق بين ولائه "القومي العربي"، وبين اعترافه بالكيان اللبناني مثل رياض الصلح وبشارة الخوري. ومن عام 1930 إلى عام 1943، راحت "صيغة" رياض الصلح/بشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال ـ تتبلور، إلى ان تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني، وهو يقوم على المعادلة التالية: من أجل بلوغ الاستقلال، على المسيحيين ان يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم، وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري ـ العربي.

تعليمية

ثورة بشامون

في بداية الحرب العالمية الثانية وبعد أن بدأت فرنسا تسترسل بالطغيان والسيطرة على المراكز الحساسة مما جعل الحكومة اللبنانية سنة 1943 تتقدم إلى المفوضية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور بما ينسجم مع الأوضاع. وكان هذا الطلب بدعم من البريطانيين الذين حكموا فلسطين والاردن والعراق. وفي 21 أيلول من السنة نفسها فاز الشيخ بشارة الخوري واصبح رئيسا للجمهورية وألف حكومته رياض الصلح وأعلنوا الاستقلال التام وحولت مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي واعتبر هذا القرار تحديا "ساخرا" للمفوض السامي مما جعله يأمر بتعليق الدستور وأرسل ضباطا" إلى رئيس الجمهورية فاعتقلوه مع رياض الصلح و بعض الوزراءوالزعماء الوطنيين مثل عادل عسيران، كميل شمعون، عبد الحميد كرامي وسليم تقلا وحجزوهم في قلعة راشيا. عندها قام رئيس المجلس النيابي آنذاك صبري حماده وبعض النواب باجتماع مصغر في قرية صغيرة هيبشامون و ألفوا حكومة مؤقتة ورفع العلم اللبناني الذي تكون من ثلاث أقسام الأحمر، الأبيض وفي الوسط ضمن اللون الأبيض شجرة أرز خضراء. وقد أدى هذا النضال إلى استقلال لبنان بتاريخ 22 تشرين الثاني 1943 وبعد ذلك دعم نفسه لبنان بانتسابه إلىجامعة الدول العربية سنة 1947 ثم تم انتسابه إلى هيئة الأمم المتحدة في نفس السنة.

تعليمية

استقلال لبنان (1946 إلى الآن)

أعلن استقلال لبنان عن فرنسا في 22 نوفمبر1943 وتم الإعتراف به في 1 يناير1944. وإنسحبت القوات الفرنسية في 1946، وتميز تاريخ لبنان منذ الإستقلال بتقلبات سياسية متكررة وفترات من الإستقرار والتزعزع المتوالية.

النكبة واتفاقية الهدنة مع إسرائيل

حرب 1948 أو ما يسميه العرب النكبة وما يسميه الإسرائيليون حرب الاستقلال هي حرب حدثت في فلسطين وأدت إلى قيام دولة إسرائيل وتهجير فلسطينيين عن أرضهم حيث هاجمت الجيوش العربية القوات الإسرائيلية في محاولة لاسترداد الاراضي العربية من القوات الاسرائلية. شارك الجيش اللبناني بالمعارك بشكل رمزي. اتى العديد من الفلسطينيين النازحين إلى لبنان والتجؤوا إلى المخيمات اللاجئين في كل المناطق اللبنانية.
انتهى القتال في 7 يناير 1949 بعد استيلاء الجيش الإسرائيلي على معظم منطقة النقب وتطويق القوات المصرية التي كانت مرابطة حول الفالوجة في النقب الشمالي. وبعد نهاية القتال بدأت مفاوضات في جزيرة رودس اليونانية بتوسيطالأمم المتحدة بين إسرائيل من جانب وكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب آخر. تم التوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربع بين 24 فبراير و20 يوليو 1949، وفيها تم تحديد الخط الأخضر الفاصل.

أزمة 1958

في العام 1958 نشأت أزمة لبنانية داخلية بين فريقين أحدهما مؤيد لحلف بغداد ومعارض للوحدة المصرية السورية آنذاك وهو بقيادة الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون، والآخر فريق المعارضة الموالي للوحدة العربية بين سوريا ومصر، وكان للأزمة أبعاد إقليمية بالإضافة إلى الأبعاد اللبنانية الداخلية لإرتباط أطرافها بحلف بغداد في عهد رئيس وزراء العراق نوري السعيد من جهة وبالوحدة السورية المصرية المرتبطة بحركة عبد الناصر من جهة أخرى، بالإضافة للبعد الدولي المرتبط مباشرة بالبعد الإقليمي ألا وهو الصراع بين الولايات الأمريكية المتحدة والإتحاد السوفييتي.

حرب 1967

حرب 1967 أو حرب الأيام الستة هي حرب حدثت في حزيران من عام 1967 بين إسرائيل وكل من مصر و سوريا والأردن وبمساعدة لوجستية من لبنان و العراق و الجزائر و السعودية و الكويت و أنتهت بإنتصار إسرائيل واستيلائها على قطاع غزة و الضفة الغربية و سيناء و هضبة الجولان. خلفت هذه الحرب شعور عربي بالانهزام مما دفع ببعض الفلسطينيين بتأسيس فصائل مقاومة عرفت بالفدائيين. وكان للفدائيين متحمسون في المخيمات الفلسطينية في لبنان وبين المسلمين والفلسطينيين. وكان أول شهيد للمقاومة هواللبناني خليل عز الدين الجمل الذي اجج الحماس عند اللبنانيين المسلمين لمناصرة العمل الفدائي . ومن تداعيات هذه الحرب قيام حروب الاستزاف بين مصر واسرائيل التي كان لها تأثير كبير على الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان.

أزمة 1969 واتفاقية القاهرة

في سنة 1969 نشبت أزمة بين الجيش اللبناني والقوات المسلحة الفلسطينية التي بدأت تنتشر في لبنان وتقوم بعمليات عسكرية. حاول الجيش اللبناني ظبط الوضع الا أنه تطور إلى مواجهات عسكرية مما جعل العديد من الدول تتدخل لايجاد حل وبخاصة جمال عبدالناصر. في تشرين الثاني 1969، وقع لبنان "إتفاق القاهرة" مع منظمة التحرير الفلسطينية. وفي هذا الإتفاق "يتنازل" لبنان لـ"المقاومة الفلسطينية" عن سيادته في منطقة العرقوب، ويبيح لـ"العمل الفدائي" حرية التحرك من هذه المنطقة ضد إسرائيل.
وفي عام 1970، قامت القوات الأردنية بطرد جميع القوات الفلسطينية من الأردن بعد معارك عنيفة فالتجاء الفلسطينيون إلى لبنان.

تعليمية

حرب 1973 واتفاقية كمب دايفيد

حرب أكتوبر أو حرب تشرين أو حرب يوم الغفران هي حرب دارت بين كل من مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من الجانب الآخر في عام 1973م. بدأت الحرب في 6 تشرين الاول 1973 بهجوم مفاجئ من قبل جيشي مصر وسوريا على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان.انتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974 حيث أذعنت إسرائيل بالموافقة على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.
وبنتجة هذه الحرب، وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عرفت بمعاهدة كامب ديفيدللسلام بين مصر وإسرائيل مع كل من الرؤساء أنور السادات و الأمريكى جيمي كارترورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحيم بيجِن. وهذه المعاهدة جعلت لبنان الساحة الوحيدة التي استخدمها الفلسطينيين لمواجهة إسرائيل.

حرب السنتين 1975-1977

طالع المقال الكامل للحرب الأهلية لبنانية.

دارت الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و 1990 وبدأت كصراع بين المسيحيين من جهة والفلسطينيين والحركة الوطنية من جهة اخرى. الا ان الامور تعقدت واخذ الصراع يتغير ويصبح بين الحلفاء احيانا اخرى. الا ان اسباب الصراع الحقيقي كان تغيير الواقع الديموغرافي اذ فقد المسيحيون اكثريتهم مما جعل المسلمون يطالبون بالمشاركة الأكبر في الحكم. وانتهت الحرب باتفاقية الطائف التي اقتسمت الحكم مناصفة بين المسلمين والمسيحيين كما انتقصت من صلاحيات رئيس الجمهورية ووضعتها في مجلس الوزراء مجتمعين.

إجتياح إسرائيل للبنان 1982

في 6 حزيران 1982، قامت إسرائيل باجتاح لبنان واحتلت بيروت في محاولة لايقاف القوات الفلسطينية من مهاجمة اراضيها. تدخل العالم لايقاف العمليات مما دفع الولايات المتحدة الاميركية، فرنسا، بريطانيا و إيطاليا لارسال قوت فصل. انتهى الاجتياح بخروج القوات الفلسطينية والسورية من لبنان وتوقيع اتفاقية 17من أيار الذي لم توقع من قبل لبنان وماتت في المهد. وخلال هذه الاجتياح وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا والعمليات الانتحارية ضد مواقع المارينز والقوات الفرنسية.

تعليمية

العودة السورية (1983-2005)

سحب السوريون قواتهم من لبنان صيف 1982 مع خروج القوات الفلسطينية عقب الإجتياح الإسرئيلي. ولم يعدها اليهم بعد انتخاب الرئيس الجميل اثر اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير الجميل يوم 14/9/1982، الا انتفاضة 6 شباط/فبراير، التي قادها رئيس حركة امل نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عام 1984 ضد اتفاق الـ7 من أيار بعدها اصبحت عودة القوات السورية ممكنة، خاصة اثر المعارك الدامية التي جرت بين عناصر الحلف المعمد بالدم، أي امل والاشتراكي، فعادت القوات السورية عام 1987 بعد معارك عنيفة بين الحزب والحركة طيلة اعوام 1985 – 1986 –1987، كانت بداية بالنيابة عن سوريا ممثلة بحركة امل، وعن منظمة التحرير ممثلة بالحزب الاشتراكي وقد وسعت عباءته حتى شملت كل القوى العروبية المناوئة للسوريين.

إتفاق الطائف 1989

اتفاق الطائف ، هو اتفاق تم التوصل اليه في المملكة العربية السعودية في 30 سبتمبر 1989 في مدينة الطائف. وأنهى هذا الاتفاق الحرب الأهلية اللبنانية، حضره 62 نائباً لبنانياً من أصل 73 ، 8 من الذين لم يحضروا الاجتماع لم يرتبط تغيبهم بأسباب سياسية و ارتبط اسم 3 نواب بالمقاطعة لأسباب سياسية وهم ريمون ادهوألبير مخيبر وأميل روحانا صقر.

حروب العبثية 1989-1990

في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، كان رئيس الحكومة سليم الحص مستقيلا. وتطبيقا لالدستور اللبناني، استلم قائد الجيش، وكان ميشال عون، رئاسة الحكومة الإنتقالية لإنتخاب رئيس جمهورية جديد. الآ أن الحص عاد عن استقالته فنشاء وضع غريب بوجود حكومتين قي لبنان. واحدة بدعم سوري قوي وأخرى تدعي استقلال القرار اللبناني وذلك بمحاربة السوريين. فأعلن ميشال عون حرب التحرير. إلا أنه اكتشف أنه لا يستطيع تحرير البلد الا اذا قضى على كل المسيحيين الذين لا يشاطرونه المواقف فأعلن حرب الإلغاء ضدهم وبخاصة القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. الا أنه لم ينجح بالمحاولتين سوى بتدمير المناطق المسيحية وتأجيج الفوضى.
وبعد اجتياح الكويت من قبل حزب البعث العراقي، وكثمن لمشاركتهم في الحرب ضد العراق، أخذ السوريون الضوء الأخضر في السيطرة على لبنان. وفي تشرين الاول 1990، اجتاحت القوات السورية القصر الجمهوري موقع ميشال عون مما أجبره على الإلتجاء الى السفارة الفرنسية من أجل الحماية. ويعتبر هذا التاريخ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.

تعليمية

لبنان ما بعد الحرب الأهلية

الهيمنة السورية

عرفت الفترة الممتدة من 1990 وحتى 2022 بفترة الهيمنة السورية والتي اتسمت بتدخل السوريين بكل تفاصيل الحياة في لبنان وبخاصة تعيين الاشخاص في كل المناصب السياسية والادارية والامنية. كما اتسمت باعمال اعادة الاعمار الضخمة وخاصة في وسط بيروت والتي كانت باشراف الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعادت اجواء الوحدة اللبنانية مع أن الزعماء المسيحيين كانوا في المنفى (أمين الجميل و ميشال عون) أو في السجن (سمير جعجع). وخلال هذه الفترة ارتفع الدين العام إلى 40 مليار دولار من دون ان يؤثر على الوضع العام للاقتصاد مما اعتبر باعجوبة اقتصادية.

المقاومة الإسلامية

وخلال هذه الفترة، كان حزب الله يمتن قواعده الشعبية واستراجيته العسكرية في مواجهة إسرائيل. وبدعم لا محدود من إيران وسورية، انشاء قيادة ومجموعات عسكرية التي قامت بمناوشة إسرائيل بجدية وفعالية عالية فيما دعي بالمقاومة الاسلامية. وقامة المقاومة بتوجيه ضربات موجعة للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وضد القوى اللبنانية المساندة لها. توجت انتصارات المقاومة الاسلامية باتفاق نسيان 1997 حين وقعت إسرائيل على اتفاقية بتجنيب المدنيين والذي تحقق بسبب صمود المقاومة وتحرك الرئيس الحريري وفرنسا لتحقيق هذا الاتفاق.

إنسحاب إسرائيل من لبنان سنة 2000

وفي سنة 2000، اعلن ايهود باراك الانسحاب التام من لبنان وتبع انسحاب الجيش الإسرائيلي جميع القوى اللبنانية المساندة له. واظهرت المقاومة مسؤولية وانظباطية عالية بحيث عومل سكان المناطق الجنوبية باحترام وانسانية بخلاف ما كان متوقع مما اكسبها احترام اللبنانيين وبخاصة المسيحيين.

ثورة الأرز

تعليمية المقال الرئيسي: ثورة الأرز

بعد معارك سياسية بين اللبنانيين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال عن الوصاية السورية والقوى المساندة لسورية، وبدعم من اللوبي اللبناني في وشنطن، اعلنت الامم التحدة القرار 1559 الذي صدر في شباط 2022 والذي يطالب بانسحاب القوى الاجنبية منه وحل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها. وفي 14 شباط اغتيل الرئيس رفيق الحريري فقامت المظاهرات تطالب بانسحاب القوات السورية وبقيام محكمة دولية لكشف ومعاقبة قاتلي الرئيس الشهيد. حشد مؤيدو السوريون مظاهرة ضخمة في 8 أذار موجهين التحية للجيش السوري. في المقابل، قام مطالبو الحرية والاستقلال بمظاهرة مضادة اضخم في 15 أذار تعدت المليون ونصف مما اجبر السوريين على الانسحاب. عرفت هذه الحركة بانتفاضة الأرز ومن حينها انقسم اللبنانيون إلى فريقين دُعيا بفريق 8 أذار و فريق 14 أذار.

عمليات الاغتيال

تعليمية المقال الرئيسي:شهداء ثورة الارز

وشهد لبنان بعد خروج السوريين سلسلة من عمليات الاغتيال استهدفت العديد من الشخصيات السياسية والاعلامية والعسكرية اللبنانية التي عُرفت بمواقفها المناهضة للسوريين. كما استشهد العديد من المرافقين أو المارة الابرياء. وقررت الامم المتحدة اضافة هذه الاغتيالات الى ملف المحكمة الدولية.

الحرب الإسرائيلية على لبنان 2022

تعليمية المقال الرئيسي: حرب لبنان 2022

في تموز 2022، قام حزب الله بخطف جنود إسرائيليون مما دفع إسرائيل برد عنيف غير مسبوق دمر معظم البنى التحتية اللبنانية ومعظم الضاحية الجنوبية لبيروت. انتهت الاعمال الحربية بفشل إسرائيل في التخلص من قيادة حزب الله مما دفع الحزب باعلان الانتصار فيما سمي بالنصر الإلاهي. وبنتيجة المعارك، توسعت مهام اليونيفل لتشمل كل الجنوب، ودخل الجيش اللبناني إلى كامل مناطق الجنوب وانسحبت المقاومة الى شمال نهر الليطاني.

معارك نهر البارد

في20 أيار 2022 كان مخيم نهر البارد، وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين شمالي مدينةطرابلس، محور صراع عسكري عنيف بين جماعة فتح الإسلام والقوات المسلحة اللبنانية من جيش وأمن عام. ويعد هذا القتال من أسوأ معارك لبنان الداخلية منذ انتهاء الحرب الاهلية قبل 17 عاماً. استمرت المعارك أكثر من ايار/مايو إلى ايلول/سبتمبر عام 2022 واسفرت عن سقوط نحو 400 قتيل من بينهم 168 عسكريا لبنانيا. وانتهت بالقضاء على المسلحين وتدمير سبه كامل للمخيم.

احداث السابع من أيار 2022

على ضوء قرار الحكومة اللبنانية بفرض ارادتها، قامت قوات المعارضة المتمثلة بحزب الله،حركة أمل والقوميين السوريين باحتلال مناطق مواليي الحكومة وبخاصة المناطق التي توالي تيار المستقبل. ولتفادي حرب أهلية، قام موالوا تيار المستقبل بتسليم مكاتبهم للجيش اللبناني بتوجيه من زعيهم سعد الحريري. الا أن بعض أعمال العنف ضد ناشطي المستقبل خلفت أثار سلبية على العلاقة بين السنة والشيعة في لبنان. كما حاول مسلحي حزب الله احتلال مناطق الجبل الدرزية فتراجعوا عن المحاولة بعد تصدي اهل الجبل لهم ومن ثم تم تسليم الوضع للجيش اللبناني.
تعليل المعارضة لاحداث السابع من أيار 2022: عللت المعارضة أحتلال بيروت بمحاولة لمواجهة الأميركيين من فرض سياستهم في لبنان والتي تمثلت باجرات اتخذتها الحكومة اعتبرت تهديدا للمقاومة.
تعليل الموالاة لاحداث السابع من أيار 2022: أرجعت الموالاة اعمال العنف إلى محاولةإيران و سورية إلى اثبات تحكمهم بالوضع السياسي والعسكري في لبنان وبخاصة استعماله كورقة تفاوض. وهناك بعض اللبنانيين علل الاحداث كمحاولة من حزب الله التحويل لبنان إلى دولة تابعة لولاية الفقيه.

تعليمية

اتفاق الدوحة

تعليمية المقال الرئيسي: اتفاق الدوحة

اتفاق الدوحة هو الاتفاق الذي توصلت اليه الفصائل اللبنانية يوم الأربعاء 21 مايو 2022 في الدوحة بقطر. وهو يمثل نهاية لـ 18 شهراً من الأزمة السياسية في لبنان شهدت بعض الفترات منها أحداث دامية. واهم بنود الاتفاق هو انتخاب رئيس جمهورية توافقي، تأليف حكومة فاقية من المعارضة والموالاة والاتفاق على قيام الانتخابات النيابة في أيار 2022.

المصالحات

ومع تأليف أول حكومة وحدة وطنية مع الثلث المعطل (أو الضامن)، بدأت في أيلول 2022 مصالحات بين القوى المختلفة بداء بين الحزب التقدمي الاشتراكي و حزب الله. واتخذ سعد الحريري خطوة باتجاه المصالحة في الشمال ومع حزب الله. واعتذر سمير جعجع من ما حصل في الماضي مما فتح المجال لمصالحة بين المسيحيين.




تاريخ إيران

"إيران وفارس" اسمان استعملا للدلالة على قطر واحد، ولكنهما ليسا مترادفين تماماً، فلما هاجرت الأقوام الآرية من موطنها الأصلي جنوبي بحر الآرال إلى الهضبة المرتفعة الواقعة أسفل بحر قزوين، سموا الموطن الجديد "إيران" ومعناها "موطن الآريين". ويمكن تقسيم تاريخ إيران القديم إلى ثلاث مراحل:
1- حقبة ما قبل التاريخ: وتبدأ من أولى الشواهد على وجود الإنسان على شبه الهضبة الإيرانية (حوالي100.000 سنة قبل الميلاد) والتي انتهت تقريباً مع بداية الألف الأول قبل الميلاد.
2- حقبة التاريخ البدائي: وتغطي تقريباً النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد.
3- حقبة الأسر الحاكمة (من القرن السادس إلى القرن الرابع قبل الميلاد): عندما أصبحت إيران في بؤرة ضوء التاريخ المدون. باستثناء حضارة "عيلام" المتمركزة بعيداً عن الهضبة الإيرانية في منطقة خوزستان المنخفضة، ذلك أن التاريخ المدون بدأ هناك مبكراً كبدايته في منطقة بلاد الرافدين (حوالي 3000 سنة قبل الميلاد).

تعليمية

حقبة ما قبل التاريخ

العصر الحجري القديم:

وأول شواهد هذا العصر موجودة على حفريات في جبال زكروس غرب إيران، والتي تعود إلى حوالي 100.000 سنة قبل الميلاد.

العصر الحجري الحديث:

تشير الدلائل أن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة كانت إحدى أقدم المناطق في العالم القديم التي مرت بما يسمى ثورة العصر الحجري الحديث. حيث شهدت هذه الثورة نمواً في نمط الحياة الزراعية الريفية المستقرة التي تعتمد أساساً على الزراعة والرعي. وهذه الشواهد يعود تاريخها إلى الألفية الثامنة والسابعة قبل الميلاد. وفي سنة 6000 قبل الميلاد تقريباً انتشرت هذه الأنماط من الحياة الزراعية والرعوية في أنحاء كثيرة من الأراضي الإيرانية وفي خوزستان.

الألف الخامس إلى منتصف الألف السادس قبل الميلاد:

هناك القليل من المعلومات عن حضارة تلك الحقبة. ويميل الباحثون إلى التركيز على حقبتي العصر الحجري الحديث والعصر البدائي، والأدلة المتناثرة على وجود تطورات ثقافية وفنية هامة في العصرين النحاسي والبرونزي الأول.

أواخر الألف الثالث والألف الثاني قبل الميلاد:

تتميز بداية هذه الحقبة عموماً بعزلة ملحوظة للهضبة أكثر من التي قبلها، بينما تميز النصف الأخير منها بحالات جديدة واضحة من التمزق، فريدة في التاريخ الإيراني، مهدت الطريق لتطورات في عصر التاريخ البدائي. ففي شمال ووسط غرب إيران تطورت الحضارات المحلية إلى حالة من العزلة النسبية نتيجة للأحداث الجارية في أماكن أخرى.

تعليمية

حقبة ما قبل الأخمينيين

8000 ق م: حيث مكنت الثورة الزراعية من إقامة مستعمرات دائمة وتكوين حضارات مزدهرة. فقد أصبحت شبه الهضبة الإيرانية مهداً لواحدة من أقدم الحضارات في التاريخ.

5000 ق م: تشير بعض آثار هذه الحقبة إلى تقدم صناعة النبيذ.

3900 ق م: مدينة سيالك Sialk (بالقرب من كاشان)، وهي أول مدينة بُنيت على الهضبة الإيرانية.

1500-800 ق م: طوائف الميديين والفرس، وهم من البدو الآريين الرحل الذين سكنوا شبه الهضبة الإيرانية قادمين من آسيا الوسطى. وقد استقر الميديون في غرب إيران، وأصبحوا هم والفرس في الجنوب خاضعين، في البداية، للدولة الآشورية، ولكنهم سرعان ما استقلوا بأنفسهم ثم قهروا الدولة الآشورية.

1000 ق م: النبي الفارسي زرادشت كان أول الأنبياء الذين قالوا بوجود إلهين، واحد يمثل الخير والآخر يمثل الشر.

تعليمية

الدولة الأخمينية

559-530 ق م: أسس قورش (كوروش) إمبراطورية فارس عام 550 قبل الميلاد، وكانت أول إمبراطورية عالمية.

539 ق م: استسلمت بابل سلمياً لقورش ورحبت به محرراً لها بسبب سياساته اللينة. فحرر اليهود من السبي البابلي. وقد توفي قورش عام 529 ق.م.

522-486 ق م: توج حكم الملك "دارا" عام 521 ق.م ذروة إمبراطورية فارس. أسس دارا إمبراطوريته على النظام المرزباني (مشابه للحكومات القومية والمحلية). حيث أنشأ الطرق والموانئ والبنوك، كما بنى نظام ري تحت أرضي.
كذلك تميز عصر دارا بازدهار اقتصادي، حيث عرف أقدم شكل من أشكال العملة في التاريخ "الداريك"، بالإضافة إلى توحيد الموازين والمقاييس وتنظيم القوانين التجارية وتشجيع التجارة العالمية ورفع مستوى اقتصاد الإمبراطورية الفارسية إلى مستوى لم يسبق له مثيل من الرخاء.

490-479 ق م: خلال الحروب التي خاضتها مع فارس، لم تشكل الدول المدينية اليونانية أي تهديد لقلب الإمبراطورية الفارسية. فالذي لم تحققه فارس من خلال الحرب، حصلت عليه من خلال الدبلوماسية. فبعد انتهاء الحروب اليونانية الفارسية استطاع ملوك فارس تقليب شعبي أثينا وسبارطة على بعضهمها في حروب استمرت 150 عاما. وكان للدعم المالي والبحري الذي قدمته فارس إلى سبارطة عظيم الأثر في انتصارها على أثينا في الحرب الكبرى. ثم بدأت فارس في تقديم العون لأثينا. وكان النفوذ الفارسي واضحاً، لدرجة أنه طُلب من الملك الفارسي أرتاكسركسس الثاني التوسط بينهما، والتوصل في النهاية إلى اتفاقية سلام عام 387 قبل الميلاد.

550-334 ق م: أصبحت إمبراطورية فارس القوة العالمية المهيمنة لما يزيد على قرنين من الزمان. فقد كان لها السبق في التقريب المتواصل بين الشرق والغرب. وكانت أول إمبراطورية عالمية متسامحة دينياً. فقد تعدد بها الكثير من اللغات والأعراق والديانات والثقافات. وقبل سطوع نجم الإمبراطورية الرومانية، كان لفارس قصب السبق في التأكيد على سطوة القانون، وإنشاء جيش مركزي قوي، وحكومة دولة فعالة ونظامية.

تعليمية

حكم الاسكندر إلى دولة البارثيين

334 ق م: غزا الاسكندر الأكبر المقدوني فارس المتمثلة في الدولة الأكمينية وأسقطها. وبعد انتصاره على الجيش الفارسي أمر بإعدام كثير من الفرس وأحرق مدينة برسيبوليس انتقاماً لحرق مدينة أثينا. وكان يعتبر نفسه خليفة للملوك الأخمنيين . قلد عادات البلاط الفارسي وحاول تكوين ثقافة جديدة مزجت بين الفارسية والإغريقية (الهلينية).

323 ق م: وفاة الإسكندر. ورغم أنه كان عسكرياً فذاً، إلا إنه كان يفتقر إلى المهارات الإدارية. وبعد وفاته بفترة وجيزة، قسمت إمبراطوريته بين الجنرالات المتنافسين. وكان من أبرز ما ورثه بعد انتصاره على فارس هو تقديمه النموذج الإمبراطوري الفارسي للغرب وتبني الإمبراطورية الرومانية له بعد ذلك، خاصة ما يتعلق بحكم الدولة والقانون.

323-141 ق م: قيام الدولة السلوقية، نسبة إلى سلوق أحد جنرالات الإسكندر، والتي كانت تضم آسيا الصغرى وبلاد الشام والعراق وإيران، وشيد له عاصمة جديدة باسم "سلوقية" على نهر دجلة في العراق، والقسم الغربي وأسس له العاصمة "أنطاكية" على نهر العاصي. تناوب على مملكة السلوقيين ثمانية عشر ملكاً.

247 ق م-224م: دولة البارثيين، ويعرفون في التاريخ أيضاً باسم "الأرشكيين" نسبة إلى ملكهم الأول، وهي مملكة قبلية من قبائل الساكا في شمال شرق إيران، هزمت السلوقيين وبسطت سيطرتها على جميع بلاد فارس. مؤسس هذه الدولة هو "أرشك" الأول الذي أصبح بعد ذلك لقباً لجميع الملوك البارثيين كاسم قيصر الروم. وخاضوا حروباً عدة ضد الرومان. وأدى نصرهم عليهم في عام 53 قبل الميلاد إلى بروزهم كقوة عظمى آنذاك. ورغم طول حكم البارثينيين الذي ناهز الخمسة قرون، إلا إن حضارتهم لم يتبق منها شيء يُذكر، باستثناء بعض الآثار الفنية البسيطة.

تعليمية

الدولة الساسانية

224م: أسس أردشير الأول حكم الساسانيين. وأحيا الساسانيون الحضارة الفارسية والزرادشتية وبذلوا جهداً ملحوظاً لإعادة تقاليد الأخمينيين. وأقاموا علاقات تجارية مع عدويهم اللدودين الرومان/البيزنطيين والصينيين. وتشير الحفريات المكتشفة في الصين إلى العملات الساسانية الفضية والذهبية التي كانت مستخدمة لعدة قرون. ويحتل أردشير مكانة كبيرة لدى الإيرانيين باعتباره موحد الأمة الإيرانية وباعث الدين الزرادشتي ومؤسس الإمبراطورية البهلوية. توفي أردشير عام 240م وخلفه ابنه شابور.

260م: غزا شابور الأول للإمبراطورية الرومانية وأسر الإمبراطور الروماني فاليريان. كما أنشأ مركز "جندي شابور للتعليم العالي. وأعاد تنظيم الإمبراطورية، وأقام سد شستر، وأنشأ العديد من المدن، منها "نه شابور" (نيسابور الحالية).

274م: ظهر ماني، مؤسس مذهب (المانوية) وهي فلسفة تجمع بين المذاهب والفلسفات والأديان

301-310م: جلوس هرمز الثاني على عرش إيران، وقتل في إحدى المعارك مع العرب عام 310 م.

28 م: ظهور الداعية مزدك، في عهد حكم قباد بن فيروز، وعرض عليه نوعاً من الشيوعية في المال والنساء وقبل قباد مذهبه بهدف الحد من نفوذ النبلاء ورجال الدين. وأدت أفكار مزدك إلى حدوث صراع طبقي كبير بين الفلاحين والنبلاء. ويمكن اعتباره أول "شيوعي/اشتراكي" في العالم.

531-579م: تولى كسرى أنو شيروان حكم إيران بعد وفاة أبيه وقد استطاع في بداية حكمه القضاء على فتنة أتباع مزدك وأعاد الاستقرار إلى الأوضاع في إيران.

570م: ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.

622م: هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وبداية الحضارة الإسلامية.

629-632م: تناوب على عرش الإمبراطورية الساسانية أختان هما بورانداخت ابنة خسرو برويز وأختها أزارماداخت. ووقعت بورانداخت معاهدة سلام مع البيزنطيين.

تعليمية

من الفتح الإسلامي إلى الدولة البهلوية

642م: انتصر المسلمون على الفرس في موقعة نهاوند وانتهى حكم الأسرة الساسانية بعد مدة بلغت 416 عاماً ودخل الشعب الإيراني في الإسلام وقبل ولاية العرب المسلمين.

661م: قتل علي بن أبي طالب، آخر الخلفاء الراشدين وبداية الخلاف بين السنة والشيعة حول القيادة الإسلامية، ورغم أن فارس لم تصبح دولة شيعية إلا بعد تسعة قرون منذ ذلك الوقت، إلا إن هذا الصدام كان بالغ الأهمية في التاريخ.

661-750 م: قيام الخلافة الأموية وخضوع جميع الأراضي المفتوحة خضوعاً تاماً. واستخدام الحروف العربية في الكتابة الفارسية إلى يومنا هذا.

680م: قتل الحسين بن علي بن أبي طالب على يد الأمويين في كربلاء.

696م: اللغة العربية أصبحت اللغة الرسمية للأمة الإسلامية.

750م: ساهم الإيرانيون في إسقاط الخلافة الأموية وساعدوا في قيام الدولة العباسية. وانتقلت عاصمة الخلافة من دمشق إلى بغداد.

750-1258م: اعتماد الخلافة العباسية على الوزراء والبيروقراطية الفارسية في كثير من وظائف الدولة. وتغلغل التقاليد الفارسية في نظام الحكم العباسي. وأصبح لأسرة البرامكة الفارسية شأن كبير في النظام السياسي العباسي وتقلد كثير من أفرادها مناصب وزارية هامة في الدولة العباسية. بلغت الدولة الإسلامية ذروتها إبان الحكم العباسي.

تعليمية

العصر الذهبي للحضارة الفارسية

820-1220م: بدأت قبضة الحكم العربي على فارس تضعف، حيث وصلت ممالك فارسية محلية متعددة إلى سدة الحكم وأقامت دويلات مستقلة في بلادهم، مثل الطاهريين (821-873)، والصفاريين (867-903)، والسامانيين (873-999)، والزياريين (928-1007)، والبويهيين (945-1055). ثم تبعتهم الأسر التركية ذات الثقافة الفارسية مثل الغزنويين (962-1186)، والسلاجقة (1038-1153)، والدولة الخوارزمية (1153-1220). ومرة أخرى أصبحت فارس مركزاً للفن والأدب والعلوم. وكان للفرس أثر كبير في ازدهار الحضارة الإسلامية.

840-1206م: برز في هذه الحقبة نخبة من علماء المسلمين الأفذاذ مثل سيبويه، مؤسس علم النحو، والخوارزمي، في الفلك والجبر، والرازي، والفردوسي، وابن سينا، والغزالي، وعمر الخيام، وغيرهم.

عهد المغول:

1220م: قيادة تموجين أو جنكيز خان، كما لقب نفسه، لقبائل المغول عبر آسيا، واكتساحه البلاد الإيرانية من الشرق إلى الغرب والجنوب بعد أن سيطر على الصين، وقتل ملايين الإيرانيين وحرق الكثير من القرى والمدن حتى قال الإيرانيون عن المغول أنهم جاؤوا وقتلوا وحرقوا ونهبوا وذهبوا.

1227م: وفاة جنكيز خان، وتقسيم إمبراطوريته بين أبنائه.

1258-1353م: استيلاء هولاكو خان المغولي على بغداد وقتله الآلاف من الناس وحرق قصور الخلفاء ومساجدهم ومقابرهم ومكتبة بغداد الشهيرة وأعدم آخر خلفاء العباسيين. ثم تقدم المغول إلى الشام إلا إنهم هزموا على يد المصريين في موقعة عين جالوت الشهيرة فانسحبوا إلى مراغة في الشمال الغربي من إيران وأسسوا دويلتهم تحت اسم دولة الإيلخانيين.

1267م: وفاة هولاكو.

1207-1292م: ظهور بعض الشخصيات التاريخية مثل جلال الدين الرومي، الشاعر الصوفي الكبير، ونصير الدين الطوسي، عالم الفلك والفيلسوف، والسعدي، صاحب ديواني البستان والجولستان.

1295م: تولى غازان خان، حفيد هولاكو، العرش وكانت فترة حكمه العهد الذهبي للمغول في إيران حيث كان أول قائد يعتنق الإسلام وصار طابع البلاط في مدينة تبريز العاصمة إسلامياً فارسياً تماماً، وكانت الإدارة الرشيدة والرخاء أهم مميزات عهده. وساعدت إمبراطورية المغول المترامية في تسهيل تبادل الأفكار والبضائع بين الصين والهند وفارس.

1304م: توفي غازان وخلفه أخوه أولجيتو حتى توفي عام 1316م، وكان قد عُمد أثناء طفولته على أنه نصراني ولكنه اختار الإسلام بعد ذلك واتخذ لنفسه اسم محمد خدابنده وبنى مدينة السلطانية بالقرب من قزوين والتي صارت عاصمة الإيلخانيين بعد تبريز.

وفي هذه الفترة ظهرعالم البصريات الشهير كمال الدين فارسي صاحب نظرية الانكسار والانعكاس. وكذلك الشاعر الغنائي الكبير شمس الدين حافظ الشيرازي ألمع شخصية أدبية ظهرت في ذلك العصر وأشهر أعماله "الديوان".

عهد التيموريين

1405م: غزا تيمور لنك المغولي التركي إقليم فارس كله واستولى على حلب ودمشق وجعل سمرقند عاصمة له. واتسمت فتوحاته بالقسوة والتخريب والوحشية، ولكنه رغم ذلك اهتم بالفنون وجعل من سمرقند تحفة معمارية.

تعليمية

الدولة الصفوية

1501-1524م: تنسب إلى صفي الدين الأردبيلي الذي كان من شيوخ الصوفية التقليديين وكان شافعي المذهب. أما مؤسسها فهو إسماعيل ميرزا أو الشاه إسماعيل الأول، حيث سار إلى تبريز وهزم القبائل الموجودة فيها وجعلها عاصمته. وأعلن المذهب الشيعي الاثنى عشري مذهباً رسمياً للدولة. واستخدم كل ما أوتي من قوة لفرض مذهبه في جميع أنحاء إيران. ثم خلفه ابنه طهاسب الأول فأكمل ما بدأه أبوه ولكنه اختار أسلوب الإقناع والتأثير في نشر المذهب بدلاً من العنف والقهر. واستمرت الحروب بين الصفويين الشيعة والعثمانيين السنة مدة طويلة، ويبدو أن الضغط الخارجي سواء من جانب العثمانيين في الغرب وقبائل الأوزبك القوية في الشرق ضد الصفويين كان عاملاً مؤثراً في توحيد إيران والتفاف شعبها حول ملوك الصفويين والمذهب الشيعي.

1587-1629م: نقل الشاه عباس ملك الدولة الصفوية إلى أصفهان، حيث صارت مركزاً حضارياً متميزاً في مختلف ميادين العلم والفن والعمارة والأدب، وازدهرت في عهده علاقات إيران بأوروبا وكثر السفراء في بلاطه.

1722م: غزو محمود خان، شيخ قبيلة أفغاني لفارس والاستيلاء على أصفهان دون مقاومة فعلية وبذلك ينتهي حكم الصفويين.

1729-1747م: اعتلى نادر قلي، الملقب بنادر شاه، عرش إيران وصار مؤسساً للدولة الأفشارية. وهزم الأفغان والعثمانيين والروس والهنود ووحد دولته. ثم ما لبث أن تمزق ملكه وانهارت آلته الحربية بعد قتله بيد أحد حراسه.

1747-1779م: سيطر كريم خان زند على الأجزاء الوسطى والجنوبية لإيران ونجح في صد القاجاريين، واهتم بعاصمته شيراز.

تعليمية

الدولة القاجارية

1795م: كان القاجاريون إحدى القبائل السبع التي ساعدت أول ملوك الصفويين. نجح قائدهم آغا محمد خان في توحيد فروع القبيلة بالعنف والقتل، فقوي أمره واستطاع الاستيلاء على طهران وجعلها عاصمة لملكه.

1813 و 1828م: نتج عن الاستعمار الأوروبي تغلغل الإنجليز والروس في الشؤون الإيراينة. فقد سلم القاجاريون القوقاز (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان حالياً) إلى الروس في معاهدتين منفصلتين: معاهدة جلستان عام 1813، ومعاهدة تركمان جاي عام 1828. وأرغم القاجاريون على سن قانون الامتيازات الأجنبية، والتي بموجبه أعفى جميع الرعايا الأجانب من المثول أمام القضاء الإيراني، الأمر الذي جعل الشعب الإيراني يشعر بالمذلة والإهانة. منذ ذلك الوقت وحتى مطلع القرن العشرين أصبحت إيران موزعة بين المصالح المتعارضة لروسيا وبريطانيا، فكانت روسيا تبني سياستها على أساس التوسع في آسيا وتطمع أن يكون لها ميناء في المياه الدافئة في الخليج، بينما سعت بريطانيا إلى السيطرة على الخليج وجميع الأراضي المجاورة للهند.

1834-1848م: حكم محمد شاه حفيد فتح علي شاه، ومحاولة روسيا في عهده خطب ود إيران حتى تتمكن من دعم نفوذها في ولايات القوقاز وتركستان. ظهور حركة البابية الدينية في عهده.

1847-1896م: حكم ناصر الدين شاه، ابن محمد شاه. وامتاز عهده الطويل بالعلاقات الودية مع روسيا، مما أثار بريطانيا وأعلنت الحرب على إيران وعجزت روسيا عن مساعدة إيران فاضطر ناصر الدين شاه إلى التسليم، وأبرمت معاهدة باريس عام 1858، والتي بمقتضاها اعترفت إيران باستقلال أفغانستان، ومنحت المعاهدة امتيازات وحقوقاً تجارية لبريطانيا في إيران.

1872م: حصل البارون رويتر البريطاني على امتياز من ناصر شاه يعطي بريطانيا الحق في إنشاء السكك الحديدية وطرق المواصلات، واستغلال الثروة المعدنية والبترول سبعين سنة، كما أعطتها الحق في الإشراف على الأعمال الجمركية لمدة أربع وعشرين سنة.

1882م: فتحت السفارة الأميركية في طهران، وظفرت خمس عشرة دولة أجنبية بحقوق وامتيازات لرعاياها المقيمين في طهران خلال الفترة من 1855-1900.

1896م: قتل ناصر الدين شاه وتولى مكانه ابنه مظفر الدين شاه الذي انصرف إلى ملذاته، واضطرت الحكومة إلى أن تطلب قرضاً من روسيا عام 1900.

1906م: قيام الثورة الدستورية بقيادة بعض علماء الدين والشباب الذين تأثروا بالأفكار التحررية القادمة من الغرب مؤيدين بالتجار والأشراف، وتكون أول برلمان تعهد بمعالجة كثير من المشاكل. وبرغم أن إيران لم تستعمر أبداً، إلا إنها قسمت عام 1907 إلى منطقتي نفوذ. حيث خضع القسم الشمالي للنفوذ الروسي والقسم الجنوبي الشرقي للنفوذ البريطاني، ومدت بريطانيا نفوذها إلى المنطقة الواقعة بين المنطقتين لتأمين الطريق إلى الهند. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى انغمست إيران في حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

[center]تعليمية

الدولة البهلوية

1921م: ترقى رضا خان من ضابط بالجيش إلى وزير للحربية ثم رئيس للوزراء بعد قيامه بانقلاب. وفي عام 1925م أصبح رضا خان ملكاً على إيران كأول ملك للدولة البهلوية. وبرغم أنه كان يهدف إلى أن يصبح رئيس جمهورية، إلا إن رجال الدين أقنعوه ليصبح شاهاً (ملك)، خوفاً من تضاؤل نفوذهم في الجمهورية.
1925-1941م: كانت أولى الخطوات التي اتخذها رضا شاه بهلوي تعزيز سلطة الحكومة المركزية بإعادة بناء الجيش وتقييد حصانة زعماء القبائل، وإلغاء نظام الامتيازات الأجنبية، وكثير من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الهامة. وطالب رسمياً جميع الدول الأجنبية مخاطبة الدولة باسم إيران بدلاً من فارس. وعندما قامت الحرب العالمية الثانية رفض رضا شاه الانحياز إلى الحلفاء، فاضطر للتنازل عن العرش، وخرج من إيران تحت حراسة بريطانية إلى جزيرة موريشوس ثم إلى جنوب أفريقيا حيث توفي هناك عام 1944م وخلفه ابنه محمد رضا شاه بهلوي.
1946م: بضغط من أميركا، اضطر الروس إلى الانسحاب من الجزء الشمالي الغربي. وكانت هذه هي أول وآخر مرة يعيد فيها ستالين أرضاً محتلة في الحرب العالمية الثانية.

1951-1953م: قام محمد مصدق، بعد تعيينه رئيساً للوزراء، بتأميم البترول الإيراني من السيطرة البريطانية، مما دفع بريطانيا، خوفاً على امتيازاتها البترولية، إلى تجميد جميع الأصول الإيرانية في البنوك البريطانية ورفعت القضية إلى محكمة العدل الدولية. وحكمت المحكمة لصالح إيران. ولم ترتدع بريطانيا، فقامت بفرض حظر تجاري على إيران ونفذته بقوتها البحرية، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد الإيراني. وخوفاً من الهيمنة الشيوعية، تكتلت الاستخبارت البريطانية والأميركية للقيام بانقلاب ضد حكومة مصدق. وسقطت الحكومة وعاد الشاه ليمسك بزمام الأمور بقوة، بعد أن غادر أثناء الانقلاب.

1962-1963م: قام الشاه بثورته البيضاء بقصد إجراء إصلاح زراعي شامل، وتعديل قانون الانتخاب، وكثير من الإصلاحات الأخرى. لكنها لم تحقق ما أراد، وهاجمها آية الله الخميني في خطبه، الأمر الذي أدى إلى نفيه.

1963-1973م: شهدت إيران نمواً اقتصادياً سريعاً وازدهاراً كبيراً تزامن مع مناخ سياسي مستقر نسبياً. وزادت قوتها العسكرية وأصبح لها مكانتها الدولية.

1973-1979م: ضاعف حظر النفط عائدات إيران بمقدار أربعة أضعاف، إذ بلغت 20 مليار دولار سنوياً. وهذه الثروة الجديدة سارعت الجدول الزمني للشاه لجعل إيران تلحق بركب الغرب. وأدى هذا التصميم من الشاه لتحديث إيران بين عشية وضحاها إلى حدوث انتكاسة ثقافية، وتضخم واختناقات اقتصادية، وتزايد الاستبداد في تناول هذه المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فتجمع معارضو الشاه وجميع المؤسسات السياسية خلف الخميني في نهاية السبعينات وأطاحت الثورة الإسلامية بالشاه عام 1979، ومات في مصر بعد عام من نفيه. وبعد 2500 عام من الحكم الملكي تحولت إيران إلى جمهورية إيران الإسلامية.

تعليمية

من الشاه إلى الوقت الحاضر

16/1/1979: الإطاحة بالشاه، وسفره إلى المنفى، وتعيين شهبور بختيار رئيساً للوزراء.

1/2/1979: عودة آية الله الخميني إلى إيران بعد 15 عاما من النفي بفرنسا.

1/4/1979: الخميني يعلن إيران جمهورية إسلامية.

4/11/1979: بعد وصول الشاه المخلوع إلى أميركا للعلاج، الطلبة الإيرانيون يقتحمون السفارة الأميركية في طهران ويحتجزون 52 من الرهائن الأميركيين.

يناير/ كانون ثان 1980: انتخاب د. أبو الحسن بني صدر رئيساً للجمهورية، لكن السلطة تظل في يد الخميني، الزعيم الروحي. ثم وقع الصدام مع علماء الدين بسبب ليبراليته فعزلوه وهرب إلى فرنسا.

أبريل/ نيسان 1980: أميركا تقطع علاقاتها مع إيران لزيادة الضغط الاقتصادي على طهران.

مايو/ آيار 1980: بداية الثورة الثقافية في إيران، التي نتج عنها إغلاق كافة الجامعات والمعاهد العليا لمدة عامين.

22 سبتمبر/أيلول 1980: العراق يهاجم غرب إيران بسبب النزاعات الحدودية، ويشن أطول حرب تقليدية في القرن العشرين، والتي راح ضحيتها مليون نفس من الجانبين، ودامت ثمانية أعوام. وقامت الولايات المتحدة الأميركية بتزويد الجانبين المتحاربين بالأسلحة. كذلك كانت كوريا الشمالية والصين تزودان إيران بالسلاح، وفرنسا والاتحاد السوفياتي تزودان العراق.

20 يناير/كانون الثاني 1981: إطلاق سراح الرهائن الأميركييين -يوم تنصيب الرئيس ريغان- بعد 444 يوما في الأسر.

4 يونيو/حزيران 1989: وفاة الخميني، وانتخاب آية الله سيد على خامينئي الزعيم الروحي الجديد للجمهورية الإسلامية.

أغسطس/آب 1990: غزو العراق للكويت. وإيران تدين كل من الغزو وعملية عاصفة الصحراء.

6 مايو/آيار 1995: أميركا تحظر جميع أنواع التجارة مع إيران. وصدور قانون عام 1996 تطبق فيه أميركا عقوبات ضد أي شركة غير أميركية تقوم بالاستثمار في إيران أو ليبيا. والاتحاد الأوروبي يتحدى شرعية هذا القرار، وعدم تنفيذه.

23 مايو/آيار 1997: انتخاب محمد خاتمي رئيساً للجمهورية بنسبة 69% من مجموع الأصوات. ويعد بالعمل لحقوق الإنسان، وسيادة القانون، وإفساح مجال أكبر للديمقراطية، وإعادة العلاقات مع الغرب. رد فعل المحافظين على إصلاحاته يهيئ المسرح لصراع السلطة الحالي حول مستقبل إيران.




تاريخ الكويت ، و يشمل تاريخ دولة الكويت والجزر التابعة لها ، ويقسم إلى أربعة فترات. الفترة الأولى هي التاريخ القديم، والثانية تبدأ مع بداية حكم الشيخ صباح بن جابر عام 1752 وهي فترة نشأة وتأسيس الكويت وتنتهي عندما تولى الشيخ مبارك الصباح الحكم. أما الفترة الثالثة فقد ابتدأت بتوقيع الشيخ مبارك الصباح اتفاقية الحماية مع بريطانيا عام 1899، و استمرت إلى حين إعلان الكويت استقلالها عن بريطانيا حيث بدأت الفترة الرابعة.

تعليمية

التاريخ القديم

كان أول ظهور للكويت في التاريخ في عهد اليونانيون في القرن الثالث قبل الميلاد ، حينما استولت قوات الإسكندر الأكبر على جزيرة فيلكا، و أسماها اليونانيون باسم إيكاروس ، و قد كانت الجزيرة سكنا لبعض اليونانيون و بعض التجار الأجانب و بعض السكان المحليين ، و قد قام تنافس بين البيزنطيين في سوريا و البتراء و ملوك مصر أدى إلى تقليل أهمية الجزيرة ، و يوجد في فيلكا معبد يوناني لخدمة الإله أبولو ، تسمية الجزيرة مختلف عليها ، فهناك من يقول بأن التسمية يونانية ، و هناك من يقول بأن التسمية برتغالية و هناك من يقول بأن التسمية عربية ، و قد كانت تسمى الجزيرة بإسم أفانا ، و قد سميت بإسم فيلكا و هي تعني في اللغة اليونانية الجزيرة البيضاء و يحتمل أن تكون اللفظة محرفة من كلمة فيلكس في اللغة اليونانية و هي تعني الجزيرة السعيدة ، في عام 1958 تم إكتشاف حجر إيكاروس الذي به تم التأكد أن الجزيرة كانت تسمى بهذا الاسم في أيام الإسكندر الأكبر ، و سميت الجزيرة باسم فيلكا أو فيلجا بلفظ السكان المحليين ، و هي كلمة مأخوذة من كلمة فلج بمعنى الماء الجاري و الأرض الطينية الصالحة للزراعة و قد سميت بهذا الاسم في العصور الإسلامية الأولى

قامت مملكة ميسان و هي مملكة عربية في جنوب العراق وامتدت حتى شمال الكويت في عام 127 قبل الميلاد ، حدثت معركتين في الكويت في جبل واره ، فكانت الأولى هي يوم واره الأول و الثانية هي يوم واره الثاني ، المعركة الأولى كانت بين المنذر ابن ماء السماء و قبيلة بكر بن وائل التي خرجت عن طاعته ، فسار إليهم حتى يعودوا إلى طاعته و لكنهم أبوا ، فقاتلهم فهزمهم و قد أقسم بأن يقتلهم في أعلى جبل واره حتى يسيل دمهم إلى الوادي ، فبدأ في قتلهم في قمة الجبل ، و لكن الدم جمد فقيل له لو صببت الماء لوصل الدم إلى الوادي ، فصبوا الماء و وصل الدم إلى الوادي ، و في المعركة الثانية أعلنت قبيلة تميم العصيان على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فقاموا بالإغارة على إبله ، فقام بقتالهم فهزمهم ، و أسر منهم الكثير و أمر بقتلهم و حرقهم في جبل واره
في عام 12هـ قامت معركة ذات السلاسل بين المسلمين و الفرس في مرتفعات كاظمة في شمال الكويت ، و قد انتهت المعركة بانتصار المسلمين.

تعليمية

تأسيس مدينة الكويت

وقد كانت تعرف منذ أوائل القرن السابع عشر بالقرين ، وسميت بالقرين أو الكويت تصغيراً من قرن وكوت ، والقرن يعني التل أو الأرض العالية وأما الكوت فهو القلعة أو الحصن.
سكنت الكويت في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر من قبل بعض القبائل الذين هاجروا من نجد في القرن السادس عشر إلى سواحل الخليج العربي في الزبارة و سمي الناس الذين هاجروا بالعتوب ، بسبب عتوبهم من نجد بعد القحط الشديد فانتقلوا إلى الزبارة.
إنتقل العتوب بعدها إلى الكويت ، واستوطنوها حيث كان لبني خالد كوتاً في ذلك الموقع ومن هذا الكوت جاءت تسمية الكويت ، و استقر العتوب حول هذا الكوت في عام 1711م ، و قد استوطنوا تحت حكم بني خالد فترة من الزمن ، وامتهن بعضهم الغوص على اللؤلؤ ، فازدهرت أعمالهم وتكاثر السكان في المدينة ، ثم أختير الشيخ صباح بن جابر كأول حاكم لهم في عام 1752م

تعليمية

عهد الشيخ صباح بن جابر

أختير صباح بن جابر ليصبح أول حاكم لهم و ذلك بسبب حاجتهم إلى من يأمر عليهم و يكون مرجعا لهم في حل المشكلات و الفصل في القضايا والخلافات ، و بسبب ضعف بني خالد التي كانت تحمي الكويت في السابق ، فوافقهم ، و كان حكمه يرتكز على استشارة كبار قومه في أهم الأمور ، و له السمع و الطاعة بما يقضي به من أمور وفق الشريعة الإسلامية.

تعليمية

عهد الشيخ عبد الله بن صباح بن جابر

بعد وفاة صباح بن جابر عام 1762 ، استلم إبنه عبد الله بن صباح الأول الحكم ، والذي حكم لفترة طويلة استمرت حتى عام 1812 ، وفي فترة حكمه تم رفع أول علم للإمارة وهو العلم "السليمي" وذلك لتمييز السفن الكويتية بعد أن أصبح للإمارة أسطول بحري ، و في فترة حكمه خاض الكويتيون أولى معاركهم عام 1783 ، وهي معركة الرقة البحرية ، و قد جرت أحداثها بالقرب من جزيرة فيلكا ، و كانت بين الكويتيين وقبيلة بني كعب التي كانت تريد الاستيلاء على الكويت ، و قد انتهت المعركة بانتصار الكويتيين ، و في نفس العام ، تم بناء أول سور حول مدينة الكويت ، و قد بلغ طوله 750 متراً ليحمي المدينة من الغزو الخارجي بعد معركة الرقة البحرية ، و يقال أن السور الأول كان عبارة عن الكوت الموجود في الكويت ، في مارس 1811 خاضت الكويت معركة رحمة مع البحرين بقيادة عبد الله بن أحمد آل خليفة و جابر بن عبد الله الصباح من الكويت ضد حاكم الدمام رحمة بن جابر الجلهمي بدعم من سعود بن عبد العزيز بن محمد حاكم نجد ، و انتهت المعركة بانتصار البحرين و الكويت .

تعليمية

عهد الشيخ جابر بن عبد الله بن صباح

بعد وفاة عبد الله بن صباح الأول في عام 1812 ، تسلم إبنه جابر بن عبد الله الصباح الحكم، و في عام 1815 تم بناء السور الثاني حول مدينة الكويت، و ذلك بسبب نية بندر السعدون حاكم قبائل المنتفق أن يغزو الكويت، و قد كان طول السور 2300 متراً ، و في يونيو 1831 انتشر مرض الطاعون في الكويت، و قد قضى على الآلاف من أهل الكويت و قد سميت تلك السنة بسنة الطاعون ، و قد تم عمل مسلسل تاريخي كويتي للتذكير بما حصل في تلك السنة، و قد سمي المسلسل باسم مسلسل الدروازة، و قد تم عرضه في عام 2022 .

تعليمية

عهد الشيخ صباح جابر الصباح

في عام 1859 توفي الشيخ جابر بن عبد الله الصباح ، و تولى إبنه صباح جابر الصباح الحكم ، و في عهده اتسعت التجارة و كثرت أموال الكويت ، و أراد أن يفرض رسوماً جمركيةً على البضائع الخارجة من الكويت فقال له تجار الكويت : لا تجعل على أموالنا ما لم يجعله أبوك و لا جدك من قبل ، ولم يستطع إقناعهم ، و لكنهم قالوا له : ستكون أموالنا وقفاً على ما تحتاج إليه الكويت ، فوافقهم على ذلك ، توفي في عام 1866م.

تعليمية

عهد الشيخ عبد الله بن صباح الصباح

بعد وفاة صباح جابر الصباح في عام 1866 تولى إبنه عبد الله بن صباح الصباح الحكم ، و قد اشتهر باسم عبد الله الثاني الصباح ، و في عام 1866 أصدر أول عملة كويتية ، و لكنها لم تستمر طويلا ، و قد كان إسمها البيزة في عام 1868 حدث ما يعرف باسم سنة الهيلق ، حيث عم الجوع الكويت ، و قد كان الناس يأكلون باقي الذبائح و قد استمروا على هذا الحال حتى عام 1870 ، و في عام 1871 شهدت الكويت حادثة الطبعة ، و قد كانت تسمى باسم طبعة أهل الكويت ، لاختلافها عن الطبعات التي حدثت في دول الخليج في أعوام 1910 و 1916 و 1925 ، حيث غرقت العديد من السفن الكويتية بعد إعصار مدمر حدث في الطريق بين الهند و عمان ، و في عهده رفع العلم العثماني الأحمر في سنة 1871م على السفن الكويتية بدلاً من العلم السليمي بعد مضايقة الحكومة العثمانية لهم ولأمور رآها الشيخ في صالحه وتعود عليه وعلى أهل بلدته بالخير من الإعفاء الجمركي والضرائب وعدم مصادرة ممتلكاتهم في البصرة والسيبه والفاو والزبير تعبيراً عن التبعية للخلافة العثمانية، و في عام 1871 قام بمساعدة الدولة العثمانية على السيطرة على إقليم الإحساء ، حيث تولى قيادة ثمانين سفينة بالإضافة إلى تسيير جيش بري بقيادة أخوه الشيخ مبارك الصباح .

تعليمية

عهد الشيخ محمد بن صباح الصباح

في 17 مايو 1892 توفي الشيخ عبد الله بن صباح، و تولى الحكم بعده أخوه الشيخ محمد بن صباح الصباح ، و لكنه لم يلبث طويلا في الحكم حتى اغتاله أخوه مبارك الصباح في عام 1896

تعليمية

الكويت تحت الحماية البريطانية
عهد الشيخ مبارك الصباح (1896-1915)

تولى الشيخ مبارك الصباح سدة الإمارة في الكويت في 13 مارس 1896 بعد اغتياله لأخيه الشيخ محمد بن صباح الصباح أمير الكويت.

طلب الشيخ مبارك الصباح بعدها الحماية البريطانية في سبتمبر من عام 1897 إلا أن طلبه قوبل بالرفض معللة بأن بريطانيا لا ترى ضرورة في التدخل في شؤون المنطقة إلا أنها غيرت موقفها و وافقت على إبرام الاتفاقية في 23 يناير 1899 بسبب خشيتها من امتداد النفوذ الألماني الذي كان يسعى لمد سكة حديد من برلين إلى كاظمة شمال جون الكويت.

وكان من بنودها أن لا يقبل الشيخ مبارك وكيلاً أو قائم مقام من جانب أي حكومة وأن يمتنع عن منح أو بيع أو رهن أو تأجير أي قطعة أرض من أراضي الكويت لدولة أخرى بغير أن يحصل على إجازة من بريطانيا .

في عام 1901 أغار الشيخ حمود الصباح و الشيخ جابر المبارك الصباح على قبائل ابن رشيد من شمر في الرخيمة غرب حفر الباطن كسب خلالها الجيش الكويتي غنائم عديدة

في عام 1901 قام الشيخ مبارك بحشد قوات كبيرة للخروج إلى حائل عاصمة دولة آل رشيد والتفي مع عبد العزيز بن متعب بن عبد الله الرشيد في معركة الصريف في شمالي غرب بريده انتهت بانتصار قوات عبد العزيز الرشيد ، و في عام 1903 أغارت قوات مشتركة بقيادة كل من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والشيخ جابر المبارك الصباح على سلطان الدويش في جولبن بالصمان بسبب ميله لبن رشيد وغنموا 5,000 رأس من الإبل ، و في عام 1910 حدثت معركة هدية بين مبارك الصباح و عبد العزيز بن سعود أمام ابن سعدون زعيم المنتفق ، و قد كان قائد جيش الكويت جابر المبارك الصباح ، و قد أغار على جيش السعدون الذي كان أكثر منهم ، فانهزموا و تركوا الكثير من الأمتعة و الأبل و الخيل للسعدون ، و قد سميت بذلك المعركة باسم معركة هدية .
أنشأت أول مدرسة نظامية في الكويت في عهده عام 1911 سميت بالمدرسة المباركية نسبة إلى اسمه. و في عام 1912 قام الشيخ مبارك الصباح برفع قيمة الضرائب على التجار في الكويت ومنع الغواصين من الغوص معللاً بحاجته للرجال للدفاع عن المدينة والظهور بمظهر القوي ، واحتج كبار التجار على هذا القرار ، و قاموا بالهجرة إلى البحرين وهم هلال فجحان المطيري و إبراهيم المضف و و شملان بن علي ، وندم مبارك على هجرة التجار فأرسل وفدا يحمل رسالة تتضمن الاعتذار لهم وحثهم للرجوع للكويت إلا أنهم رفضوا ، فأرسل إبنه سالم المبارك الصباح وقام بالاعتذار لهم فرجعوا إلى الكويت عدا هلال فجحان المطيري فقام مبارك بالذهاب إلى البحرين بمركبة البخاري مشرف وقابل شيخ البحرين عيسى بن على آل خليفة ورجع هلال معه إلى الكويت.

و في عام 1914م قرر مبارك الصباح رفع علم خاص به ، و ذلك بعد مناقشات حول العلم الذي سيخلف العلم العثماني بعد المعاهدة التي تمت مع البريطانيين في عام 1899م ، خاصة بعد نشوب الحرب العالمية الأولى التي كان الإنجليز والأتراك طرفين متناقضين فيها ، وبعد تعرض سفن أحد كبار التجار الكويتيين إلى إعتراض من الزوارق الحربية البريطانية بسبب رفعها العلم العثماني وتهديدها للسفن الكويتية بالإغراق إذا ما استمرت في رفع العلم العثماني الذي يتناقض رفعه مع وجود معاهدة مبرمة بين البلدين ، وهو علم أحمر وفي وسطه كلمة كويت ، واختار من العلم ثلاثة أشكال ، مثلثا للإمارة ، ومربعا للدوائر الحكومية ومستطيلاً للسفن ، وقد مرت على هذا العلم بعض التعديلات الطفيفة ولكنه استمر حتى عام 1961م.

تعليمية

عهد الشيخ جابر المبارك (1915-1917)

بعد وفاة الشيخ مبارك تولى إبنه الشيخ جابر المبارك الصباح الحكم غير إنه لم يلبث في الحكم طويلا و توفي فأسندت الإمارة إلى أخيه الشيخ سالم المبارك الصباح في يناير من سنة 1917

تعليمية

عهد الشيخ سالم المبارك الصباح (1917-1921)

تولى الشيخ سالم المبارك الحكم بعد وفاة أخيه الشيخ جابر المبارك الصباح شهدت خلالها الكويت بناء ثالث سور في تاريخها في عام 1920 الذي شيد بعد هزيمة الجيش الكويتي بقيادة دعيج الصباح في معركة حمض . في عهده قام الإخوان بقيادة فيصل بن سلطان الدويش بالهجوم على الجهراء في 10 أكتوبر 1920 فحدثت معركة الجهراء وفي 1921 توفي الشيخ سالم الصباح.

تعليمية

عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921-1950)

تولى الشيخ أحمد الجابر الصباح الحكم في الكويت بعد وفاة عمه الشيخ سالم الصباح ، و في يوم 2 ديسمبر 1922 تم توقيع بروتوكولات العقير التي ترسم الحدود بين سلطنة نجد و مملكة العراق و الكويت ، و قد أقتطع أكثر من ثلثي المساحة التي كانت تسيطر عليها الكويت و تم إعطاءها لسلطنة نجد ، في يوم 28 يناير 1928 قامت معركة في الكويت بين الكويتيون بقيادة علي الخليفة الصباح و علي السالم الصباح و الإخوان بقيادة علي بن عشوان عند آبار الرقعي ، و قد سميت المعركة باسم معركة الرقعي ، وقد شهدت الكويت في عهده نهضة سياسية تمثلت في تأسيس أول مجلس شورى في الكويت عام 1938 ، ونهضة اقتصادية تمثلت باكتشاف النفط في الكويت في عام 1937 في بئر بحر، وفي 30 يونيو 1946 تم تصدير أول شحنة نفط من الكويت ، و في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح تم تأسيس مدينة الأحمدي في عام 1948 ، و قد سميت بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح و في عام 1950 توفي الشيخ أحمد الجابر الصباح.

تعليمية

استقلال الكويت

عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح (1950-1965)

تولى الحكم الشيخ عبد الله السالم الصباح في 25 فبراير 1950 ، و قد سمي لاحقا بإسم "أبو الدستور" لأنه هو الذي أمر بصياغة دستور لتنظيم الحياة السياسية في الكويت ، و تم في عهده التوسع العمراني الكبير ، حيث بدأ الناس بالخروج من داخل السور ، و في عام 1957 تم هدم السور مع الإبقاء على البوابات الخمس ، وفي 19 يونيو 1961 تم إلغاء معاهدة الحماية البريطانية التي وقعت في 23 يناير 1899 ، و تم إعلان استقلال دولةالكويت ، و في 11 نوفمبر 1962 تم إصدار دستور دولة الكويت ، وفي تاريخ 7 سبتمبر 1961م صدر قانون جديد بعد الاستقلال بشأن العلم الوطني لدولة الكويت ليكون العلم الجديد رمزاً لاستقلال البلاد ، فتم استبدال العلم القديم بالجديد في صبيحة يوم 24 نوفمبر 1961م ، ويتكون من أربعة ألوان : الأحمر والأخضر والأبيض والأسود وهذه الألوان مستوحاة من بيت الشعر العربي :

بيض صنائعنا سود مواقعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

و في 29 يناير 1963 تم افتتاح أول جلسة لمجلس الأمة ، و قد ترأس المجلس عبد العزيز حمد الصقر حتى استقال في عام 1965 ، و بعده ترأس المجلس سعود عبد العزيز العبد الرزاق و من أهم منجزات هذا المجلس هو تشكيل الوزارات و عدم الجمع بين العمل التجاري و الوزاري ، و في 14 مايو 1963 انضمت الكويت إلى الأمم المتحدة ، و في عام 1965 توفي الشيخ عبد الله السالم الصباح.

تعليمية

عهد الشيخ صباح السالم الصباح (1965-1977)

تولى الحكم الشيخ صباح السالم الصباح بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الله السالم الصباح ، و استمر في الحكم حتى 31 ديسمبر 1977 [48] حيث توفي ، و كان أول وزيراً للخارجية بتاريخ الكويت وذلك بالوزارة الأولى من عام 1962 ، و في عهده تم عقد الانتخابات الثانية لمجلس الأمة الكويتي ، و قد بدأت جلسات مجلس الأمة الكويتي 1967 في 7 فبراير 1967 ، و قد انتهت أعماله في 30 ديسمبر 1970 ، و ترأس المجلس أحمد زيد السرحان حتى عام 1970 و من أهم منجزات هذا المجلس قانون دعم الدول العربية في حربها ضد إسرائيل و قانون إنشاء محكمة أمن الدولة ، و في 10 فبراير 1971 تم بدأ أعمال مجلس الأمة الكويتي 1971 و انتهت أعماله في 8 يناير 1975 و ترأس المجلس خالد صالح الغنيم حتى عام 1975 و من أهم منجزات هذا المجلس هو قانون إنشاء المحكمة الدستورية ، و في 11 فبراير 1975 بدأ أعمال مجلس الأمة الكويتي 1975 ، و قد انتهت أعماله في 19 يوليو 1976 بعد أن حل الأمير مجلس الأمة الكويتي ، و كان رئيس المجلس آن ذاك خالد صالح الغنيم ، و من أهم منجزات المجلس قانون الخدمة العسكرية الإلزامية و قانون تأميم النفط.

تعليمية

عهد الشيخ جابر الأحمد الصباح (1978-2006)

تولى الحكم الشيخ جابر الأحمد الصباح في 31 ديسمبر 1977 ، و في يوم 8 فبراير 1978 عين الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح وليا للعهد ، في يوم 9 مارس 1981 عاد مجلس الأمة الكويتي للعمل ، و الشيخ جابر هو صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، والذي وقع على إنشاءه في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 25 مايو 1981 .

في صيف عام 1982 حدثت أزمة سوق المناخ ، حيث كانت إحدى أكبر الهزات في تاريخ الكويت الاقتصادي ، حيث عجز العديد من المتداولين في بورصة الكويت من دفع بعض الشيكات المؤجلة ، و قد كان العديد من المستثمرين يشترون و يبيعون الأسهم بالآجل ، مما أدى إلى ارتفاع قيمة الأسهم ثم انخفاضها بشكل كبير مما آل إلى حدوث أكبر أزمة اقتصادية في الكويت ، و قد حلت الحكومة المشكلة بعد شراءها اسهما بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي .

في 19 يناير 1985 انتهت أعمال دورة مجلس الأمة الكويتي 1981 ، و قد ترأس المجلس في هذه الدورة محمد يوسف العدساني و من أهم منجزات المجلس قانون تعديل بعض أحكام قانون الجنسية و قانون بالموافقة على تيسير التبادل التجاري بين الدول العربية ، و في 9 مارس 1985 بدأت دورة مجلس الأمة الكويتي 1985 أعماله ، و في 2 يوليو 1986 تم حل مجلس الأمة الكويتي من قبل الأمير ، و قد كان رئيس المجلس في هذه الدورة أحمد عبد العزيز السعدون ، و من أهم منجزات المجلس قانون جرائم المفرقعات.

في 25 مايو 1985 تعرض الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى محاولة اغتيال و لكنها فشلت ، و قد توفي شخصين من الحرس المرافق في الحادثة ، و قد اعترضت سيارة موكب الأمير من قبل أحد المتشددين ، و قد تم اتهام حزب الدعوة بتنفيذ هذه العملية

في عام 1988 أختطفت طائرة تابعة للخطوط الجوية الكويتية اسمها الجابرية وقام المختطفون بقتل بعض الركاب فيها.

تعليمية

الاجتياح العراقي للكويت

في 2 أغسطس 1990 قامت وحدات كبيرة من الجيش العراقي بعبور الحدود الكويتية ونشيت معارك متفرقة استمرت يومين ثم أعلن بعدها في 4 أغسطس حكومة كويتية مؤقتة برئاسة العقيد في الجيش الكويتي علاء حسين استمرت الحكومة عدة أيام حتى 8 أغسطس حيث تم إعلان ضم الكويت للعراق ، واعتبارها المحافظة التاسعة عشر للعراق ، و قد تم تعيين عزيز صالح النومان محافظ للكويت

استمر الاحتلال العراقي 7 شهور ، و قد كان للكويتيون دور كبير في مقاومة الجيش العراقي ، ففي يوم 24 فبراير 1991 قام الجيش العراقي بمهاجمه بيت كان يحتوي على 19 من المقاومين ، و يعرف هذا البيت باسم بيت القرين ، و قد قتل 12 من المقاومين و قد تم تدمير البيت بشكل جزئي و هو الآن متحف لعرض ما حدث من خلال الغزو ، وحيث قامت حرب الخليج الثانية بين العراق و تحالف دولي من 32 دولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق استخدام الاراضي السعوديه ، أسفرت عن انتصار قوات التحالف وتحرير دولة الكويت في يوم 26 فبراير 1991. وقد قامت المملكة العربية السعودية باستضافة المواطنين الكويتيين أثناء الحرب.

قبل تحرير الكويت بأيام ، قام الجيش العراقي بتدمير آبار البترول ، و دمرت ما يقارب من 1073 بئر نفطي في الكويت ، و قد قال الخبراء بأن الآبار لن تنطفي قبل ثلاثة سنوات ، و بدأ العمل في إطفاء الآبار في 3 مارس 1991 أي بعد أسبوع واحد من التحرير ، و في 6 نوفمبر من نفس العام تم إخماد آخر بئر مشتعل في الكويت .

تعليمية

بعد التحرير

كان الشيخ سعد العبد الله الصباح من أوائل القادمين للكويت بعد التحرير ، والذي أصبح حاكم البلاد بعد تطبيق الأحكام العرفية ، و قد رفعت في 26 يونيو 1991 بعد أربعة أشهر من تطبيقها .

في 20 أكتوبر 1992 عادت الحياة النيابية مرة أخرى في مجلس الأمة الكويتي 1992 ، و قد انتهت أعمال المجلس في 5 أكتوبر 1996 ، و قد ترأس المجلس أحمد عبد العزيز السعدون ، و في 20 أكتوبر 1996 بدأت أعمال مجلس الأمة الكويتي 1996 ، و قد انتهت أعمال المجلس في 4 مايو 1999 بعد أن حل الأمير المجلس ، و قد ترأس المجلس أحمد عبد العزيز السعدون ، و في 17 يوليو 1999 بدأت أعمال مجلس الأمة الكويتي 1999 ، و انتهت أعماله في 30 يونيو 2022 ، و قد ترأس المجلس جاسم الخرافي.

و في 15 يناير 2022 توفي الشيخ جابر الأحمد ونودي بالشيخ سعد العبد الله أميراً للكويت بحسب الدستور حيث كان ولي العهد ، و قد ثارت شكوك حول أهليته الصحية بسبب ظروفه الصحية وظروف مرضه ، ثم تم عزله بقرار من البرلمان بسبب ظروفه الصحية ، وتمت مبايعة الشيخ صباح الأحمد الصباح أميراً لدولة الكويت و قد كان في وقتها رئيس لمجلس الوزراء .

تعليمية

عهد الشيخ صباح الأحمد الصباح (2006-إلى الآن)

تعليمية

في 29 يناير 2022 تمت مبايعة الشيخ صباح الأحمد الصباح حاكما لدولة الكويت ، و قد أدى اليمين الدستورية في يوم 29 يناير 2022 ، و في يوم 21 مايو 2022 حل مجلس الأمة الكويتي 2022 ، و في 12 يوليو 2022 بدأ مجلس الأمة الكويتي 2022 أعماله ، و من أهم منجزات المجلس هو إقرار قانون إعطاء المرأة الحق في الانتخاب و الترشح ، و قد حل الأمير مجلس الأمة الكويتي في 19 مارس 2022 .




البحرين

خريطه البحرين

تعليمية

علم البحرين

تعليمية

يعود تاريخ مملكة البحرين إلى أكثر من 5000 عام عندما كانت مركز حضارة دلمون، التي كانت مسيطرة على الخطوط التجارية بين الحضارة السومرية وحضارة وادي الإندوس (السند).

تعليمية

تايلوس وأرادوس

في القرن الميلادي الأول، كانت البحرين تسمى "تايلوس" من قبل الإغريق حينما قدم " نيرخوس " لاكتشافها تنفيذاً لأمر الإسكندر الأكبر. وكانت تايلوس مركز تجارة الؤلؤ. في حين سميت جزيرة البحرين باسم "تايلوس"، سميت جزيرة المحرق باسم "أرادوس". الجدير بالذكر أن مدينة عراد الواقعة في محافظة المحرق الآن أخذ اسمها من ذلك المسمى. في القرن الرابع الميلادي، أصبح البحرين ملحقة بإمبراطورية الساسانيين (المعروفة بعد ذلك باسم بلاد فارس). ولقد تركت المسيحية النسطورية آثارها في المحرق، فأسماء بعض القرى التي أطلقوها كالدير والسماهيج لا زالت موجودة

تعليمية

وصول الإسلام

عرفت قبيل ظهور الإسلام باسم " أوال " . وقد سميت بذلك نسبة إلى صنم على شكل رأس ثور، يقع في جزيرة المحرق الحالية، ويعبده أقوام من بني بكر بن وائل وتميم حسب ما تذكر المصادر الإسلامية. وقد كانت جزر "أوال " في تلك الفترة مرتبطة بالساحل الشرقي للجزيرة العربية، وشكلت الجزر في تلك الفترة مع المنطقة الممتدة من العراق شمالاً إلى قطر جنوباً إقليماً واحداً يسمى بلاد البحرين، وظلت الجزر مرتبطة سياسياً بشكل كبير بباقي بلاد البحرين منذ ذلك الوقت. فقد وقعت بلاد البحرين تحت هيمنة الفرس الساسانيين في تلك الفترة، يحكمونها عن طريق ولاة من العرب. وكان والي البحرين وقت ظهور الإسلام هو المنذر بن ساوى من بني تميم ومقره مدينة هجر (الأحساء الحالية)، وأكثر سكان الإقليم من قبائل عبدالقيس وبني بكر بن وائل من ربيعة إلى جانب بني تميم. وقد كانت وقد كانت جزر البحرين، مركزاً للنصرانية النسطورية، ثم صار إقليم البحرين من أوائل الأقاليم التي اعتنقت الإسلام، وولى سيدنا محمد ( صلي الله عليه وسلم ) عليها العلاء الحضرمي في 629 م (العام السابع للهجرة) وبعثه برسالة سلمها إلى حاكمها المنذر بن ساوى التميمي.

وفي الفتنة الثانية التي تلت موت الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، احتلت طائفة النجدات من الخوارج بلاد البحرين ثم استعادها الأمويون زمن عبدالملك بن مروان. ومن آثار العصر الأموي في جزر البحرين بقايا مسجد الخميس، وهو من أقدم المساجد في التاريخ، وكان بناؤه في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.

تعليمية

العصور الوسطى

وبعد استيلاء العباسيين على الخلافة سنة 750 م (132 هـ) جعلوا بلاد البحرين وعمان تحت ولاية اليمامة، حتى ظهرت حركة القرامطة التي استولت على شرق الجزيرة العربية سنة 899 م، وجعلت عاصمتها في الأحساء. وقد كانت جزر أوال أول الأقاليم التي انسلخت عن القرامطة، وذلك عندمااستقل بها أبو البهلول العوام من بني عبدالقيس سنة 1058 م وخطب للخليفة العباسي القائم بأمر الله في صلاة الجمعة. وحاول القرامطة استعادة الجزر سنة 1066 م فصدّهم أبو البهلول عنها في معركة بحرية، وانقضّ عرب البحرين على القرامطة في الأحساء على إثر ذلك فسقطت دولتهم سنة 1076 م على يد العيونيين مستعينين بالسلاجقة. وبسقوط القرامطة تناوب على حكم بلاد البحرين ببرّها وجزرها عدة سلالات عربية، حيث استولى ابن عيّاش على القطيف وأوال من أبي البهلول العوام، ثم بسط العيونيون حكمهم على كافة بلاد البحرين سنة 1076 م، تلاهم بعد ذلك العصفوريون سنة 1252 م، ثم الجروانيون سنة 1330 م. وتخلل ذلك احتلال أتابك فارس التركي لجزر البحرين بين 1235 و1253 م. وبعد عام 1330 م صارت بلاد البحرين تدفع الجزية لحكام هرمز، وفي هذه الفترة تظهر لأول مرة في المصادر التاريخية مدينة المنامة، عاصمة البحرين الحالية واستمرت البحرين تحت هيمنة هرمز حتى أوائل القرن الخامس عشر حين قامت قبيلة الجبور البدوية من بني عقيل على الجروانيين واستولت على كافة بلاد البحرين، وفرض زعيمهم أجود بن زامل الأتاوة على الهرمزيين.
ولا يمكن تحديد الوقت الذي انحسر فيه مسمى "البحرين" عن كافة شرق الجزيرة العربية واختصت به جزر البحرين، إلا أن الرحالة الدمشقي ابن المجاور من أهل القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) والمغربي ابن بطوطة (القرن الرابع عشر الميلادي) كانا من أقدم من استخدم اسم "البحرين" للدلالة على الجزر دون باقي شرق الجزيرة العربية.

تعليمية

البرتغاليون والفرس

في عام 1521 م وصل البرتغاليون إلى البحرين وأنزلوا قواتهم بها. ونازلهم فيها زعيم الجبور مقرن بن زامل فوقع قتيلاً في المعركة وبذلك سقطت جزر البحرين تحت الحكم البرتغالي لثمانين عاماً حتى قام الفرس الصفويون باحتلال الجزيرة سنة 1602 م. وقد ظلت تحت الهيمنة الفارسية بشكل مباشر أو غير مباشر حتى سنة 1783 م، تخلل ذلك غزوات من عمان (1717 و1738 م) وفترات من الاستقلال على يد العرب الهولة. وفي عام 1753 م، استولى نصر المذكور، الحاكم العربي لمدينة بوشهر الإيرانية، على البحرين نيابة عن كريم زند حاكم إيران.

تعليمية

العتوب

وفي سنة 1783 م قام العتوب بقيادة أسرة آل خليفة أهل الزبارة في قطر بهجوم بحري في البحرين، فهزموا نصر المذكور واستقلوا بالبحرين.
بعد هزيمة نصر آل مذكور في معركة الزبارة عام 1782م وسقوط سيفه في يد الشيخ سلامة بن سيف آل بن علي العتبي قائد العتوب ، انتقلوا حكام الزبارة العتوب آل بن علي من مقرهم في الزبارة إلى جزيرة المحرق في البحرين واسسوا فريجهم وهو أكبر واقدم فريج في مدينة المحرق إلى هذا اليوم وهو فريج آل بن علي. ثم انتقلت بعض الاسر والقبائل وسكنت مع آل بن علي العتوب في المحرق.وكانوا العتوب آل بن علي اقوى قبيلة في البحرين في ذلك الوقت من ناحية العدد والقوة البحرية كما ذكرت عنهم الوثيقة العثمانية المؤرخة عام 1701 بما يملكونه من قوة بشرية وبحرية وما فعلوا في جيش نصر آل مذكور في الزبارة عام 1782م خير دليل على ذلك. وكانوا العتوب آل بن علي يملكون النخيل وبساتين كثيرة في جزيرة سترة والنبيه صالح ومناطق اخرى ولازالوا محتفظين بهذه الصكوك إلى يومنا هذا. فكانت هذه القبيلة مستقلة ذاتيا ولم يكن لاى أحد اى نوع من السلطة على هذه القبيلة العتوب آل بن علي, حتى في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفه لم يفرض اى ضرائب على العتوب آل بن علي. وكان لديهم علم يرفع فوق سفنهم اثناء الحروب و في مواسم صيد اللؤلؤ وفي المناسبات كالزواج والاعياد وفي العرضة الحربية ويسمى هذا العلم بالعلم السليمي نسبة إلى قبيلة الام بني سليم وهو مميز باربعة خطوط حمراء متبادلة مع ثلاثة خطوط بيضاء. وقد حاولت بريطانية كسب هذه القبيلة عدة مرات لكي تحكم الجزيرة تحت طاعتهاو تحمي مصالحها لمي تتوسع نفوذها بكونها تريد ان تستعمر البحرين ولكنها لم تنجح ورفضوا العتوب آل بن علي ذلك لذا اختارت عائلة اخرى لتكون تحت نفوذها الاستعمارى وبعد ذلك قررت قصف هذه القبيلة عندما كانت في الزبارة عام 1895م لكيسر نفوذها وشكوتها.

تعليمية

آل خليفة

ولكن لم يستتب الأمر لآل خليفة إلا بعد التصدي لسلسلة من الغزوات العمانية بين عامي 1799 و1828 م، كما اضطروا لدفع الجزية لإمارة الدرعية ("الوهابيين") لبضع سنوات. وقد جعل آل خليفة قاعدتهم في جزيرة المحرق، بينما كانت الحاضرة الكبرى في البحرين هي المنامة.
وبعد قيام الدولة السعودية الثانية حاول حاكمها فيصل بن تركي السيطرة على البحرين واستطاع فرض الزكاة عليها مؤقتاً. واستمرت النزاعات بين الطرفين وامتد حكم آل خليفة في بعض الأوقات إلى قلعة الدمام، إلا أن تلك الفترة شهدت أيضاً دخول الإمبراطورية البريطانية إلى الخليج العربي. وقد كانت بريطانيا تعتبر الخليج بمثابة بحيرة بريطانية وحلقة اتصال مهمة في الطريق إلى ممتلكاتها في الهند. وحرصت بريطانيا على بقاء البحرين مستقلة عن الدول المحيطة كالسعوديين، فقامت بريطانيا سنة 1859 م بإبلاغ فيصل بن تركي بأنها تعتبر البحرين "إمارة مستقلة،" وأرسلت أسطولاً بحرياً لحمايتها. وبعد سلسلة من المعاهدات بين بريطانيا وحكام البحرين — أولها معاهدة السلام البحري عام 1820 — وقع آل خليفة اتفاقية الحماية البريطانية سنة 1861 م، وظلت البحرين محمية بريطانية حتى سنة 1971 م. وقد قدّر الرحالة البريطاني بالغريف عدد سكان البحرين وقت توقيع الاتفاقية بنحو 70,000 نسمة.
أدت المعاهدة بين البحرين وبريطانيا إلى تغييرات اجتماعية جذرية. تأسست أول مدرسة تعليمية عام 1919 وكانت هي مدرسة الهداية الخليفية للبنين، وكذلك تم افتتاح أول مدرسة للبنات في منطقة الخليج في البحرين عام 1928 وهي مدرسة خديجة الكبرى. اكتشاف النفط في البحرين عام 1932، وكانت البحرين أول منطقة في الخليج اكتشف النفط. تطلب إنتاج النفط آلاف العمال المتعلمين، فظهرت طبقة عاملة جديدة ساهم نتاجها إلى تطوير المجتمع البحريني على السنوات الخمسون التالية.
وفي عام 1923 م عمت الاضطرابات البحرين بعد أن تصادمت قبيلة الدواسر السنية بالبحارنة الشيعة، وقد كان الدواسر يعيشون في البحرين بشكل شبه مستقل عن آل خليفة منذ قدومهم إلى البحرين من شرق الجزيرة العربية سنة 1845 م، فقام البريطانيون بإجبار الدواسر على الجلاء عن البحرين في ذلك العام وغادر معظمهم إلى الدمام على الساحل المقابل.

تعليمية

الاستقلال

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الخليج العرب أقل أهمية للإدارة البريطانية لدول الخليج العربية. في 1968، أعلنت الحكومة البريطانية قرارها لإنهاء علاقات المعاهدة بمشيخات دول الخليج العربية. وكانت إيران إيران بالادعاء بأحقيته بحكم البحرين منذ أول اتفاقية بين البحرين والبريطانيين في القرن التاسع عشر، وجددت الحكومة الإيرانية مطالبها حين رأت نية بريطانيا مغادرة الخليج، إلا أنها قررت التوقف عن مطالبها في البحرين مقابل تنفيذ مطالب أخرى لها في المنطقة. وأجري على إثر ذلك استفتاء في البحرين تحت إشراف الأمم المتحدة سنة 1970 م صوت فيه البحرينيون لبقاء البحرين مستقلة عن إيران.
انضمت البحرين إلى قطر والإمارات السبع (الذين يمثلون الإمارات العربية المتحدة الآن) لبحث توحيد الإمارات التسع. في منتصف 1971، لم يستطيعوا الاتفاق على ذلك وقررت البحرين بالاستقلال، واستطاعت القيام بذلك في 15 أغسطس 1971.

تعليمية

الحياة البرلمانية

كانت البحرين من أسبق وأوعى الدول لضرورة وجود مجلس يناقش الحكم ويحاوره ، فبدأت بالبرلمان عام 1973 ، ولكن سرعان ما تم حل هذا البرلمان بقرار من الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة في العام 1975.

تعليمية

عهد الملك حمد

أصبح الملك حمد بن عيسى آل خليفة أميراً على البحرين عام 1999 خلفاً لأبيه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة. شهدت البلاد تغييرات كبيرة منها شرع الانتخابات للبرلمان، وأعطى المرأة حقها في التصويت، وأطلق سراح المساجين السياسيين، ووصفت منظمة العفو الدولية هذا بفترة تاريخية لحقوق الإنسان في البحرين. تحولت البحرين من دولة إلى مملكة في فيراير عام 2022.





تـــــــاريخ فلسطين

تعتبر فلسطين من أقدم المجتمعات البشرية. وهنالك دليل على أن فلسطين كانت مأهولة بالسكان منذ 12 ألف عام خلت.
مع بداية العصر الحجري الوسيط (العصر الميسوليني) حوالي 12000 ق. م بدأ الإنسان في فلسطين باستئناس الحيوان والزراعة، والصناعات اليدوية وعلى سبيل المثال فإن جمجمة كلب أو صورة ثور محفورة في عظمة أو قطعة منحوتة تمثل جمجمة إنسان والتي تعود جميعها إلى تلك الحقبة وجدت في كهوف الكرمل.
حوالي 7000 ق.م أصبحت أريحا أول مكان في العالم بنى فيه الإنسان مساكن له وكذلك سورا ارتفاعه عشرة أمتار حول المدينة.
ولذلك تعتبر أريحا أقدم مدينة في العالم كانت مأهولة بالسكان دون ما انقطاع بدأت فيها الزراعة وتربية الحيوان وتميزت المنطقة بالاستقرار لأكثر من ألف سنة قبل أن تظهر الحضارة السومرية في مسوبوتاميا (العراق). بدأت صناعة الفخار في أريحا حوالي 5000 ق.م وانتشرت من هناك إلى باقي أرجاء فلسطين وسوريا.
في العديد من المدن الفلسطينية عثر على العديد من الصناعات تعود إلى العصر الحجري المعدني حوالي 4000 ق.م بما في ذلك ما تم اكتشافه في مجدو وهو من أقدم أنواع الفخار المزخزف.
كشفت الحفريات التي جرت في منطقة بيسان عام 1921، 1922 في "تل الحسن" عن وجود مجموعة هائلة من آثار مدن قديمة ترتفع إلى 18 طبقة يعود تاريخ الطبقة السفلى إلى 4000 ق.م والعليا إلى العصور الوسطى.
5000 ق.م : بدأت أولى موجات الهجرة السامية ومع نهاية الألفية الرابعة وبداية الألفية الثالثة ق.م اتجه الساميون نحو العراق. استقر الأكاديميون في الجنوب والاشوريون في الشمال ويعتبر الساميون إحدى السلالات الثلاث التي يعود إليها الجنس الأبيض في عالمنا اليوم وتعتبر شبه الجزيرة العربية الموطن الأصلي للجنس السامي.
وحيث أن فلسطين كانت عامرة بالسكان قبل بداية التاريخ فإنها تعرضت لتدفقات كبيرة من الهجرات السامية القادمة من شبه الجزيرة العربية في بداية الألفية الثالثة ق.م وهم من عرفوا بالعموريين والكنعانيين، والذين ازدادوا في حوالي 2500 ق.م .
2500 ق.م : هاجر العموريون إلى الأجزاء الجنوبية من سوريا الكبرى (ما يسمى شرق الأردن) وهاجر الكنعانيون إلى الأجزاء الجنوبية من الساحل (فلسطين) كما سمي البلد بعدهم – أرض كنعان وهو أقدم اسم أطلق على بلادنا فلسطين، وحكم الكنعانيون ما يقارب 1500 عام.
2000 ق.م : بنا اليابوسيون (إحدى القبائل الكنعانية) مدينة يابوس وهي الإسم العربي لمدينة القدس. وبنيت المدينة على المرتفعات الموجودة جنوبي غرب القدس الحالية وهي تعرف الآن بجبل النبي داوود وأثبتت حفريات جديدة جد بأن المدينة قد بنيت في فترة أقدم من ذلك حوالي 3000 ق.م وهي فترة تقدر بأكثر من 2000 عام قبل بناء الهيكل.

1805 ق.م : هاجر النبي إبراهيم (عليه السلام) والذي قد يكون عاموريا من مدينة أور في بابل (العراق) واستقر في "حوران" بسوريا ثم انتقل ليستقر في بئر السبع في بلاد كنعان. وأثناء تلك الفترة دعا إلى وحدانية الله. تزوج زوجته الثانية هاجر المصرية وفي حوالي 1794 ق.م أنجبت له إسماعيل في جنوبي شرق عصلوج. وسيدنا إسماعيل هو جد العدنانيين العرب – عدنان أحد أحفاده الذي جاء من نسله النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
1780 ق.م : بعد ميلاد سيدنا إسماعيل بـ 14 عام ــ رزق إبراهيم ابنه الثاني اسحق عليه السلام من زوجته سارة في حران، وعندما توفي سيدنا إبراهيم عليه السلام دفنه أبناؤه بجانب زوجته سارة في كهف ماكفيلا.
عاش اسحق (عليه السلام) في أقصى جنوب بلاد كنعان حيث ولد ابنه يعقوب وأعطي الإسم المشهور "إسرائيل". انتقل للعيش في حران حينما أصبح رجلا وتزوج كل من ربيكة ورحيل اللتين أنجبتا له 12 ولدا ذكورا جميعهم ولدوا في سوريا ما عدا بنيامين الذي ولد في الطريق إلى بيت لحم وهم في طريق عودتهم من حران إلى أرض كنعان. وانتقل يعقوب بعد ذلك إلى مصر حوالي عام 1656 ق.م.
1675 ق.م : غزل الهكسوس مصر وهم في الغالب ساميون يشملون الكنعانيين والعموريين وكذلك قبائل أخرى كانت تعيش في سوريا وفلسطين أدخل الهكسوس الخيول والعربات العسكرية ومعدات حربية أخرى إلى المنطقة وحكموا مصر ما يقرب من 100 عام.
1580ــ1557 ق.م : جاء أحمس وتمكن من طرد الهكسوس من مصر وطاردهم حتى فلسطين ثم لاحقهم حتى سوريا.
1510 ــ 1447 ق.م : غزا المصريون فلسطين ثانية إبان فترة حكم تحتمس الثالث واصبحت أرض كنعان إقليما مصريا لفترة تقرب من 4 قرون. أثناء تلك الفترة تعرض حكم الفراعنة لعدم الاستقرار وأجبروا على القيام بعدة حملات لتأديب المتمردين. وقاوموا كذلك الحيثيين الذين نجحوا في توحيد غالبية شمال سوريا تحت رايتهم وتمكن القائد "الخاييرو" من السيطرة على أغلبية فلسطين في تلك الفترة.
1269 ق.م : عقد المصريون والحيثيون اتفاقية (معاهدة) قضت بوضع كل المناطق شمالي قادش وبيبلوس تحت سيطرة الحيثيين وما إلى جنوب ذلك تحت سيطرة المصريين.
حوالي عام 1100 ق.م جرت عدة حروب بين ملوك الكنعانيين والمملكة المصرية التي كانت قد وصلت إلى أقصى درجات ضعفها في ذلك الحين.
1225 ق.م : بدأ الفلسطينيون الايجيون الذين جاءوا من اليونان (جزيرة كريت) بالاستقرار في سواحل سوريا ومصر. تمكن الفرعون المصري "مارنفيتا" من هزيمتهم، كما وحصل نفس الشيء لهم أيام رمسيس الثالث عام 1191 ق.م ثم نجح الايجيون في النهاية في احتلال ساحل فلسطين وسمح لهم رمسيس الثالث بالبقاء هناك بشكل دائم وامتد الاحتلال من المنطقة الواقعة شمال غزة إلى ساحل الكرمل شمالا وإلى سلاسل الجبال شرقا، قويت شوكة الفلسطينيين وأصبح لهم تأثير كبير على الكنعانيين العزل.
أسرة سيدنا يعقوب (إسرائيل عليه السلام) نمت وتكاثرت بعد هجرتهم إلى مصر.
1227 ق.م : هاجر سيدنا موسى عليه السلام وقومه عابرين البحر كما جاء في قصة التوراة. وبعد 40 سنة من الاغتراب والضياع حاول موسى عليه السلام محاولة غير ناجحة لدخول فلسطين من الجنوب واجبر على الذهاب إلى شرق الأردن. توفي موسى (عليه السلام) بعد أن رأى فلسطين من فوق مرتفعات شرق الأردن ولكنه لم يدخل فلسطين مطلقا.
1086 ق.م : أصبح يشوع زعيما للعبرانيين بعد وفاة موسى.
عبر نهر الأردن وحاصر أريحا. ثم دخل المدينة حرقها وقتل جميع سكانها.
وواصل يشوع وقومه الحاق الهزائم بالكنعانيين حتى استطاعوا السيطرة على جزء من المدن الكنعانية.
1020 ق.م : عندما توفي يشوع تولى حكماء العبرانيين الحكم من بعده وأطلق على هذه الفترة ــ فترة حكم "القضاة" والتي استمرت 150 سنة، ثم انتخب شاؤول بعد ذلك ليصبح ملكا على ما أصبح يسمى "مملكة يهودا" التي تأسست حوالي عام 1020 ق.م.
1016 ق.م : بعد وفاة شاؤول انقسم العبرانيون وقامت الحروب بين الفريقين وبعدها أصبح داود عليه السلام ملكا، وتمكن من تأسيس جيشا قويا لترسيخ دعائم حكمه. اتخذ داود في البداية من مدينة الخليل عاصمة لمملكته ولما دخل يابوس (القدس) جعلها عاصمة لمملكته وجعل مقر حكمه فوق جبل صهيون.
اتسعت مملكة داود لتشمل على معظم المنطقة الممتدة من جبل الكرمل وجبل حرمون شمالا حتى الحدود المصرية جنوبا وحتى الصحراء شرقا. أما بالنسبة للساحل الفلسطيني فظل تحت سيطرة الفلسطينيين وظل تحت حكم الفراعنة. وغالبا ما كان يصطدم اليهود مع الفلسطينيين وتنشب بينهم معارك حتى مالت كفة الميزان لصالح اليهود)إحدى هذه المعارك ما ورد في قصة داوود وجالوت).
بعد وفاة سيدنا داود استلم الحكم ابنه سليمان (عليه السلام) كثالث ملك للمملكة اليهودية وبنى الهيكل المسمى باسمه وكذلك قصرا ووسع أسوار القدس.
923 ق.م: بعد وفاة سليمان (عليه السلام) انقسمت المملكة اليهودية التي دامت 97 سنة إلى مملكتين صغيرتين (مملكة إسرائيل في الشمال 923-722 ق.م)، (ومملكة يهودا في الجنوب 923-586 ق.م) وجرت معارك طاحنة بين المملكتين واستعان كلاهما بالممالك المجاورة. كانت مساحة مملكة إسرائيل ضعف مساحة مملكة يهودا وعدد سكانها كانوا ثلاثة أضعاف سكان مملكة يهودا.

العديد منهم كانوا وثنيين وعشرة من بين ملوكهم الــ 19 قتلوا على أيدي شعبهم.
722 ق.م : تمكن الأشوريون من تدمير مملكة إسرائيل وعاصمتها سامره وهاجم كذلك الكلدانيون بقيادة نبوخذ نصر مرتين مملكة يهودا في أواخر أيامها.
586 ق.م : كانت المرة الثانية التي غزا فيها نبوخذ نصر القدس وقام بحرق الهيكل ودمر المدينة وأخذ 50.000 أسيرا إلى بابل وآلت فلسطين بعد ذلك إلى حكم الكلدانيين.
516 ق.م : بعد 70 عام احتل الفرس بابل وأمر ملكهم سيروس بعودة اليهود إلى القدس. وتمكن أولئك الذين عادوا من استرداد الهيكل وقام زعماؤهم بجمع وتفسير بعض القوانين الدينية العديد منها باللغة العبرية القديمة والتي تطبع هذه الأيام وتعرف بالتوراة.
استمر حكم الفرس في فلسطين 200 سنة تقريبا حتى عام 322 ق.م.
استفادت البلاد من تنظيم وإدارة وقوة اقتصاد المملكة الفارسية فساد الاستقرار والازدهار حتى أصاب الامبراطورية الانحلال والضعف، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك فشلها في حروبها ضد الإغريق.
332 ق.م : فتحت القدس أبوابها أمام الأسكندر المقدوني وجيوشه ومن هناك اتجه إلى غزة وحاصرها بعد مقاومة شديدة تمكن من دخولها واضطهد أهلها. وجرح الاسكندر أثناء هذه المعركة.
ومع سقوط غزة واصل الاسكندر تقدمه وفتح بلاد سوريا الكبرى جميعها، ثم توجه إلى مصر فيما بعد وفتحها دون مقاومة تذكر.
323 ق.م : بعد وفاة الاسكندر في بابل اختلف جنرالاتها حول مصير الإمبراطورية ونشبت بينهم الحروب والصراعات. وكنتيجة لذلك شهدت فلسطين المزيد من الحروب.
323 ق.م : أعطيت فلسطين إلى لوميدون وأصبحت جزءا من الإمبراطورية البطلمية وعاصمتها الإسكندرية، وحكم البطالمة البلاد الفترة من 301-198 ق.م.
213 ق.م : غزا السلجوقيون حكام سوريا بقيادة انطونويس البطالمة وطردوهم من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في الأراضي السورية وفلسطين.
198 ق.م : هكذا بدأت الحرب واستمرت لما يزيد على عشرين سنة بين الإمبراطوريتين الإغريقيتين وكسب الحرب البطالمة في البداية حتى تمكن انطونيوس الثالث من هزيمتهم هزيمة نكراء وطردهم من جنوبي سوريا الكبرى.
141 ق.م : أثناء فترة حكم السلجوقيين قاموا بالضغط على اليهود لقبول عادات وتقاليد الإغريق مما أدى إلى التمرد بقيادة المكابيين الذين تصادموا مع السلجوقيين وأسسوا مملكة لهم، وأجبر المكابيون السكان العرب في منطقة الجليل على التهود وارتكبوا مجازر مرعبة ضدهم حتى جاء الرومان وسيطروا على فلسطين.
أدت فتوحات الإسكندر إلى انتشار الحضارة الهيلينستية (الإغريقية)، فلقد بذل الإغريق البطالمة والسلاجقة جهودا جبارة لنشر لغاتهم، أفكارهم، عاداتهم، علومهم ودياناتهم في جميع أنحاء الشرق وذلك عن طريق إنشاء المدن والمدارس. وقيل أن فلسطين امتصت الشخصية اليونانية بما في ذلك اللغة المحلية ولكن كان ذلك مقتصرا على المدن الرئيسية حيث أن سكان القرى فضلوا الحفاظ على عاداتهم واستخدموا لغاتهم الخاصة بهم.
62 ق.م : احتل الرومان البلدان التي كان يسيطر عليها خلفاء الإسكندر المقدوني حيث قاموا بغزو مقدونيا واليونان وسيطروا على قسم كبير من آسيا الصغرى أيضا. ثم تقدموا نحو سوريا وفلسطين واحكموا سيطرتهم عليها. أعاد الحاكم الروماني الأول لسوريا بناء بعض المدن التي دمرها المكابيون مثل ساماريا، بيسان وغزة وجرد "هركانيوس" ملك اليهود من لقبه ولكنه سمح لليهود كما الآخرين من ممارسة نوع من الحكم الذاتي. وبعد اغتيال يوليوس قيصر اندلعت الحرب بين جنرالات الرومان والتي أدت إلى الصراع بينهم، ونتج عن ذلك الصراع انقسام حكم الإمبراطورية بين انطونيوس واكتافيوس، وقعت سوريا تحت حكم انطونيوس بعد أن استعادها من الفرس الذين احتلوها لفترة قصيرة في أعقاب وفاة يوليوس قيصر.
27 ق.م : دخل انطونيوس مدينة القدس وأعدم آخر حكام المكابيين وعين هيرط بن اتيباس ملكا عليها.
ثم انتقل الحكم إلى اندومنير الهيرودي الذي حكم الفترة 37 ق.م حتى 100 ميلادي على خلاف سلفه هيرود الذي ساعد في تدعيم الحكم الروماني في البلاد وبنا العديد من المدن مثل قيساريا والعديد من القصور والقلاع بما في ذلك قلعة ماسادا.
اعتنق هيرود اليهودية ورمم هيكل سليمان بالقدس. وقبل وفاته عام 4 ق.م أوصى بأن تقسم تركته (أملاكه) بين مساعديه الثلاثة.
أحدهم انتيباس الذي تزوج ابنة أخت هيرود "هيروديا" والي طلبت منه ابنتها "شالومة" رأس يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان).
4 ق.م : ولد عيسى المسيح عليه السلام في بيت لحم، أي بعد 60 عام من دخول الرومان إلى فلسطين. عاش وترعرع في الناصرة، وعندما بلغ الثلاثين من عمره بدأ بالترحال في أرجاء فلسطين لنشر الدعوة إلى التوحيد والتراحم والحب ويدعو إلى تطهير النفس والروح ويبشر بالثواب وبحذر من العقاب.
قاوم اليهود والفلسطينيون الذين كانوا يعبدون الأصنام هذه الديانة الجديدة وكذلك الرومان الذين كان رد فعلهم اضطهاد المسيحيين.
اختار المسيح 12 سبطا كي يكونوا تلاميذا له وكان معظمهم تقريبا من الفلسطينيين. كان من بين هؤلاء التلاميذ اليهودي "يهودا اسقريوط" الذي خان عيسى المسيح في النهاية وباعه بثلاثين قطعة فضية.
باختصار تعتبر فلسطين مهد المسيحية حيث ولد فيها المسيح عليه السلام وعاش حياته على أرضها ومن القدس رفعه الله إلى السماء وفيها دعى الناس إلى الإيمان.
66 م : إبان الحكم الروماني اصطدم اليهود مع الرومانيين عدة مرات. وقام القائد الروماني "تيتوس" بمحاصرة القدس ودخلها عام 70 م. ثم حرق الهيكل الذي بناه هيرود.
98 – 117 م : في فترة حكم "تراجان" ثار اليهود عليه في الممالك الرومانية الخمسة (ميسوبوتاميا، قبرص، مصر، سيرنيكا، وفلسطين) وقام تارجان بتدمير الممالك الأربعة الأولى.
98 – 117 م : وبعد وفاته خلفه هادريان الذي اضطهد اليهود في فلسطين وقتل عددا كبيرا منهم حيث أنهم كانوا في حالة عصيان وتمرد بزعامة شمعون أو باركوكت، ثم اطلق هادريان على القدس اسم ايليا كيتلانيا وبنى تمثال المشتري (كبير آلهة الرومان) فوق اطلال هيكل هيرود.
وفي تلك الآونة انتهت علاقة اليهود بفلسطين.
62 ق.م – 395 م : استمر حكم الرومان لفلسطين تمتعت خلالها معظم البلاد بفترة من الاستقرار والسلام والأمن ورغم ذلك كان عدد الناس هاجروا إليها قليل وكان الهدف الأساسي للرومان من احتلال سورياـــ الكبرى وفلسطين هو استخدامها كنقطة انطلاق لهجماتهم ضد أعدائهم واستغلال ثرواتهم بما في ذلك جمع الضرائب كانت اللغة الرسمية هي اللغة اللاتينية بينما كانت اللغة الإغريقية هي السائدة في ميادين الأدب والتجارة. وعلى كل حال فإن اللغة الآرامية هي اللغة التي كانت تستخدم في الأسواق والبيوت بين الناس. وكان تعداد السكان في فلسطين في تلك الآونة يقدر بحوالي المليون.
267- 272 م : حكمت جيوش بلميرا بقيادة زنوبيا فلسطين ما يقرب من الخمس سنوات حتى جاء الإمبراطور الروماني اوروليوس وهزم المملكة عام 272 م. كان سكان بلميرا عربا أمثال النباتين ولكن عاصمتهم بلميرا لم تزدهر إلا بعد أن بدأت البتراء في الانحدار والتدهور.
326 م : اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين المسيحية. وزارت والدته الملكة هيلانا فلسطين وبنت كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم.
380 م : بنى الإمبراطور قسطنطين عاصمة جديدة للإمبراطورية والتي سميت بعده باسمه القسطنطينية (استانبول حاليا).
395 م : انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى امبراطوريتين، الشرقية (البيزنطية) وعاصمتها القسطنطينية، والغربية وعاصمتها روما. وآلت سوريا الكبرى بما فيها فلسطين إلى حكم البيزنطيين. استمر الوضع الاقتصادي للإقليم كما كان عليه في الماضي وتمتعت الإمبراطورية بفترة طويلة من الاستقرار.
في فلسطين واصلت مدن قيساريا، عسقلان وغزة المسيرة الثقافية التي سادت فترة حكم البيزنطيين وكانت اللغة الإغريقية هي لغة التعليم في المدارس.
527 – 565 م : إبان فترة حكم قسطنطين، حدثت عدة زلازل دمرت الكثير من المدن والقرى. كان أشد تلك الزلازل الذي حدث عام 551 م .

610 م : تولى عرش الإمبراطورية هيراكوليس هاجمت جيوش الملك الفارسي كوسروس سوريا وتقدمت نحو فلسطين واحتلت قيساريا.
614 م : ومن هناك توجه إلى القدس ودخلها وحرق كنيسة المهد وقتل حوالي 90 ألف مسيحي.
627 م : عاد هيراكوليس وهاجم الفرس وهزمهم وآلت سوريا ثانية إلى حكم الإمبراطورية البيزنطية. أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية تأسست دولة الغساسنة. اعتنق الغساسنة وهم قبائل يمنية المسيحية في القرن الرابع الميلادي ودخلوا نطاق تأثير السياسة الرومانية واستخدمهم الرومانيون لدحر الثورات التي قامت في فلسطين عام 529 م.
570 م : ولد النبي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) في مكة. وبدأ نزول القرآن على محمد عام 610 م معلنا بداية ديانة سماوية ثالثة ألا وهي الإسلام. وأعطى الإسلام مكانة خاصة ومتميزة للقدس التي أسرى بالنبي محمد إليها وعرج به منها إلى السموات السبع في ليلة (المعراج). وأصبح المسلمون يتجهون في صلواتهم نحو القدس قبل أن يبدأوا الاتجاه نحو مكة (الكعبة).
634 م : في فترة خلافة أبو بكر انطلقت عدة جيوش نحو الشمال. وكان الجيش الذي اتجه نحو فلسطين تحت قيادة عمرو بن العاص الذي هزم البيزنطيين في معارك عدة كان أهمها معركة اجنادين وبذلك سيطر على جنوبي البلاد. في عام 636 بعد المعركة الميمونة في اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد أكمل العرب سيطرتهم على فلسطين وبلاد الشام. بالنسبة للقدس وضع بطريركها سفرونيوس شرطا لتسليم المدينة وأصر على أن يحضر الخليفة شخصيا لتسلم مفاتيح المدينة حضر الخليفة عمر إلى المدينة وقطع عهدا على نفسه لأهلها بتوفير الأمن والسلامة وحرية العبادة والمقدسات فيما يسمى (بالعهدة العمرية).
أثناء فترة حكم الأمويين بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة ومسجد الأقصى بجانبها. وأطلق على المسجد والصخرة والمنطقة المحيطة بها الحرم الشريف ويعتبر هذا المكان ثالث المقدسات الإسلامية بعد مكة والمدينة.
بدأ الأمويون عملية التعريب فبدأوا بإدارة المدن وابتدعوا عمله جديدة (الدينار) وفي عهدهم انتشر الإسلام واللغة العربية بسرعة.
شهدت نهاية القرن العاشر الميلادي انهيار عام للخلافة العباسية وحل محلها تدريجيا السلجوقيون والأتراك. وفي نفس القرن استولى الفاطميون على مصر وفلسطين من السلجوقيين وبعد ذلك سادت العداوة الشديدة بين الطرفين.
1090 م : دعا باب روما أوربان الثاني لإنقاذ القدس من المسلمين وبدأ الاستعدادات للحروب الصليبية. كانت الحروب الصليبية عبارة عن عدة حملات أرسلت إلى فلسطين وبلاد الشرق بهدف احتلال أكبر قدر ممكن من الأراضي.
1069 – 1099 م : سارت الجيوش برا حتى وصلت إلى المناطق المحيطة بالقدس.
وفي غضون شهر واحد استسلمت قوة صغيرة من الفاطميين واحتل الفرنجة المدينة وقاموا بتدنيس الحرم الشريف وارتكبوا المجازر ضد المدنيين العزل. ثم أقام الصليبيون المملكة اللاتينية في القدس وكذلك الإمارات الثلاث الأخرى في باقي بلاد الشام.
1144 م : قام أمير الموصل عماد الدين زنكي باستعادة إحدى إمارات الرحا الثلاث واستمر هو وابنه واحتلوا العديد من المدن بما فيها دمشق وضمها إلى دولته وحدثت الحرب الصليبية الثانية عام 1147 م – 1149 إلا أنها لم تحقق نجاحا كبيرا.
1187 م : قام والي مصر صلاح الدين الأيوبي بضم سوريا إلى ولايته وسيطر على طبريا وبدأ معركته ضد الصليبيين. وحدثت موقعة حطين ضد الملك جي ملك القدس ورينالدو شاتيلون أمير الكرك وأحرز صلاح الدين كبيرا في هذه المعركة والتي على أثرها أحكم قبضته على العديد من المدن وفي النهاية استسلمت له القدس في خريف نفس العام.
سمح صلاح الدين للمسيحيين العرب بالحفاظ على ممتلكاتهم واشترى ممتلكات الفرنجة الفارين وأجبر أيضا الفرنجة على مغادرة المدينة مجردين من السلاح وبعد دفع جزية كذلك.
1192 م : هذا الفتح لمدينة القدس أدى إلى قيام الحملة الصليبية الثالثة التي قادها الملك ريتشارد (قلب الأسد) من إنجلترا والملك فيليب أغسطس ملك فرنسا وفيروريك إمبراطور ألمانيا- احتل الصليبيون عكا ووقعت معاهدة صلح الرملة بين صلاح الدين والملك ريتشارد.


ونصت الاتفاقية على إبقاء القدس تحت حكم المسلمين مع السماح للمسيحيين بالحج إليها.
أما الشريط الساحلي بين يافا وعكا فظل تحت حكم الفرنجة وباقي الشريط الساحلي حتى عسقلان في الجنوب فظل تحت سيطرة صلاح الدين.
1197 م : غادر صلاح الدين فلسطين متوجها إلى دمشق وتوفي عام 1193 م. بعد وفاته دب الخلاف بين خلفائه مما أدى إلى نجاح حملة صليبية جديدة من إعادة السيطرة على مناطق معينة. وأعاد الإمبراطور الألماني فردريك الثاني سيطرته على القدس. وبعد مفاوضات جرت بينه وبين الكامل الأيوبي توصلوا إلى اتفاقية عام 1292 تنص على أن يأخذ فردريك السيطرة على القدس بشرط أن يظل المسلمون يتمتعون بالسيطرة على المقدسات الإسلامية ومن بين المدن التي وقعت تحت سيطرة فردريك بيت لحم والناصرة. واستعاد الملك الصالح الأيوبي السيطرة على القدس بعد 15 سنة.
1250م : تأسست الدولة المملوكية في مصر وامتد نفوذها أيضا إلى فلسطين وبلاد الشام.
1258م : احتل المغول (التتار) بغداد ودمروا مقر الخلافة العباسية. واحتلوا كذلك دمشق وحاولوا الاتجاه جنوبا إلا أنهم هزموا على يد السلطان المملوكي قطز سلطان مصر في موقعة عين جالوت بالقرب من بيسان بفلسطين عام 1259 م.
1291 م: وواصل بعد ذلك المماليك إعادة السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة فريدريك ولكن الهزيمة النهائية للصليبيين لم تتم إلا على يد السلطان الأشرف خليل ابن قلاوون عندما احتل عكا في ذلك العام.
1516 م : هزم السلطان العثماني سليم الثاني المماليك.
1517 م : واحتل بلاد الشام وكذلك مصر. وأصبحت فلسطين بعد ذلك جزءا من الإمبراطورية العثمانية للأربعمائة سنة التي تلت ذلك.
1749-1775 م : أثناء فترة حكم العثمانيين حدثت عدة تطورات هامة مثل تأسيس حكم الشيخ ظاهر العمر في شمال فلسطين الذي كان يسعى إلى حكم فلسطين، قبل أن يقبل بالقرب من عكا.
1799 م : احتل نابليون جنوبي فلسطين ودخل يافا ولكنه فشل في حصار عكا.
1831 م : ومن أهم الأحداث في تاريخ فلسطين في القرن التاسع عشر كانت حملة إبراهيم باشا على فلسطين والشام وظلت هذه المناطق تحت حكم محمد علي باشا والي مصر حتى عام 1840 حتى عاد العثمانيون واحتلوها.
في العقود الأخيرة لفترة الحكم العثماني قسمت فلسطين إلى ولايات وربطت القدس مباشرة بوزارة الداخلية العثمانية في استنبول، أما نابلس وعكا فضمتا إلى لواء بيروت وباقي البلاد آلت إلى لواءين آخرين.
1876 م : أرسلت فلسطين نوابا للبرلمان العثماني أول مرة وفي أثناء هذه الفترة دعا الكثير من العرب إلى الإصلاح الإداري والسياسي والحكم الذاتي. وطالبوا أن تعتمد اللغة العربية لغة رسمية للبلاد.
1908 م : بعد إعادة صياغة الميثاق وسياسة التتريك قام العديد من القادة العرب بمن فيهم قادة فلسطين بالسعي إلى الاستقلال.




.-~•*’¨ تاريخ القدس منذ الفتح العربي ¨’*•~-.¸

تعليمية

الحلقة الأولى

بيت المقدس عين القلب من العالم الإسلامي جغرافياً ودينياً

الدعاية الصهيونية في العالم تزعم علاقة خاصة لليهود بالمدينة

دخلها العرب في الألف الرابعة قبل الميلاد وفتحها الخليفة عمر سلما فأسلمت وتعربت

قدس برس (الدكتور/ أحمد صدقي الدجاني)

هذا حديث عن الفتح العربي لمدينة القدس , وهو يأتي في وقت تشتد فيه الحملة الصهيونية الاستعمارية على القدس , لاستكمال اغتصابها وتهويدها ، وفي وقت تستكمل انتفاضة الأقصى فيه عاماً كاملاً , دفاعاً عن القدس , وسعياً لتحريرها وتحرير فلسطين .

وقد تضمنت تلك الحملة الشريرة محاولة الصهيونية تزييف تاريخ القدس , بتقديم قراءة صهيونية له , تتحدث عن ارتباط القدس باليهود دون غيرهم ، وتطرح عدداً من المقولات الصهيونية بشأنه . وقد فصلنا الحديث عن هذه الحملة في بحوثنا وفندناها . وصادفنا ونحن نكتب هذا الحديث كتاب "لمن القدس Whose Jerusalem" لتيرنس بريتي "Terrence Prittie", وبتقديم تيدي كوليك ، مثلاً آخر على الدعاية الصهيونية , التي تتحدث عن "العاصمة الأبدية", وتحاول أن تنفي عروبة القدس .

وكان الغرب قد شهد منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي حركة تأليف تاريخي صهيونية استعمارية , موّلها صندوق استكشاف فلسطين ، قدمت صورة مشوهة لتاريخ فلسطين . كما تضمنت الحملة الصهيونية الاستعمارية على القدس محاولة اغتصاب الحرم القدسي خاصة , التي تولى كبرها في مفاوضات الوضع النهائي (رئيس الوزراء الصهيوني السابق) إيهود باراك و(الرئيس الأمريكي السابق) بيل كلينتون صيف 2000 ، ثم تابعها آرائيل شارون وجورج بوش في هذا العام . وهاهي الأحداث تتصاعد في القدس وفلسطين ، ثم في أمريكا والعالم بعد يوم الثلاثاء 11 أيلول (سبتمبر) 2001 , الذي شهد زلزلة الهجوم على نيويورك وواشنطن , التي استهدفت رمزي السلاح والمال فيهما "البنتاجون ومركز التجارة الدولي" .

ما نود التأكيد عليه فيما يتصل ببعد المكان , الموقع المتميز من أرض فلسطين , الذي قامت عليه مدينة القدس , الذي جعل منها "صرة الوطن المقدس, وملتقى أقطاره" , على حد قول إسحاق موسى الحسيني في كتابه عروبة بيت المقدس .

ولهذا الموقع أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة لجميع "الحواضر" في منطقتنا عواصم الأقطار . وقد شاء الله أن يجعل أهل القدس وفلسطين , من خلال هذا الموقع , في رباط إلى يوم القيامة . وبيت المقدس في منظور الجغرافيا السياسية هو أيضاً "عين القلب من العالم الإسلامي جغرافياً ودينياً" , على حد تعبير عالم الجغرافيا السياسية جمال حمدان في كتابه "العالم الإسلامي اليوم" . فالصلة وثيقة بين القدس ودائرتها الحضارية . والخطر الذي يتهددها يتهدد هذه الدائرة بعالميها العربي والإسلامي .

نشير أيضاً إلى أن هذا الموقع جعل فلسطين حلقة اتصال بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا ، ومركزاً لتفاعل الثقافات . وقد اتصف الوضع الجغرافي لفلسطين وبلاد الشام عامة , بتجاور السهل مع الجبل , والصحراء والغور , وتتالى الفصول الأربعة . واحتوت فلسطين على نمطي البداوة والحضارة ، مما جعلها مسرح تفاعل متواصل بين النمطين , فيه التعاون غالباً والتدافع أحياناً .

كما جاورت فلسطين منذ فجر الحضارة أقدم مركزين حضاريين عرفهما الإنسان في بلاد الرافدين شرقاً , وفي وادي النيل إلى الجنوب الغربي ، وتعرضت في الوقت نفسه لتأثيرات من جهة البحر المتوسط , حيث كريت واليونان وإيطاليا ، ومن جهة البر حيث فارس والهند شرقاً . وكانت بفعل ذلك جزءاً من طريق دولي قديم . وقد كانت القدس قبلة ومحجاً للمؤمنين منذ تأسست على هضبة ممتدة مرتفعة عن سطح البحر , بحوالي 750 متراً , وعلى بعد 50 كم منه , في مرتفع الضهور , على مقربة من عين الماء جيحون .

بقى أن نقول إننا في تناولنا لتاريخ القدس منذ الفتح العربي , وإلقاء أضواء عليه ، سوف نبدأ بتقديم حدث الفتح العظيم , ونوليه حقه من التفصيل ، ثم نعرض بإيجاز لتاريخ القدس في المراحل التالية من الحكم العربي الإسلامي فيها , ضمن دولة الخلافة , حتى وقوع الغزو الفرنجي ، ثم نقف أمام هذا الغزو وما حدث للقدس أثناءه ، لنتابع عرض المراحل التالية من تاريخها العربي الإسلامي، وصولاً إلى الوقوف أمام الصهيونية الاستعمارية لها منذ القرن التاسع الميلادي ، الثالث عشر الهجري .

بانطلاقة العرب المسلمين بدعوة الإسلام في القرن السابع الميلادي , الأول الهجري في عصر الفتوحات الإسلامية ، دخلت القدس وما حولها مرحلة جديدة من تاريخها الممتد . كان ذلك في عهد دولة الخلافة الإسلامية , التي قامت في المدينة المنورة , إثر هجرة محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها . وقد دخلت فلسطين ، كجزء من بلاد الشام ، هذه الدولة , بعد معركة اليرموك الفاصلة سنة 13 هـ ، 633م . وصولح على إيلياء (القدس) سنة 15 هـ ، 635 م في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وبقيت فلسطين والقدس تحت ظل الخلافة الإسلامية حتى آخر عام 1917, بغض النظر عن مركز الخلافة , أو أن يكون الخليفة أموياً أو عباسياً أو عثمانياً .

وتعرضت في عام 1099م للغزو الفرنجي لمنطقتنا , الذي تم القضاء عليه عام 1187م ، على مدى حوالي قرنين (493هـ – 583هـ) ، ثم في القرن العشرين الميلادي , حين تعرضت للغزو والاستعمار الصهيوني , في القرن الرابع عشر الهجري , ولا تزال ترزح تحت وطأته .

كان ذلك الفتح عربياً إسلامياً . وقد سبقه بقرون الوجود العربي في فلسطين والقدس , منذ أن اعتُمرت فلسطين بالكنعانيين العرب , الذين قدموا من الجزيرة العربية في الألف الرابعة قبل الميلاد , وتلاهم العموريون والأراميون في هجرات متتابعة , ومنذ أن أسست قبيلة يبوس العربية الكنعانية مدينة القدس , حوالي سنة 3000 ق.م. كما يقول عارف العارف في كتابه "المفصل في تاريخ القدس" .

وقد نهج عدد من المؤرخين الثقاة العرب والأجانب في الربط بين الهلال الخصيب وشبه جزيرة العرب , التي كانت مركز طرد سكاني . وهذا ما دعاهم إلى أن ينبهوا إلى "أن الفتح العربي الإسلامي سبقه فتح عربي من قديم العصور والأزمان" .

كان عرب الجزيرة العربية , الذين قاموا بهذا الفتح يعرفون جيداً "أدنى الأرض" , أي أقربها إلى الحجاز ، وهي فلسطين في جنوب سوريا . وكانوا قد تابعوا الحرب , التي جرت هناك بين الفرس والروم , في مطلع البعثة المحمدية , وأشار إليها مطلع سورة "الروم" في القرآن الكريم . وتعوَّد تجَّارهم القيام برحلة الصيف إلى بلاد الشام شمالاً . وكانت محطتها الكبرى في البتراء عاصمة الأنباط . ومنها كانت القوافل تتجه إلى دمشق وإلى غزة , التي توفي فيها هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ويذكر عبد اللطيف الطيباوي في كتابه "القدس الشريف في تاريخ العرب والإسلام" أن عمرو بن العاص ، أحد تجار مكة ، عرف جنوب فلسطين حتى بيت المقدس , قبل أن يعرفها قائداً للجيش الإسلامي الذي حاصر تلك المدينة . وقد فصّل نبيه عاقل الحديث عن الوجود القبلي العربي في بلاد الشام قبل الإسلام ، والصلات التي قامت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم ، وذلك في بحثه القيم في الموسوعة الفلسطينية "فلسطين من الفتح العربي الإسلامي إلى أواسط القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي" . وتذكر كتب تاريخ العرب اسم فلسطين , الذي اتخذه الرومان للقسم الجنوبي من سوريا , واسم "إيلياء" عند الكلام عن الروم , أو بيت المقدس عند الكلام عن المسلمين .

قبيل هذا الفتح رفع الله شأن بيت المقدس حين أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . و أنزل عليه في ليلة الإسراء ، كما ورد في تفسير الطبري ، آية من سورة الزخرف هي الوحيدة , التي لم تنزل في مكة أو المدينة . وهي "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" , وذلك بعد أن لقيهم وصلّى بهم إماماً قرب الصخرة المشرفة . وسمي محمد صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى واحداً من المساجد الثلاثة , التي يشد إليها الرحال ، مع المسجد الحرام ومسجده .

وقد روي عنه أنه بشَّر الصحابي معاذ بن جبل بفتح بلاد الشام وبيت المقدس ، ووصف الذين يقيمون فيها من الرجال والنساء بأنهم "مرابطون إلى يوم القيامة . فمن احتل ساحلاً من سواحل الشام وبيت المقدس ، فهو في جهاد إلى يوم القيامة" . كما بشَّر شداد بن أوس بهذا الفتح أيضا ، وقال له "وتكون أنت وولدك أئمة بها إن شاء الله" , كما يورد عارف العارف في كتابه , نقلاً عن "مثير الغرام بفضائل القدس والشام لابن سرور" . وتروي السيرة النبوية العطرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مهَّد لفتح الشام والقدس بقيامه بثلاث من الغزوات على الروم , في معركة مؤتة 629م – 8هـ , ومعركة تبوك ، ثم جهَّز في السنة الحادية عشر للهجرة 632م جيشاً أمَّر عليه أسامة بن زيد ، ولكن المنية وافته قبل أن يتحرك الجيش .

بات فتح بيت المقدس من أهم أهداف الدولة الإسلامية . وجاء في المرحلة الثالثة من مراحل فتحها بلاد الشام . فقد أكمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم , وأرسل الجيش بقيادة أسامة وزوده بالنصيحة "لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله. وسوف تمرون بأقوام فرّغوا أنفسهم في الصوامع , فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له" . ثم استنفر أبو بكر العرب ، وجهّز أربعة جيوش لفتح بلاد الشام , خصص واحداً منها لفلسطين بقيادة عمرو بن العاص .

ونجح عمرو بن العاص في فتح معظم أرض فلسطين , غزة وسبسطية ونابلس ، ثم اللد ويُبنى وعمواس وبيت جبرين و يافا و رفح ، ثم حاصر القدس . وحين تولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد وفاة الصديق عام 13 هـ , أوعز إلى أبي عبيدة بن الجراح , بعد أن فتح قنسرين في شمال سورية ، أن يزحف إلى القدس ، وسيّر إلى الشام سبع فرق , بخمسة وثلاثين ألفاً من الجند , وسبعة قواد هم خالد بن الوليد و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة و المرقال بن هاشم و قيس بن المرادي و عروة بن مهلهل بن يزيد الخليل .

تضمن كتاب الفتوحات تفاصيل كثيرة عن فتح القدس والشام ، لا يتسع مجال هذا الحديث لذكرها . ونكتفي هنا بالإشارة , بشأن فتح القدس , إلى أن أبا عبيدة حين وصل إلى الأردن , بعث الرسل إلى أهل إيلياء برسالة الفاتح المسلم المتضمنة الدعوة إلى الإسلام وأخوَّته , "فإن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم ، وكنتم لنا أخواناً" ، أو الإقرار بأداء الجزية ، أو القتال . وقد وقع القتال من قبل جيش الروم المرابط في المدينة . ونشبت معركة دامية حتى اليوم العاشر . "وفي اليوم الحادي عشر أشرقت راية أبي عبيدة ، وفي رفقته عبد الرحمن بن أبي بكر ، ونفر من الأبطال المجاهدين , فاستقبله المسلمون بالتهليل والتكبير , فدب الرعب في قلوب الروم . ودام الحصار أربعة شهور .. فرأوا التسليم , وخرجوا إلى أبي عبيدة مستأمنين , يتقدمهم البطريرك صفرنيوس , حاملاً على صدره الصليب ، وعلى جانبيه القسس والرهبان , كل منهم يحمل إنجيلاً ، فطلبوا الصلح … فتلقاهم أبو عبيدة بالترحيب . واشترطوا أن لا يسلموا المدينة إلا لشخص الخليفة فوافقهم .. فسارت هدنة استمرت إلى أن جاء عمر بن الخطاب ، كما أورد عارف العارف , وهو يشير إلى كتاب "تاريخ القدس الشريف" لركيس . ويورد العارف أيضاً كتاب ابن عبيدة إلى الخليفة ، ومشاورة عمر الصحابة ، وأخذه برأي علي بن أبي طالب بالسفر ، ونزوله بالجابية من قرى حوران بالجولان , واستقباله فيها وفداً من أهل إيلياء , على رأسهم "العوام" ، وتوجهه من ثم إلى بيت المقدس ليتسلمها "صلحاً" .

يصف ميخائيل مكسي في كتابه "القدس عبر التاريخ" كيف وصل الخليفة "ممتطياً جملاً صغيراً ، ولم يكن معه سوى عبده وسلاحه ، واستقر على جبل الزيتون , ثم رحل إلى القدس ، ففتحت له المدينة أبوابها سنة 638 م ، دون أن يتم تدمير أي شيء فيها ، وتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرنيوس في حفل كبير ، ثم زار كنيسة القيامة .

وتجمع كل المصادر التاريخية الإسلامية والمسيحية على أنه لما حان موعد الصلاة طلب منه البطريرك أن يؤديها حيث كان , فاعتذر عمر حفاظاً على المقدسات المسيحية , كي لا تكون صلاته هناك سنة لمن يجيء بعده . ولهذا اختار مكاناً آخر إلى الجنوب , وصلى هناك , وذلك نقلاً عن مار ماردش .

وقد فصّل العارف وصف دخول عمر إلى بيت المقدس , نقلاً عن المؤرخين العرب المسلمين . وأعطى عمر البطريرك صفرنيوس "العهدة العمرية" , التي جاء فيها بعد البسملة: "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان . أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم , أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها .. ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم . ولا يسكن إيلياء أحد من اليهود".

وتضمنت أيضاً أن على أهل إيلياء أن يخرجوا من المدينة الروم واللصوص، "فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم" , ومن كان فيها من أهل الأرض , فمن شاء منهم قعد ، وعليه ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء من الجزية حتى يحصدوا حصادهم" .

ويفسر الطيباوي عبارة أهل الأرض بأنهم الفلاحون , الذين التجأوا إلى المدينة قبل حصارها . وهو يلاحظ أن الوثيقة تفرق بين طائفتين من الناس: الروم وأهل البلاد . فأما الروم فهم حكام غرباء , عليهم أن يخرجوا . وأما أهل البلاد , الذين كانوا نصارى , يحكمون الآرامية من الجنس العربي , فهم باقون في بلادهم , مع ضمان الحرية الدينية , وسلامة الأرواح والأموال والكنائس . وقد وضعت هذه الوثيقة نواة الاستقلال الطائفي "الملي" , الذي قدر له أن يكون أساس السماحة الإسلامية مع أهل الكتاب , الذين صالحوا المسلمين .

قام عمر بزيارة مكان الصخرة المشرفة ، وكانت قد تجمعت عليها الأقذار ، مما طرحته الروم إغاظة لليهود . "فأخذ الخليفة ينظفها هو بنفسه ، فحذا حذوه من كان معه من الصحابة والقواد وغيرهم , حتى رفعت الأقذار" . ويتابع مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين" قائلاً : "ثم أمر عمر ببناء الحرم ، فبني من الخشب ما يتسع لحوالي ثلاثة آلاف من المصلين" . وهو ينقل عن ابن البطريق وصفه لما حدث ، ويذكر أن أمير المؤمنين أقام في بيت المقدس بضعة أيام , متفقداً معالمها , باحثاً شؤونها , قبل أن يغادرها راجعاً إلى المدينة المنورة . وقد خطب في الناس وصلى ، وعيَّن يزيد بن أبي سفيان عاملاً على إدارتها تحت إمرة أبي عبيدة . وعيِّن سلامة بن قيصر إماماً للصلاة ، وعلقمة بن مجزر مشرفاً على شؤونها العسكرية , كما جاء في "الأنس الجليل في تاريخ مصر والخليل" .

ويذكر عارف العارف عن هذا المصدر أن عمراً , كما أعطى أهل إيلياء عهداً ، أخذ عليهم عهداً . كما يذكر أنه زار القدس مرة أخرى عام 17هـ ، 639م في عام الرماد الشهير وطاعون عمواس . ويختم ميخائيل مكسي عرضه لهذه الصفحة من تاريخ القدس بالحديث عن سماحة الحكم الإسلامي , ويورد شهادة أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" , وما نقله توماس المرجا عن أحد البطاركة عن معاملة العرب الحسنة , وعن مودتهم للنصرانية . ويقول "و الخلاصة أن الحكم الإسلامي دخل إلى القدس مصحوباً بالتسامح والسلام والنظام .. وأكد كثير من الكتاب الغربيين أن فلسطين ازدهرت في بداية العصر العربي ، وصارت أهم طريق للقوافل , بسبب موقعها في وسط الدولة الإسلامية في الشام وشمال إفريقيا" .

ولم يتغير وضع السكان إلا قليلاً . فقد هاجر عدد من الإغريق , وحل محلهم العرب المسيحيون والمسلمون , وخلت المدينة المقدسة من اليهود في تلك الفترة . وعنى المؤرخون العرب المسلمون بذكر أسماء جميع الصحابة , الذين اشتركوا في فتح بيت المقدس .

إن لنا في ختام هذا الحديث عن فتح العرب المسلمين لبيت المقدس في 20ربيع الأول 15هـ الموافق 2 أيار (مايو) 632م ، أن نلاحظ أن المدينة المباركة و فلسطين و بلاد الشام والمنطقة دخلت بهذا الفتح مرحلة جديدة من تاريخها الطويل ، تأكدت فيها عروبتها ، وانتشرت وعمت فيها رسالة الإسلام ، وقامت فيها حضارته . وبقيت القدس في هذه المرحلة فلسطينية عربية كما كانت ، واستمرت مركزاً روحياً للمؤمنين ، ومطمعاً للغزاة الطغاة الباغين .

نلاحظ أيضاً أن أهل القدس و فلسطين و بلاد الشام عامة تعاطفوا مع هذا الفتح . وقد علل فيليب حتّي ذلك بقوله "وغالب الظن أن السوريين من أبناء القرن السابع , اعتبروا العرب المسلمين أقرب إليهم عنصراً ولغة ، وربما ديناً من أسيادهم الروم البيزنطيين" , وذلك في كتابه "تاريخ سوريا و لبنان و فلسطين" . وتذكر كتب الفتوحات أن اليهود عبروا بقوة عن هذا التعاطف , ليتخلصوا من اضطهاد الروم لهم , بسبب وقوفهم قبل ذلك مع الفرس . وقد أورد البلاذري أن السامرة "كانوا عيوناً وأدلاء" للعرب المسلمين ، وأن يهود حمص قاموا بحراسة أبواب المدينة , حين خرج منها جيش المسلمين للالتحاق بمعركة اليرموك , "وكذلك فعل أهل المدن , التي صولحت من النصارى واليهود" .

تعليمية

الحلقة الثانية

تاريخ القدس منذ الفتح وحتى الغزو الفرنجي

عاش اليهود فيها بأمان وبرز منهم كتاب وعلماء كبار في الدولة الإسلامية

تلقى فيها الخلفاء المسلمون البيعة وألزموا عمالهم بزيارتها وجاور فيها علماؤهم

غدت فلسطين بعد الفتح العربي الإسلامي إقليماً تابعاً للدولة الإسلامية في المدينة , يحمل اسم جند فلسطين . وحين نشبت الفتنة الكبرى في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان , كان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام ، واعتزل عمرو بن العاص الفتنة في ضيعة له بالسبع , هي عجلان , قرب قرية بربرة شمال شرق غزة . وبقيت فلسطين مع بقية بلاد الشام تحت حكم معاوية زمن خلافة علي بن أبي طالب .

حين آل أمر الخلافة إلى معاوية بعد معركة صفين ، استهل عهده بالذهاب إلى بيت المقدس, حيث أعلن خلافته منها عام 40هـ – 661 م , ومن ثم بايعه الناس . وروي أنه بعد مبايعته زار جبل الجلجلة , وصلى هناك , ثم قصد إلى الجثمانية , وهبط إلى قبر السيدة مريم وصلى هناك . وقد زار القدس في عهده الأسقف الفرنسي أركولفوس حاجاً عام 760 م , وقضى فيها تسعة شهور , وكتب وصفاً مسهباً لكنيسة القيامة والكنائس الأخرى ، وذكر أن المسلمين بنوا مسجداً مربع الأضلاع , يتسع لثلاثة آلاف من المصلين .

كان من أهم ما قام به الأمويون بناء الحرم القدسي الشريف ، في بقعة مقدسة منذ القديم , تعود إلى نشأة المدينة . ويتألف هذا الحرم من المسجد الأقصى ومسجد الصخرة وما بينهما وما حولهما من منشآت , على مساحة 140900 متراً مربعاً . وقد بناها عبد الملك بن مروان عام 66هـ – 685م ، وأوقف على نفقاتهما خراج مصر لمدة سبع سنين . واكتمل بناء بقية الصخرة سنة 70هـ – 691م . ويسهب المؤرخون القدماء والحديثون عرباً وأجانب في وصف تكوينه الرائع , الذي جاء آية في فن الهندسة على مر العصور . وقد سجل الدباغ والعارف في كتابيهما العديد من الشهادات على ذلك .

حفظ التاريخ لعبد الملك بن مروان أنه حوّل الدواوين إلى العربية ، ونقش الدراهم والدنانير بالعربية ، "الله أحد" على وجه و"الله الصمد" على الوجه الآخر . ويذكر أنه اعتنى بفتح الطرق وتعبيدها .

وهنا ازدهرت القدس في عهده وعهد ابنه الوليد . وغدت – على قول الدباغ – "واحدة من المراكز العظيمة في الدولة الأموية . ففضلاً عن إقامتهما مباني الحرم الشريف , فإنهما أعادا بناء الأسوار المحيطة بالمدينة , وبنوا القصور والأبنية الفخمة بجوار الزاوية الجنوبية لسور الحرم , التي استمرت مسكونة من قبل أمراء القدس في العهود الأموية والعباسية والفاطمية .

وحين ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعد أخيه الوليد سنة 96هـ – 715م ، أتى بيت المقدس , كما يقول صاحب "الأنس الجليل" ، "و أتته الوفود بالبيعة , فلم يروا وفادة كانت أهنى من الوفادة إليه .. وقد همَّ بالإقامة في بيت المقدس , واتخاذها منزلاً , وجمع الأموال والناس بها . وحين تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز بعد وفاة سليمان , طلب من جميع ولاته أن يزوروا القدس , ويقسموا يمين الطاعة والعدل في المعاملة بين الناس في مسجدها ، كما يذكر الدباغ نقلاً عن محمود العابدي في كتابه "قدسنا" .

في تتبعنا لأخبار القدس في عهد الدولة العباسية ، نذكر أن الخليفة المنصور زارها عام 154هـ ، وقد طلب منه أهل بيت المقدس ترميم ما أصاب الحرم الشريف من خراب , بسبب زلزال حدث عام 130هـ فقام بذلك . ووضع تقليداً أن يزور كل خليفة عباسي القدس . وقد زارها الخليفة المهدي . وزارها الخليفة المأمون سنة 216هـ وهو في طريقه إلى مصر ، وفق ما ذكره الدباغ عن صاحب "الأنس الجليل" , وهو يعدد ما جاء في الكتب من أخبارها.

وخرج عارف العارف من تتبعه للقدس في العصر العباسي بأن "تأثير العباسيين في فلسطين , ولا سيما في عهدهم الأخير كان ضئيلاً" , وعلل ذلك بسبب بعد المسافة . وعني الطيباوي بتقديم مقتبسات مختصرة من مؤلفات أربعة من الكتاب المسلمين , الذي عرفوا القدس والخليل في ذلك العصر . وهم ابن واضح اليعقوبي , الذي ألف كتاب "البلدان" ، وشمس الدين المقدسي الجغرافي الرحالة ، صاحب كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" ، وناصر خسرو الرحالة الفارسي , الذي وصل القدس في رمضان 438هـ – 1047م ، وأبو حامد الغزالي الذي زار القدس والخليل , وكتب "المنقذ من الضلال", الذي تحدث فيه عن اعتكافه في مسجد قبة الصخرة . وقد التفوا جميعهم على الإشادة بفضائل بيت المقدس . واستنتج الطيباوي مما كتبوه عنها "وجود أوقاف فيها وفي الخليل , كان يصرف ريعها على الحجاج وطلاب العلم والضيوف . وكذلك وجود بيوت وزوايا لإيواء القادمين للمجاورة , أو المارين في طريقهم إلى مكة , أو العائدين منها . وأيضاً وجود مستشفى واحد على الأقل في القدس , لمنفعة المقيمين والقادمين" .

أعلام مرموقون ولدوا في القدس أو زاروها أو جاوروها . وقد قام مصطفى الدباغ بذكر أربعين علماً في موسوعة "بلادنا فلسطين" . وعني أيضاً مع مؤرخين آخرين بذكر من زار القدس من الرحالة الأجانب . فبعد المطران فرنك أركولف , الذي سبق ذكره ، زارها عام 870م السائح برنارد الحكيم , وكتب عن زيارته , مشيداً بما بين المسلمين والمسيحيين من تفاهم تام ، وباستتباب الأمن ، ومتحدثاً عمن لقي من الحجاج المسيحيين , الذين كانوا ينزلون معه في نزل أسسه الملك شارلمان , الذي قامت بينه وبين هارون الرشيد صلات ودية . وقد فصل الحديث عن هذا الرحالة نقولا زيادة في كتابه "رواد الشرق العربي في العصور الوسطى" .

كانت السماحة الدينية أبرز سمات العيش في القدس وفي الدولة الإسلامية عامة ، كما سبق أن ذكرنا . وقد عني ميخائيل مكسي بالوقوف أمام ذلك في كتابه "القدس في التاريخ" ، وقال في ذلك "امتاز العباسيون بحسن معاملة المسيحيين , خصوصاً في عهد هارون الرشيد 786م , الذي سمح للإمبراطور شارلمان بترميم الكنائس , وبناء كنيسة باسم العذراء ، وعمل على حماية الحجاج المسيحيين" .

هذا بشأن المسيحيين من أهل الكتاب , الذين حكم التعامل الإسلامي معهم مبدأ "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" . فماذا بشأن اليهود؟ .

لقد عني كاتب هذا الحديث بتناول هذا الموضوع في بحثه "الوجود اليهودي في القدس منذ أقدم العصور" ، فعرض لوجودهم قبل الغزو الفرنجي منذ الفتح ، في ظل انتمائهم لحضارة الإسلام ، قائلاً :

نستدل من العهدة العمرية على عدم وجود أحد من اليهود في إيلياء في يوم الفتح , حيث طلب أهلها الذين كانوا يدينون بالنصرانية "ألا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود" , وقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهذا الطلب , الذي تقدم به باسم أهل إيلياء البطريرك صفرنيوس , وكان هذا البطريرك قد اشترط حين اشتد حصار المسلمين للمدينة أن يسلمها للخليفة نفسه , فلبى عمر وجاء بنفسه , وأعطى عهده الشهير إلى أهل إيلياء من الأمان "لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم , ولا يكرهوا على دينهم , ولا يضار أحد منهم" , ولبّى طلبهم ألا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود , الذين كانوا كما مر بنا قد حالفوا الفرس ضد الروم وآذوا النصارى .

وبقيت القدس خالية من اليهود تنفيذاً لما جاء في هذا العهد فترة من الزمن , لم تطل , لأن الحكم الإسلامي الذي كفل حرية الاعتقاد فلا إكراه في الدين , واحترم أهل الكتاب من اليهود والنصارى , وترك لكل ملة أن تنظم شؤونها الدينية , ورحب بمشاركة جميع الأقوام والملل في الحياة العامة ، سمح لليهود بزيارة القدس , ثم بالعمل فيها وسكناها .

ويذكر إسحاق موسى الحسيني في كتابه "عروبة بيت المقدس" نقلاً عن مجير الدين الحنبلي أن عبد الله بن مروان الأموي أتاح لعشرة من اليهود أن يخدموا صناعاً في المسجد الأقصى , يعملون القناديل والأقداح والثريات وغير ذلك , "لا يؤخذ منهم جزية جارياً عليهم وعلى أولادهم" , وقد انتهت خدمتهم في عهد عمر بن عبد العزيز . ويقول عبد اللطيف الطيباوي في معرض وقوفه أمام هذا الأمر "وكذلك لا يوجد سند تاريخي يثبت نقص ما جاء في العهد العمري لنصارى إيلياء بمنع إقامة اليهود فيها . كلا ، ولا بينة تفسر سبب إهمال العمل بهذا النص , والغالب أن الشرط لم يلغ , بل قلّ الالتفات إليه تدريجياً في جو التسامح العام , وكان هناك عدد من اليهود في مدن فلسطين الأخرى ، عسقلان وقيسارية وغزة وطبرية ، وقد رأوا سماحة الحكم العربي بالإسلام , فرحبوا به , وهللوا له , وكتب عراف يهودي عن هذا الحكم فجعل ملاكاً يقول لكاهن "لا تخف يا بن يهوه فالخالق تبارك اسمه لم يضع مملكة إسماعيل إلا ليخلصكم من هذا الشر" , يقصد حكم الروم البيزنطيين , كما نقل برنارد لويس في كتابه العرب في التاريخ , وكان اليهود يطلقون على دولة العرب المسلمين اسم مملكة إسماعيل .

في ظل هذا الحكم عاش في القدس نفر من اليهود إلى جانب أهلها من النصارى والمسلمين , وقد تزايد عدد العرب المسلمين فيها , لما اتصفت به من جاذبية لهم , بحكم قدسيتها , فجذبت مهاجرين منهم إليها ، ولأن الدين الإسلامي كان ينشر تدريجياً في أوساط المسيحيين واليهود .

وتشير مصادر يهودية اعتمد عليها بن زيون دينور في بحثه المنشور في كتاب "اليهود في أرضهم" , إلى أن سبعين أسرة سكنت القدس في العصر الأموي , وذلك بعد أن عبرت سماحة العرب تجاه الجماعات الدينية عن نفسها في العهد الأموي , على حد قوله , وبوضوح أشد في العهد العباسي . وقد سجل دينور هذه الحقيقة , وحاول إلقاء ظلال من الشك عليها , بإيراد تعليلات غير موضوعية لها , جعلت حديثه حافلاً بالمتناقضات . ويستدل من حديث الرحالة المسلم ناصر خسرو , الذي زار القدس سنة 438هـ الموافق لـ 1047م أن عدد سكان المدينة كان عشرين ألفاً , وأن مثل هذا العدد من الحجاج كان يزورها سنوياً .

استمر الوجود اليهودي في القدس منذ الفتح العربي الإسلامي لها إلى أن احتلها الفرنجة عام 1099م , وفي فلسطين و المنطقة , التي أصبحت تعرف بدار الإسلام عامة ، وساهم في هذا الاستمرار هجرات أفراد من اليهود إلى فلسطين , طلباً للأمن أو العلم , أو بغرض التعبد , سواء من دار الإسلام أو من خارجها . وقد لاحظ باركس في كتابه "تاريخ فلسطين من 135 إلى الزمن الحديث" أن الحكام المسلمين لم يرفضوا في أية فترة السماح ليهود من بلاد أجنبية أن يدخلوا فلسطين , ويقيموا فيها , وبدون هذه الهجرة ما كان لوجودهم أن يستمر , وذلك لأن أعداداً منهم كانت تعتنق الإسلام بكامل رغبتها , وألحق هذا السماح , الذي يشير إليه باركس , لليهود المستأمنين , الذين يأتون مسالمين , وهو نابع من تعاليم الدين الحنيف .

عاش أهل فلسطين والقدس في ظل الحكم الإسلامي التحول العظيم , الذي حدث في القرن الأول الهجري , بفعل نشوء العمران الحضاري العربي الإسلامي , وشاركوا بمختلف مللهم في ازدهار هذا العمران الحضاري , من موقع الانتماء الحضاري إليه . وهذه ظاهرة يوقف أمامها , وقد كانت لها تجلياتها في طابع حياتهم في القدس ودار الإسلام . ومن الذين وقفوا أمام هذه الظاهرة أحد يهود الإسلام , كما يصف نفسه , إلى جانب كونه أحد يهود العرب , هو جدع جلادي , الذي كتب "إسرائيل نحو الانفجار الداخلي" , وخصص الفصل الأول من كتابه هذا لتأمل هذه الظاهرة ، واختار عنواناً للفصل "الوئام بين يهود العالم الإسلامي والأمة الإسلامية" . وقد أحسن جلادي الإحاطة بالظاهرة فيما كتب , وتتبع جذورها , فعرض بداية تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود , وحلل مضمون الصحيفة , ثم تحدث عن اليهود والفتوحات الإسلامية , وترحيبهم بها , ثم شرح نظام الملل الإسلامية , وأطلق عليه مصطلحاً حديثاً هو "الحكم الذاتي اليهودي" , ثم فصل الحديث عن اليهود في الحكم الإسلامي , وإسهامهم في ازدهار الاقتصاد , ثم وقف أمام تعرب اليهود في الإسلام لساناً وثقافة وحضارة ، وعرض أسماء من برزوا منهم في مختلف العلوم والآداب , وفصل الحديث عن التسامح الإسلامي , وختم بحديث عن يهود الغرب ويهود العراق .

وكان كاتب هذا الحديث قد وقف أمام هذه الظاهرة في بحثه "تطور حياة اليهود في فلسطين" , وفي بحثه عن "التعددية الدينية في الإسلام" , المنشور في كتابه "وحدة التنوع" . كما تناولت كتابات عربية وأجنبية الظاهرة بالدراسة . ولافت للنظر أن الكتابات الصهيونية حين وقفت أمامها حارت في كيفية التعامل معها , فحفلت بالتناقض مع نفسها ، ومثّل عليها الفصل الذي كتبه بن زيون دينور في كتاب "اليهود في أرضهم" .

إن هذه الظاهرة تفسر خلو تاريخ يهود الحضارة الإسلامية من أية ثورات على الحكم , على ما رأيناه في تاريخ اليهود , في ظل حضارتي اليونان والرومان , كما تفسر الإسهام الإيجابي لليهود في هذه الحضارة , وانعكاسها الإيجابي على حياتهم . وقد عرض فؤاد حسنين في كتابه "المجتمع (الإسرائيلي) منذ تشريده حتى اليوم" مثلاً على ذلك ظهور مذهب القرائين , الذي هو و لا شك وليد الإسلام والمجتمع الإسلامي ، وكان اليهود قبله يخضعون دينياً لنظام تلمودي شديد , يقيد حريتهم ، فإذا بالحضارة العربية الإسلامية تهزهم وتزعزع ثقتهم في التلمود , فكان أن ظهر هذا المذهب الجديد , وطور "الربانيون" منهم مذهبهم .. وهكذا برز عنان الذي أسس القرائين في العصر العباسي , وتأثر بتيارات الفكر الإسلامي . وبرز أيضاً سعيد الفيومي , الذي دافع عن اليهودية "السنية" ضد القرائين , وألف عدداً من الكتب .

والحديث عن انتماء يهود الإسلام إلى الحضارة العربية الإسلامية , وإسهامهم فيها , يغري بالاستطراد , ولكن مجال هذا الحديث يضيق عنه , ونكتفي بالإشارة إلى أعلام يهود برزوا , من أمثال موسى بن ميمون , وابن كمونة , والسمؤل بن حنفي , وغيرهم

تعليمية

الحلقة الثالثة

"القدس إبان الغزو الفرنجي"

الفرنجة قتلوا آلاف المسلمين وأحرقوا اليهود في الكنس وصلاح الدين أعادهم إليها

تحالف الاستعمار الغربي والحركة الصهيونية لتهويد فلسطين والانتفاضة بداية مشوار التحرير الثاني

نصل في بحثنا هذا عن تاريخ القدس منذ الفتح العربي ، إلى صفحة سوداء من تاريخها , تتصل بأطماع الغزاة الطغاة فيها .

منذ غزا الفرنجة دار الإسلام والقدس عام 1099م – 492هـ رافعين شعار "الصليبية" , وتمكنوا من احتلال المدينة المقدسة ، عاشت القدس وما حولها محنة وصفها مجير الدين الحنبلي في كتابه "الأنس الجليل في تاريخ القدس و الخليل" بقوله "لم يُر في الإسلام مصيبة أعظم من ذلك" , ونقل عن ابن الأثير قوله "لبث الإفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون المسلمين ، وقتلوا في المسجد ما يزيد على السبعين ألفاً , منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم و زهادهم , ممن فارقوا الأوطان , وجاوروا ذلك الموقع الشريف" . وأضاف الحنبلي : "حصروا المسلمين في الحرم الشريف , وأعطوهم ثلاثة أيام للخروج من المدينة , والمتأخرون يقتلون ، وأما من كان في المدينة من اليهود "فقد جمعهم الفرنجة في الكنيسة وأحرقوها عليهم" , كما جاء في ذيل "تاريخ دمشق" للقلانسي , وفي "النجوم الزاهرة" لابن تغري بردى . و أما أهل القدس من العرب النصارى فقد أبقاهم الفرنجة , لكن جردوهم من السيادة الدينية , بإلغاء البطريركية الأرثوذكسية , وإقامة أخرى لاتينية مكانها .

واستمرت محنة حروب الفرنجة 192 عاماً . ويدعو ما قام به الفرنجة الغزاة من فظائع خلالها , إلى الخاطر كيف تم الفتح العربي الإسلامي لبيت المقدس , من باب تداعي الأضداد ، ويصل بنا إلى المقارنة بين سلوك العرب المسلمين الفاتحين , حين انطلقوا بالإسلام , وفي ظل الحضارة العربية الإسلامية , وسلوك الفرنجة الأوروبيين الغزاة , حين انطلقوا طامعين بمغانم الشرق , رافعين شعار التعصب الأعمى , في ظل حضارتهم الغربية , كما يدعو قتل الفرنجة اليهود في القدس , وقبل ذلك في طريقهم إلى القدس , إلى الخاطر قيام أحفادهم بعد سبعة قرون بتنظيم اضطهادات لليهود في أوروبا , ثم باستغلال اليهود الأوروبيين في إقامة قاعدة استعمارية استيطانية لهم في فلسطين , واستخدامهم للتسلط على دائرة الحضارة العربية الإسلامية .

انتهت محنة القدس بعد تسعين عاماً من احتلال الفرنجة لها , حين حررها صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره في موقعة حطين الفاصلة , ودخل المدينة في ذكرى الإسراء والمعراج يوم 27 رجب سنة 583هـ الموافق 20 تشرين أول (أكتوبر) 1187م , وأعطى هذا الفاتح المسلم نموذجاً رائعاً في الرحمة والتسامح , "حيث عفا و رحم و أعطى الأمان لأنفس الفرنجة وأموالهم , حتى بلغوا مأمنهم في الساحل" .

وقد سجل ستانلي لين بول في تاريخه لصلاح الدين أنه إذا كان أخذ القدس هو الحقيقة الوحيدة التي نعرفها عن صلاح الدين , فإن ذلك كاف لإثبات أن صلاح الدين هو أكثر المنتصرين فروسية , وأعظمهم قلباً في زمانه , ولعله في كل زمان , و الحديث عما قام به صلاح الدين لتعمير بيت المقدس من جديد , بعد تطهيرها من رجس الاحتلال , ذو شجون .

لقد سمح صلاح الدين لليهود بالإقامة في المدينة فأقام فيها نفر منهم , تماماً كما أعاد للبطريركية الأرثوذكسية , التي ألغاها الفرنجة اعتبارها . ويفيض المؤرخون في الحديث عن سماحة صلاح الدين مع اليهود في فلسطين , وقد نقل بن زيون دينور عنهم ما كتبه يهودي من القدس إلى يهود الحريزي : "لقد رفع الله روح ملك الإسماعيليين (أي العرب المسلمين) في سنة أربعة آلاف وتسعمائة وخمسة من الخلق, لتنزل فيه روح الحكمة والشجاعة، وهكذا جاء هو وجيشه من مصر, وحاصروا أورشليم (القدس), فسلمهم الله المدينة بين أيديهم , وأمر الملك (أي صلاح الدين) أن ينادي بصوت عال في المدينة للكبار والصغار , معلماً أهل القدس أن أي واحد يرغب من أبناء أفرايم , من الذين بقوا بعد المنفى الأشوري , والذين توزعوا في أنحاء الأرض , يمكنهم العودة إلى المدينة".

وينقل علي السيد علي في كتابه "القدس في العصر المملوكي" عن بعض المراجع أن عدداً من اليهود وفد إلى بيت المقدس من البلاد العربية وأوروبا , فزادوا بضعة مئات ، وأن صموئيل بن سيمون – وهو يهودي زار فلسطين سنة 1215- ذكر أن أكثر من 300 من الربابنة من جنود إنجلترا وفرنسا ذهبوا إلى الأرض المقدسة . ويقول دينور إن الملك العادل أخا صلاح الدين أحسن استقبالهم , وسمح لهم ببناء الكنيسة والكلية . وقد برز في عهد صلاح الدين من اليهود موسى بن ميمون (1135 – 1204) , الذي أصبح طبيباً من أطبائه ، وهو عند اليهود موسى الثاني , لعلمه وفقهه , وأشهر كتبه الفقهية "دلالة الحائرين" باللغة العربية .

عاشت فلسطين في العهد المملوكي مرحلة أخرى من مراحل العمران الحضاري الإسلامي ، وقد نهج المماليك نهج الأيوبيين في العناية بمدارس العلم , وبناء المساجد والمنافع العامة ، وتركوا آثاراً كثيرة في بيت المقدس , نجد ثبتاً كاملاً بها في كتاب "الأبنية الأثرية في القدس" , لإسحاق موسى الحسيني , الذي اعتمد فيه على ما قام به الأثريون البريطانيون .

كما نهج المماليك نهج الأيوبيين في سماحتهم مع أهل الكتاب نصارى ويهوداً . وقد ذكر مسلم الفولتيري الذي زار القدس عام 1481 أنه وجد فيها 250 يهودياً ، وحين زارها الرحالة اليهودي عبودية عام 1488 ذكر أن سبعين عائلة يهودية تسكنها , وأن فيها معبداً لهم ملاصق لمسجد للمسلمين . وتؤكد رسالة بعث بها رهبان الفرنسيسكان إلى البابا مارتن الخامس أن أعداداً من المسيحيين و اليهود الأوروبيين كانوا يأتون لزيارة القدس والإقامة فيها ، وقد ذكر هؤلاء الرهبان أن خلافاً نشب بينهم وبين اليهود في القدس على تملك القبو , الذي يوجد فيه قبر النبي داود سنة 1443، وطلبوا إليه أن يحرم على المسيحيين نقل اليهود الأوروبيين على سفنهم , ففعل و أصدر منشوراً بذلك .

عاش اليهود في بيت المقدس في العصر المملوكي في حارة لهم , شأنهم في المدن العربية الأخرى . وقد نقل علي حسن الخربوطلي في كتابه "العرب واليهود" عن ابن حوقة , أنه كان على رأس يهود الدولة الإسلامية رئيس يحمل اسم رأس الجالوت ، و أن اليهود من أهل الذمة اشتهروا بأعمال التجارة وصناعة الدباغة والخياطة والأحذية وصك النقود والصيرفة , وعملوا مرشدين سياحيين أيضاً ، وذلك في ظل رعويتهم للدولة الإسلامية .

وفي عام 1516م ، ضمت الدولة العثمانية بلاد الشام , بعد انتصار السلطان سليم على قونصوه الغوري في معركة مرج دابق قرب حلب . و أصبحت القدس سنجقاً من ولاية دمشق ، وقد عرج عليها السلطان سليم , فاستقبله علماؤها ووجهاؤها , وأولموا له في ساحة الحرم الشريف . وحين تولى ابنه السلطان سليمان (1520 – 1560م) عني بالقدس , فرمم قبة الصخرة , وأعاد تبليط المسجد , وعمّر جدران الحرم الشريف وأبوابه , وأنشأ عدداً من السبل , وأصبح يعرف بخادم الحرمين في القدس والخليل , إضافة إلى لقب خادم الحرمين في مكة والمدينة ، وزارت زوجته السلطانة القدس , وأوقفت أوقافاً عليها ، وأمّن السلطان سليمان الطريق بين يافا والقدس حماية للحجيج .

واستمر الوجود اليهودي في القدس في العهد العثماني شأنه في عهود الحكم الإسلامي السابقة ، ويذكر إسحاق بن زفي في بحثه في كتاب "اليهود في أرضهم" أن عدد اليهود عام 1526 كان مائتين , حسب إحصاء رسمي ، وأنه أصبح تبعاً لأحد المصادر 324 رب أسرة و 19 عازباً سنة 1555. وترجع هذه الزيادة إلى هجرة أعداد من يهود الأندلس السفارديم إلى الدولة العثمانية , بعد نكبة المسلمين في الأندلس منذ سنة 1492م .

وينوه المؤرخون اليهود بسماح العثمانيين للاجئين اليهود بالإقامة في دار الإسلام , في الوقت الذي رفضت فيه بعض الأقطار الأوروبية استقبالهم . ويقول إسحاق بن زفي إن حارة اليهود ضمت سفارديم و أشكناز ويهود مغاربة ويهود مستعربين , وهو يعني بالمستعربين اليهود العرب , الذين عاشوا في فلسطين والأقطار العربية , وقد تحسنت أحوالهم في عهد السلطان سليمان , الذي بنى السور العظيم , وفي عام 1551 أصدر السلطان فرماناً ولّى فيه الشيخ أحمد الدجاني أمر خدمة ضريح النبي داوود , الذي كان الخلاف احتدم بشأنه بين الفرنسيسكان الرهبان واليهود في عهد سلاطين المماليك , فتولت العائلة الدجانية هذا الأمر حتى نكبة فلسطين عام 1948.

نصل في تناولنا لتاريخ القدس منذ الفتح العربي إلى ما أصاب بيت المقدس بفعل الغزوة الصهيونية الاستعمارية في القرنين الأخيرين . ونستذكر مرة أخرى أن القدس التي كانت وطناً لشعبها , ومركزاً روحياً للمؤمنين بقيت مطمعاً للغزاة المعتدين ، وأن جميع الغزوات العدائية انتهت بالاندحار .

لقد عاد الغزو الفرنجي في صورة جديدة يستهدف فلسطين والقدس والمنطقة في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي , حين قام نابليون بونابرت بقيادة الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، ومع أن هذه الحملة كان مصيرها الاندحار والهزيمة ، و اضطر بونابرت أن يرتد عند أسوار عكا , ثم يقفل راجعاً إلى مصر , ويخرج منها مهزوماً , بعد أن واجه مقاومة قادها الأزهر ، الذي منه خرج سليمان الحلبي , ليقتل كليبر المعتدي , الذي خلف بونابرت .. مع ذلك بقي الاستعمار الأوروبي في فصائله المختلفة مستهدفا القدس وفلسطين والمنطقة ، من ذلك الحين ، و باشر مرحلة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين والقدس , التي لا نزال نعيشها ونخوض الصراع لإنهائها .

حين نقف أمام تاريخ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في القدس , نستذكر بداية أن الاستيطان هو اغتصاب لأرض شعب آخر، يتخذ مفاهيم عدة .. اقتصادي و عقيدي وسياسي وديني وأمني . ونستحضر ما وصل إليه جمال حمدان في كتابه "استراتيجية الاستعمار والتحرير" , بشأن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني , الذي يمثله الكيان الصهيوني ، ونلخصه بسمتين رئيسيتين:

– أولاهما : عنصريته الحادة , التي هي من نوع عنصرية البيض الأوروبيين , الذين أبادوا شعوباً في أمريكا و إفريقيا , وفرضوا العبودية على ملايين الأفارقة .

– والأخرى : تسلط فكرة الأمن المطلق عليه ، وقد أحسن شرحها شيوخنا الاستراتيجيون , وليس خافياً لماذا تتسلط هذه الفكرة , فنحن أمام مغتصب يسرق الأرض والماء , ويخشى من صاحب الحق .

نستذكر أيضاً أن التحالف الاستعماري الصهيوني كان وراء الاستعمار الاستيطاني في فلسطين ، ومنذ أوائل القرن التاسع عشر برزت بريطانيا قطباً رئيسياً في هذا التحالف , الذي يسعى لاستعمار فلسطين , وبرزت أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية , التي ركزت أنظارها على القدس , وبكّرت في إقامة قنصلية فيها , كتب الكثيرون عن تحركاتها , وهناك إلى اليوم في القدس مبنى يحمل اسم "أمريكان كولوني" ، وكانت قوى يهودية وأخرى بروتستانتية في بريطانيا وأمريكا قد أثارت الأطماع في فلسطين ، ونذكر كيف كتب دزرائيلي عن القدس وأهميتها لبريطانيا , قبل أن يصبح رئيس وزراء .

لقد مرّ الغزو الاستعماري الصهيوني في فلسطين بأربعة مراحل , بعد أن تبلورت الحركة الصهيونية , بتشجيع من القوى الاستعمارية الأوروبية ، ونجحت في إرسال أول دفعة من المهاجرين إلى فلسطين من يهود شرق أوروبا عام 1882, في العام الذي احتلت فيه بريطانيا مصر ، فمن مرحلة التسلل , التي استمرت حتى عام 1917, إلى مرحلة التغلغل إبان الاستعمار البريطاني لفلسطين , حتى عام 1948, إلى مرحلة الغزو بعد إقامة "دولة إسرائيل" وحتى عام 1967, إلى مرحلة التوسع بعد حرب حزيران (يونيو) في ذلك العام . وقد وفق المرحوم جمال حمدان في اختيار أسماء هذه المراحل .

نجح الغزو الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في احتلال جزء كبير من القدس إبان حرب عام 1948، وأكمل احتلال الجزء الشرقي منها في حرب العام 1967، وقد سمعنا إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني السابق , يصرح لإذاعة العدو الصهيوني , رداً على إشارة عربية فلسطينية لأملاك عرب فلسطينيين في القدس الغربية , بالقول "لقد أخذنا القدس في حربين" .

وكما هو الشأن في كل استعمار استيطاني عمد الكيان الصهيوني , بعد أن نجح في احتلال القدس , إلى ضمها فوراً , ثم شرع في اغتصاب أراضيها تدريجياً , بسبل مختلفة , ليصل إلى تهويدها ، و إنا مدعوون إلى أن نتأمل طويلاً في خطوات هذه العملية , التي تبدأ بالتسلل , فالتغلغل , فالاحتلال , فالضم , فالاغتصاب , فالتهويد ، ونستحضرها في أذهاننا دوماً ؛ لأن أراض عربية مجاورة لفلسطين مستهدفة اليوم صهيونياً بمخططات التسلل , أولى خطوات هذه العملية .

وقد شهدت مرحلة التوسع في الغزو الصهيوني لفلسطين منذ عام 1967 تركيزاً خاصاً على القدس , فصلت شرح مخططاته , وما تم تنفيذه منها , كتب كثيرة ، فبعد إعلان ضمها , جرت إقامة خمس عشرة مستعمرة , وبناء ثلاثين ألف وحدة سكنية ، وتم الاستيلاء على ثلاثة و ثلاثين في المائة من أراضي القدس بالمصادرة و الاستملاك ، وتفننت الحكومة الصهيونية في اتخاذ الإجراءات , التي تسلب أهل القدس العرب من حقوقهم .

وما أشد الخطر الذي يهدد القدس بفعل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني , بعد إبرام اتفاق أوسلو- واشنطن ، فالجهود الصهيونية مركزة الآن لتهويدها ، وقد فصلنا الحديث عن أخطار هذا الاتفاق على القدس , وكيفية مواجهة هذه الأخطار , في كتاب "لا للحل العنصري في فلسطين" ، وأوضحنا كيف تعامل اتفاق إعلان المبادئ مع قضية القدس , مؤجلاً النظر فيها , ليفسح للعدو الصهيوني فرض الأمر الواقع , خلال الفترة الانتقالية . كما أوضحنا كيف عمد "مصمم" عملية التسوية الأمريكي إلى استبعاد البحث في قضية القدس , والالتفاف حول القضية ، وحصرها في نزاع حول الإشراف على مقدسات ، وعرضنا الإجراءات الصهيونية في القدس والموقف الصهيوني الحالي من القدس والموقف الأمريكي الناقض لقرارات الشرعية الدولية في حقيقته ، كما بيّنا أصول هذين الموقفين , وشرحنا المخطط الصهيوني للقدس الكبرى , وخطوات تنفيذه , وتعديه على الوقف الديني الإسلامي والمسيحي , وما نجم عنه من مشكلات لا حل لها , و ما ينبغي عمله .

يتضح مما سبق أن أخطر ما حكم مسيرة التسوية , التي حملت اسم "عملية سلام الشرق الأوسط" , هو منطق الإملاء الذي فرضه الفكر الصهيوني وفكر الهيمنة الطاغوتي ، وهو منطق يدعو القوي إلى الاغترار بقوته , فيصبح محكوماً بغطرسة القوة ، ويحثه على أن يفرض شروطه مسبقاً , بحيث يضطر الآخر إلى التخلي عن أوراقه التفاوضية .

(9/1995) في عهد حكومة حزب العمل الصهيوني برئاسة رابين , و عهد إدارة الرئيس كلينتون الأول ، ثم في اتفاق الخليل (1/1997) , و أخيراً في اتفاق "واي" في (10/1998) في عهد حكومة ليكود برئاسة بنيامين نتنياهو و عهد إدارة الرئيس كلينتون الثاني ، وهو اتفاق حول إجراءات لتنفيذ ما سبق الاتفاق عليه . ويتضمن بنوداً خمسة هي : "إعادات انتشار إضافية"، و"الأمن"، و"اللجنة الانتقالية والموضوعات الاقتصادية" ، و"مفاوضات الوضع النهائي" ، و"الأعمال أحادية الجانب" ، كما يتضمن جدولاً زمنياً . ثم تجلى هذا المنطق بشكل صارخ في المحاولة الأمريكية الصهيونية لاغتصاب الحرم القدسي , التي تولى كِبرها بيل كلينتون في صيف 2000 , وتابعها جورج دبليو بوش بعده .

واضح أن هذا الغزو الاستعماري الصهيوني لفلسطين والقدس , هو أخطر ما تعرضت له ديار العرب والإسلام منذ الغزو الفرنجي . و واضح أيضاً أن المقاومة العربية الإسلامية لهذا الغزو مستمرة , تتتالى حلقاتها . وقد دخلت مرحلة جديدة بانتفاضة الأقصى , التي أكملت شهرها الثالث عشر . وقد وضعت نصب العين مواجهة الكيان الصهيوني والدعم الأمريكي له , وصولاً بالولايات المتحدة إلى مراجعة استراتيجيتها في المنطقة , وإدراكها أن الكيان الصهيوني لن يكون ركيزة استراتيجية لها , وإنما عبئا استراتيجيا عليها , ووصولاً باليهود في هذا الكيان وخارجه إلى نبذ الصهيونية العنصرية , إذا أرادوا الأمن والسلام .

وقد وقعت زلزلة الهجوم على نيويورك وواشنطن يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فنبهت قوة الطغيان في الغرب إلى حقائق هذا الصراع ، ويبقى أن نتابع الآن المقاومة لإنهاء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين والقدس وتحريرهما .

تعليمية




التصنيفات
بلدان ومدن

موسوع تاريخ الدول امريكا ش-ج

۞۞ قارة أمريكا الجنوبية ۞۞

هي إحدى قاراتالعالم الجديد تقع في القسم الغربي لخط غرينتش ومعظمها في نصف الكرة الجنوبي. يمر بها خط الاستواء في أجزائها الشمالية. سميت على اسم أمريجو فيسبوتشي أول مستكشف اقترح أن أراضي العالم الجديد هي ليست الهند الشرقية. أهم دولها الأرجنتينوالبرازيل. يحدها من الشرق المحيط الأطلسي ومن الغرب المحيط الهادي أما من الشمال فتحدها أمريكا الشمالية والبحر الكاريبي، يحدها من الجنوب التقاء المحيطين الأطلسي والهادي بالاضافة إلى القارة القطبية الجنوبية.
مساحة القارة الإجمالية 17،818،508 كم2 (3.5% من سطح الأرض). في عام 2022 تقدر عدد سكانها ب 371 مليون نسمة. يكون ترتيبها الرابعة في القارات من حيث المساحة (بعد آسيا، أفريقيا، وأمريكا الشمالية) والخامسة من حيث تعداد السكان (بعد آسيا، أفريقيا، أوروبا، وأمريكا الشمالية).

تعليمية

الفهرس الخاص بمواضيع القارة :

تاريخ امريكا الجنوبيه

نبذه عن تاريخ "كولومبيا"

۞۞ قارة أمريكا الشمالية ۞۞

هي إحدى قارات العالم السبع وتقع غرب خط جرينيتش في النصف الشمالي من العالم. أهم دولها من الشمال إلى الجنوب كنداوالولايات الأمريكية المتحدةوالمكسيك. يحدها من شمالها المحيط المتجمد الشمالي،و من غربها و جنوبها الغربي المحيط الهادئ،و من شرقها المحيط الأطلسي،و من جنوبها الشرقي البحر الكاريبي.

مساحتها حوالي 25،000،000 كم مربع، أو 4.8% من مجمل مساحة الكرة الأرضيه، و هي ثالث أكبر قارات العالم. في عام 2022 بلغ تعداد سكانها 514 مليون نسمة تقريبا، مما يضعها في الترتيب الرابع بعد القارات الاسيويه و الأفريقيه والأوروبيه من حيث التعداد السكاني.

يرجح المؤرخون أن اسم القارتين الأمريكتين يرجع إلى التاجر الإيطالي أمريجو فسبوتشي، و هو أول أوروبي يقترح ان القارتين ليستا شبه القاره الهنديه كما كان كان يعتقد الأوروبيون في تلك الفتره(بما فيهم المستكشف كريستوفر كولمبس)، و إنما عالما جديدا.

تعليمية

الفهرس الخاص بمواضيع القارة :

تاريخ المكسيك

تاريخ كوبا

تاريخ كندا"من الاكتشاف حتي الاستقلال "

تاريخ الولايات المتحده الامريكيه القديم




¸.-~•*’¨ تاريخ أمريكا الجنوبية ¨’*•~-.¸

تعليمية

أمريكا الجنوبية هي إحدى قارات العالم الجديد تقع في القسم الغربي لخط غرينتش ومعظمها في نصف الكرة الجنوبي. يمر بها خط الاستواء في أجزائها الشمالية. سميت على اسم أمريجو فيسبوتشي أول مستكشف اقترح أن أراضي العالم الجديد هي ليست الهند الشرقية. أهم دولها الأرجنتين والبرازيل. يحدها من الشرق المحيط الأطلسي ومن الغرب المحيط الهادي أما من الشمال فتحدها أمريكا الشمالية والبحر الكاريبي، يحدها من الجنوب التقاء المحيطين الأطلسي والهادي بالاضافة إلى القارة القطبية الجنوبية.

مساحة القارة الإجمالية 17،818،508 كم2 (3.5% من سطح الأرض). في عام 2022 تقدر عدد سكانها ب 371 مليون نسمة. يكون ترتيبها الرابعة في القارات من حيث المساحة (بعد آسيا، أفريقيا، وأمريكا الشمالية) والخامسة من حيث تعداد السكان (بعد آسيا، أفريقيا، أوروبا، وأمريكا الشمالية)

تاريخ أمريكا الجنوبية

يطلق على السكان الأوائل للقارتين الأمريكتين الهنود الأمريكيون. وكانت أقصى درجة وصلت حضارتهم كانت في بيرو على الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. وهذه الحضارات لم تعرف المحراث أو العجلة أو دولاب الفخار أو الحديد أو العملة كما كان معروفا في حضارات العالم القديم وقتها. سكان أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى جاءوا من من جزر جنوب شرق آسيا حيث عبروا بقواربهم المصنوعة من جذوع الأشجار أو الجلد المحيط الهادي. وكانوا من جنس الإنسان العاقل والماهر. وكان سكان أمريكا الشمالية قد نزحوا من شمال شرق آسيا. وقد حملوا جميعا أدواتهم وأسلحتهم الحجرية. وصنع الإنسان الأول بالأمريكتين منذ 11000 سنة آلاته من عظام البقر والجاموس الوحشي والأحجار التي كان يكسر بها العظام، كما اخترع السكاكين ليقطع بها اللحوم والحراب للقتال وكان يطلق السهام كالقذيفة لاصطياد الطيور والحيوانات. واستعمل الشراك والفخاخ والحبال لصيد الحيوانات. وأيام كولومبوس أواخر القرن 15 كان عدد سكان أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى مابين 20 و50 مليون نسمة. وكانت بيرو أكثر المناطق ازدحاما. وكانت الزراعة قد ظهرت سنة 1200 ق م في المرتفعات بالمكسيك وفي سنة 3000ق م في شمال بيرو. وكانت تتمركز في وديان هذه المناطق لخصوبة الأرض وسهولة الري والطقس ملائم لها. وتوجد الغابات الاستوائية بشمال جواتيمالا والمكسيك. لهذا قامت هناك حضارة المايا. والحضارة هناك معقدة للغاية حيث تعددت المؤسسات العسكرية والمدن الحضرية وتنوعت التصميمات المعمارية والعقائد والطقوس الدينية. وتوسعت التجارة.

وكان ينسج القطن والصوف ويصنع الفخار ويمارس التعدين. كما كانوا يصنعون المشغولات المعدنية من الذهب والفضة والبرونز والنحاس. واهتمت هذه الحضارات بالفلك والتقويم (المايا) والحساب والكتابة. وكان شعوب هذه الحضارات يزرعون الذرة والبطاطس والفاصوليا والطماطم. وفي أمريكا الوسطي قامت حضارة المكسيك وهي الحضارة الوحيدة في الأمريكتين المسجلة كتابة فوق أوراق من النباتات المحلية ومن بينها لفائف تابا. وأول من دون كتابة هناك التولتك والزابوتك والآزتك وكانا للمايا لغتهم. وكان للأوزتك تقويمهم. وكان تقويما دينيا وفلكيا. وكان يتكون من السنة المقدسة والسنة المدنية. وكانت السنة المقدسة تتكون من 200 يوم. والسنة المدنية كانت مكونة من 360 بوم. لأنها مرتبطة بالسنة الشمسية، وكان بضم بعدها 5 أيام لكل ستة مدنية. وكانت هذه الأيام الخمسة تخصص للأغراض الدينية.

وكلا السنتين كانتا مقسمتان لشهور وأسابيع. وكان الشهر 20 يوما والإسبوع 13 يوما. وكان تقويم المايا مرتبط بالزراعة. ويعتمد على الملاحظات الفلكية. وكان يصحح مرة كل 52 سنة. وفي سنة 800 ق م بنى الأولمك الهرم الأكبر حوله الأفنية. كما بنوا أهرامات صغيرة تقع على محور الشمال والجنوب (نفس المحور التي كانت تقع عليه الأهرامات الفرعونية).

وكانت قمم الأهرامات تتوج بالمعابد سواء في كوبان أو تيكال أو يوكاتان أو باليثك. وهذه كلها مدن ومراكز دينية هامة. وهذه المواقع لم تكن محصنة أو محمية. لأن البلاد كانت تعيش في سلام. وكان حولها الأفنية ليعيش فيها الكهنة وكبار رجال المدينة. ولم تكن المدن والقرى -ولاسيما لدى المايا- مخططة. لكن كان يتوسطها أبنية مركزية حولها المعابد وبيوت الكهنة وكبار رجال الدولة. وكانت من الحجارة ومزينة بالزخارف. وكان حولها بيوت الفلاحين من الخشب فوقها قطع من الشقف. وكان البيت ينكون من حجرة خلفية للنوم وحجرة أمامية للمعيشة بها باب مفتوح في واجهة البيت ومزينة بالرسوم. وكانت المعابد تبنى على شكل مخروطي ناقص (مقطوع الرأس). وكان الرجال معظمهم حليقي الذقن يلبسون شعرا مستعارا من الريش. ويستعملون العطور القوية. وكانوا ينقشون على الأحجار الكريمة كالزمرد والخشب. وكان المايا يطبعون الألوان على القماش بقوالب من الطين. وكانت مشغولاتهم المعدنية من الذهب والفضة والبرونز. وكانت الذرة الغذاء المفضل لديهم. وكان يؤكل مسلوقا أو كفشار. أو يصنع منه المشروبات.

وكان ماء الذرى يخلط بالكاكاو أو عصير البمنتو. وكانوا يخمرون عسل النحل ويخلطونه بالماء ليشرب كنبيذ. وكانوا يشون الكلاب ويأكلونها كوجبة مفضلة مع الأسماك. وكان للأطباء علومهم وطقوسهم الشفائية وأحجارهم المقدسة. وكان للموسيقى دورها الطقوسي والديني حيث كان يستعمل فيها الطبول والطنبور والفلوت وأبواق القرون ومحارات بحرية. وكانوا يمارسون الرقص الجماعي في الحفلات الدينية. وكانوا يمارسون لعبة كرة السلة بنظام خاص. وكانت الكرة من المطاط وصغيرة. والملعب كان مسورا. وكان المايا تجارا حيث كانوا يرسلون بضائعهم بالقوارب أو يسيرون بها فوق الأقدام ليصلوا لهندوراس وجزر الأنتيل أو يتوجهون بها للشمال لفلوريدا. وكانت التجارة تتم بالمقايضة. ووعورة أرض الجنوب بأمريكا الجنوبية جعلت المجتمعات هناك قليلة السكان ومبعثرة ومتباعدة.




كولومبيا الكبرى كان اسمها الرسمي جمهورية كولومبيا. وقد عاشت لفترة قصيرة في أمريكا الجنوبية لتضم ما يسمى في الوقت الحاضر

فنزويلا و إكوادوروبنماوجزر جرينادين. وقد قامت تقريباً على أراضي مندوبية Viceroyaltyجرانادا الجديدة (التابعة للعرش الأسباني). وصفة "الكبرى" لم يستعملها معاصرو تلك الدولة وإنما اللاحقون ليميزوا بينها وبين كولومبيا المعاصرة.

الاسم كولومبيا كان نسبة إلى كريستوفر كولومبوس (Cristóbal Colónفي الأسبانية,
Cristoforo Colombo في الإيطالية) وهو من بنات أفكار الثوري فرانسيسكو دي ميرانداكإشارة إلى العالم الجديد وخاصة إلى كل المناطق والمستعمرات الأمريكية تحت الحكمالأسباني والبرتغالي.
محرر أمريكا الجنوبية سيمون بوليفار وغيره من الثوريين في جمهورية فنزويلا الأولى استعملوا تعبير "كولومبيا الكبرى" ليشيروا إلى كل أمريكا اللاتينية حتى أعلنوا جمهورية بذلك الاسم عام 1819 في مؤتمر أنجوستورا. وكانت الفكرة في ذلك المؤتمر أن الجمهورية الإتحادية (الفدرالية) ستتألف من 3 أقسام، عواصمهم هي:
بوجوتا (قسم كونديناماركا) وكراكاس (قسم فنزويلا) وكويتو (قسم كويتو). في ذلك العام لم تكن كل أقسام المندوبية قد تحررت بعد.
في مؤتمر كوكوتا عام 1821 م تمت صياغة دستور الجمهورية الجديدة واتخذت بوجوتا عاصمةً لها. كما قرر الإتحاديون قدراً كبيراً من المركزية لكي تصبح الدولة أكثر قدرة على دخول الحرب من أجل الإستقلال. انتُخِبَ سيمون بوليفار رئيساً للجمهورية وفرانسيسكو دي باولا سانتاندير نائباً للرئيس.

في سنين الجمهورية الأولى، ساعدت كولومبيا الكبرى المقاطعات الأخرى في حروبها ضد اسبانيا لنيل استقلالها. بنما انضمت للإتحاد في 1821و كذلك مقاطعات كويتو وفنزويلا. دعمت كولومبيا الكبرى استقلال البيرو في 1824 م. وفي عام 1826 أعيد انتخاب بوليفار وسانتاندير.

وما أن وضعت الحرب مع إسبانيا أوزارها حتى عادت الخلافات لتدب بين الاتحاديين والجهويين في الكونجرس من جديد. الدعوات المستمرة إلى تغييرات في الأقسام السياسية (وما تتضمنه من خلافات اقتصادية وتجارية) خلال فترة حياة كولومبيا الكبرى، أدت إلى تغييرات ومساومات. تلك التغييرات لم تكن لترضي الفرقاء بالكامل وبالتالي لم توطد من دعائم الدولة، كما أظهرت عدم استقرار هيكل الدولة.

حلم بوليفار بتوحيد أمريكا الجنوبية ولكنه لم يستطع تحقيق ذلك خلال الصراع من أجل الاستقلال. جمهورية كولومبيا الكبرى كانت محاولته الأولى لخلق دولة أمريكية جنوبية واحدة. إلا أن الكثير من السياسيين في أمريكا الجنوبية وغيرها عارضوا فكرته، مما أثار غضب ويأس بوليفار ليستقيل من المشروع عام 1828 م ومن الرئاسة عام 1830 م.

وأخيراً تم حل الاتحاد عام 1830، رغم مجهودات الجنرال رفائيل أوردانيتا في بوجوتا، بسبب الخلافات الداخلية بين المناطق المختلفة والتي استعرت بعد استقالة بوليفار.

وما أن انحلت اتحاد كولومبيا الكبرى في 1830، حتى قام قسم كونديناماركا (كما أعلن في أنجوستورا) كدولة جديدة، جمهورية جرانادا الجديدة. وفي عام 1863 غيرت جرانادا الجديدة اسمها ليصبح رسمياً "الولايات المتحدة الكولومبية". وفي 1886 اتخذت اسمها الحالي "جمهورية كولومبيا". بنما بقت كإقليم في هذه الدولة حتى 1903 عندما استقلت بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية.




تاريخ المكسيك

يعود تاريخ المكسيك إلى العام 10000 قبل الميلاد تقريباً حينما استوطنها البشر، وتوجد بها العديد من بقايا المستوطنين القدماء، ومن أشهر تلك الآثار "رجل تيبيكسبان".

المكسيك القديمة

تعليمية
خريطة المكسيك (عام 1847)

مكسيك اليوم كانت موقع عدة حضارات متقدمة أميرينديانية مثل المايان، والأولميك، والتولتيك والثقافات الأزتية. تم غزو تلك الثقافات السائدة وفتح المنطقة من قبل إسبانيا في عام 1521. تم قيادة الفاتحين بشكل أولي من قبل هيرنان كورتيس، ودخلوا البلاد في 1517 من ميناء عرف سابقاً باسم "فيللا بويرتو دي لا ريكا دي لا فيرا كروز" (فيراكروز اليوم). الأزتيون، وهم الشعب المحلي المهيمن في البلاد في تلك الأثناء، اعتقدوا (طبقا للأساطير القديمة) بأن الفاتحين الإسبان كانوا بشراً أرسلوا من قبل الآلهة، لذا عرضوا ضدهم مقاومة صغيرة أوليا، ولكن في النهاية عارضوهم عندما أصبح الأمر واضحاً بأنهم ليسوا آلهة. بعد عدة معارك بدت القوات الإسبانية فيها قريبة من الهزيمة، أحاط الفاتحون وحاصروا سكنة تينوختيتلان، عاصمة الإمبراطورية الأزتية، حتى هزيمتهم في 1521.

مع هذا الغزو ولد جنس بشري جديد، وهو جنس الميستيزو، كنتيجة لاختلاط الفاتحين مع النساء المحليات. أثناء الفترة الإستعمارية التي دامت من 1521 إلى 1821، المكسيك التي كانت تعرف بلقب "إسبانيا الجديدة" تضمنت أراضي مكسيك اليوم ومنطقة بحجم مماثل واقعة في جنوب ما يعرف الآن بالولايات المتحدة.

الاستقلال والتأسيس

حرب الاستقلال بدأت في 1810، بزعامة ميجيل هيدالجو، وهو كاهن من أصول إسبانية له أفكار تقدمية. دامت الحرب 11 سنة حتى دخلت قوات الجيش التحريري المكسيك في 1821 (إسبانيا طردت أخيرا من الأرض المكسيكية بعد بضع سنوات). بالرغم من أن الإستقلال أعلن أولا في 16 سبتمبر 1810، لم تتأسس الجمهورية إلا في 1824. الشكل الأول للحكومة كان ملكياً، مع إعلان أجستين دي إتوربيد، جنرال إسباني سابق، نفسه إمبراطوراً لها. في 1824 أصبح جوادالوب فيكتوريا أول رئيس للبلاد الجديدة. جوادالوب فيكتوريا لم يكن اسمه الحقيقي، بل كان اسم اختير خصوصا: "جوادالوب" لشكر حماية "سيدتنا جوادالوب"، و "فيكتوريا" تعني النصر.

العديد من الرؤساء جاؤوا وذهبوا، فجلبوا ولمدة طويلة فترة من عدم الإستقرار دامت طوال القرن التاسع والعشرين. أثناء هذه الفترة، فقدت العديد من الأراضي في الشمال إلى الولايات المتحدة الأمريكية. تم فقدانهم إما عن طريق البيع بسعر رخيص بعد الإجبار، أو كنتيجة للخسارة في المعارك ضد الولايات المتحدة الأمريكية. من أشهر المعارك البارزة تلك التي غزت فيها الولايات المتحدة الأمريكية المكسيك في 1847.

انقسم الشعب المكسيكي بحدة في تحديد نوعية الحكومة التي يريدونها، فالبعض فضل الحكومة الملكية (المحافظون)، بينما فضل الآخرون الجمهورية (التحرريون). حاول المحافظون فرض الحكم الملكي عندما ساعدوا على جلب أرشيدوقاً من البيت الملكي للنمسا إلى المكسيك، والذي يعرف بماكسيمليان من هابسبيرغ (زوج كارلوتا من هابسبيرغ) بدعم عسكري من فرنسا، وقد اهتم باستغلال المناجم الغنية في المنطقة الشمالية الغربية للبلاد. بالرغم من أن الفرنسيين الذين اعتبروا أحد أكثر الجيوش كفاءة في العالم، عانوا من هزيمة أولية في حرب سينكو دي مايو في 5 مايو 1862 بمنطقة بويبلا، إلا أنهم هزموا القوات الحكومية المكسيكية في النهاية بقيادة الجنرال إجناسيو زاراجوزا وتوجوا ماكسيمليان كإمبراطور للمكسيك. لسوء حظ المحافظين، فضل ماكسيمليان من هابسبيرغ تأسيس جمهورية وشكل تحرري للحكومة. أسر ماكسيمليان في النهاية وأعدم في سيرو دي لاس كامباناس كويريتارو على أيدي القوات الموالية للرئيس بنيتو خواريز، الذي أبقى على عمل الحكومة الاتحادية أثناء التدخل الفرنسي الذي وضع ماكسيمليان في الحكم. في 1857، أعيدت الجمهورية وكتب دستوراً جديداً لها، بالإضافة إلى تحريم اشتراك الكهنة في السياسة (الفصل بين الكنيسة والدولة).

بعد النصر، كان هناك استياء ضد الرئيس خواريز الذي بدأ بتركيز قوة زائدة وطلب تجديد انتخابه، لذا ثار أحد جنرالات الجيش، المعروف باسم بورفيريو دياز، ضد الحكومة بإعلان خطة دي تاكستيبيك (1876).

أصبح بورفيريو دياز الرئيس الجديد. خلال أكثر من 30 سنة (1876 – 1911)، تحسنت البنية التحتية للبلاد كثيراً بفضل استثمارات الدول الأخرى. هذه الفترة من الازدهار والسلام النسبي عرفت بـ "بورفيرياتو". رغم ذلك لم لكن الناس سعداء بالحكومة أثناء بورفيرياتو، فقد كانت تجذب المستثمرين لأن أجر العمال كان منخفضاً جداً، مما شكل انقساماً اجتماعياً كبيراً: فقط مجموعة صغيرة من المستثمرين (وطنية ودولية) كانت تزداد ثراء. أوقفت الديمقراطية بالكامل، وتم معاملة المعارضة بقمعية تارة وبطرق وحشية تارة أخرى.

كل هذا شجع فرانسيسكو مادرو على إعداد وثيقة عرفت بخطة دي سان لويس، وفيها دعا الشعب المكسيكي لأخذ أسلحتهم ومحاربة حكومة بورفيريو دياز في 20 نوفمبر 1910. هذا الأمر أشعل ما يعرف بالثورة المكسيكية. سجن مادرو في سان أنطونيو بولاية تكساس الأمريكية، لكن خطته كانت سارية المفعول برغم كونه في السجن. تلقى الجيش الاتحادي الهزيمة بواسطة القوات الثورية التي قادها إمليانو زاباتا في الجنوب، وفيللا بانتشو وباسكوال أوروزكو في الشمال، وفينوستيانو كارانزا، فأجبر ذلك بورفيريو دياز على الاستقالة لأجل "سلام الأمة" ولينفي نفسه في فرنسا حيث مات (1914).

كان لزعماء الثورة العديد من الأهداف المختلفة، وكنتيجة لذلك كان من الصعب جدا التوصل إلى اتفاقيات حول كيفية تنظيم الحكومة التي انبثقت من المجموعات الثورية المنتصرة. سبب كل ذلك كفاحاً من أجل السيطرة على حكومة المكسيك في نزاع دام أكثر من 20 سنة. أعلن فينوستيانو كارانزا، وهو جنرال ثوري سابق أصبح واحدا من عدة رؤساء أثناء هذه الفترة العاصفة، دستوراً جديداً في 5 فبراير 1917. هذا هو الدستور الذي لا تزال المكسيك تتبعه.

في العشرينات والثلاثينات كانت هنالك حرب أهلية أخرى عرفت باسم "لا جويرا كريسترا" والتي كانت بسبب بعض القضايا الدينية. الحكومة التي تشكلت من قبل المحاربين كبار السن من الثورة، أسست حزباً عرف باسم PRN، الذي أصبح PRI لاحقا (اختصاراً لعبارة Partido Revolucionario Institucional) حكم البلاد لبقية القرن العشرين.

بعد العديد من الصراعات على السلطة، توصل الرئيس لازارو كارديناس إلى السلطة في 1934 وحول المكسيك من أساساتها بنفي الجنرال الأخير صاحب الطموحات الدكتاتورية، واستطاع توحيد القوات المختلفة التي قاتلت ونتجت من الثورة تحت مظلة الحزب الثوري التأسيسي (PRI)، ووضع القواعد (المكتوبة وغير المكتوبة) التي تسمح لهذا الحزب الحكم بدون تحدٍ لعقود قادمة بدون قتال داخلي يمكن أن يعرض للخطر الأمني، كما أمم صناعة النفط في 1938 والصناعة الكهربائية، وأنشأ المعهد المتعدد التقنيات الوطني، ومنح اللجوء إلى المغتربين الإسبان الهاربين من الحرب الأهلية الإسبانية، وبدأ بالإصلاح الزراعي، كما بدأ بتوزيع الكتب الدراسية المجانية على الأطفال.

بالرغم من أن أنظمة PRI قد حققت نمواً اقتصادياً وازدهاراً نسبياً أثناء ثلاثة عقود تقريبا بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أم إدارة الاقتصاد انهارت عدة مرات. في السبعينات، أثرت الأزمات الاقتصادية على البلاد في 1976 وكذلك في 1982. في كلتي المناسبتين، انخفضت قيمة البيزو المكسيكي، ومنذ ذلك الوقت كان من الطبيعي توقع حدوث انخفاض كبير وفترة كساد بعد انتهاء كل فترة رئاسية (أي كل 6 سنوات). الأزمة التي تبعت انخفاض البيزو في نهاية عام 1994 أدت إلى اضطراب اقتصادي في المكسيك، فسببت أسوأ فترة كساد في نصف القرن الأخير.

بعد انتخابات عام 1988، والتي كانت مملوءة بالنازاعات، تأسس المعهد الاتحادي الانتخابي في بداية التسعينيات، هو مدار من قبل المواطنين العاديين، ويشرف على تلك الانتخابات قانونيا وبإنصاف. كنتيجة لذلك، ربح المرشح الرئاسي لحزب العمل الوطني فايسينت فوكس كويزادا الانتخابات الاتحادي في 2 يوليو 2000.

تتضمن المخاوف الإقتصادية والإجتماعية المستمرة في المكسيك قضايا الأجور المنخفضة، ونقص التوظيف لجزء كبير من السكان، وتوزيع الدخل غير العادل.




تاريخ كوبا
فترة الإستعمار 1492-1898

عندما وصل كريستوفر كولومبس الى هافانا فى 27 اكتوبر 1492 ، تجول طوال 40 يوما على امتداد الشواطئ الشمالية الشرقية لكوبا ،
و بعد مرور عامين ، عند تقيم كولومبس للشاطئ الجنوبى لكوبا ، أثناء رحلته الثانية ، لاحظ مدى التباين بين السكان الأصليين حيث أن السكان القادمين بمصاحبته من شرق البلاد لم يستطيعوا فهم سكان المنطقة الغربية.
و بالتأكيد يرجع وجود السكان على الجزيرة الى اربعة الآف عام قبل هذا التاريخ ، مع وصول العديد من التيارات المهاجرة ، و أول تلك الجماعات وصلت قادمة من القارة الشمالية عبر فلوريدا ، ثم تلتها موجات من مصب نهر اورونكو على طول سواحل الجزيرة الكوبية.
و كان ما يقرب من مائة ألف مواطن أصلى يعيشون على الجزيرة عند بدء الغزو الأسبانى ، كان هناك مجموعات ذات مستويات متباينة للتطور الثقافى و الإجتماعى.
أقل تلك الجماعات تقدما إنقرضتت فى القرن الخامس عشر ، و كانت تعيش على الصيد و الحصاد و كانوا يصنعون أدواتهم من صدف الحيوانات الرخوة الكبيرة.
مجموعة أخرى ، دون الإستهانه بإستخدام الصدف ، كانت تمتلك ايضا أدوات من الحجارة المزخرفة ، إلى جانب قيامهم بأنشطة أخرى كجمع الثمار و ممارستها لصيد الحيوانات و صيد الأسماك.
أما الجماعات الأكثر تقدما و القادمة من أمريكا الاتينية و قادمة من أصل حضارة أرواكا ، فقد كانت من المزارعين منتجهم الزراعى الرئيسى كان اليوكا و كانو يصنعون منه طعام يسمى كاسبى و هذا الغذاء كانوا يأكلونه ليس فقط طازجا بل أيضا كان يمكن أكله محفوظا. كما كانوا يصعنون ادوات و آنية من السيراميك و كانوا يمتكلون أدوات متعددة من الصدف و الحجارة المزخرفة.
و كانت منازلهم من الخشب و سماد النخل ( لوس يوهيوس) و كانوا يعيشون فى مجتمعات صغيرة و أعتبروا و على مدى عصور طويلة العنصر الأساسى المزارعين الكوبيين.


المجتمع الإستعمـــــــــارى

بدء الفتح الأسبانى للجزيرة الكوبية بعد مرور عشرين عاما على الرحلة الأولى لكريستفور كولومبس، كجزء من عملية إستعمارية تهدف الإنتشار نحو مختلف الأراضى الكاريبية . و تولى دييجو فيلاسكيس ، و هو أحد أكبر الأغنياء الأسبان فى تلك الفترة من إستغلال الأراضى الكوبية ، و بدء فى عام 1510 عملية مطولة للإعتراف بالجميل و الغزو ، مليئة بأحداث سفك للدماء للسكان الأصليين من المنطقة الشرقية بكوبا ، الذين أتخذوا حذرهم من اعمال العنف التى أرتكبها الأسبان بالجزر المتاخمة ، فقاوموا الغزو الأسبانى بقيادة ياهوتى و هاتوى ، و هو زعيم هندى هارب من الإستعمار الأسبانى و الذى سجنوه و حرقوه حى ثم مثلوا بجثته فيما بعد.
و بإنشاء مؤسسة "نوستر سنيورا دى لا اسونسيون دى باراكوا" ، شرع الأسبان فى عام 1512 إنشاء سبعة مدن بهدف السيطرة على الأراضى التى أفتتحوها، فأنشئوا مدينة بايامو فى عام 1513 ، و سانتيسما، ترينيداد، سانكتى إسبيريتوس ، سان كريستوفر دى لا هافانا عام 1514، بوتو برينسيبي عام 1515 و التى جعلوها مقرا للحكومة. و منذ تلك الإنشاءات ، و التى تغير معظم مواضعها الأولية ، شرعت الإفتتاحات من أجل استغلال موارد الجزيرة الكوبية.
و دمر القراصنة الفرنسيين و الهولنديين و الإنجليز منطقة الكاريبي و استولوا على المراكب و نهبوا المدن و الأحياء ، و لم تنج كوبا من تلك الهجمات ، وشكلت أسماء مثل / جاك سوربييس ، فرنسيس دراك وهنرى مورجان إعلانا عن بدء الحرب لفترة تعددت النصف قرن لسكان الجزيرة الكوبية و قد كان للحروب و أعمال القرصنة فوائد أيضا.
فلحماية تجارتها، قررت أسبانيا إنشاء أساطيل عملاقة و كان ميناء هافانا.، ذو الموقع الإستراتيجى . هو ميناء الإستراحة الجبرية لتلك الأساطيل لانه عند مدخل المجرى المائى
أما سكان الأماكن البعيدة و المحرومين من تلك اللإمتيازات ، فقد لجاءوا الى تجارة التهريب المربحة مع القراصنة أنفسهم ، و بهذا الطريقة الأقل عنفا كانوا يسخرون من الإحتكار التجارى الذى تمارسة أشبيلية . و بإصرارها على القضاء على تلك التبادلات التجارية قررت السلطات الإستعمارية مواجهة الجيران و بخاصة سكان مدينة بايامو ،و الذين بثورتهم التى أندعلت عام 1603 ، قدموا إشارة مبكرة على تباين المصالح بين أصحاب الأرض الأصليين و حكومة الإستعمار ، و قد ألهمت الأحداث التى نجمت عن عمليات التهريب بعد ذلك بقليل بكتابة "مرآة الصبر"، و التى تعد المستند الأول فى تاريخ الأدب الكوبى.
و فى بدايات القرن السابع عشر ، بلغ عدد سكان كوبا 30 ألف نسمة و تم تقسيمها الى حكومتين ، واحدة فى هافانا و الأخرى فى سانتياجو دى كوبا
و بوصول الأسرة البوربونية الى عرش اسبانيا فى بدايات القرن الثامن عشر ، طورت و حدّث المفاهيم التجارية التى كانت تسيطر على التجارة الإستعمارية ،بلا ضعف ، فقط عملت الدولة المستعمره على تنوع الحياة الإقتصادية فى مستعمراتها . و فى حالة كوبا ، أقامت تجارة التبغ ، حيث خص التاج بإحتكار صناعة و تجارة هذا النبات طيب الرائحة و أصبح هذا المنتج ركيزة الإقتصاد الكوبى ، و لقى هذا الإجراء مقاومة من التجار و المزارعين و هو ما إنعكس فى شكل احتجاجات و ثورات . وكانت اكثرهم قسوة الثورة الثالثة التى نجم عنها قتل 11 مزارعا فى سانتيجاو دى لاس فيجاس ، قرية بالقرب من العاصمة ، و أمام عجز التجار و المزارعين فى التغلب على الدولة المستعمرة قرروا تجار هافانا الأغنياء الإستفادة من مغانم السيجار و بشاركة تجار أسبان ، نجحوا فى الحصول على موافقته على إنشاء شركة ملكية للتجارة بهافانا عام 1740 و التى احتكرت لأكثر من عقدين النشاط التجارى فى كوبا.
و لقد كان القرن الثامن عشر مسرحا لحروب متتالية بين القوتين الأوربيتين غلب عليها الاهتمام التجارى نحو الأمريكتين، و أثرت جميع الحروب بشكل أو بأخر على كوبا ، و لكن مع ذلك فإن أكثرها اهمية كانت حرب السبع سنوات (1763-1756) و فى أثنائها سيطرت حملة انجليزية على كوبا. .و تعارض عدم كفاءة السلطات الأسبانية فى الدفاع عن المدينة مع الإستعداد القتالى للسكان الأصليين و الذى مثله بشكل خاص شخصية/ خوسيه انتونيو جوميز، قائد شجاع من حرس مدينة خوانا باكوا المجاورة لهافانا و الذى مات نتيجة المعارك.
و على مدى الأحدى عشر شهرا ، هى فترة الإحتلال الإنجليزى من أغسطس 1762 الى يوليو 1763 ، اصبحت هافانا مسرحا لنشاط تجارى مكثف ، أبرز امكانات الإقتصاد الكوبى ، و حتى ذلك الحين كان مكبل من جانب النظام الإستعمارى الإسبانى.
و بعودة السيطرة الأسبانية على الجزء الغربى بالجزيرة ، إتخذ الملك كارلوس الثالث و وزراءه " البارزين" إجراءات متتالية ساعدت على تقدم البلاد.
و كان أول تلك الإجراءات تشديد مراكز دفاعهم ، و اكبر تعبير عن ذلك كان إنشاء حصن / سان كارلوس دى لا كابانيا الهام بمدينة هافانا. كما أضيف اليه العديد من المنشأت المدنية مثل قصر القادة ( للحكومة) و منشأت دينية مثل كنيسة لا كاتدرال ، و هى المنشأت التى أصبحت فيما بعد رموزا لمنظر مدينة هافانا.
و فى هذا الإطار ، تم إجراء أول تعداد سكانى عام 1774 و الذى أوضح بدوره أن عدد سكان كوبا بلغ فى ذلك الحين 171620 نسمة.
و تحت قيادة كلا من فرنسيسكو دى أرانجو و بارنيو ، إستطاع هؤلاء المواطنون الأقوياء من الإنتفاع من الوضع السياسى غير المستقر ، و بمجرد إستعادة الأسرة البربونية قوتها فى عام 1814 ، استطاع هؤلاء الكوبيون الحصول على إمتيازات كحرية التجارة و رفع الإحتكار عن التبغ و إمكانية امتلاكهم للأراضى الزراعية قانونا بل وتوثيقها أيضا.
و لكن هذا التقدم أعتمد على زيادة مرعبة فى عدد العبيد ، فمنذ عام 1790 و على مدى ثلاثين عاما فقط ، جلبوا الى كوبا عبيدا أفارقة يتعدى عددهم كل العبيد الذين جلبوهم على مدى القرن و النصف السابقين. و بتعداد سكانى تعدى المليون و النصف نسمة أصبح المجتمع الكوبى مقسما الى اقلية حاكمة من اصحاب الأراضى من الكوبين و التجار الأسبان الكبار . و الأغلبية العظمى من العبيد ، و طبقات وسط متباينة ، مكونة من الزنوج و السود الأحرار و البيض الفقراء بالقرى و المدن ، و هؤلاء اصبحوا يوما بعد يوم لا يميلون للقيام بالأعمال اليدوية و التى كانت تعتبر أعمال مهنية لا يقوم بها إلا العبيد. و صارت العبودية مصدرا هاما لعدم الإستقرار الإجتماعى ، ليس فقط للمظاهرات المتكررة للعبيد ، سواء كانت فردية أو جماعية . و لكن أيضا لعدم الإكتراث بتلك الجماعات اتاح الفرصة لإحاكة المؤامرات التى تهدف محاربة تجارة الرقيق.
و أحد تلك المظاهرات كانت بقيادة الزنجى الحر/ خوسية أنتونيو بونتى و التى اجهضت فى هافانا عام 1812 و المفروفة بأسم مؤامرة السلم عام 1844 و التى تسببت فى إراقة الكثير من الدماء حيث مات العديد من العبيد و الزنوج الأ حرار ، من بينهم الشاعر / جابريل دى لا كونسينسيون "بالسيدو"
و أكد تطور المستعمرة الكوبية على تباين المصالح مع الدولة المستعمرة وتمت صياغة المظاهر الواضحة للأمة الكوبية الوليدة فى الأدب و التعبيرات الثقافية الأخرى اثناء الثلث الأخير من القرن الثامن عشر ، ثم تلتها اتجاهات سياسية واضحة قدت لحولا متباينة و مختلفة لمشاكل الجزيرة الكوبية
وجد الإصلاح الحذر بتشجيع من / أرانجو ، و من المواطنين الكوبيين الأثرياء ، تواصلا مع المذهب اليبرالى الإصلاحى بالبلاط و الذى جسده/ خوسيه أنتونيو سكاو و خوسيه دى لا لوس و كبايروا و مثقفون أخرون ذو صلة بقطاع ذوى الأملاك الكوبيين
و تسبب الطمع و العنصرية للسياسة الإستعمارية الأسبانية فى كوبا بعد فقدانها ممتلكاتها فى القارة الأمريكية، فى العديد من المناسبات فى ضيلع الأمال فى الإصلاح، و هو ما أدى الى نمو تيار سياسى أعتمد على حل المشكلات الكوبية من خلال الإنضمام الى الولايات المتحدة الأمريكية، و هذا الرأى توافق مع قطاع أصحاب أملاك العبيد الذين رأوا فى إنضمام كوبا الى الأتحاد الأمريكى ضمانا لبقاء العبودية بها ، و هو الدعم الذى لم يجدوه فى دول الجنوب، كأفراد متحمسين للإمكانبات التى تقدمها الديقراطية الأمريكية مقارنة بالإستبداد الأسبانى . فإن المجموعات الأولى لنادى هافانا سهلت اجراء شراء كوبا من جانب حكومة واشنطن و كذلك الغزو اليبرالى بقيادة بعض اللواءات من الولايات المتحدة .
و فى هذا الإتجاه الأخيرة قام/ نارسيسو لوبيز ، لواء من أصل فنزويلى ، الذى من خلال خدمته لفترة طويلة بالجيش الأسبانى، كرس جهوده للمشاركة فى الأنشطة التأمرية من أجل الإنضمام , وقاد لوبيز حملتين فاشلتين الى كوبا و فى الأخيرة تم القبض عليه و اعدامه من جانب السلطات الإستعمارية فى عام 1851.
تيار إنفصالى أخر و لكنه أكثر راديكالية و كان يأمل فى حصول كوبا على إستقلالها ، و كان له ظهورا مبكرا ، ففى عام1810 تم إكتشاف أول مؤامرة الإتسقلال بقيادة رامون دى لا روز ، و قد وصل هذا الإنفصالى الى ذروة نجاحة و تألقة فى السنوات الأولى من عام 1820. بالتزامن مع عتق العبيد بالقارة و مناقشة إعداد الدستور بأسبانيا،عملت على نشر المحافل الماسونية و الجمعيات السرية و تم إحباط محاولتين للتآمر فى تلك المرحلة .
مآمرة الشموس و الصواعق لبوليفار 1823 ، و التى شارك فيها الشاعر/ خوسيه ماريا إبريدا ، قائد الرومانسية الأدبية الكوبية ، و فيما بعد مؤامرة أخرى و المسماه الفيلق الكبير للعقاب الأسود و القادمة من المكسيك.
و فى تلك السنوات وجد الإتجاه الإستقلالى أساسا أيدولوجيا فى عمل الكاهن/ فليكس باريلا، أستاذ الفلسفة بالجريدة الأسبوعية سان ماركوس فى هافانا، و الذى تم إختياره نائبا لدى البلاط و إضطر الى الهروب من اسبانيا أثناء غزو " 100 الأف ابن لسان خوسيه" أعاد الحكم المطلق ، و مقيما بالولايات المتحدة الأمريكية بدء فى نشر جريدة Habanero الموجهة لنشر الفكر الإستقلالى.
و فشل إجتماع المجلس الإعلامى الذى دعت الحكومة الإستعمارية لإنعقاده فى عام 1867 بهدف مراجعة السياسة الإستعمارية فى كوبا ، بمثابة ضربة قاضية للأمال الإصلاحية التى أحبطت مرات و مرات .
أعانت تلك الأحداث على إرساء الإستقلالية المستترة بين القطاعات المتقدمة للمجتمع الكوبى مما ساعد على التواصل مع حركة واسعة تخطط للإستقلال بمناطق وسط و شرق البلاد.

تعليمية

الكفاح من أجل الإستقلال الوطنى

أندلعت الحركة الثورية فى العاشر من أكتوبر 1868 عندما ثار المحامى /كارلوس مانويل دى سيسبيديس Carlos Manuel de Cespedes من مدينة بايام bayamesو هو أحد الثوار، و الذى أعلن الإستقلال من مزرعته Demajagua ، و أطلق حرية عبيده . و بعد ذلك بقليل نجح الإنقلاب العسكرى الذى قاده ثوريون من كاماجوى Camaguey و لاس بياسLas Villas فى التأكيد على عدم رحمة رد الفعل الأسبانى.
و بينما كان الأسبان يجتمعون فوق جثث الثوريين المتطوعين ، زرعوا الرعب فى قولب الأسر الكوبية ، و هو ما تحول فيما بعد الى عاملا مؤثرا على القرارات السياسية. و زحف جييس الإحتلال نحو مدينة Bayazo ، العاصمة المتمردة ، مما أضطر الكوبيين لتركهت و لكن ليس قبل أن تحويلها إلى رماد، تعبيرا عن إرادتهم الثورية المتمردة. و فى ظل هذه الظروف الشعبة نجحت الحركة الإستقلالية فى التوحد بالتصديق فى مدينة Guaimaro على الدستور، و هو ما فتح الطريق أمام إنشاء الجمهورية الكوبية بحد السيف .
وحقق جيش التحرير الكوبى، بعد شهور من الإعداد العسكرى القاس قدرة هجومية كبيرة ظهرت واضحة فى غزوهم للمنطقة الغنية لجوانتانامو تحت قيادة الجنرال /ماكسيمو جوميث Maximo Gomez و المعارك المدهشة التى خاضوها فى سهول مدينة كاماجواىCamaguey نتيجة لفروسية القائد/ ايجناسيو ارجامونتى Ignacio Argamonte ، و لكن الزحف العسكرى الخلافات السياسية بين الثوار مما نتج عنه خلع القائد سيسبيديس Céspedes من منصبة كرئيس للجمهورية (1873) و إعاقة المساندة الهامة بالسلاح و العداد التى كان يرسلها لهم المهاجرين الكوبيين. بالإضافة الى تأثير سلبى أخر هو السياسة العدائية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية للثوار الكوبيين و التى فضلت الإلتزام بساسيتها القديمة نحو كوبا معتمدة على أن مصير كوبا يتجه دوما نحو خضوعها للسيطرة الأمريكية.
و وصلت القوة العسكرية الكوبية الى أوج ذروتها بين عامى 1874 و 1875، أولا مع حملة القائد ماكسيمو جوميثMaximo Gomez فى مدينة كاماجواى Camaguey انتصاراته فى المعارك فىLa Sacra, Palo Seco و معركة Las Guasitas حيث هزم الجيش الكوبى القوات الأسبانية المكونة من أكثر من 4 ألاف شخــص و الغـــزو اللاحـــــق لمــدينة Las Villas، من قوات الثوار Mambisas ، تحت قيادة القائد الدومينيكانى العبقرى ، و لكن بعد هذاالزحف الإستراتيجى و الهام ، نشب خللا فى القوات نتيجة للخلافات الداخلية و التى أعاقت وصول الإمدادات الحيوية للقوات الثورية الغازية، و تورطت تلك القوات دون تحقيق أهدافها فى الصوصل بالحرب الى الأراضى الغربية الغنية بالبلاد.
و تزامن إضعاف الجهود الإستقلالية مع إسترداد القوة العسكرية لأسبانيا ، بإعادة الملكية بها فى عام 1876 و هو ما وضع نهاية للإضطرابات العنيفة التى سادت الحياة على الجزيرة الكوبية بعد " الثورة المجيدة" 1868 ثم بعد ذلك إعلان الجمهورية.
و تزامن إضطراب التنسيق بين القوات و إستنزاف الساحة الثورية، مماسهل أن يقبل قطاع كبير من الحركة الإستقلالية بإقتراحات الجنرال الأسبانى /Arsenio Martinez Campos "سلام بلا إستقلال"، و وقع عليه فىZanjon عام 1878، و هو ما لم يحظى بموافقة القوات الثورية Mambisas و بخاصة الجنرال أنتونيو ماثيو Antonio Maceo، قائد القوات الشرقية و الذى برغم من أصله المتواضع إلا أنه تدرج حتى حصل على أعلى رتب جيش التحرير بفضل شجاعته و قدراته الحربية الهائلة.
و بالرغم من أن الإشتباكات الحربية الثورية لم تصمد طويلا فإن "إحتجاج Baragua" بقيادة ماثيو و قواته مجسدا القطاعات الشعبية للحركة الثورية ، أصبح الدليل الأكبر على أن الإرداة الكوبية و مواظبتها للكفاح من أجل الحصول على الإستقلال لم تنتهى.
و فى عقد 1880 ، مرت كوبا لعملية تغيرات إقتصادية و إجتماعية كبيرة . فالعبيد منهكون نتيجة لثورة 1868 و التى أنهاها الأسبان عام 1886 ، و هو ما صاحبة تغيرات كبيرة فى منظومة إنتاج السكر الكوبى ، و بدءت رؤوس الأموال الأمريكية إستثماراتها بشكل مطرد بالجزيرة فى العديد من القطاعات الإقتصادية.
و بعديا عن التطلعات الإستقلالية ، عملت البرجوازية الكوبية على إنشاء هيئتين سياسيتين و هما : الحزب اليبرالى ، و الذى سيدعى فيما بعد ب Autonomista و الذى أتخذ الإتجاه القديم بإحراز إصلاحات بالنظام الإستعمارى الأسبانى بحيث يصلوا الى شكل من أشكال الحكم الذاتى. و حزب الوحدة الدستورية ، و هو صياغة رجعية لقطاعات مهتمة بالتكامل التم مع أسبانيا. أما بفضل الإتجاه الإستقلالى ، معتمدا على قاعدة شعبية عريضة ، وبتشجيع من المهاجرين بشكل خاص إندلعت أول الإنفجارات و المسامه ب" الحرب الصغرى" عام 1879 ، و التى حملت الكوبيين من جديد الى ساحة القتال على الأراضى الشرقية و لكنها أخمدت بعد عدة شهور نتيجة لضعف التنظيم و التنسيق السياسى، و تلتها رسو دورى للقوات الثورية على الشواطئ الكوبية بالإضافة الى الإنقلابات و التىغالبا ما كانت بقيادة قادة عسكريين ممن شاركوا فى حرب " العشرة سنوات" و لكن تمت مهاجمتهم و تحويطهم من جانب السلطات الأسبانية مما نجم عنه عدم وجود إتصالات كافية بين ساحات المعارك و حركة تعتمد على تأييد جماهيرى واسع و موحد و هو الدور الذى لعبه فيما بعد خوسيه مارتى José Martí بجداره .
خوسيه مارتى(1853)،منغمسا منذ مراهقته بالفكرالإستقلالى، عان من السجن و النفى أثناء حرب العشر سنوات.
و أتاحت صلاته بالحركات الإستقلالية اللاحقة بوعى شديد، إدراك أن الثورة الكوبية يجب أن تعتمد على أسس براميجية و تنظيمية جديدة، و هى المهمة التى إنهمك فى تنفيذها بكامل مشاعره و جهوده.
و خوسيه مارتى ذو حس شعرى مرهف و مقدرة خطابية فذة، بالإضافة الى إمتلاكه فكر ذو عمق سياسى، أثراه خبرته أثناء إقامته فى اسبانيا و الولايات المتحدة و مختلف دول امريكا اللاتينية.
و تبلورت مهمته فى التوضيح و التوحيد و بخاصة فى بؤر تمركز المهاجرين الكوبيين فى الولايات المتحدة الأمريكية ، و أفكارة كانت ذات صدى كبير فى كوبا . ففى عام 1982 شكل الحزب الثورى الكوبى و المعروف الهيئة الوحيدة التى جمعت كل الإستقلالين الكوبيين ، و كان على الحزب الحصول على الوسائل المادية و البشرية من أجل تشكيله و أيضا لتقليد القادة العسكريين للسلطة السياســـــــــية الضرورية لإطلاق العنان أمام"الحرب التى لا مفر منها" .
و أندلعت الحرب فى 24 فبراير 1895، ورسى على الشواطئ الكوبية خوسيه مارتى، بمصاحبة ماكسيمو جوميث Máximo Gómez، قائد جيش التحرير و سقط مارتى قتيلا بعد الإشتباك فى Dos Rios بقليل ، و بالرغم من هذه الخسارة التى لا تعوض ، نضجت الثورة فى محافظة أورينتى Oriente حيث تولى ماثيو ، الذى وصل فى حملة قادمة من كوستا ريكا قاد القوات الثورية Mambisas و أنتشرت القوات حتى وصلت الى Camaguey, و Las Villas و وضع ممثلى جيش التحرير الذين أجتمعوا فى Jimaguayú الدستور الذى حكم العديد من الجمهوريات بحد السيف، و أختار المؤتمر أحد النبلاء و هو سلفادور سيسنيروس باتنكورت Salvador Cisneros Betancourt مواطن من كاماجواى كرئيس ، و ماكسيمو جوميث قائداعاما للجيش و أنتونيو ماثيو ، نائبا له. و بعد ذلك بقليل رحل ماثيو الى Baragua على رأس كتيبة غازية ، موحدا مع قوات جموميثأ و انتظروا فى مدينة Las Villas و هى القوات التى كان عليها الزحف نحو الغرب . و بعد المعارك الظافرة التى انتصر بها جيش الثوار فىMal tiempo, و Coliseo ، و Calimete ، توغلت القوات نحو العاصمة هافانا، متسببة فى فزع السلطات الإستعمارية ، و بوصول قوات ماثيو الى Mantua ، و هى البلدة الواقعة فى أقصى غرب البلاد ، أنجز الزحف أهدافة بنجاح و تركت الحرب أصدائها الهائلة فى كافة انحاء البلاد و التى شهد ركائز إقتصادها الرئيسية إنحدارا حادا، و لهذا لم تستطع إسبانيا أن تستخرج من كوبا الموارد الضرورية اللازمة لتمويل ما تحارب به إستقلالها.
و لمواجهة الثورة التى انتشرت بجميع انحاء البلاد ، عينت اسبانياVariano Weyler لقيادة البلاد و الذى وصل الى كوبا بمساندة إمدادات وفيرة ليشن حربا ضاريه ضد الثوار.
و بالرغم من الخسارة البشرية التى نجمت عن هذه المعركة ، فقد أعيد تجميع الفلاحين بالمدن ولم يستطع Weyler إخماد الثورة ، فقد وصلت قوات جوميث الى هافانا و قوات ماثيو الى بينار دل ريو معرضة القوات الإستعمارية للخطر.
و برغم صعوبة الظروف كانت القوات الثورية تتلقى ، و بشكل دورى ، الموارد الحربية التى يرسلها المهاجرين عبر الحزب الثورى الكوبى ، و التى الى جانب السلاح المنزوع من العدو ، اتاحت للثوار إستمراريتهم الحربية.
فى ديسمبر 1896 وقع ماثيو قتيلا فى معركة San Pedro ، و تم تعين Calixto Garcia كنائب عاب لقيادة جيش التحرير و هو عبقري أخر من قادة حرب السنوات العشر . و قرر جوميث من جانبه التركيز على أفضل القوات الأسبانية ، لتقع فريسة لحملة إستنزاف شرسة ، و تاركا للقائد جوميث الحرية و الذى قام بدوره بحملات هامة بمنطقة أورينتى Oriente و نجح فى السيطرة على معاقل محصنة فى مدينتى Tunas و Guisa . بينما فى الغرب كانت هناك وقائع أقل فى الأهمية. و فقد الإستعار الأسبانى حسن حظه .
و لاقى النجاح الثورى فى كوبا إستحسان متزايد من جانب الشعب الأمريكى ، مما جعل كلا من مجلس الشيوخ و النواب أن يتخذا فى 19 أبريل قرارا مشتركا يتيح بدوره لحكومة الولايات المتحدة التدخل فى الصراع القائم بالجزيرة الكوبية. و وفقا للقرار " يجب أن تكون كوبا حره و مستقله" و أن الولايات المتحدة ستخرج منها بمجرد وجود ضمانات على تقلد حكومة مستقرة حكم البلاد. و نتيجة للضغوط الأمريكية تخلت أسبانيا جزئيا، و منحت الحكم الذاتى لكوبا و هو إجراء و إن كان متأخرا إلا أنه لم يحقق الأمل المنشود من كل تلك الثورات.
و فى فبراير 1898 ، إنفجرت الباخرة الأمريكية العملاقة " ماينى"Maine فى ميناء هافانا ، و هو السبب الذى تزرعت به الولايات المتحدة لتحريك الرأى العام و التدخل مباشرة فى الحرب.
و برغم تأيدها رسميا الإستقلال الكوبى، دون الأعتراف بمؤسساتها، دخلت الولايات المتحدة الحرب مع أسبانيا و بمساندة القوات الثورية mambisas ، رست قواتها على شواطئ المنطقة الشرقية بكوبا. و تقدمت المعرك فى إتجاه سانتياجو دى كوبا Santiago de Cuba .
وتم محاصرة الأسطول الأسبانى فى ميناء مدينة سانتياجو دى كوبا ، و فى محاولة للخروج من هذا الحصار تعرض الأسطول الأسبانى للإبادة نظرا لتفوق القوات البحرية الأمريكية . و بعد الهجوم على الحصون الخارجية للمدينة بواسطة القوات الكوبية-الأمريكية ، قررت القيادة الأسبانية الإذعان. و بعد ذلك تم إبعاد القادة العسكريين الكوبيين تحت قيادة Calixto Garcia من حضور مراسم الإستسلام الأسبانى و يمنعون أيضا من دخول قواتهم الى المدينة. و بعد ذلك بشهور ، وفقا لإتفاقية باريس، تنقل أسبانيا كوبا للولايات المتحدة دون الآخذ فى الإعتبار المؤسسات الممثلة للشعب الكوبى.

تعليمية

إحتلال الولايات المتحدة العسكرى لكوبا 1899-1902

بتوقيع إتفاقية باريس ، يتم تحديد مصير المستعمرة الأسبانية السابقة ، و تتخلى عن كونها مستعمرة ، و لكنها فى نفس الوقت ، لم تنجح فى إنشاء الجمهورية ، و تبدأ فترة إنتقالية من خلال وجود أمريكى مباشر فى إدارة مصير الجزيرة الكوبية
بدءت الولايات المتحدة منذ الأول من يناير 1899، رسميا وضع يدها على كوبا ، و تحقق بذلك حلمها القديم ، و رسموا تحديدا لمستقبل كوبا و أعتبرت حكومة واشنطن أنه من الملائم إختفاء المؤسسات الممثلة لحركة التحرير الكوبية.
و ساهم فى تحقيق هذا الهدف الضعف و التناقضات بين الكوبيين ، و بخاصة الخلافات التى نشبت بين Maximo Gomez ، القائد العام لجيش التحرير وبين مجلس النواب ، و هو الجهة السياسية العليا للثورة. و ترجع تلك الخلافات بشكل أساسى الى الإجراءات التى اتخذت لتسريح جيش التحريرز
و كنتيجة لتلك الخلافات ، و بالإضافة الى حل الحزب الثورى الكوبى ، بقرار من رئيسه Tomas Estrada ، تفككت قوات الإستقلال و تركت دون قائد.
و اصبح الإحتلال العسكرى ، بعدما أخذ شكلا شرعيا، بعد معاهدة باريس فى 10 أكتوبر 1898 ، الإطار الذى من خلاله تطبق الولايات المتحدة سياستها نحو كوبا. و من جانب أخر، كانت الولايات المتحدة تشهد توترات قوية داخلية و خارجية بالإضافة الى ضغوط و مفاوضات داخلية حول إتخاذ القرارت الحكومية. و نجد من بين العوامل التى ساعدت على عدم الإستقرار فى كوبا ، أن إدارة مشاكل البلاد كانت فى يد قطاعات ، مهتمة ، بشكل أو بآخر، فى مصالح فردية.
و بالرغم من جهود المجموعات السلمية بالولايات المتحدة ، فإن الإتجاة الإنضمامى ، بكافة بدائلة، فتح مجالا ، إزدادا قوة، لدى المسؤولين ، و لكن بالرغم من هذا ، فإنه يجب علينا أن نبرز أنه فى كافة تلك البدائل، سيطر مفهوم إبراز لما يسمى "صبيانية" الكوبيين ، أى بمعنى أخر فإن الطفل عن بدء خطواته لا يستغنى عن ساعد أبيه القوي لكى يسنده و يحمية من السقوط المحتمل.
و أحد تلك المبادرات كان فى الشهور الأخيرة لحكم John Brooke ، و هو أول حاكم عسكرى لكوبا ، و تتمثل فى نقل السيادة الكوبية الى حكومة مدنية ، و التى ستنتقل بمقتضاها و من أول مره الى أراضى تابعة للولايات المتحدة الأمريكية .و أكتسبت هذه الفكرة قوة بين الدوائر التوسعية و وكلائها الأساسيين.
المعارضة التاريخية لهذه الأطروحه ، و بخاصة رفض الشعب الكوبى لها،ساعد على أن يضع الحاكم الجديد السيد/ Leonard Wood فكرة " أمركة" الجزيرة الكوبية ، عبر إحتلال طويل المدى.
و لاقت هذه الفكرة عائقين هامين ، الأول : مشروع إصلاحى متسع و يتضمن فحواه تغيير المجتمع الكوبى ( المدارس، النظام الصحى، النظام القضائى، النظام الحكومى، البلديات، إلخ… ) و العائق الثانى هو تشجيع الهجرة و بخاصة لمن هم ذو أصول أنجلوساكسونيه، بهدف تحقيق إستعمار تدريجى ، يتيح توغل طابع المجتمع الأمريكى بالبلاد.
و بلا شك ، فإن أى من تلك المشاريع كان يهدف الى تحسين الهياكل المتهالكة للمستعمرة الأسبانية السابقة " كوبا" عبر مراحل إنتقالية نحو الإستقلال ، و إنما كان الإهتمام منصبا على إتاحة الظروف لتشجيع " سوق الأرض" و الذى بمقتضاه يتم تيسيير نقل الملكيات الى أيدى السياسيين و الأعيان الأمريكان . وفى تلك الأثناء ، فإن ندرة رؤوس الأموال و مصادر القروض لأصحاب الأراضى من الكوبيين ، جعلهم فى وضع ضعف بحيث لم يستطيعوا إدارة مشاريعهم و بخاصة المرتبطة بقطب هام و هو السكر الذى تضرر كثيرا من جراء الحروب.
و مع ذلك إزدادت الحاجة يوما بعد يوم لإجراء تغيير سياسى، فمنذ عام 1899 ، بدءت مناقشة إمكانية إعداد الساحة للضم ، ليس عبر الإحتلال العسكرى المباشر الممتد ، و إنما عبر إنشاء جمهورية ، تحت شروط محددة ، و عدم قدرة الكوبيين لحكم أنفسهم ، أسرعت من طلبهم الإنضمام الى الجارة القوية .
و أول حجر فى تأسيس المبنى كان إملاء الأوامر من خلال الدعوة الى إنعقاد جمعية تأسيسية كوبيه ، وفقا للقانون العسكرى رقم 301 بتاريخ 25 يوليو 1900. و وفقا لما هو معروض فعلى الجمعية كتابة الدستور و تبنيه و كجزؤء من الإتفاق ، الجانب المتعلق بالعلاقات بين كلا الحكومتين الأمريكية و الكوبية . فى خضم عمل اللجنة الكوبية المخولة بإعطاء تقرير حول العلاقات المستقبلية بين كوبا و الولايات المتحدة ، أقر الكونجرس الأمريكى قانون " تعديل بلات" و الذى بمقتضاه تُمنَح حكومة الولايات المتحدة الحق فى التدخل فى الشؤون الداخلية بكوبا كلما إقتضت الضرورة ذلك.
و بالرغم من معارضة إعضاء الجمعية التأسيسية ، فإن الضغط الأمريكى ، الذى وضع الكوبيين أمام الإختيار بين الحصول على الجمهورية و معها قانون بلات الذى يحد من إستقلال البلاد أو إستمرار الإحتلال الأمريكى . و بالتالى نجحت الولايات المتحدة فى أن يبقى القانون الى الأبد بعدما صدق عليه الكوبيين فى 12 يونيو 1901 .
تعارضت حالة الجمود و العجز للوطنين السياسيين البرجوازيين لمواجهة النظام العسكرى – و الذى ضموا اليه بعض هؤلاء الوطنين مع كفاح القطاعات الشعبية ، و بخاصة جيل الشباب الذى إنضم حديثا للحياة السياسية.
و من بين صفوفة ظهرت حركة من نوع جديد بقيادة فيديل كاستر (Biram1926 ) و هو محامى شاب بدأت نشاطاته السياسية الولى فى الجامعة و داخل صفوف الأرثوزكس و كرس فيديل كاسترو نفسه للإعداد بثيات و صمت للمعركة.
و إنطلقت تلك الأحداث يوم 26 يوليو 1953 ، بهجومين متزامنين : الأول على معسكر مونكادا ، بمدينة سانتياجو دى كوبا و الثانى على معسكر كارلوس مانيول دى سيسبيديس، فى بايامو و المعروفين بأنهم فجرا ثورة شعبية شاسعة.
و بفشل الهجوم تم إغتيال عشرات الأشخاص الذين تم إعتقالهم أثناء تلك العملية، أما الأحياء منهم فتمت محاكمتهم و إدانتهم بأحكام عديدة بالسجن ، و فى المحاكمة ألقى الشاب و القائد الثورى مرافعة دفاع معروفة بأسم " سيبرئنى التاريخ" و التى أرسى بها حق الشعب الكوبى فى ا لتمر د على الظلم و شرح بها أسباب و طرق و أهداف الكفاح الذى بدأه و أصبحت المرافعة فيما بعد هى نفسها برنامج عمل الثورة.
فى تلك الأثناء، كان الديكتاتور يواجهة موقفا حرجا نشأ نتيجة لإنخاض أسعار السكر ، و مع الصيغة الثابتة بخفض الإنتاج ، و المقاومة الكبيرة بالبلاد بدأت الحكومة تعبئة إجبارية للموارد المالية و التى انتهت فى خائن وكلاء النظام الحاكم ، و بالرغم من التشجيع على زراعة منتجات جديدة فى العقدين التاليين.
إلا أن الإقتصاد الكوبى، معتمدا على زراعة السكر ، لم يحقق نموا ملحوظا، و الدليل الواضح هو الأعداد الكبيرة من العاطلين و الذين وصل عددهم ، فى منتصف الخمسينات الى ثلث القوى العاملة بالبلاد.
و فى محاولة من الديكتاتور باتستا فى إعطاء صيغة شرعية لوضعة بالبلاد ، من خلال إنتخابات مزيفه فى عام 1954 ، و التى خدمت فقط فى تهدئة السخط و الحنق اللذان سادا البلاد. و خدمت الظروف الحركة الشعبية و التى أستخدمته فى هام 1955 للظهور للساحة السياسية و لكى تحصل على العفو عن السجناء السياسيين ، و من بينهم الذين هاجموا على معسكر مونكادا.
و نشبت بالبلاد إضرابات عمالية ضخمة و بخاصة بين العاملين فى مجال السكر ، و فى ذلك العام تم تأسيس الحركة الثورية 26 يوليو و تحت قيادة فيديل كاسترو و رفاقة ، و بعد ذلك التاريخ بعام واحد ، تم إنشا التنظيم الثورى و الذى جذب عناصر حربية من طلاب الجامعات.
و شكلت سياسة الترقيات الخاطئة و محاباة الأقارب و التملق و الزيف و نقص الإعداد الفنى و المهنى لبعض كبارالقادة و الضباط بالجيش عنصرا هاما لكى تتخذ مجموعة من الضباط ذو الإعداد الأكاديميى قراراهم بالتآمر من اجل الوصول الى تحسين أداء المؤسسة العسكرية ( الجيش) . و أطلق هؤلاء الضباط على أنفسهم أسم " الأنقياء" (Puros) . و تركز عملهم فى معسكر كولومبيا و حصن La Cabana، و بالمدارس العسكرية و من بين هؤلاء القادة يبرز : Jose Ramon Fernandez Jose Orihuela، Enrique Boranet ، Ramon Borquin، Manuel Varela Castro، و أخرون و ادت وشاية عنهم لإعتقالهم جميعا و إحباط محاولة لإثارة الفتنة بالبلاد.
حدث أخر أقلق نظام الديكاتور باتيستا، و هو الهجوم على معسكر Domingo Goicuria فى يوم 29 أبريل 1956 ،عندما شن ما يقرب من 50 رجلا فى حوالى الساعه الثانية عشر هجوما على المعسكر و حاولوا احتلاله. و كان غالبية هؤلاء المحاربين من العسكريين من منظمة Autentica و تحت قيادة Reinold Garcia و نتيجة هذا الهجوم كان فشلا ذريعا مدويا لأنهم كانوا فى إنتظارهم و كانت النتيجة موت 17 رجلا و لا إصابات ، و لم يمت أى من رجال الجيش، و هذا المعسكر كان مقر الفرقة الرابعة عشر للحرس بمدينة ماتانساس.
و هو ما يعد عنصرا هاما لتقييم أجهزة المخابرات و القمع، و التى عملت بقوة أكبر و بخاصة من أجل إحلال المجموعات المتأمرة المنتمية الى منظمة Autentica الأصليين و يحييدهم و عدم التقليل من خطورتهم.
و بعد إكتشاف مدى صعوبة الكفاح الشرعى ضد الديكتاتور باتستا، قرر فيديل كاسترو السفر الى المكسيك بهدف تنظيم حملة تحرير و شب حرب ثورية .
و من جانب أخر ، جربت الأحزاب البرجوازية المعارضة بدء مناورة جديدة للتصالح مع باتستا للبحث عن مخرج " سياسي" للوضع بالبلاد. و أنتهى فشلهم بإغراقهم فى فقدان ثقة الشعب بهم .
فى يوم 2 ديسمبر 1956 ، هبط فيديل كاستر على متن اليخت جرانما فى مدينة Coloradas بمحافظة أورينتى Oriente
رسو المشاركون بالحملة من على اليخت جرانما ، أعطى إشارة البدء لحرب الحصابات فى منطقة الجبال فى الثانى من ديسمبر 1956.
و قبل ذلك التاريخ بقليل ، قام المحاربين السريين بحركة 26 يوليو تحت قيادة Frank Pais، بالإضراب لتأييد رسو اليخت.
و بعد الكارثة التى حدثت فى Alegria de Pio و التى شتت المشاركين بالحملة ، نجح فيديل كاسترو و مجموعة من رفاقة بإكتساب تأييد المنطقة الجبلية ب Sierra Maestra بهدف تشكيل النواة الرئيسية للجيش الثورى ، و الذى نتج عنه، و بعد مرور شهر الإستيلاء على المعسكر الصغير المسمى La Plata و هو ما ساهم فى تكذيب الرواية الملفقة بأن باتيستا أقترب من القضاء على المشاركين بالحملة .
فى عام 1957 ، و كان جيش التحرير يقوم ببعض المعارك فى الجبال، من أهمها نجد معركة El Uvero ، أما فى المدن فقد كان هناك صراعا سريا قويا ، ففى يوم 13 مارس من نفس العام ، قامت فصيلة من التنظيم الثورى بالهجوم على القصر الرئاسى بهافانا بهدف القضاء على الديكتاتور ، و لكنها باءت بالفشل، و فى هذا الهجوم وقع Jose Antonio Echeverria ، رئيس اتحاد الطلبة الجامعيين صريعا و كرد فقعل للديكتاتور أمام تلك الهجمات و الأفعال التخريبية ، قام بتشديد التعذيب للمعتقلين و بعاصفة من الأعمال الإجرامية .
و فى شهر يوليو ، تسبب مقتل Frank Pais قى حدوث إضراب تلقائى ، أدى الى إحداث شلل بجانب كبير من البلاد. و بعد ذلك بقليل ، فى شهر سبتمبر أظهر انقلابا عسكريا بالقاعدة البحرية بمدينة Cienfuegos مدى عمق الإنشقاقات داخل القوات المسلحة . و فى نهاية العام فشل الهجوم الذى شنه جيش باتستا على جبال سييرا مايسترا ، حيث عززت القوات الثورية بلوائين .
و فى بدايات عام 1958 ، قررت الحركة الثورية الإسراع من إسقاط الديكتاتور عبر إضراب عام ذو طابع ثورى.
و فى جبال سييرا مايسترا،أنشأ فيديل كاستروا لوائين أخرين تحت قيادة القائدين Raul Castro و Juan Almeida على التوالى. و كان عليهما فتح واجهتين حربيتين فى منطقتين جبليتين بمدينة أورينتى.
و إنتهى الإضراب الذى تمت الدعوة له يوم 9 ابريل بخسائر فادحة للقوات الثورية، و إعتقد باتستا أنه قد حانت اللحظة للقضاء على التمرد ، و فى الصيف شن هجوما من 10 أفراد الى جبال سييرا مايسترا.
و ضعت إستراتيجية الجيش الثورى نهاية للديكتاتور باتستا.
و هزمت القوات الثورية فى معارك شارسة فى كل من : Santo Domingo ، El Jigue ، Vegas de Jibacoa ، و معارك أخرى ، كتائب الديكتاتور باتستا التى توغلت فى Sierra Maestra و أجبرتها على الإنسحاب.
و دارت الدائرة ، و أسرعت أحزاب المعارضة البرجوازية و التى حاولت أصباغ الثورة الشعبية بصبغة رسأمالية فى الإعتراف بالقيادة الحتمية لفيديل كايترو.
و رحلت الكتائب الثورية نحو أماكن مختلفة بالأراضى الكوبية ، من بينهالواء القائد Ernesto Che Guevara ، و القائد Camilo Cienfuegos الذين تقدما نحو محافظة Las Villas ، و فى تلك المناطق كانت توجد مجموعات ثورية محاربة تابعة للحزب الإشتراكى الشعبى ( الشيوعى) . و فى 20 نوفمبر قاد القائد الأعلى للقوات الثورية فيديل كاسترو شخصيا معركةGuisa و التى سجلت بدء الهجوم الثورى الحاسم.
الجيش الثورى و الشعب : الوحدة و العمل
فى خطوات متناسقة بدء اللواء الثانى و الثالث و هما الجبهة الشرقية بالإستيلاء على القرى من أجل إحكم الحصار حول مدينة سانتياجو دى كوبا Santiago de Cuba و أنتقل جيفارا فى مدينة لا بيياس من قرية الى قرية على امتداد الطريق المركزى و هجم على مدينة سانتا كلارا Santa Clara عاصمة المحافظة، و من جانب أخر خضع، و بعد عناء كبير معسكر مدينة Juaguayaj كاميلو سيين فويجوس Camilo Cien Fuegos .
و فى الأول من يناير 1959 ، رحل باتستا عن البلاد ، و فى مناورة أخيرة ، و بمباركة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية ، حاول اللواء Eulogio Cantilla إنشاء مجلس مدنى-عسكرى .
و هدد فيديل كاسترو حامية مدينة Santiago de Cuba بإخضاعها و ساد الإضراب العام كافة أنحائ البلاد تأكيدا على تأييد الشعب لإنتصار الثورة.
بمجرد تولى الحكومة الثورية السلطة ، بدأت مرحلة من إحلال النظام السياسي الإستعمارى ، و أحلت الأجهزة القمعية و ضمنت للمواطنين و لأول مرة منذ سنوات طويلة، ممارسة حقوقهم كاملة . و تم إصلاح الإدارة العامة بالبلاد و مصادرة الخيرات المسلوبة ، و بهذه الطريقة تم القضاء على الممارسات المخزية للحياة الجمهورية ، ثم بعد ذلك محاكمة و معاقبة المجرمين الذين شاركوا فى الحرب التى شنها الديكتاتور /باتستا . و حلت الإدارة الفاسدة للحركة العمالية و كذلك الأحزاب السياسية التى ساندت الديكتاتورية.
و أصبح تعيين القائد العام /فيديل كاسترو، كرئيسا للوزراء ، فى شهر فبراير 1959 ، بداية للإسراع فى العديد من الإجراءات من أجل المصلحة الشعبية، حيث تمت الموافقة على التخفيض العام للإيجارات ، و الشواطئ التى كانت ملكية خاصة قبل الثورة تم فتحها أمام الجمهور للتمتع بها ، و حلت كذلك الشركات التى كانت تحتكر الخدمات العامة.




تاريخ كندا ( من الأكتشاف حتى الأستقلال )

من المرجح ان يكون سكان كندا الاوائل قد قدموا من أسيا . في الوقت الذي كانت فيه سيبريا ما زالت متصلة بألاسكا . وبالرغم من أنهم يعرفون بالهنود الحمر الا أنهم في الواقع ليسوا هنودا علي الاطلاق . والسبب في أطلاق هذا الاسم عليهم هو أن من وصل الي كندا من المكتشفين الاوربيين الاوائل. ظنوا أنهم قد أكتشفوا جزر الهند الغربية .

والهنود الكنديون قريبو الشبه في الواقع بالمنغوليين الذين يقطنون شمال شرق أسيا . ولقد أعتادوا حياة التجوال . يعيشون علي القنص وصيد السمك . لكن الوقت ما لبث أن حان ليبدأوا في الاستقرار . ، وعلي الأخص في الارض الخصبة المحيطة (بالبحيرات الكبري) ومن ثم أخذوا يفلحون الأرض . وكانت (الايروكويس) واحده من أقوي جماعاتهم ، واليوم يحيا الهنود أساسا في أماكن وقفا عليهم.

تعليمية

فرنسا الجديدة

هذا هو الاسم الذي أطلق علي المواقع التي أستقر بها الفرنسييون في كندا ، ولقد أعتمد المستوطنون في معاشهم علي تجارة الفراء يتداولونها مع الأصدقاء من هنود (الهورن ) لكن حربا ضروسا نشبت عام 1648 مع هنود (الايرو كويس) _ تلك الحرب التي ابيد فيها معظم الهورن و معهم الكثير من الارساليات الفرنسيه . ولقد كان من المحتمل ان تمحي (فرنسا الجديدة) كلية ، ولكن حكومة لويس الرابع عشر قررت عام 1663 أقامة حكومة ملكية هناك . بيد ان فرنسا الجديدة لم تزدهر مع ذلك بسرعة كبيرة ، فقلة من الفرنسيين هم الذين كانوا يرغبون في الرحيل للأستقرار في كندا ، والكثير من اولئك الذين أقدموا علي ذلك (من الفرنسيين المضطهدين لأعتناق البروستانتيه ) لم يسمح لهم بالرحيل.

تعليمية

المكتشفون الأول

كان (الفايكنج ) هم أول من وطأت أقدامهم أرض كندا من الأوربيين ، فمنذ حوالي 1000 عام جنحت أحدي سفن الفايكنج عن مسارها ، وبدا لها شاطىء القارة المجهولة . ومن المعتقد أن الأسكندنافيين بقيادة قائدهم (ليف ايركسون ) استقروا في البلاد . واذ كان هؤلاء لم يعودوا الي وطنهم ، فقد ظل الاوربيين علي جهلهم بالقارة الامريكيه طوال 400 عام أخري ، وأستمر الأمر كذلك حتي سنة 1479 عندما أقلع الملاحان الايطاليان جون وسباستيان كابوت _ اللذان كانا في خدمة هنري السادس ملك أنجلترا – من برستول وأكتشفا نيو فونلاند . وكتب كابوت (يغطي السمك البحر هناك ويمكن صيده ليس بالشباك وحدها بل وبالسلال أيضا ) ثم اعلن ضم (نيوفوندلاند ) وما يعرف الأن ب (نوفاسكوشيا ) الي ملكه.

تعليمية

المكتشفون الفرنسييون

ومنذ ذلك الحين دأبت العديد من الأمم الأوربية علي أيفاد البعثات لأستكشاف كندا ، وأعلان حقهم في أمتلاك الأرض ، وكان الفرنسيون سباقين في هذا المجال، فقد تتبع المكتشف العظيم (جاك كارتييه) نهر سانت لورانس من منبعه وسط اليابسه الي البحيرات العظمي ، وحذا (صمويل دي شامبلين)حذوه من بعده . وتم تأسيس مدينة (كويبك ) عام 1608 و ( مونتريال ) عام 1642 . وفي سنة 1683 نظم أعظم المكتشفين الفرنسيين _ لاسال_ بعثة سلكت مسار المسيسيبي منحدرة الي خليج المكسيك وأعلنت أن الارض كلها ملك فرنسا .

تعليمية

الحرب بين الفرنسيين والانجليز

بالرغم من استقرار الانجليز اساسا علي طول ساحل الاطلسي بعيدا في الجنوب ، الا ان كندا كانت تستهويهم كذلك . وفي عام 1670 اسس الامير روبرت ومعه 17 من سادة الانجليز (شركة خليج هدسون) وهكذا أخذ الفرنسييون والانجليز يتنافسون أنذاك للسيطرة علي تجارة الفراء . وفي 1713 وبمقتضي معاهدة ( أترخت) كان علي فرنسا ان تتخلي عن (نيوفوندلاند ) و (نوفاسكوشيا) وعلي أثر ذلك بذل الفرنسيون جهدا عظيما لتدعيم مركزهم ، فقد شيدوا (لويزيانا ) في الجنوب ، وبنوا خطا من الحصون يربطها بفرنسا الجديدة ويحف بالمستعمرات الانجليزية علي الساحل .

وبلغت الأمور ذروتها في حرب السنوات السبع (1756-1763) اذ ساءت حال الانجليز في بادىء الامر ، وحلت كارثة بالحملة المكلفة بالأستيلاء علي حصن ديوكسين الفرنسي . لكن الدوائر دارت بعدئذ ، اذ أشرف علي الحرب بعد ذلك واحد من أعظم وزراء الحرب البريطانيين هو (ويليام بيكيت ) الكبير . ولقد تم الاستيلاء علي عدد من الحصون الفرنسية ، ثم بضربة ذكية أقتحم الجنرال وولف (كويبك) . وبناء علي (صلح باريس) أصبحت كندا كلها بريطانية ، مع أن قيمتها الأقتصادية كانت في ذلك الحين بالغة الضألة ، حتي أن الكثير من الناس تمنوا لو أن بريطانيا أحتفظت بجزيرة ( جواديلوب) بدلا من كندا .

تعليمية

مستعمرة بريطانية

بعد حرب السنوات السبع عاملت بريطانيا مستعمراتها الجديدة معاملة كريمة ، فلم تحاول قط التدخل في ديانة المستوطنين الفرنسيين أو عاداتهم ، وسمح لهم بالأحتفاظ بقوانينهم الخاصة ، كما أن الكنيسة الرومانية الكاثولوكية عوملت بأحترام . ونتيجة لذلك فأنه بعد حوالي 10 أعوام عندما أندلعت الثورة الأمريكية لم يكن للكنديين شأن بالمتمردين الأمريكان ، بل لقد قاوموا بشراسة غزو بلادهم . وفي نهاية الحرب عندما حصل الأمريكان علي الاستقلال ، لجأ حوالي 40000 أمريكي الي كندا ممن رفضوا الأنضمام الي الثورة – أولئك كانوا المواليين للامبراطورية المتحدة والذين أثروا البقاء في الامبراطورية البريطانية ، وهكذا استقر بهم المقام في (نيوبرنزويك) و(كويبك ) و (اونتاريو) .

وفي الاعوام من 1793-1815 ، عندما أشتبكت بريطانيا في صراع حياة او موت مع نابليون ، لم تبدر من الكنديين الفرنسيين بادرة لمعاونة فرنسا . كان السلام يسود البلاد ، وتم حينئذ أكتشافات كثيرة للأرض المجهولة في الشمال والغرب ، فقد أنطلق الرجال ذوو القلانس من الفراء ، في زوارقهم الصغيرة يرودون الشمال المتجمد ، وكان ( ألكسندر ماكنزي) واحدا منهم ، وهو أسكتلندي من سكان الجبال ، فقد شق بزورقه الطريق في نهر كبير مجهول ، أطلق عليه أسمه فيما بعد ، فقاده ذلك النهر الي المحيط المتجمد الشكالي . وبعد ذلك بأربعة أعوام ، وفي نهاية رحلة كلها (عناء لايوصف) وصل الي المحيط الهادي – وبذلك كان أزل رجل ابيض يعبر القارة من ساحل الي أخر . كما قام أسكتلندي اخر هو اللورد سيلكرك بتشييد مستعمرة في وادي ( النهر الاحمر ) بالقرب من موقع مدينة (وينيبج) الحديثة.

تعليمية

كندا من الدومنيون

بالرغم من ان كندا ظلت علي ولائها لبريطانيا أثناء الحرب النابليونيه ، الا أنه كان من المحتم الا تظل راضية ببقائها مستعمرة بريطانيه علي رأسها حاكم ومجلس تعينه لندن ، فمن الطبيعي ان يهفو الكنديين الي حكم انفسهم والي السيطرة علي بلادهم .. ودار حديث الثورة ، وفي 1837 أندلعت الثورة التي سرعان ما قضي عليها المتطوعون الموالون وقوات المليشيا . لكن التوتر والتبرم ظلا كما هما .

وقد ادركت الحكومة البريطانية أن من الواجب صنع شيئا ما . وأرسل نبيل مشهور من حزب الأحرار هو ( ايرل دورهام ) حاكما لكندا مزودا بالاوامر لكتابة تقرير عن الوضع فيها و اسداء النصح فيما يجب ان يكون عليه مستقبل البلاد . وكانت نتيجة تقرير (دورهام) الشهير أن أوصي بوجوب حصول كندا علي الحكم الذاتي الكامل الي حد بعيد ، وكان ذلك فكرة ثورية انذاك ، فلم يسمع أحد أبدا عن مستعمرة سمح لها بأن تحكم نفسها.

وعلي اية حال فقد وافقت الحكومة البريطانية علي ذلك ، وفي 1841 أصبحت كندا حرة في أختيار حكومتها الخاصة ، فقد كان تقرير ( دورهام ) ذا أهمية حيوية فلولاه لكانت كندا ستنفصل غالبا كما فعلت المستعمرات الأمريكية .

ولقد أصبحت كندا بحق عضوا في الدومنيون البريطاني عام 1867 . ففي ذلك العام وافق كويبك و أونتاريو و نوفاسكوشيا ونيوبرنزويك والتي كانت منفصلة تماما حتي ذلك الحين – وافقت علي أقامة أتحاد كونفدرالي ، بمعني أنها ستحتفظ بقوانينها المحلية ومجالسها الأقليمية ، ولكن سيكون ثمة مجلس نيابي أتحادي له الكلمة العليا في جميع الشئون الهامة مثل الشئون الخارجية .

تعليمية

الاستقلال التام

في العوام التي تلت الاتحاد ، أشترت كندا الأقليم الشمالي الغربي من شركة خليج هدسون ومنها كونت مقاطعات البراري : مانيتوبا ، و ساسكاتشوان ، والبرتا . وفي 1871 انضمت كولمبيا البريطانية الي الاتحاد . وقد تم أنشاء الخط الحديدي الباسفيكي الكبير في 1885 ، وكان ذلك مأثرة هندسية رائعة عاونت علي أن تخلق من كندا بلاد متحدة بربط ما بين ساحل الأطلسي وساحل الباسفيكي.

وبالرغم من أن كندا أصبحت حينئذ مستقلة الي أنها سارعت الي معونة بريطانيا في حرب البوير وفي الحرب العالمية الاولي ، أذ أرسلت الي أوربا في الحرب العالمية الأولي جيشا من نصف مليون رجل أحرزوا نصرا مؤزرا في (فيمي ريدج) وغيرها من المعارك في فرنسا . وفي 1931 قرر دستور وستمنستر أن كندا وغيرها من دول الدومننيون ليست مستقلة أستقلالا تاما فحسب ، ولكنها مع بريطانيا أعضاء علي قدم المساواة في الكومنولث . وفي الحرب العالمية الثانية حاربت كندا مرة أخري الي جوار بريطانيا منذ البداية حتي النهاية .




تاريخ الولايات المتحدة الأمريكيه القديم

الولايات المتحدة الأمريكية هى دولة في أمريكا الشمالية إلى الشمال من المكسيك وإلى الجنوب من كندا، هي ثالث دول العالم من حيث عدد السكان، وهي أعظم وأقوى دولة في العالم، ويعتمد اقتصاد العالم بشكل كبير جداً عليها، فهي الصانع الرئيسي للتكنولوجيا بشكل عام وتكنولوجيا المعلومات IT بشكل خاص.

تعليمية

قبل الاستعمار

عاش الهنود الأمريكيون في قارة أمريكا منذ 10000 سنة، وكوّنوا ثقافات وشعوب عديدة، فلاحون أو صيادون حسب المكان الذي عاشوا فيه. وصل كولمبس إلى جزر بهاما. ولم يكن أول إنسان يصل إلى أمريكا ولا أول من وصل إليها عن طريق المحيط الأطلسي، فقد وصل الفايكينغ قبله إلى شاطئ كندا على الأقل. لكنه كان أول من أنشأ ارتباطات دائمة بين أمريكا والقارات الأخرى، فتبعه آلاف الأوربيين، جنود وتجار وأساقفة وأشخاص عاديون، حتى تغير شكل القارة كلها كما ساعدت الأمراض في الإنتصار على السكان الأصليين، فلم يكن لسكان أمريكا الأصليين أي مناعة ضد أمراض و أسلحة أوروبا العديدة.

تعليمية

مستعمرة فيرجينيا

في القرن السادس عشر لم يستعمر أي من الدول الأوربية شمال أمريكا بشكل كبير، بل سافر إلى هناك صيادو السمك من أجل الصيد فقط وليس للسكنى، إلا في فلوريدا، فقدأسس الإسبان بعض البروج فيها بعد عام 1513. وحاول البعض أن يأسسوا مدن جديدة في شمال أمريكا، لكن أول من نجح كان الإنجليز في تأسيس مسكن على شاطئ ولاية فرجينيا الحالية عام 1607، وسميت "جيمزتاون".

في أمريكا الجنوبية والوسطى أكتشف الإسبان كميات ضخمة من الذهب، وأنتشر الخبر في كل أوروبا. فمعظم مستعمري جيمزتاون توقعوا الشيء نفسه وأخذوا يبحثون عن الذهب طوال اليوم وتوقفوا عن أي عمل آخر. وشهد العام 1607 مجاعة عظيمة حتى عند الهنود الأمريكيين، فهلك ثلثهم وعاش الآخرون بسبب قيادة شخص يسمى جون سميث، أمرهم بالعمل الدائم وعاقب من لم يطعه، وحالف قبيلة الأمير الهندي الأمريكي "باوهاتان" فساعدوه في البحث عن المأكولات وكان قوله المشهور: "من لايعمل لايأكل".

لم يجدوا الذهب، لكن عام 1612 وجدوا زراعة التبغ وهي نبتة أمريكية أصلا كان الهنود الأمريكيون يدخنوها منذ قرون لكن التدخين أنتشر في أوروبا بسرعة، وحقق المتاجرون به أرباحا كبيرة. وكانت زراعة التبغ تحتاج إلى أيد عاملة كثيرة، وكان عدد المستعمرين قليل، فبدأوا باستيراد العمال ومن ثم العبيد السود، مثل ما فعل ملتزموا بحر الكاريب.

كانت الأرض واسعة في فرجينيا وزراعة التبغ تحتاج إلى مساحة كبيرة، فابتعد المستعمرون عن بعضهم البعض، والواحد قد يسكن مع عبيده أو خدمه على بعد أميال من جاره. ولم يكن معظمهم يهتمون بالدين، فلهذه الأسباب لم يكن المجتمع مترابطا إلا قليلا. وفي المسكن الثاني في شمال أمريكا وهي نيو انغلاند كان العكس تماما.

تعليمية

مستعمرة نيو إنجلاند

في القرن السادس عشر كانت هناك مشاكل كبيرة في إنجلترا بين المتشددين وباقي الفئات، فأراد المتشددون أن يغيروا قانون الدولة لمنع كل مايخالف الدين، ويبعد الكاثوليك عن الحكومة. وكانوا أيضا ضد الملك، أولا لأنه لم يكن متشددا وثانيا لأنهم اعتبروا كل المؤمنين المسيحيين متساوين أمام الله. وخسروا في نهاية الحرب الأهلية الإنجليزية، فقرر البعض أن يطبقوا قانونهم الديني في بلاد بعيد، فذهبوا إلى أمريكا. أول من ذهب كانوا من طائفة "الحجاج" (Pilgrims) ووصلوا إلى ولاية ماساتشوستس عام 1620 وبنوا قرية "بليموث". لم تكفيهم المأكولات التي أخذوها معهم، لكن ساعدهم الهنود الأمريكيون (وخاصة الرجل المسمى "سكوانتو") فعاشوا، وفي الخريف وجدوا حصادهم كبيرا، فأقاموا عيدا مع الهنود الأمريكين ليشكروا الله على الحصاد، وكان هذا أصل العيد الأمريكي عيد الشكر (Thanksgiving) ومعناه تقديم الشكر.

تعليمية

عوامل قيام الثورة الأمريكية

الضرائب: حيث شكلت الضرائب المفروضة على المستعمرات سبباً مباشراً لاشتعال الثورة الأمريكية، إذ تمسكت الحكومة الإنجليزية بحقها في فرض الضرائب على مستعمراتها بهدف زيادة دخل الخزينة، وأهم هذه الضرائب: ضريبة السكر وضريبة الدمغة (الطوابع)، لأن الأمريكيين كانوا يرون أنهم غير ملزمين بدفع أية ضريبة لم يشاركوا في إقرارها عن طريق مجالسهم المنتخبة.
حرب السنين السبع بين بريطانيا وفرنسا(1756-1763م)
في عام 1765م أجاز البرلمان البريطاني قانون الطابع وفرض الضرائب الذي يلزم المستعمرات بشراء الطوابع لتكون ضريبة على المطبوعات. وقد قام أحد الرسامين في المستعمرات برسم جمجمة وعظمتين متقاطعتين رمز الموت إلى اليمين، تعبيرًا عن احتجاجه على ذلك القانون. وأثارت هذه التغييرات ردود فعل غاضبة لدى المستعمرين الذين عارضوها بشدة ورددوا شعار "فرض الضرائب دون تمثيل يُعَدُّ طغيانًا".

تعليمية

حرب الإستقلال

تعليمية
حرب الإستقلال

ولم يستمر الوفاق بين الأمريكيين والبريطانيين طويلاً فقد صدرت قوانين بريطانية جديدة تثير الغضب والإستياء لدى الامريكيين إلى درجة أن بريطانيا أرسلت قواتها إلى كل من بوسطن ونيويورك حيث قتلوا بعض المواطنين فيما سُمي بمذبحة بوسطن التي رد عليها الأمريكيون بالإحتجاج المعروف "ببوسطن تي بارتي". فعاقبت بريطانيا المتمردين بإغلاق ميناء بوسطن وزيادة سلطة الحاكم البريطاني وإجبار المستعمرين على إيواء وإطعام البريطانيين. ورد المستعمرون بتشكيل المجلس القاري الأول بفيلادلفيا والذي يضم 13 مستعمرة والذي أجبر بريطانيا على سحب القوانين القسرية. وفي يوليو 1776م أعلن المجلس القاري الرابع الإستقلال عن بريطانيا مكونا الولايات المتحدة الأمريكية واستمرت بعد ذلك الحرب الطاحنة بين أمريكا وبريطانيا حتى انتصر الأمريكان في 1781م في معركة يوركتاون بفرجينيا. ثم وقَّع الطرفان معاهدة فرساي في 1783م وكانت بمثابة إعلان بنهاية الثورة الأمريكية. وفي عام 1787 وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاقية دستور البلاد التي تم التصديق عليها في سنة 1788م.

في عام 1803 قامت الولايات المتحدة بشراء مقاطعة لويزيانا من فرنسا، وبلغت مساحة الأراضي المشتراة في تلك الصفقة حوالي 2،144،476 كلم مربع وبلغت تكلفة الصفقة 15 مليون دولار أو مايعادل في 390 بليون دولار في عام 2022. مقاطعة لويزيانا الفرنسية كانت أكبر بكثير من ولاية لويزيانا الحالية، الأراضي المشتراة تشمل على كل أو أجزاء أرض من الولايات التالية: أركنساس، ميسوري، آيوا، مينيسوتا، داكوتا الشمالية، داكوتا الجنوبية، نبراسكا، نيومكسيكو، تكساس، أوكلاهوما، كانساس، مونتانا، وايومنغ، وكولورادو. المساحة المشتراة تعادل 22.3% من مساحة الولايات المتحدة الحالية. كانت الصفقة حدثا مهما في حياة توماس جفرسون الرئاسية وكانت قد لقيت معارضة داخلية حيث اعتبرها البعض غير قانونية.

وقعت الاتفاقية في 30 ابريل 1803 وتمت المصادقة عليها في الولايات المتحدة في 20 أكتوبر من نفس العام. عند اكتمال الصفقة أصدر الكونجرس قوانين تسمح بمقتضاها للرئيس الأمريكي بفرض الحكم العسكري على المقاطعة حتى يتم إنشاء حكومة مدنية وأعطته الصلاحية لإرسال بعثات لرسم الخرائط والإستكشاف مما أدى إلى ما صار يعرف لاحقا برحلة لويس وكلارك الاستكشافية.

تعليمية

بعد الشراء والتوسع غربا

بدأ الامريكيون في التوسع غربا واستكشاف مناطق جديدة وقد ساهم في ذلك الإعتقاد الشائع لدى المواطنين أن الجمهورية مقدر لها أن تتسع غربا وأن ذلك واجب وطني عليهم. هذا الإعتقاد وضع حد له في حرب عام 1812 غير أنه عاد وعزز بعد الإنتصار في الحرب المكسيكية الامريكية في عام 1848. خلال عملية التوسع تلك، قامت الحكومة الفدرالية بتهجير وإعادة تسكين غالبية السكان من الهنود الامريكيين. في أثناء التوسع كان النقاش محتدما حول ما إذا كان يجب السماح بالرق في المقاطعات الجديدة أم لا.

تعليمية

حرب 1812

حرب 1812 هي حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة و المملكة المتحدة و أيرلندا ومستعمراتها في أمريكا الشمالية (كندا ) من جهة أخرى ، بدأت الحرب عام 1812 إلى عام 1815 بالرغم من أنه حدثت معاهدة سلام في عام 1814 .

حصيلة هذه الحرب من الجانب البريطاني هي 1600 جندي قد مات ، ومن الجانب الأمريكي 2260 جندي أمريكي . بريطانيا العظمى كانت في حالة حرب مع فرنسا منذ 1793 في محاولة من أجل إعاقة التجارة على فرنسا ردا على الحصار القاري ، وقامت بريطانيا بفرض سلسلة من القيود التجارية مضمونها أن الولايات المتحدة غير قانونية بموجب القانون الدولي .

تعليمية

قام الأمريكان بإعلان الحرب على بريطانيا العظمى في عام 1812 لعدة أسباب من ضمنها: 1. تجنيد البحارة الأمريكان في البحرية البريطانية . 2. الغضب من المزاعم البريطانية عن عمليات دعم المقاتلين الهنود السكان الأصليين لأمريكا للدفاع عن مصالحهم القبلية من حالة الأستيطان التي كانت تحدث من المهاجرين الأمريكان .

من أهم الأحداث في ذلك الوقت هو حريق البيت الأبيض وحريق عدد من البنية التحتية في واشنطن عام 1814 نتيجة هجوم القوات البريطانية ، والذي سمي بحريق واشنطن مما حفز الأمريكان على التطوع في الجيش الأمريكي للتصدي للقوات البريطانية .

تعليمية
حريق واشنطن

تعليمية

معركة لتل بيج هورن

معركة لتل بيج هورن (25 – 26 يونيو 1876) وقعت بين مقاتلين متحالفين من الحمر من قبائل لاكوتا و شايان الشماليين و أراباهو من جهة وفوج الفرسان السابع في الجيش الأمريكي من جهة أخرى. وقعت الحرب قرب نهر لتل بيج هورن شرقي مونتانا.

تعليمية
معركة لتل بيج هورن

المعركة اكتسبت شهرة كبيرة حتى باتت أشهر معارك حرب الهنود الحمر، وقد سجلت المعركة نصراً مهماً لصالح الهنود الحمر على فوج الفرسان الذي كان تحت قيادة جورج أرمسترونج كاستر. كاستر نفسه قتل في المعركة. ورغم شهرة المعركة إلا أنها لم تكن المعركة التي وقع فيها أكبر عدد من الضحايا في قوات الولايات المتحدة على يد الهنود الحمر (أكبر عدد من الضحايا في قوات الولايات المتحدة وقع في معركة واباش عام 1791).

الخسائر

تفاوتت تقديرات الضحايا من الهنود الحمر بين 36 إلى 136 قتيل مقابل 268 قتيل في الطرف الأمريكي.

تعليمية

و في منتصف القرن التاسع عشر، كانت الامة منقسمة حول حقوق الولايات ودور الحكومة الفيدرالية والتوسع في الرق والعبودية، كل ذلك أدى لاحقا إلى الحرب الاهلية الامريكية بعد انتخاب أبراهام لينكون في 1860، أعلنت كارولاينا الجنوبية عن انسحابها من الإتحاد واستقلالها لتكون أول الولايات المنسحبة. لحقتها سابقا ست ولايات جنوبية أخرى وأعلنوا في عام 1861 تكوين الولايات الامريكية الكونفدرالية. أيدت الولايات الجنوبية العبودية فيما طالبت الشمالية بإلغائها وكان ذلك طبيعيا فاقتصاد الجنوب يعتمد اعتمادا كليا على العبودية لكونه زراعيا في الدرجة الاولى. في عام 1865 انتهت الحرب بانتصار الشمال، ليتم بذلك إلغاء العبودية رسميا وليتم أيضا القضاء على أية فرصة أو حق للولايات في الإنسحاب من الإتحاد. وقد زاد الإنتصار من قوة وسيطرة الحكومة الفيدرالية.




التصنيفات
السنة الثانية ابتدائي

أعلام الدول العربية




شكرا جزيلا لكم.




التصنيفات
السنة الثانية متوسط

أهم الدول التي قامت بعد سقوط الدولة العباسية

تعليميةأهم الدول المستقلة عن الخلافة العباسية
فى عهد الخلافة العباسية استقلَّت بعض الدول عنها استقلالا تاما، بينما أخذ بعضها يتجه نحو استقلال جزئى تصبح البلاد فيه تابعة للخلافة اسمًا (فقط) بحيث تستمد منها مكانتها الروحية وقدرها العظيم فى نفوس المسلمين.
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات مملكة المعلم http://www.mo3alem.com/vb/showthread.php?t=28415
ويقف المؤرخون والمحللون أمام قيام بعض الدول وانهيار أخرى وقفات تأملية يبحثون عن الأسباب والعوامل التى أدت إلى قيام هذه وانهيار تلك.
وعلى كلّ، فقد كان قيام الدويلات نتيجة لضعف الخلافة، وسببًا لمزيد من الانحلال، وخطوة على طريق النهاية، لقد قامت أولى هذه الدويلات فى أقصى الغرب؛ لبعده عن عاصمة الدولة، ومركز السلطان فيها، فقامت دولة الأمويين فى الأندلس، وبقيامها فى سنة 137هـ/756م ضعف نفوذ العباسيين على الغرب، وسرعان ما نشأت الدويلات فى شمال إفريقية.
وحين تطرق الضعف إلى جسد الخلافة العباسية جميعًا، نشأت الدويلات فى بقية أجزاء الدولة، وقد تسببت هذه الدول فى ضعف الدولة العباسية وانحلالها؛ ذلك لأنَّ علاقة هذه الدويلات بالدولة العباسية كانت مختلفة اختلافًا كبيرًا، فقد انفصل بعضها عن الدولة انفصالا تامّا، ونافسها بعضها على تولى الخلافة نفسها.
كما ظل قسم آخر على علاقة اسمية بالدولة، فيكفى الخليفة أن يذكر اسمه على المنابر، ويصك اسمه على العملة، وفى حقيقة الأمر أنها دولة مستقلة تمامًا لا تخضع له فى شىء. وهناك دويلات ظلت على صلة متغيرة بالدولة، تقوى حينًا، وتضعف حينًا آخر تبعًا لتغير الأحوال.
وفيما يلى نذكر هذه الدول والإمارات، التى انفصلت عن دولة الخلافة العباسية، وهى:
أولا: الإمارة الأموية فى الأندلس.
ثانيًَا: الدول فى بلاد المغرب وهى:
1- الدولة الرستمية.
2- دولة الأدارسة.
3- دولة الأغالبة.
ثالثًا: الدول فى بلاد الشرق، وهى:
1- الدولة الطاهرية.
2- الدولة الصفارية.
3- الدولة السامانية.
4- الدولة الغزنوية.
رابعًا: الدول فى مصر والشام، وهى:

1- الدولة الطولونية.
2- الدولة الإخشيدية.
3- الدولة الحمدانية.
4- الدولة الفاطمية.
5- الدولة الأيوبية.
6- الدولة المملوكية.

</B></I>