التصنيفات
اسلاميات عامة

رسالة شيخ الاسلام إلى والدته

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مِنْ أَحْمَد بْنِ تيمية إلَى الْوَالِدَةِ السَّعِيدَةِ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْهَا بِنِعَمِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهَا جَزِيلَ كَرَمِهِ وَجَعَلَهَا مِنْ خِيَارِ إمَائِهِ وَخَدَمِهِ.
سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ .
فَإِنَّا نَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، وَهُوَلِلْحَمْدِ أَهْلٌ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .
كِتَابِي إلَيْكُمْ عَنْ نِعَمٍ مِنْ اللَّهِ عَظِيمَةٍ وَمِنَنٍ كَرِيمَةٍ وَآلَاءٍ جَسِيمَةٍ نَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهَا وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ .
و َنِعَمُ اللَّهِ كُلَّمَا جَاءَتْ فِي نُمُوٍّ وَازْدِيَاد وَأَيَادِيهِ جَلَّتْ عَنْ التَّعْدَادِ.
وَتَعْلَمُونَ أَنَّ مُقَامَنَا السَّاعَةَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ إنَّمَا هُوَ لِأُمُورِ ضَرُورِيَّةٍ مَتَى أَهْمَلْنَاهَا فَسَدَ عَلَيْنَا أَمْرُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا . وَلَسْنَا وَاَللَّهِ مُخْتَارِينَ لِلْبُعْدِ عَنْكُمْ وَلَوْ حَمَلَتْنَا الطُّيُورُلَسِرْنَا إلَيْكُمْ وَلَكِنَّ الْغَائِبَ عُذْرُهُ مَعَهُ، وَأَنْتُمْ لَوْاطَّلَعْتُمْ عَلَى بَاطِنِ الْأُمُورِ فَإِنَّكُمْ – وَلِلَّهِ الْحَمْدُ – مَاتَخْتَارُونَ السَّاعَةَ إلَّا ذَلِكَ وَلَمْ نَعْزِمْ عَلَى الْمُقَامِ وَالِاسْتِيطَانِ شَهْرًا وَاحِدًا، بَلْ كُلَّ يَوْمٍ نَسْتَخِيرُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ، وَادْعُوا لَنَا بِالْخِيَرَةِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يخِيرَ لَنَا وَلَكُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا فِيهِ الْخِيَرَةُ فِي خَيْرٍوَعَافِيَةٍ.
وَمَعَ هَذَا فَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْبَرَكَةِ مَا لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُبِالْبَالِ وَلَا يَدُورُ فِي الْخَيَالِ وَنَحْنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَهْمُومُونَ بِالسَّفَرِ مُسْتَخِيرُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
فَلَا يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَا نُؤْثِرُ عَلَى قُرْبِكُمْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِالدُّنْيَا قَطُّ ، بَلْ وَلَا نُؤْثِرُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ مَا يَكُونُ قُرْبُكُمْ أَرْجَحَ مِنْهُ . وَلَكِنْ ثَمَّ أُمُورٌ كِبَارٌ نَخَافُ الضَّرَرَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ مِنْ إهْمَالِهَا ، وَالشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الغَائِبُ .
وَالْمَطْلُوبُ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ بِالْخِيَرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَلَا نَعْلَمُ وَيَقْدِرُ وَلَا نَقْدِرُ وَهُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " : مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللَّهَ، وَرِضَاهُ بِمَا يَقْسِمُ اللَّهُ لَهُ، وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ : تَرْكُ اسْتِخَارَتِهِ اللَّهَ وَسُخْطُهُ بِمَا يَقْسِمُ اللَّهُ لَهُ " وَالتَّاجِرُ يَكُونُ مُسَافِرًافَيَخَافُ ضَيَاعَ بَعْضِ مَالِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَمْرٌ يُجَلُّ عَنْ الْوَصْفِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَإلَّا بِاَللَّهِ .
وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ كَثِيرًا كَثِيرًا وَعَلَى سَائِرِ مَنْ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْكِبَارِوَالصِّغَارِ وَسَائِرِ الْجِيرَانِ وَالْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
مجموع الفتاوى (28/48 – 50)




التصنيفات
اسلاميات عامة

منزلة الأخلاق في الاسلام

تعليمية

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الإسلام نوّه بالخلق الحسن، ودعا إلى تربيته وتنميته في نفوس المسلمين، وأكّده في غير ما موضع حيث جعل الله تعالى الأخلاق الفاضلة سبب تحصيل الجنّة الموعود بها ونيلها في قوله تعالى: ﴿وَسَارعُوا إلى مَغفرَة من ربّكم وَجنّة عَرضُها السّمَواتُ وَالأرضُ أُعدَّتْ للمُتقين الذينَ يُنفقُون في السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالكَاظمين الغَيْظَ وَالعَافينَ عَن النَّاس وَالله يُحبُّ المُحْسنينَ﴾ [آل عمران ١٣٣-١٣٤]، كما أوجب التخلق بالخلق الحسن وجعل له أثرا طيبا ينعكس على المعاملات بالإيجاب، كما قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بالتي هيَ أََحْسَنُ، فَإذَا الذي بَيْنَكَ وَبيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنّهُ وَليٌّ حَميمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] كما اعتبر الشرع الخلق من أفضل الأعمال وجعل البرّ فيه، وأثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى: ﴿وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظيم﴾(القلم ٤) وبعثه الله تعالى لإكمال هذه الأخلاق في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»)، وبيّن صلى الله عليه و سلم أنّ : (البرّ حسن الخلق))، وأنّ (من أحبّكم إليَّ، وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا))، وأنّ (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)).
هذا، ولمّا أثنى الله تعالى على نبيه بحسن الخلق وبعثه لإتمام مكارم الأخلاق، وكان النبي المثل الأعلى للدعاة في حياتهم الخاصّة والعامة؛ كان الذي ينبغي على الداعية التأسي به صلى الله عليه وسلم، وتجريد المتابعة له صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] واتخاذه صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة هو المطلوب على عموم وأعيان المسلمين، ليس لهم في ذلك وسع ولا خيرة، لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لمُؤْمن وَلاَ لمُؤْمنَة إذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يكُونَ لَهُمُ الخيَرَةُ من أَمْرهم﴾ [الأحزاب ٣٦] فأمره في حق الدعاة أو كد، لأنّ رسالتهم الدعوة إلى هديه صلى الله عليه وسلم ومنهجه وطريقته، وبعد اقتفاء أثره، وترسم خطاه، والاستضاءة بالهدي النبوي، إذ هو سبيل النجاة من كل شرّ، والفوز بكلّ خير، وقد جعله الله تعالى المبلّغ والسراج والهادي، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النّبيُّ إنّا أَرِْسَلْنَاكَ شَاهداً وَمُبَشراً وَنَذيراً، وَدَاعياً إلَى الله بإذْنه وَسرَاجاً مُنيراً﴾ [الأحزاب: ٤٥-٤٦] ولا يخفى أنّ الناس يترقبون أفعال الدعاة وسيرتهم، ويرون فيها تطبيقا عمليا حيّا لما يدعون إليه بما علموه وعملوا به بالبيان والقدوة، فإن لم يسلكوا هذا المنهج، وهو منهج الرشد والهداية والمستضاء به في ظلمات الجهل والغواية فقد ضلوا وأضلوا، قال تعالى: ﴿قُلْ إن كُنتُمْ تُحبُونَ اللهَ فَاتّبعُوني يُحْببكُمُ اللهُ وَيَغْفرْ لَكُم ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ﴾ [آل عمران ٣١].
هذا، ومن أولى مهمّات الداعي إلى الله تعالى التأسي بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم في تزكية نفسه إلى درجة الانقياد والخضوع المطلق لله عزّ وجلّ في كلّ مطلوب ومأمور، بأداء العبادات المفروضة والمستحبة، سواء كانت بدنية أو مالية، وختم القرآن تلاوة و تدبرا وتأملا وتفكرا على الأقلّ مرّة كلّ شهر، والإكثار من الاستغفار وذكر الله ليكون جزءا من حياة الداعي ليتصف بالمسارعين بالخيرات وأهل التقوى والصلاح الموصوفين بقوله تعالى: ﴿الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبهمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] فضلا عن إتيان بقية الأعمال الصالحة التي تزكو النفس بها وتتهذب غرائزها وتصفو مداركها، كَبر الوالدين، وصلة الرّحم، وخدمة المستضعف والمسكين، وتفقد حاجات المعوز مع تواضع لهم، وغيرها من أنواع الطاعات، ذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنّث في الغار الليالي ذوات العدد)، يخلو بربّه ويناجيه، وكان بعد مبعثه أتقى الناس وأزكاهم نفسا وأحسنهم أخلاقا وأتقاهم سريرة وأعبدهم لله تعالى.
ثمّ يلي في الأولوية متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في منهجه الأخلاقي والتأسي به فيه، وقد قدّمنا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم بشهادة ربّ العالمين، حيث تجلّت فيه سائر نعوت الجمال والجلال، من الإخلاص والأمانة والبرّ والحكمة والحلم والرحمة والرفق والتواضع والصدق والإيثار والوفاء وغيرها، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفُسكُمْ عَزيزٌ عَلَيْه مَا عَنتُمْ حَريصٌ عَلَيْكُم بالمُؤْمنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨] وقرئت: "من أنفَسكم"، بفتح الفاء، ويكون مراده من أفضلكم خلقا، وأشرفكم نسبا، وأكثركم طاعة لله تعالى.
ومن الأخلاق التي ينبغي على الداعي التحلي بها متابعة النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحياء الذي له الأثر البالغ على مسار الدعوة إلى الله تعالى لما يؤدي هذا الخلق الرفيع إلى سلامة الطبع من الأمراض النفسية المفسدة ومن الأحقاد والضغائن المهلكة، فقد (كان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه)).
ومن أخلاق الداعية إلى الله الانضباط بالخلق الذي وصف الله تعالى جانبا منه بقوله: ﴿فَبمَا رَحْمَة منَ الله لنتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنتَ فَظّاً غَليظَ القَلْب لانفضوا منْ حَوْلكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفرْ لَهُمْ وَشَاورْهُمْ في الأَمْر فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى الله إنّ اللهَ يُحبُّ المُتَوَكلينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] وفي الحديث: (لم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا)، وكان يقول: (إنّ من خياركم أحسنكم أخلاقا)).
ومن الأخلاق اهتمام الداعي إلى الله بالهدي الظاهري شكلا وهيئة يتناسق الشكل على وجه الجلال والشرف، مع نظافة الثياب والبدن، فقد أخرج البخاري و مسلم من حديث أنس رضي الله عليه أنّه قال: (ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كفِّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط أو -عرفا قط- أطيب من ريح -أو عرف- النّبيّ صلى الله عليه وسلم)).
ومن أصول الأخلاق إيثار الحلم وترك الغضب المذموم الذي يكون حمية أو انتصارا للنفس وغيرها، ممّا لا يكون في ذات الله، وقد وصف الله تعالى الكاظمين الغيظ بأحسن وصف في قوله عزّ وجلّ: ﴿الذينَ يُنفقُونَ في السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالكَاظمينَ الغَيْظَ وَالعَافينَ عَن النَّاس وَاللهُ يُحبُّ المُحْسنينَ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، ذلك لأنّ من استطاع قهر نفسه وغلبتها كانت دعوة غيره أسهل وأيسر، قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة، إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)).
هذا كلّه فيما يمس حياته الخاصّة، أمّا حرمات الله تعالى فلا ينبغي أن يتهاون فيها أو يتساهل(١٠)، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلاّ أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)(١١).
هذا، ومن تحلّى بمثل هذه الأخلاق السامية التي تمثل عماد الدعوة في جانبها العملي، المفسّر للجانب البياني أصلح الله به الناس، وعمّ خيره وانحسر شره.
ولا يخفى أنّ الدعوة الراشدة لا تكون مثمرة إلاّ إذا توافقت مع الهدي النبوي، ذلك لأنّ أسلوبه و منهجه في الدعوة أكمل أسلوب وأتمّ منهج، فقد قال تعالى: ﴿قُلْ هَذه سَبيلي أَدْعُو إلَى الله عَلَى بَصيرَة أَنَا وَ مَن اتَّبَعَني، وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا منَ المُشْركينَ﴾ [يوسف: ١٠٨].
والأسلوب النبوي في الدعوة كان مؤسسا على توحيد الله عزّ وجلّ، ومحاربة مظاهر الشرك وأشكال الخرافة، وأنماط البدع، لتمكين العقيدة السليمة والصحيحة من الانتشار على نحو ما فهمها السلف الصالح تحقيقا لعبودية الله وحده لا شريك له، لذلك كان موضوع العقيدة تعليما وتصحيحا وترسيخا من أولى الأولويات وأسمى المهمّات التي يجب على الداعي إعطاءها العناية الكافية التي تستحقها، كما ينبغي أن يكون أسلوب الدعوة في نهجه أن يرسم الطريق القويم لكلّ مخطئ أو منحرف على وجه الشمول لتعمّ فائدته ونفعه، وهو جلي في نصائحه صلى الله عليه وسلم وخطاباته ودعوته – كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟! …)(١٢) ، وقوله: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء ؟!)(١٣)، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)(١٤)، إذ هذا الأسلوب أبعد عن الانفعال والأنفة والاعتزاز بالرأي عند عدم جدواه وأنّه إلى استصلاح الحال الأقرب.
ومن الأسلوب الدعوي الرفق الذي ينبغي أن يتحلى به الدعاة إلى الله تعالى وبجانب العنف والشدة والفظاظة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله يحب الرفق في الأمر كله)(١٥) وقال أيضا (إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلاّ زانه، ولا ينزع من شيء إلاّ شانه)(١٦)، وفي الحديث: (إنّ الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه)(١٧)، فالرّفق في الأسلوب من أبرز خصائص دعوة الحقّ، قال تعالى: ﴿ادْعُ إلَى سَبيل رَبّكَ بالحكْمَة وَالمَوْعظَة الحَسَنَة وَجَادلْهُم بالتّي هيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].
وينبغي على الداعي إلى الله -فضلا عن الرفقّ- التعامل مع ما يمس الدّين منهجا وعقيدة بحزم وثبات، لأنّ التهاون واللّين يترتب عليه ضياع معالم الدّين وفساد الأخلاق، ويدلّ على ذلك حزمه صلى الله عليه وسلم في امتناعه على وفد ثقيف أن يدع لهم اللاّت لا يهدمها ثلاث سنين، وهدمها، كما أبى أن يعفيهم من الصلاة ومن الصدقة والجهاد(١٨).
هذا، والذي يطلب من الإمام أو الخطيب أن يكون على بصيرة في المجال الدعوي من علم دقيق بالشرع ومقاصده ومراميه مع الربط الوثيق بالله تعالى والصلة به، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذه سَبيلي أَدْعُو إلَى الله عَلَى بَصيرَة أنَا وَ مَن اتَّبَعَني وَسُبْحَانَ الله وَمَا أنَا منَ المُشْركينَ﴾ [يوسف: ١٠٨]، فأهل البصيرة هم أولو الألباب، قال تعالى: ﴿الَّذينَ يَسْتَمعُونَ القَوْلَ فَيتَّبعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئكَ الَّذينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأولَئكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَاب﴾ [الزمر ١٨]، والآية تصف أهل اليقين والفطنة وسعة الإدراك والكياسة بأن يحصل لهم العلم بالاستماع، ويحصل لهم الهداية والتوفيق باتّباع أحسن القول، وهو الإسلام بلوازمه من أمر ونهي، ترغيبا في الخير الذي هو سبيل النجاة، وترهيبا من الشرّ الذي هو سبيل الهلاك والدمار والعذاب، وبحصول هذه المرتبة يوصل المتبصّر دعوته إلى الغير متيقنا بمراميها النبيلة التي مدارها إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد والإيمان، تعلو به إلى مدارج الكمال المنشود.
وعليه، فإنّ البصيرة التي يكون عليها الداعية لا تطلق على العلم وحده ما لم يؤازره تصديق وعمل وتقوى، فيتجسد علمه بمعرفة الدين ومراتبه الثلاث من إحسان وإيمان وإسلام، ويتفاعل معها عملا ودعوة، متخلقا بأخلاق الدعاة، متبصرا بأحوال المدعوين وعوائدهم و طبائعهم و أعرافهم، منتهجا معهم الأسلوب النبوي في الدعوة إلى الله على ما تقدّم، مع الإحاطة بالمقاصد العليا للدعوة الإسلامية، وإذا كانت دعوته مؤسّسة على ضوء هدي الكاتب والسنة حاز قصب السبق، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً ممَّن دَعَا إلَى الله وَعَملَ عَمَلاً صَالحاً وَقالَ إنَّني منَ المُسْلمينَ﴾ [فصلت: ٣٣]، ونال رتبة المستنيرين بنور الله، قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشي به في النّاس كَمَن مَثَلُهُ في الظُلُمَات لَيْسَ بخَارج منْهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢].
هذا، وعلى الداعي إلى الله التحلّي بالصبر، وهو من الأهمية بمكان في مسيرة الدعوة والدعاة خاصّة، إذ بالصبر و اليقين تنال الإمامة في الدين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- : مستدلا بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَةً يَهْدُونَ بأَمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآيَاتنَا يُوقنُونَ﴾ [السجدة ٢٤]، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنّ أهل الصبر هم أهل العزائم، كقوله تعالى: ﴿وَلمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلكَ لَمن عَزْم الأُمُور﴾ [الشورى: ٤٣]، وصبر الدعاة على البلاء الذي يصيبهم هو من عزائم الأمور، لأنّه صبر على استكبار الجاحدين وجفوة العصاة، وعنت المدعوّين وهو من علامات أهل الصلاح المتّقين، وهو يشمل الصبر على الطاعة وعلى المعصية وعلى الأقدار، ولقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم كلّ أشكال الصدود والفجور، وكلّ ألوان الكنود والجحود، فصبر عليها وصابر ورابط حتّى أتّم الله دعوته، وانتشرت في الآفاق.
فالصبر -ذن- له أثره البالغ والحسن في نجاح مهمّة الداعي بتوجيه الناس إلى الخير والرشد والسؤدد، وعليه أن يتحمّل ما يواجهه من كنود الناس وصدودهم وما يحاك ضدّه في سبيل صدّه أو عرقلته ومنعه سبيل الله، أو ما ينشر حوله من إشاعات وأكاذيب واتهامات، ويكاد له من دسائس، قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَا ألاَّ نَتَوَكّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، وَلنَصْبرَنّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا، وَعَلَى الله فلْيَتَوَكَّل المُتَوَكلُونَ﴾ [إبراهيم: ١٢].
وفي الأخير، فالواجب على الدعاة في مسيرتهم الدعوية أن يبتعدوا عن الجفوة والغلطة وسوء الأدب والمنقلب، وأن يتنزهوا عن الأغراض الدنيئة والاغترار بالدنيا، لأنّ الانشغال والتلهّي بها عن الآخرة أوّل طريق الضياع، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمنُوا لا تُلْهكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذكْر الله وَمَن يَفْعَلْ ذَلكَ فَأُولَئكَ هُمْ الخَاسرُونَ﴾ [المنافقون: ٩].
كما عليهم التنزه عن مقاصد الشخصية التي تصاحب الجفاة الغلاظ، التي تحمل دعوتهم في ثناياها من تجهيل وتجريح وتشهير وتعيير، بل وتكفير، فإنّ مرض حبّ الظهور والإهانة والتشفّي خلق ذميم ورذيلة لا تتوافق مع الخلق الرقيق الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، والاصطباغ بتلك الرذيلة لا تصح صفة داعية، ولا يتشرف بها في سلوكه التطبيقي.
كما أنّ من وقائع حالنا أن يتصدى للدعوة أفراد بعلم ناقص أو بدون علم، بل دون تأهل ولا تأهب، وبلا زكاة للنفس وتربية ولا مجاهدة، فيدعون إلى الإسلام وهم بحاجة إلى الدعوة، ومثل هذه الأمراض من أصابته بشيء فهو ظلوم جهول يدعى إلى الحقّ ولا يدعو، ويستصلح ولا يصلح .
هذا، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد، ومن وفقّ إلى سلوك الدعوة النبوية فقها وتأسيسا فقد حاز وافرا من ميراث النبوة، نسأل الله لنا ولكم أن لا يحرمنا منه.

1443هـ / 2022م

١- أخرجه أحمد: (٢/٣١٨). والبخاري في الأدب المفرد رقم (٢٧٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في «السلسة الصحيحة» رقم: (٤٥).
٢- أخرجه مسلم: (١٢/١١١) في البرّ والصلة: باب تفسير البرّ والإثم من حديث نوّاس بن سمعان رضي الله عنه.
٣- أخرجه أحمد: (٤/١٩٣) من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، والحديث صحّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (٣/١٤) وفي صحيح موارد الظمآن: (٢/٢٤٤).
٤- أخرجه أبو داود: (٥/٦٠) في السنّة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. والترمذي رقم: (٣/٤٦٦) في الرضاع: باب حقّ المرأة على زوجها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسن صحيح انظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم: (٢٨٤) صحيح الترمذي: (١/٥٩٣).
٥- جزء من حديث أخرجه البخاري: (١/٢٢) في بدء الوحي باب: 3، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٦- أخرجه البخاري: (١٠/٥١٣) في الأدب. باب من لم يواجه الناس بالعتاب. ومسلم: (١٥/٧٨) باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
٧- أخرجه البخاري: (٦/٥٦٦) في المناقب، باب صفة النّبي صلى الله عليه وسلم. ومسلم: (١٥/٧٨) في الفضائل، باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
٨- أخرجه البخاري: (٦/٥٦٦) في المناقب، باب صفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ومسلم: (١٥/٨٥) في الفضائل، باب طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ولين مسّه ، والترمذي:(٤/٣٦٨) في البرّ و الصلة، باب ما جاء في خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي الشمائل رقم: (٣٢٨) من حديث أنس بن مالك رضي الله عليه.
٩- متّفق عليه، أخرجه البخاري: (١٠/٥١٨) في الأدب: باب الحذر من الغضب، ومسلم: (١٦/١٦٢) في البرّ والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
١٠- وفي هذا المعنى بوّب البخاري (١٠/٥١٦): باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله تعالى.
١١- أخرجه البخاري: (١٠/٥٢٤) في الأدب، باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "يسروا و لا تعسروا"، ومسلم: (١٥/٨٣ ) في الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام من حديث عائشة رضي الله عنها.
١٢- أخرجه البخاري: (٥/١٦٧) في العتق باب بيع الولاء وهبته، وفي المكاتب: باب ما يجوز من شروط المكاتب (٥/١٨٧)، ومسلم: (١٠/١٣٩) في العتق، باب الولاء لمن اعتق، وأبو داود: (٤/٢٤٥) في العتق باب بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، من حديث عائشة رضي الله عنها.
١٣- أخرجه البخاري: (٢/٢٣٣) في صفة الصلاة، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، ومسلم: (٤/١٥٢) في الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
١٤- أخرجه أبو داود: (٥/١٤٣) في الأدب، باب في حسن العشرة، والحديث صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم: (٢٠٦٤).
١٥- أخرجه البخاري: (١٠/٤٤٩) في الأدب، باب الرفق في الأمر كلّه، ومسلم: (١٤/١٤٦) في السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، من حديث عائشة رضي الله عنها.
١٦- أخرجه مسلم: (١٦/١٤٦) في البرّ والصلة، باب في فضل الرفق من حديث عائشة رضي الله عنها.
١٧- أخرجه مسلم: (١٦/١٤٦) في الكتاب والباب أنفسهما.
١٨- انظر: زاد المعاد لابن القيم: (٣/٥٩٥) وما بعدها.

المصدر




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكُ الله خير الجزاء على نقلك لهذا الموضوع المهم الذي صارت الامم تحتاج لمن يذكرها بالاخلاق الفاضلة ويحبب لهم التحلي بها لانها هي أساس إستقامة الدين كما لا يخفى علينا أن كل الشرائع السابقة اتت بمكارم الاخلاق لكن الشريعة الكاملة والتامة هي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بقوله ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) السلسلة الصحيحة رقم 45
ولذا يجب علينا التحلي بجميع ما جاء به نبيننا صلى الله عليه وسلم من أخلاق فاضلة لأن
الله جبله على مكارم الأخلاق، وأمرنا بالاقتداء به. قال الله تعالى: { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتََدُون } ( الاعراف :158) كيف لا نقتدي بمن مدحه الله عز وجل وقال فيه( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم : 4)
وقد فصل الشيخ ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتاب الفوائد أصل الاخلاق الحميدة والمذمومة فقال رحمه الله تعالى

أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة
وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة.
فالفخر والبطر والأشر والعجب والحسد والبغي والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والإعراض وإباء قبول النصيحة والاستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم يفعل وأمثال ذلك(كلها ناشئة من الكبر)
وأما الكذب والخسة والخيانة والرياء والمكر والخديعة والطمع والفزع والجبن والبخل والعجز والكسل والذل لغير الله واستبدال الذي هو
أدنى بالذي هو خير ونحو ذلك( فإنها من المهانة والدناءة وصغر النفس)

وأما الأخلاق الفاضلة كالصبر والشجاعة والعدل والمروءة والعفة والصيانة والجود والحلم والعفو والصفح والاحتمال والإيثار وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق والأخلاق والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل، والتغافل عن زلات الناس وترك الاشتغال بما لا يعنيه وسلامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة ونحو ذلك، (فكلها ناشئة عن الخشوع وعلو الهمة).
والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة ثم ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وبهجتها (يشير إلى سورة فصلت آية 39), فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق.
وأما النار فطبعها العلو والإفساد ثم تخمد فتصير أحقر شيء وأذله وكذلك المخلوق منها. فهي دائما بين العلو إذا هاجت واضطربت، وبين الخسة والدناءة إذا خمدت وسكنت.
والأخلاق المذمومة تابعة للنار والمخلوق منها، والأخلاق الفاضلة تابعة للأرض والمخلوق منها.
فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل

اللهم إنا نسالك الاقتداء بنبيك وأن تهدينا الى أحسن الاخلاق ومكارمها وتجعلنا من عبادك الصالحين





اللهم إنا نسالك الاقتداء بنبيك وأن تهدينا الى أحسن الاخلاق ومكارمها وتجعلنا من عبادك الصالحين

اللهم امين
تقبل مروري اخي الكريم




بارك الله فيك اختاه .نسال الله عز وجل الاقتداء بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده والتابعين وتابعيهم باحسان الى يوم الدين.




بارك الله فيك اخي ابو سليمان على مرورك الكريم .قد وفيت وكفيت في ردك .جعله الله في ميزان حسناتك وصالح اعمالك.




التصنيفات
اسلاميات عامة

الهجرة من بلاد الكفر الى بلاد الاسلام

كلام نفيس جدا للألباني في الصحيحة عن الهجرة من بلاد الكفر إلي بلاد الإسلام

قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة تحت حديث:
"إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و فارقتم المشركين و أعطيتم من الغنائم الخمس و سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، و الصفي – و ربما قال : و صفيه – فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله" .

قلت : في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام ،

من ذلك : أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم.
و منها : أن يفارقوا المشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين . و في هذا أحاديث كثيرة ، يلتقي كلها على حض من أسلم على المفارقة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من
كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، لا تتراءى نارهما " ، و في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك . و في بعضها قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا ، أو يفارق المشركين إلى المسلمين " . إلى غير ذلك من الأحاديث ، و قد خرجت بعضها في " الإرواء " ( 5 / 29 – 33 ) و فيما تقدم برقم ( 636 ) .

و إن مما يؤسف له أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر – مع كثرتهم و الحمد لله – لا
يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة ، و هجرتهم إلى بلاد الإسلام ، إلا القليل
منهم ، و أنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين :
الأول : تكالبهم على الدنيا ، و تيسر
وسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة ، لا روح فيها ، كما هو معلوم ، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم .
و الآخر – و هو الأهم – : جهلهم بهذا الحكم ، و هم في ذلك معذورون ، لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين
تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية ، أو من الذين يذهبون إليهم باسم الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء و بخاصة منهم جماعة التبليغ ، بل إنهم ليزدادون لصوقا ببلادهم ، حينما يرون كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم
إلى بلاد الكفار ! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل هذا الحكم و المسلمون أنفسهم مخالفون له ؟! ألا فليعلم هؤلاء و هؤلاء أن الهجرة ماضيه كالجهاد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " ، و في حديث آخر : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " و هو مخرج في " الإرواء " ( 1208 ) .

و مما ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع و لأسباب عدة ، و لبيانها مجال آخر ، و المهم هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن الإسلام ، أو مقصرين في تطبيق أحكامه ، فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد الكفر أخلاقا و تدينا و سلوكا ، و ليس الأمر – بداهة -كما زعم أحد الجهلة الحمقى الهوج من الخطباء : " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود و بين أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود "! و زاد على ذلك فقال ما نصه : " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى ( تل أبيب ) " !! كذا قال فض فوه ، فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا !
و لتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على معرفته و اتباعه ، الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين ، و صراخ الممثلين ، واضطراب الموتورين من الحاسدين و الحاقدين من الخطباء و الكاتبين : أقول لأولئك
المحبين : تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدهما : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها " . أخرجه البخاري و مسلم و غيرهما .
و الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون " ، و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة ، و تقدم تخريجه عن جمع منهم برقم ( 270 و 1108 و 1955 و 1956 ) ، و "صحيح أبي داود " ( 1245 ) ، و في بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام ، و جاء ذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ ، و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث . و في هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان و ليس بالحيطان . و قد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو الدرداء إليه : أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا ، و إنما يقدس الإنسان عمله . ( موطأ مالك 2 / 235 ) . و لذلك فمن الجهل المميت و الحماقة المتناهية – إن لم أقل و قلة الدين – أن يختار خطيب أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي ، و يوجب على الجزائريين المضطهدين أن يهاجروا إلى ( تل أبيب ) ، دون بلده المسلم ( عمان ) مثلا ، بل و دون مكة والمدينة ، متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة ، و ( تل أبيب ) و ( حيفا ) و ( يافا ) بخاصة من الفسق و الفجور و الخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من المسلمين و المسلمات بحكم المجاورة و العدوى ، مما لا يخفى على من ساكنهم ثم نجاه الله منهم ، أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان . و ليس بخاف على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة لصريح قوله تعالى *( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟! فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا ، و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ( أي تحولا ) كثيرا و سعة ، و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما )* ( النساء 97 – 100 ) . قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 542 ) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين ، و هو قادر على الهجرة ، و ليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراما بالإجماع ، و بنص هذه الآية " . و إن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر ، و
قد صرح بذلك الإمام القرطبي ، فقال في " تفسيره " ( 5 / 346 ) : " و في هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي ، و قال سعيد ابن جبير : إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها ، و تلا : *( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ )* " . و هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2 / 174/ 1 ) بسند صحيح عن سعيد . و أشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال ( 8 / 263 ) : " و استنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية " . و قد يظن بعض الجهلة من الخطباء و الدكاترة و الأساتذة ، أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " <1> ناسخ للهجرة مطلقا ، و هو جهل فاضح بالكتاب و السنة و أقوال الأئمة ، و قد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من الأساتذة في مناقشة جرت بيني و بينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب المشار إليه آنفا ، فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم بلفظ : " لا تنقطع الهجرة .. " إلخ .. لم يحر جوابا ! و بهذه المناسبة أنقل إلى القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين ، و أنه لا تعارض بينهما ، فقال في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 281 ) : " و كلاهما حق ،
فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه ، و هي الهجرة إلى المدينة من مكة و غيرها من أرض العرب ، فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة و غيرها دار كفر و حرب ، و كان الإيمان بالمدينة ، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها ، فلما فتحت مكة و صارت دار الإسلام و دخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام ، فقال : " لا هجرة بعد الفتح " ، وكون الأرض دار كفر و دار إيمان ، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها : بل هي صفة عارضة بحسب سكانها ، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت ، فإن سكنها غير ما ذكرنا و تبدلت بغيرهم فهي دارهم و كذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه ، و كذلك دار الخمر و الفسوق و نحوها إذا جعلت مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك ، و كذلك الرجل الصالح يصير فاسقا و الكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك ، كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلى حال و قد قال تعالى : *( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة )* الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر و هي ما زالت في نفسها خير أرض الله ، و أحب أرض الله إليه ، و إنما أراد سكانها . فقد روى الترمذي مرفوعا أنه قال لمكة و هو واقف بالحزورة : " والله إنك لخير أرض الله ، و أحب أرض الله إلى الله ، و لولا قومي أخرجوني منك لما خرجت " <2> ، و في رواية : " خير أرض الله و أحب أرض الله إلي " ، فبين أنها أحب أرض الله إلى الله و رسوله ، و كان مقامه بالمدينة و مقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم، و لهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة و المدينة ، كما ثبت في الصحيح : " رباط يوم و ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر و قيامه ، و من مات مرابطا مات مجاهدا ، و جرى عليه عمله ، و أجرى رزقه من الجنة ، و أمن الفتان " <3> . وفي السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " <4> . و قال أبو هريرة <5> :لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود . ولهذا كان أفضل الأرض في ق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله و رسوله ، و هذا ختلف باختلاف الأحوال ، و لا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل ، و إنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى و الطاعة و الخشوع و الخضوع و الحضور ، و قد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله . و كان النبي صلى الله عليه
وسلم قد آخى بين سلمان و أبي الدرداء . و كان سلمان أفقه من أبي الدرداء في
أشياء من جملتها هذا . و قد قال الله تعالى لموسى عليه السلام : *( سأريكم دار
الفاسقين )* و هي الدار التي كان بها أولئك العمالقة ، ثم صارت بعد هذا دار
المؤمنين ، و هي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة ، و أرض مصر التي
أورثها الله بني إسرائيل ، فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما
و تارة كافرا ، و تارة مؤمنا و تارة منافقا ، و تارة برا تقيا و تارة فاسقا ، و
تارة فاجرا شقيا . و هكذا المساكن بحسب سكانها ، فهجرة الإنسان من مكان الكفر و
المعاصي إلى مكان الإيمان و الطاعة كتوبته و انتقاله من الكفر و المعصية إلى
الإيمان و الطاعة ، و هذا أمر باق إلى يوم القيامة ، و الله تعالى قال : *( والذين آمنوا [ من بعد ] و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم )* [ الأنفال : 75] . قالت طائفة من السلف : هذا يدخل فيه من آمن و هاجر و جاهد إلى يوم القيامة، و هكذا قوله تعالى : *( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم )* [ النحل : 110 ] <6> يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات و جاهد نفسه و غيرها من العدو ، و جاهد المنافقين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و غير ذلك ، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل . و الله سبحانه و تعالى أعلم " .
فأقول : هذه الحقائق و الدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، يجهلها جهلا تاما أولئك الخطباء و الكتاب و الدكاترة المنكرون لشرع الله *( و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )* ، فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم و حرموا عليهم الهجرة منها ، و هم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم و دنياهم ، و هلاك رجالهم و فضيحة نسائهم ، و انحراف فتيانهم و فتياتهم ، كما تواترت الأخبار بذلك عنهم بسبب تجبر اليهود عليهم ، و كبسهم لدورهم و النساء في فروشهن ، إلى غير ذلك من المآسي و المخازي التي يعرفونها ، ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون ، و يجهلون أنهم يجهلون ، كيف لا و هم في القرآن يقرؤون : *( و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم )* ! و ليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين ، و تارة باسم نازحين ، أيقولون فيهم : إنهم كانوا من الآثمين ، بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود ؟! بلى . و ماذا يقولون في ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى ( بشاور ) مع أن أرضهم لم تكن حتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين ؟! و أخيرا .. ماذا يقولون في البوسنيين الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية و منها الأردن ، هل يحرمون عليهم أيضا خروجهم ، و يقول فيهم أيضا رأس الفتنة : " يأتون إلينا ؟ شو بساووا هون ؟! " . إنه يجهل أيضا قوله تعالى : *( و الذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ، و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة )* ، أم هم كما قال تعالى في بعضهم : *( يحلونه عاما و يحرمونه عاما )* ؟! ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأنباء من لم تزود . انتهي كلامه الشيخ رحمه الله


السلسلة الصحيحة – منقول-




بارك الله فيك




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

كلام شيخ الاسلام فى الصفات

تعليمية تعليمية
كلام شيخ الاسلام فى الصفات

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق حديث: (صفة الرحمن) فقال عقب ذلك: (والصفة: مصدر وصفت الشيء أصفه وصفًا وصفة، مثل وعد وعدًا وعدة، ووزن وزنًا وزنة، وهم يطلقون اسم المصدر على المفعول، كما يسمون المخلوق خلقًا، ويقولون: درهم ضرب الأمير، فإذا وصف الموصوف، بأنه وسع كل شيء رحمة وعلمًا، سمى المعنى الذي وصف به بهذا الكلام صفة. فيقال للرحمة والعلم والقدرة: صفة، بهذا الاعتبار، هذا حقيقة الأمر) .

منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

معنى الاسلام

فوائد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من (( كتاب الإيمان))
فائدة

الإسلام : هو الاستسلام لله وحده بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان ، وحج البيت؛ فهو الخضوع لله تعالى ، والعبودية له وحده، فمن استكبر عن عبادته وأشرك معه غيره، فغير مسلم.
فإن قيل : (( ما أوجبه الله تعالى من الأعمال أكثر من الخمسة المذكورة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي أركان الإسلام، أو هي الإسلام)):
فالجواب هو: أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يجب على كل مكلف بلا قيد، وأما ما سواه : فإما أنه يجب على الكفاية؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحوه، أو لأسباب ؛ كصلة الرحم؛ إذ ليس كل أحد له قرابة تجب صلتهم.
كذا ذكر الشيخ الجواب؛ لكن يرد على هذا: الزكاة، والحج ؛ إذ ليس كل أحد عنده مال حتى تجب عليه الزكاة والحج، ولعل الجواب: أن هذه الخمس المذكورة هي أكبر أجناس الأعمال؛ فإن الأعمال على ثلاثة أقسام:
قسم : أعمال بدنية ظاهرة، كالصلاة ، وباطنة، كالشهادتين ، وهما أيضاً من الأقوال.
وقسم: أعمال مالية، كالزكاة.
وقسم : مركب من النوعين؛ كالحج .
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأصول، وأن المرء إذا قام بأصل من هذه الأجناس، فهو مسلم.
وأيضاً : فإن صلة الرحم قد يكون الداعي فيها قوياً ليس من جهة الشرع، بل من جهة الإنسانية، بخلاف الزكاة والحج!!

من كتاب المنتقى من فرائد الفوائد للشيخ ابن عثيمين رحمه الله




السلام عليكم و رحمة الله و بركآآته
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنين تعليمية
السلام عليكم و رحمة الله و بركآآته
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفيك بارك الله




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك اخي ابو سليمان على هذا الموضوع الجيد

بارك الله فيك اخي وزاد في ميزان حسناتك

لا تبخل عليا بما تعرف




جزاكم الله خيرًا و نفع بكم الإسلام و المسلمين




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمزة بل العزيز تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لك اخي ابو سليمان على هذا الموضوع الجيد

بارك الله فيك اخي وزاد في ميزان حسناتك

لا تبخل عليا بما تعرف

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وفيك بارك الله اخي حمزة وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

اكيد اخي لا ابخل عنكم من ما رزقنا الله من العلم واتانا من فضله
نسال الله ان يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبيد الله تعليمية
جزاكم الله خيرًا و نفع بكم الإسلام و المسلمين
وجزاك الله بالمثل
اللهم امين




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

السلفية منهج الاسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وفساد

السلفية منهج الاسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وفساد
للشيخ فركوس حفظه الله

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فقد وردَ على هذا الموقعِ الدعويِّ انتقادٌ آخرُ من النوع الذي قد سبق، يحمل في طيَّاته شبهاتٍ مكذوبةً على الدعوةِ السلفيةِ بأنها دعوةٌ حزبيةٌ مفرِّقةٌ مبتدعة، تجرُّ الفتنَ، وأنّ التغيير لا يحصل بالفتنة، وقد رأيت من المفيد أن أردّ على شبهاته المزعومةِ ومفاهيمِه الباطلة بتوضيحها بالحقّ والبرهان، عملاً بقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18].

[وهذا نصّ انتقاده]:

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أراسلُكَ وأنا أعلم يقينًا بأنَّ الشيخ فركوس عبدٌ من عباد الله ونحسبُك من المتقين.
1 – إطلاق لفظ السلفية على الفرقة الناجية ألا يُعتبر هذا حزبيةً، وأنت تعلم أنّ القرآن فيه لفظ الإسلام كما قال الله تعالى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].
2 – لا أشكّ أنّ كثيرًا من المسلمين يعتقدون أنّ السلفيَّ هو لِحيةٌ وقميص، وماذا عن حالق لحيته ألا يدخل الجنّة حنفي…؟! إنّ اسمَ السلفية فرّقت فأبصر..! ما هو الدليل القاطع على وجوب التسمية للفرقة الناجية؟

إنّ التغيير لا يكون بالدخول في الفتن أي الشبهات، ولو يجلس الشيخ فركوس في مسجده لكان خيرًا له وما النصر إلاّ من عند الله ومن سمَّع سمَّعَ اللهُ به، ﴿مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]».

• فأقـول -وبالله التوفيق وعليه التكلان-:

إنّ السلفيةَ تُطلَقُ ويرادُ بها أحد المعنيين:

الأول: مرحلةٌ تاريخيةٌ معيّنةٌ تختصُّ بأهل القرون الثلاثة المفضّلة، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»(١- أخرجه البخاري في «الشهادات» باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد: (2509)، ومسلم في «فضائل الصحابة» باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين…: (6472)، والترمذي في «المناقب» باب ما جاء في فضل من رأى النبي وصحبه: (3859)، وابن حبان في «صحيحه»: (7228)، وأحمد: (5383)، والبزار في «مسنده»: (1777)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)، وهذه الحِقبة التاريخيةُ لا يصحُّ الانتساب إليها لانتهائها بموت رجالها.
والثاني: الطريقةُ التي كان عليها الصحابةُ والتابعون ومَن تبعهم بإحسان من التمسّك بالكتاب والسُّـنَّة وتقديمهما على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم السلف الصالح، والمراد بهم: الصحابة والتابعون وأتباعهم من أئمّة الهدى ومصابيحِ الدُّجَى، الذين اتفقتِ الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، وتَلَقَّى المسلمون كلامَهم بالرِّضا والقَبول كالأئمّة الأربعة، والليثِ بنِ سَعْدٍ، والسُّفيانَين، وإبراهيمَ النَّخَعِيِّ، والبخاريِّ، ومسلمٍ وغيرِهم، دون أهلِ الأهواء والبدعِ ممّن رُمي ببدعة أو شهر بلقبٍ غيرِ مرضيٍّ، مثل: الخوارج والروافض والمعتزلة والجبرية وسائر الفرق الضالَّة. وهي بهذا الإطلاق تعدُّ منهاجًا باقيًا إلى قيام الساعة، ويصحّ الانتسابُ إليه إذا ما التُزِمت شروطُهُ وقواعِدُهُ، فالسلفيون هم السائرون على نهجهم المُقْتَفُونَ أثرَهم إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها، سواء كانوا فقهاءَ أو محدّثين أو مفسّرين أو غيرَهم، ما دام أنهم قد التزموا بما كان عليه سلفُهم من الاعتقاد الصحيح بالنصّ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمّة والتمسّك بموجبها من الأقوال والأعمال لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(٢- أخرجه مسلم في «الإمارة» باب قوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق..: (4920)، والترمذي في «الفتن» باب ما جاء في الأئمة المضلين: (2229)، وأحمد: (21889)، وسعيد بن منصور في «سننه»: (2372)، من حديث ثوبان رضي الله عنه)، ومن هذا يتبيّن أنّ السلفيةَ ليست دعوةً طائفيةً أو حزبيةً أو عِرقيةً أو مذهبيةً يُنَزَّل فيها المتبوعُ مَنْزِلةَ المعصوم، ويتخذ سبيلاً لجعله دعوة يدعى إليها، ويوالى ويعادى عليها، وإنما تدعو السلفيةُ إلى التمسُّك بوصية رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم المتمثِّلة في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة وما اتفقت عليه الأمّة، فهذه أصولٌ معصومة دون ما سواها.
وهذا المنهج الربانيُّ المتكاملُ ليس من الحزبية الضيّقةِ التي فرّقت الأمّةَ وشتّتت شملَها، وإنما هو الإسلام المصفَّى، والطريقُ القويمُ القاصدُ الموصلُ إلى الله، به بعث اللهُ رسلَه وأنزل به كتبَه، وهو الطريقُ البيِّنةُ معالِمُه، المعصومةُ أصولُه، المأمونةُ عواقِبُه؛ أمّا الطرقُ الأخرى المستفتحة من كلّ باب فمسدودة، وأبوابها مغلقة إلاّ من طريق واحد، فإنه متّصلٌ بالله موصولٌ إليه، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: «خطّ لنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم خطَّا ثمّ قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثم خطّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال:«هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾(٣- أخرجه الدارمي في «سننه»: (206)، وابن حبان في «مقدمة صحيحه» باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلاً وأمراً وزجراً: (7)، والحاكم في «المستدرك»: (3241)، وأحمد: (4131)، والبزار في «مسنده»: (1718)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (6/89)، وحسنه الألباني في «المشكاة»: (166))، وقد جاء في «تفسير ابنِ كثيرٍ»(٤- [2/191]): «أنّ رجلاً سأل ابنَ مسعود رضي الله عنه: ما الصراطُ المستقيم؟ قال: تَرَكَنَا محمّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادٌّ(٥- الجوادُّ: جمع جادّة، وهي معظم الطريق، وأصل الكلمة من جدَدَ. [«النهاية» لابن الأثير: 1/313]) وعن يساره جوادٌّ، ثمّ رجال يدعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثمّ قرأ ابن مسعود الآية».
وعليه يُدرك العاقلُ أنه ليس من الإسلام تكوين أحزابٍ متصارعةٍ ومتناحرةٍ ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: 53]، فقد ذّمّ الله التحزّب والتفرّق في آياتٍ منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159]، وفي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]، وإنما الإسلام حزب واحد مفلح بنصّ القرآن، قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]، وأهلُ الفلاح هم الذين جعل الله لهم لسانَ صِدْقٍ في العالمين، ومقامَ إحسانٍ في العِلِّـيِّين، فساروا على سبيل الرشاد الذي تركنا عليه المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الموصلِ إلى دار الجِنان، بيِّنٌ لا اعوجاجَ فيه ولا انحرافَ قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى البَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِها لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ»(٦- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين: (43)، والحاكم في «المستدرك»: (331)، وأحمد: (16692)، والطبراني في «الكبير»: (18/247)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث حسنه المنذري في «الترغيب والترهيب»: (1/47)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (937)).
واللهُ سبحانه وتعالى إِذْ سَمَّى في كتابه الكريمِ الرعيلَ الأوَّلَ ﺑ «مسلمين» لأنّ هذه التسميةَ جاءت مطابقةً لما كانوا عليه من التزامهم بالإسلام المصفّى عقيدةً وشريعةً، فلم يكونوا بحاجةٍ إلى تسميةٍ خاصّةٍ إلاّ ما سمّاهم اللهُ به تمييزًا لهم عمّا كان موجودًا في زمانهم من جنس أهل الكفر والضلال، لكن ما أحدثه الناس بعدهم في الإسلام من حوادث وبدع وغيرها ممَّا ليس منه، سلكوا بها طرق الزيغ والضلال، فتفرّق بهم عن سبيل الحقّ وصراطه المستقيم، فاقتضى الحال ودعت الحاجة إلى تسميةٍ مُطابقةٍ لِمَا وَصَفَ به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الفرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(٧- أخرجه الترمذي في «الإيمان» باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (2641)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال العراقي في «تخريج الإحياء» (3/284) «أسانيدها جياد»، والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع» (5343))، ومتميّزة عن سُبُل أهل الأهواء والبدع ليستبين أهل الهدى من أهل الضلال. فكان معنى قوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾ [الحج: 78]، إنما هو الإسلام الذي شرعه الله لعباده مجرّدًا عن الشركيات والبدعيات، وخاليًا من الحوادث والمنكرات في العقيدة والمنهج، ذلك الإسلام الذي تنتسب إليه السلفية وتلتزم عقيدتَه وشريعتَه وتؤسِّسُ دعوتَها عليه، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «لا عيبَ على مَن أظهر مذهبَ السلفِ وانتسبَ إليه واعتزى إليه، بل يجب قَبول ذلك منه باتفاق، فإنّ مذهبَ السلفِ لا يكون إلاّ حقًّا»(٨- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (4/91)).
هذا، وللسلفية ألقابٌ وأسماءٌ يُعرفون بها، تنصب في معنى واحد، فهي تتفق ولا تفترق وتأتلف ولا تختلف، منها: «أصحاب الحديث والأثر» أو «أهل السُّنَّة»، لاشتغالهم بحديث رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وآثارِ أصحابه الكرام رضي الله عنهم مع العمل على التمييز بين صحيحِها وسقيمها وفهمها وإدراك أحكامها ومعانيها، والعملِ بمقتضاها، والاحتجاجِ بها، وتسمى ﺑ «الفرقة الناجية» لأنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «إِن بَني إِسرائيلَ افْتَرَقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّة، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلّها في النّارِ إلا مِلَّة واحدة» فقيل له: ما الواحدة؟ قال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيومَ وَأَصْحَابي»(٩- أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (444)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (3/341): «الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند»، وحسنه سليم الهلالي في «درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه والأصحاب»)، وتسمى -أيضًا- ﺑ «الطائفة المنصورة»، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(١٠- سبق تخريجه). وتسمى ﺑ «أهل السُّنَّة والجماعة» لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»(١١- أخرجه الترمذي في «الفتن» باب ما جاء في لزوم الجماعة: (2166)، والحاكم في «المستدرك»: (398)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وصححه الألباني في «المشكاة»: الهامش رقم (5)، من (1/61))، وقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(١٢- أخرجه البخاري في «الفتن» باب قول النبي سترون بعدي أمورا تنكرونها: (6646)، ومسلم في «الإمارة» باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن: (4790)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه)، وفي قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الجَمَاعَةُ»(١٣- أخرجه أبو داود في «السنة» باب شرح السنة: (4597)، والحاكم في «المستدرك»: (443)، وأحمد: (16613)، والطبراني في «الكبير»: (19/377)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (204))، والمراد بالجماعة هي الموافقةُ للحقّ الذي كانت عليه الجماعةُ الأولى: جماعةُ الصحابة رضي الله عنهم، وهو ما عليه أهلُ العلم والفقه في الدِّين في كلّ زمان، وكلُّ من خالفهم فمعدود من أهلِ الشذوذ والفُرقة وإن كانوا كثرة قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ فَارَقُوا الجَمَاعَةَ، وَإِنَّ الجَمَاعَةَ مَا وَافَقَ الحَقَّ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ»(١٤- أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (49/286). وصححه الألباني في «المشكاة»: (1/61))، والنبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وصف الفِرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(١٥- سبق تخريجه)، وهذا التعيين بالوصف يدخل فيه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأصحابُه دخولاً قطعيًّا ولا يختصّ بهم بل هو شاملٌ لكلّ من أتى بأوصاف الفِرقة الناجية إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في معرض تعيين الفرقة الناجية: «وبهذا يتبيّن أنّ أحقّ الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنّة، الذين ليس لهم متبوع يتعصّبون له إلاَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمّتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها واتباعًا لها: تصديقًا وعملاً وحبًّا وموالاةً لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يروون المقالات المجملةَ إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا يُنَصِّبُون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجُمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بل يجعلون ما بعث به الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه»(١٦- «مجموع الفتاوى لابن تيمية»: (3/347)).
هذا، ولا يعاب التسمي ﺑ «السلفية» أو ﺑ «أهل السنة والجماعة» أو ﺑ «أهل الحديث» أو ﺑ «الفِرقة الناجية» أو «الطائفة المنصورة»؛ لأنه اسم شرعيٌّ استعمله أئمة السلف وأطلقوه بحسَب الموضوع إما في مقابلة «أهل الكلام والفلسفة» أو في مقابلة «المتصوفة والقبوريين والطُّرُقيِّين والخُرافِيِّين» أو تُطلق بالمعنى الشامل في مقابلة «أهل الأهواء والبدع» من الجهمية والرافضة والمعتزلة والخوارج والمرجئة وغيرِهم. لذلك لما سُئل الإمام مالك -رحمه الله- مَن أهلُ السُّنَّة؟ قال: «أهل السُّنَّة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي»(١٧- «الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء» لابن عبد البر: (35)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض: (1/172))، ومراده -رحمه الله- أنّ أهل السُّنَّة التزموا الأصلَ الذي كان عليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأصحابُه، وبقوا متمسّكين بوصيّته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من غير انتساب إلى شخص أو جماعة، ومن هنا يُعلم أنّ سبب التسمية إنما نشأ بعد الفتنة عند بداية ظهور الفِرق الدينية ليتميّز أهلُ الحقّ من أهل الباطل والضلال، وقد أشار ابنُ سيرين -رحمه الله- إلى هذا المعنى بقوله: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعتِ الفتنةُ، قالوا: سمّوا لنا رجالَكم، فيُنظَرُ إلى أهل السُّنَّة فيؤخذ حديثُهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثُهم»(١٨- رواه مسلم في «مقدمة صحيحه»: (84)، والدارمي في «سننه»: (422))، هذا الأمر الذي دعا العلماءَ الأثباتَ والأئمّةَ الفحولَ إلى تجريد أنفسهم لترتيب الأصول العظمى والقواعدِ الكبرى للاتجاه السلفي والمعتقد القرآني، ومن ثمَّ نسبته إلى السلف الصالح لحسم البدعة، وقطع طريق كلّ مبتدع. قال الأوزاعي -رحمه الله-: «اصبر نفسك على السنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكفّ عمّا كَفُّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم»(١٩- «الشريعة» للآجري: (58)).
هذا، والسلفية إذ تحارب البدعَ والتعصّبَ المذهبيَّ والتفرّقَ إنما تتشدّد في الحقّ والأخذ بعزائم الأمور والاستنان بالسنن وإحياء المهجورة منها، فهي تؤمن بأنّ الإسلامَ كُلَّه حقٌّ لا بـاطل فيه، وصِدق لا كذب فيه، وَجِدٌّ لا هزل فيه، ولُبٌّ لا قشورَ فيه، بل أحكامُ الشرع وهديُه وأخلاقُه وآدابُه كلُّها من الإسلام سواء مبانيه وأركانه أو مظاهره من: تقصير الثوب وإطالة اللحية والسواك والجلباب، ونحو ذلك كلّها من الدِّين، والله تعالى يأمرنا بخصال الإسلام جميعًا وينهانا عن سلوك طريق الشيطان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 208]، وقد ذمَّ الله تعالى بني إسرائيلَ الذين التزموا ببعض ما أُمروا به دون البعض بقوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85]. والحكم المسبق على المعيّن بدخول النار والمنعِ من دخول الجنة بتركه للهدي الظاهري للإسلام ليس من عقيدة أهل السنة لكونه حكمًا عينيًّا استأثر الله به، لا يشاركه فيه غيره، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنّ استحقاق الجنة ودخولها إنما يكمن في إخلاص العبادة لله سبحانه واتباع نبيه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذمَّ الله تعالى مقالة أهل الكتاب في قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 111-112]،
فالسلفيةُ لا تهوِّن من شأن السنّة مهما كانت، فلا تهدر من الشرع شيئًا ولا تهمل أحكامَه، بل تعمل على المحافظة على جميع شرعه: علمًا وعملاً ودعوةً قَصْدَ بيانِ الحقّ وإصلاحِ الفساد، وقد أخبر النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن الغرباء: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»(٢٠- أخرجه الطبراني في «الأوسط»: (219)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وأخرجه أبو عمرو الداني في «الفتن»: (25/1)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني «السلسلة الصحيحة»: (3/267)).
والسلفيةُ ليست بدعوةٍ مُفرِّقة، وإنما دعوة تهدف إلى وحدة المسلمين على التوحيد الخالص، والاجتماع على متابعة الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم والتزكيةِ بالأخلاق الحسنة، والتحلي بالخصال الحميدة، والصدعِ بالحقّ وبيانِه بالحجّة والبرهان، قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]، فقد كان من نتائج المنهج السلفي: اتحاد كلمة أهل السُّنَّة والجماعة بتوحيد ربهم، واجتماعهم باتباع نبيِّهم، واتفاقهم في مسائل الاعتقاد وأبوابه قولاً واحدًا لا يختلف مهما تباعدت عنهم الأمكنة واختلفت عنهم الأزمنة، ويتعاونون مع غيرهم بالتعاون الشرعي الأخوي المبني على البرّ والتقوى والمنضبط بالكتاب والحكمة.

هذا، والسلفية تتبع رسولها في الصدع بكلمة الحقّ ودعوة الناس إلى الدين الحقّ، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، والبقاء في البيوت والمساجد من غير تعليم ولا دعوة إخلالٌ ظاهر بواجب الأمانة وتبليغ رسالات الله، وإيصال الخير إلى الناس، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، فيجب على الداعية أن يدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على علم ويقين وبرهانٍ على نحو ما دعا إليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، والعلم إذا لم يَصْحَبْهُ تصديقٌ ولم يؤازِرْهُ عملٌ وتَقْوَى لا يُسَمَّى بصيرةً، فأهلُ البصيرةِ هم أولوا الألباب كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 18].
ومن منطلق الدعوة إلى الإسلام المصفّى من العوائد والبدع والمحدَثات والمنكرات كان الانتساب إلى «أهل السُّـنَّة والجماعة» أو «السلفية» عِزًّا وشَرَفًا ورمزًا للافتخار وعلامةً على العدالة في الاعتقاد، خاصّةً إذا تجسّد بالعمل الصحيح المؤيَّد بالكتاب والسنّة، لكونها منهج الإسلام في الوحدة والإصلاح والتربية، وإنما العيب والذّمُّ في مخالفة اعتقاد مذهب السلف الصالح، في أي أصل من الأصول، لذلك لم يكن الانتساب إلى السلف بدعةً لفظيةً أو اصطلاحًا كلاميًّا لكنه حقيقة شرعية ذات مدلول محدّد..

وأخيرًا؛ فالسلف الصالح هم صفوة الأمّة وخيرها، وأشدّ الناس فرحًا بسنّة نبيّهم صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأقواهم استشعارًا بنعمة الإسلام وهدايته التي منَّ الله بها عليهم، متمثلين لأمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 57-58]، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه، ومحبّته له، وإيثاره له على غيره، فإذا فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبّته له ورغبته فيه، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواتُه، فالفرح تابع للمحبة والرغبة»(٢١- «مدارج السالكين» لابن القيم: (3/158)).

نسأل الله أن يُعزَّ أولياءَه، ويُذِلَّ أعداءَه، ويهديَنا للحقِّ، ويرزقَنا حقَّ العِلم وخيرَه وصوابَ العمل وحُسنَه، فهو حَسْبُنَا ونعم الوكيل، وعليه الاتكال في الحال والمآل، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 11 جمادى الأولى 1443ﻫ
الموافق ﻟ: 28 ماي 2022م

المصدر




الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

ما انعمها من نعمة ان تنتهج نهج السلف وتنتسب اليهم ولا تخالفهم

حفظ الله الشيخ فركوس ورفع من شئنه

تقبلوا مروري

اختكم هناء




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

الزكاة ركن من أركان الاسلام

تعريف زكاة الفطر :

هي الصدقة التي تخرج عند الفطر من رمضان، وسميت بذلك لأن الفطر هو سببها.

حكمها :

الوجوب , وهي أحد الأركان الخمسة .

دليل الحكم :

ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان"، وإجماع المسلمين على ذلك، لأن معنى فرض ألزم وأوجب.

متى فرضت :

في السنة الثانية من الهجرة، في رمضان، قبل العيد بيومين.

حكمة مشروعيتها :

فرضت زكاة الفطر لسببين، هما :

  • طهرة للصائم من اللغو والرفث، فهي تجبر الصوم كما يجبر سجود السهو الزيادة والنقصان في الصلاة.
  • طعمة للمساكين في ذلك اليوم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للفقراء والمساكين".

على من تجب :

تجب على كل مسلم ومن يعول من المسلمين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أوصاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة".1

شروط وجوب زكاة الفطر :

  • الإسلام .

    – غروب شمس آخر يوم من رمضان، فمن أسلم بعد الغروب، أوتزوج، أوولد له لم تلزمه نفقتهم، وكذلك من مات قبل الغروب.

  • وجود الفضل عن نفقته ونفقة من يعول .

من لم يجد فطرة جميع من تلزمه نفقتهم يبدأ بالآتي :

  • نفسه.
  • ثم زوجه .
    ثم أمه .

    ثم أبيه .
  • ثم ولده الأكبر، ثم الذي يليه .

من لا تجب فطرتهم :

– من يعول من الكفار .

الزوجة الناشز ولو كانت حاملاً .

الجنين في بطن أمه، ولكن استحب بعض أهل العلم إخراج الزكاة عن الجنين وإن لم تكن واجبة لفعل عثمان رضي الله عنه.

مقدراها ومم تخرج :

مقدار زكاة الفطر صاع من غالب طعام الناس، ولا يجوز إخراجها نقداً ولا تجزئ أبداً، وذلك للآتي :

  • لقوله صلى الله عليه وسلم: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أوصاعاً من شعير.." الحديث .
  • ولفعله وفعل جميع أصحابه، إذ لم يعلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخرج النقود في زكاة الفطر، وهم أعلم الناس بسنته، وأحرص على العمل بها، وأحرص على ما ينفع الناس.

    كانت الدنانير والدراهم موجودة في المدينة في عهد الصحابة ومن بعدهم، وكان الناس أكثر حاجة إليها من اليوم، ومع ذلك لم يخرج الصحابة ومن بعدهم نقوداً.

    لا اجتهاد مع نص صحيح صريح.

  • العبادات توقيفية.

تخرج زكاة الفطر من القوت ، سواء كان حبوباً أوغير حبوب، قال ابن القيم رحمه الله: (فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن، واللحم، والسمك، أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائناً ما كان).

هذا مذهب العامة من أهل العلم، منهم الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد، وأجاز أبو حنيفة إخراجها نقداً، وهذا قول مرجوح مردود بالحديث وبفعل الصحابة، إذ لا عبرة بالخلاف إلا إذا استند على دليل، ورحم الله أبا حنيفة حيث قال: "هذا رأيي، فمن جاءني برأي خير منه قبلته"، ونحن لم نأته برأي، بل بقول من لا ينطق عن الهوى، والله لم يتعبدنا بقول أحد سوى الرسول صلى الله عليه وسلم.

يحتج البعض على جواز إخراجها نقداً ببعض الممارسات الخاطئة، حيث يبيعها بعض من يُعطاها حباً إلى نفس التاجر بنصف القيمة مثلاً، وعلاج ذلك أن يتحرى الإنسان ويجتهد في توصيل زكاته لمن يستفيد منها، ولو أعطيتها لفقير يستحقها وباعها بربع القيمة فقد برئت ذمتك منها.
لا يجوز لأحد أن يتولى جمع زكاة الفطر أوكفارة الإطعام نقداً، لما في ذلك من مخالفة السنة، إلا إذا شاء أن ينوب عن أصحابها في شراء الحبوب أوالطعام وتقسيم ذلك على مستحقيه.

لا ينبغي أخي المسلم أن يكون هدفك من إخراج الزكاة نقداً سرعة التخلص من ذلك، وتنصلك من مسؤولية توصيل الحبوب أوالطعام لمن يستحقه فتفسد عملك.

وقت إخراجها

من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى أن يطلع الإمام لصلاة العيد، ويجوز تقديمها عن ذلك اليوم واليومين، وأجاز أبو حنيفة إخراجها من أول الشهر، وذهب مالك إلى عدم جواز تقديمها مطلقاً كالصلاة قبل وقتها، والراجح ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله، لأن العبادات توقيفية.

ومن أخرها عن ذلك أخرجها بعد ذلك، مع الإثم.

مصارفها :

هي نفس مصارف الزكاة ، ويجوز أن تدفع لواحد أوتوزع .

ليس لزكاة الفطر نصاب ..

فكل من ملك ما زاد على قوت نفسه ومن يعول فقد وجبت عليه.

وأخيراً اعلم أخي الكريم أن ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، فالنقود لم تجزئ في زكاة الفطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، فلن تجزئ اليوم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وتقبل منا ومنكم الطاعات .

" وكل عام وأنتم بخير "




وين الردود …….




جزاك الله خيرا الجزاء موضوع قيم يهله الكثيرون

بارك الله فيك واحسن اليك

اخص بالذكر والتركيز على

اقتباس:

مقدراها ومم تخرج :

مقدار زكاة الفطر صاع من غالب طعام الناس، ولا يجوز إخراجها نقداً ولا تجزئ أبداً، وذلك للآتي :

  • لقوله صلى الله عليه وسلم: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أوصاعاً من شعير.." الحديث .

التي يجهلها الكثيرون




بـارك الله فيك أخ عبدو دائما حاضر و متألق

شكراا على المرور




التصنيفات
العربية والعرب,صرف,نحو,إملاء...إلخ

اكتشف الخط العربي قبل الاسلام مخطوطات وخطوط قديمة

تعليمية تعليمية

طرق هذا الموضوع عدد كبير من الكتاب العرب والمستشرقين الأجانب، وأشار إليه كتابنا العرب القدامى، وكان كل واحد منهم يأخذ ممن سبقه، ويزيد عليه بعض المعلومات التي عثر عليها أو سمع بها.


1- النصوص القديمة المكتشفة:


استأنس المستشرقون بما ذكره الكتاب العرب القدماء، لكنهم لم يعتمدوا عليه كلياً، وإنما كان رائدهم الاعتماد على اللقى الأثرية ودراسة النصوص، ليكون بحثهم موضوعياً.


اكتشف عدد كبير من النصوص القديمة الحميرية والسبئية والثمودية واللحيانية والصفوية التي تنتسب جميعاً إلى الحضارة العربية الجنوبية القديمة، واكتشف أيضاً عدد كبير من النصوص الآرامية والفينيقية والنبطية والتدمرية والسريانية والعبرية… وهي جميعاً تعتبر كتابات سامية شمالية، وعثر على القليل من النقوش العربية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، وعددها الآن / 7 / أقدمها من حيث الاكتشاف والتاريخ نقش أم الجمال الأول، ونقش النمارة، وأحدثها اكتشافاً نقش جبل أسيس

تعليمية


لا يعني هذا أنه لا توجد نقوش أخرى من ذلك العهد، ولكن نتمنى أن نعثر على نصوص أخرى ربما أضافت إلى معلوماتنا أشياء جديدة، تفيدنا في التأكد من سير تطور الخط العربي قبل الإسلام.


وقد ذكر مؤرخونا بعض النصوص القديمة، ونحن نعلم أن المعلقات السبع أو العشر كانت مكتوبة ومعلقة في الكعبة، ولكن للأسف لم يصلنا أي وثيقة مكتوبة.


2- تطور الخط العربي:


سادت في النصف الأول من هذا القرن بين العلماء المستشرقين المهتمين بنشأة الخط العربي بناء على المشاهدات فكرة تتلخص:


بأن الخط العربي تطور من الخط النبطي المتأخر، وقد أوردوا الأدلة على ذلك، ولكن ظهرت نظرية جديدة سنة / 1963م / كان زعيمها الأب ميليك والأب ستاركي مفادها أنالخط العربي تطور من الخط السرياني، وقد اعتمدوا في الاتجاه إلى هذا الرأي على النصوص التاريخية القديمة التي ذكرها هشام بن محمد السائب الكلبي والبلاذري وابن النديم وياقوت الحموي، ومن نقل عنهم مثل ابن خلدون والقلقشندي والمقريزي.


عرض ستاركي أمثلة تدل على الشبه بين الخط السرياني الأسطرنجيلي والخط العربي القديم، وكان دليله أن هذه الخطوط العربية القديمة وجدت في بلاد الشام بعد انقراض الدولة النبطية بعدة قرون، واستدل – من أجل تأييد وجهة نظره – على الشبه الظاهري بين الخطين السرياني العربي القديم.


نلخص ما ذهب إليه فيما يلي :


ü بعض الحروف العربية متصلة كالسريانية، بينما النبطية تظل مستقلة.


ü الحروف العربية تنتظم على سطر واحد كالسريانية، بينما الحروف النبطية لا تخضع لهذا الانتظام، فهي تعلو وتنخفض عن السطر.


ü بعض الحروف العربية هي الحروف السريانية نفسها شكلاً ولفظاً : الألف والدال والراء والميم والشين والعين والهاء ذات العقدتين.


ü المصادر التاريخية العربية القديمة تؤيد هذا الاتجاه، فهي تذكر أن العرب تعلموا الخط من الحيرة والأنبار.


نقول بالرغم من وجاهة النظرية الجديدة في بعض النواحي وترحيب بعض الباحثين بها، فإننا لا نستطيع أن ننكر أبداً التأثر الشديد بالخط النبطي المتأخر، فإذا كانت بعض الحروف العربية والسريانية متشابهة، فإنها بعضها أيضاً يتشابه بالمظهر، لكن اللفظ مختلف تماماً; وإن الحروف المتشابهة في الخطين النبطي المتأخر والعربي ظلت في اللفظ واحدة، والتطور نحو التماثل بين الخطين واضح.


أما ما ورد في المصادر التاريخية العربية القديمة عن نشأة الخط، وتعلم العرب الخط من الحيرة والأنبار، فإن أكثره يتكلم عن الخط قبيل الإسلام.


سنرى عند عرضنا النصوص العربية القديمة قبل الإسلام أن كلمات بل جملاً كاملة – هي بشكلها ومعناها ومبناها – عربية خالصة، ذكرت جمل في نقش النمارة الذي يعتبر أقدم نص عربي مكتشف كتبت حروفه بالخط النبطي المتأخر، وبعضها بالخط المتطور، مثل الجملة " فلم يبلغ ملك مبلغه " ربما كان لهذه النظرية وزن قبل اكتشاف كتابة جبل أسيس : هذه الكتابة عربية خالصة، ولكنها مع ذالك لم تخلو من بعض التأثير الطفيف بالخط النبطي، حتى أن التاريخ كتب بالنبطية كما هو الأمر في جميع النصوص المؤرخة، فإذا كانت دولة الأنباط قد انقرضت – حسب ما قال صاحب النظرية – فهل انقرض الشعب النبطي نهائياً، واندثرت ثقافته؟.


3- أثر الخطين النبطي والسرياني:


بالرغم من كل ما ذكر فإننا لا ننكر أيضاً بعض التأثر بالخط السرياني الأسطرنجيلي، لأن هذا التأثر أمر طبيعي ناتج عن اتصال عرب الجزيرة بالعرب الأنباط، وبعرب الحيرة والأنبار، وعرب الشام; ويجب أن لا ننسى أن أصل الخطين النبطي والسرياني واحد، فهما منحدران من الخط الآرامي، وليس من الضروري أبداً أن نتشبث بالأخذ بإحدى النظريتين من أجل وجهة نظر معينة كبيان فضل المسيحية على هذا التطور، وهو أمر لا ننكره أبداً.


ناقش الأستاذ غروهمان هذا الموضوع بالتفصيل في كتابه الأخير، ورجح أن يكون التأثير الأقوى في نشأة الخط العربي وتطوره من الخط النبطي، ونقض كثيراً من مرتكزات نظرية ( ميليك و ستاركي ).


إن ما ذكره المؤرخون العرب القدامى من المعلومات المعقولة لا يعدو أكثره التاريخ القريب من ظهور الإٍسلام، وهي فعلاً جديرة بأن يشار إليها:


قال ابن النديم وهو أكثر الناس تحدثاً عن أصل الكتابة والخط العربي: " أول من كتب بالعربية ثلاثة رجال من بولان، وهي قبيلة; سكنوا الأنبار، وأنهم اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعة وموصلة، وهم: مُرامِر بن مرة، وأسلم بن سِدْرة، وعامر بن جَدْرَة ".


وقال: " وسئل أهل الحيرة ممن أخذتم العربي فقالوا من أهل الأنبار……".


وقال: " قرأت في كتابة مكة لـ عمر ابن شبه وبخطه: أخبرني قوم من علماء مصر قالوا : الذي كتب هذا العربي الجزم رجل من بني مخلد بن النضر بن كنانة، فكتبت حينئذ العرب ".


هذا النص يلفت النظر، ففيه أولاً: ورود كلمة ( الجزم )، يعني هذا أن العرب اقتطعوا واختزلوا حروف الخط المسند اليمني، واستنبطوا من الأبجدية العربية، لعل ابن خلدون كان أوضح الكتاب العرب في بيان الصلة بين الخط الحميري والخط العربي حينما قال: " وقد كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف، وهو المسمى بالخط الحميري، وانتقل إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية، والمجددين لملك العرب بأرض العراق ….."؟.


يمكن في الواقع أن نعتبر منشأ الخط العربي ناتجاً من تحوير واختزال الخط المسند، وهذا اتجاه ثالث، ويستحق أن يكو نظرية ثالثة في التعرف على أصل الخط العربي.


يبدو أن ابن النديم كان مقتنعاً بهذه الفكرة حتى أنه رسم الحرف المسند، وفي وسطه الحرف العربي، ليبين كيف جزم الحرف العربي من المسند.


وقال ابن النديم أيضاً: " الذي حمل الكتابة إلى قريش بمكة أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة، وقد قيل حرب بن أمية ".


4- الكتبة قبل الإسلام:


هذه النصوص إجمالاً تعطينا فكمرة عن أصل الخط العربي وانتقاله وتعلمه في أرض الجزيرة العربية، ومن المفيد أن نورد بعض النصوص الأخرى التي تنير لنا جوانب أخرى من الموضوع :


ذكر لنا ابن النديم نصاً يشير به إلى كتابة عربية قبل الإسلام، ووصفها لنا، وهي مكتوبة بخط عبد المطلب بن هاشم فقال: " … وكان الخط شبه خط النساء …" يريد أن يقول إن الخط كان غير متقن.


ذكر البلاذري نصوصاً هامة نقتطف منها هذه المعلومات الملخصة فيما يلي:


1) الذين يعرفون القراءة والكتابة في الجاهلية عشرة أشخاص (وذكر البلاذري أسمائهم).


2) بشر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي علَّم في الشام ناساً.


3) رجل من طابخة كلب علَّم رجلاً من أهل وادي القرى، فأتى الوادي يتردد، فأقام بها وعلم الخط قوماً من أهلها.


4) الذين يعرفون القراءة والكتابة في فجر الإسلام تبلغ عدتهم أربعين، ومنهم كتاب الوحي، وقد ذكر أسماءهم جميعاً.


ذكر الطبري: قال النسابة هشام ابن محمد بن السائب الكلبي: كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى، وتأريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة.


قال ابن جني: ورد أن النعمان ملك الحيرة نسخ أشعار العرب، ودفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيد قيل له: إن تحت القصر كنزاً فاحتفره، فأخرج تلك الأشعار.


ذكر الأصفهاني أن زيد بن حماد بنت زيد بن أيوب تولى الكتابة للنعمان الأكبر وذكر أن جماعة من الشعراء كانت تكتب مثل المرقش الأكبر و عبد الله بن الزبعري.


ذكر المفضل الضبي قصة المرقش الأكبر كيف تعلم الكتابة من رجل من أهل الحيرة، فصار يكتب أشعاره.


5- النصوص العربية السبعة:


هذه النصوص القليلة مفيدة من اجل استكمال الصورة عن الخط العربي قبل الإسلام، وسنعرض فيما يلي النصوص العربية السبعة قبل الإسلام:


v كتابة أم الجمال الأولى: تقع أم الجمال إلى جنوبي مدينة بصرى الشام على بعد / 25كم /، نشرها إنو ليتمان مع النصوص النبطية، ولكننا نرى أن النص عربي كتب بالخط النبطي المتأخر، وتبدو فيه ملامح الخط العربي القديم، وفيه كلمات عربية.


هذه الكتابة غير مؤرخة لكننا نستطيع أن نحدد زمنها في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي، لأن جذيمة المذكور في النص هو حتماً جذيمة الأبرش أحد ملوك الحيرة التنوخيين الذي حار زنوبيا ملكة تدمر.


تعليمية


– الشكل 1 –


تفكيك النص: 1- دنه نفشو فهرو


2- بر سلي جديمة


3- ملك تنوخ


تفسير النص: 1- هذا قبر فهر


2- بن سُليْـ[ـم] مربي جذيمة


3- ملك تنوخ


v كتابة النمارة: النمارة قصر صغير من العهد الروماني يقع في الطرف الجنوبي من وادي الشام الجاري بين جبل العرب إلى الشمال الشرقي نحو البادية.


نقشت هذه الكتابة على نحت الباب وهو من الحجر البازلتي، اكتشفته بعثة فرنسية في سفح المنحدر المؤدي إلى الوادي، وذلك في أوائل القرن الحالي، وقد نقل الحجر إلى متحف اللوﭭر في باريس، وحصل متحف دمشق على نسخة جصية من هذه الكتابة، وعرضت النسخة أخيراً في متحف الخط العربي في دمشق ( المدرسة الجقمقية ).


رقمت هذه الكتابة بالخط النبطي المتأخر وبلغة عربية مشوبة بشيء من رواسب الآرامية، وهذا واضح من وضع ( الواو ) في آخر المفردات، وخاصة أسماء الأعلام، يلاحظ أن ( الألف ) تحذف من قلب الأسماء وخاصة أسماء الأعلام.


فكك هذه الكتابة عدد من العلماء، ونقلوا مفهومها إلى لغاتهم، وقد اختلفوا في مفهوم بعض الكلمات، ولذلك رأينا أنه لزاماً علينا أن نسهم في تفكيك النص، فخرجنا بنتيجة مختلفة في الأمور الحساسة التي لها قيمة تاريخية، ونعتقد أننا استطعنا أن نعطي النص مفهوماً واضحاً، وحللنا كثيراً من عقد التي استعصى حلها على من سبقنا.


تعليمية


الشكل 2 –


تفسير النص: أضفنا كلمات من عندنا لتوضيح المعنى وحرفاً لاستكمال


الكلمة الناقصة، ووضعناها بين [ معقودتين ]، كما أضفنا


كلمات تفسيرية بين ( قوسين ).


1- هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي حاز التاج.


2- وملك [ عشيرتي ] بني أسد و [ قبيلة ] نزار وملوكهم، وهزم [ قبيلة ] مـ [ ـذـ ] حج القوية, وجا [ء].


3- يزجي في حبج نجران مدينة [ الملك ] شَمِر ( أو شَمَّر )، ومالك [ قبيلة ] معد و [ موضع ] بنان، و [ أطاع ] بنيه.


4- الشعوب، ووكلهم [ الـ ] فـُـرْسُ [ لمجابهة ] [ ا ] لروم . فلم يبلغ ملك مبلغه.


5- قوةً . هنلك سنت 223 يوم سبعة كسلول ليسعد أولاده.


هذا النص مهم جداً من عدة وجوه:


1- من الناحية الباليوغرافية التي تركز على كيفية رسم الحروف وتطورها.

2- من الناحية اللغوية، رأينا كيف يختزل النص الكلمات والحروف، وفيه تقدير وتأخير، وفيه مفردات ميتة، ولكن نلاحظ الجملة السليمة ( فلم يبلغ ملك مبلغه ).


3- من الناحية التاريخية: التاريخ النبطي / 223 / يعادل / 328م / وهو تاريخ وفاة امرئ القيس اللخمي ملك الحيرة الذي علا شأنه في العرب، واستطاع أن ينتصر على بني أسد في نجد، ووصل نفوذه إلى نجران جنوباً، وتغلب على أكبر ملك في الجنوب وهو الملك شمِر.


إن مكان وجود الأثر في بلاد الشام الجنوبية يدل على تقدم عسكري هام إذ طغى ملك الحيرة على حدود بلاد الشام.


v كتابة معبد رم: بقع جبل رم على بعد / 40كم / شرقي العقبة، وقد أجرى التنقيب في المعبد ساﭭيناك و هورسفيلد ونشرا صورة ومستنسخ النصدون أن يقرأاه، وقد عني الأستاذ غروهمان في كتابه الأخير سنة / 1971م / بملاحظة تطور حروف النص من الناحية الباليوغرافية، ولم ينشر تفكيك النص كاملاً، وهنا نحاول تفكيك النص دون التقيد بما ذهب إليه غروهمان:


تعليمية


– الشكل 3 –


تفكيك النص:1- عليو خُلـَيْصي


2- بر مبارك ؟


3- حبيبو عرا أم اللمة سطى وكـ …


تفسير النص:1- علي [ الـ ] ـخُلـَيْصي


2- بن مبارك؟


3- حبيب عزا؟ أم اللمه سطا وكـ [ ـفأ ].


هذا النص يدل على فضيحة حدثت في المنطقة، أريد به التشهير بفاعلها، وهو علي الذي ينتسبإلى خُلـَيْص، وهو حصن بين عسفان وقديد في اليمن أو بين مكة والمدينة اعتدى على شرف امرأة أو سطا على شيء ثمين.


النص غير مؤرخ، حدد غروهمان تاريخه بين / 328م / و / 350م / اعتماداً على رأي ليتمان و نبيهة عبود.


v كتابة أم الجمال الثانية:


تعليمية


– الشكل 4 –


تفكيك وتفسير النص:1- إلهِ غفراً لأثيم ؟


2- بن عبيدة كاتب


3- العبيد أعلى بني


4- عمري ينم عنه من


5- …… ؟.


وجدت هذه الكتابة منقوشة على حجر بازلتي / 62×31سم / في أم الجمال في المبنى الذي يسمى الكنيسة المزدوجة مستعملاً كحجر غشيم، وجد في المنطقة.


النص غير مؤرخ، نشره ليتمان، وقدر تاريخه بالقرن السادس الميلادي، وإذا تأملنا رسم حروفه وخاصة ( الراء ) و ( الدال ) و( الباء ) في أول الكلمة وفي آخرها، وجدنا آثار الخط النبطي المتأخر واضح، بينما النصوص الذي ستأتي بعده ستكون متطورة تماماً، لذا يمكن تأريخه بالقرن الخامس الميلادي أو قبل ذلك بقليل.


بالرغم من وجود اسمين علمين،والثاني ذو مرتبة رفيعة، فإننا لم نهتدي بعد إلى هويتهما.


v كتابة زبد: تقع زبد في سورية الشمالية بين قنسرين والفرات، وقد نقشت هذه الكتابة على نحت باب كنيسة مع كتابة يونانية وأخرى سريانية، الكتابة العربية غير مؤرخة، لكن اليونانية مؤرخة من سنة / 823 / بالتقويم السلوقي الذي يعادل / 512م /، وقد تم حفظ الأثر في متحف بروكسل الخمسيني.


تعليمية


– الشكل 5 –


تفكيك النص: 1- [ بـ ] ـجـ [ ـبـ ] رر الإله شرحو بر ( أو بن ) أمت


منفو و هليا بر ( أو بن ) [ ا ] مر [ ئ ] القيس


2- وشرحو بر ( أو بن ) سعدو وسترو وشـ [ ر ] يحو.


هذا الخط بكتابته قريب جداً من الخط العربي المتطور، ولم يبقى من أثر قديم إلا رسم ( الدال ) في كلمة ( سعدو )، وإضافة ( الواو ) في أخر أسماء الأعلام، وحذف الهمزات من كلمة ( امرئ )،وعدم تمييز ( النون ) من ( الراء ) في كلمة ( بر أو بن ).


جميع الكتابات العربية القديمة وجدت في جنوبي بلاد الشام ما عدا هذه الكتابة التي وجدت في الشمال، إن هذا يدل بوضوح على عروبة بلاد الشام قبل الإسلام.


v كتابة أسيس: جبل أسيس حرة بركانية واسعة تقع شرق دمشق على بعد / 105كم / على خط مستقيم.


أكبر فوهة بركانية قطرها بين / 1.5-2كم / تتشكل فيها بحيرة في موسم الأمطار، ويقوم في الجهة الشرقية قصر بناه الوليد بن عبد الملك / 70×70م / يجمع إلى جواره عدد من الدور الفقيرة وجامع، وتوضع في سفح الجبل من الناحية الجنوبية حي كبير فيه دور جيدة ودور فقيرة.


قامة بعثة ألمانية برئاسة الدكتور كلاوس بريش بالتنقيب في المباني بين سنتي / 1962- 1964م / وقد جاب مع هذه البعثة الدكتور محمد أبو الفرج العش ممثلاً عن المديرية العامة الآثار والمتاحف، المنطقة من أقصاها إلى أقصاها، فوجد منقوشاً على جلاميد الصخر البازلتي عدداً كبيراً من الكتابات الصفوية المحورة من الخط المسند اليمني، ورسوماً حيوانية وإنسانية، وكثيراً من الكتابات العربية من العهد الأموي، بعضها مؤرخ، وكان من ضمن الكتابات الهامة هذه الكتابة، والتي قدر الدكتور أنها تعود إلى ما قبل الإسلام بالرغم أنه لم ينتبه إلى أنها مؤرخة بالتقويم النبطي / 423 / وهو يعادل / 528م /.


وقد لفظ نظره إلى التاريخ بعد النشر الأول الأستاذ الدكتور غروهمان، فأعاد الدكتور محمد نشرها مع تغييره كلمة ( مُسلَّحَهُ ) حسب توجيهه، ولكن عندما نشر الدكتور غروهمان الكتابة سنة / 1971م / في الكتاب الذي أشرنا إليه سابقاً تراجع عما أوحاه إلى الدكتور محمد، وأخطأ في مفهوم النص.


تعليمية


– الشكل 6 –


تفكيك النص: 1- إبراهيم بن مغيرة الأوسي


2- أرسلني الحرث الملك على


3- سليمن مُسَلَّحَهُ سنت


4- 423 ( بالتقويم النبطي ) = / 528 م/.


يعتبر هذا النص أهم وثيقة تبين تكامل الخط العربي سنة / 528م /، وهو بالرغم من أنه أقدم من النص التالي لكنه أكثر وضوحاً وقرباً من الخط العربي في فجر الإسلام.


المعلومات الواردة في هذا النص هامة جداً: إبراهيم بن المغيرة الأوسي أرسله الملك الغساني الحارث بن جبلة المتوفى سنة / 570م / إلى سليمان مُسَلَّحَهُ(أي حاملاً إليه السلاح) سنة / 528م /.


يبدو أن التوتر كان موجوداً بين الحارث الغساني، والمنذر الثالث بن ماء السماء ملك الحيرة، لذا أرسل الحارث السلاح إلى قائده سليمان سنة / 528م / ووقعت الحرب بين الدولتين اللخمية والغسانية سنة / 529م /، فانتصر الحارث، وسمت مرتبته لدى الدولة البيزنطية، فكوفئ ولقب ( فيلارك ) حاكم جميع العرب.


يلفت نظرنا نسبة إبراهيم بن مغيرة إلى الأوس، وهو من أهل يثرب، ويدل هذا النص على أنه يوجد تعاون بين أهل يثرب والملك الغساني ضد اليهود، وسنرى في النص التالي حملة شنت على خيبر سنة / 567م /.


v كتابة حران الجنوبية: وهي حران اللجاة في المنطقة الجنوبية من ديار الشام تقع إلى شمالي جبل العرب.


وجدت الكتابة على نحت باب كنيسة بالعربية إضافة إلى كتابة يونانية هذا نصها " أسس أشرحيل بن ظالم سيد القبيلة مرطول مار يوحنا في سنة أربعمائة وثلاث وستين من الأندقطية الأولى. ليذكر الكاتب ".


تعليمية


– الشكل 7 –


تفكيك النص: 1- أنا شرحيل بن ظلمو (أي ظالم ) بنيت ذا المرطول


2- سنت 463 بالتقويم النبطي = 568م بعد مفسد


3- خيبر


4- بعم ( أي بعام )


تفسير النص: 1-بني المرطول سنة 568م بعد الحرب التي شنت على يهود خيبر بعام أي أن الحرب قامت سنة 567م.


2- الذي أقام الحرب على يهود خيبر هو الحارث بن جبلة ( أبي شَمَّر ) الغساني سنة 528م، وهذا يؤكد التعاون بين الغساسنة وأهل يثرب.


3- يدل النص على أن اليهود في جزيرة العرب قوم غير مرغوب فيهم، يركزون قوتهم في مستعمرة خيبر، ويسببون المشاكل، مما دعا الملك الغساني إلى محاربتهم انتصاراً لبني قومه، وقد أشار ابن قتيبة إلى تلك الحرب فقال: " … وغزا [ الحارث ]خيبر فسبى من أهلها ثم أعتقهم بعدما قدم الشام ".


4- لم تكن هذه الحرب هي الحادث الوحيد، فقد ذكر الدكتور جواد علي حادثاً آخراً مشابهاً بين أبي جُبَيلة عبيد بن مالك ابن سالم الموالي للغساسنة الذي أنجد مالك بن العجلان الخزرجي ضد اليهود في الحجاز.


هذه هي الكتابات العربية السبع قبل الإسلام، ونأمل أن نعثر على مزيد من هذه الكتابات لنستكمل معلوماتنا عن الخط في نشأته.


ومما يجدر ذكره في الخاتمة أن هذه الكتابات يجب أن تحتل صدر الوثائق التاريخية العربية، لما فيها من معلومات تاريخية ثابتة.

تعليمية تعليمية




بحث جميل ورائع




بارك الله فيك




التصنيفات
الشعر والنثر

أبيات فى الزهد والرقائق لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله

أبيات فى الزهد والرقائق لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله

أنــــا الفقـير إلى رب البريــــــــات *- * أنـا المسيكين في مجـموع حـالاتـي .
أنـا الظلوم لنفسي وهي ظالمتــــي *- * والخيـر إن يأتنـا من عنـده يأتــــــي.
لا أستطيع لنفســــي جلب منفعــــة *- * ولا عن النفس لي دفـع المضـــرات.
وليس لي من دونـه مولى يُدبـرني *- * ولا شفيع , إذا حاطت بـي خطيئاتـي.
إلا بإذن مـن الرحـمن خالقنــــــــــا *- * إلى الشفيع , كما قد جاء في الآيــات .
ولست أملك شيئـــاً دونه أبـــــــــداً *- * ولا شريـــــك , أنا في بعـــض ذرات .
ولا ظهير له , كي يستعـــين بـــــه *- * كمـــــا يكــــون لأرباب الولايــــــــات.
والفقر لي وصف ذات , لازم أبــداً *- * كمــــا الغنــــــــى وصـــف لـــــه ذات .
وهذه الحــــال حال الخلق أجمعهـم *- * وكلهـــــم عنــــده عبــد لـــــه آتـــــي
فمن بغى مطلباً من غير خالقـــــــه *- * فهــــو الجهول الظلوم المشرك العاتي

والحمـــد لله ملء الكـــون أجمعــه *- * ما كان منــــه , وما من بعد قد يأتـــي .

الأبيات لشيخ الإسلام ابن تيمية وقالها في سجن قلعة دمشق (القلعة المنصورة)، وقد ذكر ابن القيم في المدارج أن هذا كان في آخر حياته على ظهر رقاع أرسل له عليها قاعدة في التفسير، ولعلها المطبوعة بعنوان أصول التفسير.




اقتباس:
فمن بغى مطلباً من غير خالقـــــــه *- * فهــــو الجهول الظلوم المشرك العاتي

ابيات من ذهب




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،،

اقتباس:
والحمـــد لله ملء الكـــون أجمعــه *- * ما كان منــــه , وما من بعد قد يأتـــي

بارك الله فيكـِ أخيتي أم همَّام على الأبيات الطيبة ،،،

وفقكـِ الله