التصنيفات
اسلاميات عامة

إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال للشيخ مقبل الوادعي

تعليمية تعليمية

بسم الله الرحمن الرحيم
تعليمية تعليمية

تعليمية تعليمية

يضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال

المقدمة
الحمد لله المعز لأوليائه، والمنتقم من أعدائه، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وآله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فقد جرت سنة الله في خلقه أن جعل بعض خلقه لبعض فتنة فجعل منهم المؤمن والكافر، والغني والفقير، والعاقل والسفيه، فكان ذلك من أعظم الأسباب لاختلافهم، كما قال ربنا عز وجل في كتابه الكريم: {ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم} 1.
وقد اختلفوا في الأفهام وفي العلم، وكان مما اختلف فيه أهل العلم وذوي الجهل والزيغ مسألة الزلزال، فأهل العلم قالوا عند أن حدث الزلزال بذمار: ماقررناه في الكتاب، وذوو الجهل والزيغ قالوا: إنه أمر طبيعي. من أجل ذلك ألقيت بعض الخطب ثم رأيت أن أخرجها في رسالة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة.
إنّ القائلين بأنه أمر طبيعي يبطلون انتقام الله لأوليائه، قال سبحانه وتعالى في قوم صالح في سورة الأعراف: {فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * فأخذتْهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين} 2.
وقال في قوم شعيب في سورة الأعراف: {وقال الملأ الّذين كفروا من قومه لئن اتّبعتم شعيبًا إنّكم إذاً لخاسرون * فأخذتْهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الّذين كذبوا شعيبًا كأن لم يغنوا فيها الّذين كذبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين * فتولّى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين} 3.
وقال في سورة العنكبوت في قوم شعيب: {فكذبوه فأخذتْهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين4}.
وقال تعالى في قوم موسى في سورة الأعراف: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلمّا أخذتْهم الرّجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين5}.
وقال سبحانه وتعالى في يوم القيامة: {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً6}.
وقال سبحانه تعالى: {يوم ترجف الرّاجفة7}.
وقال سبحانه وتعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها*? وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدّث أخبارها * بأنّ ربّك أوحى لها * يومئذ يصدر النّاس أشتاتًا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره}.
وقال سبحانه وتعالى في أول سورة الحج: {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}.
أبعد هذه الأدلة يجوز للمسلم أن يصغي إلى قول أولئك الملاحدة الذين يعترضون على قدرة الله وحكمته وعدله، آمنا بالله وكفرنا بقول الملاحدة وأذنابهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون * فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين93}.
إننا نخشى معشر المسلمين أن يكون ما فتحه الله سبحانه وتعالى على كثير من البلاد استدراجًا من الله سبحانه وتعالى، هل نشكر نعمته أم نكفرها؟إن المسلمين الآن أصبحوا يهرولون بعد أعداء الإسلام، ويظنون أن أعداء الإسلام تقدّموا بسبب الكفر والإلحاد، وبسبب المعاصي، والواقع أن أعداء الإسلام تقدّموا بسبب جدّهم واجتهادهم.
والمسلمون وخصوصا في الشعب اليمني، الثلثان من الوقت يضيّعونهما، لأن الطيّب منهم يشتغل إلى الظهر، ومن بعد الظهر على الشجرة الأثيمة (القات) إلى الساعة الرابعة من بعد العشاء وقد وجدت بعينيّ من يصلي المغرب والعشاء الساعة الرابعة بعد ما انتهى من مجلس القات ألستم مسئولين عن هذه الأوقات؟!
إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسْأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم وضعه، وعن علمه ماذا عمل فيه)).
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((احْرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزْ)).
فينبغي أن تحرص على ما ينفعك في أمر دينك ودنياك، وألاّ تكون كسولاً، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالله من العجز والكسل.
شباب في خيرة أعمارهم يضيّعون أوقاتهم في هذه الشجرة الأثيمة. علينا أن نتقي الله، وأن نحرص على تعلّم العلم النافع، ونحرص على صلة الرحم، ونحرص على الإحسان إلى الجار، وقبل هذا كله على تعلم العقيدة الصحيحة.
إذا أردتم أن يرفعكم الله فلا تكونوا إمّعة، فإن الذي يكون إمّعة لا يزال منهزمًا.
انظروا إلى الذين صفّقوا (لصدام) أصبحوا منهزمين نفسيًا.
إن تلك الشجرة الأثيمة أخذت عقول كثير من اليمنيين، وأنتم تعرفون، فبعضهم يذْهب به إلى (تعز) قد اختلّ عقله، وبعضهم يصبح مجنونًا، ينتظر متى يقتل شخصًا أو يقتل نفسه.
شجرة خاطئة ابتلى الله اليمنيين بها، وابتلى الله الحبشة بها.
فعلينا أن نصرف أوقاتنا فيما ينفعنا في طلب العلم حتى نعبد الله على بصيرة، وحتى نقول: نعم ولا، على بصيرة، فإذا قلت: نعم، تكون على بصيرة، وإذا قلت: لا، تكون على بصيرة. لا تكن إمّعة إن أحسن الناس أحسنّا وإن أساءوا أسأنا.
فالشأن كل الشأن هو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، حتى إذا حدثت حادثة أو آية من الآيات يصير الشخص إن نجا نجا، وإن لم ينج فإنه يبعث على نيّته، وقد كنت نقلت شيئًا من هذا في "المخرج من الفتنة" فيما ابتلى الله سبحانه وتعالى به أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بعد نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عصر ابن الجوزي، وهذا شيء قليل ذكره ابن الجوزي في "المدهش" ولم يستوعب، وبقي من زمن ابن الجوزي إلى زمننا هذا لو أن شخصًا تتبّعه لكان أكثر وأكثر، ومما ينبغي أن يعلم أن الزّلزال لم يحدث على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا على عهد أبي بكر، وحدث على عهد عمر. قلنا: وقد سرد الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه "المدهش" بعض الحوادث التي مرّت على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جوع وزلزال فرأيت إثباته لما فيه من العبرة قال رحمه الله:

فصل في الجدوب وعموم الموتأجدبت الأرض في سنة ثماني عشرة، فكانت الريح تسفي ترابًا كالرّماد، فسمّي عام الرمادة، وجعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، فآلى عمر ألاّ يذوق سمنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناس، واستسقى بالعباس فسقوا. وفيها كان طاعون عمواس، مات فيه أبوعبيدة، ومعاذ، وأنس.
وفي سنة أربع وستين وقع طاعون بالبصرة، وماتت أم أميرهم فما وجدوا من يحملها.
وفي سنة ست وتسعين كان طاعون الجارف، هلك في ثلاثة أيام سبعون ألفًا، ومات فيه لأنس ثمانون ولدًا، وكان يموت أهل الدار فيطيّن الباب عليهم-أي يصير البيت قبرًا لهم لأنه لا يوجد من يخرجهم إلى المقبرة ويحفر لهم قبرًا-.
وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة مات أول يوم في الطاعون سبعون ألفًا، وفي اليوم الثاني نيّف وسبعون ألفًا، وفي اليوم الثالث خمد الناس.
وفي السنة التاسعة عشرة وثلاثمائة كثر الموت، وكان يدفن في القبر الواحد جماعة.
وفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ذبح الأطفال، وأكلت الجيف، وبيع العقار برغفان، واشْتري لمعز الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم.
وفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة عمّت الأمراض البلاد فكان يموت أهل الدار كلهم.
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة أصاب أهل البصرة حرّ فكانوا يتساقطون موتى في الطرقات.
وفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة عم القحط فأكلت الميتة وبلغ المكوك -كتنور: مكيال- من برز البقلة سبعة دنانير والسفرجلة والرمانة دينارًا والخيارة واللينوفرة دينارًا، وورد الخبر من (مصر) بأن ثلاثةً من اللصوص نقبوا دارًا فوجدوا عند الصباح موتى أحدهم على باب النقب والثاني على رأس الدرجة والثالث على الثياب المكورة. وفي السنة التي تليها وقع وباء فكانت تحفر زبية -بالضم: الرابية، وحفيرة الأسد- لعشرين وثلاثين فيلقون فيها، وتاب الناس كلهم وأراقوا الخمور ولزموا المساجد.
وفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وقع الوباء وبلغ الرطل من التمر الهندي أربعة دنانير.
وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة اشتدّ الجوع والوباء بـ(مصر) حتى أكل الناس بعضهم بعضًا، وبيع اللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط، وخرج وزير صاحب (مصر) إليه فنزل عن بغلته فأخذها ثلاثة فأكلوها فصلبوا، فأصبح الناس لا يرون إلا عظامهم تحت خشبهم وقد أكلوا.
وفي سنة أربع وستين وأربعمائة وقع الموت في الدواب، حتى إن راعيًا قام إلى الغنم وقت الصباح ليسوقها فوجدها كلها موتى.
فصل في الزلازل والآياتزلزلت الأرض على عهد عمر في سنة عشرين.
ودامت الزلازل في سنة أربع وتسعين، أربعين يومًا، ووقعت الأبنية الشاهقة، وتهدّمت (أنطاكية).
وفي سنة أربع وعشرين ومائتين زلزلت (فرغانة) فمات فيها خمسة عشر ألفًا.
وفي السنة التي تليها رجفت (الأهواز) وتصدّعت الجبال، وهرب أهل البلد إلى البحر والسفن، ودامت ستة عشر يومًا.
وفي السنة التي تليها مطر أهل (تيما) مطرًا وبردًا كالبيض، فقتل بها ثلاثمائة وسبعين إنسانًا، وسمع في ذلك صوت يقول: ارحم عبادك اعف عن عبادك، ونظروا إلى أثر قدم طولها ذراع، بلا أصابع، وعرضها شبر، ومن الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست، فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتًا ولا يرون شخصًا.
وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين رجفت (دمشق) رجفةً حتى انقضّت منها البيوت وسقطت على من فيها، فمات خلق كثير وانكفأت قرية في (الغوطة) على أهلها فلم ينج منهم إلا رجل واحد، وزلزلت (أنطاكية) فمات منها عشرون ألفًا.
وفي السنة التي تليها هبّت ريح شديدة لم يعهد مثلها فاتّصلت نيفًا وخمسين يومًا، وشملت (بغداد) و(البصرة) و(الكوفة) و(واسط) و(عبّادان) و(الأهواز)، ثم ذهبت إلى (همذان) فأحرقت الزرع، ثم ذهبت إلى (الموصل) فمنعت الناس من السعي فتعطلت الأسواق، وزلزلت (هراة) فوقعت الدور.
وفي سنة ثمان وثلاثين وجّه طاهر بن عبد الله إلى المتوكل حجرًا سقط بناحية (طبرستان) وزنه ثمانمائة وأربعون درهمًا أبيض فيه صدع، وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع.
وفي سنة أربعين ومائتين خرجت ريح من بلاد الترك فمرت بـ(مرو) فقتلت خلقًا كثيًرا بالزكام، ثم صارت إلى (نيسابور) وإلى (الرّي) ثم إلى (همذان) و(حلوان) ثم إلى (العراق)، فأصاب أهل (بغداد) و(سرمن رأى) حمّى وسعال وزكام، وجاءت كتب من المغرب أن ثلاث عشرة قرية من قرى (القيروان) خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلاً سود الوجوه، فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها، وقالوا: أنتم مسخوط عليكم. فبنى لهم العامل حظيرةً خارج المدينة فنزلوها.
وفي سنة احدى وأربعين ماجت النجوم في السماء وجعلت تتطاير شرقًا وغربًا كالجراد من قبل غروب الشمس إلى الفجر، ولم يكن مثل هذا إلا عند ظهور رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي السنة التي تليها رجمت قرية يقال لها: (السويدا) ناحية (مصر) بخمسة أحجار، فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، ووزن منها حجر فكان فيه عشرة أرطال، وزلزلت (الرّي) و(جرجان) و(طبرستان) و(نيسابور) و(أصفهان) و(قم) و(قاشان) كلها في وقت واحد، وزلزلت (الدامغان) فهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفًا، وتقطّعت جبال، ودنا بعضها من بعض، وسمع للسماء والأرض أصوات عالية فهلك من أهلها.
وسار جبل باليمن عليه مزارع حتى أتى مزارع قوم آخرين، ووقع طائر أبيض دون الرّخمة وفوق الغراب على دلبة -شجرة – بـ(حلب) لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح أربعين صوتًا ثم طار، وجاء من الغد فصاح أربعين صوتًا ثم طار، فكتب صاحب البريد بذلك، وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه، ومات رجل في بعض (كور الأهواز) فسقط طائر أبيض على جنازته فصاح بالفارسية والخورية: إن الله قد غفر لهذا الميّت ولمن شهده.
وفي سنة خمس وأربعين ومائتين زلزلت (أنطاكية) فسقط منها ألف وخمسمائة دار، ووقع من سورها نيّف وتسعون برجًا، وسمع أهلها أصواتًا هائلة من كوى المنازل، وسمع أهل (تنّيس) صيحةً هائلةً دامت فمات منها خلق كثير، وذهبت (جبلة) بأهلها.
وفي سنة خمس وثلاثين ومائتين مطرت قرية حجارة بيضاء وسوداء.
وفي سنة ثمان وثمانين زلزلت (دنبل) في الليل فأصبحوا ولم يبق من المدينة إلا اليسير، فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميّت.
وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة عدل حجاج عن الجادة خوفًا من العرب، فرأوا في البرية صور الناس من الحجارة، ورأوا امرأةً قائمة على تنور وهي من حجارة، والخبز الذي في التنور من حجارة.
وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة هبّت ريح بـ(فم الصلح) شبهت بالتّنين، خرقت (دجلة)، حتى ذكر أنّها بانت أرضها وأهلكت خلقًا كثيرًا واحتملت زورقًا منحدرًا وفيه دواب فطرحته في أرض (جوخى) – قرية من عمل بغداد-.
وفى سنة عشرين وأربعمائة جاء برد هائل، ووقعت بردة حزرت بمائة وخمسين رطلاً فكانت كالثور النائم.
وفي سنة أربع وثلاثين زلزلت (تبريز) فهدم سورها وقلعتها، وهلك تحت الهدم خمسون ألفًا.
وفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة كانت بـ(أذربيجان) زلازل انقطعت منها الحيطان، فحكى من يعتمد على قوله أنه كان قاعدًا في إيوان فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم عاد.
وفي سنة ستين وأربعمائة كانت زلزلة بـ(فلسطين) هلك فيها خمسة عشر ألفًا، وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت فالتأمت، وغاب البحر مسيرة يوم فساخ في الأرض فدخل الناس يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقًا كثيرًا منهم.
وفي سنة اثنتين وستين خسف بـ(أيلة) -بلد بين (ينبع) و(مصر)-. وفي سنة ست وخمسمائة سمع ببغداد صوت هدة عظيمة في أقطار بغداد في الجانبين، قال شيخنا أبوبكر بن عبدالباقي: أنا سمعتها، فظننت حائطًا قد وقع، ولم يعلم ما ذاك، ولم يكن في السماء غيم فيقال: رعد!
وفي سنة سبع وقعت زلزلة بناحية الشام، ووقع من سور (الرهاء) -بلد بنواحي الشام- ثلاثة عشر برجًا، وخسف بـ(سميساط) -بلد على الفرات- وقلب بنصف القلعة.
وفي سنة إحدى عشرة زلزلت الأرض ببغداد يوم عرفة فكانت الحيطان تمر وتجئ.
وفي سنة خمس عشرة وقع الثلج ببغداد فامتلأت منه الشوارع والدروب ولم يسمع قبله بمثله.
وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة كانت زلزلة بـ(جنزة) -بلدة عظيمة بإيران- أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفًا فأهلكتهم، وكانت في مقدار عشرة فراسخ في مثلها.
وفي السنة التي تليها خسف بـ(جنزة) وصار مكان البلد ماءً أسود، وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهليهم. وزلزلت (حلوان) فتقطّع الجبل وهلك خلق كثير.
وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة كانت زلازل بالشام في ثلاث عشر بلد من بلاد الإسلام، فمنها ما هلك كله ومنها ما هلك بعضه.اهـ ما ذكره رحمه الله.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب "البداية" جلّ هذا مفرقًا على حوادث السنين وزاد عليه ما حدث بعد الحافظ ابن الجوزي رحمه الله.
وفي هذا عبرة وذكرى فعسى الله أن يوفق المسلمين إلى الرجوع إلى الله، والتوبة الصادقة، ونبذ التقاليد الأجنبية المخالفة للكتاب والسنة. آمين.
فائدة:
كثرة الزلازل بضوران بذمار زمن الملك الظالم إسماعيل بن القاسمقال عبدالله بن علي الوزير في كتابه "طبق الحلوى" ص (311):
وقبل ذلك اتفق بضوران خاصةً قريب من ثلاثين رجفة، قال بعض أقارب الإمام، وكان قد تضاعف على أهل اليمن الأسفل مطالب غير الزكاة والفطرة، والكفارة مثل مطلب الصلاة على المصلي وغيره، ومطلب التنباق، ومطلب الرباح، ومطلب الرصاص والبارود، ومطلب سفرة الوالي، ومطلب العيد، فقال: وللإمام مندوحات94 بما كان يأخذه، وقد كان حازمًا عالماً متيقّظًا فيحمل على السلامة، ولعل ذلك بسبب التظالم والمعاصي وقد ذكر السيوطي في كتاب "الصلصلة في الزلزلة" مايقضي بذلك، وقد وقع في القرآن العظيم ذكر الرجفة في قوم شعيب، وبعض أصحاب موسى وغيرهم لأسباب مختلفة يشملها سلوك ما لايرضاه الله حسبما تقضي به التفاسير.
قال أبوعبدالرحمن: وهذا يدل على شؤم ذلك الملك الظالم كما قال ربنا عزوجل: {وكذلك أخْذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد95}.

الخاتمةتحصل مما تقدم أن الزّلزال قد يكون ابتلاءً من الله، وقد يكون بسبب الذنوب، ويكون مع هذا كله مقدرًا من الله، وقد تقدمت الأدلة على ذلك، والقائلون: إنّها براكين، إن أرادوا أنّها بقدر الله وبسبب الذنوب أو الابتلاء فلا تنافي بين هذا وما تقدم، وإن أرادوا أنّها حوادث طبيعية فهذا هو الذي يخالف الكتاب والسنة ويخالف أيضًا السنن الكونيّة في انتقامه سبحانه من أعدائه، وقد تقدم تفنيد ذلك وأنه إلحاد في آيات الله، وفي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم)).
آمنا بالله وبكتابه وقدره، وكفرنا بما يقول الملحدون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الشيخ مقبل الوادعي
تعليمية تعليمية





بارك الله فيك على الموضوع الرائع




تعليمية




التصنيفات
اسلاميات عامة

" الحيـاء و فضله " لـأم عبد الله بنت الشيخ مقبل الوادعي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه

أما بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحياء وفضله لأم عبد الله بنت الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.
من كتاب " نصيحتي للنساء "

قال الإمام البخاري (10_523) : حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا منصور ، عن ربعي ّ بن حراش ، حدثنا أبو مسعود قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "إن مما أدرك الناس من كلام النّبوة ، إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ".
قال ابن رجب في" جامع العلوم " (199) في شرح قوله : "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى " لفظه يشير إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين وأن الناس تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قرنا بعد قرن ، وهذا يدل : على أن النبوة المتقدمة جاءت بهذا الكلام ، وأنه اشتهر بين الناس حتى وصل إلى أول هذه الأمة .اهـ

الحياء نوعان :

قال ابن رجب : اعلم أن الحياء نوعان مكتسب وغير مكتسب .
الغير المكتسب وهو : ماكان خلُقاً وجبلّة وهومن أجلّ الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء لا يأتي إلا بخير "
فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار.
الحياء المكتسب : وهو ماكان مكتسبا من معرفة الله ، ومعرفة عظمته ، وقربه من عباده واطلاعه عليهم ، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهذا من أعلى خصال الإيمان بل هو من أعلى درجات الإحسان.
وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة نعمه تعالى ورؤية التقصير في شكرها.
فإذا سلب العبد كلاهما لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة فيصبح كمن لا إيمان له والحياء الممدوح في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم -إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح.
فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيئ من حقوق الله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء ، فإنما هو ضعف وخوَر وعجز ومهانة والله أعلم .اهـ
قال ‘ابن رجب ‘في معنى : "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " في معناها قولان :

الأول : أنه ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء ولكنه على معنى الذم والنهي عنه.

الثاني : في معنى "إذا لم تستحي فاصنع ماشئت " أنه أمر بفعل مايشاء على ظاهر أمره وأن المعنى إذا كان الذي يريد فعله ، مما لا يستحي من فعله ، لا من الله ولا من الناس ، لكونه من أفعال الطاعات أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة فاصنع منه حينئذ ما شئت .

تعريف الحياء : قال النووي : قال العلماء : حقيقة الحياء خُلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
وروينا عن أبي القاسم الجنيد – رحمه الله- قال : الحياء رؤية الآلاء – أي النعم – ورؤية التقصير متولد بينهما حالة تسمى حياء .اهـ من" رياض الصالحين "( 318 ) بتحقيق الأرناءوط.


والحياء صفة من الأخلاق الفاضلة وهو حُلي الإنسان ، وبفقد الحياء يقترف كل شر فتُسفك الدماء وتنتهك الأعراض وترتكب الفواحش ، ولا يحترم الكبير ، ويختلط الرجال بالنساء ، وتخرج المرأة متبرجة ، وتسافر بدون محرم ويُسمع الحق فيُرد.


قال الفضيل بن عياض : خمس من علامات الشقاوة :
القسوة في القلب ، ووجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمل. ( مدارج السالكين )


وقال ابن القيم رحمه -الله تعالى -: في مدارج السالكين :وعلى حسب حياة القلب يكون في قوة خُلق الحياء وقلة الحياء ، من موت القلب والروح ، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم .
وقال أيضا : وعلى حسب معرفته بربه يكون حياؤه منه .اهـ


والحياء من الإيمان كما في الصحيحين من حديث ابن عمر- رضي الله عنه- قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء ، حتى كأنه يقول قد أضربك ، فقال له الرسول- صلى الله عليه وسلم -: " دعه فإن الحياء من الإيمان "
وفي’ الصحيحين ‘ من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه -قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وستون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان."
وأخرج الحاكم في "مستدركه "عن ابن عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الحياء والإيمان قُرنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر "

ودل هذا على أن الحياء والإيمان شيء واحد ، بفقد أحدهما يفقد الآخر.

وروى الترميذي في جامعه عن أبي هريرة -رضي الله عنه -: قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار "

الحديث حسن وهو في الجامع الصحيح( 1/241)

الحياء خلق نتائجه حميدة وآثاره حسنة ، روى البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الحياء لا يأتي إلا بخير "
ويقول ابن حبان في" روضة العقلاء " إذا قوي حياؤه ، قوي كرمه وضعف لؤمه ، وإذا ضعف حياؤه قوي لؤمه وضعف كرمه .اهـ
والحياء يدعو إلى طاعة الله واجتناب نواهيه .
والحياء خصلة حميدة.


يقول الشاعر :

وليس بمنسوب إلى العلم والنهى "" فتىً لا تُرى فيه خلائقُ أربعُ
فواحدةٌ تقوى الإله التي بها "" يُنالُ جَسِيمُ الخَيرِ والفضلُ أَجمعُ
وثانية صدق الحياء فإنه "" طباعٌ عليه ذو المروءة يُطبعُ
وثالثةٌ سِلمٌ إذا الجهل أطلعت "" إليه خبايا من فُجُورٍ تسرَّعُ
ورابعةٌ جُودٌ بمِلكِ يمينه "" إذا نابه الحقُّ الذي ليس يُدفعُ

الحياء له مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية ،وأيما مكانة ، أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي واقدٍ اللَّيثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفرٍ ، فأقبل إثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد ، قال فوقفا على رسول صلى الله عليه فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أُخبركم عن النَّفَرِ الثلاثة : أما أحدهم فأوى إلى الله فأواه الله ، وأمّا الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه ،وأما الآخر فأعرض ، فأعرض الله عنه ُ "
ويدل هذا الحديث على أن الحياء صفة من صفات رب العالمين نثبتها كسائر الصفات : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"[ الشورى: 11 ]
والحياء خلق من أخلاق الملائكة ، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، الحديث بطوله وفيه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " ألا أستَحِي من رجُلٍ تستحي منه الملائكة " يعني عثمان بن عفان -رضي الله عنه – .


يتبع بإذن الواحد الأحد.




بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم والهام

نتمني أن تكون له آذان صاغية

جزاك الله خيرا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غاية الهدى تعليمية
بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم والهام

نتمني أن تكون له آذان صاغية

جزاك الله خيرا

و فيكــِ بارك الله

جزاكـِ الله خيــــــــــــرا على المرور الطيب




– الحياء من سنن الأنبياء والمرسلين ، يقول الله مخاطبا للمؤمنين : (يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ )
وفي "الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.
الحياء يدعو إلى مراقبة الله عز وجل ، في السر والعلن ، في الليل والنهار .

قال الشاعر :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة """ والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها """ إن الذي خلق الظلام يراني
والحياء منه ما يكون بين العبد وربه ، فيترك القبيح حياءً من الله ، ويفعل ما أُمر به حياء من الله.
ومنه ما يكون بين المخلوقين فيترك المعصية حياء من الناس ، وبعض الناس لا هذا ولا ذاك ، وربما يتبجح بالمعصية ، فيُظهرها ، وقد ستره الله ، وهذا الصنف ليس من أهل العافية ، وروى البخاري ومسلم في" صحيحيهما " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " كــــل أمتي معافىً إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه ، فيقول : يا فلان ؟ عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه "

ولنذكر أمثلة تعد من قلة الحياء لتُجتنب :

-أولا : شغل النفس بعيوب الغير ، ومساويهم ، ولقد أحسن من قال:

لعمرك إن في ذنبي لشغلاً """ بنفسي عن ذنوب بني أمية
على ربي حسابهم جميعاً """ إليه علمُ ذلك لا إلَيَّه
وليس بِضَائِرِي ما قد أتَوهُ """ إذا ما الله يغفرُ ما لديهِ .

ثانيا : الإساءة إلى الجيران ، ورب العزة يقول في كتابه الكريم : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا.)

[النساء:36]

وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذ جاره " ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "خير الجيران عند الله خيرهم لجاره "- أخرجه الترميذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه برقم (1944)

ثالثا: أن تكون القلوب مكدّرة بالضغائن والشحناء والعداوة والغل والحقد ، لمن لا يستحق ذلك من المسلمين ، ومن دعاء عباد الله الصالحين : " وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "

بل من دعاء أفضل خلق الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -: " (( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا ، لَكَ ذَكَّارًا ، لَكَ رَهَّابًا ، لَكَ مِطْوَاعًا ، لَكَ مُخْبِتًا ، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا ، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ، وَأَجِبْ دَعْوَتِي ، وَثَبِّتْ حُجَّتِي ، وَسَدِّدْ لِسَانِي ، وَاهْدِ قَلْبِي ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي )) "
أخرجه أبو داوود برقم (1510) بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه.
والسخيمة : الحقد في النفس كما في" النهاية "

وسبب عدم صفاء القلوب هي المعاصي التي وقع فيها المسلمون ، يقول الله تعالى : " وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"

رابعا : أن تخرج المرأة متبرجة.

خامسا : أن يصرف الفراغ فيما لا يجدي .

سادسا : أن يصرف السمع والبصر واللسان فيما لايحمد عقباه ، من سماع المنكرات كالغيبة والأغاني والنظر إلى التلفاز والدشوش ونحوها ، والكلام السيء البذيء .

هذا وقد انتكست فطر بعض الناس ، فصار يستحي من تلقي العلم الشرعي ، وسؤال أهل الذكر الذين قال الله فيهم : ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل : 43]

ولا يستحي من اقتراف المنكرات ، وليس هذا من منهاج سلفنا الصالح ، قال الإمام البخاري -رحمه الله – (1/22 رقم (130) : حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت يارسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: (( إذا رأت الماء )) فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت : يارسول الله ؟ أو تحتلم المرأة ؟؟ قال : (( نعم ، تربت يمينك ،فبم يُشبِهُها ولدها ؟؟ ))

وقالت عائشة -رضي الله عنها -، كما في صحيح مسلم : نِعمَ النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين .

وقال مجاهد رحمه الله : ( لاينال العلم مستحٍ ولا متكبر )
أخرجه البخاري معلقا في كتاب العلم من صحيحه .

وإنه يجب علينا أن نتعلم أسباب وجود الحياء ، كي نكون من المتحليات به في أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا وحركاتنا وسكناتنا .

وكي نكون بعيدات عما هو من قلة الحياء ، لاسيما وأن دعاة الشر والضلال يدعون المرأة إلى نزع حيائها ، وحشمتها ، في وسائل الإعلام وغيرها ، قاتلهم الله أنى
يؤفكون .

فالحياء يستعمل في موضعه فيستحي من الله فتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه .

وأختم هذا الموضوع بقول الشاعر :

إذا قل ماء الوجه قل حياؤه """ ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك وإنما """ يدل على فعل الكريم حياؤه

وقال آخر :

إذا لم تخـشى عاقبـة الليالي """ ولم تستحي فاصنع ما تشـاء
فلا والله ما في العيش خيـر """ ولا الدنيا إذا ذهـب الحيـاء
يعيش المرء ما استحيا بخير """ ويبقى العود ما بقي اللحـاء

انتهى بفضل الله تعالى.

أسأل الله العظيم أن يتقبل عملي هذا كما أسأله الإخلاص.

المصدر




الف شكر لكي اختي على الجلب القيم والمميز الذي عودتنا عليه
بارك الله فيكي وجزاكي الخير المديد
تحياتي الخالصة




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة الشيخ مقبل الوادعي

ترجمة الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله-

نسبه
هو الشيخ العلامة المحدث / مقبل بن هادي بن قايدة12 الهمداني الوادعي الخلالي من قبيلة آل راشد

بداية طلبه العلم
بدأ شيخنا رحمه الله تعالى طلب العلم في المكتب فتعلم فترة ثم انقطع عن مواصلة العلم والسبب في ذلك أنه لم يجد معيناً يعينه على مواصلة طلب العلم.
قال 13رحمه الله درست في المكتب14 ثم ضاع من العمر ما شاء الله في غير طلب لأنه ما كان هنالك من يرغب أو يساعد على الطلب .

سفره إلى أرض الحرمين ونجد
ثم سافر شيخنا إلى أرض الحرمين ونجد وسكن بنجد قدر شهر ونصف فتغير عليه الجو بالرياض فعزم على السفر إلى مكة فاستنصح بعض الواعظين عن الكتب المفيدة حتى يقوم بشرائها فأرشده إلى (صحيح البخاري) – و(بلوغ المرام) – و(رياض الصالحين) و( فتح المجيد) – وكان يعمل آنذاك حارساً على عمارة في الحجون15 فعكف على هذه الكتب يقرءها وكانت تعلق في ذهنه لأن العمل في بلده كان على خلاف ما فيها سيما كتاب فتح المجيد كما ذكر ذلك هو نفسه.

عودته إلى بلده
ثم عاد شيخنا إلى بلده وبدأ بإنكار المنكر الذي وجد قومه عليه من الذبح لغير الله وبناء القباب على القبور ونداء الأموات والاستغاثة بهم فبلغ ذلك الشيعة فأغاضهم ذلك فقائل منهم يقول "من بدل دينه فاقتلوه"16 ومنهم من يرسل إلى أقربائه ويقول: إن لم تمنعوه فسنسجنه وبعد المضايقات وبعد التهديد والوعيد الشديد من قبل الشيعة الذين يرون أن أبا عبد الرحمن قد بدل دينه وأنه إن لم يرجع عن عقيدة التوحيد فسوف يقتل لأن من دعا إلى التوحيد عند الشيعة وأضرابهم فقد بدل دينه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وبعد هذا وذاك قرروا قراراً لم يستطع أبو عبد الرحمن الفرار منه قرروا أن يدخلوه جامع الهادي17 ليتعلم هنالك حتى يزيحوا الشبه التي قد علقت في ذهنه بزعمهم وهذا ابتلاء لأبي عبد الرحمن رحمه الله بعد ما عرف العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح يزج به في وكرٍ من أوكار التشيع ولكنَّ أبا عبد الرحمن بفضل الله عز وجل ثم بسبب عقيدته السليمة عندما رأى أن الكتب التي تدرس عندهم شيعية معتزلية أقبل على النحو يتعلمه وإن كان أهل البدع بجميع أصنافهم يدسون العقيدة الفاسدة في اللغة العربية إلا أن الله سبحانه وتعالى حفظ أبا عبد الرحمن من هذه المكيدة فدرس " قطر الندى " لابن هشام مراراً حتى استوعبه استيعاباً عجيباً لكثرة ما درسه وراجعه

عودته إلى أرض الحرمين
ثم عاد أبو عبد الرحمن رحمه الله إلى أرض الحرمين إلا أنه قبل ذلك نزل نجران وسكن فيها قدر سنتين ولازم فيها مجد الدين المؤيد18 ثم انطلق إلى مكة فكان يعمل نهاراً ويدرس ليلاً.

دخوله معهد الحرم
ثم فتح معهد الحرم فتقدم شيخنا رحمه الله مع مجموعة من طلبة العلم للاختبار فنجح بفضل الله تعالى.

انتقاله إلى المدينة النبوية
وعندما انتهى شيخنا رحمه الله من المتوسط والثانوية انتقل إلى المدينة النبوية ودخل الجامعة الإسلامية وأختار كلية الدعوة وأصول الدين وعندما جاءت العطلة خشي من ضياع الوقت فانتسب في كلية الشريعة وانتهى من الكليتين وأخذ شهادتين والمعتبر عنده هو العلم لا الشهادة كما كان يردد ذلك في كثير من دروسه.

حصوله على الماجستير
ثم فتحت آنذاك في الجامعة الإسلامية دراسة الماجستير فتقدم لاختبار المقابلة فنجح بفضل الله وكانت الدراسة التي أعدها لنيل شهادة الماجستير هي تحقيق كتاب الالزامات والتتبع للإمام الدارقطني رحمه الله وهذه المناقشة سجلت على أشرطة ثم فرغت وطبعت ضمن كتابه غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة.

سجنــه
سجن أبو عبد الرحمن مرتين المرة الأولى لمدة شهر ونصف.
والثانية: لمدة ثلاثة أشهر ثم رُحل بعد ذلك قال رحمه الله كما في ترجمته: وكانت تحدث السقطات من بعض الإخوة المبتدئين لأن الغالب على المبتدئ الحماسة الزائدة وكنت آنذاك أحضر رسالة الماجستير فما شهدنا ذات ليلة إلا بالقبض علينا فقبضوا على نحو مائة وخمسين وهرب من هرب وأرتجت الدنيا بين منكر ومؤيد فبقينا في السجن نحو شهر أو شهر ونصف وبعدها خرجنا بحمد الله أبرياء.
ثم بعد هذا خرجت بعض رسائل جهيمان19 فقُبض على مجموعة منا وعند التحقيق قالوا لي أنت الذي كتبتها جهيمان لا يستطيع أن يكتب فنفيت ذلك والله يعلم أني لم أكتبها ولم أشارك فيها وبعد سجن ثلاثة أشهر أمر بالترحيل.

وصوله إلى اليمن
وعندمنا وصل هذا العالم الجليل والمجاهد النبيل إلى بلده أخذ يدرس في قريته الأولاد القرآن الكريم وتكالبت عليه الدنيا كأنه خرج لخراب البلاد كيف لا وأهل الرفض يحيطون به من كل جانب ويرون أنه ممن بدل دينه وأنه إما أن يرجع عن عقيدته وإما أن يقتل وكان في ذلك الوقت وحيداً بمفرده لا يعرف أحداً لا يعرف شيخ قبيلة ولا يعرف مسؤولاً وإنما كانت كلمته التي يرددها حسبي الله ونعم الوكيل.
وبعد أيام أخرج بعض فاعلي الخير مكتبته من المدينة ولم يستلمها إلا بعد غرامة مالية وتعب تعباً شديداً فعندما وصلت ذهب الشيعة إلى المسؤولين وقالوا إنها كتب وهابية حتى إن الخبر وصل إلى الرئيس وأحال الرئيس القضية إلى أحد المسؤولين ثم سلمت له20.

إشراقة أمل
ثم بدأت الدعوة السلفية دعوة التوحيد دعوة الحق تشع بنورها رغم أنوف الحاسدين والحاقدين من شيعية وصوفية وعلمانية بجميع أصنافها بدأت تنطلق من قرية صغيرة تحيطها الجبال ولكن شعاع هذه الدعوة المباركة بدء ينتشر ويكتسح الباطل بدء هذا الحق يرتفع ويحطمُ البدعَ والخرافات ويضيء للناس الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه أنه لا ذبح إلا لله لا عبادة إلا لله – لا نذر إلا لله – لا حكم إلا لله لا ولاء إلا لله – ولا براء – إلا من أجل الله – لا دعوة إلا إلى الله – وإلى كتابه – وإلى سنة رسوله جاء أبو عبد الرحمن والناس في اليمن تحت وطئة الرفض والتشيع لا يستطيعون أن يحرروا أنفسهم من هذه الوطئة وهذا الاستعباد ولقد سمعت رجلاً من أهل دماج وأنا راكب في سيارة أثناء ذهابي إلى صعدة يقول لأحد الشيعة (لقد حررنا الشيخ مقبلٌ) .
جاء أبو عبد الرحمن وأهل دماج كانوا يذبحون لغير الله في مكان يقال له الملاطة فنهاهم وحذرهم وتركوا وكانوا يذهبون إلى قبر الهادي بصعدة ويدعونه من دون الله فبين لهم الحق وأن هذا لا يجوز وأنه شرك لا يغفره الله فانتهوا ثم بدء الناسُ يسمعون عن دعوة تدعو إلى التوحيد وأنه لا إله إلا الله لا معبود بحقٍ إلا الله .
سمعوا بهذا العلامة الإمام فشمروا عن ساعد الجد ورحلوا إليه ليأخذوا عنه العلم جاءوا من مصر – والكويت وأرض الحرمين ونجد وليبيا والجزائر والمغرب وتركيا وبريطانيا وأمريكا والصومال وبلجيكا ومن جميع البلاد اليمنية وكان المسجد صغيراً بناه أقرباء الشيخ له لكي يصلوا فيه درءاً للفتنة ثم بنيت عدة مساجد بعده كلما ضاق مسجد بنوا أخر ثم جعلت المساجد القديمة لصالح الدعوة منها ما هو سكن وآخر يدرس فيه النساء وآخر مكتبه وآخر مطبخ وآخر لإقامة الدروس وآخر لاستقبال الضيوف وآخر لحاجيات الطلاب وهكذا.
حتى صار عدد الطلاب أكثر من ألفي طالب ومع هذا فأبو عبد الرحمن دائماً يكرر ويقول: كل هذا لا بحول منا ولا قوة ولا بسبب كثرة علمنا ولا شجاعتنا ولا فصاحتنا في الخطابة ولكن هذا أمر أراد الله أن يكون فكان ولله الحمد والمنه الذي وفقنا لذلك.

آثاره العلمية
ولهذا العالم المجاهد آثار علمية هائلة جنى اليمنيون بل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ثمارها من المؤلفات القيمة النافعة التي يستفيد منها المبتدئ ولا يستغنى عنها المنتهي كذلك طلابه في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها وهذه مؤلفاته المطبوعة فدونكها :

م

اسم الكتاب

العدد 1 الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 21 2 2 تراجم رجال الحاكم في المستدرك 2 3 تتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي طبعت ضمن المستدرك وصار عدده 6 4 تراجم رجال الدار قطني في سننه 1 5 الصحيح المسند من دلائل النبوة 1 6 غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل 1 7 الجامع الصحيح في القدر 1 8 صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال 22 2 9 إجابة السائل عن أهم المسائل 1 10 الشفاعة 1 11 رياض الجنة في الرد على أعداء السنة ومعه الطليعة في الرد على غلاة الشيعة وحكم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم 1 12 تحفة الأريب على أسئلة الحاضر والغريب 1 13 المخرج من الفتنة 1 14 الصحيح المسند من أسباب النزول 23 1 15 ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر 1 رسالة 16 المصارعة 17 الإلحاد الخميني في أرض الحرمين 1 18 الباعث على شرح الحوادث 1 19 إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن 1 20 الجامع الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 24 6 21 غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة 2 22 الفواكه الجنية في الخطب والمحاضرات السنية 1 23 قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد 1 24 مجموعة الرسائل العلمية تحتوي على ما يلي :
1- شرعية الصلاة في النعال 25
2- تحريم الخضاب بالسواد
3– الجمع بين الصلاتين في السفر
4– إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال
5– ذم المسألة.

25 تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني 1 رسالة 26 فتوى في وحدة المسلمين مع الكفار 26 27 إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان 28 الديباج في مراثي شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز ابن باز 29 حكم تصوير ذوات الأرواح 30 المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح 31 فضائح ونصائح 32 مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني ومعه بحث حول كلمة وهابي. 33 إسكات الكلب العاوي 34 تحقيق تفسير ابن كثير حقق مجلداً وما بقي قام بتحقيقه بعض طلبته 35 الصحيح المسند من التفسير بالمأثور ولم ينته منه وتقوم إحدى زوجاته بإكماله 36 كتاب الإلزامات والتتبع للإمام الدار قطني دراسة وتحقيق . 27
فهذه ثروة علمية هائلة خلفها أبو عبد الرحمن الوادعي رحمه الله تعالى للأمة الإسلامية عامة ولطلبته العلم خاصة فقد أفنى عمره في التدريس والدعوة والتأليف فرحم الله أبا عبد الرحمن.
مشايخـه

أخذ أبو عبد الرحمن العلم على مشايخ أجلاء من أعلام هذا العصر وقد ذكرهم في ترجمته التي لا تتجاوز ست ورقات في مواضع متفرقة وسأذكرهم في هذه السطور على النحو التالي:
1- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله مفتى عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس البحوث العلمية والإفتاء. درس عليه في الحرم المدني في صحيح مسلم.
2- الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله كان يحضر له في مجالسه الخاصة وله نقاشات متعددة معه 28.
3- الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله .
4- الشيخ محمد السبيل حفظه الله
5- الشيخ عبدالعزيز الراشد رحمه الله
6- الشيخ يحي الباكستاني حفظه الله درس عليه في تفسير ابن كثير وصحيح البخاري وصحيح مسلم في الحرم المكي .
7- الشيخ محمد بن عبدالله الصومالي درس عليه في علم الحديث ومنه استفاد كثيراً في هذا العلم ، مكث عنده نحو سبعة أشهر وكان ذلك في الحرم المكي .
8- الشيخ السيد محمد الحكيم المصري ، وهو أبرز من درسه في الجامعة الاسلامية .
9- الشيخ محمد بن عبدالوهاب فائد المصري ، درسه في الجامعة الاسلامية .
ودرس على بعض الشيعة في مسجد الهادي بصعدة .
قال رحمه الله في ترجمته عن دراسته في جامع الهادي ومدير الدراسة القاضي مطهر حنش فدرست في العقد الثمين وفي الثلاثين المسألة وشرحها لحابس ومن الذين درسونا محمد بن حسن المتميز وكنا في مسألة الرؤية فصار يسخر من ابن خزيمة وغيره من أئمة أهل السنة وأنا أكتم عقيدتي إلا أني ضعفت عن وضعت اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وأرسلت يدي ودرسنا في متن الأزهار الى النكاح مفهوماً ومنطوقاً … ثم طلبت من القاضي قاسم بن يحي شويل ان يدرسني في بلوغ المرام … ودرست قطر الندى مراراً على اسماعيل حطبة .
قلت : وكذلك درس على مجد الدين المؤيد وقد مر ذكره .

طلبته
أما طلبة أبي عبد الرحمن فكثير جداً لا استطيع جمعهم في هذه الرسالة لصغر حجمها فقد ذكر في ترجمته ثلاث مائة وأربعة وثلاثين طالباً وترك الكثير ولكن أذكر بعضهم.
– الشيخ العلامة المحدث محمد بن عبد الوهاب الوصابي العبدلي القائم على دار الحديث بالحديدة.
– الشيخ الفاضل يحيى بن علي الحجوري وهو خليفة الشيخ في دار الحديث السلفية بدماج وقد أوصى شيخنا قبيلته أن لا يرضوا بنزوله من على الكرسي فقال رحمه الله في وصيته لأقرباءه وأوصيهم بالشيخ الفاضل يحيى بن علي الحجوري خيراً وألا يرضوا بنزوله عن الكرسي فهو ناصح أمين .
– الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام القائم على دار الحديث بمعبر.
– الشيخ الفاضل عبد العزيز البرعي القائم على دار الحديث بمفرق حبيش.
وغيرهم كثير وإنما ذكرت هؤلاء لأنهم عُرفوا في أوساط المجتمع فلا ينقم علينا أحدٌ ومن أراد المزيد فليرجع إلى ترجمة أبي عبد الرحمن رحمه الله 29.
أما النساء فكثير وكثير جداً ومن أبرزهن .
1- أمُ عبد الله الوادعية بنت الشيخ رحمه الله تعالى ولها من المؤلفات نصيحتي للنساء والصحيح المسند من الشمائل المحمدية 30.
2- أمُ شعيب الوادعية زوجة الشيخ رحمه الله الثانية ولها من المؤلفات الصحيح المسند من فضائل آل بيت النبوة.
3- أم سلمة زوجة الشيخ رحمه الله الثالثة ولها من المؤلفات تحذير الفتاة العفيفة من تلبيسات الزنداني الخبيثة وكتاب الانتصار لحقوق المؤمنات تحت الطبع.
وكل هؤلاء يقمن الدروس ويعلمن بدار الحديث السلفية بدماح.

شجاعته في إنكار المنكر
كان رحمه الله تعالى شجاعاً يقول كلمة الحق وينكر المنكر لا يخاف في الله لومة لائم ومن قرء كتبه عرف ذلك أو سمع أشرطته فهو يتكلم في البدع بجميع أصنافها والشرك والظلم والفساد بجميع أنواعه وإذا رأى منكراً أو سمع به لا يهدئ له بال ولا يقر له قرار حتى ينكره وله ردود رد فيها على أهل الباطل بجميع أصنافهم.
فقد رد في كتابه المخرج من الفتنة) على أصحاب الحداثة – وعلى من يحكم بغير ما أنزل الله – وعلى الأباضية – وعلى أحمد مفتي عمان أحمد الخليلي – وعلى الزيدية – ورد على أنصار السنة بالسودان وبين أن في صفوفهم من يعتقد بعقيدة المعتزلة – وعلى جماعة التكفير – وعلى جماعة التبليغ وبين لهم أخطاءهم – وعلى الأخوان المسلمين.
ورد على الطاعنين في حديث السحر في رسالة عنوانها ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر ) وكان مما قاله: فإني لما كنت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغني أن بعض الناس ينكرون حديث السحر فقلت لمن أخبرني إنه في البخاري ومسلم فقال وهم ينكرونه فقلت بمن ضعفوه وكنت أظن أنهم يسلكون مسالك العلماء في النقد والتجريح لعلهم وجدوا في سنده من هو سيء الحفظ أو جاء موصولا ً والراجح أنه منقطع أوجاء مرفوعاً والراجح فيه الوقف كما هو شأن الحافظ الدار قطني رحمه الله في انتقاداته على الصحيحين فإذا هؤلاء الجاهلون أحقر من أن يسلكوا هذا المسلك… والميزان عند هؤلاء أهواؤهم فما وافق الهوى فهو الصحيح وإن كان من القصص الإسرائيلية أو مما لا أصل له وما خالف أهواءهم فهو الباطل ولو كان في الصحيحين.
ورد في رسالته (إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال)، رد فيها على الملاحدة الذين يقولون إن الزلزال أحدثته الطبيعة .
ورد في رسالته (فتوى في وحدة المسلمين مع الكفار) على أصحاب الانتخابات وأصحاب الديموقراطية وبين للمسؤولين وللمواطنين وللتجار ومشايخ القبائل ماهو واجبهم ثم بين حكم ما يسمونه بمجلس الأمة ورد – على عبد الرحيم الطحان في كتاب (إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان).
عندما قال إن نضرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعدل عبادة آلاف السنين – وقوله إن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة في اليقضة ورد على أقوال أخرى من أراد المزيد فليرجع إليها.
ورد في كتابه (البركان) بين فيه الأخطاء الموجودة – في جامعة الإيمان بصنعاء ويليه كذلك (إسكات الكلب العاوي) رد فيه على القرضاوي عندما تهجم وأساء الأدب مع الرب سبحانه وتعالى 31
ورد في كتابه (المصارعة) على المكارمة وفضح – الأباضية – والصوفية – ونصح فيه – الصحفيين و- العلماء – والدعاة – وأهل بيت النبوة – والمزارعين – والأمهات.
ورد في كتاب (صعقة الزلزال لنسف أباطيل الرفض والاعتزال) فضح فيها الرافضة ومنهجهم المعتزلي.
ورد في كتاب – رياض الجنة في الرد على أعداء السنة ) على من يعادي السنة وأهل السنة أما أشرطته فكثيرة جداً.
فكان: رحمه الله لا يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال مرة كنت في الحرم في الدور الثاني في الحرم فوجدت الصوفية في حلقة يرقصون ويتمتمون بأذكارهم فدخلت وسط الحلقة وصحت وقلت بيوت الله تهان فسكتوا وجاء العسكري وفرقهم أقول ومع هذا فأبو عبد الرحمن رحمه الله لا يخشى أحدا إلا الله ولا يبالي فيمن تكلم فيه فقد قال رحمه الله في أحد دروسه بتاريخ 18/3/1420هـ من يريد أن ينصر الحق لا بد أن يتكلموا فيه.

حرصه على طلبة العلم
وكان رحمه الله حريصا على طلبة العلم وكان يحزن ويتوجع إذا علم أن طلبته يحتاجون شيئا ولم يستطيعوا الحصول عليه فقد قال رحمه الله في بعض دروسه: أعظم مشقة تواجهني أعظم من مواجهة المبتدعة وأعظم من التأليف هي حاجات الطلاب
وكان أبو عبد الرحمن لا يبخل على طلابه بشيء فقد رأيته مرة بعد درس الظهر خرج من بيته ومعه صحن فيها أرز وإناء فيه لبن فاعطاه بعض الطلبة.
وكنت في يوم من الأيام في بيته دعاني كي أتناول عنده طعام الغداء وبعد ما تغدينا سمعنا طرق الباب فقام الشيخ ليفتح الباب وقمت معه كي أخرج فإذا ببعض طلبته يخبر الشيخ أن طلبة العلم تغدوا وهناك بعضهم لم يتغد فذهب إلى حجرته وأتى بمال واعطاه الطلبة لياخذوا لهم غداء .
ومررت يوما بجانب بيته فرأيت بعض طلبة العلم قائما فسألته ماذا تنتظر فقال اريد الشيخ أخبرته أنني قادم على زواج فاردت أن يساعدني بينما أنا اكلمه ناداه الشيخ إلى فناء بيته فلما خرج سألته قال اعطاني مبلغا من المال وقال لايملك غيره ووعدني أن يعطيني كذلك مرة أخرى ثم جاء الطالب نفسه مرة أخرى واعطاه ما وعده فرحم الله أبا عبد الرحمن.
وكان إذا خرج من الدرس بعد الظهر وجاء أحد يسئله عن سؤال قال له أدخل نتغدى ثم نتكلم
ومرة قدم له بعض طلبة العلم ورقة في أحد الدروس مكتوب فيها: أنا طالب علم وأحب العلم وعليّ دين واخشى أن يصرفني عن طلب العلم وبعد ما قرءها الشيخ أخذ يدرس وقبل الإنتهاء من الدرس قال: في مكبر الصوت الأخ الذي قدم الورقة يذهب إلى الأخ فلان ويقول له كم دينه وننظر هل نستطيع مساعدته.

ومرة دخلت أنا وبعض طلبة العلم عليه بعد صلاة الفجر إلى منزله وكان معنا طالب وكنا حريصين على تزويج هذا الطالب فقلنا للشيخ كلمه يا شيخ فقال الشيخ: يا بني تزوج وإذا كان المال هو العائق لك عن الزواج فمني لك كذا وكذا من المال. فجزا الله أبا عبد الرحمن خيراً.
وكان عزيز النفس عفيفاً
وكان أبو عبد الرحمن عفيفاً عنده عزة نفس حتى إن من عزة نفسه أنه كان يتحرج من أن يكتب لأهل الخير بما يخص طلبته فعلم بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز فكتب إليه يا أبا عبدالرحمن اكتب وأنت مأجور وإذا أتته الأموال لطلبته العلم مباشرة يحيلها إلى المسؤول عن شؤون الطلاب وكان أبو عبدالرحمن رحمه الله على هذه الخصلة الطيبة من بداية أمره .
فقد حدثنا مرة أنه عندما كان يتعلم في جامع الهادي كان يبقى معه شيء من الخبز فيضعه في فتحة في الجدار يقال لها الخزانة فيأتي يوم من الأيام لا يجد أكلاً فيأتي لها قال فأدخل يدي ورأسي أبحث عنها ثم أخرجها وقد نسج عليها العنكبوت فأميط عنها التراب فأجدها قد يبست فابلها بالماء ثم إن وجدت حبة من الطماطم فأمر طيب وإلا أكلتها.
وقد عود أبو عبد الرحمن طلبته على هذه الخصلة الطيبة32 ودرسهم في كتابه ذم المسألة وكان يذم من يذهب يتسول باسم الدعوة ويحذر منه قال في مقدمة كتابه السالف ذكره: أما بعد فإني لما رأيت أقوماً ممن يزعمون أنهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول وتركوا الاحتراف 33فرب زراع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده بل عمله من أفضل القربات فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.
ورب شخص يعمل في التجارة وهي أيضاً من أفضل القربات وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الكسب أطيب قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور.
بل ربما يكون الرجل بدوياً يأكل مما تنتجه غنمه وإبله فيرى المتسولين يفتحون المعارض ويبنون العمائر فيعفوا لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله ويحترف التسول أف لها من وضيفة مشينة مزرية .. وأخيراً فإني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قلت هكذا كان رحمه الله تعالى معلماً وموجهاً ومحذراً لطلبته من أن ينزلقوا هذا المزلق المشين. وبعد هذا فأبوا عبد الرحمن لا يريد بهذا الكلام أن طلبة العلم يتركون العلم ويذهبون للتجارة 34كلا وإنما يريد أبو عبد الرحمن أن يوجه أهل السنة إلى أن أكل اليد خير من أن يذهب الإنسان يمد يده وأن عليهم أن يصبروا على الفقر فقد رضيه الله لنبيه فرحم الله أبا عبد الرحمن وأسكنه فسيح جناته.

صـــبره
أما صبر أبي عبد الرحمن رحمه الله فلا أعرف أحداً يماثله في زماننا فقد صبر على أمراض عدة منها مرض الاستسقا الذي مكث سنوات وهو يعاني منه لكنه يصبر ويحتسب الأجر على الله ومرض الكبد فقد تفتت كبده بسبب مرض السرطان ومع هذا كان صابراً محتسباً والعجيب أنه مع هذه الأمراض كان لا يترك الدروس فقد قال أخونا أحمد الوصابي حفظه الله تعالى أنه دخل مرة على الشيخ وكان مريضاً مرضاً شديداً فأراد أن يخرج يلقي دروسه فقال له أخونا أحمد يا شيخ أنت متعب يقوم بالدروس غيرك فأجابه قائلاً: لا والله لا أترك هذه الوجوه الطيبة.
ورأيته مرة خرج من بيته يلقي الدروس ويده مربوطة إلى عنقه وعليها جبيرة فسألت إخواني ما الذي حصل للشيخ قالوا سقط في بيته على الأرض وما رأيته ترك الدروس حتى شفي
ومنعه الأطباء مرة من القاء الدروس حفاظا على صحته فمكث فترة ثم عاد وفي مرضه الأخير زرته في مدينة صنعاء فكان يستقبل الضيوف ولا يتأفف من أحد ولا يقول دوعوني ارتاح وإنما يستقبل الناس ويبتسم وزرته في مكة في فندق لؤلؤة نجد فسألت عنه قالوا سيأتي من الحرم فانتظرت فلما أتى نظرت إليه وأنا مندهش لقد نحل جسمه وبانت عظام وجهه فسلمت عليه أنا وصديقي أبو عبد الله الصومعي حفظه الله فقال وهو يبتسم تفضلوا فقلت له ترتاح فقال تفضلوا فنظرت إلى ابي حاتم العودي فقال جزاكم الله خيرا فقد اكرمتمونا بفعلكم هذا فالشيخ متعب ولما كان في فندق دار الأزهر فكان الأخوة من طلبة العلم يزورونه فيجلس معهم ولا يتضجر من أحد وإنما يصبر ويتصبر فرحم الله ابا عبد الرحمن واسكنه الفردوس الأعلى.

زهده وكرمه وتواضعه وورعه
وكان أبو عبد الرحمن رحمه الله زاهدا حتى إنه عود الكثير من طلبته على هذه الخصلة الحميدة التي كانت سببا: لنيلهم العلم فقد كان ابو عبد الرحمن زاهدا في مسكنه وملبسه بل ومأكله واذكر أنني عام 1413هـ قدمت من مكة المكرمة لطلب العلم فلما وصلت إلى دماج سألتهم عن مسجد الشيخ فدلوني عليه فدخلته وكنت أرقب باب المسجد متى يدخل الشيخ وظننت أن الشيخ سيدخل علينا وهو لابس البشت أي أنه مميز عن طلبته فلما دخل أبو عبد الرحمن المسجد ظننته القائم على المسجد لأننا اعتدنا بمكة أن نرى أنا سا يقومون بعناية المساجد فلما أخبروني أنه الشيخ . فتعجبت فقد كان ملبسه لا يتميز عن ملبس طلابه بل يفوقه بعض طلابه في ملبسه
ومن زهده رحمه الله إنه لم يبال بحطام الدنيا من مساكن وغيرها فبيته الذي يسكنه أكثره من الطين: هو بيت صغير ودخلت معه مرة إلى غرفته الخاصة فرأيت فرشها فإذا هو من الفرش المخططة المخصصة للمساجد فكان لا يبالي بأمور الدنيا أهم شيء عنده العلم والتقيت بإخينا أبي حاتم العودي بمكة المكرمة فقال لي إنه جاء بعض الناس من فاعلي الخير إلى أبي عبد الرحمن رحمه الله فأرادوا أن يبنوا له بيتا فقال لهم هاتوا المال فأخذ أبو عبد الرحمن منهم المال وبني به مسجداً وبني غرفة صغيرة فوق المسجد ، فلما جاءوا قالوا لأبي عبد الرحمن أين البيت قال لهم هذا هو بيتي واراهم المسجد وأشار لهم إلى الغرفة الصغيرة التي فوق المسجد
ومن زهده في الدنيا أنه أوقف أرضا كبيرة كان يملكها لطلبته كي يبنوا فيها مساكن لهم وفيها الآن قرابة مائتين وخمسين بيتا أو أكثر .
بل إن بعض الشيعة اعترفوا بأبي عبد الرحمن وبعلمه وبدعوته بسبب هذه الخصلة الحميدة فقد كنت يوماً بمدينة صعدة وسمعت شيعياً يسب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فقال له رجل ومقبل أي يريد منه أن يسب الشيخ مقبلاً رحمه الله فقال له أما الشيخ مقبل أشهد لله أنه عالم ولو أراد الدنيا لعمَّر عما يرا إلى براش 35.
أما تواضعه رحمه الله فهو تواضع لا يكاد يوجد إلا عند القليل فمن تواضعه لو ناداه طفل وهو يمشي لوقف له يكلمه وينظر ماذا يريد ويأتيه الصغير وهو على كرسيه يلقي درسه فيتوقف عن إلقاء درسه فيقول له الصغير أريد أن أقرأ حديثاً في مكبر الصوت فيرفعه الشيخ أو يأمر بعض طلبة العلم برفعه فيجلسه أمامه فيقرأ الصغير حديثه والشيخ يبتسم ولا يتضجر وكان مع طلبته هين لين.
ومن تواضعه أنه كان إذا جاءه العوام يجلس معهم الوقت الطويل بالرغم من حرصه على الوقت حتى إنه قال لنا في بعض دروسه يأتيني العوام فأجلس معهم وأحتسب على الله لأنهم لا يعرفون قيمة الوقت وسيقولون إنني متكبر أما طلاب العلم أعاملهم خلاف العوام لأنهم يعرفون قيمة الوقت وابن الجوزي رحمه الله كان يجمع ما عنده من الأقلام فإذا جاءه الزائرون يجلس معهم يبرئ الأقلام.
أقول أما قول أبي عبدالرحمن إنه يعامل طلبة العلم على خلاف العوام فلا يفهم من ذلك إنه لا يجلس معهم وإنما إذا جلس معهم ناقشهم وغربل معلوماتهم وإذا أراد أن يقوم قال ارتاحوا أنا سأذهب كما كان يقول ذلك لنا عندما كنا ندعى من قبله.
ومن تواضعه : أنه كان : في أيام الأعياد يخرج مع طلبته إلى الوادي فيشاركهم أفراحهم فيجتمعون حلقة كبيرة ويدخل فيها بعض الطلبة الأندونيسيين يلعبون لعبة الكاراتيه وهو يبتسم ثم يدخل بعض الأمريكيين يلعبون ملاكمة وهكذا فيمكث معهم إلى قرب المغرب ثم يرجع إلى بيته.
أما كرمه فكما قال الشاعر :
تراه إذا ما جئته متهـــللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله ســـائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
فقد كان رحمه الله كريماً يستقبل وفوداً وإذا جاءه زائرون دعاهم إلى بيته للغداء وإذا جاء في وقت متأخر استقبله الطلاب إلى غرفة الضيوف ثم يلتقي بالشيخ ويقدم الغداء بنفسه في كثير من الأوقات وكذلك كان يجلس معه بعض الزوار بعد صلاة الفجر فيقدم لهم زبيباً ويكرمهم غاية الإكرام وكان يجود بما يملكه .
وكان إذا جاءه أحد وقت وجبة من الوجبات لا سيما وجبة الغداء دعاه لتناول الغداء وكان كريماً كذلك مع طلبته وسبق الكلام على ذلك في حرصه على طلبة العلم.
وكان ورعاً رحمه الله تعالى فلا يبقى مال الدعوة عنده بل يحيله إلى مسؤول المال.
بل كان ربما يهدى له شيء من شخص لا يعرفه فيترك الانتفاع به ويعطيه من تستحقه من زوجاته كما سيأتي عن زوجته أم شعيب فرحم الله أبا عبد الرحمن.

حرصه على الدعوة
كان أبو عبد الرحمن حريصاً على الدعوة إلى الله أيما حرص بالرغم من كثرة مشاغله في التأليف والتدريس وكان يوجه طلبته ويقول لهم لا تقبلوا على العلم وتتركوا الدعوة عليكم بالدعوة إلى الله بما تعلمتم وكان يخرج للدعوة ففي بعض السنوات يخرج ويتنقل في كثير من المدن والقرى اليمنية صعد الجبال ونزل الأودية والسهول وكان يؤذى من قبل أعداءه من الجماعات كالإخوان المسلمين وأصحاب جمعيتي الحكمة والإحسان والعلمانيين والصوفية وغيرهم ولا ينقطع عن دعوته إلى الكتاب والسنة وكان يحضر له الجموع الغفيرة حتى إنه في بعض المحاضرات لا تتسع المساجد للجموع التي تحضر فيجعلونها في مصلى العيد فتجده في دعوته يحذر الناس من الشرك والبدع والديموقراطية والانتخابات وأن لا يوالون أعداء الإسلام وأن يتركوا الحزبية التي فرقت شمل الأمة ويناصح المزارعين والمدرسين والمسؤولين والآباء والأمهات والأبناء والأطباء والتجار والصحفيين والعمال بل كان حريصاً على هداية الناس أفراداً وجماعات واذكر أنه جاءه مراسل إذاعة لندن فطلب منه أن يتكلم معه فقال له الشيخ ما رأيك تسلم وأتكلم معك فنصحه الشيخ وطلب منه أن يسلم فأبى فرفض أن يتكلم معه ومكث أياماً يحضر الدروس يريد الكلام مع الشيخ والشيخ يطلب منه أن يسلم كان حريصاً على هدايته ومكث أياماً ثم رحل
وكان أبو عبد الرحمن إذا انتهى من محاضرته ينتقل إلى بيت أحد الأخوة فيجتمع الناس به يسألونه فيجيب على أسئلتهم فإذا انصرفوا عنه قرأ إن كان لديه نشاط وإلا ينام.
فرحم الله أبا عبد الرحمن وأسكنه الفردوس الأعلى آمين آمين.

حرصه على العلم ومراجعته
وكان أبوعبد الرحمن حريصاً على العلم فقد كان مهتماً بالتدريس أيما اهتمام كانت له دروس عدة فكان يدرس قبل آذان الظهر بساعة كتابه ( الصحيح المسند مما ليس في الصحيحن) ولما انتهى منه أخذ يدرس في الجامع الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين وبعد صلاة الظهر يدرس يوماً في تفسير بن كثير ويوماً يدرس في كتابه (الصحيح المسند من أسباب النزول) فلما انتهى منه جعل مكانه درس (الجامع الصحيح) فصار يوماً يدرس (التفسير) ويوماً يدرس (الجامع الصحيح) وقبل الظهر يكون في بيته يحضر وتحضيره ما يقارب ربع ساعة كما ذكر ذلك في بعض دروسه.
وبعد العصر يدرسنا في (صحيح البخاري) وبعد المغرب يدرس في (صحيح مسلم) : وفي كتابه (أحاديث معلة ظاهرها الصحة) ولما انتهى منه درس كتابه (غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل) ولما انتهى منه درس كتابه (ذم المسأله ) إلا انه غاب في تدريسه كثيرا لما بدء مرضه يشتد عليه وكتبه هذه كلها درسها مع (صحيح مسلم ) ولما انتهى من كتاب (ذم المأله ) درس في كتابه (الصحيح المسند من دلائل النبوه ) وكان يجعل يوما له ويوما (لصحيح مسلم ) ومع هذين الكتابين يدرس كتاب (المستدرك ) (وكتابه ) ( الصحيح المسند في القدر ) وتوفي رحمه الله على هذا الترتيب 36وواصل الشيخ يحيى بن علي الحجوري بدار الحديث على هذا الترتيب فهذه دروسه الخاصه في دار الحديث واذا انتقل الى بيته يدرس ابنته أم عبدالله كتاب (قطر الندى) ثم يقرأ نساؤه عليه حديثا"من كتابه دلائل النبوة وكذلك (يدرسهن ) الإملاء وكان يدرس زوجته أم شعيب (المتممة) قبل النوم وسيأتي ذلك عنها فيما بعد إن شاء الله.
وكان رحمه الله إذا تكلم في علم الرجال قلت هو فارس ميدان هذا العلم كان يأتي بفوائد عجيبة وربما جاء في بعض الأسانيد فلان بن فلان فيقول أخشى أن يكون تصحيفاً فيبحث فيوجد أنه مصحف كما قال وأما النحو إذا ناقش طلبته كأنه لا يوجد غيره في معرفة هذا الفن لكثرت الفوائد والفرائد التي يطرحها في دروسه وإذا تكلم في العلل أدهش من حوله وإذا جاءته أسئلة يجيب عليها وكان سريع الاستحضار للأدلة لقد كنا نندهش من قوة ذاكرته يأتي بالأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله فيرصها رصاً ويناسق بينها ويستبنط منها استنباطات عجيبة مع أنه لا يحفظ القرآن كاملاً ومن قرأ في كتابه ( الجامع الصحيح) عرف فقه الرجل من خلال تلك التراجم وكما قيل فقه البخاري في تراجمه.
أما مراجعته فما حضرت له مجلساً إلا وذاكر من حوله من طلبته ولقد كان رحمه الله في دروسه بين مغرب وعشاء ربما نزل من على كرسيه يسألهم عن فوائدهم التي قد أخذوها وإذا وجد شخصاً نائماً يأمره أن يبقى قائماً فإذا ذهب منه النوم قال له اجلس وإذا رأى طالباً غير مهتم بدروسه سأله بسؤال يختبره فيقول له مثلاً: معاذ بن معاذ ما اسمه وما اسم أبيه فبعضهم يجيب بلا أدري فيقول له لعلك كنت مسافراً اهتم يا بني ويتنقل في حلقته التي لا يقل عددها عن ألفي طالب وفي العطلة يبلغ عددهم ثلاثة آلاف طالب وكان لا يمنعه المرض من مذاكرة العلم ولقد زرته في مرضه الأخير في مستشفى النور بمكة المكرمة فدخلت عليه في غرفته ووجدته على السرير على يمين الداخل وفي يده اليمنى حقن مغروزة في يده وكان يغمى عليه فإذا فاق نظر إلى من حوله وسألهم وكان يكثر السؤال عن حديث: "إن الله إذا أراد قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة " 37 .
فرحم الله أبا عبد الرحمن وأسكنه الفردوس الأعلى آمين آمين.

عدد زوجاته
أما زوجاته رحمه الله تعالى فقد تزوج أربعاً
الأولى: تزوجها ثم فارقها
الثانية: أم عبد الرحمن رحمها الله تعالى توفيت في 9/2/1422هـ .
انجبت له أربعاً من البنات توفي منهن اثنتان وبقي اثنتان الأولى أم عبد الله الكبرى زوجها الشيخ أحد طلبته وهو محمد بن موسى العامري
الثانية أم عبد الله الصغرى زوجها الشيخ أحد طلبته وهو صالح بن قائد الوادعي.
الثانية من زوجاته أم شعيب الوادعية ولم تنجب له أحداً.
الثالثة: أم سلمة ولم تنجب له كذلك أحداً
وفاته
وان الأمة الإسلامية قد فقدت عالماً من هؤلاء العلماء فقدت عالماً مجاهداً مجدداً إنه العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي وافانا خبر وفاته في ليلة الأحد الأول من شهر جمادى الأولى سنة اثنين وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة 6 فرحم الله أبا عبد الرحمن واسكنه الفردوس الأعلى.
بقلم تلميذه يحيى الحجوري




مكتبة الشيخ مقبل الوادعي – الإصدار الخامس

الوصف: مكتبة الكترونية تعتني بجمع كتب وتراث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله-، وتضم ترجمة للشيخ وبعض أبرز مؤلفاته، والكتب في البرنامج هي:

– عدة تراجم للشيخ مقبل الوادعي؛ وقائمة بمؤلفاته، ووصيته -رحمه الله-
– تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب
– المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح
– مجموعة رسائل علمية
– الشفاعة
– ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر
– الإلحاد الخميني في أرض الحرمين
– مقتل الشيخ جميل الرحمن
– مشاهداتي في المملكة العربية السعودية
– البركان لنسف جامعة الإيمان
– الإلزامات والتتبع [موافق للمطبوع]
– الصحيح المسند من أسباب النزول [موافق للمطبوع]
– أحاديث معلة ظاهرها الصحة [موافق للمطبوع]
– الصَّارِمُ المُنْكِي في الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِي – تقديم الشيخ مقبل للكتاب
– الجمع بين الصلاتين في السفر
– المستدرك على الصحيحين للحاكم [موافق للمطبوع]
– تراجم رجال الدارقطني في سننه الذين لم يترجم لهم في التقريب ولا في رجال الحاكم [موافق للمطبوع]
– حكم تصوير ذوات الأرواح [موافق للمطبوع]
– رجال الحاكم في المستدرك [موافق للمطبوع]
– صفة صلاة النبي، للعلامة مقبل الوادعي – شريط مفرغ
– كلام الإمام الوادعي في المظاهرات والإضرابات والثورات
– خطبة الصوم – خطبة مفرغة للشيخ مقبل بن هادي الوادعي
– مجموعة من فتاوى الشيخ مقبل الوادعي
– أزكى الطيب في دفاع العلامة الوادعي رحمه الله عن أمنا عائشة زوجة الحبيب عليه الصلاة والسلام
– تفريغ شريط (صفة الصلاة) للشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى [نسخة 2]
– غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل
– مجموعة مصورة من كتب الشيخ الوادعي (صيغة بي دي اف)
– قرة العين في أجوبة قائد العلابى وصاحب العدين
– نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة
– هذه دعوتنا وعقيدتنا
– محتويات المكتبة من كتب الشيخ الوادعي صيغة وورد

وقد تم إعداد البرنامج بثلاث صيغ: صيغة ملف تنفيذي (exe)، وصيغة ملف مساعدة (chm)، وصيغة (bok) الخاصة بالموسوعة الشاملة، مع توثيق الكتب بترقيم الصفحات لتوافق المطبوع، كما تم تجهيز صيغة (chm) بطريقة تسمح لعملها على الأجهزة الكفية (Pocket PC) وأجهزة الآي باد والآي فون باستخدام التطبيقات المخصصة لذلك.

تعليمية
تعليمية

حجم الملف: 20 ميجا بايت.




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة مختصرة للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله

علامة اليمن السعيد ؛ وناشر دعوة التوحيد ؛ مقبل الوادعي ؛ الإمام الرشيد

الحمد لله الذي أنعم على أمة الإسلام بما لم ينعم به على أمة قبلها ، وأبان لها طريق الهداية وهداها سبلها ،وأرسل إليها رسولاً {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }، وامتن عليها بأئمة بعد نبيها فإنه بعباده خبير عليم ، سخر هؤلاء الأعلام لهذا الدين كما سخر لسليمان { الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب }، فكانوا خير خلف لأولئك الأصحاب ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ومكر الكائدين الماكرين ، رضي الله عنهم فإنهم على مرِّ العصور حماة هذا الدين .

وصلى الله على سيدنا محمد القائل : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ، وعلى أصحابه وآل بيته الكرام فإنهم منارات هذه الأمة وميامينها .
أما بعد ؛

فقد طلب مني أحد الأخوة الكرام ترجمة لشيخنا مقبل الوادعي– رحمه الله – للتعريف به ؛ فقد جهل هذا الإمام كثير من الناس ، وجهلوا ما قدّم في حياته للإسلام والمسلمين ؛ فلم أجد بدًّا من إجابته لطلبه ؛ لمعزة هذا الطالب علينا ، فهو أحد تلاميذنا الكرام المحبين للحق – نحسبه والله حسيبه – ، ووفاءً لحق شيخنا علينا .

وقبل أن أبدأ بالترجمة أذكر الطلب الذي وجِّه إلي من تلميذنا الكريم حيث قال : شيخنا الفاضل ؛ بناء على طلب كثير من الإخوة ، وحتى نبين لكثير من الناس من هو الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله – نرجو كتابة ( ترجمة للشيخ ) لأن كثيراً من الناس – وللأسف – لا يعرفون من هو الشيخ مقبل علامة اليمن ، مع الشكر والاحترام .

قلت : وهذا الذي ذكره أخونا الكريم ؛ من جهل الناس بالشيخ مقبل الوادعي ليس خاصاً بعامة الناس ، بل وكثير من أتباع المنهج الحق كذلك . وذلك بسبب إيجاد فجوة متعمّدة من بعض من يشار إليهم بالبنان بين أتباع دعوة الحق في هذه البلاد ، وعلمائها ؛ فقد سمعت أحدهم يقول

– صراحة – : علقوا الشباب بالعلماء ، ويشير إلى نفسه .

وليس هذا خاصّا بالشيخ مقبل وحده ؛ بل بالأكثر من علماء هذه الدعوة المباركة ، فعندما دخلت هذه البلاد كنت أذكر رموزاً من علماء هذه الدعوة بين شبابها ؛ فإذا بهم ينظر بعضهم إلى بعض ، وحالهم وقالهم يقول : من هذا ؟!
ولذا أبدأ بالمقصود بعون الرب المعبود:
الشيخ مقبل الوادعي : هو مقبل بن هادي بن مقبل الهمداني الوادعي الخِلالي من قبيلة آل راشد .
وقبيلة وادعة من بلاد اليمن ، وأكثرهم يسكن في دمّاج ؛ قرية من قرى صَعدة شمال اليمن .
طلب شيخنا

– رحمه الله – العلم وهو في الخامسة والثلاثين من عمره تقريباً ، ودرس على مجموعة من العلماء من الحجاز واليمن ومصر ونجد والصومال والهند والباكستان ، ودرس على الإمامين عبد العزيز بن باز ومحمد ناصر الدين الألباني – رحم الله الجميع .

ووجد رحمه الله صعوبة في الطلب لقلة المعينين عليه كما هو الحال في كثير من بلاد الإسلام ، ولكن الله وفّقه واستمر في الدراسة ، وتخرّج من معهد الحرم المكي ومن الجامعة الإسلامية في الحجاز .
وفي أثناء دراسته كان يدرِّس بعض طلبة العلم في النحو والحديث ، وأخذ يدعو إلى الله، وانتشرت دعوته رحمه الله في مدة قليلة وباجتهاد كبير منه وممن كان معه .
ولكن وكما هو الحال اليوم خرج الخوارج على الحكومة في تلك البلاد ، فاتهمّوا الشيخ بأنه معهم ، ولم يثبت عليه شيء .
فرُحِّل من السعودية إلى اليمن .
فرحل الشيخ ولم يكن يعلم أن في رحيله هذا خيراً كبيراً له ولأهل اليمن ؛ فقد كانت اليمن في تلك الفترة تعج بالصوفية والشيعة الزيدية ، فأراد الله بتلك البلاد خيراً فأعاد لهم الإمام مقبل بن هادي الوادعي ليقوم على تعليم الناس الكتاب والسنة وردّهم إلى منهج الصحابة الكرام ومن سلك سبيلهم من علماء الأمة ، بعد أن خيم الجهل على تلك البلاد .
وبالفعل تمكن رحمه الله من نشر دعوة الحق بين أهل اليمن وأخرج الناس من ظلمات التشيّع والتصوّف إلى نور الكتاب والسنة بعد جهاد ونضال شديد ؛ وصل في بعض الأحيان إلى المضاربة والعراك ، وفي بعضها الآخر إلى محاولة قتل الشيخ

– رحمه الله – ولكن الله سلم، وحفظه منهم ، والفضل في هذا لله أولا ثم لقبيلته جزاهم الله خيراً .

فانقلبت اليمن بفضل الله ورحمته ثم بجهد الشيخ وصبره من بلاد تحوي أهل الشرك والبدع إلى بلاد تحوي أهل التوحيد والسنة ، وبلغ عدد تلاميذ الشيخ الذين اجتمعوا عنده لطلب العلم نحو ألف طالب وخمسمائة عائلة ، وانتشرت دعوته خارج اليمن وحضر عنده لطلب العلم الكثير من طلبة العلم من خارج اليمن : من الدول الإسلامية وأروبا وأميركا وروسيا وغيرها من أنحاء العالم .
والآن بحمد الله أهل السنة في اليمن كثر وأقوياء ولهم نشاط كبير في الدعوة إلى دين الله الحق ، فلا تكاد تجد قرية في اليمن إلا وفيها طالب من طلبة الشيخ يعلم الناس الكتاب والسنة، فرحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى .
وأما دعوة الشيخ ، فكان رحمه الله يدعو إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج أصحاب رسول الله ومن اتبعهم بإحسان وكان يحارب الشرك من عبادة القبور والسحر والكهانة والتنجيم وغيرها ، والبدع بشتى أنواعها ، وكان يحذر من كل من وجد منه مخالفة للكتاب والسنة تؤدي إلى ضياع الحق ، وإظهار الباطل .
وكان من أهل الحديث الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله " ، قال الإمام أحمد وغيره : " إن لم يكونوا من أهل الحديث فلا أدري من هم " .
وبالجملة فقد نفع الله به نفعاً كبيراً ، وكان بحق من مجددي الدين في هذا الزمان ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ، أخرجه أبو داود وغيره ، وهو صحيح .
وله مؤلفات كثيرة من أحسنها وأنفعها كتاب " الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ، جمع فيه الشيخ – رحمه الله – بعض الأحاديث الصحيحة التي لم يخرجها البخاري ومسلم ، فكان كتاباً متمّماً للصحيحين .
وكان الشيخ رحمه الله زاهداً أتته الدنيا راغمة ، ومع ذلك لم يلق لها بالاً ، وكان همُّه الوحيد هو تعليم طلبة العلم ونشر دعوته ، وقد رأيت بيته عندما ذهبت إليه لطلب العلم فوجدته بيتاً من طين ، مع أنه كان قادراً على أن يبني بيتاً فاخراً من الأموال التي تأتيه، ولكنه كان يؤثر بها تلاميذه .
وكان يحب طلبة العلم ويحترمهم ويقدرهم .
وبهذه المناسبة أذكر فائدة أخذتها منه مباشرة :
قلت للشيخ

– رحمه الله – بعد أن صلى العصر : المثنى بن إبراهيم الآملي شيخ الطبري ذكر ابن كثير إسناداً للطبري عن المثنى بن إبراهيم هذا ثم قال : إسناده صحيح ؛ هل يكفي هذا في توثيق المثنى ، فقال لي : لا يكفي ، قلت : ولِمَ ؟ قال: من أين له ابن كثير توثيقه ؟!

ومن مواقفه التربوية معي أنا شخصياً ؛ أنه أوقفني مرة ليسألني سؤالاً ، فاستحييت وتغير لون وجهي ، وارتبكت في الإجابة ، فلما رأى ذلك مني قال لي : تعال وأجب من عندي ، فازددت إحراجاً ، وما وصلت عنده إلا والعرق يتصبب مني ، فأخذه الضحك ثم قال : اسمعوا لأخيكم الأردني ماذا يقول ، فهربت ورجعت مكاني ، فلم يتمالك نفسه من الضحك , وأراد بذلك رحمه الله تعويدنا على الوقوف والكلام أمام الناس ، فرحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة وجزاه عنا خيراً ورفع منزلته في الفردوس الأعلى .

كتبه : أبو الحسن علي الرملي
يوم 5 / 11 / 1443 هـ




السلام عليكم و رحمة الله و بركآآته
بارك الله فيك أختي




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاك الله خيرا.