الاهتمام بالنوع وليس بالكمية في تدريس اللغة العربية لإثراء حصيلة الطالب اللغوية
لا يستطيع أحد ان ينكر بان معظم قواعد النحو للغة العربية الفصحى… صعبة, ولاسيما على النشء, لكن لا احد يستطيع ان ينكر اهمية بعضها لفهم المعاني او تقويم اللسان! ونظرا الى خبرتي الطويلة في تدريس مادة اللغة العربية والتي تمتد لاكثر من ثلاثين عاما, فانني لا ارى اهمية لتدريس الكثير من قواعد اللغة العربية لطلابنا وطالباتنا في المدارس الحكومية والاهلية والخاصة وفي جميع السنوات الدراسية لانها صعبة الفهم, وفي حالة وجود من يفهمها, سنجده ينساها بعد وقت, قصر ام طال, لانه لا يستخدمها في تخاطبه اليومي مع الاهل والجيران والاصدقاء ولا يحسن توظيفها في معظم كتاباته.
اذن لنكتف بتدريس النشء في مدارسنا, قواعد النحو »السهلة« التي تساعده على فهم الكلام… او نطقه بسلاسة! مثل جملة المبتدأ والخبر, وجملة الفعل والفاعل, وما يتعلق بكل منهما من موضوعات مثل انواع الخبر واعراب الفاعل والمفعول به, مع التوسع بهما في كل مرحلة من مراحل التعليم الثلاث, ولنترك القواعد النحوية الصعبة لمن يريد ان يتخصص في دراسة اللغة العربية في الكليات والمعاهد بعد ذلك.
والقواعد النحوية الصعبة التي لا فائدة منها للنشء حتى في المرحلة الثانوية كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: لا النافية للجنس, اسلوب الاغراء واسلوب التحذير, اعراب المستثنى, اعراب المنادى, الاسماء الخمسة والتي هي ستة عند العرب القدامى, الجمل التي لا محل لها من الاعراب, ملحقات جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم والمثنى ¯ ظن واخواتها,المفعول معه, الاختصاص ¯ اسم المرة ¯ اسم الهيئة ¯ اسم الآلة ¯ عمل اسم الفاعل واسم المفعول… وغير ذلك كثير مما افردت له كتب مطبوعة فاخرة تكلف الملايين من دون طائل! وكتابة التلاميذ في دفاتر »التعبير« خير شاهد.
طبعا بدعوتنا هذه سنرمى بالحجارة من المدعين بحب اللغة العربية ودارسيها باعتبارها لغة الحضارة والثقافة والدين, وانا لا اعرف ما علاقة تدريس مواضيع نحوية لا علاقة لها بفهم الكلام او التعبير الصحيح عن مكنونات النفوس والعقول… ولا بتقويم اللسان, بحب اللغة العربية لغة الاباء والاجداد, فالانسان يستطيع ان يعبر تعبيرا مفيدا وممتعا من دون مراعاة لمعظم قواعد اللغة والدليل ان هناك قسما في كل مطبوعة »صحفية او مجلة« يطلق عليه قسم »التصحيح« وهو مختلف تماما عن قسم التحرير او الكتابة.
ثم ان اي دعوة مثل دعوتنا تلقى عند عرضها الاعتراض ثم تفرض نفسها, ففي النهاية لا يصح الا الصحيح, وانا اذكر اخواني مدرسي اللغة العربية وحماتها بالدعوات السابقة لالغاء مادة »العروض« في الشعر عن النشء السابق, والكثير من موضوعات »الصرف« وقتها قامت الدنيا ولم تقعد, لكننا الان لا ندرس العروض ولا موضوعات الصرف الصعبة, ولم يعد هناك اعتراض على هذا او ذاك, لان الكل صار مقتنعا بان هناك مواد علمية اهم من تدريس العروض الذي لا يجيده او يستخدمه الا شاعر »موهوب« والاهم اننا لسنان في عصر الشعر, نحن في عصر العلم, حتى الشعر ليس باوزانه التقليدية ولكن بما ينبض من مشاعر وافكار واحاسيس.. فالفية ابن مالك ليست شعرا وكلمات نزار قباني كلها شعر.
المهم: لنخفف من قواعد النحو على النشء بتدريس السهل منها من دون سواها من الصعب الذي لا دخل له في فهم المعنى او المختلف عليه في المدارس النحوية القديمة او الذي يعد من باب »الفذلكات« النحوية التي كان مخترعو النحو العرب آنذاك مولعين فيها لغياب او قلة العلوم العلمية في وقتهم, فهناك من العرب ¯ كما تقول كتب النحو ذاتها ¯ يقصرون الاعراب بالاف رفعا ونصبا وجرا للمثنى وكذلك للاسماء الستة وهناك من يأخذ بلغة »أكلوني البراغيث« بدلا من اكلني البراغيث او اكلتني البراغيث… التي يجمع عليها جمهور النحاة كما يفيد كتاب النحو لابن هشام… وغيره.
والاهم ان نعتمد التدريبات والتمرينات والتطبيقات عند تدريس قواعد النحو وليس الشرح وان تخصص لعلامة النحو في الاختبارات درجة قليلة مقارنة بدرجة الشعر والقراءة او النصوص والاطلاع, لان المهم في تدريس اللغة العربية ان يقرأ الطالب جيدا ويكتب او يعبر جيدا, وهذا يجرنا الى بيان اهمية التركيز في تدريس اللغة العربية للنشء على كثرة القراءة المعبرة, المؤثرة, التي تتمثل المعنى لان الهدف من القراءة هو النطق السليم والتأثير بمن يسمع, ان كانت جهرية والقدرة على القراءة بالنظر من دون تحريك الشفاه, ان كانت صامتة والفهم واستخلاص الفكر الجزئية او استنتاج الفكر الرئيسية, ان كانت القراءة قراءة استماع.
ويجرنا الحديث عن تدريس اللغة العربية , المناسب والمفيد والممتع للنشء الى اهمية تجنب شرح او التكليف بدراسة علم البيان (تفصيلا) لان فيه موضوعات ¯ كالنحو ¯ لا تقدم او تؤخر في القدرة على التعبير السليم لدى الطلاب, فاذا كان الطالب يحتاج الى شرح مبسط عن التشبيه والاستعارة والكناية, فما حاجته للتشبيه الضمني… والاستعارة التمثيلية وغيرهما من الصور البيانية الصعبة التي تفرد لها الوزارة كتبا لطلاب الثانوية وطالباتها,تشغلهم عن تلقي العلوم المفيدة لهم ولغيرهم?
أليس من المناسب للتلاميذ تنمية تذوقهم بجمال اللغة من خلال ابيات النصوص التي يدرسونها بدلا من اسئلة جافة في اختبارات معظم اسئلتها من غير الاسئلة التي مرت على التلاميذ طوال سنتهم الدراسية مما يجعل من يدرس الكتاب المقرر ويجيب اسئلته يتساوى مع من لم يقرأه ويحرص على معرفة اجابات اسئلته.
وبمناسبة ذكر النصوص المقررة فان من الاهمية التركيز على النوعية الجيدة من النصوص لا عددها وخصوصا في المدارس الاجنبية التي تدرس العربية للعرب فيها, فمن الغبن ان يكلف الطالب في المدرسة الاجنبية بالمنهج نفسه الذي يكلف فيه الطالب في المدرسة العربية حكومية كانت او خاصة…!
عموما علينا الاهتمام بالكيف لا بالكم في تدريس النصوص والقراءة… والاهم اختيار المناسب منها الذي يسهم بالفعل في اثراء الحصيلة اللغوية والثقافية للطالبة او الطالب, وفي الوقت ذاته يفيده بالافكار النيرة ويزوده بالقيم الانسانية, قيم الخير والحق والجمال…!
-منقول للفائدة-