الفتوى رقم: 1122
الصنف: المعاملات المالية-بيوع
في الإثراء السريع بالاحتكار
السـؤال:
من المعلوم أنَّ الدولة نظَّمت معرض الكتاب ليستفيد منه عمومُ الناس، لكنَّ بعض المكتبات تستغلُّ هذه المناسبةَ لشراء الكتب جملةً لبيعها بعد ذلك بثمنٍ أغلى، مع الإشارة إلى أنَّ تنظيم المعرض يمنع ذلك ولا يسمح به.
فهل يجوز لهم فعلُ ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا يجوز لمسلمٍ أن يبيع ما اشتراه إلاَّ بعد أن يقبضه ويحوزه إلى رحله لما ثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه: «نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»(٢) إِلاَّ خَاطِئٌ(٤). وعلَّة تحريمه الحرج والضرر الواقع على الناس بالاحتيال والحبس والتخزين، والحديث يدلُّ على تحريم الاحتكار ويتناول كلَّ سلعةٍ أو بضاعةٍ مطلقًا، سواءً كانت من قوتٍ أو من غيره عملاً بقاعدة أنَّ «المُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إِطْلاَقِهِ».
لذلك ينبغي للتاجر الأمين أن يترك عوامل الجشع والطمع التي تدفعه إلى الاحتكار واستغلال أموال الناس بفرض أسعارٍ مرتفعةٍ تخرج عن المعتاد، إغلاءً لما يحتاجه الناس في معاشهم ومعادهم.
وجديرٌ بالتنبيه أنَّ للتاجر أن يشتريَ ما شاء من السِّلَع والبضائع، وله أن يحبسها أو يخزِّنها إذا كانت الناسُ في غنًى عنها، بالنظر إلى انتفاء الضرر عنهم وهو علَّة المنع، وله أن يبذل لهم من الموادِّ والبضائع عند قيام الحاجة بما تتعارف عليه العادةُ في المكاسب، دفعًا للحرج والضرر عن المسلمين.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 07 من ذي القعدة 1443ﻫ
المـوافق ﻟ: 05 أكتــوبر 2022م
١- أخرجه أبو داود في «الإجارة»، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفي (3499)، من حديث زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (6/ 559).
٢- الاحتكار هو حبس السلعة لتقلَّ فتغلو [انظر: «النهاية» لابن الأثير (1/ 417)].
٣- خاطئٌ: هو العاصي الآثم المذنب [«النهاية» لابن الأثير (2/ 44)].
فهو من الثلاثي: «خَطِئَ، يَخْطَأُ» فهو خاطئٌ من الخطيئة، فمنه قوله تعالى: ﴿لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة: 37]، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: 91]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: 29]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: 8].
بخلاف الخطإ الذي يقابل الصواب أو العمد فهو من الرباعي: «أخطأ، يُخطئ» وفاعله يُسمَّى مخطئًا من الخطإ، فمنه قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ [الأحزاب: 5]، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286].
٤- أخرجه مسلم في «المساقاة» (1605)، من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه.
المصدر:الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله –