آليات التحليل النحوي للنص اللغوي
دراسة في أدوات النظر الإعرابي للنصوص
يتطلَّب تحليلُ النص لغويًّا جملةً من المرتكزات العلمية، وعددًا من الأدوات التي تلزم الناظرَ نحويًّا للنصوص بغرض التحليل اللغوي المتكامل لها، وإعرابها؛ من تلك المرتكزات والأسس العلمية ما يأتي:
1- الوقوف على نوع الكلمة أولاً: (اسمًا، أم فعلاً، أم حرفًا)؛ لأن الإلمامَ بها يبيِّن موقع الاسم، ووظيفتَه، والعاملَ فيه، والحرف يربط الأسماء بالأفعال، بحيث يتضح تماسكُ النص وترابطه.
2- تحديدُ نوع الفعل تعديًا، ولزومًا، ومعرفةُ نوع المتعدي؛ لأننا نعرف من خلال إدراك التعدِّي واللزوم أركانَ الجملة، والعامل والمعمول؛ سواء أكان العاملُ قد أثَّر في معمول واحد أو معمولين، أو ثلاثة معمولات، أو قد اقتصر على معمولٍ واحد هو الفاعلُ؛ لكونه لازمًا.
3- تحديدُ نوع الاسم، هل هو علَمٌ أم مصدرٌ، وإذا كان عَلمًا فما موقعهُ من الجملة، وإذا كان مشتقًّا فما فِعلهُ وما عملُهُ؟ وإذا كان مصدرًا فما نوعُهُ، هل مصدر عامل أم غير عامل، والعامل هل مصدر مضاف أم منوَّن، أم معرف، أم مصدر مِيمي، أم مصدر صناعي؟ وما عملُهُ في تركيبهِ وجملتهِ؟
4- تحديدُ الحرفِ، والوقوف على كونهِ مُختصًّا عاملاً، وغيرَ مُختص؛ أي: مهملاً، ثم تحديد عمل المختص؛ وذلك يقتضي الإلمامَ بجميع أنواع الحروف وعملِها في جملتها، والحروف موسوعة متكاملة، ومنظومة متناغمة.
5- دراسة ما يتعلقُ بأركان الجملة؛ سواءٌ أكانت اسميةً، أم فعلية، وهذا يتوقفُ على دراسة المبتدأ وأقسامه، والخبر وأنواعه، وحُكم الرتبة، وما يتصلُ بقضايا الحذف الجائز والواجب.
6- الإلمامُ بكل النواسخ النحوية بكافة أنواعِها؛ أي: سواءٌ أكانت نواسخَ حرفية، أم نواسخ فعلية، وكذا النواسخ الاسمية، وعمل كل ناسخ.
7- وكذلك ما يتعلق بالجملة الفعلية، والوقوف على أركانها وعناصرها، وهذا يتطلب فهمَ المفعولات الخمسة، وهي:
(المفعول به، والمفعول له، والمفعول معه، والمفعول فيه، والمفعول المطلَق)، وأنماط كلِّ نوع، وكيفية إعراب كل صورة في تركيبها، وكذا قضايا الرتبة والحذف في الجملة الفعلية؛ لأنه يرسِّخ فكرةَ الاحتراف في التحليل، ويُسهم في إذكاء مهارة الإعراب.
8- ضرورة الوقوفِ على ما يسمِّيه النحاةُ: بالاستعمالات النحويةِ في اللغة العربية؛ كاستعمالاتِ (مَنْ، وما ، ولا ، وإن، وأنْ، وحتى، والفاء)، وذلك بابٌ واسعٌ من أبواب النحو العربي يتبنَّى الناظرُ المعنى الذي دخلت عليه الكلمةُ، مثلاً: هل (حتى) هنا جارة أم ابتدائية أم عاطفة أم ناصبة؛ لأن الإلمامَ بكل استعمالات اللفظ يُعطي رؤيةً متكاملة للتحليل النحوي للنصِّ اللغوي.
9- دراسة كلِّ أساليب اللغة العربية، وهي زُهاء ثلاثينَ أسلوبًا؛ مثل: (أسلوب المدح والذمِّ، والإغراء والتحذير، والنُّدبة، والنِّداء، والنداء التعجُّبي، والاستغاثة، والتعجب، والتفضيل، والنفي، والاستثناء، والاشتغال، والتنازع، والتوكيد بنوعيه اللفظي والمعنوي، وأسلوب الترخيم، ونحوها، مما له صورٌ وأنماط متعدِّدة في التراكيب النحوية، وكيفية إعراب كل أسلوب بأنماطه، وصوره في سياقاته.
10- لا بدَّ من دراسة ضوابطِ التخريج النَّحوي للنص القرآني؛ لأنه من المفترض أن يتعرَّض المعرِبُ لإعراب نصٍّ قرآني، أو سورةٍ قرآنيةٍ، فلا بدَّ من إدراك ضوابطها الإعرابية، وأسس التوجيه الراقي التي تتناسبُ مع جلال النصِّ القرآني، وسموِّ تراكيبه، وجلالِ أساليبه.
11- معرفة إعراب التراكيب اللغوية الخاصة، نحو: (﴿ فبهداهم اقتده ﴾، ﴿ وقيله يا رب… ﴾، ﴿ فأصدَّق وأكن من الصالحين ﴾، ليت شعري)، ونحوها.
12- الإلمامُ بشواردِ الإعراب؛ مثل: (من الآن فصاعدًا، يا للهول! ناهيكَ عن… لا أبا لك، ونحوها).
13- الوقوفُ على ثوابتِ الإعرابِ؛ أي: الأعاريب الثابتة؛ سواءٌ في المفرداتِ، أو في التراكيب؛ كمعرفة أنَّ: (معًا – جميعًا – قاطبة – خاصة – وحْده)، تُعرب حالاً دائمًا، وأن الضمائر بعد الأسماء تُعرب مضافًا إليه، وكذا الضمائر والأسماء الظاهرة بعد الأسماء الستة تُعرَب مضافًا إليه، وأن الكلمة المنكَّرة المنصوبة بعد أفعل التفضيل تُعرَب تمييزًا، وكذا المنوَّنة المنصوبة الواقعة بعد (خير وشر)، وهكذا.
14- الإلمامُ بمصطلحات الإعرابِ كاملة؛ لتجاوز الوقوع في الأخطاء الإعرابية؛ مثل: التعذُّر، والثِّقل، والمناسبة، والحكاية، واشتغال المحل، والعطف على اللفظ، والعطف على المحل، والتجرد والابتداء، والذي له محلٌّ، والذي لا محل له، ونحو ذلك، وهو باب واسع، من أبواب فنِّ الإعراب.
15- معرفةُ أخطاءِ المُعربينَ المتكررةِ؛ حتى لا يقع فيها المُعربُ عند تناولهِ لنصِّ ما؛ إعرابًا، أو تحليلاً، نحو: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 3]: إنه حرفُ صلة، وليس حرفًا زائدًا؛ كما يخطئ المعربون في ذلك، ونحو في البركة: البركة اسم مجرور بالكسرة، وهكذا من أخطاء المُعربين.
16- لا بدَّ من قراءة نصوص مُعرَبةٍ ومُحللة لُغويًّا؛ لتكون بمثابة التطبيق العملي، ولا بدَّ أن يكونَ لدى الدارسِ كتبٌ في إعرابِ القرآن الكريم، وفي إعراب الحديثِ الشريف، وإعراب النصوص النثرية الكثيرة؛ مثل: (الأشعار، والأمثال، والخُطَب والحِكَم، والمسرحيات، والقَصص، ونحوها من ألوان النثر على تعدُّد شرائحِها).
17- لا بدَّ لكل معربٍ للنصوص من نظرتين عند التحليل النحويِّ:
أ- نظرةٌ إفراديةٌ جزئيةٌ فرعيةٌ تتناولُ كلماتِ النص كلمةً كلمة.
ب- نظرةٌ تركيبيةٌ كُليةٌ شاملةٌ تتناولُ إعراب الجمل وقضايا نحوِ النصِّ وضوابطه.
18- الإكثارُ من التَوقُّف أمامَ النصِّ وقراءته جيدًا، والوقوف على معانيه بدقة؛ لأن الإعرابَ فرعُ المعنى، فإذا لم يفهمِ المعربُ نصًّا جاء إعرابُه ضعيفًا وغير دقيق، والأمثلة على ذلك كثيرة، وانظر كلام ابن هشام، وابن الجوزي في كتابه: (أخبار الحمقى والمغفلين)، وغيرهم ممن نبَّهوا على واجبات المعرِب، وأدوات المعرب، وآليَّاته.
19- كثرةُ التحليلِ النحويِّ والإعرابي، ومصاحبةُ أحدُ مَن لهم باعٌ في هذا المجال؛ لاستشارته، ومعرفة وجه الصوابِ فيما حُلِّل وأُعربَ، وأن تلزمَه فيما يقوِّمُ ويبيِّنُ من جوانب القصور، ومناحي الضَّعف التي يكتشفُها، ويحاول علاج كل تلك الأوجه وتجاوزها في الأعاريب اللاحقة، مع الأخذ في الاعتبار ما سبق التنبيه عليه، ولفت الأنظار إليه.
20- ضرورة قراءةِ بعض الكتب في تعدُّد التوجيه النحوي للتراكيب، والنظر الشامل للنص، وقراءة كتاب في توجيه القراءات القرآنية، وتعدُّد أوجه التخريج النحوي للنص القرآني واللغوي، ولا بد أن نتأكدَ من أن الاطِّلاع على تعدد الأوجه الإعرابية يُنَمِّي العقل، ويزيد في الرؤية، ويبعث على التفكير، ويؤدي إلى سلامة التوجيه اللغوي، ودقة النظر الإعرابي، فعلى سبيل المثال نجد في قوله – تعالى -: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2]، فيها اثنا عشر إعرابًا، موجودة في كتب إعراب القرآن، ويمكن الرجوعُ إليها.
21- ضرورة النظر المتكرِّر فيما تم إعرابُه، وتمثُّله، وإجالة النظر مرة ومرة، وإعادة قراءته من أجل الاقتناع به، والرضا عنه؛ ليكون دافعًا لغيره، آخذًا بيد المعرب لمزيد من الإعراب.
22- وأخيرًا لا بد من الاستعانة ببعض كتبِ فن الإعراب للارتقاء بالذات إعرابيًّا، ككتاب: (مفتاح الإعراب)، وكتاب: (فن الإعراب)، وموسوعتي التي كتبتها في (مهارات الإعراب)، وغيرها؛ ككتاب: (موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب)، و(معين الطلاب إلى قواعد الإعراب)، و(مرشد الطلاب إلى قواعد علم الإعراب)، ونحوها من كتب فن الإعراب.
والمسألة في الأخير مسألةُ توفيق وموهبة، لا بد أن تُصقَل بالدراسة والاكتساب، وكل ذلك مصحوبٌ بتوفيق الله – جل في علاه – والله الموفِّق إلى كل خيرٍ، والهادي إلى كل نعمة، والحمد لله رب العالمين.