التصنيفات
العقيدة الاسلامية

الدين يؤخذ من الكتاب والسنة لا من مجرد الفطرة

الدين يؤخذ من الكتاب والسنة لا من مجرد الفطرة

قرأت في صحيفة عكاظ العدد الثلاثاء 18/6/1428هـ مقالاً للكاتب عصام نجيب يماني تحت عنوان: (إيمان العجائز) ذكر فيه ممارسات لجدته لوالده: بهية، ساقها مساق الإعجاب بها رغم مخالفتها للأحكام والأدلة الشرعية والعقيدة الصحيحة متندراً بكل ما عارضها من دليل أو حكم شرعي وقال: لو عرضت [يعني ممارسات جدته] على ميزان اليوم لكفرت وبدعت وزندقت، وقالوا عنها علمانية وصوفية وقبورية ولبرالية، مصدراً مقاله بهذا الدعاء العجيب: (اللهم ارزقنا إيماناً كإيمان العجائز) هكذا قال: ونحن نقول اللهم ارزقنا إيماناً صادقاً كما أمرتنا بقولك: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ) [البقرة: 136]. وكما قلت سبحانك: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) [البقرة: 285] نؤمن الإيمان الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملا ئكته وكتبه ورسله واليومالآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )، هذا هو الإيمان الذي أمر الله به ورسوله.
ثم قال الكاتب عن جدته، كانت تقرأ في كتاب تحرص عليه. كتب على غلافه الأصفر [دلائل الخيرات] فيه صيغ من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء للأحياء والأموات وقد رأيت من يصادر هذا الكتاب في المسجد الحرام وفي الأسواق ويقول: إنه بدعة لا تجوز القراءة فيه، ونقول للكاتب هذا الكتاب الذي ذكرته فيه صيغ صلوات مبتدعة وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نصلي عليه فقال: " قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد "، وقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] فنقول: اللهم صل وسلم على نبينا محمد ولسنا بحاجة إلى ما في كتاب دليل الخيرات وما في غيره مما يخالف ما جاء في الكتاب والسنة من صيغ الصلاة على النبي، قال الكاتب: وكانت جدتي تسمع الغناء وتطرب لدانات المطربة وتميل إلى الحدري والمجرور والصهبة وتدمع عينها عندما تسمع الشحرورة تغني، إلى آخر ما ذكر من أحوال جدته مع الغناء إلى أن قال: لم تصادر ولم يحرم عليها أحد الغناء ويسمعهم أن الله سيصب في أذانهم براميل من رصاص، كذا قال، ونقول للكاتب: قولك لم يحرم عليها أحد الغناء نقول: بلى قد حرم الله الغناء في القرآن الكريم وحرمه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة قال الله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [لقمان: 6]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: لما ذكر الله تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [لقمان: 6] قال: هو والله الغناء انتهى كلام ابن كثير.
وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن قوم يأتون في آخر الزمان يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف تعزف على رؤوسهم القينات يخسف الله بهم الأرض عقوبة لهم على صنيعهم وقال البغوي رحمه الله في تفسيره: (يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث) أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن قال أبو الصباء البكري: سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وذكر البغوي مثل ذلك عن ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا: لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه وقول الكاتب ولم يحرم أحد عليها الغناء ويسمعهم أن الله سيصب في آذانهم براميل من رصاص نقول بل حرم الله ورسوله الغناء كما سبق وأما صب الرصاص في أذان المستمعين للغناء فقد جاء ذكره في حديث: "من استمع إلى قينه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة"، وكأن الكاتب يذكر هذا الحديث أو لم يعلم به، ثم قال الكاتب عن جدته: كانت لديها آلة صغيرة تسميها المشفرة تحف بها الشعرات الزائدة في الحاجب، ولم يقل لها أحد: لعن الله النامصة والمتنمصة وعلمت بفطرتها أنه قول ضعيف لابن مسعود موقوف عليه لا يرقى إلى مرتبة المرفوع هكذا قال الكاتب عن قوله: "لعن الله النامصة"، إنه قول ضعيف وهذا يرده قول ابن كثير رحمه الله: وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن والمغيرات خلق الله عز وجل"، ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل يعني قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7] انتهى قول ابن كثير فابن مسعود رضي الله عنه نسب لعن النامصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن النامصة فقد لعنها الله لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]، وفي سنن أبي داوود (4/399) عن ابن عباس:
(لعنت النامصة والمتنمصة) وهذا له حكم الرفع كما هو معلوم أن قول الصحابي حرم كذا أو لعن من فعل كذا في حكم المرفوع.
ثم قال الكاتب عن جدته: كانت تحكي لنا قبل النوم عن الصحابة وأخلاقهم وكيف أن سيدنا عمر ندم واستغفر عندما تسلق سور أحد المنازل ليكشف المنكر وأفهمه أهل المنزل أنا ما فعله هو المنكر فللبيوت حرمات مصانة وأقول للكاتب: أولاً عليك أن تثبت هذه القصة ولا يكفي أن ترويها عن جدتك، ثانياً: دخول البيوت لأجل إنكار المنكر على قسمين:
القسم الأول: من كان ضرر ذنبه قاصراً عليه فهذا إذا استتر لم يفتش عليه.
والقسم الثاني: من كان ضرر ذنبه يتعدى إلى الناس مثل المخربين والمفجرين وأصحاب المخدرات ومصانع الخمور وبيوت الدعارة وغيرهم فأصحاب هذه الجرائم لا بد من متابعتهم والدخول إلى محلاتهم لتلافي شرهم عن الناس وذلك لا يتم إلا بمهاجمتهم في بيوتهم وتسورها عليهم ولا حرمة لبيوتهم، ثم قال الكاتب عن جدته أنها قالت عن مدرستها الفقيهه سعاد أنها كانت تتسلى بالودع نجتمع حولها وتقول تعالوا نشوف من حيزرونا اليوم وأبوكم ويش جايب معاه، نضحك ونتسلى حتى إذا انتهت وضعت الودع في علبة قال الكاتب: ولم يكفرها أحد ويقول عنها صوفية تحيي البدع، هكذا قال عن جدته أنها تستعمل الودع لتعرف به من سيزورهم وما سيأتي به أبوهم وهذا من ادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، والذي هو من أمور الجاهلية وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلق ودعة فلا ودع الله له"، أي لا جعله في دعة وسكون وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستعمل الودع لكشف ما يجري في المستقبل وهو من عمل الشياطين ثم استمر الكاتب في مروياته العجيبة عن جدته فقال: كانت تصنع لنا العرائس والتماثيل كانت كل جمعة تبخر المنزل باللبان والحبة السوداء والكزبرة تشرد الشياطين وتذهب العين والحسد ونقول للكاتب: ما فعلته جدتك من التصوير لا سيما التماثيل مخالف لما صح في الأحاديث من تحريم التصوير والوعيد عليه وما كانت تفعله من تبخير البيت لطرد الشياطين ومنع العين والحسد أمر مبتدع ومخالف لما شرعه الله لطرد الشياطين والوقاية من العين والحسد من ذكر الله والاستعاذة به وحده واستعمال الأوراد الشرعية ثم ختم الكاتب مقاله بأن جدته تقول عن عزل النساء عن الرجال في المسجد الحرام وعن تغطية المرأة وجهها عن الرجال وعن منع النساء من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأمور من تغير الحال بعد جهيمان وكأن الكاتب وجدته يرون سفاهة وجهل أعظم من هذا ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم اهدنا لمعرفة الحق والعمل به وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

للشيخ الفوزان حفظه الله




لا حول ولا قوة إلا بالله !


جزى الله خيرا شيخنا الفوزان على الرد المفحم و بارك الله فيكم على الموضوع


نسأل الله تعالى أن يهدينا لمعرفة الحق والعمل به




تعليمية




التصنيفات
العربية والعرب,صرف,نحو,إملاء...إلخ

الفطرة واللغة في حياة الإنسان

تعليمية تعليمية
بسم الله الرحمان الرحيم:_here:

لمقصود بفطرة الإنسان: الطبيعة التي جُبل عليها، بصورة عامة متواترة في جميع أفراد ال*** البشري، فقد صرحَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى العام في حديثه عن الإسلام، وكونه فطرة قد فُطر عليها جميع الناس، حيث يقول: "ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه…"، وقد فسَّر جمع من العلماء الفطرة بأنها الإسلام. فكما أن الإسلام فطرة فُطر عليها بنو آدم، فكذلك اللغة هي الأخرى قد فُطر عليها الناس، وأصبحت بالجبلَّة جزءاً أصيلاً من طبيعتهم الإنسانية، فهي ظاهرة إنسانية اجتماعية من الدرجة الأولى، مرتبطة بالإنسان بصورة دائمة، فلا تعرف البشرية – عبر أحقاب الزمان الماضية – مجتمعاً إنسانياً بغير لغة يتفاهم بها أفراده، ويتواصلون عن طريقها، فهي إنسانية النزعة، تُوجد – بالضرورة– حيث يُوجد المجتمع الإنساني، وعليها يقوم التاريخ، فإن "التاريخ لا يكون إلا في عالم، فإنه حيث تُوجد اللغة يوجد التاريخ"، فليس بعيداً عن الصواب أن تُوصف اللغة بأنها غريزة في سلوك الإنسان – تماماً– كما أن النسج عند العناكب غريزة في سلوكها. هذا الارتباط الفطري الوثيق بين اللغة والإنسان يؤكِّد تفرَّد الإنسان بالخاصية اللغوية التي تُميِّزه – بصورة جذرية– عن سائر عالم الحيوان، حيث أجمع" العلماء– والرأي هنا قاطع– على أن اللغة كوسيلة للاتصال تقوم على المفاهيم والرموز والعرف: لا وجود لها إطلاقاً في مملكة الحيوان، ولن يأتي اليوم الذي يتم فيه اكتشاف مثل هذه اللغة في مملكة الحيوان"؛ لأن "اللغة الإنسانية تختلف اختلافاً حاسماً عن وسائل الاتصال الحيوانية"، وبالرغم من المحاولات الكثيرة التي أجريت على القردة لإكسابهم شيئاً من لغة الإنسان فقد باءت بالإخفاق، حيث أكدت النتائج تفرد الإنسان واستقلاله الكامل بالسلوك اللُّغوي دون سائر الحيوانات، ولهذا كثيراً ما يُميَّز الإنسان بوصفه ناطقاً؛ "ولذلك فإن أقرب تعريف للإنسان هو أنه حيوان ناطق، وهو تعريف يرقى باللغة حتى يجعلها شطر ماهية الإنسان، فاللغة هي الإنسان، وهي مظهر حقيقته، ومجلِّية ذاته".
واللغة بالنسبة للإنسان لا تقف عند حدِّ كونها خصوصية تميِّزه عن سائر أنواع المملكة الحيوانية، بل إنها تتعدى ذلك لتدخل– بصورة عضوية وعميقة– في بناء الإنسان بوصفه إنساناً؛ فالإنسان لا يكون إنساناً على الحقيقة إلا باللغة، فهي"سلوك معقَّد يتخلل في أعماق المجالات المعرفية والوجدانية للإنسان"، وتدخل في تكوينه وبنائه العقلي، إضافة إلى أنها تمثل "أهم جوانب الحياة النفسية والاجتماعية للفرد، فهي أساس العلاقات الاجتماعية، ووسيلة التواصل النفسي بين الأفراد"، حيث" تصبغ الفرد بالصبغة الاجتماعية، وكلمَّا ازداد الفرد توغلاً في عضويته في المجتمع يزداد دور اللغة أهمية لا في حياته الاجتماعية فحسب، بل في سلوكه وإحساسه وتفكيره"، فاللغة– من الناحية الاجتماعية – ليست وسيلة الإنسان للتعبير عمَّا في نفسه فحسب، بل هي أبعد من ذلك؛ حين تعمل عملها في استثارة السامع، والتأثير فيه، ودفعه نحو الحركة والعمل، وأبعد من هذا وأعمق حين يُطرح "مفهوم اللغة كأنها كائن حي وليست مجرد وسيلة اتصال، إلى درجة أن أبناء تلك اللغة يتعلَّقون بها تعلُّقهم بالكائنات التي يصعب عليهم العيش بعد موتها"، وقد أشارت دراسة أجريت في إحدى المناطق الفرنسية التي كثرت فيها حالات الانتحار إلى هذا المعنى العميق في صلة الإنسان بلغته، وعظيم تعلُّقه بها، فقد كشفت الدراسة عن وجود علاقة بين كثرة حالات الانتحار، وبين "إحساس سكان تلك المنطقة بالإحباط بسبب تراجع واضمحلال لغتهم الأم"، فاللغة بهذا المعنى تتخطى بالإنسان حدود الزمان والمكان، حتى إنها لتخترعهما له اختراعاً، فتربط له بين الماضي والحاضر، حين تحفظ له تراثه الذي يعتز به، فتفتح له آفاق المستقبل، فهي بهذا المفهوم أساس مهم في عملية التنشئة الاجتماعية للإنسان، وضرورة لابد منها في بناء كيانه الإنساني بوصفه إنساناً وليس شيئاً آخر.
ولما كانت اللغة بهذا العمق المتجذِّر في طبيعة الكيان الإنساني فإن الطفل من خلال المعاشرة، وبدون أيِّ جهد تعليمي مقصود وموجَّه: يستطيع بسهولة تعلُّم أيِّ لغة مهما كانت معقدة، مادام أنه يعيش في بيئتها، ويحتكُّ بأهلها؛ فالأطفال بالفطرة يولدون غير مهيئين للغة بعينها، وإنما هم على استعداد تام لتعلم أيَّة لغة تُعرض عليهم في بيئتهم الأولى، ومن المعلوم "أن الإنسان يُولد مزوَّداً بكفاية وراثية تُؤهله للانطباع والتعلم من البيئة الخارجية"، وأكثر التفاعلات الاجتماعية تأثيراً فيه هي اللغة؛ فإن تقبُّل طبيعته الفطرية لاكتساب اللغة يشبه – مع الفارق– تقبُّل معدته للغذاء، ورئته للهواء، وقدميه للحبو والمشي، فهو أمر فطري جبليّ، لا تنفكُّ عنه خبرة الطفل في سنواته الأولى، ولاسيما قبل سن السادسة من عمره؛ فإنه يكتسب اللغة كأفضل ما يكون قبل هذه السن، وتبدأ بعدها أول درجات البطء في تعلُّم اللغة، ويستمر ذلك البطء حتى مرحلة البلوغ من عمر الطفل، حينما يصبح –تدريجياً– تعلم اللغة ضعيفاً بصورة واضحة، ومن هنا برز الجدل بين المهتمين حول السن المناسبة لتعليم الطفل اللغة الأجنبية – بصورة متقنة، دون أن تؤثر سلباً على لغته الأصلية؛ وذلك بهدف تكوين اتجاهات جديدة نحو العالم، للتعامل مع مفهوم العولمة، لاسيما وأن المناهج الحالية – في العموم – لا تلبي حاجات المجتمع، والحاجة أصبحت ملحة لكثير من العلوم والمعارف المتاحة بغير العربية عبر مختلف وسائل الاتصال ومراكز المعلومات.
وقد كان لهذا النزاع بين المهتمين – وبخاصة التربويين منهم – صداه في الدول العربية، ولاسيما في دول مجلس التعاون الخليجي المتطلعة نحو التنمية الشاملة، والخروج من أزمة التخلف الحضاري، فقد اتخذت بعضها – بالفعل– خطوات جريئة باتجاه تعليم اللغة الإنجليزية – بصورة خاصة – في المرحلة الابتدائية، لاسيما وقد سُمح بتعليمها– منذ زمن ليس بالقصير – في المدارس الابتدائية الأهلية. إلا أنه – حتى الآن– لم يقف الباحث على دراسة ميدانية جادة في تقويم هذه التجارب الخليجية، من جهة جدواها في اكتساب الأطفال اللغة الجديدة بصورة متقنة، ومن جهة سلامة لغتهم الأم من التأثير السلبي لتعلم اللغة الجديدة، إلى جانب دراسة مدى تأثير اللغة الجديدة على ثقافة الطفل المسلم، وانتمائه الحضاري للأمة الإسلامية، ومع ذلك فإن جمعاً من المتخصصين التربويين واللغويين والنفسيين: يجزمون بخطأ تدريس لغة أجنبية لطفل المرحلة الابتدائية، ويقطعون بتأثيرها السلبي على لغته الأم، حتى بلغ بأحدهم نقل الإجماع على ذلك، بحيث يزداد الأثر السلبي من جرَّاء تدريس اللغة الأجنبية على اللغة الأصلية بقدر كثافة حضورها، وكثرة استخدامها، إضافة إلى المشقة التي
لا تنفك عن خبرة الطفل، والمعاناة التي يلقاها حين يتعلم لغتين في وقت واحد، في حين يبقى تعلُّمه لغة بعد أخرى أهون عليه وأيسر من تعلمهما في وقت واحد. ومع كل هذا – أيضاً– فإن تعلُّم الطفل للغتين في وقت واحد – مع ما في ذلك من الأثر السلبي والمشقة – يبقى أسهل من تعلم الشخص الكبير للغة ثانية، بعد رسوخ لغته الأم.

وبالرغم من الجدال الذي يمكن أن يصدر عن الأطراف المتنازعة في هذه القضية إلا أنه من المُسلَّم به أنه "متى أُتيح للغتين متجاورتين فرص الاحتكاك: لا مناص من تأثير كل منهما بالأخرى، سواء تغلَّبت إحداهما أم كُتب لكلتيهما البقاء"، وبعبارة أخرى: "إن أيَّ احتكاك يحدث بين لغتين، أو بين لهجتين– أياً كان سبب هذا الاحتكاك، ومهما كانت درجته، وكيفما كانت نتائجه الأخيرة– يؤدي لا محالة إلى تأثر كل منهما بالأخرى"، وهذا التأثير السلبي الذي لابد أن تُخلِّفه اللغات المتجاورة بعضها في بعض: يضع المختصين والمسؤولين أمام قرار صعب حينما يكون القرار في حق أطفال المرحلة الابتدائية، الذين يعيشون مرحلة بناء لغتهم الأصلية، ويتدربون على أساليبها، وآليات كتابتها، وأصعب من ذلك حينما يكون القرار في حق اللغة العربية التي لم تعد – في هذا العصر– تتحمل كثرة حضور اللغات الأجنبية، وانتشار مصطلحاتها، التي باتت تهددها في قدراتها على مجاراة العلوم والمعارف الحديثة، علاوة على العُجْمة التي لحقت بأبنائها، والعداء المستميت، والكيد المتواصل من أعدائها.

تعليمية تعليمية




تعليمية




تعليمية تعليمية
تعليمية
بارك الله فيك غاية الهدى دوما متألقة و نحن نتابع ابداعاتك و ننتظر مواضيعك المتميزة شكرا مرة اخرى و دمت وفية و صديقة لنا
تعليمية تعليمية




مشكووورة اختي الفاضلة
ربي يوفقك




بسم الله الرحمان الرحيم

بارك الله فيك وفي إطلالتك …..دمت قلما مخلصا للمنتدى
تعليمية




بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مميزة دوما بإنتقاءاتك الهادفة

دمت للمنتدى مفيدة ومستفيدة




بارك الله فيك أختي على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق