التصنيفات
اسلاميات عامة

إن الحسنات يذهبن السيئات للشيخ عبد الخالق ماضي

تعليمية تعليمية

إن الحسنات يذهبن السيئات

للشيخ عبد الخالق ماضي

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ من أعظم وصايا نبينا عليه الصلاة والسلام قوله لأبي ذر رضي الله عنه: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» أخرجه أحمد والترمذي وهو حسن.

ولاشك أنه عليه الصلاة والسلام لم يوص بهذه الوصية إلا لكونها جامعة لأمر الخير كلِّه؛ لأنَّ العبد عليه حقان؛ حق لله تبارك وتعالى، وحق لعباده، وحق الله تبارك وتعالى أن يتقيه، وحقيقة التقوى هي: فعل المأمورات واجتناب المنهيات، وهذا الحق الذي للعبد على الله تعالى لابد أن يخل ببعضه أحيانا، إما بترك مأمور به أو فعل منهي عنه، ولذلك قال بعد:
«وأتبع السيئة الحسنة تمحها».

فالكيس؛ هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات ما يمحو به السيئات، لكن ينبغي أن تكون هذه الحسنات من جنس السيئات، لأنه أبلغ في المحو، واعلم أخي القارئ أن الذنوب يزول موجبها بأمور:

أولها:
التوبة؛ قال الله جل وعلا:
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُون﴾
[النور:31].

ثانيها:
الاستغفار من غير توبة؛ فإن الله تعالى قد يغفر للعبد إجابة لدعائه،وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال.

ثالثها:
الأعمال الصالحة المكفرة؛ وهي على قسمين:

-كفارات مقدرة:
مثل كفارة اليمين والظهار والقتل الخطأ المجامع في نهار رمضان والمرتكب لبعض محظورات الحج، أو التارك لبعض واجباته، وغيرها، وهي أربعة أجناس: هدي وعتق وصدقة وصيام.

-وكفارات مطلقة؛
كما قال حذيفة لعمر:
«فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»
أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو صحيح.

والذي نريد تقريره هنا، هو تكفير السيئات بالحسنات، فإنه قد دلت النصوص الكثيرة على هذا المعنى، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾
[النساء:48].

والمقصود أن الله يغفر لصاحب التوحيد مالا يغفر لصاحب الإشراك، لأنه قد قام به ما يحبه الله ـ وهو التوحيد ـ ما يقتضي أن يغفر له بوعد الله تبارك وتعالى، ويسامحه مالا يسامح به المشرك، وكلما كان توحيد العبد أعظم كانت مغفرة الله له أتم، ولهذا لا نتعجب من أن يغفر الله للحاج جميع ذنوبه، صغيرها وكبيرها، كما ثبت في الحديث الصحيح:
«من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»
لأن الحاج قد قام بأعمال عظيمة، وأعظمها التوحيد وإعلانه، مما جعل ذنوبه تصغر أمام هذه الأعمال، وذوب فيها، وهذا لعظيم كرم الله على عباده، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا»
أخرجه الشيخان.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر»

قال النووي رحمه الله:
«معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملا فسياق الحديث يأباه»
واشترط بعضهم لتكفير الكبائر أن يتوب صاحبها منها، والظاهر والله أعلم أن هذه الصلوات تكفر الذنوب الصغيرة والكبيرة،بفضل الله ورحمته،إذا أدى المسلم هذه الصلوات كما أمر الله ورسوله كما قال صلى الله عليه وسلم:
«من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ماقدم من عمل»
ويدل له أيضا الاستفهام التقريري المتقدم في قوله:
«هل يبقى من درنه شيء؟».

والقول بأنَّ الكبائر لابد لها من التوبة قول تأباه بعض النصوص، فإن الله عز وجل يغفر للحاج جميع ذنوبه وعلق غفران هذه الذنوب بعدم رفثه ونسقه ولم يشترط توبته.

وقد وردت أحاديث كثيرة تبين أن بعض الأعمال تكفر الذنوب كالعمرة وصيام عاشوراء والجمعة وصيام يوم عرفة لغير الحاج وغير ذلك.

وإذا تبين هذا فأعلم أخي المسلم القارئ، أن الله جل وعلا، يتجاوز لعبده المحسن بقدر إحسانه، ولذلك كان أولوا العزم من الرسل أعظم من غيرهم من الأنبياء، لما بذلوه، ولما لاقوه وعانوه من أقوامهم، فهذا موسى عليه الصلاة السلام رمى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجر بلحية نبي مثله وهو هارون، وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد صلى الله عليه وسلم ورفعه عليه، وربه جلّ وعلا، يحتمل له ذلك كله ويحبه صلى الله عليه و سلم، لأنه عليه الصلاة والسلام قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدوّ له، وصدع بأمره، وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل أشدّ المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر، وانظر إلى يونس بن متى، حيث لم يكن له تلك المقامات التي لموسى، غاضب ربه مرة فأخذه وسجنه في بطن الحوت ولم يحتمل له ما احتمل لموسى ويشهد لهذا المعنى أيضا ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قـال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أما صاحبكم فقد غامر، فسلم وقال: يا رسول الله، إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) ثم إن عمر ندم فأتى نزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلي النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرتين)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم:كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواسانـي بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي (مرتين) فما أذي بعدها».

فلم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤذى أبو بكر بفعل أو قول حتى ولو كان هو أظلم، لما لأبي بكر من مقامات النصرة الصادقة والبذل الكثير ما يجعل تلك الأخطاء تضمحل أمامها، ومن هذا الباب ما قرره أهل السنة من أن الرد على المبتدع من أرفع أنواع الجهاد في سبيل الله لما فيه من تمام النصح لهذه الأمة في دينها ولما فيه من المشابهة التامة لوظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

ولهذا كان هناك فرقا بين من أتى بذنب واحد ولم يكن له من الإحسان والمحاسن ما يشفع له، وبين من إذا أتى بذنب جاءت محاسنه بكل شفيع كما قيل:

وإذا الحبيب أتـى بذنب واحـد جاءت محـاسنه بألـف شفيع

فالأعمال الصالحة إذا، تشفع لصاحبها عند الله وتذكّر به، إذا وقع في الشدائد فهذا يونس عليه الصلاة والسلام، لولا أن كان من المسبّحين لبقي في بطن الحوت كما قال جلّ وعلا:
﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِين لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾
[الصافات: 143 ـ 144]
وفرعون لمّا لم تكن له سابقة خير تشفع له وقال:
﴿آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾
[يونس:90]
قيل له: ﴿ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين﴾
[يونس:91].

وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجه بسند صحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن ممّا تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد، لينعطفن حول العرش، لهنّ دويٌّ كدويِّ النحل، تذكِّر بصاحبها أما يحب أحدكم أن يكون ـ أو لا يزال ـ له من يذكِّر به؟».

فعلى المسلم النبيه الذي وفقه الله إلى الإسلام والتمسك بالسنة والعمل بوصية الله القائل:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ﴾
[النساء:131]
أن يبادر إلى فعل الحسنات متى استطاع، ولا ينبغي أن يتقالَّ أي عمل مهما كان وقد استحق صاحب البطاقة التي فيها لا إله إلا الله دخول الجنة رغم أن له تسعة وتسعين سجلا كلها خطايا وهذا بفضل الله ورحمته.

نسأل الله التوفيق لفعل الحسنات و اجتناب الموبقات آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر

منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




التصنيفات
اسلاميات عامة

إن الحسنات يذهبن السيئات للشيخ عبد الخالق ماضي

تعليمية تعليمية

إن الحسنات يذهبن السيئات

للشيخ عبد الخالق ماضي

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ من أعظم وصايا نبينا عليه الصلاة والسلام قوله لأبي ذر رضي الله عنه: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» أخرجه أحمد والترمذي وهو حسن.

ولاشك أنه عليه الصلاة والسلام لم يوص بهذه الوصية إلا لكونها جامعة لأمر الخير كلِّه؛ لأنَّ العبد عليه حقان؛ حق لله تبارك وتعالى، وحق لعباده، وحق الله تبارك وتعالى أن يتقيه، وحقيقة التقوى هي: فعل المأمورات واجتناب المنهيات، وهذا الحق الذي للعبد على الله تعالى لابد أن يخل ببعضه أحيانا، إما بترك مأمور به أو فعل منهي عنه، ولذلك قال بعد:
«وأتبع السيئة الحسنة تمحها».

فالكيس؛ هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات ما يمحو به السيئات، لكن ينبغي أن تكون هذه الحسنات من جنس السيئات، لأنه أبلغ في المحو، واعلم أخي القارئ أن الذنوب يزول موجبها بأمور:

أولها:
التوبة؛ قال الله جل وعلا:
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُون﴾
[النور:31].

ثانيها:
الاستغفار من غير توبة؛ فإن الله تعالى قد يغفر للعبد إجابة لدعائه،وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال.

ثالثها:
الأعمال الصالحة المكفرة؛ وهي على قسمين:

-كفارات مقدرة:
مثل كفارة اليمين والظهار والقتل الخطأ المجامع في نهار رمضان والمرتكب لبعض محظورات الحج، أو التارك لبعض واجباته، وغيرها، وهي أربعة أجناس: هدي وعتق وصدقة وصيام.

-وكفارات مطلقة؛
كما قال حذيفة لعمر:
«فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»
أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو صحيح.

والذي نريد تقريره هنا، هو تكفير السيئات بالحسنات، فإنه قد دلت النصوص الكثيرة على هذا المعنى، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾
[النساء:48].

والمقصود أن الله يغفر لصاحب التوحيد مالا يغفر لصاحب الإشراك، لأنه قد قام به ما يحبه الله ـ وهو التوحيد ـ ما يقتضي أن يغفر له بوعد الله تبارك وتعالى، ويسامحه مالا يسامح به المشرك، وكلما كان توحيد العبد أعظم كانت مغفرة الله له أتم، ولهذا لا نتعجب من أن يغفر الله للحاج جميع ذنوبه، صغيرها وكبيرها، كما ثبت في الحديث الصحيح:
«من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»
لأن الحاج قد قام بأعمال عظيمة، وأعظمها التوحيد وإعلانه، مما جعل ذنوبه تصغر أمام هذه الأعمال، وذوب فيها، وهذا لعظيم كرم الله على عباده، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا»
أخرجه الشيخان.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر»

قال النووي رحمه الله:
«معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملا فسياق الحديث يأباه»
واشترط بعضهم لتكفير الكبائر أن يتوب صاحبها منها، والظاهر والله أعلم أن هذه الصلوات تكفر الذنوب الصغيرة والكبيرة،بفضل الله ورحمته،إذا أدى المسلم هذه الصلوات كما أمر الله ورسوله كما قال صلى الله عليه وسلم:
«من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ماقدم من عمل»
ويدل له أيضا الاستفهام التقريري المتقدم في قوله:
«هل يبقى من درنه شيء؟».

والقول بأنَّ الكبائر لابد لها من التوبة قول تأباه بعض النصوص، فإن الله عز وجل يغفر للحاج جميع ذنوبه وعلق غفران هذه الذنوب بعدم رفثه ونسقه ولم يشترط توبته.

وقد وردت أحاديث كثيرة تبين أن بعض الأعمال تكفر الذنوب كالعمرة وصيام عاشوراء والجمعة وصيام يوم عرفة لغير الحاج وغير ذلك.

وإذا تبين هذا فأعلم أخي المسلم القارئ، أن الله جل وعلا، يتجاوز لعبده المحسن بقدر إحسانه، ولذلك كان أولوا العزم من الرسل أعظم من غيرهم من الأنبياء، لما بذلوه، ولما لاقوه وعانوه من أقوامهم، فهذا موسى عليه الصلاة السلام رمى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجر بلحية نبي مثله وهو هارون، وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد صلى الله عليه وسلم ورفعه عليه، وربه جلّ وعلا، يحتمل له ذلك كله ويحبه صلى الله عليه و سلم، لأنه عليه الصلاة والسلام قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدوّ له، وصدع بأمره، وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل أشدّ المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر، وانظر إلى يونس بن متى، حيث لم يكن له تلك المقامات التي لموسى، غاضب ربه مرة فأخذه وسجنه في بطن الحوت ولم يحتمل له ما احتمل لموسى ويشهد لهذا المعنى أيضا ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قـال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أما صاحبكم فقد غامر، فسلم وقال: يا رسول الله، إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) ثم إن عمر ندم فأتى نزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلي النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرتين)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم:كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواسانـي بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي (مرتين) فما أذي بعدها».

فلم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤذى أبو بكر بفعل أو قول حتى ولو كان هو أظلم، لما لأبي بكر من مقامات النصرة الصادقة والبذل الكثير ما يجعل تلك الأخطاء تضمحل أمامها، ومن هذا الباب ما قرره أهل السنة من أن الرد على المبتدع من أرفع أنواع الجهاد في سبيل الله لما فيه من تمام النصح لهذه الأمة في دينها ولما فيه من المشابهة التامة لوظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

ولهذا كان هناك فرقا بين من أتى بذنب واحد ولم يكن له من الإحسان والمحاسن ما يشفع له، وبين من إذا أتى بذنب جاءت محاسنه بكل شفيع كما قيل:

وإذا الحبيب أتـى بذنب واحـد جاءت محـاسنه بألـف شفيع

فالأعمال الصالحة إذا، تشفع لصاحبها عند الله وتذكّر به، إذا وقع في الشدائد فهذا يونس عليه الصلاة والسلام، لولا أن كان من المسبّحين لبقي في بطن الحوت كما قال جلّ وعلا:
﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِين لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون﴾
[الصافات: 143 ـ 144]
وفرعون لمّا لم تكن له سابقة خير تشفع له وقال:
﴿آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾
[يونس:90]
قيل له: ﴿ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين﴾
[يونس:91].

وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجه بسند صحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن ممّا تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد، لينعطفن حول العرش، لهنّ دويٌّ كدويِّ النحل، تذكِّر بصاحبها أما يحب أحدكم أن يكون ـ أو لا يزال ـ له من يذكِّر به؟».

فعلى المسلم النبيه الذي وفقه الله إلى الإسلام والتمسك بالسنة والعمل بوصية الله القائل:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ﴾
[النساء:131]
أن يبادر إلى فعل الحسنات متى استطاع، ولا ينبغي أن يتقالَّ أي عمل مهما كان وقد استحق صاحب البطاقة التي فيها لا إله إلا الله دخول الجنة رغم أن له تسعة وتسعين سجلا كلها خطايا وهذا بفضل الله ورحمته.

نسأل الله التوفيق لفعل الحسنات و اجتناب الموبقات آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر

منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




التصنيفات
اسلاميات عامة

عقوبة السيئات تندفع عن المسلم بعشرة أسباب

عقوبة السيئات تندفع عن المسلم بعشرة أسباب

قال ابن تيمية رحمه الله : " والمؤمن إذا فعل سيئة فان عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب أن يتوب فيتوب الله عليه فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فان الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حياً وميتاً أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به أو يشفع فيه نبيه محمد أو يبتليه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
مجموع الفتاوى لابن تيمية 10 / 45
.




اللهم نعوذ بك من شرور انفسنا و سيئلت اعمالنا
نسال الله العافية

مشكوووووورة منصوووووووووورة اختى الكريمة




التصنيفات
اسلاميات عامة

طرق الخلاص من الذنوب و تكفير السيئات

طرق الخلاص من الذنوب و تكفير السيئات

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:

فإنّ سعادة المؤمن في دنياه وأخراه تكمن في مدى تأديب نفسه وتزكيتها، إذْ ما تطهر عليه نفسه هو حسنة الإيمان والعملُ الصالح، وأنّ شقاؤه منوط بفسادها وخبثها، إذ ما تخبث به وتتدسَّى هو سيئة الكفر والمعاصي والذنوب، قال تعالى:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 10] لذلك فالواجب على المؤمن أن يحمل نفسه على الآداب المزكِّية لها، المطهِّرة لخبثها وأدرانها، كما أنّ عليه أن يجنّبها كلّ ما يدسِّيها من الأقوال والأفعال، ويفسدها من سيء المعتقدات تلك هي الذنوب التي لا يسلم منها بنو آدم، فما في جِبِلَّتِهم يأبى أن لا يقع منهم ذنب ولو أرادوا أن لا يقع منهم ذنب أصلا فقد رَامَوْا ما ليس لهم إلاّ من عصمه الله من الذنوب لمن أعطي النبوة من بني آدم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ"(١- أخرجه مسلم : 8/94. وأحمد : 2/308. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)،

وقد بينت الشريعة الغرّاء الطرق الشرعية التي تتبع للتخلص من الذنوب والآثام لإصلاح النفس وتطهيرها لتصبح أهلا لكرامة الله سبحانه وتعالى ورضاه، وهي محصورة في أربعة مكفرات:
· التوبة: فالتوبة بداية العبد التقي ونهايته لا تفارقه ولا يزال فيها إلى الممات،

وحقيقـة التوبة: الندم على ما سلف، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل، والتحلل من الآدمي إن كان في حقّه، والتوبة فرض دائم على كلّ مسلم على قدر استطاعته وهي واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها في معصية صغيرة ولا كبيرة، إذ هي عنوان الفلاح وطريقُه، قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: 31]، فعلّق الفلاح بالتوبة تعليقَ المسبَّب بسببه ثمّ أتى بأداة "لَعَلَّ" المشعرة بالتّرجّي فكان المعنى أنه لا يرجو الفلاح إلاّ التائبون،
والتوبة التي تعالج الذنب وتمحو أثره هي التوبة النصوح، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾[ التحريم: 8] تلك هي التوبة المقبولة، يتردّد صاحبها بين خوفٍ ألاّ تقبل، ورجاء أن تقبل مع إدمان في الطاعات(٢- انظر اختلاف عبارة العلماء في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولاً في تفسير القرطبي: 18/197-199).

· الاستغفار: وهو طلب المغفرة بالقلب واللسان والجوارح، وهو يتضمن العزم الجازم على ترك ما يغضب الله والإقبال على ما يحبه، هذا، والمغفرة تُذْكَرُ في مقابلة العذاب، لأنّ العذاب يحصل بسبب الذنوب، والمغفرة من الله مانعة من عذابه، ولا يكون ذلك إلاّ بصحة العزم على الإقبال على الله عزّ وجلّ وترك الذنوب والآثام، قال الله تعالى: ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾[البقرة:175] وإذا كانت التوبة أبلغ في الدلالة على رجوع العبد من معصية الله تعالى إلى طاعته والقيام بأمره، فإنّ الاستغفار أبلغ في الدلالة على الاعتراف بالذنب والندم عليه وطلب إزالة أثره، لذلك كثيرًا ما يُقْرَنُ بين الاستغفار والتوبة، قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾[المائدة:74] وقوله تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾[هود: 3]، غير أنّ الذنوب – وإن كانت محل مغفرة – إلاّ أنّه يستثنى منها الشرك لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] لذلك كان التوحيد أساس المغفرة وسببها الأعظم، ومن فقد التوحيد فقد المغفرة، ومن جاء مع التوحيد بقُراب الأرض خطايا لقيه الله بقُرابها مغفرة، على أنّه موكول إلى مشيئة الله وفضله: إن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه،
فعن أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» (٣- التهميش))،

هكذا تتصاغر الذنوب أمام نور توحيد الله سبحانه وتعالى، فعاقبة المذنب من الموحدين الجنة وعدم الخلود في النار، فلا يُلْقَى فيها كما يُلقى الكفار ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار، فمن وحّد الله واستغفر وتاب وقام بشروط التوحيد أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلّها ونجى من النّار بالكلية، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:53] ذلك لأنّ المغفرة المطلقة من الله سبحانه وتعالى تتضمّن إزالة أثر الذنوب والوقاية من شرِّها.

هذا، ومن ثمرات الاستغفار:

اطمئنان القلب وانشراح الصدر وجلاء الهمّ والغمّ، والاستبشار برحمة الله ورضوانه، ومن ثمرات الاشتغال به شغل لسانه عن غيره، وانبعاثٌ في نفسه معاني الصفح والعفو وحسن الخلق.

· الاستكثار من الحسنات: ذلك لأنّ السيئات تُغفر بالحسنات لقوله سبحانه وتعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[هود: 114] ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[الفرقان: 8-69-70] فالحسنات تكفر كثيرًا من السيئات
ويؤكده قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى﴾[طه:75-76] ومن ظواهر هذه النصوص القرآنية يتبين أنّ الحسنات شاملة بإذهاب عموم السيئات صغيرها وكبيرها، غير أنّ السيئة الكبيرة تحتاج إلى حسنة مثلها لتكفيرها ومحوها كالشرك لا يكفره إلاّ التوبة منه والدخول في الإسلام، إذ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وعليه فالاستكثار من الحسنات أمر مرغوب فيه لكونه مُذْهِبًا للسيئة لكن بشرط عدم الاتكال عليها للوقاية من الوقوع في المظالم والذنوب، ذلك لأنّ السيئة في مقابل الحسنة تأكلها أو تنقص أجرها فلا ينتفع بها صاحبها ولا تبلغ به الدرجات العلى،

فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ"(٤- أخرجه مسلم:8/18، والترمذي:4/613، وأحمد:2/303-372، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه). فالحديث صريح في أنّ الحسنات تذهب السيئات صغيرها وكبيرها وتقطعها، ومن جهة أخرى تنقص السيئات الحسنات وتأكلها حتى إذا فَنِيَتْ الحسنات أُخذ الرجل بذنوبه وطرح في النار، هذا ولا تعارض مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ"(٥- أخرجه مسلم:1/144، وأحمد:2/400-414- 484، والترمذي:1/418، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)

فإنّ مضمون الحديث خاص بما تكفره الصلوات الخمس والجمعة ورمضان من الصغائر، أمّا النصوص المتقدمة فأعمّ من محتوى هذا النص فهي شاملة للكبائر أيضًا ولا منافاة في العمل بمقتضى العام والخاص كما هو مقرر أصوليا.

ومن الحسنات المكفرات: الجهاد في سبيل الله، والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على القضاء، والحب والبغض في الله، والتطوع في الصلاة، والصدقة، والصيام، وغير ذلك من الأعمال الصالحات.

هذا والاستكثار من الحسنات ضرب من ضروب التوبة والاستغفار لذلك تُقْرَنُ الأعمال الصالحة بالتوبة في العديد من الآيات القرآنية فلا تعارض بين وجوب التوبة والاستغفار مع القول بتكفير السيئات بالحسنات، لأنّ التوبة والاستغفار محلها القلب واللسان والجوارح، والعمل الصالح جزء منها، لذلك فمن استغنى بظاهر الحسنات عن حقيقة التوبة والاستغفار فقد أسقط عن نفسه فرض التوبة والاستغفار ورضي قلبه به واعتقده وهذا لا شك في بطلانه من جهة المعتقد والعمل، وأنّه من الكبائر العظيمة وطريق من طرق الكفر، لأنّه يتضمن الإيمان ببعض الشريعة والكفر ببعضها وقد جاء في الحديث: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (٦- أخرجه مسلم:12/16، من حديث عائشة رضي الله عنها)

وعلى التائب أن يناسب بين الحسنة والسيئة فلا يترك الفرائض والواجبات بدعوى فعل الحسنات المكفِّرات، فإنّ تكفير هذه السيئات يحصل بتداركها والقيام بها إن لم يسقط وجوبها أو يتعذر تداركها، أمّا الاستمرار على تركها مع الاتكال على تكفيرها بالعمل الصالح من غير جنسها فذاك سبيل المغرورين ممن خدعهم الشيطان بمكره وصدهم عن سبيل المتقين.

· الأذى الذي يلحق المؤمن: فالأذى الذي يصاب به المؤمن في نفسه وماله وأهله هو من مكفرات الذنوب والخطايا كما ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ" (٧- أخرجه البخاري:10/103، ومسلم برقم(2573)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)،

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾[النساء: 123] بلغت من المسلمين مبلغا شديدًا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا" (٨- أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب(6734)، والترمذي:5/247، وصححه الألباني في صحيح الترمذي:3/266، وفي تخريج الطحاوية:(90))، و

ثبت -أيضًا- من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا" (٩- أخرجه البخاري:10/111، ومسلم برقم(2571)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) والأجر والثواب يكون بقدر المصيبة والنصب فقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ لَكِ مِنَ الأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ" (١٠- أخرجه الدارقطني:(1762)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب:2/1116).

ففي طرق الخلاص من الذنوب والخطايا أملٌ عظيم في فضل الله العميم، حيث يبعث في نفس المسلم الأمل المشرق ويحملها على فعل الخيرات وترك المنكرات ويدفعها إلى الطاعة من غير تهاون ويوطّنها على العمل ضمن مراقبة الله وعلمه ومحاسبة نفسه، إذ هما من طرق إصلاحها وتأديبها وتطهيرها، فإلزام المسلم نفسه بمراقبة الله تعالى حتى يتم لها اليقين بأنّ الله تعالى عليها رقيب فهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[لقمان: 22] كما أمر بمحاسبة النفس على ما قدّمت لغدها المنتظر قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[الحشر: 18].

هذا، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه بالتأديب جهادًا متواصلاً حتى تطمئنّ نفسه وتطيب ليكون أهلاً لمحبة الله ورضاه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العنكبوت: 69].

هكذا درب الصالحين من هذه الأمة يسعون جاهدين إلى الخلاص من الذنوب والمعاصي بالتوبة والاستغفار والاستكثار من الأعمال الصالحة ويسارعون في الخيرات، ويحاسبون أنفسهم على تفريطها ويجاهدونها على التقوى وينهونها عن السوء والهوى مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[النازعات: 40-41].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أبو عبد المعز محمّد علي فركوس

الجزائر في: 20 رجب 1443ﻫ

الموافق ﻟ : 25 أغسطس 2022م

——————————————————————————–

١- أخرجه مسلم : 8/94. وأحمد : 2/308. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
٢- انظر اختلاف عبارة العلماء في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولاً في تفسير القرطبي: 18/197-199.
٣- أخرجه الترمذي:5/548، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة(127) و(128) وفي صحيح الترمذي:3/455 رقم (3540).
٤- أخرجه مسلم:8/18، والترمذي:4/613، وأحمد:2/303-372، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٥- أخرجه مسلم:1/144، وأحمد:2/400-414- 484، والترمذي:1/418، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٦- أخرجه مسلم:12/16، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٧- أخرجه البخاري:10/103، ومسلم برقم(2573)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٨- أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب(6734)، والترمذي:5/247، وصححه الألباني في صحيح الترمذي:3/266، وفي تخريج الطحاوية:(90).
٩- أخرجه البخاري:10/111، ومسلم برقم(2571)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
١٠- أخرجه الدارقطني:(1762)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب:2/1116




جزاكـِ الله خيـــــــ ــــــــرا




تعليمية




موضوع قيم جزاك الله عنا كل خير




الف شكر لكي اختي على الطرق المفيدة
بارك الله فيكي وجهله الله في ميزان حسناتك
تحياتي




التصنيفات
اسلاميات عامة

طرق الخلاص من الذنوب وتكفير السيئات

طرق الخلاص من الذنوب وتكفير السيئات
للشيخ فركوس حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ سعادة المؤمن في دنياه وأخراه تكمن في مدى تأديب نفسه وتزكيتها، إذْ ما تطهر عليه نفسه هو حسنة الإيمان والعملُ الصالح، وأنّ شقاءه منوط بفسادها وخبثها، إذ ما تخبث به وتتدسَّى هو سيئة الكفر والمعاصي والذنوب، قال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}
[الشمس: 10]
لذلك فالواجب على المؤمن أن يحمل نفسه على الآداب المزكِّية لها، المطهِّرة لخبثها وأدرانها، كما أنّ عليه أن يجنّبها كلّ ما يدسِّيها من الأقوال والأفعال، ويفسدها من سيء المعتقدات تلك هي الذنوب التي لا يسلم منها بنو آدم، فما في جِبِلَّتِهم يأبى أن لا يقع منهم ذنب ولو أرادوا أن لا يقع منهم ذنب أصلا فقد رَامَوْا ما ليس لهم إلاّ من عصمه الله من الذنوب لمن أعطي النبوة من بني آدم، قال صلى الله عليه وآله وسلم:
"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ"
( أخرجه مسلم : 8/94. وأحمد : 2/308. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
وقد بينت الشريعة الغرّاء الطرق الشرعية التي تتبع للتخلص من الذنوب والآثام لإصلاح النفس وتطهيرها لتصبح أهلا لكرامة الله سبحانه وتعالى ورضاه، وهي محصورة في أربعة مكفرات:

التوبة: فالتوبة بداية العبد التقي ونهايته لا تفارقه ولا يزال فيها إلى الممات، وحقيقـة التوبة: الندم على ما سلف، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل، والتحلل من الآدمي إن كان في حقّه، والتوبة فرض دائم على كلّ مسلم على قدر استطاعته وهي واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها في معصية صغيرة ولا كبيرة، إذ هي عنوان الفلاح وطريقُه، قال الله تعالى:
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[النور: 31]
فعلّق الفلاح بالتوبة تعليقَ المسبَّب بسببه ثمّ أتى بأداة "لَعَلَّ" المشعرة بالتّرجّي فكان المعنى أنه لا يرجو الفلاح إلاّ التائبون، والتوبة التي تعالج الذنب وتمحو أثره هي التوبة النصوح، قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}
[ التحريم: 8]
تلك هي التوبة المقبولة، يتردّد صاحبها بين خوفٍ ألاّ تقبل، ورجاء أن تقبل مع إدمان في الطاعات

( انظر اختلاف عبارة العلماء في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولاً في تفسير القرطبي: 18/197-199 ).
الاستغفار: وهو طلب المغفرة بالقلب واللسان والجوارح، وهو يتضمن العزم الجازم على ترك ما يغضب الله والإقبال على ما يحبه، هذا، والمغفرة تُذْكَرُ في مقابلة العذاب، لأنّ العذاب يحصل بسبب الذنوب، والمغفرة من الله مانعة من عذابه، ولا يكون ذلك إلاّ بصحة العزم على الإقبال على الله عزّ وجلّ وترك الذنوب والآثام، قال الله تعالى:

{أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}

[البقرة:175]

وإذا كانت التوبة أبلغ في الدلالة على رجوع العبد من معصية الله تعالى إلى طاعته والقيام بأمره، فإنّ الاستغفار أبلغ في الدلالة على الاعتراف بالذنب والندم عليه وطلب إزالة أثره، لذلك كثيرًا ما يُقْرَنُ بين الاستغفار والتوبة، قال تعالى:

{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}

[المائدة:74]

وقوله تعالى:

{وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}

[هود: 3]

غير أنّ الذنوب – وإن كانت محل مغفرة – إلاّ أنّه يستثنى منها الشرك لقوله تعالى:

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}

[النساء: 48]

لذلك كان التوحيد أساس المغفرة وسببها الأعظم، ومن فقد التوحيد فقد المغفرة، ومن جاء مع التوحيد بقُراب الأرض خطايا لقيه الله بقُرابها مغفرة، على أنّه موكول إلى مشيئة الله وفضله: إن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، فعن أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ:

«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»

(- أخرجه الترمذي:5/548، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة(127) و(12تعليمية وفي صحيح الترمذي:3/455 رقم (3540).))،
هكذا تتصاغر الذنوب أمام نور توحيد الله سبحانه وتعالى، فعاقبة المذنب من الموحدين الجنة وعدم الخلود في النار، فلا يُلْقَى فيها كما يُلقى الكفار ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار، فمن وحّد الله واستغفر وتاب وقام بشروط التوحيد أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلّها ونجى من النّار بالكلية، قال تعالى:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

[الزمر:53]

ذلك لأنّ المغفرة المطلقة من الله سبحانه وتعالى تتضمّن إزالة أثر الذنوب والوقاية من شرِّها.

هذا، ومن ثمرات الاستغفار: اطمئنان القلب وانشراح الصدر وجلاء الهمّ والغمّ، والاستبشار برحمة الله ورضوانه، ومن ثمرات الاشتغال به شغل لسانه عن غيره، وانبعاثٌ في نفسه معاني الصفح والعفو وحسن الخلق.
الاستكثار من الحسنات: ذلك لأنّ السيئات تُغفر بالحسنات لقوله سبحانه وتعالى:

{أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}

[هود: 114]

ولقوله تعالى:

{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}

[الفرقان: 8-69-70]

فالحسنات تكفر كثيرًا من السيئات ويؤكده قوله تعالى:

{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى}

[طه:75-76]

ومن ظواهر هذه النصوص القرآنية يتبين أنّ الحسنات شاملة بإذهاب عموم السيئات صغيرها وكبيرها، غير أنّ السيئة الكبيرة تحتاج إلى حسنة مثلها لتكفيرها ومحوها كالشرك لا يكفره إلاّ التوبة منه والدخول في الإسلام، إذ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وعليه فالاستكثار من الحسنات أمر مرغوب فيه لكونه مُذْهِبًا للسيئة لكن بشرط عدم الاتكال عليها للوقاية من الوقوع في المظالم والذنوب، ذلك لأنّ السيئة في مقابل الحسنة تأكلها أو تنقص أجرها فلا ينتفع بها صاحبها ولا تبلغ به الدرجات العلى، فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ"

( أخرجه مسلم:8/18، والترمذي:4/613، وأحمد:2/303-372، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)
. فالحديث صريح في أنّ الحسنات تذهب السيئات صغيرها وكبيرها وتقطعها، ومن جهة أخرى تنقص السيئات الحسنات وتأكلها حتى إذا فَنِيَتْ الحسنات أُخذ الرجل بذنوبه وطرح في النار، هذا ولا تعارض مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ"

(أخرجه مسلم:1/144، وأحمد: 2/400-414- 484 ، والترمذي:1/418، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)

فإنّ مضمون الحديث خاص بما تكفره الصلوات الخمس والجمعة ورمضان من الصغائر، أمّا النصوص المتقدمة فأعمّ من محتوى هذا النص فهي شاملة للكبائر أيضًا ولا منافاة في العمل بمقتضى العام والخاص كما هو مقرر أصوليا.

ومن الحسنات المكفرات: الجهاد في سبيل الله، والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على القضاء، والحب والبغض في الله، والتطوع في الصلاة، والصدقة، والصيام، وغير ذلك من الأعمال الصالحات.

هذا والاستكثار من الحسنات ضرب من ضروب التوبة والاستغفار لذلك تُقْرَنُ الأعمال الصالحة بالتوبة في العديد من الآيات القرآنية فلا تعارض بين وجوب التوبة والاستغفار مع القول بتكفير السيئات بالحسنات، لأنّ التوبة والاستغفار محلها القلب واللسان والجوارح، والعمل الصالح جزء منها، لذلك فمن استغنى بظاهر الحسنات عن حقيقة التوبة والاستغفار فقد أسقط عن نفسه فرض التوبة والاستغفار ورضي قلبه به واعتقده وهذا لا شك في بطلانه من جهة المعتقد والعمل، وأنّه من الكبائر العظيمة وطريق من طرق الكفر، لأنّه يتضمن الإيمان ببعض الشريعة والكفر ببعضها وقد جاء في الحديث:

"مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"

( أخرجه مسلم:12/16، من حديث عائشة رضي الله عنها)

وعلى التائب أن يناسب بين الحسنة والسيئة فلا يترك الفرائض والواجبات بدعوى فعل الحسنات المكفِّرات، فإنّ تكفير هذه السيئات يحصل بتداركها والقيام بها إن لم يسقط وجوبها أو يتعذر تداركها، أمّا الاستمرار على تركها مع الاتكال على تكفيرها بالعمل الصالح من غير جنسها فذاك سبيل المغرورين ممن خدعهم الشيطان بمكره وصدهم عن سبيل المتقين.

·
الأذى الذي يلحق المؤمن: فالأذى الذي يصاب به المؤمن في نفسه وماله وأهله هو من مكفرات الذنوب والخطايا كما ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

"مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ"

( أخرجه البخاري:10/103، ومسلم برقم(2573)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمّا نزلت: {ومَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] بلغت من المسلمين مبلغا شديدًا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا"

( أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب(6734)، والترمذي:5/247، وصححه الألباني في صحيح الترمذي:3/266، وفي تخريج الطحاوية:(90))

وثبت -أيضًا- من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"

( أخرجه البخاري:10/111، ومسلم برقم(2571)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)

والأجر والثواب يكون بقدر المصيبة والنصب فقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"إِنَّ لَكِ مِنَ الأَجْرِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ"

(أخرجه الدارقطني:(1762)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب:2/1116)
.
ففي طرق الخلاص من الذنوب والخطايا أملٌ عظيم في فضل الله العميم، حيث يبعث في نفس المسلم الأمل المشرق ويحملها على فعل الخيرات وترك المنكرات ويدفعها إلى الطاعة من غير تهاون ويوطّنها على العمل ضمن مراقبة الله وعلمه ومحاسبة نفسه، إذ هما من طرق إصلاحها وتأديبها وتطهيرها، فإلزام المسلم نفسه بمراقبة الله تعالى حتى يتم لها اليقين بأنّ الله تعالى عليها رقيب فهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى:

{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}

[لقمان: 22]

كما أمر بمحاسبة النفس على ما قدّمت لغدها المنتظر قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

[الحشر: 18].

هذا، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه بالتأديب جهادًا متواصلاً حتى تطمئنّ نفسه وتطيب ليكون أهلاً لمحبة الله ورضاه، قال تعالى:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}

[العنكبوت: 69].

هكذا درب الصالحين من هذه الأمة يسعون جاهدين إلى الخلاص من الذنوب والمعاصي بالتوبة والاستغفار والاستكثار من الأعمال الصالحة ويسارعون في الخيرات، ويحاسبون أنفسهم على تفريطها ويجاهدونها على التقوى وينهونها عن السوء والهوى مصداقًا لقوله تعالى:

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}

[النازعات: 40-41].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أبو عبد المعز محمّد علي فركوس
الجزائر في: 20 رجب 1443ﻫ

الموافق ﻟ : 25 أغسطس 2022م




بارك الله فيك أختي أم همام وجزاك خيرا

غفر الله لنا ولك ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.




بارك الله فيك




بارك الله فيك




جزاك الله خيرا




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




بارك الله فيك اختي الفاضلةتعليمية