لقد كان أكبر اتصال بين المسلمين وبين الفلسفة اليونانية عن طريق الترجمة التي بدأت في أواخر القرن الأول الهجري، وتقوت في عهد العباسيين ابتداء من عصر المنصور ( توفي 108 م). وخصوصا في عهد المأمون الذي أنشأ سنة 215 ه لهذا الغرض مهمته الإشراف على ترجمة كل ما يصل إلى أيدي المسلمين من تراث اليونان وغيرهم من الأمم. وقد كان جل المترجمين الأوائل أطباء ومنجمين، اتجهت أكثر جهودهم في البداية إلى ترجمة الكتب الطبيعية والفلكية، وعن طريقهما اتجهت الأنظار إلى الفقرات الفلسفية، ثم بعد ذلك إلى الكتب الفلسفية الخالصة. وقد كان المترجمون الأوائل من أصول غير عربية، إلى أن برز يعقوب بن إسحاق الكندي كأول مترجم مسلم لم يلبث أن تحول إلى أول فيلسوف في الإسلام، عمل على تفسير كتب أرسطو و تأليف كتب فلسفية في الرياضيات والطب والكيمياء والفلك والإلهيات وذلك في حوالي 241 كتاب ورسالة. إن الإشكالية الرئيسية التي خاض فيها فلاسفة الإسلام هي إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة، والمقصود هو الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية خصوصا فلسفة أفلاطون وأرسطو.
فكيف عالج الفلاسفة المسلمون هذه الإشكالية ؟
يرى الكندي، كأول فيلسوف في الإسلام، أن أشرف العلوم مرتبة هو علم الفلسفة، التي يعتبرها صناعة عقلية وفكرية تستهدف العلم بحقائق الأشياء، وبحسب ما تستطيعه الطاقة العقلية للإنسان.
ويحدد الكندي هدفين أساسية للممارسة الفكرية للفيلسوف : هدف نظري يتمثل في المعرفة المجردة بحقائق الأشياء وجواهرها، أي تكوين أحكام عقلية مطابقة لحقيقة الشيء، وهدف عملي يتمثل في أن يسلك الفيلسوف ويتصرف وفقا للقيم الأخلاقية الحقة التي يحددها العقل العملي. وهذا التقسيم الذي نجده عند الكندي يعود إلى تقليد معروف في فلسفة أفلاطون وأرسطو، و هو تقسيم الفلسفة إلى قسمين : فلسفة نظرية وفلسفة عملية.
ويبدو أن الأهداف التي يحددها الكندي للفلسفة، والمتمثلة في معرفة الحق و العمل به، هي أهداف تتوافق مع الغاية الأساسية من وجود الدين. وهكذا نلاحظ لدى الكندي نزعة توفيقية واضحة حاول من خلالها المصالحة بين الفلسفة والدين والبحث عن خيوط مشتركة بينهما.
ويتحدث الكندي عما يسميه بعلم العلة وهو العلم الذي يهدف إلى معرفة السبب الأول ( الله) باعتباره أصل كل الموجودات الأخرى، إنه علم ميتافيزيقي أو هو الفلسفة الأولى التي تبحث في المبادئ الأولى للوجود، والتي بمعرفتها نحيط علما بكل الموجودات. لذلك اعتبر الكندي أن علم العلة أو السبب هو أشرف من علم المعلول الذي هو مجرد نتيجة.
ومن أهم الفلاسفة المسلمين الذين عالجوا إشكالية الحكمة (الفلسفة) والشريعة (الدين) نجد الفيلسوف ابن رشد (1126 – 1198م)، وهو من كبار فلاسفة الإسلام ومن أعظم شراح فلسفة أرسطو. وقد وجد في هذه الفلسفة إمكانية تأسيس فلسفة عقلانية قادته إلى الفصل بين الدين والفلسفة على مستوى المنهج دون أن يضاد أحدهما الآخر على مستوى الغاية. ومن أهم مؤلفاته (تهافت التهافت) و (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال).
إن الفلسفة حسب ابن رشد هي نوع من النظر العقلي في الموجودات من أجل أخذ العبرة والاهتداء من خلالها إلى معرفة الصانع /الله . والشرع يدعو إلى ممارسة التفلسف باعتباره نظرا عقليا في الموجودات لمعرفة الصانع.
وقد اعتمد ابن رشد على أدلة نقلية تتمثل في الاستشهاد بآيات قرآنية من أجل التأكيد على القضية التي يدافع عنها، وهي مشروعية الممارسة الفلسفية من وجهة نظر الدين. هكذا فإذا لم تكن الفلسفة سوى نظرا عقليا في الموجودات لأخذ العبرة، فإن القرآن يدعو إلى ذلك في الكثير من الآيات منها : وقوله تعالى : . كما اعتمد ابن رشد على أسلوب الاستدلال المنطقي حيث انتقل من قضية عامة وهي تعريف فعل الفلسفة، ثم قام بتحليل عناصرها الجزئية، منتهيا باستنتاج منطقي يمكن التعبير عنه بالشكل التالي:
– الفلسفة نظر في الموجودات لدلالتها على الصانع.
– الشرع يدعو إلى النظر في الموجودات لدلالتها على الصانع.
– إذن الشرع يدعو إلى الفلسفة.
فالتدبر العقلي الفلسفي يستهدف معرفة الحقيقة وأخذ العبرة. ومن شأنه أن يؤدي إلى إثبات صحة الأحكام الشرعية ويبين أهميتها في حياة الإنسان، لذلك فالعلاقة بينهما هي علاقة توافق وانسجام.
وقد ذكر ابن رشد بأن"الحق لا يضاد الحق"، وهي عبارة تدل على أن الحقيقة التي يتوصل إليها عن طريق النظر العقلي الفلسفي لا تخالف الحقيقة الدينية التي يعتبر الوحي مصدرها الأساسي.
وعلى العموم فالفلسفة الإسلامية تمثل إحدى اللحظات الأساسية في تاريخ الفلسفة وتطورها. وبالرغم من ترجمة فلاسفتها لكتب الفلسفة اليونانية وشرحها، لاسيما كتب أفلاطون وأرسطو، فإنه كانت للفلسفة الإسلامية قضاياها التي تخصها، والتي أملتها عليها طبيعة المجتمع الإسلامي وثقافته ودينه. ومن أبرز هذه القضايا نجد قضية العلاقة بين الحكمة والشريعة أو بين الفلسفة والدين.
وقد تبين أن الفيلسوف أبا إسحاق الكندي قد عمل على توضيح الغايات الأساسية من التفكير الفلسفي، والتي لا تتعارض في جوهرها مع ما جاء به الدين ودعا إليه. كما بين الفارابي أن الاختلاف بين الدين والفلسفة ليس سوى اختلافا في طريقة التعبير، أما الأهداف فواحدة. و في الغرب الإسلامي عمل ابن رشد على الدفاع عن الفلسفة وبين كيف أنها مأمور بها شرعا.
لكن المسلمين لم يطوروا فلسفة ابن رشد ولم يواصلوا مسارها العقلاني، بل ستنتقل فلسفة ابن رشد إلى أوروبا، لترتكز عليها النهضة الأوروبية لاحقا.