التصنيفات
العقيدة الاسلامية

التوحيد أولاً يا دعــاة الإسلام للعلامة محدث الشام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

تعليمية تعليمية

التوحيد أولاً


يا دعــاة الإسلام

للعلامة محدث الشام

محمد ناصر الدين الألباني

رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70-71) .
وبعد :

فهذه رسالة عظيمة(1) النفع والفائدة للعامة والخاصة يجيب فيها عالم من علماء هذا العصر وهو فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ونفع به ، يجيب فيها على سؤال يدور على ألسنة الغيورين على هذا الدين الذي يحملونه في قلوبهم ويشغلون فكرهم به ليلاً ونهاراً ومجمل السؤال هو :

ما هو السبيل إلى النهوض بالمسلمين وما هو الطريق الذي يتخذونه حتى يمكن الله لهم ويضعهم في المكان اللائق بهم بين الأمم ؟

فأجاب العلامة الألباني نفع الله به على هذا السؤال إجابة مفصلة واضحة . ولما لهذه الإجابة من حاجة ، رأينا نشرها . فأسال الله تعالى أن ينفع بها وأن يهدي المسلمين إلى ما يحب ويرضى إنه جواد كريم .

التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام

سؤال : فضيلة الشيخ لا شك أنكم تعلمون بأن واقع الأمة الديني واقع مرير من حيث الجهل بالعقيدة ، ومسائل الاعتقاد ، ومن حيث الافتراق في المناهج وإهمال نشر الدعوة الإسلامية في أكثر بقاع الأرض طبقاً للعقيدة الأولى والمنهج الأول الذي صلحت به الأمة ، وهذا الواقع الأليم لا شك بأنه قد ولد غيرة عند المخلصين ورغبة في تغييره وإصلاح الخلل ، إلا أنهم اختلفوا في طريقتهم في إصلاح هذا الواقع ؛ لاختلاف مشاربهم العقدية والمنهجية – كما تعلم ذلك فضيلتكم – من خلال تعدد الحركات والجماعات الإسلامية الحزبية والتي ادعت إصلاح الأمة الإسلامية عشرات السنين ، ومع ذلك لم يكتب لها النجاح والفلاح ، بل تسببت تلك الحركات للأمة في إحداث الفتن ونزول النكبات والمصائب العظيمة ، بسبب مناهجها وعقائدها المخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به ؛ مما ترك الأثر الكبير في الحيرة عند المسلمين – وخصوصاً الشباب منهم – في كيفية معالجة هذا الواقع ، وقد يشعر الداعية المسلم المتمسك بمنهاج النبوة المتبع لسبيل المؤمنين ، المتمثل في فهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان من علماء الإسلام ؛ قد يشعر بأنه حمل أمانة عظيمة تجاه هذا الواقع وإصلاحه أو المشاركة في علاجه .

فما هي نصيحتكم لأتباع تلك الحركات أو الجماعات ؟

وما هي الطرق النافعة الناجعة في معالجة هذا الواقع ؟

وكيف تبرأ ذمة المسلم عند الله عز وجل يوم القيامة ؟

الجواب

يجب العناية والاهتمام بالتوحيد أولاً كما هو منهج الأنبياء والرسل عليهم السلام :

بالإضافة لما ورد في السؤال – السابق ذكره آنفاً – من سوء واقع المسلمين ، نقول :إن هذا الواقع الأليم ليس شراً مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية حينما بعث إليهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛لوجود الرسالة بيننا ، وكمالها ، ووجود الطائفة الظاهرة على الحق ، والتي تهدي به ، وتدعو الناس للإسلام الصحيح :عقيدة ، وعبادة ، وسلوكاً ، ومنهجاً ، ولا شك بأن واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم !.

بناء على ذلك نقول : العلاج هو ذاك العلاج ،والدواء هو ذاك الدواء ، فبمثل ما عالج النبي صلى الله عليه وسلم تلك الجاهلية الأولى ، فعلى الدعاة الإسلاميين اليوم – جميعهم – أن يعالجوا سوء الفهم لمعنى " لا إله إلا الله " ، ويعالجوا واقعهم الأليم بذاك العلاج والدواء نفسه . ومعنى هذا واضح جداً ؛ إذا تدبرنا قول الله عز وجل { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21) .

فرسولنا صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة في معالجة مشاكل المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين ، ويقتضي ذلك منا أن نبدأ بما بدأ به نبينا صلى الله عليه وسلم وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولاً ، ومن عبادتهم ثانياً ، ومن سلوكهم ثالثاً .ولست أعني من هذا الترتيب فصل الأمر الأول بدءاً بالأهم ثم المهم ، ثم ما دونه ! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديداً كبيراً ، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة ، ولعل الأصح أن نقول : العلماء منهم ؛لأن الدعاة اليوم – مع الأسف الشديد – يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم ، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام ، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة – لا أقول : عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعاً – تلك القاعدة التي تقول : "فاقد الشيء لا يعطيه " / فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جداً يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة : الدعاة . وأعني بهم :جماعة الدعوة ، أو : جماعة التبليغ " ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }(لأعراف: من الآية187) .

ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول – أو بالأمر الأهم – من الأمور التي ذكرت آنفاً ، وأعني : العقيدة والعبادة والسلوك ، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم بل بدأ به كل الأنبياء ، وقد بينه الله تعالى بقوله :{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }(النحل: من الآية36) . فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام – كما هو معلوم لدى المسلمين جميعاً – هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح صلى الله عليه وسلم قرابة ألف سنة ، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان ، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد ، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بين الله – عز وجل – ذلك في محكم التنزيل {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } (نوح:23) .

فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي على الدعاة إلى " الإسلام الحق" الاهتمام به دائماً هو الدعوة إلى التوحيد وهو معنى قوله – تبارك وتعالى- :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }(محمد: من الآية19) .
هكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم عملاً وتعليماً .
أما فعله : فلا يحتاج إلى بحث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي إنما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له .

أما تعليماً : ففي حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – الوارد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له : " ليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك ….."(1) .إلخ الحديث .وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى .

إذاً ، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد ، ولا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين – من حيث إنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم – ، وبين أغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يدعوا إلى أن يقولوا : لا إله إلا الله ؛ لأنهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم ، فكلهم يقولون : لا إله إلا الله ، لكنهم في الواقع بحاجة أن يفهموا – أكثر – معنى هذه الكلمة الطيبة ، وهذا الفرق فرق جوهري – جداً – بين العرب الأولين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا : لا إله إلا الله يستكبرون ، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم (2) لماذا يستكبرون ؟ ؛ لأنهم يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أنداداً وألا يعبدوا إلا الله ، وهم كانوا يعبدون غيره ، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله ؛ فضلاً عن النذر لغير الله ، والتوسل بغير الله ، والذبح لغيره والتحاكم لسواه ….إلخ.
هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها ، ومع ذلك كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة – لا إله إلا الله – من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور ؛ لمنافاتها لمعنى " لا إله إلا الله ".

غالب المسلمين اليوم لا يفقهون معنى لا إله إلا الله فهماً جيداً :

أما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن " لا إله إلا الله " فهم لا يفقهون معناها جيداً ، بل لعلهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً ؛ أضرب لذلك مثلاً : بعضهم (1) ألف رسالة في معنى " لا إله إلا الله " ففسرها :" لا رب إلا الله!! " وهذا المعنى هو الذي كان المشركون يؤمنون به وكانوا عليه ، ومع ذلك لم ينفعهم إيمانهم هذا ، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}(لقمان: من الآية25).

فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً لا شريك له ،ولكنهم كانوا يجعلون مع الله أنداداً وشركاء في عبادته ، فهم يؤمنون بأن الرب واحد ولكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة ، ولذلك رد الله تعالى – هذا الاعتقاد – الذي سماه عبادة لغيره من دونه بقوله تعالى :{….وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى….}(الزمر: من الآية3).
لقد كان المشركون يعلمون أن قول : " لا إله إلا الله " يلزم له التبرؤ من عبادة ما دون الله عز وجل ، أما غالب المسلمين اليوم ؛ فقد فسروا هذه الكلمة الطيبة " لا إله إلا الله " بـ : " لا رب إلا الله !! " فإذا قال المسلم : لا إله إلا الله " ، وعبد مع الله غيره ؛ فهو و المشركون سواء ، عقيدة ، وإن كان ظاهره الإسلام ؛ لأنه يقول لفظة :لا إله إلا الله فهو بهذه العبارة مسلم لفظياً ظاهراً ، وهذا مما يوجب علينا جميعاً – بصفتنا دعاة إلى الإسلام- الدعوة إلى التوحيد وإقامة الحجة على من جهل معنى" لا إله إلا الله " وهو واقع في خلافها ؛ بخلاف المشرك ؛ لأنه يأبى أن يقول :" لا إله إلا الله " فهو ليس مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً فأما جماهير المسلمين اليوم هم مسلمون لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى "(2).
لذلك ، فإني أقول كلمة – وهي نادرة الصدور مني – ، وهي :إن واقع كثير من المسلمين اليوم شر مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء الفهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة ؛ لأن المشركين العرب كانوا يفهمون ، ولكنهم لا يؤمنون ، أما غالب المسلمين اليوم ، فإنهم يقولون ما لا يعتقدون ، يقولون : لا إله إلا الله ، ولا يؤمنون –حقاً – بمعناها (1)، لذلك فأنا أعتقد أن أول واجب على الدعاة المسلمين – حقاً – هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة وحول بيان معناها بتلخيص ، ثم بتفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة بالإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها ، لأن الله عز وجل لما حكى عن المشركين قوله : { … مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى… }(الزمر: من الآية3)، جعل كل عبادة توجه لغير الله كفراً بالكلمة الطيبة : لا إله إلا الله ؛ لهذا ؛ أنا أقول اليوم : لا فائدة مطلقاً من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم ، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيبة ، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة ! نحن نعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار " وفي رواية أخري :" دخل الجنة "(2) . فيمكن ضمان دخول الجنة لمن قالها مخلصاً حتى لو كان بعد لأي وعذاب يمس القائل ، والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهذه الكلمة ، فإنه قد يعذب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام ، ولكن سيكون مصيره في النهاية دخول الجنة ، و على العكس من ذلك ؛ من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه ، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه ؛ فذلك لا يفيده شيئاً في الآخرة ، قد يفيده في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل إذا كان للمسلمين قوة وسلطان ، وأما في الآخرة فلا يفيد شيئاً إلا إذا كان قائلاً لها وهو فاهم معناها أولاً ، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً ؛ لأن الفهم وحده لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم ، وهذه النقطة ؛ أظن أن أكثر الناس عنها غافلون ! وهي : لا يلزم من الفهم الإيمان بل لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً ، ذلك لأن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة ، ولكن مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا عز وجل حين قال:{…يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ….} (البقرة: من الآية146). ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئاً لماذا ؟ لأنهم لم يصدقوه فيما يدعيه من النبوة والرسالة ، ولذلك فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها ، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان ، لأن المولى عز وجل يقول في محكم التنزيل : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ……}(محمد: من الآية19).

وعلى هذا ، فإذا قال المسلم : لا إله إلا الله بلسانه ؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل ، فإذا عرف وصدق وآمن ؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفاً ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفاً : " من قال : لا إله إلا الله ، نفعته يوماً من دهره "(1).

أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار – وهذا اكرره لكي يرسخ في الأذهان – وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي ولكنه سلم من الشرك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية – والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه –(2)؛ وهو تحت المشيئة ، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعل من المعاصي أو أخل ببعض الواجبات ، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة أو يعف الله عنه بفضل منه وكرمه ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره : " من قال : لا إله إلا الله ، نفعته يوماً من دهره "(1)، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها ، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى ؛ فهذا لا ينفعه قوله : لا إله إلا الله ، إلا في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس في الآجلة .
لذلك لا بد من التركيز على الدعوة إلى التوحيد في كل مجتمع أو تكتل إسلامي يسعى- حقيقة وحثيثاً – إلى ما تدندن به كل الجماعات الإسلامية أو جلها ، وهو تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله على أي أرض لا تحكم بما أنزل الله ، هذه الجماعات أو هذه الطوائف لا يمكنها أن تحقق هذه الغاية – التي أجمعوا على تحقيقها وعلى السعي- حثيثاً إلى جعلها حقيقة واقعية – إلا بالبدء بما بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجوب الاهتمام بالعقيدة لا يعنى إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك ومعاملات وأخلاق :

وأعيد التنبيه بأنني لا أعنى الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه على أن يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها ، بعد أن أتم الله عز وجل علينا النعمة بإكماله لدينه ! بل لا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوا الإسلام كُلاً لا يتجزأ ، وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته : أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقاً بأهم ما جاء به الإسلام ، وهو تفهيم المسلمين العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله "، أريد أن استرعي النظر إلى هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى :" لا إله إلا الله " ، هو لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط ! بل هذه يستلزم أيضاً أن يفهم العبادات التي ينبغي أن يعبد ربنا- عز وجل – بها ، ولا يوجه شيء منها لعبد من عباد الله تبارك وتعالى ، فهذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً بذلك المعنى الموجز للكلمة الطيبة ، ويحسن أن أضرب مثلاً – أو أكثر من مثل ، حسبما يبدو لي – لأن البيان الإجمالي لا يكفي .

أقول : إن كثيراً من المسلمين الموحدين حقاً والذين لا يوجهون عبادة من العبادات إلى غير الله عز وجل ، ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة ، فكثير من هؤلاء الموحدين يمرون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمن عقيدة وهم غير منتبهين إلى ما تضمنته ، مع أنها من تمام الإيمان بالله عز وجل ، خذوا مثلاً عقيدة الإيمان بعلو الله عز وجل ، على ما خلقه ، أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش استوى دون تأويل ، ودون تكييف ، ولكنهم حين يأتيهم معتزليون عصريون ،أو جهميون عصريون ، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لا يفهم معناها الموسوس ولا الموسوس إليه ، فيحار في عقيدته ، ويضل عنها بعيداً ، لماذا؟ لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرض لبيانها كتاب ربنا –عز وجل – وحديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فحينما يقول المعتزلي المعاصر : الله – عز وجل – يقول : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ….} (الملك:الآيتان 15-16). و أنتم تقولون : إن الله في السماء ، وهذا معناه أنكم جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة!! فإنه يلقى شبهة على من أمامه .

بيان عدم وضوح العقيدة الصحيحة ولوازمها في أذهان الكثيرين :

أريد من هذا المثال أن أبين أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة – للأسف في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة السلفية نفسها ، فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد الأشعرية أو الماتريدية أو الجهمية في مثل هذه المسألة ، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست بهذا اليسر الذي يصوره اليوم بعض الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة إن الأمر ليس بالسهولة التي يدعيها بعضهم ، والسبب ما سبق بيانه من الفرق بين جاهلية المشركين الأولين حينما كانوا يدعون ليقولوا : لا إله إلا الله فيأبون ؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة ، وبين أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة ؛ ولكنهم لا يفهمون معناها الصحيح ، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة ، وأعني بها علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها ، فهذا يحتاج إلى بيان ، ولا يكفي أن يعتقد المسلم{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طـه:5)
. "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "(1).دون أن يعرف أن كلمة "في " التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية ، وهي مثل "في " التي وردت في قوله تعالى : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ….} (الملك:الآيتان 15-16). ؛ لأن " في " هنا بمعنى " على " والدليل على ذلك كثير وكثير جداً ؛ فمن ذلك : الحديث السابق المتداول بين ألسنة الناس ، وهو مجموع طرقه –والحمد لله – صحيح ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" ارحموا من في الأرض " لا يعني الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض ! وإنما من على الأرض ؛ من إنسان وحيوان ، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم :" …يرحمكم من في السماء " ، أي : على السماء ، فمثل هذا التفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق أن يكونوا على بينة منه ، ويقرب هذا : حديث الجارية وهي راعية غنم ، وهو مشهور معروف ، وإنما أذكر الشاهد منه ؛ حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أين الله ؟" قالت له : في السماء"(1) . لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر – مثلاً – أين الله ؟ لقالوا لك : في كل مكان ! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء ، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم ، لماذا ؟ ؛ لأنها أجابت على الفطرة ، وكانت تعيش بما يمكن أن نسميه بتعبيرنا العصري ( بيئة سلفية) لم تتلوث بأي بيئة سيئة – بالتعبير العام -؛ لأنها تخرجت كما يقولون اليوم – من مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم – هذه المدرسة لم تكن خاصة ببعض الرجال ولا ببعض النساء ، وإنما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرجال والنساء وتعم المجتمع بأكمله ، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة ؛ عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة وهو مالم يعرفه كثير ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة ، فلا يعرف أين ربه! مع أنه مذكور في الكتاب والسنة ، واليوم أقول : لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين بحيث لو سألت –لا أقول : راعية غنم – بل راعي أمة أو جماعة ؛ فإنه قد يحار في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم !!!

الدعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر :

فإذاً ، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات دون تفصيل كما في العهد الأول ؛ لأنهم – أولاً – كانوا يفهمون العبارات العربية بيسر ، وثانياً لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم الكلام ، فقام ما يعارض العقيدة السليمة ، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان عليه المسلمون الأوائل ، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول ، وأقرب هذا في مثل لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان – إن شاء الله تعالى- :

من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة … وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية ، ونسأل : هل كان هناك شيء اسمه علم الحديث ؟ الجواب : لا ، وهل كان هناك شيء اسمه علم الجرح والتعديل ؟ الجواب : لا ، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم ، وهما من فروض الكفاية ؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان صحيحاً أو ضعيفاً ، فالأمر لم يعد ميسراً سهلاً كما كان ذلك ميسراً للصحابي ، لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله – عز وجل – لهم ….إلخ . فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة مصادر التلقي ، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين ، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة ، ومنها الدعوة إلى الكتاب والسنة فقط ! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام .

ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث ، قال :" للواحد منهم خمسون من الأجر " ، قالوا : منا يا رسول الله أو منهم ؟ قال : " منكم"(1) .

وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول ، ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال من كل شائبة ، بين كفر بواح وإيمان صادق ، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب ، ويوجه العبادات إلى غير الله ويدعي الإيمان ؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولاً ،و ثانياً : لا ينبغي أن يقول بعض الناس : إننا لا بد لنا من الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة التوحيد وهي العمل السياسي !! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً ، فلا ينبغي أن نقول : نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا ، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس الأعاجم الذين استعربوا ، بسبب بعدهم عن لغتهم ، وهذا ما أبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم ، فهب أننا – نحن العرب – قد فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً ، فليس من الواجب علينا بأن نعمل عملاً سياسياً ، ونحرك الناس تحريكاً سياسياً ، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به ، في فهم الإسلام : في العقيدة ، والعبادة ، والمعاملة والسلوك !! فأنا لا أعتقد أن هناك شعباً يعد بالملايين قد فهم الإسلام فهماً صحيحاً –أعني : العقيدة ، والعبادة ، والسلوك –وربي عليها.

أساس التغيير هو منهج التصفية والتربية :

ولذلك نحن ندندن أبداً ونركز دائماً حول النقطتين الأساسيتين اللتين هما قاعدة التغيير الحق ، وهما : التصفية والتربية ، فلا بد من الأمرين معاً ؛ التصفية والتربية ، فإن كان هناك نوع من التصفية في بلد فهو في العقيدة ، وهذا – بحد ذاته – يعتبر عملاً كبيراً وعظيماً أن يحدث في جزء من المجتمع الإسلامي الكبير- أعني : شعباً من الشعوب – ، أما العبادة فتحتاج إلى أن تتخلص من المذهبية الضيقة ، والعمل على الرجوع إلى السنة الصحيحة ، فقد يكون هناك علماء أجلاء فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب ، لكني لا أعتقد أن فرداً أو اثنين ، أو ثلاثة ، أو عشرة ، أو عشرين يمكنهم أن يقوموا بواجب التصفية ، تصفية الإسلام من كل ما دخل فيه ؛ سواء في العقيدة ، أو العبادة ، أو السلوك ، إنه لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون يقومون بتصفية ما علق به من كل دخيل ويربوا من حولهم تربية صحيحة سليمة ، فالتصفية والتربية الآن مفقودتان .

ولذلك سيكون للتحرك السياسي في أي مجتمع إسلامي لا يحكم بالشرع آثار سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين ، أما النصيحة فهي تحل محل التحرك السياسي في أي بلد يحكم بالشرع من خلال المشورة أو من خلال إبدائها بالتي هي أحسن بالضوابط الشرعية بعيداً عن لغة الإلزام أو التشهير ، فالبلاغ يقيم الحجة ويبرئ الذمة .

ومن النصح أيضاً ، أن نشغل الناس فيما ينفعهم ؛بتصحيح العقيدة ، والعبادة ،و السلوك ، والمعاملات .
وقد يظن بعضهم أننا نريد تحقيق التربية والتصفية في المجتمع الإسلامي كل! هذا ما لا نفكر فيه ولا نحلم به في المنام ؛ لأن هذا تحقيقه مستحيل ؛ ولأن الله عز وجل يقول في القرأن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}(هود:118).
وهؤلاء لا يتحقق فيهم قول ربنا تعالى هذا إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وربوا أنفسهم وأهليهم ومن كان حولهم على هذا الإسلام الصحيح .

من يشتغل بالعمل السياسي ؟ ومتى ؟

فالاشتغال الآن بالعمل السياسي مشغلة ! مع أننا لا ننكره ، إلا أننا نؤمن بالتسلسل الشرعي المنطقي في آن واحد ، نبدأ بالعقيدة ، ونثني بالعبادة ثم بالسلوك ؛ تصحيحاً وتربية ثم لا بد أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة السياسة بمفهومها الشرعي ؛ لأن السياسة معناه : إدارة شؤون الأمة ، من الذي يدير شؤون الأمة ؟ ليس زيداً ، وبكراً ، وعمراً ؛ممن يؤسس حزباً أو يترأس حركة ، أو يوجه جماعة !! هذا الأمر خاص بولي الأمر ؛ الذي يبايع من قبل المسلمين ، هذا هو الذي يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته ، فإذا كان المسلمون غير متحدين – كحالنا اليوم – فيتولى ذلك كل ولي أمر حسب حدود سلطاته ، أما أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أننا عرفناها حق المعرفة فلا تنفعنا معرفتنا هذه ؛ لأننا لا نتمكن من إدارتها ، ولأننا لا نملك القرار لإدارة الأمة ، وهذا وحده عبث لا طائل تحته ، ولنضرب مثلاً الحروب القائمة ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أ ن نشعل حماسة المسلمين تجاهها ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عقدت له البيعة ؟! لا فائدة من هذا العمل ، ولا نقول : إنه ليس بواجب ! ولكننا نقول : إنه أمر سابق لأوانه ، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا ؛ بتفهيمهم الإسلام الصحيح ، وتربيتهم تربية صحيحة، أما أن نشغلهم بأمور حماسية وعاطفية ، فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في فهم الدعوة التي يجب أن يقوم بها كل مكلف من المسلمين ؛ كتصحيح العقيدة ،وتصحيح العبادة ، وتصحيح السلوك ، وهي من الفروض العينية التي لا يعذر المقصر فيها ،و أما الأمور الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية ، كمثل ما يسمى اليوم بـ (فقه الواقع ) والاشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية من لهم الحل والعقد ، الذين بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً ، أما أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهم عن الأهم ، فذلك مما صرفهم عن المعرفة الصحيحة ! وهذا مما نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم ، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة من أجل أن يتعلم ويفهم العقيدة الصحيحة ، والعبادة الصحيحة ، والسلوك الصحيح ، وإذا ببعض هؤلاء الدعاة ينشغلون بالعمل السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات التي تحكم بغير ما أنزل الله ! فصرفهم هذا عن الأهم واشتغلوا بما ليس مهما ً في هذه الظروف القائمة الآن .

أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع الأليم ؛ فنقول : كل من المسلمين بحسبه ، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم ، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة : أن الله عز وجل قد أكمل النعمة بكتابه ، وجعله دستوراً للمؤمنين به ، من ذلك أن الله تعالى قال :{ … فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(الانبياء: من الآية7) فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين : عالماً ، وغير عالم ، وأوجب على كل منهما مالم يوجبه على الآخر ، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم ، وعلى العلماء أن يجيبوهم عما سئلوا عنه ، فالواجبات – من هذا المنطلق – تختلف باختلاف الأشخاص ، فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة ، وغير العالم عليه أن يسأل عما يهمه بحق نفسه أو من كان راعياً ؛ كزوجة أو ولد أو نحوه ، فإذا قام المسلم –من كلا الفريقين – بما يستطيع ؛ فقد نجا ، لأن الله عز وجل يقول : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا }(البقرة: من الآية286) .

نحن – مع الأسف نعيش في مأساة ألمت بالمسلمين ، لا يعرف التاريخ لها مثيلاً ، وهو تداعي الكفار على المسلمين ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في مثل حديثه المعروف والصحيح :" تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : "لا ، أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم لكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن" ، قالوا: وما الوهن يارسول الله ؟ قال : "حب الدنيا وكراهية الموت".(1)

فواجب العلماء إذاً ، أن يجاهدوا في التصفية والتربية ، وذلك بتعليم المسلمين التوحيد الصحيح وتصحيح العقائد والعبادات ، والسلوك ، كل حسب طاقته وفي البلاد التي يعيش فيها ، لأنهم لا يستطيعون القيام بجهاد اليهود في صف واحد ماداموا كحالنا اليوم ، متفرقين ، لا يجمعهم بلد واحد ولا صف واحد ، فإنهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا الجهاد لصد الأعداء الذين تداعوا عليهم ، ولكن عليهم أن يتخذوا كل وسيلة شرعية بإمكانهم أن يتخذوها ، لأننا لا نملك القدرة المادية ، ولو استطعنا ، فإننا لا نستطيع أن نتحرك فعلاً ، لأن هناك حكومات وقيادات وحكاماً في كثير من بلاد المسلمين يتبنون سياسات لا تتفق مع السياسة الشرعية – مع الأسف الشديد – لكننا نستطيع أن نحقق – بإذن الله تعالى _ هذين الأمرين العظيمين اللذين ذكرتهما آنفاً وهما التصفية والتربية ، وحينما يقوم الدعاة المسلمون بهذا الواجب المهم جداً في بلد لا يتبنى سياسة لا تتفق مع السياسة الشرعية ، ويجتمعون على هذا الأساس ، فأنا أعتقد – يومئذ- أنه سيصدق عليهم قول الله عز وجل :{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّه)(الروم: من الآية4-5) .

الواجب على كل مسلم أن يطبق حكم الله في شئون حياته كلها فيما يستطيعه :

إذاً ، واجب كل مسلم أن يعمل ما باستطاعته ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وليس هناك تلازم بين إقامة التوحيد الصحيح والعبادة الصحيحة ، وبين إقامة الدولة الإسلامية في البلاد التي لا تحكم بما أنزل الله ، لأن أول ما يحكم بما أنزل الله –فيه- هو إقامة التوحيد ، وهناك – بلا شك – أمور خاصة وقعت في بعض العصور وهي أن تكون العزلة خيراً من المخالطة ، فيعتزل المسلم في شعب من الشعاب ويعبد ربه ، ويكف من شر الناس إليه ، وشره إليهم ، هذا الأمر قد جاءت فيه أحاديث جداً وإن كان الأصل كما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنه -:"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم "(1). فالدولة المسلمة – بلا شك – وسيلة لإقامة حكم الله في الأرض ، وليست غاية بحد ذاتها .

ومن عجائب بعض الدعاة أنهم يهتمون بما لا يستطيعون القيام به من الأمور ، ويدعون ما هو واجب عليهم وميسور !وذلك بمجاهدة أنفسهم كما قال ذلك الداعية المسلم؛ الذي أوصى أتباعه بقوله:" أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم لكم في أرضكم"

ومع ذلك فنحن نجد كثيراً من أتباعه يخالفون ذلك ، جاعلين جل دعوتهم إلى إفراد الله عزوجل بالحكم ، ويعبرون عن ذلك بالعبارة المعروفة : " الحاكمية لله ". ولا شك بأن الحكم لله وحده ولا شريك له في ذلك ولا في غيره ، ولكنهم ؛ منهم من يقلد مذهباً من المذاهب الأربعة ، ثم يقول – عندما تأتيه السنة الصريحة الصحيحة -: هذا خلاف مذهبي !فأين الحكم بما أنزل الله في اتباع السنة؟!.
ومنهم من تجده يعبد الله على الطرق الصوفية ! فأين الحكم بما أنزل الله بالتوحيد ؟!فهم يطالبون غيرهم بما لا يطالبون به أنفسهم ، إن من السهل جداً أن تطبق الحكم بما أنزل الله في عقيدتك ، في عبادتك ، في سلوكك ، في دارك ، في تربية أبنائك ، في بيعك ، في شرائك ، بينما من الصعب جداً ، أن تجبر أو تزيل ذلك الحاكم الذي يحكم في كثير من أحكامه بغير ما أنزل الله ، فلماذا تترك الميسر إلى المعسر؟! .
هذا يدل على أحد شيئين : إما أن يكون هناك سوء تربية ، وسوء توجيه . وإما أن يكون هناك سوء عقيدة تدفعهم وتصرفهم إلى الاهتمام بما لا يستطيعون تحقيقه عن الاهتمام بما هو داخل في استطاعتهم ، فأما اليوم فلا أرى إلا الاشتغال كل الاشتغال بالتصفية والتربية ودعوة الناس إلى صحيح العقيدة والعبادة ، كل في حدود استطاعته ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد عليه وآله وسلم .

(1) أصل هذه الرسالة شريط مسجل ثم كتب ، وطبع في مجلة السلفية ، العدد الرابع عام 1419 هـ .

(1) حديث صحيح : رواه البخاري (1395) وفي غير موضع ، ومسلم (19) ، وأبو داود(1584) ، والترمذي (625) ، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه .

(2) يشير إلى قوله تعالى في سورة الصافات:{ )إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ . وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:35-36)

(1) هو الشيخ محمد الهاشمي ، أحد شيوخ الصوفية " الطريقة الشاذلية " في سوريا من نحو 50 سنة .

(2) حديث صحيح : رواه البخاري (25) وفي غير موضع ، ومسلم (22) ، وغيرهم ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

(1) يعبدون القبور ، ويذبحون لغير الله ، ويدعون الأموات ، وهذا واقع وحقيقة ما تعتقده الرافضة ،و الصوفية ، وأصحاب الطرق ، فالحج إلى القبور وبناء المشاهد الشركية والطواف عليها والاستغاثة بالصالحين والحلف بهم عقائد ثابتة عندهم .

(2) حديث صحيح : رواه أحمد (5/236)، وابن حبان (4)زوائد ، وصححه الألباني في الصحيحة(3355) .

(1) حديث صحيح : صححه لألباني في السلسلة الصحيحة (1932)وعزاه لأبي سعيد الأعرابي في معجمه وأبي نعيم في الحلية (5/46)، والطبراني في الأوسط (6533)، وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(2) هذه عقيدة السلف الصالح ، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة .

(1) حديث صحيح : رواه أبو داود (4941)، والترمذي(1925) ، وصححه الألباني في الصحيحه (925) .

(1) حديث صحيح : رواه مسلم (537) ، وأبو داود (930) ،والنسائي (1/14-18)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه .

(1) حديث صحيح : رواه الطبراني في الكبير (10/255) رقم (10394) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .وله شاهد من حديث عقبة بن غزوان الصحابي رضي الله عنه رواه البزار كما في الزوائد (7/282)وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه رواه أبو داود (4341) ، وصححه الألباني في الصحيحة (494) .

(1) حديث صحيح : رواه أبو داود (4297) ، وأحمد (5/287) ، من حديث ثوبان رضي الله عنه ، وصححه بطريقيه الألباني في الصحيحة (958) .

(1) حديث صحيح : رواه الترمذي (2507) ، وابن ماجه (4032) ، والبخاري في الأدب المفرد (388) ، وأحمد (5/365) ، من حديث شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في الصحيحة (939) .

للامانة الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




موضوع مهم جدا جدا..

أحسن الله إليكِ، نقلٌ موفقٌ، جعله الله في ميزان حسناتكِ..

وفقكِ الله




بورك فيك وأحسن الله إليك

تحياتي…




تعليمية




شكرا وبارك الله فيك
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك




جزاكم الله خيرا

نصائح و أسس تكتب بماء من ذهب

رحم الله الإمام العلامة ناصر الدين الألباني




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
الحياة الزوجية

أبيات من الشعر في الزواج للشيخ الألباني رحمه الله

أبيات من الشعر في الزواج للشيخ الألباني رحمه الله

الله يغنيه وسيعاً فضله فهو الغني عطاؤه مشكور

أمر النبي بذات دينٍ زوجـة فاظفر بذات الدين هن الحور

المال يفنى والجمـال وديعـة والجاه يبلى كل ذاك غرور

الباقيات الصالحـات ذخيـرة مذخورة ونعيمها موفور

ليس الزواج لشهوةٍ وغريـزةٍ إن الزواج تعفف وطهور

ليس الزواج ستار أطماعٍ وما تغني عن اللب الشهي قشور

ليس الزواج لنزوة عابرة ذاك انفعالٌ فتنة تغرير

إن الزواج وظيفة ومهمة ورعاية وتحمل وصغير

إن الزواج تصبرٌ وتجلد وعناية ما حقها التقصير

إن الأبوة خدمة وقيادة وتودد وتعقل وأمور

أمر بكل فضيلة في أهله للمكرمات يقودهم ويسير

إن الأمومة عطفها لا ينقضـي ومقامها في التضحيات كبير

كان النبي معلماً في أهله وهو الرسول مبشر ونذير

خير الأنام وخيرهم في أهلـه في خدمة لعياله مشهور

يرعى صغيرهم ويحفظ عهدهم خلقٌ بفرقان الهدى مسطور

يحمي النساء يصونهن عفافـه وهو الأنيس المؤنس الستير

فرض الحجاب وقاية وحمايـة ومن النفوس رقابة وضمير

وسع النساء بحلمه وأناته والحلم طبعٌ في الرسول شهير

زوجاته نبع الفضائل والتقـى الطاهرات وزوجهن النور

للطيبين الطيبات وللألى خبثو خبيثات لهن شرور

الله طهر آل بيت محمدٍ بيت النبوة روضة وعطور




ابيات رائعة

رحمة الله على محدث هذا الزمان الشيخ محمد ناصر الدين الالباني

شكرا اختي طرح مميز

تقبلي مروري المتواضع

اختك هناء




هدى الله أزواج وزوجات المسلمين إلى مايحبه ويرضاه

بارك الله فيك أختنا الغالية ونفع بك

تعليمية




إن الزواج تصبرٌ وتجلد وعناية ما حقها التقصير

إن الأبوة خدمة وقيادة وتودد وتعقل وأمور

رحم الله الشيخ الالباني وغفرله
لكننا فقدنا اليوم كثيرا من معنى هاتين البيتين




اسمح لي ابدي اعجابي بقلمك وتميزك واسلوبك الراقي وتالقك




شكرا جزيلا لك.




التصنيفات
اسلاميات عامة

منهج الشيخ الألباني في الرد على المخالف بالشدة

تعليمية تعليمية

قال العلامة ناصر الدين الألباني طيب الله ثراه:

وفي ختام هذه المقدمة لا بد لي من كلمة أوجهها إلى كل مخلص من قرائنا، حبيباً كانَ أم بغيضاً، فأقول:

كَثيراً ما يسألني بعضهم عن سبب الشدة التي تبدو أحياناً في بعض كتاباتي في الرد على بعض الكاتبين ضدي؟ و جواباً عليه أقول:
فليعلم هؤلاء القراء أنني بحمد اللّه لا أبتدئ أحداً يرد علي ردّاً علميّاً لا تَهَجُّمَ فيه، بل أنا له من الشاكرين، وإذا وُجِدَ شيءٌ من تلك الشدة في مكان ما من كتبي. فذلك يعود إلى حالة من حالتين:
الأولى: أن تكون ردّاً على مَن رد علي ابتداء، واشتط فيه وأساء إلي بهتاً وافتراءً. كمثل أبي غدة، و الأعظمي الذي تستر باسم أرشد السلفي!
والغماري، والبوطي، وغيرهم؛ كالشيخ إسماعيل الأنصاري غير ما مرة، وما العهد عنه ببعيد!
ومثل هؤلاء الظلمة لا يفيد فيهم- في اعتقادي- الصفح واللين، بل إنه قد يضرهم، ويشجعهم على الاستمرار في بغيهم وعدوانهم. كما قال الشاعر:
إِذا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ *** وإنْ أَنْتْ أَكْرَمْ اللَّئيمَ تَمَرَّدَا
وَوَضْعُ النَّدَى في مَوْضِع السَّيْفِ بالعُلَى *** مُضِر كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى
بل إن تحمُلَ ظلم مثل هؤلاء المتصدرين لِإرشاد الناس وتعليمهم، قد يكون أحياناً فوق الطاقة البشرية، ولذلك جاءت الشريعة الِإسلامية مراعية لهذه الطاقة، فلم تقل- والحمد للّه- كما في الِإنجيل المزعوم اليوم: "مَن ضربك على خدك الأيمن. فأدِرْ له الخد الأيسر، ومن طلب منك رداءك؛ فأعطه كساءك "! بل قال تعالى: "فمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عليهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدَى علَيْكُمْ" هو، وقال: "وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها"، وأنا ذاكر بفضل اللّه تعالى أن تمام هذه الآية الثانية: " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور " ، ولكني أعتقد أن الصفح المشكور، والصبر المأجور. إنما هو فيمن غلب على الظن أن ذلك ينفع الظالم ولا يضره، ويعزُّ الصابر ولا يذله. كما يدل على ذلك سيرته – صلى الله عليه وسلم – العمليَّة مع أعدائه، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبيّاً أو قتله نبي ". انظر " الصحيحة" (281) .

وأقل ما يؤخَذُ من لهذه الآيات ونحوها أنها تسمح للمظلوم بالانتصار لنفسه بالحق دون تعذّ وظلم. كقوله تعالى: "لَا يُحِبُّ اللّهُ الجَهْرَ بالسُّوء مِنَ القَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ "، والسنة تؤكد ذلك وتوضحه. كمثل قوله – صلى الله عليه وسلم – لعائشة حين اعتدت إحدى ضرَّاتِها عليها: "دونَكِ فانْتَصري ".
قالت: فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها، ما ترد علي شيئاً، فرأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يتهلل وجهه.
رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وغيره؛ بسند صحيح، وهو مخرج في المجلد الرابع من "الصحيحة" (1862) .
فأرجو من أولئك القراء أن لا يبادروا بالِإنكار، فإني مظلوم من كثير ممَّن يدَّعون العلم، وقد يكون بعضهم ممَّن يُظَنُّ أنه معنا على منهج السلف، ولكنه- إن كان كذلك- فهو ممن أكل البغضُ والحسدُ كبدَه؛ كما جاء في الحديث:
"دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلَكم: الحسد، والبغضاء، هي الحالقة. حالقة الدين، لا حالقة الشعر". وهو حديث حسن بمجموع طريقيه عن ابن الزبير وأبي هريرة.

فأرجو من أولئك المتسائلين أن يكونوا واقعيين، لا خياليين، وأن يرضوا مني أن أقف في ردِّي على الظالمين مع قول رب العالمين: "وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدينَ "؟؛غير متجاوب مع ذلك الجاهلي القديم:

ألا لَا يَجْهَلَنْ أحدٌ عَلَيْنا *** فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْل الجَاهِلِيْنا
عياذاً باللّه أن أكون من الجاهلين.
والحالة الأخرى أن يكون هناك خطأ فاحش في حديث ما، صدر من بعض من عُرِف بقلة التحقيق، فقد أقسو على مثله في الكلام عليه، غيرةً مني على حديث رسول اللّه – صلى الله عليه وسلم -، كقولي الآتي تحت الحديث (142) :
"لم يخجل السيوطي- عفا اللّه عنا وعنه- أن يستشهد بهذا الِإسناد الباطل. فإن (أبو الدنيا) هذا أفاك كذاب، لا يخفى حاله على
السيوطي… ".-
فإن الباعث على هذه الشدة إنما هو الغيرة على حديثه – صلى الله عليه وسلم – ، أن يُنْسَبَ إِليه ما لم يقله، وسلفنا في ذلك بعض الحفاظ المعروفين بالدين والتقوى، فانظر مثلاً إِلى قول الذهبي رحمه اللّه في الحاكم. وقد صحح الحديث الآتي في فضل علي رضي اللّه عنه برقم (757) :
"قلت: بل واللّه موضوع، وأحمد الحراني كذاب، فما أجهلك على سعة معرفتك؟! ".
فليتأمل القارئ الفرق بين الحاكم والسيوطي من جهة، وبين عبارة الذهبي في الحاكم، وعبارتي في السيوطي من جهة أخرى.
ثم وقفتُ على رسالة جديدة للشيخ الأنصاري- وهذه المقدِّمة تحت الطَّبع- تؤكِّدُ لكل مَن يقرؤها أنَّه ماضٍ في بغضهِ وحسده وافتراءاتِه، وهي بعنوان: "نقد تعليقات الألباني على شرح الطَّحاويَّة"! وهو فيه- كعادته في ردوده عليَّ- لا يحسِنُ إلا التهجُّمَ، والتَّحامل عليَّ بشتَّى الأساليب، والغمز، واللمز؛ كقوله في أول حديث انتقدني فيه بغير حق:
"فباعتبار الألباني نفسه محدِّثاً لا فقيهاً (!) … ".
ونحو هذا من الِإفك الذي لا يصدُرُ من كاتب مخلصٍ يبتغي وجه الحق، وينفع فيه اللِّين والأسلوب الهيِّن في الردِّ عليه. لأنه مكابرٌ شديدُ المكابَرة والتمحُّل لتسليك أخطاءِ غير الألباني مع ظهورها، بقدر ِما يتكلَّف في توهيمِه وتجهيلهِ- ولو ببتر كلام العلماء، وتضليل القرَّاء- ليستقيمَ ردُّهُ عليهِ!!
وهو في بعض ما أخذهُ عليَّ ظلما في "نقده " هذا قد سبقهُ إليه الكوثري الصغير أبو غدَّة الحلبي، الذي كنتُ رددتُ عليه في مقدِّمة تخريج "شرح الطحاوية"، فالتقاؤهُ معه في ذلك ممَّا يدلُّ على أنَّه لا يتحرَّجُ في أن يتعاوَنَ مع بعضِ أهلِ الأهواء في الردِّ على أهل السنَّة! فلا أدري واللّه كيف يكون مثلُه باحثاً في دارِ الِإفتاء؛ وفيها كبارُ العلماء الذين لا يمكن أن يخفى عليهِم حال هذا الباحث في انحرافِهِ في الرَّدِّ عن الأسلوب العلميِّ النَّزيه، إلى طريقتِه المبتَدَعة في اتِّهامه لمَن خالفه من أهل السنَّة بالبهت، والافتراء، والتدليس، وتحريف الكلم عن مواضعه، وتتبُّع العَثرات؟!
ومَن أراد أن يتحقَّق من هذا الذي أجملتُه مِن أخلاقِ الرجل، بقلمٍ غير قلمي، وأسلوب ناعمٍ غير أسلوبي؟ فليقرأ ردَّ الأخ الفاضل سمير بن أمين الزُّهيري المنصوري: "فتح الباري في الذَبِّ عن الألباني والرَّد على إسماعيل الأنصاريّ "، أرسلهُ إليَّ جزاه اللّه خيراً وأنا زائر في (جُدة) أواخر شعبان هذه السنة (1410 هـ) ، وهو في المطبعة لمَّا يُنْشَرْ بعد، وما يصل هذا المجلَّد إلى أيدي النَّاس. إلا ويكون قد تداولته الأيدي.
وهو ردٌ علميٌّ هادئٌ جدّاً، نزيهٌ ، لا يقولُ إلا ما وصَلَ إليهِ علمُه، لا يُداري ولا يُماري منطلقاً وراء الحجة والبرهان، وهو مع سعة صدره في الردِّ على الأنصاري، فإنَّه لم يتمالك أن يصرِّح ببعضِ ما سبق وَصْفُه به، فهو يصرِّح (ص 66 و77) :
أنَّه غير منصفٍ في النَّقد، ولا أمين في النقل!
وهو يتعجَّب (ص 82 و86) من مكابرة الأنصاريِّ وادِّعائهِ على الألبانيِّ خلافَ الواقع!
ولقد ضاقَ صدرُه من كثرةِ مكابرته وتدليسه على القرَّاء، فقال (ص 87) :
"أكَرِّر هنا أنَني أسأم من توجيهِ النَّصيحة للشيخ الأنصاري حفظه اللّه: بأنَّه إذا فاته الِإنصاف في النقد، فليحرص على أن لا تَفوتَه الأمانة في النقل ".
ثم كشف عن تدليسه المشار إليه، ثم قال (ص 88) :
"ألا فَلْيَتَّقِ اللّه الشيخُ الأنصاري، فمهما حاول، فلنْ ينالَ من منزلة الشيخ الألباني حفظه اللّه…

من سلسلة الأحاديث الصحيحة، المجلد الأول

منقول للفائدة

تعليمية تعليمية




اتعجب اليوم من اناس يلمزون هذا الجبل ويتكلمون في فقهه رحمه الله
و عقيدته والله ما الالباني هو المقصود هنا انماسنة نبينا صلى الله مليه وسلم ومنهج
المنهج السلفي كما قال بعض العلماء اضنه الرحيلي الذين يتكلمون في الالباني كالفئران
تحفر في جبل شكرا لتطرقك لمثل هذا الموصوع




شكرا لتطرقك لمثل هذا الموصوع بارك الله فيك
جزاك الله خيرا وكثر حسناتك




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

بيان عقيدة الألباني في الإيمان , والردّ على من رماه بأنه يقول بقول المرجئة !!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه , وبعد :

لا شك أن الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله هو عَلَم من أعلام علماء السنة في هذا العصر , وقد أطبقت كلمة العلماء بالثناء عليه وعلى عقيدته ومنهجه السلفي الصافي , ومعلوم لدى القاصي والداني أن أهل الأهواء والبدع تكالبوا على بغض هذا الشيخ الإمام لما له من أيادي بيضاء في نصرة الحق والسنة , والردّ على أهل البدع والمذمّة , فمنهم من رماه بالإرجاء ! , ومنهم من رماه بقول الجهم بن صفوان ! , وأرادوا أن ينالوا من مكانة هذا الإمام في قلوب أهل السنة ؛ حتى يستطيعوا بعدها أن يطعنوا في منهجه السلفي الصافي , ومن ثَمّ يتسنّى لهم إدخال أفكارهم وعقائدهم ومناهجهم الفاسدة على الشباب السلفي ويلبسونها لباس المنهج السلفي كذبا وعدوانا , واستخدموا في ذلك سلاح الجهل والتهويل والزور والبهتان.

ثم ظهرت فئة من الناس هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا , وينتسبون إلى المنهج السلفي ؛ ثم يرمون هذا الإمام السلفي بأنه يقول في الإيمان بقول المرجئة !! , ثم يزعمون أنهم لا يطعنون فيه (!) , وإنّما يرمونه بقول المرجئة بيانا للحق ونصرة لأهله ! , وعزاؤنا الوحيد أنه ليس فيهم عالم واحد ! ؛ وإنما أحسنهم وأفضلهم حالا , هو طالب علم ! كنا نُحسّن به الظن , وما زلنا نحاول إحسان الظن بهم حتى هذه اللحظة , وإن كانوا هم لا يدَعُون لنا مجالا لذلك ! , ويتمادون في رمي هذا الإمام بما هو منه براء , ويصرّحون بذلك ويفتخرون به !.

فأحببت أن أكتب هذه الكلمة ؛ بيانا لعقيدة الإمام الألباني رحمه الله , ونصرة للحق وأهله , وردّا على الطاعنين في عقيدته , وأيضا أحببت أن أوضح حقيقة مذهب سلفنا الصالح في الإيمان , فقد التبس أمره – بسبب هذه الفتنة – على كثير من العوام , فصارت عقيدتهم في الإيمان أضغاث أحلام ! , وضل بسبب ذلك فئام , ومنهم من حاول الدفاع عن الألباني الإمام , فوقع – خطئا – في عقيدة المُرجئة اللئام ! .

أسأل الله الكبير المتعال , أن يلهمني الصواب في هذا المقال , وأن يجعله من حسناتي الخالصة في ميزان الأعمال.

وتضمنت هذه المقالة ما يلي :

المبحث الأول : بيان عقيدة الألباني رحمه الله في الإيمان من صريح أقواله وكتاباته , وإظهار موافقتها لعقيدة سلفنا الصالح.

المبحث الثاني : بيان مقصود العلماء المتأخرين والمعاصرين من لفظة ( تارك جنس العمل ) , أو قولهم ( تارك العمل بالكلية ) , ونقل إجماع السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على كفر من ترك العمل بالكليّة.

المبحث الثالث : بيان مقصود الألباني رحمه الله من بعض إطلاقاته وأنها من الخطأ (اللفظي) لا (العقدي) , وذكر من سبقه إلى بعض هذه الإطلاقات من العلماء سلفا وخلفا , مع بيان أن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله.

المبحث الأول

بيان عقيدة الألباني رحمه الله في الإيمان من صريح أقواله وكتاباته , وإظهار موافقته لعقيدة سلفنا الصالح

يعرف صغار طلبة العلم أن الألباني رحمه الله قد قام بتحقيق وإخراج رسائل و كتب كثيرة في الإيمان على عقيدة سلفنا الصالح منذ سنوات طويلة تزيد على العشرين عاما , ومن ذلك كتاب الإيمان لابن أبي شيبة ، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام , وكتاب شرح الطحاوية لابن أبي العز , وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية , والناظر في هذه التحقيقات العلمية الفريدة وتعليقاته عليها, يرى – وبجلاء – موافقة الإمام الألباني رحمه الله لعقيدة السلف الصالح في الإيمان جملة وتفصيلا , ويكفي الباحث المنصف أن يقرأ ردوده على المرجئة المتقدمين منهم والمعاصرين كأبي غدة عبد الفتاح والكوثري , وهؤلاء هم جبال الإرجاء في هذا العصر من الذابّين عن خبث معتقده , والداعين لضلاله , فدكّ هذا الأسد الألباني حصونهم دكّا , ونسف شبهاتهم الإرجائية نسفا , وتركها قاعا صفصفا , ثم يأتي شباب آخر الزمان , فيرمون هذا الإمام بالإرجاء ! ، أو يرمونه بقول المرجئة !! ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بيان عقيدة الألباني في الإيمان


قال الشيخ الألباني رحمه الله :


« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ! ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح…».اهـ

انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).

وقال أيضا الألباني -رحمه الله-

((قال الله تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، هذه الباء هنا سببيه يعني بسبب عملكم الصالح، وأعظم الأعمال الصالحة هو الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ سأله رجل عن أفضل الأعمال.
قال: إيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان عمل قلبي مُشْ كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة لـه بالعمل!!!، لا، الإيمان:
أولًا: لابد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله ؛ ثم لابد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب، أن يظهر ذلك على البدن والجوارح لذلك فقوله تبارك وتعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني…)).اﻫ.


"الوجه الثاني" من الشريط (11) من "سلسلة الهدى والنور"

وقال الشيخ الألباني رحمه الله وهو يناقش رجلا يزعم أن الإيمان يزيد ولكن لا ينقص !!، فقال رحمه الله:

" أنا لازال أقول : أن هناك ارتباط وثيق جداً بين قلب المؤمن وجسده , وأقول عادة كلمة ما اُلهمت أن أقولها وسا استدركها على نفسي , كما أن صلاح القلب من الناحية المادية له ارتباط بصلاح البدن , فإنني لا أستطيع ان أتصور رجلاً مريض القلب ويكون صحيح البدن !، لا أستطيع ان أتصور هذا .
كذلك الأمر تماما فيما يتعلق بالناحية الإيمانية , لا أستطيع أن أتصور مؤمناً وقد كان كافراً , ثم آمن بالله ورسوله حقاً , مستحيل أن أتصور أنه سيبقى كما كان! .
وأظن أنك وافقت معي , لكن قلت مش ضروري – يقصد أن يكون التغير كلياً – كما اضفت على لساني سهواً منك ( كلياً ) أنا ما قلت ( كلياً ) والسبب أن الإيمان كما قلنا يزيد وينقص , ولا أستطيع أن أتصور إنساناً كامل الإيمان بعد المعصوم , ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكنني أتصور ناس يتفاوتون في الإيمان , فكلما قوي إيمان أحدهم , كلما قويت الأثار الصالحة الظاهرة في بدنه , وكلما ضعف هذا الإيمان أو قلّت قوته على الأقل كلما كان الظاهر في بدنه قليلاً أيضاً ….
ولن تجد وسيلة لتخرج من هذا المأزق إلا أن تقول برأي أهل السنة والجماعة : " الإيمان قول وعمل , يزيد وينقص " ، يصل لدرجة إذا نقص ذهب , وليس كل ناقص معناه ذهب
" . اهـ

شريط رقم 446 من سلسلة الهدى والنور عند الدقيقة 04:34 وما بعدها، نقلا عن أخينا النهدي وفقه الله

وقال الإمام الألباني رحمه الله في الشريط رقم 856 من سلسلة الهدى والنور الدقيقة 7:00 تقريبا وما بعدها :

« أن أنواع الكفر ستة أنواع : تكذيب وجحود وعناد وإعراض ونفاق وشك ، أن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده , بل وبالاعتقاد والقول والعمل , وأن المرجئة هم الذين حصروا الكفر في التكذيب بالقلب وذهبوا إلى أن : كل من كفّره الشارع , فإنما كفّره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى ». اهـ رحمه الله

وقال الإمام الألباني رحمه الله كما في "الوجه الأول" من شريط "الفرقة الناجية":

((كما نسمع ذلك في كثير من الأحيان من بعض الشباب الذين لم يربوا تربية إسلامية، وأخلّوا بكثير من الأركان الشرعية كالصلاة مثلًا، إذا قيل لهم: يا أخي لِـمَ ما تصلي؟ يقول لك: العبرة بما في القلب، كأنه يقول أو كأنه يتصور: أنه من الممكن أن يكون القلب صالحًا، وصحيحًا، وسليمًا، أما الجسد فلا يتجاوب مع الأحكام الشرعية!!! ؛ هذا أمر باطل تمام البطلان، فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة، ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن)).اﻫ.

وقال الإمام الألباني رحمه الله كما في ( الدرر المتلألئة ) ، وهو ينتقد بعض المواضع من كتاب "ظاهرة الإرجاء" لسفر الحوالي -هداه الله- صحيفة رقم 127 :

((قال (د. سفرٌ الحوالي في (ص161): (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار، ومن تركها في أكثر أحيانه ؛ فهو إليهم أقرب، وحاله بهم أشبه, ومن كان يصلي أحيانًا ويدع أحيانًا فهو متردد متذبذب بين الكفر والإيمان, والعبرة بالخاتمة.
وترك المحافظة…. غير الترك الكلي الذي هو الكفر)).اﻫ.

فقال الإمام الألباني: ((وهذا التفصيلُ نراه جيدًا ؛ ولكن: هل علة الكفر في هذه الحالة هو التـرك لأنه ترك؟ أم لأنه يدل بظاهره على العناد، والاستكبار ؛ وهو الكفر القلبي؟ هذا هو الظاهر، وهو مناط الحكم بالكفر, وليس مجرد الترك, وهو معنى ما كنت نقلته في رسالتي عن ابن تيمية (ص44-46), وهو المُصرّ على الترك -مع قيام الداعي على الفعل -كما فصلته هناك-؛ فراجعه، فكلام المؤلف لا يخرج عنه؛ بل يبيّنه ويوضحه)).اﻫ.

قلت ( أبو عبد العظيم ) : إذا كان الشيخ يعلق على من قال : (فمن ترك الصلاة بالكلية فهو من جنس هؤلاء الكفار….وترك المحافظة…. غير الترك الكلي الذي هو الكفر) قائلا : (( وهذا التفصيلُ نراه جيدًا )) ، فما بالكم بـــ (الترك الكلّي) لكلّ العمل وليس الصلاة فقط ، ماذا يقول فيه الإمام يا تُرى ؟! ، أترك الإجابة لعقلاء أهل السنة …

وقال الألباني رحمه الله ردّا على أبي غدة كما في شرح الطحاوية :

" المسألة الخامسة : يقول الإمام تبعا للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهوية وسائر أهل الحديث وأهل المدينة :
(( إن الإيمان هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان ، وقالوا يزيد وينقص ))
وشيخك تعصبا لأبي حنيفة يخالفهم ! مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم ، بل ويغمزهم جميعا مشيرا إليهم بقوله في"التأنيب" (ص:44-45) إلى "أناس صالحون"يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه، وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم ،ثم يقول:إن الإيمان الكلمة !! ، وأنه الحق الصراح .
وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون (!) هم عنده على الباطل في قولهم :بأن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص …." إلى أن قال صفحة 58 : " والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصوّر للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي ، يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركنا أصليا ثم يتناسى أنهم يقولون : بأنه يزيد وينقص , وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقا، بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفّرة عندهم :"وبقوله الإيمان يزيد وينقص" كما في "البحر الرائق" – "باب أحكام المرتدين" فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدين !! , راجع شرح الطحاوية (ص:338-360)، والتنكيل (2/362-373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة .
وليعلم القارئ الكريم أن أقلّ ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم – ولو كان فاسقا فاجراً – : " أنا مؤمن حقا " ، ينافي مهما تكلفوا في التأويل – التأدّب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }[الأنفال:2-4[
فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المُتعصبة ، من هو المؤمن حقا عند الله تعالى؟ ، ومن هو المؤمن حقا عند هؤلاء ؟!!"

انتهى كلام الألباني رحمه الله تعالى.

وقال-رحمه الله- في السلسلة الصحيحة المجلد السابع (القسم الأول /153-15) : « مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية ،فأقول ( الألباني ) : الإيمان يزيد وينقص، وإن الأعمال الصالحة من الإيمان وإنه يجوز الاستثناء فيه خلافا للمرجئة ، ومع ذلك رماني بالإرجاء أكثر من مرة ! فقابلت بذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها …) فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة !!»

انتهى كلام الألباني رحمه الله

وقال الألباني رحمه الله وهو يردّ على أحد أهل البدع :

" أن الرجل حنفي المذهب ، ماتريدي المعتقد ، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان ، وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر – والعياذ بالله تعالى – فقد جاء في ( باب الكراهية ) من "البحر الرائق " –لابن نجيم الحنفي – ما نصه ( 8/ 205) :" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال " – ثم قال الشيخ الألباني – : وهذا يخالف – صراحة – حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل : أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " – الحديث – أخرجه البخاري –وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107) . وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص – بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان " ، فليراجعه من شاء البسط . أقول ( الألباني ) : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة – ولله الحمد – في مسائل الإيمان ، ثم يأتي – اليوم – بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء ! "
انتهى كلام العلامة الألباني رحمه الله من كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ص 32 – 33 .

وقال الألباني رحمه الله أن الكفر يكون بالأعمال كما يكون بالاعتقاد , حين قال :

"ومن الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً ، لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره ، كمثل من يدوس المصحف مع علمه به ، وقصده له " اهـ التحذير من فتنة التكفير صفحة 72

وهذا صريح في أن مناط التكفير عند الشيخ الألباني رحمه الله هو العمل المحض ، ولكنه -رحمه الله- أرجع ذلك لاعتقاد القلب وجحوده ، كما هو مذهب أهل السنة ، بخلاف المُرجئة الذين يجعلون مناط التكفير هو الجحود أو التكذيب !! ، وفرق كبير بين المسألتين ، كما لا يخفى ذلك على طلبة العلم ، فتأمّل.

وصرّح الألباني رحمه الله أن تارك الصلاة إذا عُرض على السيف وفضّل الموت على الصلاة ! , فهو كافر مرتدّ , كما في رسالة حكم تارك الصلاة صفحة 43

وأنكر رحمه الله إنكارا شديدا أن يكون الخلاف بين مرجئة الفقهاء وبين أهل السنة , خلافا لفظيا صوريا ! , وصرّح بأن الخلاف عقدي وجوهري , كما في شرح العقيدة الطحاوية صفحة 62 , فليُراجعه من شاء .

وقال الألباني رحمه الله في مقدمة تحقيق رياض الصالحين (ص:22) :

"والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب، وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أجمل بيان ".

فهل من يقول هذا الكلام ويقرر هذه التقريرات السنّية السلفية الخالصة , والتي تدك حصون المرجئة دكّا ؛ يُقال عنه أنه يقول بقول المُرجئة !!؟؟

سبحانك ربي هذا بهتان عظيم

المبحث الثاني

بيان مقصود العلماء المتأخرين والمعاصرين من لفظة ( تارك جنس العمل ) , أو قولهم ( تارك العمل بالكلية ) , ونقل إجماع السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على كفر من ترك العمل بالكليّة

إن مذهب سلفنا الصالح في الإيمان وعلاقته بعمل الجوارح من الوضوح بمكان , ولكن لمّا كثُرت الفتن , ووسّد الأمر إلى غير أهله , وانتشر الجهل , وأشربت القلوب حب الخصام والجدل , حارت في هذه المسألة عقول , ولم تكتف بما هو عن السلف مشهور ومنقول , فإذا بها في بحار الهوى تصول وتجول .

ولا شك عند أهل السنة أن الإيمان هو :

قول باللسان , واعتقاد بالقلب , وعمل بالجوارح .

وأنه يزيد وينقص , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حتى لا يتبقى منه إلا ذرة ! , أو يزول بالكلية والعياذ بالله .

والعلاقة بين اعتقاد القلب وعمل الجوارح علاقة وثيقة , فإذا قوي الإيمان في القلب , كثرت الأعمال الصالحة من أعمال الجوارح , وإذا ضعُف إيمان القلب , قلّت الأعمال الصالحة من أعمال الجوارح .

وإذا زالت أعمال الجوارح بالكليّة , دل ذلك على زوال إيمان العبد من القلب بالكلية ولابد .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " تخلّف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوّه من الإيمان,ونقصه دليل نقصه ,وقوته دليل قوته." اهـ [الفوائد: 112[

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما فى القلب مستلزم للعمل الظاهر. وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم" اهـ [الفتاوى 7294[

قال الإمام الشافعى رحمه الله: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية, لا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر " اهـ
شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 5/956

قال العلامة الآجري في كتابه العظيم "الشريعة" :

" ثم اعلموا : أنه لا تجزىء المعرفة بالقلب ، والتصديق ، إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ، ولا تجزىء معرفة بالقلب ، ونطق باللسان ، حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث : كان مؤمناً , دل على ذلك الكتاب والسنة، وقول علماء المسلمين . "اهـ

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح ( 6/487 ) :

" وقد بسطنا الكلام على هذه في مسألة الإيمان ، وبيَّنا أن ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم ، لابد أن يظهر على الجوارح وكذلك بالعكس؛ ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :} ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت ، صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب } وكما قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لمن رآه يعبث في الصلاة : } لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه { " اهـ رحمه الله

ومن أراد الإستزادة من أقوال العلماء حول هذه المسألة ، فليُطالع هذا الموضوع ..

إجماع الأئمة على كفر تارك العمل بالكلية , وبيان أنها مسألة خيالية

وهذا الذي قرّره هؤلاء الأئمة – من أنه لابد من عمل مع إيمان القلب – محلّ إجماع السلف الصالح قولا واحدا لا خلاف عليه .

فإذا كان في القلب ذرة من إيمان , يجب أن يظهر أثر هذا الإيمان الضعيف على أعمال الجوارح , مهما كان هذا العمل ضئيلا وصغيرا , ولكن لا بد أن يظهر شيئ , وإلا لم يكن في الباطن مؤمنا .

فاحفظ هذا يا أخا الإسلام , وعض عليه بالنواجز .

وهذا هو ما يقصده العلماء القائلين بأن تارك جنس العمل يكون كافرا ولا بد , وقولهم ( تارك جنس العمل ) أي ترك كل أعمال الجوارح الظاهرة بالكلية ! , فلا صام يوما من رمضان مرة في عمره قط ! , ولا صلّى ركعة لله مرة في عمره قط ! , ولا زكّى ولا تصدّق على فقير مرة واحدة في عمره قط ! , ولا حجّ مرة , ولا مدّ يده وقرأ صفحة من المصحف مرة قط ! , ولا دخل بيتا من بيوت الله مرة واحدة ليصلي قط !! , ولا أعان بيده ضعيفا لوجه الله مرة قط ! , ولا سقى كلبا شربة ماء لوجه الله مرة قط ! , ولا أماط الأذى عن الطريق لوجه الله مرة قط ! ولا ذهب يزور والديه ولا أقاربه ليصل رحمهم قط !!! , ولا فعل أي شيئ يصحّ أن يُطلق عليه أنه عمل صالح مرة !! , نطق بالشهادتين فقط وبقي دهرا لم يعمل شيئا قط على التفصيل الخيالي السابق ! , وشرب الخمر وزنا وسرق وركب المحرمات والفواحش بأنواعها , ثم يزعم أنه مسلم !

فهل يشك عاقل في كفر من كان هذا حاله ؟؟! ، ولينتبه القارئ الكريم أن كلمة جنس العمل عندما تُطلق في كلام أهل العلم قد يُراد بها الكل وقد يراد بها -عند البعض- الغالب ، والسعيد هو من تفطّن لهذا ووعاه قلبه ، ونحن إذا قلنا (تارك جنس العمل) نعني بذلك تارك ( كل ) الأعمال ! ، وهي مسألة غير عملية ولا تتصوّر ! ، كما سيأتي.

ولكن على فرض وجودها ؛ فلا يجوز للمسلم أن يتردد في أن تكفير من كان هذا حاله , وقد أجمع السلف على كفره وخروجه من حظيرة الإسلام , قولا واحدا , إذ لا يفعل هذا من عنده أدنى حد من الإيمان , كما صرّح بذلك الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في مقالته المشهورة " كلمة حق حول جنس العمل ", وهي منشورة على موقعه الرسمي على هذا الرابط .

وهذا هو عين ما قصده وقرّره الشيخ الألباني رحمه الله حين قال :

« إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ؛ آمن من هنا – قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله – ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح , على كل حال: فنحن نفرق بين الإيمان الذي هو مقره القلب، وهو كما أفادنا هذا الحديث من عمل القلب، وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكمّلة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب…».اهـ

انظر شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).

وقد زعم بعض من لا علم عنده , من الذين امتلأت قلوبهم حقدا وحسدا على هذا الإمام السلفي , أن هذا الكلام قديم ! , وأن الشيخ تغيّر اعتقاده في المسألة في آخر عمره !! , ولا شك أن هذه دعوى ينقضها الشيخ في كلامه القديم ! زعموا .

فها هو يقول ( فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكملة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب .. )

وهذا هو عين ما يذكره الشيخ دائما , بل هو كلام مفسّر لبعض إطلاقاته الأخرى , وكلام العلماء يفسر بعضه بعضا .

وقد يقول قائل : أنت تنقل ما هو حجة على الشيخ الألباني رحمه الله !! , لأنه ذكر أن أعمال الجوارح ليست جزءا أصيلا من الإيمان , ولكن هي أجزاء (مكملة) للإيمان…!

فأقول :

لقد صرّح الشيخ رحمه الله قبل هذه الكلمة الموهمة بلحظات (!) أن الإيمان بدون عمل لا يُفيد , وقال أن هذا لا يُتصور إلا في الخيال (!) , بل صرّح أن ( عدم ) العمل الصالح دليل على أن الإيمان لم يدخل القلب !

فهل بعد هذا البيان من بيان ؟؟ , أليس كلامه هذا دليل قاطع على أنه لا يقصد نفي مطلق أعمال الجوارح (!!) , اللهم بلى .

فقد صرّح الشيخ بأن ( عدم ) العمل دليل على ( أن الإيمان لم يدخل القلب ) ، ولكنه -رحمه الله- لا يتصوّر أن يقع هذا ويعتبره خيالا محض ، وهو الصواب.

فظهر من هذا التفصيل لكل منصف مُتجرد للحق مُحب لهذا الإمام بحق ! , أن الألباني يقصد آحاد وشُعب أعمال الجوارح وليس ( كل ) العمل , وإلا كان كلامه متناقضا ينقض أوله آخره ! , فتأمّل .

وجدير بالذكر أن الحكم على مسلم أنه لم يعمل شيئا من أعمال الجوارح قط على التفصيل السابق بيانه , هو مسألة خيالية – كما ذكر الألباني رحمه الله – وغير عملية ! ؛ لأنك لا تستطيع أن تحيط علما بما يفعله – أو لم يفعله الرجل ! – في خلواته وفلواته طيلة حياته (!) , وهذا الأمر لا يمكن لأحد إلا الله أن يحيط به علما ، وإذا كان الأمر كذلك فلن يترتب على هذه المسألة أحكام شرعية !!.

إذا علمت هذا , وضح لك مقصود هؤلاء العلماء – ومنهم الألباني – الذين يطلقون القول بأن تارك العمل لا يكفر , أو تارك جنس العمل , أو أشباه هذه العبارات – كما سيأتي في المبحث الثالث إن شاء الله – , فإنهم إنما عَنوا بذلك تارك الصلاة والزكاة والحجّ وعامّة الفرائض , وتارك الصلاة عندهم لا يكفر كما هو قول الجمهور , وإلا فتارك الصلاة يكفر بتركها مطلقا عند القائلين بكفره ولو أتى بكل الأعمال الصالحة , ولا يلزم من ذلك أنهم – أي الألباني ومن وافقه – ينفون عنه كل الأعمال الصالحة مطلقا على التفصيل الخيالي السابق !! , وكما ذكرت أن تارك العمل بهذه الصورة السالفة الذِكر لا يشك في كفره عاقل ! , فضلا عن عالم فاضل ، ولكن لأنها صورة خيالية غير عملية ، فقد أعرض عن ذكرها جمع من العلماء سلفا وخلفا ، وحُقّ لهم ذلك ، لأن الشرائع لم تبن على المسائل الخيالية والافتراضية ! كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم.

ويتبقى في هذا المبحث مسألة :

ما هو توجيه حديث الشفاعة المشهور وقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج أناسا من النار : " لم يعملوا خيرا قط " ويدخلهم الجنة , وفي رواية " فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه "
فكيف نجمع بين قوله " لم يعملوا خيرا قط " , وقوله " بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه " , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل بالكليّة ؟؟!

الجواب : أن هذه الألفاظ خرجت مخرج الأكثر والغالب من حال هؤلاء , والذي ترك الصلاة والزكاة وعامّة الفرائض , هذا فاسق فاجر شديد الفسق ويُخشى عليه من الكفر وسوء الخاتمة , فلا عجب أن يُطلق الشارع الحكيم فيه القول بأنه لم يعمل خيرا قط , أي في غالب أحواله وأكثرها لم يعمل خيرا قط , مع تلبسه بجميع أنواع المعاصي والآثام وإصراره عليها طوال حياته ! حتى يموت , ولكن هذا النفي لا يلزم منه نفي جنس الأعمال الصالحة مطلقا ! , فلا تعارض بين هذا الحديث وأمثاله , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل بالكلية .

وهذا الذي قرّرته ليس غريبا على لغة العرب , وإطلاق التعميم – لغة وشرعا – لا يُراد به الكل دائما ، وإنما قد يراد به الغالب والأكثر أحيانا , كما هو معلوم .

قال الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلاَّم-رحمه الله- في كتابه العظيم (الإيمان):"وإن قال قائل كيف يجوز أن يُقال ليس بمُؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه؟!، قيل هذا كلام العرب المُستفيض عندنا، غير مُستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنه يقولون للصانع إذا كان ليس بمُحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً !!، و إنما وقع معناهم هؤلاء على نفي التجويد، لا على الصنعةِ نفسها، فهُو عندهم عاملٌ بالاسم، وغير عاملٍ بإتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا ، وذلك كرجُلٍ يُعِقُ أباهُ ويبلُغُ منهُ الأذى يُقال: ما هو بولد !، وهُم يعلمون أنه ابن صُلبه." انتهى كلامه رحمه الله ، وهو كلام متين فعض عليه بالنواجذ تسلم من الاضطراب في هذه النصوص المتشابهة، إن شاء الله تعالى.

قال الإمام أبو بكر ابن خزيمة-رحمه الله-في كتاب (التوحيد):"هذه اللفظة (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي تقُول العرب يُنفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام، فمن هذه اللفظة لم يعملوا خيراً قط على الكمال و التمام، لا على ما أوجب عليه به، وقد بيَّنة هذا في مواضع من كتبي".

ومن الأمثلة الواردة في السنة على أن إطلاق التعميم لا يُراد به الكل دائما ، هذا الحديث الذي رواه الإمام النسائي رحمه الله :
من رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ قَالَ لَا , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ "
صحّحه الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن النسائي .

يُستفاد من هذا الحديث أن قوله " لم يعمل خيرا قط " لا يُستفاد منه نفي جميع الأعمال الصالحة عنه بالكلّية مطلقا ! , ودليل ذلك أن الرجل كان يتجاوز عن المعسرين ويتصدق عليهم !! , وهذا من أعظم القربات والأعمال الصالحة , ومع ذلك قيل فيه أنه " لم يعمل خيرا قط " ، وما قيل في هذا الحديث يقال في غيره الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب ، فاعرف هذا واحفظه.

وفي الحديث فائدة أخرى ، وهي أن المسلم الفاسق مع فسقه الشديد ، وتركه لأعمال الجوارح من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك , لابد أن يكون معه شيئ من عمل الجوارح وإن كان قليلا جدا لا يكاد يُذكر , ولكن لا بد منه طالما أن أصل الإيمان القلبي معه , وإن كان هو – أي الإيمان الذي في القلب – أيضا ضعيف جدا , لا يكاد يُذكر مثل عمله الظاهر تماما سواء بسواء , وهذا هو الذي قرره أئمة السلف والخلف , فما أحكمهم وأعلمهم ! , فتأمّل .

المبحث الثالث

بيان مقصود الألباني رحمه الله من بعض إطلاقاته وأنها من الخطأ (اللفظي) لا (العقدي) , وذكر من سبقه إلى بعض هذه الإطلاقات من العلماء سلفا وخلفا , مع بيان أن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله

لا شك أن الشيخ الإمام الألباني رحمه الله بشر يصيب ويخطئ ، ويعلم ويجهل , ويؤخذ من قوله ويُترك , ولا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لذا فقد ورد في كلام الألباني رحمه الله وتقريراته عبارات وإطلاقات حمّالة أوجه , تحتمل الحق والباطل , وهو مسبوق إليها , ولكن بعد ظهور هذه الفتنة التي نعيشها تبيّن أن أدق العبارات وأصلحها هي عبارات السلف الصالح .

ومن ذلك قوله ( أن أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان )

وهذا خطأ بلا شك , والصواب أن يقال الأعمال جزء من الإيمان , أو يقال الإيمان قول وعمل , كما هو المأثور عن السلف الصالح , وهؤلاء العلماء يقولون بهذه العبارات السلفية , ولكن وددنا لو أنهم اقتصروا عليها دون غيرها من العبارات المُحدثة.

والصواب الذي يجب أن يتبعه طلبة العلم إذا سمعوا من يقول – من أهل العلم – أن ( أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان ) ، يجب عليهم أن يستفصلوا منه ، ويسألوه هل تقصد رجلا ما صلى ولا صام ولا زكّى وركب المحرمات بأنواعها ، ولكنه -كما هي طبيعة البشر !- لا يخلو من بعض الأعمال الصالحة مثل برّ الوالدين وزيارتهم مثلا ، أو مساعدة ضعيف ، أو إماطة الأذى ، وغير ذلك من الأعمال الظاهرة الصالحة التي لا يخلو منها بشر – فضلا عن مسلم موحّد – …. ، فإن كان هذا هو قصده فبها ونعمت ، وقد وافق قول السلف القائلين بعدم كفر تارك الصلاة ، ولكن نقول له يا ليتك تركت هذه الألفاظ الموهمة وإلتزمت بأقوال السلف الصالح ، أما إن كان يقصد تلك الصورة الخيالية ! ، فتجده يقول :أقصد رجلا ما صلى ولا صام وزكّى ولا زار والديه مرة ! ، ولا أماط الأذى عن الطريق مرة ، ولا تصدّق على فقير مرة ! ، ولا سقى رجلا ولا حتى كلبا! شربة ماء مرة ! ، ولا فعل أي شيئ يثاب عليه وإن دقّ !! ، فهذا عنده مسلم ناقص الإيمان ! ، فلا شك أنه قد وافق المرجئة في هذه الجزئية ، وهذه الصورة الخيالية التي انطبعت في رأسه ليس لها وجود على كوكب الأرض ! ، وعلى فرض وجودها فلا يجوز للمسلم التردد في تكفير من كان هذا حاله ، إذ لا يفعل ذلك من كان عنده أدنى أدنى حد من الإيمان ، وهذا نقوله على فرض وقوع مثل هذا ! ، وقد علمت أن هذا من الخيال المحض ، ومن المسائل الافتراضية ، وعلى كل حال الصواب هو أن نستفصل من قائل هذه العبارة ولا نتسّرع في إطلاق الأحكام.

ولا عجب أن يخفى على الألباني رحمه الله أو غيره من أهل العلم المعاصرين معنى لفظة ( جنس العمل ) ، فها هو العلامة عبد المحسن العبّاد حفظه الله يقول كما في شرحه على سنن أبي داوود شريط رقم 524 :

السؤال: هل الأعمال شرط كمال أو شرط صحة في الإيمان؟

الجواب: هي جزء منه، ومنها ما هو شرط كمال، ومنها ما هو شرط صحة، فمنها ما يكون لا بد منه لأنه يحصل به الكمال، ومنها ما يحصل به الأساس مثل الصلاة، فإن الصلاة لا يقال: إن الإنسان إذا أتى بها حصل كمالاً وإذا لم يأت بها لم يحصل شيئاً، وهذا على القول الصحيح بأنه كفر. فالكمال بالنوافل، وأما الفرائض فهي على سبيل الوجوب واللزوم، ولا بد منها. وفي هذه الأيام أصبحنا نسمع أن من ترك جنس العمل فإنه يكفر، ومعنى ترك جنس العمل: ترك أي عمل من الأعمال، وهذا هو معتقد الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، فعندهم أن من ترك جنس العمل -أي: ترك أي شيء من العمل- فإنه يكفر، والصواب: أن الأعمال مثلها كمثل جسد الإنسان، فهي متفاوتة، فمنها أشياء إذا ذهبت بقي الإيمان، ومنها أشياء إذا ذهبت ذهب الإيمان، فجسد الإنسان لو قطعت منه أصبعاً بقي الجسد، لكن لو قطع رأسه أو قطع منه شيء قاتل فإنه يذهب.

السؤال: هل أجمع العلماء على أن ترك جنس العمل كفر؟

الجواب:
كيف يكون ذلك والذين يقولون: إن ترك جنس العمل كفر إنما هم الخوارج؟ فهم يقولون: إن الإنسان إذا ارتكب معصية فإنه يخرج من الإيمان ويصير كافراً، ويقول المعتزلة: إنه يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين المنزلتين، لكنهم يتفقون مع الخوارج في كونه خالداً في النار أبد الآباد. ويقابلهم في الجانب الآخر المرجئة، وعندهم أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة، فهم يقولون: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو هو مؤمن ناقص الإيمان، فقولهم: مؤمن، خالفوا فيه الخوارج الذين قالوا: هو كافر، وقولهم: ناقص الإيمان، خالفوا فيه المرجئة الذين قالوا: هو كامل الإيمان، وهما طرفا الإفراط والتفريط، فالمرجئة فرطوا وأهملوا وضيعوا، فقولهم فيه تحلل من الدين، وانفلات من أحكام الشريعة، ويكون مع ذلك مؤمناً كامل الإيمان، والخوارج والمعتزلة أفرطوا حتى أخرجوا المؤمن العاصي من الإيمان، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط كما قال الخطابي : ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم يعني: طرف الإفراط وطرف التفريط. ومعنى جنس العمل: أيّ عمل من الأعمال، وأما إذا ترك العمل فيقال فيه: ترك العمل نهائياً، أو ترك كل الأعمال. ) انتهى كلامه حفظه الله تعالى .

فها هو الشيخ العبّاد حفظه الله اختلط عليه المقصود من هذه اللفظة ( جنس العمل ) ! ، وظنّ أن من يكفّر بترك جنس العمل قد وافق الخوارج !! ، وهذا من الأمثلة على ما ذكرته آنفا أن معنى جنس العمل عند العلماء المعاصرين قد يُراد به الكل وقد يُراد به الغالب ، لذا فالصواب هو الاستفصال من القائل عن مراده من هذه اللفظة ، فتأمّل.

أما قولنا أن العمل ( شرط كمال ) أو ( شرط صحة ) , فهذا خطأ محض لأننا بذلك أخرجنا العمل عن مسمّى الإيمان لفظا ، لأن الشرط خارج الماهية ، والركن داخل الماهية , كما قال العلامة الراجحي حفظه الله , ألا ترى أنك تقول الوضوء شرط صحة للصلاة , مع أن الوضوء ليس جزءا من الصلاة , ويستوي في ذلك قول بعض العلماء ( شرط صحة ) أو ( شرط كمال ) , والصواب والأولى والأكمل أن يقال : العمل ركن وجزء من الإيمان , كما هو مأثور عن السلف الصالح , فتنبّه .

نعم , بعض العلماء يذكرون الشرط بخلاف هذا المعنى , مثل قولهم : أن كذا وكذا من أعمال القلوب من شروط لا إلا إلا الله , ولا يقصدون بداهة أن هذه الأعمال خارج ماهية التوحيد ! , كما أفادني بذلك الشيخ أبو عمر العتيبي حفظه الله

ولكن أقول أن أسباب إنكار هؤلاء العلماء هذه اللفظة متعددة , منها أن هذه اللفظة تسببت في فتن كثيرة جدا بين الشباب , وقد يستغلها بعض الخوارج أو يستغلها بعض المرجئة ليدخلوا على الناس باطلهم ومذهبهم الخبيث , لذا فالصواب هو ما قرره العلامة الراجحي والعثيمين والسحيمي والربيع وغيرهم من الاقتصار على عبارات السلف التي هي أدق العبارات وأحكمها ، سواء قلنا أن (الشرط) داخل أو خارج الماهية.

ولكن لا يُقال أن الألباني رحمه الله – أو غيره ممن وافقه – قد أخرج العمل من مسمّى الإيمان !! بقوله هذا ، والصواب في هذه الفتنة هو أن نستفصل من قائل هذه العبارة وأمثالها ، وما هو مقصوده ؟ ، فإن لازم القول ليس بقول ما لم يلتزمه قائله – كما سيأتي بيانه إن شاء الله – , وكيف نرمي الألباني بهذا وهو يصرّح بأن العمل جزء وركن من الإيمان ، وأنه يزيد وينقص , ويردّ على مرجئة الفقهاء , ويؤكد على أن الخلاف معهم خلافا حقيقيا وليس لفظيا ، ويقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد ، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .

وقد سبق الألباني فيما في لفظه احتمال -وبعضه صريح جدا ! – أن الإيمان يصح بدون أعمال الجوارح , أئمة فحول وعلماء عدول , منهم :

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله :

" وَالْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدهمَا كَوْنه قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَالثَّانِي كَوْنه يَزِيد وَيَنْقُص . فَأَمَّا الْقَوْل فَالْمُرَاد بِهِ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَمَل فَالْمُرَاد بِهِ مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ عَمَل الْقَلْب وَالْجَوَارِح ، لِيَدْخُل الِاعْتِقَاد وَالْعِبَادَات . وَمُرَاد مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيف الْإِيمَان وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْد اللَّه تَعَالَى ، فَالسَّلَف قَالُوا هُوَ اِعْتِقَاد بِالْقَلْبِ ، وَنُطْق بِاللِّسَانِ ، وَعَمَل بِالْأَرْكَانِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَال شَرْط فِي كَمَالِهِ . وَمِنْ هُنَا نَشَأَ ثَمَّ الْقَوْل بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص كَمَا سَيَأْتِي . وَالْمُرْجِئَة قَالُوا : هُوَ اِعْتِقَاد وَنُطْق فَقَطْ . وَالْكَرَامِيَّة قَالُوا : هُوَ نُطْق فَقَطْ . وَالْمُعْتَزِلَة قَالُوا : هُوَ الْعَمَل وَالنُّطْق وَالِاعْتِقَاد وَالْفَارِق بَيْنهمْ وَبَيْن السَّلَف أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَال شَرْطًا فِي صِحَّته وَالسَّلَف جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ . " اهـ فتح الباري , الجزء الأول صفحة 9

قلت ( أبو عبد العظيم ) : وعلى كثرة من تكلّم في أخطاء ابن حجر العقدية في الفتح ، ومع شدة اعتناء العلماء بذلك لأهمية هذا الكتاب ، فلم نجد من تكلّم حول خطأ ابن حجر في هذه العبارة ! ، ولا من رماه بأنه يقول بقول المرجئة في الإيمان !! ، وذلك لأن الناس كانوا يكتفون بما قرّره السلف ، أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وأن الكافر هو من كفّره الله ورسوله بقول أو فعل أو اعتقاد ، هكذا كانت العقيدة سهلة يسيرة وعلى الفطرة ، أما الآن ! ، فقد نسج أهل البدع والضلال شراك ( جنس العمل ) ! ، وفتحوا أبواب الجدل ، فأوقعوا في شباكهم الكثير والكثير من الشباب المسكين ، والله المستعان ، وبعض الناس ينقل عن الشيخ ابن باز تخطئة ابن حجر في هذه العبارة – والله أعلم بصحة ذلك – .

قال الإمام محمد بن إسحاق بن يحي بن منده 310 – 395 هـ :
" ذكر اختلاف أقاويل الناس في الإيمان ما هو « فقالت طائفة من المرجئة : الإيمان فعل القلب دون اللسان ، وقالت طائفة منهم : » الإيمان فعل اللسان دون القلب ، وهم أهل الغلو في الإرجاء « ، وقال جمهور أهل الإرجاء : » الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعا « ، وقالت الخوارج : » الإيمان فعل الطاعات المفترضة كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح « ، وقال آخرون : » الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب الكبائر « ، وقال أهل الجماعة : » الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ، فإذا أتى بهذا الأصل ، فقد دخل في الإيمان ، ولزمه اسمه ، وأحكامه ، ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه ، وفرعه المفترض عليه ، أو الفرائض واجتناب المحارم ، وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان » ، فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين وبعضها بالقلب وبعضها بسائر الجوارح « . فشهادة أن لا إله إلا الله فعل اللسان تقول شهدت أشهد شهادة والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين المسلمين في ذلك والحياء في القلب وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح » " اهـ

كتاب الإيمان لابن منده , الجزء الأول صفحة 209

وها هو الإمام ابن منده رحمه الله يقول أن من قال بلسانه وآمن بقلبه فقد دخل في الإيمان , وحقق أصل الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه , وأنه لا يستكمله إلا بفرعه وهو عمل الجوارح مما افترض عليه

فهل هو مُرجئ ؟؟ أو هل قال بقول المُرجئة ؟؟!!

وقد يقول قائل : كلام الإمام ابن منده هذا عام ومطلق , ولكن له كلام آخر واضح كالشمس يبيّن مقصوده رحمه الله .

قلت : وكذلك الألباني رحمه الله له كلام آخر واضح كالشمس يبيّن مقصوده رحمه الله ! , فوجب حمل كلامه على أحسن المحامل , خاصة وأنه إمام في السنة ، وحرب على المرجئة ، ويؤصّل لمذهب أهل السنة في الإيمان ، ويردّ على خصومهم من أهل الإرجاء قديما وحديثا.

وأيضا من الإطلاقات الواردة في كلام الإمام الألباني رحمه الله قوله :

( أن تارك جنس العمل لا يكفر )

قال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :
" أن الجنس قد يراد به الواحد وقد يراد به الكل وقد يراد به الغالب ، ومن هنا إذا دندن حوله السلفيون حصل بينهم الخلاف الذي يريده التكفيريون وتكثروا بمن يقول به منهم، فيقولون هذا فلان السلفي يقول بتكفير تارك جنس العمل فيجرون الناشيء إلى مذهبهم في تكفير الحكام على منهجهم وإلى رمي علماء السنة بالإرجاء … الخ. " اهـ حفظه الله
من مقال ( كلمة حق حول جنس العمل ) على موقعه الرسمي على الشبكة .

ولا شك أن تارك العمل بالكلّية – على ما سبق تفصيله – كافر بإجماع السلف الصالح , ولكن قد يطلق العالم هذه العبارة ويريد منها تارك الصلاة وعامة الفرائض ( أي غالب آحاد وأفراد الأعمال ) ؛ فيحكم بعدم كفر تارك جنس العمل بهذا الاعتبار , ولا يجعلنا هذا نرميه بالإرجاء أو بقول المرجئة إلا إذا كان ممن عُرفوا بنصرة مذهب المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمّى الإيمان , أو ممن عرفوا بحصر الكفر في كفر التكذيب والجحود فقط – كما وقع ذلك من الحلبي ثم تراجع عنه – , فحينها يردّ عليه ويشنّع عليه ولا كرامة.

ولا شك أن الألباني رحمه الله ليس من هؤلاء , فهو سيف مسلول على المرجئة والخوارج , يعتبر الخلاف مع مرجئة الفقهاء خلافا حقيقيا , ويقول بأن العمل من الإيمان ويزيد وينقص , ويستثني في الإيمان , ويقول أن الإيمان بدون عمل لا يفيد ، فهل يقال عن من قال هذا بأنه مُرجئ ؟؟ أو قال بقول المرجئة !!؟

وقد وردت مثل هذه الإطلاقات في كلام الكثير من العلماء الفحول , فهل يرميهم إخواننا هؤلاء بأنهم يقولون بقول المرجئة !؟

قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :

( من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحداً مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقاً مقراً وإن لم يعمل وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها ) اهـ
التمهيد ( 23/ 290 )

و قال الإمام ابن جرير الطبري وهو يحكي قول أهل السنة في الإيمان:

( قال بعضهم الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن أتى بمعنيين من هذه المعاني الثلاثة ولم يأت بالثالث فغير جائز أن يقال أنه مؤمن ، ولكنه يقال له إن كان اللذان أتى بهما المعرفة بالقلب والإقرار باللسان وهو في العمل مفرّط فمسلم ) التبصير في معالم الدين ( 188 )

قال الإمام ابن رجب رحمه الله :

(ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان ، وبـهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة ) فتح الباري ( مكتبة الغرباء الأثرية ، 1/ 121 )

وقال أيضا بعد أن ساق حديث الشفاعة :

( والمراد بقوله " لم يعملوا خيراً قط " من أعمال الجوارح وإن كان أصل التوحيد معهم ، ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيراً قط غير التوحيد …ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال : " فأقول يارب ائذن لي فيمن يقول : لا إله إلا الله فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله " خرجاه في الصحيحين وعند مسلم " فيقول ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك " وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا خيراً قط بجوارحهم ).اهـ

كتاب التخويف من النار طبعة دار الإيمان الباب الثامن والعشرون ص285 .

وقال الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – (ج 1 / ص 66) :

( تنبيه ) قال القرطبي في تذكرته : قوله في الحديث « من إيمان » أي : من أعمال الإيمان التي هي من أعمال الجوارح ، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من الإيمان ، والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلناه ، ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد ونفي الشركاء والإخلاص بقول لا إله إلا الله : ما في الحديث نفسه من قول " أخرجوا – ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط " يريد بذلك : التوحيد المجرّد من الأعمال" . اهـ ملخصا

فالذي يقوله هؤلاء في حقّ الألباني يلزمهم أن يقولوه في هؤلاء الأئمة الأعلام ! , حيث تطابقت أقوالهم وإن تعددت الألفاظ , ولكن المعنى واحد , فهل سترمونهم – جميعا !! – بأنهم يقولون بقول المرجئة ؟؟!

أم نلزم جادة الصواب ونقول : أن تارك العمل بالكلية – على التفصيل السابق – كافر بإجماع السلف الصالح , ولكن هؤلاء العلماء الفحول ما قصدوا – بداهة- مثل هذه الصورة الخيالية التي نتحدث عنها ! , وكلامهم محمول على من يترك الصلاة وعامة الفرائض والواجبات , أي شُعب أعمال الجوارح وآحادها وإن كثرت وعظمت , كما هو حال أغلب فساق زماننا.

وذكّرتني هذه المسألة بما حدث مع إخواننا هؤلاء منذ سنوات , حينما رموا أهل السنة القائلين بأن تارك الصلاة إذا عُرض على السيف فأبى أن يصلي يقتل حدّا لا ردة ويدفن في مقابر المسلمين – ولا شك أن هذا خطأ محض إذ لا يصبر على القتل دون الصلاة مسلم ! – , والعلماء القائلين بهذا القول أكثر مما تتخيل ! , حتى كاد أن يكون إجماعا ! كما قال العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله , وهم من أئمة المذاهب الأربعة وفقهاء القرون المفضلة وما بعدها , فرموهم إخواننا هؤلاء بأن قولهم هذا إرجاء مبني على إرجاء !! , واستدلوا بكلمة قالها شيخ الإسلام وطاروا بها في الآفاق.

وهذه نبذة من أقوال العلماء – وما أكثرهم ! – الذين رُمِي كلامهم بالإرجاء !

تعليمية الردّ على من قال أن أئمة السُنّة قولهم أقرب للإرجاء ! وأنه خطأ عقديّ خطير !!

وسبب هذه الفتنة القائمة وكذلك أختها القديمة هي أن إخواننا هؤلاء جهلوا – أو تجاهلوا ! – أن لازم القول ليس بلازم ما لم يلتزمه قائله , كما هو مقرّر عند أهل العلم لأن المتكلم قد يذكر الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه وتفطّن له ؛ أنكره أشد الإنكار! , فلا يشّنع على العالم المعروف بسلفيته وحرصه على السنة والعقيدة الصحيحة بلوازم الأقوال خاصة في مثل هذه المسائل الخفيّة ، وكذلك لا يقال عنه أنه يقول بقول أهل البدع !! في هذه المسألة بسبب لازم قوله ، خاصة مع وجود أقوال له أخرى صريحة في ردّ هذا اللازم الفاسد الذي قد يتبادر إلى ذهن البعض – كما هو الحال مع الألباني رحمه الله – , وإلا لزمنا التشنيع على جمع غفير من الأئمة السالف ذكرهم !! , ورميهم بأنهم يقولون بقول المرجئة !! ، ونقول – على طريقة هؤلاء الإخوان ! – : (( هؤلاء كلهم أئمة أعلام وعلماء كبار ، وعلى رؤوسنا وليسوا من المرجئة قطعا ! ، ولكن هم يقولون – جميعا ! بقول المرجئة في الإيمان في هذه المسألة !!! )) ، وهذا ما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:

"وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان: أحدهما لازم قوله الحق فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه ،فان لازم الحق حق و يجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره , وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.

والثاني:لازم قوله الذي ليس بحق فهذا لا يجب التزامه إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض , و قد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه و إلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر لـه فساده لم يلتزمه , لكونه قد قال ما يلزمه و هو لا يشعر بفساد ذلك القول و لا يلزمه .
وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب ؛ هو أجود من إطلاق أحدهما فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله , وما لا يرضاه فليس قوله و إن كان متناقضا . "

انتهى كلامه رحمه الله من القواعد النورانية/ 193

فياله من كلام نوراني (!) , فتأمّل , ولو تفطّن لهذا الكلام ووعاه إخواننا هؤلاء ؛ لما عانينا وتكلفنا عناء الردّ عليهم.

وأخيرا أذكر إخواني هؤلاء وأذكر نفسي , والذكرى تنفع المؤمنين , بقول ابن عساكر : " اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب ". اهـ

فإن كان قولكم في الإمام الألباني رحمه الله أنه يقول بقول المرجئة – وهو برئ من ذلك ! – ليس انتقاصا وطعنا ! , فلا أدري – والله- ما هو الطعن والانتقاص إذا ؟!!

ونقول لكم : من وافقكم من العلماء في نسبة القول بالإرجاء للألباني رحمه الله ؟؟

شبهة والردّ عليها

ويستدل بعضهم بفتوى منسوبة للشيخ الراجحي حول الشيخ الألباني رحمه الله ولا أعلم مدى صحتها , ولكن على فرض ثبوتها , أقول لقد ورد في أول إجابة الشيخ العلامة الراجحي حفظه الله قوله : " فإذا كان قال: إن العمل خارج من مسمَّى الإيمان !! فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه " , وقد كان السائل لبّس على الشيخ حفظه الله سؤاله , وأوهمه أن الشيخ الألباني رحمه الله يقول أن الإيمان ليس ركنا وجزءا من أجزاء الإيمان (!!) ، قائلا -عامله الله بعدله – :

" فضيلة الشيخ، كما تعلمون علم وفضل الشيخ العلامة المحدِّث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وأنه يعتبر ممن جدَّد علم الحديث، ونشر السنَّة، وكان شوكة في حلوق أهل البدع، ولكنه -رحمه الله- أخطأ وغلط في مسألة الإيمان، حيث وافق المرجئة حينما قال: إن العمل شرط كمال، وليس ركنًا وجزءًا من أجزاء الإيمان !!!!! ، فهل من قال هذا الكلام صحيح؟ وهل يُتابع الشيخ، ويقال: إنه حجتي عند الله؟ فإن طلاب الشيخ إذا ناقشناهم قالوا هذا الكلام ، وزعموا أن الشيخ أعرف بمذهب السلف ؟ " انتهى كلام السائل هداه الله

فياله من سؤال مُخادع باطل !! ، وقوله أن الألباني قال أن العمل ليس ركنا وجزءا من أجزاء الإيمان !!! ، محض افتراء على الألباني وكذب صراح ! , وقديما قالوا السؤال نصف الإجابة ! ، والجواب يخرج على قدر السؤال ، ومع ذلك فقد تفطّن الشيخ الراجحي حفظه الله – إن صح النقل عنه – فقال ما نصه :

" فإذا كان قال – يعني الألباني – : إن العمل خارج من مسمَّى الإيمان !!! فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه، وأبو حنيفة إمام من الأئمة، وسبق أن الخلاف بينه وبين أهل السنة خلاف لفظي، لا يترتب عليه فساد في العقيدة" . انتهى

والجواب أن الألباني رحمه الله يقول بأن العمل جزء وركن أصيل من أركان الإيمان ، كما تقدّم ، ولم يقل بهذا الذي سأل عنه السائل تلبيسا أو جهلا !! ، ومن زعم بخلاف ذلك فعليه البيّنة ، أو سيكون الألباني حجيجه أمام رب العباد ! ، إذ قد افتروا على هذا الإمام وقوّلوه ما لم يعتقده طرفة عين ! ، وعليه فما بني على باطل فهو باطل ! ، ولا مُتمسّك لهم بفتوى الراجحي – إن صحّت – ، وحاق بهم ما كانوا يمكرون ، والحمد لله رب العالمين.

وأورد بعضهم كلاما للشيخ السحيمي حفظه الله يقول فيه : (… وعنده إطلاقات – يقصد الحلبي – يدخل منها المرجئة ، عنده إطلاقات يخشى عليه أن يستغلها المرجئة ويدخلون معه . إطلاقاته هذه كقوله أحياناً ، كقوله أن الكفر إعتقادي وأن العملي لايُكفّر ؛ فهذا غير صحيح ، ولايوافق عليه ،حتَّى شيخنا الشيخ ناصر – رحمه الله – على فضله وقدره ، لانوافقه على هذه القضية ، فمن الكفر العملي ما يخرج من الملة ، كسبِّ الله ورسوله والسجود للصنم والاستهزاء بالسنة ، هذا كله كفر يخرج عن ملة الاسلام …)

قلت : وكذلك الألباني رحمه الله يقول بأن سبّ الله ورسوله والسجود للصنم والاستهزاء بالسنة كفر مخرج من الملة ، فلا يوجد خلاف أصلا ! ، وغاية ما في كلام الشيخ السُحيمي أنه ينكر الإطلاقات الخاطئة – الغير مقصودة – التي وقع فيها الألباني ، بل وقع فيها أئمة أعلام ! – كما مر معنا في هذه المقالة – ، وليس فيه أبدا أن الشيخ السحيمي حفظه الله يوافق من يرمي الألباني بأنه يقول بقول المرجئة !!! ، بل كلمة الشيخ السُحيمي في ذلك معروفة إذ يصف من يرمي الألباني بالإرجاء بأنه خطأ واضح ، وزلل فاضح ، فلله دره.

وخلاصة المسألة ، أن تخطئة الألباني في بعض إطلاقاته – التي هو مسبوق إليها من بعض العلماء كما قال العلامة السحيمي – لا حرج فيها ، وما من عالم إلا له هفوة وكبوة ، أما رمي الألباني بالإرجاء !!! ، أو بأنه يقول بقول المرجئة في الإيمان !!! ، فهذا محض افتراء على الألباني ! ، ولم يقل به أحد من العلماء ، وهو غلوّ فاحش وخطأ مقيت ، لا يخرج إلا من صاحب هوى أو جاهل ، وأحلاهما مرّ !، والحق الذي لا مرية فيه أن الألباني سيف مسلول على المرجئة، ولكن له بعض الإطلاقات الخاطئة التي قد يستغلها أصحاب العقائد الإرجائية الباطلة جهلا أو مكرا ! ، لذا فينبغي على طلبة العلم السلفيين أن يبيّنوا عقيدة الإمام الألباني من أقواله وعباراته الواضحة الجليّة ، وأن يحذّروا العوام وغيرهم من طلبة العلم من التعلّق بإطلاقاته التي قد يُفهم منها عكس ما أراده الإمام الألباني ! ، وخلاف ما كان يدين الله به ويعتقده رحمه الله تعالى.

نسأل الله أن يرحم إمامنا الألباني ، وأن يجمعنا به في مستقر جنّته، وأن يوفّق إخواننا هؤلاء لطريق الرشاد ، وأن يهديهم للبعد عن الظلم والعناد، قبل أن يقفوا بين يدي الجبار يوم التناد.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه
أبو عبد العظيم محمود بن إبراهيم الأثري
عفا الله عنا وعنه –




جزاكم الله خيرا بحث قيم جدا

رحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة و نفع بعلمه




جزاك الله خيرا ,ورحم الله الشيخ