ليلة القدر في ( الأشفاع ) أحيانًا
الشيخ محمد سعيد رسلان
( المادة متوفرة صوتيًا rm & mp3 ومرئيًا wmv ) رابط الدرس :
|
||
ليلة القدر في ( الأشفاع ) أحيانًا
الشيخ محمد سعيد رسلان
( المادة متوفرة صوتيًا rm & mp3 ومرئيًا wmv ) رابط الدرس :
|
||
الحث على اغتنام ما تبقىٰ من رمضان، والحرص على تحرِّي ليلة القدر
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في إحدى خطبه
أمَّا بعد: أيُّها النَّاس اتقوا الله تعالىٰ، واغتنموا مواسم الخير بعمارتها بما يُقرِّبُ إلىٰ ربِّكم، واحذروا من التَّفريط والإضاعة، فستندمون علىٰ تفريطكم وإضاعتكم.
إخواني من لم يربح في هٰذا الشهر الكريم ففي أي وقتٍ يربح؟! ومن لم يُنِب فيه إلىٰ مولاه ففي أي وقت يُنيب ويُصلِح؟! ومن لم يَزل متقاعدًا عن الخيرات، ففي أي وقت تحصل له الاستقامة، ويفلح؟!
فبادروا -يرحمكم الله- فرص هٰذا الشهر قبل فواتها، واحفظوا نفوسكم عما فيه شقاؤها وهلاكها.
ألا وإنَّ شهركم الكريم قد أخذ بالنقص والاضمحلال، وشارفت لياليه وأيامه الثمينة على الانتهاء والزوال، فتداركوا أيُّها المسلمون ما بقِيَ منه بصالح الأعمال، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم لذي العظمة والجلال.
واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فأحسنوا الختام.
لقد مضىٰ مِن هٰذا الشهر الكريم الثلثان، وبقِيَ منه الثُّلث؛ وقت العشر الحسان، فاغتنموها بالعزائم الصادقة، وبذل المعروف والإحسان، وقوموا في دياجيها لربكم خاضعين ولبره وخيراته راجين ومؤملين ومن عذابه وعقابه مستجيرين مستعيذين، فإنَّه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وهو الذي يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
وهو الذي ينزلُ كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيعرض على عباده الجود والكرم والغفران يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
وفي هٰذه العشر:ليلة القدر المباركة التي يُفرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم، ويُقدَّر فيها ما يكون في تلك السَّنَة بإذن العزيز العليم الحكيم، تنزِل فيها الملائكة من السماء، وتكثُر فيها الخيرات والمصالح والنعماء، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من الذنوب، ومن فرط فيها، وحُرِمَ خيرها فهو الملوم المحروم.
أبهمها الله تعالىٰ في هٰذه العشر، فلم يُبيِّن عينها؛ ليتزود الناس في جميع ليالي العشر من التهجد والقراءة والإحسان، وليتبين بذٰلك النشيط في طلب الخيرات من الكسلان، فإن الناس لو علموا عينها لاقتصر أكثرهم علىٰ قيام تلك الليلة دون ما سواها، ولو علموا عينها ما حصل كمال الامتحان في علو الهمة وأدناها.
فاطلبوها -رحمكم الله- بجدٍّ وإخلاص، واسألوا الله فيها الغنيمة من البرِّ والخيرات والسلامة من الإفلاس.
بورك فيك واحسن الله إليك
فأجاب :
آخر الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين ولكنها ليست هي ليلة قدر جزماً بل هي أرجأها ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم أن ليلة القدر تتنقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين وتارة تكون في ليلة ثلاثة وعشرين وفي ليلة خمس وعشرين وفي ليلة سبع وعشرين وفي ليلة تسع وعشرين وفي الأشفاع أيضاً قد تكون وقد أخفاها الله عز وجل عن عباده بحكمتين عظيمتين إحداهما أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها ويصيبها فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط والحكمة الثانية أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلي ربهم لينتفعو به أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث عائشة أنها قالت يا رسول الله أريت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال (قولي اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عني) فهذا من أفضل الأدعية التي تقال فيها وأما علامتها فإنها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع فيها وهذه علامة متأخرة وفيها علامات أخرى كزيادة الأنوار زيادة النور فيها وطمأنينة المؤمن وراحته وانشراح صدره كل هذه من علامات ليلة القدر .
المصدر : من برنامج نور على الدرب – موقع الشيخ –
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع معلقا على كلام المؤلف رحمه الله تعالى (وَتُرْجَى لَيْلَةُ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأواخِرِ مِنْ رَمَضان وأوتاره آكد.
وَلَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أبلَغُ ويَدْعُوا فِيها بِمَا وَرَدْ.)
وليلة القدر اختلف العلماء في تعيينها على أكثر من أربعين قولاً، ذكرها الحافظ ابن حجر في شرح البخاري.
وفي ليلة القدر مباحث:
المبحث الأول: هل هي باقية أو رفعت؟
الجواب: الصحيح بلا شك أنها باقية، وما ورد في الحديث أنها رفعت، فالمراد رفع علم عينها في تلك السنة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رآها ثم خرج ليخبر بها أصحابه فتلاحى رجلان فرفعت[(496)]، هكذا جاء الحديث.
المبحث الثاني: هل هي في رمضان، أو غيره؟
الجواب: لا شك أنها في رمضان وذلك لأدلة منها:
أولاً: قوله تعالى: {{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}} [البقرة: 185] ، فالقرآن أنزل في شهر رمضان، وقد قال الله ـ تعالى ـ {{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *}} [القدر] ، فإذا ضممت هذه الآية إلى تلك تعين أن تكون ليلة القدر في رمضان، لأنها لو كانت في غير رمضان ما صح أن يقال: {{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}}.
وهذا دليل مركب، والدليل المركب لا يتم الاستدلال به إلا بضم كل دليل إلى الآخر، والأدلة المركبة لها أمثلة منها هذا المثال.
ومنها أقل مدة الحمل الذي إذا ولد عاش حياً، هي ستة أشهر، علمنا ذلك من قوله تعالى: {{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا}} [الأحقاف: 15] وقال في آية أخرى {{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}} [لقمان: 14] فإذا أسقطنا العامين من ثلاثين شهراً بقي ستة أشهر فتكون مدة الحمل.
المبحث الثالث: في أي ليلة من رمضان تكون ليلة القدر.
الجواب: القرآن لا بيان فيه؛ في تعيينها، لكن ثبتت الأحاديث أنها في العشر الأواخر من رمضان، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم «اعتكف العشر الأولى من رمضان، يريد ليلة القدر، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قيل: إنها في العشر الأواخر، وأريها صلّى الله عليه وسلّم، وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وفي ليلة إحدى وعشرين من رمضان، وكان معتكفاً صلّى الله عليه وسلّم فأمطرت السماء فوكف المسجد ـ أي: سال الماء من سقفه ـ وكان سقف مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم من جريد النخل فصلى الفجر صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه، ثم سجد على الأرض، قال أبو سعيد: فسجد في ماء وطين حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهته» [(497)] فتبيَّن بهذا أنها كانت في ذلك العام ليلة إحدى وعشرين.
وأري جماعة من أصحابه ليلة القدر في السبع الأواخر فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر» أي اتفقت «فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» ، وعلى هذا فالسبع الأواخر أرجى العشر الأواخر، إن لم يكن المراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر» [(498)] أي في تلك السنة، فهذا محتمل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر كلها إلى أن مات، فيحتمل أن يكون معنى قوله «أرى رؤياكم قد تواطأت» أي: في تلك السنة بعينها، لم تكن ليلة القدر إلا في السبع الأواخر، وليس المعنى في كل رمضانٍ مستقبلٍ تكون في السبع الأواخر، بل تبقى في العشر الأواخر كلها.
المبحث الرابع: هل ليلة القدر في ليلة واحدة كل عام أو تنتقل؟
في هذا خلاف بين العلماء.
والصحيح أنها تتنقّل فتكون عاماً ليلة إحدى وعشرين، وعاماً ليلة تسع وعشرين، وعاماً ليلة خمس وعشرين، وعاماً ليلة أربع وعشرين، وهكذا؛ لأنه لا يمكن جمع الأحاديث الواردة إلا على هذا القول، لكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، ولا تتعين فيها كما يظنه بعض الناس، فيبني على ظنه هذا، أن يجتهد فيها كثيراً ويفتر فيما سواها من الليالي.
والحكمة من كونها تتنقل أنها لو كانت في ليلة معينة، لكان الكسول لا يقوم إلا تلك الليلة، لكن إذا كانت متنقلة، وصار كل ليلة يحتمل أن تكون هي ليلة القدر صار الإنسان يقوم كل العشر، ومن الحكمة في ذلك أن فيه اختباراً للنشيط في طلبها من الكسلان.
المبحث الخامس: في سبب تسميتها ليلة القدر.
فقيل: لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عزّ وجل ، وبيان إتقان صنعه، وخلقه فهناك:
كتابة أولى وهذه قبل خلق السموات والأرض، بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ، وهذه كتابة لا تتغير ولا تتبدل لقول الله تعالى: {{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ *}} [الرعد] أي: أصله الذي هو مرجع كل ما يكتب.
الكتابة الثانية عُمُرية، فيكتب على الجنين عمله، ومآله، ورزقه، وهو في بطن أمه، كما ثبت هذا في الحديث الصحيح حديث ابن مسعود المتفق عليه[(499)].
الكتابة الثالثة، الكتابة السنوية، وهي التي تكون ليلة القدر، ودليل هذا قوله تعالى: {{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *}} [الدخان] يفرق، أي: يفصل ويبين كل أمر حكيم، وأمر الله كله حكيم.
وقيل: سميت ليلة القدر، من القدر وهو الشرف، كما تقول: فلان ذو قدر عظيم، أي: ذو شرف؛ لقوله تعالى: {{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *}} [القدر] .
وقيل: لأن للقيام فيها قدراً عظيماً، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [(500)] وهذا لا يحصل في قيام ليلة سوى ليلة القدر، فلو أن الإنسان قام ليلة الاثنين والخميس أو غيرهما، في أي شهر لم يحصل له هذا الأجر.
المبحث السادس: ورد أن من قام ليلة القدر غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: كل حديث ورد فيه «وما تأخر» غير صحيح؛ لأن هذا من خصائص النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ حتى أهل بدرٍ ما قيل لهم ذلك؛ بل قيل: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» [(501)]؛ لأنهم فعلوا هذه الحسنة العظيمة في هذه الغزوة، فصارت هذه الحسنة العظيمة كفارة لما بعدها، وما قاله ـ رحمه الله ـ صحيح.
قوله: «وأوتاره آكد» أي: أوتار العشر آكد؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «التمسوها في كل وتر» [(502)] فما هي أوتاره؟
الجواب: إحدى وعشرون، ثلاث وعشرون، خمس وعشرون، سبع وعشرون، تسع وعشرون، هذه خمس ليال هي أرجاها، وليس معناه أنها لا تكون إلا في الأوتار، بل تكون في الأوتار وغير الأوتار.
تنبيه: هنا مسألة يفعلها كثير من الناس، يظنون أن للعمرة في ليلة القدر مزية، فيعتمرون في تلك الليلة، ونحن نقول: تخصيص تلك الليلة بالعمرة بدعة؛ لأنه تخصيص لعبادة في زمن لم يخصصه الشارع بها، والذي حث عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة القدر هو القيام الذي قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيه: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [(503)] ولم يرغب في العمرة تلك الليلة، بل رغب فيها في الشهر فقال: «عمرة في رمضان تعدل حجاً» [(504)] فتخصيص العمرة بليلة القدر، أو تخصيص ليلة القدر بعمرة هذا من البدع.
ولما كانت بدعة صار يلحق المعتمرين فيها من المشقة الشيء العظيم، حتى إن بعضهم إذا رأى المشقة في الطواف، أو في السعي انصرف إلى أهله، وكثيراً ما نُسْأَلُ عن هذا، شخص جاء يعتمر ليلة السابع والعشرين، فلما رأى الزحام تحلل، فانظر كيف يؤدي الجهل بصاحبه إلى هذا العمل المحرم، وهو التحلل من العمرة بغير سبب شرعي.
إذاً ينبغي لطلبة العلم، بل يجب عليهم أن يبينوا هذه المسألة للناس.
أما إكمال هذه العمرة فواجب؛ لأنه لما شرع فيها صارت واجبة، كالنذر أصله مكروه ويجب الوفاء به إذا التزمه، ولا يحل له أن يحل منها، وإنما البدعة هي تخصيص العمرة بتلك الليلة.
قوله: «وليلة سبع وعشرين أبلغ» أي: أبلغ الأوتار وأرجاها أن تكون ليلة القدر، لكنها لا تتعين في ليلة السابع والعشرين.
فإن قال قائل: هل ينال الإنسان أجرها، وإن لم يعلم بها؟
فالجواب: نعم، ولا شك، وأما قول بعض العلماء إنه لا ينال أجرها إلا من شعر بها فقول ضعيف جداً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً» [(505)] ولم يقل عالماً بها، ولو كان العلم بها شرطاً في حصول هذا الثواب لبينه الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
المبحث السابع: في علامات ليلة القدر.
ليلة القدر لها علامات مقارنة وعلامات لاحقة.
أما علاماتها المقارنة فهي:
1 ـ قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار.
2 ـ الطمأنينة، أي: طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة، وانشراح صدر في تلك الليلة، أكثر مما يجده في بقية الليالي.
3 ـ قال بعض أهل العلم: إن الرياح تكون فيها ساكنة، أي: لا يأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً[(506)].
4 ـ أن الله يُري الإنسانَ الليلةَ في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة.
5 ـ أن الإنسان يجد في القيام لذة ونشاطاً، أكثر مما في غيرها من الليالي.
أما العلامات اللاحقة:
فمنها: أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية، ليست كعادتها في بقية الأيام[(507)].
وأما ما يذكر أنه يقل فيها نباح الكلاب، أو يعدم بالكلية، فهذا لا يستقيم، ففي بعض الأحيان ينتبه الإنسان لجميع الليالي العشر، فيجد أن الكلاب تنبح ولا تسكت، فإن قال قائل ما الفائدة من العلامات اللاحقة؟ فالجواب: استبشار المجتهد في تلك الليلة وقوة إيمانه وتصديقه، وأنه يعظم رجاؤه فيما فعل في تلك الليلة.
قوله: «ويدعو فيها بما ورد» أي: يستحب أن يدعو فيها بما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ومنه: «اللهم إنك عفو تحبّ العفو فاعف عني» لحديث عائشة أنها قالت: أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر، فما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [(508)] فهذا من الدعاء المأثور، وكذلك الأدعية الكثيرة الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا يمنع من الزيادة على ما ورد فالله ـ عزّ وجل ـ قال: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ أَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}} [الأعراف: 55] وأطلق، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى شراك نعله» [(509)] والناس لهم طلبات مختلفة متنوعة فهذا مثلاً يريد عافية من سقم، وهذا يريد غنى من فقر، وهذا يريد النكاح من إعدام، وهذا يريد الولد، وهذا يريد علماً، وهذا يريد مالاً، فالناس يختلفون.
وليعلم أن الأدعية الواردة خير وأكمل وأفضل من الأدعية المسجوعة، التي يسجعها بعض الناس، وتجده يطيل، ويذكر سطراً أو سطرين في دعاء بشيء واحد ليستقيم السجع، لكن الدعاء الذي جاء في القرآن أو في السنة، خير بكثير مما صنع مسجوعاً، كما يوجد في بعض المنشورات.
السلام عليكم اخواني اردت اليوم ان القي اليكم شعرا كتبته بقلمي
لربما هدا سيكون اعتراف لاني لم اره لاحد بعد عنوانه حياة كتبها القدر
صــبآآآآآآآآآآآآآحكم أحلى وردٍ ،
بعدَ تفكيرٍ { قررتُ أن أجعل بهذه الصفحة } بطاقة لي ،
فقط لأني احترفتُ فنّ الصمتِ وأبجدياته ، سأكتب بصمت
ربمآآآآ ليس ضروري أن تقرأوآ مآ أكتبْ
ولستُ أستحلفكم بالردِّ
هي شحنآآآآآآآآآآآت إن لم تنسكب هاهنآآآ فلربمآآآآ ســـ{ أندثر } ولربمآآآ قريبآ سأتمردْ
فقط لأني { عفوية } مع غيري ، وصريحة حدّ الأفق بل فاقه انشراحآآآ مع نفسي ،
أتيتُ لسطور صفحاتكم كي أخربش بعض وساوس وشوشات قدري
سأعترفُ إن كآآآن الخطأ منّي
سأتحمل جنون من حولي
وسأكتبُ دون توقف
هي غلطتِـيْ وأتحمٌلهَـآ يُوم أعَـآملهُمْ بطيبْه !
كُنت أحسبُ النِـآسَ مثلي.. [ وآضحينَ ] النوآيِـآَ
~ هنآآآآ ~
القلم والحبر و الأوراق تأسرني
والدمع أذرفه بين نقطة حبر وفاصلة منّي
~ هنآآآآ ~
سأفتتح مدونة أحلامي ، مدونة جزُر أوهامي
~ هنآآآآآ ~
سأنتــــــــظرْ /
وكآآآآآآن اليوم بتآريخ على مقربة من شهر رمضآن المبآرك
كآن لي قلم هنآ ، تركته بسطور صفحآتكم
غبت ، وعدتُ … ولي حروف سأقصهآ هنآ … معكم
على بركة الله … سأفتح المدونة ..
فهم {…
عندمآ يتغيرونّ . .
حين أتأمل اتساع السماء،
أدرك أن الضيق سيتلاشى !
{ وابتسمـ {
لأني أجزم أن الحزن إبتلاء ،
وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم !
.
فضفضة ألمهآ من بين زوآيا الزمن .. كالعآدة دومآ
.
هو اليوم بتاريخ 3/5/ 2022
استقليتُ قطارا دون تذكرة ، حملتُ حقائبي وتوجهت لإحدى العربات المستقلة ، جلست قرب نافذة كانت الشمس قد لاحت عليهااليوم على غير عادتها فبالأمس كانت ثلوج بغزارة تنهمر ، رفعت بصري متأملة قمم الجبال ، تردّدتْ على مسامعي حينها كلماتٌ ، دون صوت ، كلمات أنّ لا حياة مع اليأس … جلست غارقة في مد اللانهائي ، قدم عجوز ، مسنّ بيديه كانت علبة السجائر ،جلس يتأملني بهدوء حاول ان لا يقطع شرودي في ماوراء اللحظة ، بعد هنيهات انطلق القطار بغير صافرة ، اقلع دون اي تنبيه للركاب انتابني شعور غريب وكأن القطار لن تكون له عودة ، وكأنها آخر سفراته معي انا …. اهتز بدني اردتُ ان اتراجع وان انزل ، لكن العجوز بنظراته قيدني وكأنه يقول : بنيتي قف عندك …فابتسمت وقلت الجو مشمس اليوم اراه صباحا رائقا …ماقولك سيدّي انظر هناك بالأفق طير يُحلق ، ابصر عاليا نسر يُرفرف ، اوقن ان الشمس لن تطل وستشرق ، سيدي بالعربات الاخريات الكثير من امثالنا قسى الواقع عليهم فرمتهم النسمات وجرفهم التيار بهذه المحطة …
دون ردة فعل تبسّم ، واشعل سيجارته لينثر غيمات دخان وتغيّم ، تأوه بآآآآه تُجّمد الانفاس وبتعاليم وجهه تهجّم ، احسسْتُ ان بحلقه كلام لا يسعه البحر ولا المد واليمّ …قلتُ له : عمّي بربك أخبرني لا تصمتْ وبأمرك تُحيّرني.. تكلم وروّح عن نفسك ارجوك ريّحني هنا سنتشارك الآه ونتقاسم شربة الماء ، عمّي مادهاك اعلمني ، تركتَ من حولك اين الوجهة كلّمني …قال سارحلُ الى جزيرة قالوا عنها شاطئ احلام ، مللتُ نفس الروتين والاوهام ، غريبٌ وسط احبتي وسط الاخوة والخلّان ..بُنيتي لا تشغلي نفسك بعجوز طغى عليه الزمن وغالبته الأيام اخبريني قصتك اراكِ وربّ العزة كجثة هامدة ، قولي مافعلتْ الاقدار بك ، بُنيتي ارى الدمع يتساقط زخاتٍ زخاتْ ، رغم انك تعاندين وتقيدينه بكبرياء دون ايّ مبالاة … ما اسمك بُنيتي ، من اين اقبلتِ ، والى اين الوجهةُ قولي ..ردّي عليّ ياصغيرة ، نصيحة مني تبسّمي لا تلتفتي لإي جانب وبدربك واصلي ، يا صغيرة ارضاء الناس غاية لن تُدرك ثقي بي ، فليكن همك ارضاء نفسك ورسم ابتسامة لن تمّحي ولو مر الزمن وتوالت الازمان ، ثقي بي لا زال الدرب طويل رُبما ستنزلين بعد قليل ، وإلــّا ستكملين المسير …
رسالة في القضاء والقدر
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلٌغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد
فيا أيها الإخوة الكرام : إننا في هذا اللقاء الذي نرجو أن يفتح الله علينا فيه من خزائن فضله ورحمته وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن القادة المصلحين ومن المستمعين ، المنتفعين ، نبحث في أمر مهم يهم جميع المسلمين ألا وهو ((قضاء الله وقدره )) والأمر ولله الحمد واضح، ولولا أن التساؤلات قد كثرت ولولا أن الأمر اشتبه على كثير من الناس، ولولا كثرة من خاض في الموضوع بالحق تارة وبالباطل تارات ونظراً إلى أن الأهواء انتشرت وكثرت وصار الفاسق يريد أن يبرر لفسقه بالقضاء والقدر ، لولا هذا وغيره ما كنا نتكلم في هذا الأمر .
والقضاء والقدر ما زال النزاع فيه بين الأمة قديما وحديثا فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك وأخبر أنه ما أهلك الذين من قبلكم ألا هذا الجدال(1).
ولكن فتح الله على عباده المؤمنين السلف الصالح الذين سلكوا طريق العدل فيما علموا وفيما قالوا وذلك أن قضاء الله تعالى وقدره من ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه فهو داخل في أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي قسم أهل العلم إليها توحيد الله عز وجل :
القسم الأول : توحيد الألوهية ، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة .
القسم الثاني : توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير .
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات ، وهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته .
فالأيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل ولهذا قال الأمام احمد رحمه الله تعالى : القدر قدرة الله.ا.هـ لأنه من قدرته ومن عمومها بلا شك وهو أيضاً سرٌ الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . مكتوب في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون الذي لا يطٌلع عليه أحد ونحن لا نعلم بما قدّره الله لنا أو علينا أو بما قدَّره الله تعالى في مخلوقاته إلا بعد وقوعه أو الخبر الصادق عنه .
والأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا : أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وإنما هو مسير لا مخير كالشجرة في مهب الريح ، ولم يفرقوا بين فعل العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره . ولا شك أن هؤلاء ضالون لأنه مما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
القسم الثاني : غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد إلا بعد أن يقع منهم وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيماً في إثبات قدرة العبد واختياره .
القسم الثالث: وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي وقالوا إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى- من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وإنبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها مشيئة وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .
القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها وإرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك إليهم قال الله تعالى ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) (التكوير :28) وقال تعالى(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران 152) وقال تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 ) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك .
وكذلك الإنسان يعرف انه إذا أصيب بمرض سلس البول فإن البول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليماً من هذا المرض فإن البول يخرج منه باختياره . ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما . وهكذا جميع ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو باختيار العبد ولكن لا يلحقه منه شيء كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف : 18 ) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لان النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله ، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول صلى الله عليه وسلم ( من نسى وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )[2]
فنسب هذا الإطعام وهذا الإسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون الألم هذا ناشئاً من فعل هو الذي اكتسبه أو هذا الفرح ناشئاً من شي هو الذي اكتسبه وهذا الأمر ولله الحمد واضح لا غبار عليه .
ولو قلنا بقول الفريق الأول الذين غلوا في إثبات القدر لبطلت الشريعة من أصلها لأن القول بأن فعل العبد ليس له فيه اختيار يلزم من أن لا يحمد على فعل محمود ولا يلام على فعل مذموم لأنه في الحقيقة بغير اختيار وإرادة منه وعلى هذا فالنتيجة إذن أن الله تبارك وتعالى يكون ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ ظالماً لمن عصى إذا عذبه وعاقبه على معصيته ، لأنه عاقبة على أمر لا اختيار له فيه ولا إرادة وهذا بلا شك مخالف للقران صراحة يقول الله تبارك وتعالى : ( وقال قرينه هذا ما لدى عتيد (23) القيا في جهنم كل كفار عنيد(24) مناعٍ للخير معتدٍ مريبٍ (25) الذي جعل مع الله آلهاً آخر فالقياه في العذاب الشديد (26)قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد(27) قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد(28) ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) [ ق :23- 29 ] .
فبين سبحانه أن هذا العقاب منه ليس ظلماً بل هو كمال العدل لأنه قد قدم إليهم بالوعيد وبين لهم الطرق وبين لهم الحق وبين لهم الباطل ولكنهم اختاروا لأنفسهم أن يسلكوا طريق الباطل فلم يبق لهم حجة عند الله عز و وجل ولو قلنا بهذا القول الباطل لبطل قول الله تعالى : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء : 165 ] فإن الله تبارك وتعالى نفى أن يكون للناس حجة بعد إرسال الرسل لأنهم قامت عليهم الحجة بذلك فلو كان القدر حجة لهم لكانت هذه الحجة باقية حتى بعد بعث الرسل لان قدر الله تعالى لم يزل ولا يزال موجوداً قبل إرسال الرسل وبعد إرسال الرسل أذن فهذا القول تبطله النصوص ويبطله الواقع كما فصلنا بالأمثلة السابقة .
أما أصحاب القول الثاني فإنهم أيضا ترد عليهم النصوص والواقع ذلك لان النصوص صريحة في أن مشيئة الإنسان تابعة لمشيئة الله عز وجل ( لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ التكوير : 28 ، 29 ] ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) [ القصص:68 ] ( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) [ يونس : 25 ] .
والذين يقولون بهذا القول هم في الحقيقة مبطلون لجانب من جوانب الربوبية وهم أيضا مدعون بأن في ملك الله تعالى ما لا يشاء ولا يخلقه والله تبارك وتعالى شاء لكل شي خالق لكل شي مقدر لكل شي وهم أيضا مخالفون لما يعلم بالاضطرار من أن الخلق كله ملك لله عز وجل ذواته وصفاته لا فرق بين الصفة والذات ولا بين المعنى وبين الجسد أذن فالكل لله عز وجل ولا يمكن أن يكون في ملكه ما لا يريد تبارك وتعالى ولكن يبقى علينا إذا كان الأمر راجعاً إلى مشيئة الله تبارك وتعالى وأن الأمر كله بيده فما طريق الإنسان أذن وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قدر عليه أن يضل ولا يهتدي ؟
فنقول الجواب عن ذلك . أن الله تبارك وتعالى إنما يهدى من كان أهلاً للهداية ، ويضل من كان أهلاً للضلالة ، يقول الله تبارك وتعالى .( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) [ الصف :5] ويقول تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ) [المائدة :13] .
فبين الله تبارك أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد كما أسلفنا آنفاً لا يدرى ما قدر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور .
فهو لا يدرى هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟ فما باله يسلك طريق الضلال ثم يحتج بان الله تعالى قد أراد له ذلك أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول أن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم ؟ أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة وقدريا عند الطاعة كلا لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية فإذا ضل أو عصى الله قال هذا أمر قد كتب علي وقدر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله وقدر وإذا كان في جانب الطاعة ووفقه الله للطاعة والهداية زعم أن ذلك منه ثم منّ به على الله وقال أنا أتيت به من عند نفسي فيكون قدرياً في جانب الطاعة جبرياً في جانب المعصية هذا لا يمكن أبداً فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق وبأخفى من أبواب طلب العلم . والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قدر له ما قدر من الرزق ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً لا يجلس في بيته ويقول إن قدر لي رزق فانه يأتيني ، بل هو يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .من حديث ابن مسعود رضى الله عنه ( أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد )[3]. فهذا الرزق أيضا مكتوب كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لزرق الدنيا ولا تعمل عملاً صالحاً لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم إن البابين واحد ليس بينهما فرق فكما انك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ومع ذلك فإن لك ما قدر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قدر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس إن يقدر الله الشفاء على يديه فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفي العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟ وقد سبق أن قلنا أن القضاء سر مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه فأنت الآن بين طريقين:
1- طريق يؤدى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة.
2- طريق يؤدى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة.
وأنت الآن واقف بينهما ومخير ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ولا من سلوك طريق الشمال إذا شئت ذهبت إلى هذا وإذا شئت ذهبت إلى هذا فما بالك تسلك الطريق الشمال ثم تقول أنه قد قدر علي آفلا يليق بك أن تسلك طريق اليمين وتقول إنه قد قٌدٌر لي فلو أنك أردت السفر إلى بلد ما وكان أمامك طريقان إحداهما معبد قصير آمن والآخر غير معبد وطويل ومخوف لوجدنا أنك تختار المعبد القصير الآمن ولا تذهب إلى الطريق الذي ليس بمعبد وليس بقصير وليس بآمن هذا في الطريق الحسي إذن فالطريق المعنوي مواز له ولا يختلف عنه أبداً ولكن النفوس والأهواء هي التي تتحكم أحياناً في العقل وتغلب على العقل والمؤمن ينبغي أن يكون عقله غالبا على هواه وإذا حكم عقله فالعقل بالمعنى الصحيح يعقل صاحبه عما يضره ويدخله فيما ينفعه ويسره .
بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً ليس إجبارياً وأنه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً وهو إن شاء جعل هذه السلعة أو تلك تجارته ، فكذلك أيضاً هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً ، بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا لأن بيّن طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فلابد أن تكون طرق الآخرة أكثر بياناً أجلى وضوحاً من طرق الدنيا . ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامناً لنتائجها ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة لأنها ثابتة بوعد الله و الله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد .
بعد هذا نقول : إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره وانه يقول كما يريد ولكن أرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته وأنه سبحانه و تعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ولكنها مشيئة تابعة لحكمته لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ، والحكيم هو: الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ويحكمها عملاً وصنعاً والله تعالى بحكمته يقدر الهداية لمن أرادها لمن يعلم سبحانه وتعالى انه يريد الحق وأن قلبه على الاستقامة ويقدر الضلالة لمن لم يكن كذلك لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنما يصعد في السماء فان حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين آلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب أرادته إلى إرادة أخرى والله تعالى على كل شي قدير ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها .
ومراتب القضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة أربع مراتب :
المرتبة الأولى : العلم وهي أن يؤمن الإنسان إيمانا جازماً بأن الله تعالى بكل شي عليم وأنه يعلم ما في السماوات والأرض جملة وتفصيلاً سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وأنه لا يخفى على الله شي في الأرض ولا في السماء .
المرتبة الثانية : الكتابة وهي أن الله تبارك وتعالى كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شي .وقد جمع الله تعالى بين هاتين المرتبتين في قوله .( آلم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض أن ذلك في كتاب أن ذلك على الله يسير)[الحج :70] فبدأ سبحانه بالعلم وقال إن ذلك في كتاب أي انه مكتوب في اللوح المحفوظ كما جاء به الحديث عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم.(إن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال رب ماذا اكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ))[4] .
ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما نعمله أشي مستقبل أم شي قد قضي وفرغ منه ؟ قال (( انه قد قضى وفرغ منه ))[5] وقال أيضا حين سئل : أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول قال ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له )[6].
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل فأنت يا أخي اعمل وأنت ميسر لما خلقت له .
ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : (( فآما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى)) [ الليل: 5 ـ 10]
المرتبة الثالثة : المشيئة وهى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وجد موجود إلا بمشيئة الله تعالى وما عدم معدوم إلا بمشيئة الله تعالى وهذا ظاهر في القران الكريم وقد أثبت الله تعالى مشيئته في فعله ومشيئته في فعل العباد فقال الله تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ التكوير : 28، 29 ] ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) [ الأنعام : 112 ] ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) [ البقرة : 253 ] .
فبين الله تعالى أن فعل الناس كائن بمشيئته وأما فعله تعالى فكثير قال تعالى ( ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها )[ الأنعام :13] وقوله(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) [ هود 118] إلى آيات كثيرة تثبت المشيئة في فعله تبارك وتعالى فلا يتم الإيمان بالقدر إلا أن نؤمن بأن مشيئة الله عامة لكل موجود أو معدوم فما من معدوم إلا وقد شاء الله تعالى عدمه وما من موجود إلا وقد شاء الله تعالى وجوده ولا يمكن أن يقع شيء في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئة الله تعالى .
المرتبة الرابعة : الخلق أي أن نؤمن بأن الله تعالى خالق كل شي فما من موجود في السماوات والأرض إلا الله خالقه حتى الموت يخلقه الله تبارك وتعالى وان كان هو عدم الحياة يقول الله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك : 2] فكل شيء في السماوات أو في الأرض فإن الله تعالى خالقه لا خالق إلا الله تبارك وتعالى وكلنا يعلم أن ما يقع من فعله سبحانه وتعالى بأنه مخلوق له فالسماوات والأرض والجبال والأنهار والشمس والقمر والنجوم والرياح والإنسان والبهائم كلها مخلوقات الله وكذلك ما يحدث لهذه المخلوقات من صفات وتقلبات أحوال كلها أيضا مخلوقة لله عز وجل .ولكن قد يشكل على الإنسان كيف يصح أن نقول في فعلنا وقولنا الاختياري انه مخلوق لله عز وجل . فنقول نعم يصح أن نقول ذلك لأن فعلنا وقولنا ناتج عن أمرين :
أحدهما: القدرة
والثاني: الإرادة
فإذا كان فعل العبد ناتجاً عن إرادته وقدرته فان الذي خلق هذه الإرادة وجعل قلب الإنسان قابلاً للإرادة هو الله عز وجل وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل ويخلق السبب التام الذي يتولد عنه المسبب نقول إن خالق السبب التام خالق للمسبب أي أن خالق المؤثر خالق للأثر فوجه كونه تعالى خالقا لفعل العبد أن نقول فعل العبد وقوله ناتج عن أمرين هما :
1ـ الإرادة
2ـ القدرة
فلولا الإرادة لم يفعل ولولا القدرة لم يفعل لأنه إذا أراد وهو عاجز لم يفعل لعجزه عن الفعل وإذا كان قادرا ولم يرد لم يكن الفعل فإذا كان الفعل ناتجا عن إرادة جازمة وقدرة كاملة فالذي خلق الإرادة الجازمة والقدرة الكاملة هو الله وبهذه الطريق عرفنا كيف يمكن أن نقول إن الله تعالى خالق لفعل العبد وإلا فالعبد هو الفاعل في الحقيقة فهو المتطهر وهو المصلي وهو المزكي وهو الصائم وهو الحاج وهو المعتمر وهو العاصي وهو المطيع لكن هذه الأفعال كلها كانت ووجدت بإرادة وقدرة مخلوقتين لله عز وجل والأمر ولله الحمد واضح .
وهذه المراتب الأربع المتقدمة يجب أن تثبت لله عز وجل وهذا لا ينافى أن يضاف الفعل إلى فاعله من ذوى الإرادة .
كما أننا نقول النار تحرق والذي خلق الإحراق فيها هو الله تعالى بلا شك فليست محرقة بطبيعتها بل هي محرقة بكون الله تعالى جعلها محرقة ولهذا لم تكن النار التي ألقى فيها إبراهيم محرقة لأن الله قال لها: ( كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) [ الأنبياء : 69 ] فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم فالنار بذاتها لا تحرق ولكن الله تعالى خلق فيها قوة الإحراق، وقوة الإحراق هي في مقابل فعل العبد كإرادة العبد وقدرته فبالإرادة والقدرة يكون الفعل وبالمادة المحرقة في النار يكون الإحراق فلا فرق بين هذا وهذا ولكن العبد لما كان له إرادة وشعور واختيار وعمل صار الفعل ينسب إليه حقيقة وحكماً وصار مؤاخذا بالمخالفة معاقباً عليها لأنه يفعل باختيار ويدع باختيار .
وأخيرا نقول : على المؤمن أن يرضى بالله تعالى رباٌ ومن تمام رضاه بالربوبية أن يؤمن بقضاء الله وقدره ويعلم أنه لا فرق في هذا بين الأعمال التي يعملها وبين الأرزاق التي يسعى لها وبين الآجال التي يدافعها ، الكل بابه سواء والكل مكتوب والكل مقدر وكل إنسان ميسر لما خلق الله .
أسال الله عز وجل أن يجعلنا ممن ييسرون لعمل أهل السعادة وان يكتب لنا الصلاح في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين
(1) رواه الترمذي ،كتاب القدر باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر رقم (2133) وابن ماجة في المقدمة ، باب في القدر رقم (85).
[2] رواه مسلم، كتب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر رقم (1155).
[3] رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة رقم (3208) ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه رقم ( 2643)
[4] رواه أبو داود، كتاب السنة، باب القدر رقم(4700) والترمذي ،كتاب القدر رقم(2155).
[5]رواه أحمد(1/29) والترمذي ،كتاب تفسير القران باب من سورة هود رقم (3111) .
[6] رواه البخاري ،كتاب الجنائز باب موعظة المحدث عند القبر رقم(1362) ومسلم كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه رقم (2647)
لفصيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمان الرحيم
بارك الله فيك على ايراد هذه الرسالة القيمة للشيخ الفا ضل نفع الله بها من قرأها ، إنه لحق موضوع في الصميم استعرض حقيقة التوحيد وأنواعه وأقسام الأمة في نظرتها للقدر ، ومراتب القضاء والقدر عند أهل ا السنة والجماعة ، وافعال العباد بين الإرادة والقدرة . فكان التحديد واضحا والتصنيف ممنهج بكل دقة وتدليل . جزاك الله على هذا النفع الطيب . |
||
الفرق بين القضاء والقدر بقلم الشيخ إبراهيم الرحيلي
الفرق بين القضاء والقدر
تعريف القضاء والقدر:
القضاء في اللغة: القطع والفصل، يقال : قضى يقضي قضاء، فهو قاض إذا حكم وفصل. وقضاء الشيء : إحكامه وإمضاوه والفراغ منه قال ابن فارس: "القاف والضاد والحرف المعتل ، أصل صحيح ،يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذ جهته" وقال الزهري: "القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه ،وكل ما أحكم عمله أو أتم أو ختم أو أدي أو أوجب، أو أعلم أو أنفذ أو أمضي فقد قضي. وقال الراغب الأصفهاني:"القضاء:فصل الأمر،قولا كان ذلك أو فعلا وكل واحد منهما على وجهين: إلهي وبشري فمن قول الله تعالى : (وَقضََى رَبُكَ ألاّ تَعْبُدُواْ إلآَّ إيَّاهُ ) أي أمر بذلك. ومن فعل الله تعالى: (والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشىء) [قال ابن كثير في معناه: "والله يحكم بالعدل"] ومن القول البشري نحو :قضى الحاكم بكذا ؛فإن حكم الحاكم يكون بالقول. والقدر في الشرع هو :ما قدره الله في الأزل أن يكون ،بناء على علمه السابق بالأشياء قبل كونها ، وكتابته لها قبل خلقها. والقضاء في الشرع هو: ما قضى به في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير. والقضاء والْقدر بينهما تلازمٌ، ويدخل أحدهما في معنى الآخر في بعض المواطن. يقول ابن الأثير :"والقضاء والقدر متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بٍمنزلة الأساس وهو القدر ،والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء؛ فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقيضه" ويقول الشيخ العثيمين- رحمه الله تعالى- :" والقضاء والقدر متباينان إن اجتمعا ، ومترادفان إن افترقا، على حد قول العلماء هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا ،وإن افترقتا اجتمعتا .
فإذا قيل :هذا قدر الله فهو شامل للقضاء أما إما إذا ذكرا جميعا فلكل واحد منهما معنى . فالتقدير:هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه. وأما القضاء: فهو ما قضى الله به سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير. وقد اختلف في القضاء والقدر أيهما أسبق والذي عليه المحققون من أهل العلم أن القدر سابق للقضاء وبه قال أبو حاتم الرازي ونصره بعض العلماء المعاصرين . قال الشيخ محمد أمان رحمه الله:"والقضاء والقدر بمنزلة الثوب الذي يقدره الخياط فهو قبل أن يفصله يقدره ويزيد ويوسع ويضيق وإذا فصله فقد قضاه ولا يمكنه أن يزيد أو ينقص.وذلك مثل القضاء والقدر. والله أعلم
المصدر: المختصر في عقيدة أهل السنة في القدر. للامانة الموضوع منقول |
||
دمت معطاءء لهذا المنتدى
القدر وحديث القبضتين حق_العلامة الألباني رحمه الله
46- ( عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في القبضتين: هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه . وزاد _ فتفرق الناس ، وهم لا يختلفون في القدر ) . 47- ( إن الله عز وجل قبض قبضة ، فقال: في الجنة برحمتي ، وقبض قبضة ، وقال: في النار ولا أبالي ) . 48- ( إن الله عز وجل خلق آدم ، ثم أخذ الخلق من ظهره ، وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل ؟ قال: على مواقع القدر ) . 49- ( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ فَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُمْنَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ كَأَنَّهُمْ الذَّرُّ وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ كَأَنَّهُمْ الْحُمَمُ فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَمِينِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَقَالَ لِلَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي ) . 50- ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبَضَ قَبْضَةً بِيَمِينِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِ وَقَبْضَةً أُخْرَى يَعْنِي بِيَدِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِ فَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ الْقَبْضَتَيْنِ أَنَا ) . اعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث وذكر طرقه أمران : الأول أن أحد أهل العلم – وهو الشيخ محمد طاهر الفتني الهندي – أورده في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) (12) , وقال فيه : ( مضطرب الإسناد ) , ولا أدري ما وجه ذلك ؟ فالحديث صحيح من طرق , ولا اضطراب فيه , إلا أن يكون اشتبه عليه بحديث آخر مضطرب , أو عنى طريقاً أخرى من طرقه , ثم لم يتتبع هذه الطرق الصحيحة له , والله أعلم . والثاني : أن كثيراً من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث – ونحوها أحاديث كثيرة – تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق : بالجنة أو النار . وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ , فمن وقع في القبضة اليمنى , كان من أهل السعادة , ومن كان من القبضة الأخرى , كان من أهل الشقاوة . فيجب أن يعلم هؤلاء جميعاً أن الله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) الشورى 11 , لا في ذاته , ولا في صفاته , فإذا قبض قبضة , فهي بعلمه وعدله وحكمته , فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته , وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعة , ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى , والعكس بالعكس , كيف والله عز وجل يقول ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم 35-36 ثم إن كلاً من القبضتين ليس فيها إخبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار , بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم , من إيمان يستلزم الجنة , أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها , وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان , لا يكره الله تبارك وتعالى أحداً من خلقه على واحد منهما ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف 29 , وهذا مشاهد معلوم بالضرورة , ولولا ذلك , لكان الثواب والعقاب عبثاً , والله منزه عن ذلك . ومن المؤسف حقاً أن نسمع من كثير من الناس – حتى من المشايخ – التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له , وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس , مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة , وإعلانه بأنه قادر على الظلم , ولكنه نزه نفسه عنه , كما في الحديث القدسي المشهور : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ….. ) , وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة , بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى : ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) الأنبياء 23 , مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم , ولكنه لا يسأل عن ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . وفاتهم أن الآية حجة عليهم , لأن المراد بها -كما حققه العلامة ابن القيم في ( شفاء العليل ) وغيره- أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل , لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح , فلا داعي للسؤال . هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة , حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس , فإن وفقت لذلك , فبها ونعمت , وإلا أحيل القارئ إلى المطولات في هذا البحث الخطير , مثل كتاب ابن القيم السابق , وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذا أحدها . منقول من موقع الشيخ رحمه الله للامانة الموضوع منقول |
||
وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر ……………………. …………………
(1) "الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة": سبق تعريفعها والكلام عنها في أول الكتاب
(2) القدر في اللغة؛ بمعنى: التقدير ؛ قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، وقال تعالى (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (المرسلات:23) .
– أما القضاء؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل : هذا قدر الله ؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعاً؛ فلكل واحد مهما معنى.
– فالتقدير : هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
– وأما القضاء؛ هو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقاً.
– فإن قال قائل: متى ؟ قلنا : إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2)؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
– إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
– ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون ، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (طـه:70) ؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
– أو أن نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية؛ إي خلقه على قدر معين؛ كقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (الأعلى:2) ؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تماماً لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) ؛ فلا إشكال.
*والإيمان بالقدر واجب، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل حين قال: ما الإيمان؟ قال:( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره)
وللإيمان بالقدر فوائد؛ منها:
أولاً: أنه من تمام الإيمان ، ولا يتم الإيمان إلا بذلك .
ثانياً: أنه من تمام الإيمان بالربوبية ؛ لأن قدر الله من أفعاله.
ثالثاً: رد الإنسان أموره إلى ربه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره؛ فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها، ويضيف السراء إلى الله ، ويعرف أنها من فضل الله عليه.
رابعاً: أن الإنسان يعرف قدر نفسه ، ولا يفخر إذا فعل الخير.
خامساً: هون المصائب على العبد؛ لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله ؛ هانت عليه المصيبة؛ كما قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )(التغابن: من الآية11)؛ قال علقمة رحمه الله : (هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم).
سادساً: إضافة النعم إلى مُسديها؛ لأنك إذا لم تؤمن بالقدر ؛ أضفت النعم إلى من باشر الإنعام، وهذا يوجد كثيراً في الذين يتزلفون إلى الملوك والأمراء والوزراء؛ فإذا أصابوا منهم ما يريدون؛ جعلوا الفضل إليهم، ونسوا فضل الخالق سبحانه.
صحيح أنه يجب على الإنسان أن يشكر الناس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من صنع إليكم معروفاً؛ فكافئوه)
، ولكن يعلم أن الأصل كل الأصل هو فضل الله عز وجل جعله على يد هذا الرجل.
سابعاً: أن الإنسان يعرف به حكمة الله عز وجل ؛ لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث في تغيرات باهرة؛ عرف بهذا حكمة الله عز وجل؛ بخلاف من نسي القضاء والقدر؛ فإنه لا يستفيد هذه الفائدة.
خيره وشره
(1) الخير: ما يلائم طبيعة الإنسان ؛ بحيث يحصل هل به خير أو ارتياح وسرور ، وكل ذلك من الله عز وجل.
– والشر في القدر : ما لا يلائم طبيعة الإنسان ؛ بحيث يحصل له به أذية أو ضرر.
· ولكن ؛ إن قيل : كيف يقال : إن في قدر الله شراً؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( الشر ليس إليه)؟
·فالجواب على ذلك أن يقال: الشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله له، لكنه باعتبار المقدور له ؛ لأن لدينا قدراً هو التقدير ومقدوراً؛ كما أن هناك خلقاً ومخلوقاً وإرادة ومراداً؛ فباعتبار تقدير الله له ليس بشر؛ بل هو خير، حتى وإن كان لا يلائم الإنسان ويؤذيه ويضره، لكن باعتبار المقدور؛ فنقول: المقدور إما خير وإما شر؛ فالقدر خير وإما شر؛ فالقدر خيره وشره يراد به المقدور خيره وشره.
ونضرب لهذا مثلاً في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا )(الروم: من الآية41).
ففي هذه الآية بين الله عز وجل ما حدث من الفساد وسببه والغاية منه؛ فالفساد شر وسببه عمل الإنسان السيئ، والغاية منه ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم: من الآية41).
فكون الفساد يظهر في البر والبحر فيه حكمة ؛ فهو نفسه شر، لكن لحكمة عظيمة، بها يكون تقديره خيراً.
كذلك المعاصي والكفر شر، هو من تقدير الله، لكن لحكمة عظيمة، لولا ذلك لبطلت الشرائع، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً.
* والإيمان بالقدر خيره وشره لا يتضمن الإيمان بكل مقدور، بل المقدور ينقسم إلى كوني وإلى شرعي:
– فالمقدور الكوني: إذا قدر الله عليك مكروهاً؛ فلا بد أن يقع؛ رضيت أم أبيت.
– والمقدور الشرعي قد يفعله الإنسان وقد لا يفعله، ولكن باعتبار المرضى به فيه تفصيل:
إن كان طاعة لله وجب الرضى به، وإن كان معصية؛ لله عز وجب سخطه وكراهته والقضاء عليه؛ كما قال الله عز وجل : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) .
وعلى هذا؛ يجب علينا الإيمان بالمقضي كله ؛ من حيث كونه قضاء لله عز وجل ، أما من حيث كونه مقضياً؛ فقد نرضى به وقد لا نرضى ؛ فلو وقع الكفر من شخص فلا نرضى بالكفر مه، لكن نرضى بكون الله أوقعه.