التصنيفات
السير والتراجم

السيدة راحيل ومقتطفات من سيرتها

عندما بلغ سيدنا يعقوب سن الزواج، أشار عليه أبواه أن يتوجه الى خاله (لابان) فى أرض (حران) بالعراق ويخطب إحدى ابنتيه، فقد آمنتا بدين إبراهيم عليه السلام. فانطلق يعقوب عليه السلام إلى مسقط رأسه فى بلاد المقدس وتوجه نحو العراق، ولما قدم يعقوب على خاله فى أرض حران، وجد له إبنتان وهما: (ليا) وهى الكبرى، و("راحيل") وهى الصغرى.

وكانت ("راحيل") قد أوتيت حظا من الذكاء والصفاء والنقاء، وكانت تفوق أختها (ليا) فى الحسن فتقدم يعقوب عليه السلام – الى خاله وخطب منه ابنته "راحيل" وسأله خاله :

هل من مال أزوجك عليه إبنتى "راحيل"؟!.فقال يعقوب: لا يا خالي إننى غريب هنا كما تعلم ولكنى مستعد بما تطلب منى. وتابع قائلا: يا خالى إن شئت أن تأخذنى أجيرا حتى تستوفى صداق إبنتك ("راحيل") فأنا على إستعداد لذلك. وعندئذ قال له خاله وقد ظهرت عليه امارات الرضا: قبلت، وأن صداق "راحيل" أن تأجرنى 7 سنين. فقال يعقوب: قبلت، فزوجنى "راحيل" وهى شرطى، ولك أن أخدمك 7 حجج….وأجاب لابان يعقوب على شرطه. عندئذ قال يعقوب: ذلك بينى وبينك.

وأخذ يرعى يعقوب لخاله سبعة أعوام كوامل، فلما وفى لخاله شرطه الذى اتفقا عليه، صنع خاله لابان طعاما من أجل الزفاف وجمع الناس عليه. وأقبل ليل ذلك اليوم، ودخل يعقوب خيمته، فالفى فيها زوجة، فلما تنفس الصبح، وأشرقت الأرض بنور ربها، وجد أن خاله قد زوجه ابنته الكبرى (ليا)، بينما كان الشرط بينهما ان يزوجه صغراهما "راحيل".

فقال يعقوب: لا حول ولا قوة الا بالله. وجاء لخاله لابان غاضبا فقال له: لقد غدرت بى، ولقد غدرتنى وخدعتنى واستحللت فعلى سبع سنين، وليست على غير امرأتى، وانما خطبت اليك "راحيل"، ولم اخطب ليا…..أليس كذلك؟!فقال خاله: رويدك يا إبن أختى، فأنا لم أخدعك، إنه ليس من عادتنا فى هذه البلاد أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، وهل تريد أن تدخل على خالك العار والسبة بهذه الفعلة؟قال يعقوب: معاذ الله…فقال خاله: إن أحببت "راحيل" أن تكون زوجة لك فاعمل لى 7 أعوام أخرى.

وإنقضت سبع سنين، ولد ليعقوب خلالها بضعة أولاد من زوجه "ليان"، وجاء اليوم الذى ينتظره يعقوب ورأى ليلة تحقيق حلمه ليقترن بتلك المرأة التى ستكون أم نبى ورسول كريم وزوج نبى ورسول كريم.

وزفت إليه "راحيل" وكان اذ ذاك سائغا وجائزا فى ملتهم زواج الأختين على ما يبدو، ثم نسخ ذلك فيما بعد فى شريعة التوراة. ولبعض المفسرين رأى وهو أنه لما توفيت "ليا"، تزوج يعقوب "راحيل".

وهب (لابان) لكل واحدة من ابنتيه جاريه، فوهب الى ابنته الكبرى "ليا" جارية اسمها (زلفى)، ووهب للصغرى "راحيل" جارية إسمها (بلهى). ولم تنجب "راحيل"فى بداية زواجها من يعقوب، وتأخر عليها الولد، ورأت أن اختها "ليا" قد أنجبت أربعة أولاد، وكات الغيرة تلعب بها عندما نذرت أن تهب لزوجها يعقوب جاريتها (بلهى)، ويبدو ان "ليا" قد وهبت له جاريتها (زلفى) منافسة لاختها ("راحيل")، وولدت كل واحدة من الجاريتين ليعقوب.

ولما رأت "راحيل" ان أختها "ليا" والجاريتين (زلفى) و(بلهى) قد ولدت لزوجها يعقوب ولم تلد هى، توجهت الى الله بجوارحها وقلبها، ودعته أن يهب لها غلاما زكيا من يعقوب. وإستجاب الله عز وجل دعاء "راحيل" وأجاب نداءها، ورحم ضعفها، وأكرمها، فحملت من نبى الله يعقوب، ثم ولد له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا مخلصا سمته يوسف، وكان يوسف عليه السلام أشب الناس بجدته لأبيه سارة زوج إبراهيم عليه السلام، ولذا فقد كان أحب أبناء يعقوب الى قلبه.

كان ليعقوب عليه السلام – اثنا عشر ولدا من أربع أزواج، وهم على النحو التالى:

أول زوجاته "ليا" وقد رزق منها: روبيل، شمعون، لاوى، يهودا، ايساخر، زابلون. والثانية "راحيل"ٍ وقد رزق منها: يوسف، بنيامين. الثالثة (بلهى) وقد رزق منها: دان، نفتالى. الرابعة (زلفى) وقد رزق منها: جاد، اشير.

وقد خص الله عز وجل يوسف عليه السلام بالنبوة من بين أولاد يعقوب – عليه السلام – ((ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات …)) – غافر. أما قول الله سبحانه: ((إنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده وأوصينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط…)).

اللأسباط هنا ليس المراد بها أنهم أولاد يعقوب الإثنا عشر، بل المراد هنا حفدته وذرارى ابنائه. والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم يرجعون الى أب واحد، وقد أصبح كل واحد من أبناء يعقوب أبا لسبط من أسباط بنى اسرائيل، فجميع بنى اسرائيل وجدوا وتناسلوا من أولاد يعقوب الإثنى عشر. فالمقصود أنه قد ظهرت فى هذه الأسباط النبوة.

سبط لاوى فيه "موسى وهارون والياس واليسع".سبط يودت فيه " دلون وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى".سبط بنيامين فيه "يونس" عليه السلام.

ولكن اخوة يوسف ليسوا أنبياء كيوسف وأبيهم يعقوب، لأنهم إذا كانوا أنبياء ما قدموا على الإفتراء والكذب، وما ألقا يوسف فى الجباء، وما أقدموا على القتل والسعى بالإفساد، كل ذلك من الكبائر التى تنافى عصمة الانبياء.

قصة "راحيل" مع الاصنام:

ظلت "راحيل" مع زوجها يعقوب قرابة عشرين سنة وهم مقيمون فى أرض العراق، وكانت "راحيل" تؤمن بالله عز وجل وتعبده مع زوجها يعقوب، وكانت فكرة الأصنام منتشره فى بلاد أبيها، وودت لو إستطاعت تحطيم جميع تلك الاصنام التى أضلت كثيرا من الناس، وجرتهم الى طريق الغواية، وأبعدتهم عن طريق الرشاد.

أوحى الله عز وجل الى يعقوب أن يرجع الى بلاد أبيه وقومه فى بلاد المقدس ويترك أرض حران فى العراق. وهمس يعقوب الى أهله وأولاده بما أوصاه ربه، فامتثل جميعهم لأمره، وأجابوه مبادرين الى طاعته، وفى مقدمتهم "راحيل". عندئذ حمل يعقوب أهله وماله وإنطلق نحو بلاد أبيه، بينما أخذت "راحيل" أصنام ابيها إلى مكان بعيد لتلقى بهم فى أحد الأنهار، ولم يشعر أحد بما صنعت "راحيل".

وجاء يعقوب الى أبيه اسحاق _ عليهما السلام – فأقام عنده فى قرية (حيرون) فى أرض كنعان، حيث كان يسكن ابراهيم عليه السلام وهى مدينة الخليل – وهناك فى أرض حجرون حملت "راحيل" فولدت غلاما هو بنيامين وهو شقيق يوسف عليه السلام. وكان يوسف واخوه احب الى يعقوب من سائر إخوته.

"راحيل" ورؤيا يوسف:

قص يوسف على أبيه ما رآه فى الرؤيا وقال ((إذ قال يوسف لأبيه يا أبت……)). كان فى نبرات يوسف لهجة مميزة جعلت يعقوب يضمه الى صدره ويحتويه فى حضنه كانما يحميه من خطر يوشك أن ينقض عليه، اذ لاحظ فى إخوته الاحد عشر كراهية ليوسف، بيد أن يوسف لم يكن يعرف شيئا عن هذا، وانما أخبر والده بالرؤيا لأنه علم بالهام ربانى أو بتعليم سابق من أبيه ان للرؤيا تعبيرا … وعلم ان الكواكب والشمس والقمر كناية عن مخلوقات شريفة، وأن المخلوقات الشريفة كناية عن عظم شأنه وعلو مكانته وسمو كرامته.

قال ابن حبان رحمه الله فى تفسيرهSadفهم يعقوب من رؤيا يوسف عليهما السلام أن الله تعالى يبلغه مبلغا من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين، فخاف عليه من حسد إخوته، فنهاه أن يقص رؤياه عليهم). ولما علمت "راحيل" عن أمر رؤيا يوسف بعد أن أخبرها يعقوب بالرؤيا وتأويلها، أشفقت ايضا على ابنها وزاد قلقها عليه.

حذر يعقوب يوسف من أن يقص رؤياه على إخوته مع أن هذا التحذير قد يثير فى نفسه كراهة لإخوته، لأنه وثق بكمال عقله وصفاء سريرته ومكارم خلقه. وبعدها شرع يعقوب فى تعبيرها وتأويلها على وجه مفاده:

(يا بنى، إنه كما سخر الله لك تلك الكواكب العظيمة مع الشمس والقمر ساجدة لك، كذلك يختارك سبحانه ويصطفيك لنبوته، ويعلمك من تأويل الاحاديث، ويتم نعمته بإرسالك، ولهذا قال له: ((كما أتمها على أبويك من قبل ابراهيم واسحاق* إن ربك عليم حكيم). وهو أعلم حيث يجعل رسالته، ويعطيها لمن يستحقها بحكمته سبحانه.

(ورفع ابوية على العرش):

ومرت الأحداث بيوسف عليه السلام وقد وردت مفصله فى سورة (يوسف)، وجاء تحقيق رؤياه وسجود أمه وأبيه وإخوته حينما أصبح عزيز مصر، وذلك بعد سنوات تزيد على الثلاثين عاما، وتقترب من الأربعين على أصح الأقوال. وخلال تلك الفترة الطويلة، كان يعقوب يقاسى الفراق والحزن على ولده يوسف، ثم لما أن جاءه الخبر بفقد إبنه الآخر بنيامين شقيق يوسف بل واسترقاقه، وكان عينا يعقوب قد ابيضت من الحزن وهو كظيم. وظل قلبه موصولا بالله، وصبر صبرا جميلا، وكان الرجاء والأمل معقودان فى قمة صبرى، وسقط شعاع من الرجاء الى قلب يعقوب يبشره برحمة الله.

هذا هو موقف يعقوب عليه السلام من شدة الحزن، فما نتصور أن يكون موقف "راحيل" أم يوسف وأم بنيامين الذى فقد فيما بعد؟!.

واما السجود ليوسف عليه السلام فقد كان هذا سائغا فى شريعتهم.

مع الصابرات الخالدات:

لعل "راحيل" واحدة من نساء الانبياء اللاتى سجل التاريخ مواقفها العطرة فى مجالات خيرة متعدة، فقد كانت خير امرأة فى كل موقف، كانت مثال الزوجة الوفية، ومثال الأم العطوف، ومثال العابدة الشاكرة والصابرة المؤمنة. ويبدو أن شهرتها إنطلقت من شهرة ابنها يوسف عليه السلام ولما حدث له وأحدث من قصة شائعة عظيمة. كانت "راحيل" خلال احداثها مسلمة مستسلمه لقضاء الله مع زوجها يعقوب، بل وابنها يوسف.

وأصبحت "راحيل" أم ملك….أعظم ملوك الأرض، ولكنها لم تنس أنها زوج نبى وأم نبى، وظلت شاكرة عابدة لما أنعم الله عليها وعلى زوجها وابنها من فضل، وجمع شملهم بعد مدة طويلة، بل ويأس من الاجتماع، ورأت حسن عاقبة الصبر فى الدنيا، وما اعد الله لها من اكرام فى ولدها الذى اختصه الله عزل وجل بالنبوة.

وللإمام الرازى – رحمه الله – كلام جميل حول العناية الالهية التى إكتنفت "راحيل" وزوجها وإخوة يوسف، حيث يقول فى تفسير قوله تعالى: ((إن ربى لطيف لما يشاء))…..أى أن حصول الإجتماع بين يوسف وأبويه – يعقوب و"راحيل" – وإخوته مع الالفة والمحبة، وفراغ البال، كان فى غاية البعد عن العقول إلا أنه تعالى لطيف، فاذا قضى وأراد شيئا سهل عليه فحصل وإن كان فى غاية البعد على الحصول.

وتابعت "راحيل" حياتها فى كنف ولدها يوسف الى ان لقيت ربها وهى راضية مرضيه. وأشارت بعض المصادر بأن "راحيل" قد توفيت فى فلسطين، فربما رجعت "راحيل" من مصر الى فلسطين وتوفيت هناك وهذا محتمل.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكي استاذتنا

موضوع قيمه وبه فائدة

جزاك الله خيرا




أحسن القصص قصص الأنبياء و الرسل و الصالحين و الصالحات
بارك الله فيك أختي




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمزة بل العزيز تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكي استاذتنا

موضوع قيمه وبه فائدة

جزاك الله خيرا


وفيك بارك المولى أسعدني مرورك وردك الطيب

تحياتي….




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة noujoud تعليمية
أحسن القصص قصص الأنبياء و الرسل و الصالحين و الصالحات
بارك الله فيك أختي


وفيك بارك الرحمن

فعلا أحسن القصص ، قصص السلف الصالح فيه الموعظة والعبر

تسلمي بنيتي




تعليمية تعليمية

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الانبياء المرسلين .

لك كل الشكر والامتنان اختنا غاية الهدى والله اشتقت بشكل خاص الى مواضيعك المثرية والقيمة فبدون مجاملة او اي شيء من هذا القبيل احب واعتدت على مسايرة مواضيعك فهي في غاية الروعة الله يجازيك ويجعل اعمالك الصالحة في ميزان حسناتك بأنتظار موضوع اخر لك .
السلام عليكم


تعليمية تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه:


أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ابن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي أبو حفص. أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وقالت طائفة في أم عمر: حنتمة بنت هشام بن المغيرة. ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة وليس كذلك، وإنما هي ابنة عمهما، فإن هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة أم عمر وهشام والد الحارث وأبي جهل وهاشم بن المغيرة هذا جد عمر لأمه كان يقال له ذو الرمحين.

ولد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وروى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: سمعت عمر يقول: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين.

قال الزبير: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية وذلك أن قريشاً كانت إذا وقعت بينهم حرب وبين غيرهم بعثوا سفيراً. وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به و بعثوه منافراً ومفاخراً.

ذكر صفته رضي الله عنه:

كان رضي الله عنه ضخم الجسم ، بعيد ما بين المنكبين ، وكان رضي الله عنه قوي الجسم والبنية ،وكان يسرع في مشيته، وكان في رجليه روح1.
وكان ابيض امهق تعلوه حمرة طوالا اصلع اجلح شديد حمرة العين في عارضه خفة وقال وهب صفته في التوارة قرن من حديد أمير شديد.

ذكر أولاده:

كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة أمهم زينب بنت مظعون ، وزيد الأكبر ورقية أمهما أم كلثوم بنت علي ، وزيد الأصغر وعبيد الله أمهما أم كلثوم بنت جرول ، وعاصم أمه جميلة ، وعبد الرحمن الأوسط أمه لهية أم ولد ، وعبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد وفاطمة أمها أم حكيم بنت الحارث ، وعياض أمه عاتكة بنت زيد وزينب أمها فكيهة أم ولد.

إسلامه:

ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى إسلام عمر رضي الله عنه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة والتي كانت في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة2

وكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة في شهر رجب. وكانت بسبب اشتداد إيذاء قريش للمؤمنين، وعدم قدرة النبيّ صلى الله عليه وسلم على دفع الأذى عنهم، وأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة إليها لأن بها ملكاً لا يظلم أحد عنده. وكان عدد المهاجرين فيها اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، ثم عاد هؤلاء المهاجرون بعد أن أشيع أن قريشاً أسلمت وذلك في شهر شوال من السنة نفسها، ثم أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهم ولغيرهم بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية بعد أن تبين لهم كذب ما أشيع من إسلام قريش. وكان عدد المهاجرين في الهجرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة امرأة
وثبت في الصحيح3 أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد ما تعرض له عمر رضي الله عنه من ضرب قريش له لما أسلم وعقل ذلك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولد بعد البعثة بسنتين لأن عمره كان يوم غزوة أحد أربعة عشر عاماً3، وكانت أحد بعد البعثة بستة عشر عاماً، فإذا كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة الخامسة من البعثة يكون عمرُ ابن عمر ثلاث سنوات وهو سن لا يعقل فيه الطفل غالباً

والذي أرى أنه أقرب للصواب أن يكون إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة4.
أما تحديد اليوم والوقت الذي أسلم فيه، فروي أنه كان يوم الثلاثاء.
وقيل يوم الخميس، وقيل يوم الجمعة، وقيل إن إسلامه كان بعد صلاة المغرب

أما كيفية إسلامه رضي الله عنه فقد وردت فيها نصوص عديدة مختلفة من طرق ضعيفة وهي بمجموعها تفيد أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بسبب سماعه القرآن وتأثره به وهاته روايتين منها :

الرواية الأولى:

روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِشَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} ، فقلت:كاهن، فقال: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ( الحاقة 40 -47 ) إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع5.

الرواية الثانية :

قال عمر: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة
عند دور آل عمر بن عبد الله بن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً، فقلت: لو أني جئت فلاناً الخمار وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، فخرجت فجئته فلم أجده فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين، فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني، فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر،

فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت، ودخلني الإسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن حسين، وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري، ثم على دار الأخنس بن شريق حتى يدخل بيته، وكان مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان، قال عمر: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار أزهر أدركته، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تتبعته لأوذيه، فنهمني، ثم قال: (ما جاء بك يابن الخطاب هذه الساعة ؟) قلت: جئت لأومن بالله ورسوله، وبما جاء من عند الله، فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (هداك الله يا عمر)، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته6 .

هجرته رضي الله عنه


أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إذناً، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني بالبصرة، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي، عن أبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه.
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل: قلنا: الميعاد بيننا " التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فليمض صاحباه. فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة.
قال ابن إسحاق: نزل عمر بن الخطاب، وزيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة، وحنيس بن حذافة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله، وخولي بن أبي خولي، وهلال بن أبي خولي، وعياش بن أبي ربيعة، وخالد وإياس وعاقل بنو البكير، نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر، في بني عمرو بن عوف.
أنبأنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الفارسي، أنبأنا أبو بكر القطيعي، أنبأنا عبد الله بن احمد، حدثني أبي، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى، أخو بني فهر. ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أثري. ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه.
شهوده رضي الله عنه بدراً وغيرها من المشاهد:
شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، وأحداً، والخندق وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنيناً، وغيرها من المشاهد، وكان أشد الناس على الكفار. وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية، فقال: " يا رسول الله، قد علمت قريش شدة عداوتي لها، وإن ظفروا بي قتلوني " . فتركه، وأرسل عثمان.
أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق – في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر – قال: وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال: " ذفران " ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعضه نزل. وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فقال أبو بكر فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن. وذكر تمام الخبر.
وهو الذي أشار بقتل أسارى المشركين ببدر، والقصة مشهورة.
وقال ابن إسحاق وغيره من أهل السير، ممن شهد بدراً من بني عدي بن كعب: عمر بن الخطاب بن نفيل، لم يختلفوا فيه.
وشهد أيضاً أحداً، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر جملة من مناقبه وفضائله:

قال أهل العلم لما أسلم عمر عز الإسلام وهاجر جهرا وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ للمسلمين وأول من جمع القرآن في المصحف وأول من جمع الناس على صلاة التراويح وأول من عس في عمله وحمل الدرة وأدب بها وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة ودون الديوان وفرض الأعطية وحج بأزواج رسول الله في آخر حجة حجها.

عن عائشة عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: (قد كان في الأمم محدثون فان يكن في أمتي فعمر) حديث متفق عليه7.
وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) أخرجه االشيخان في الصحيحين8.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة) .
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اشد أمتي في أمر الله عمر) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها عمر فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا يفري فرية حتى ضرب الناس بعطن) حديث متفق على صحته.
وعنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث فقال: (بينما أنا نائم أتيت بقدح فشربت منه حتى اني أرى الري يخرج من أطرافي ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم) وهذا متفق على صحته9.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال النبي (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبِي طلحة وسَمِعتُ خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لِمَن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك) فقال: عمر (بأبِي وأمي يا رسول الله أعليك أغار). رواه البخاري (3679).

وعن مُحَمَّد بن سعد بن أبِي وقَّاص عن أبيه قال: استأذن عمر بن الْخَطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتُهن على صوته، فلما استأذن عمر بن الْخَطاب قمن فبادرن الْحِجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال: عمر أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلمَّا سَمِعن صوتك ابتدرن الْحِجاب)، فقال عمر: (فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله)، ثُمَّ قال عمر: (يا عدوَّات أنفسهن، أتَهَبنني ولا تَهَبْن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقلن : نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله ( إيهاً يا ابن الْخَطاب! والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا قط إلا سلك فجًّا غيْر فجّك)). أخرجه البخاري حديث (3683).

وعن ابن أبِي مليكة أنه سَمِع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعنِي إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبِي طالب فترحَّم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إلَي أن ألقى الله بِمِثل عمله منك، وأيْمُ الله إن كنت لأظن أن يَجْعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنِّي كثيرًا أسْمَع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر). أخرجه البخاري حديث (3685).

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم أعزَّ الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك بأبِي جهل أو بعمر ابن الْخَطاب)، قال: فكان أحبهما إليه عمر بن الْخَطاب. أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/95)، وفِي فضائل الصَّحابة بنفس الإسناد برقم (312)، وإسناده حسن.

وقال ابن عمر:ما نزل بالنَّاس أمرٌ قطّ فقالوا فيه وقال فيه ابن الخطاب أو قال عمر إلاَّ نزل القرآن على نَحْو مِمَّا قال عمر. أخرجه الإمام أحْمَد فِي فضائل الصَّحابة برقم (314)، وأخرجه الترمذي (5/618) من طريق أبِي عامر، وإسناده حسن.

وعن أبِي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:(جُعِلَ الْحَق على لسان عمر وقلبه). أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/401)، وفي فضائل الصَّحابة برقم (315)، وإسناده حسن.
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبوبكر وعمر سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين). حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وغيره

عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة). حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره.

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر وزيري يقوم مقامي وعمر ينطق على لساني، وأنا من عثمان وعثمان مني، كأني بك يا أبا بكر تشفع لأمتي). أخرجه ابن النجار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر وعمر خير أهل السموات والأرض، وخير من بقي إلى يوم القيامة). أخرجه الديلمي في مسند الفردوس

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة). أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة وغيره.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهذه التي يوزن بها فوُضِعتُ في كفَّة ووضعت أمتي في كفة فوزنت بهم فرجحت ثم جيء بأبي بكر فوزن، فوزن بهم، ثم جيء بعمر فوزن، فوزن بهم، ثم جيء بعثمان فوزن، فوزن بهم، ثم رفعت). أخرجه الإمام أحمد.

عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى عمر وتبسَّم إليه، فقال: (يا ابن الخطاب أتدري بما تبسمت إليك؟) قال: الله ورسوله أعلم. قال: (إن الله عزوجل باهى بأهل عرفة، وباهى بك خاصة). أخرجه الطبراني.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة، وإنه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمته محدَّث، وإن يكن في أمتي منهم أحد فهوعمر). قالوا: يا رسول الله كيف يحدَّث؟ قال: (تتكلم الملائكة على لسانه). أخرجه الطبراني.

وذكر سيف بن عمر عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم النخعي. قال: أول من ولى شيئاً من أمور المسلمين عمر بن الخطاب، ولاه أبو بكر القضاء فكان أول قاض في الإسلام وقال: اقض بين الناس، فإني في شغل وأمر ابن مسعود بعس المدينة

زهده وتواضعه رضي الله عنه:

ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على عزمه وقوة إرادته إضافة إلى قوة دينه وإيمانه الزهد في الدنيا وزينتها، والرغبة فيما عند الله، ومن الآثار الدالة على زهده في الدنيا ما ذكره رضي الله عنه عن نفسه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذه فتموله 10 ، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك).
عن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة وعن أنس قال كان بين كتفي عمر ثلاث رقاع.
وعن مصعب بن سعد قال قالت حفصة لعمر يا أمير المؤمنين اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير فقال اني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله. صلى الله عل العيش وكذلك أبو بكر فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي رواه أحمد 11 .

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو بكر بن المزرقي، حدثنا أبو الحسين بن المهتدي، أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي، حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال طلحة بن عبيد الله: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة.
قال: وأنبأنا أبي، حدثنا أبو علي القرئ كتابة – وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه – أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد بن جرير، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: قال سعد بن أبي وقاص: والله ما كان عمر بأقدمنا هجرة، وقد عرفت بأي شيء فضلنا؛ كان أزهدنا في الدنيا.

أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي، أنبأنا أبي، أنبأنا إسماعيل بن أحمد أبو القاسم، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا داود بن عمرو، أنبأنا ابن أبي غنية، هو يحيى بن عبد الملك، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال: قال الأحنف: كنت مع عمر بن الخطاب، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني. قال: فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني! قال: فانصرف الرجل وهو يتذمر – قال: علي الرجل. فألقى إليه المخفقة وقال: امتثل. فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي، فأعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه، فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض.
قال: وحدثنا أبي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسين المهتدي، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن بن مليكة قال: بينما عمر قد وضع بين يديه طعاماً إذ جاء الغلام فقال: هذا عتبة بن فرقد بالباب، قال: وما أقدم عتبة؟ ائذن له. فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه: خبز وزيت. قال: اقترب يا عتبة فأصب من هذا. قال: فذهب يأكل فإذا هو طعام جشب لا يستطيع أن يسيغه. قال: يا أمير المؤمنين، هل لك في طعام يقال له: الحواري؟ قال: ويلك، ويسع ذلك المسلمين كلهم؟ قال: لا والله. قال: ويلك يا عتبة، أفأردت أن آكل طيباً في حياتي الدنيا وأستمتع؟.

وروى زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أمة الله، أيش بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالت: بكاؤهم من الجوع. قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا، أوهمهم أن فيها شيئاً من دقيق وسمن. فجلس عمر فبكى، ثم جاء إلى دار الصدقة فأخذ غرارة، وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم، احمل عليّ. فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك! فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة – قال: فحمله على عنقه، حتى أتى به منزل المرأة – قال: وأخذ القدر، فجعل فيها شيئاً من دقيق وشيئاً من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر – قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين! قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.

خلافته رضي الله عنه وسيرته

قال حمزة بن عمرو توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبو بكر.
عن جامع بن شداد عن أبيه قال كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر إن قال اللهم اني شديد فليني وأني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني.

أنبأنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإسنادهم، عن محمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله، حدثني أبو بكر بن سالم، عن سالم، عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أر عبقرياً يفري فريه، حتى روي النس، وضربوا بعطن ) .
وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد، وحمل من الأموال، وما غنمه المسلمون من الكفار.
وقد ورد في حديث آخر: ( وإن وليتموها – يعني الخلافة – تجدوه قوياً في الدنيا، قوياً في أمر الله).
قال أحمد بن عثمان: أنبأنا أبو مسعود سليمان، أنبأنا أبو بكر بن مردويه الحافظ قال: حدثنا سليمان بن احمد، حدثنا هاشم بن مرثد، حدثنا أبو صالح الفراء، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء – أو: عن زيد بن وهب – أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعر بغير الذي هم أهل له من الإسلام. وذكر الحديث، قال: فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: (مروا أبا بكر أن يصلي بالناس)، وهو يرى مكاني، فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض الله نبيه ارتد الناس عن الإسلام، فقالوا: نصلي ولا نعطى الزكاة، فرضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أبو بكر منفرداً برأيه، فرجح برأيه رأيهم جميعاً، وقال: ( والله لو منعوني عقالاً ما فرض الله ورسوله لجاهدتهم عليه، كما أجاهدهم على الصلاة ) . فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة، فخرج منها سليماً، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ننكر من أمره شيئاً، حتى حضرته الوفاة، فرأى أن عمر أقوى عليها، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده، واستشار المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، وقالوا: أتؤمر علينا من كان عناناً وأنت حي؟ فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه؟ قال: أقول لربي إذا قدمت عليه: إلهي أمرت عليهم خير أهلك " فأمر علينا عمر، فقام فينا بأمر صاحبيه، لا ننكر منه شيئاً، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا، فتح الله به الأرضين، ومصر به الأمصار، لا تأخذه في الله لومة لائم، البعيد والقريب سواء في العدل والحق، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه، حتى إن كنا لنظن أن السكينة تنطق على لسانه، وأن ملكاً بين عينيه يسدده ويوفقه..
قال: وأنبأنا ابن مردويه، حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن القاسم البزار، حدثنا يحيى بن مسعود، حدثني عبد الله بن محمد بن أيوب، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال: إن الله جعل أبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة، فسبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا والله من بعدهما إتعاباً شديداً، فذكرهما حزن للأمة، وطعن على الأئمة.

قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟" قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة والصدقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، قال عمر: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق، قال الصحابة رضوان الله عليهم: قلنا علم عمر الباب؟ قال حذيفة: نعم، كما أن دون غداً الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط12.
ففي هذا الحديث إخبار بعدم وقوع الفتن في عهد عمر رضي الله عنه. فقد مثل حياة عمر بباب لحائط الفتنة وراءه ومثل موته رضي الله عنه بكسر هذا الباب وأنه إذا مات فإن الباب سوف لن يغلق، لأنه كسر كسراً ولم يفتح. وهو إشارة إلى أن الفتن سوف تظهر بعد موته ولن يكون لها مانع أو راد. وقد بدأت الفتنة بعد خلافته قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتن، وظهرت الأهواء والبدع في الأمة الإسلامية13.

ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في فضل خلافة عمر رضي الله عنه: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن عمر كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الإسلام ولا يخرج منه، فلما قتل عمر انثلم الحصن، فالإسلام يخرج منه، ولا يدخل فيه.
وقال رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمرته كانت فتحاً.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل ما يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر كان كالرجل المدبر ما يزداد إلا بعداً.

أول من لقب أمير المؤمنين

ومن ألقابه رضي الله عنه بعد الخلافة (أمير المؤمنين) وهو أول من لقب بهذا اللقب وسبب ذلك أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عامله بالعراق: أن ابعث إليّ برجلين جلدين، نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العوعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فوجدا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت. قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين. فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه إنه الأمير ونحن المؤمنون. فجرى الكتاب من ذلك اليوم14.

ذكر وفاته رضي الله عنه:

عن عمرو بن ميمون، قال: إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفّين قال: استووا حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الْكَلْبُ، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمرّ على أحد يميناً ولا شمالً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرنساَ فلما ظنَّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه.
وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه. فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فانهم لا يدرون غير انهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة قال الصَّنَعُ؟ قال: نعم. قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم.
فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكان الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا باس وقال يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي لبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب
فقال ابشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي.
فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال ابن أخي ارفع ثوبك فانه أبقى لثوبك وأتقى لربك.
يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفى له مال آل عمر فاده من أموالهم وآلا فسل في بني عدي بن كعب فان لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أيريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.
فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال ارفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان منه شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لي فأدخلوني وان ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فلما قبض خرجنا به فانطلقنا به فسلم عبد الله بن عمر وقال يستأذن عمر قالت ادخلوه فادخل فوضع هنالك مع صاحبيه انفرد بإخراجه البخاري15.
وعن عثمان بن عفان قال أنا آخركم عهدا بعمر دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله فقال له ضع خدي بالأرض قال فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك في الثانية أو الثالثة وسمعته يقول ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي حتى فاضت نفسه.
قال سعد بن أبي وقاص طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين.

وعن الشعبي أن أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وان عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين.
وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وستين وقال ابن عباس كان عمر ابن ست وستين وقال قتادة ابن إحدى وستين وصلى عليه صهيب وقال سليمان بن يسار ناحت الجن على عمر رضي الله عنه.
عليك سلام من أمير وباركت … يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها … بواثق في أكمامها لم تفتق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة … ليدرك ما قدمت ألامس يسبق
ابعد قتيل بالمدينة بالمدينة أظلمت … له الأرض تهتز العضاه بأسوق
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الأرض رجل أحب إلي إن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب.
وعن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال كان العباس خليلا لعمر فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام قال فراه بعد حول وهو يمسح العرق عن وجهه قال ما فعلت قال هذا أوان فرغت أن كاد عرشي ليهد لولا اني لقيت رؤوفا رحيما.

المراجع

صفة الصفوة ( الامام الذهبي)


الانْـتِصار لِكتَابِ العَزيز الْجبَّار ولأصحابِ مُحَمَّد الأَخْيار على أعدائهم الأشرار (رَبِيع بن هَادي بن عُمَيْر الْمَدْخلِي)

– الغرر في فضائل عمر (جلال الدين السيوطي)

دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب (عبد السلام بن محسن آل عيسى)

أسد الغابة في معرفة الصحابة ((عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم بن محمد بن الأثير (المتوفى : 630هـ))
– الإستيعاب في معرفة الأصحاب (أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى : 463هـ) )


الهوامش

1- الرَّوَح: إتساع ما بين الفخذين، أو سعة في الرجلين، وهو دون الفحج والأروح الذي تتدانى عَقِباه، وتتباعد صدور قدميه، ابن منظور/ لسان العرب 5/364.

2 – ابن هشام/ السيرة النبوية 1/422، وقال ابن حجر رحمه الله: جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، وقد ذكر من وجه آخر أن إسلامه كان عقب هجرة الحبشة الأولى فتح الباري 7/1.
3 – البخاري 2/323.
4 – رواه البخاري/ الصحيح 2/30، وانظر: ابن حجر/ فتح الباري 7/392.

5 – وانظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 3/79. حيث رجح رحمه الله تأخر إسلام عمر رضي الله عنه حتى السنة التاسعة من البعثة.

6 – رواه أحمد/ المسند 1/17،

7- رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/427،428، قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن أصحاب عطاء ومجاهد أو عن من روى ذلك، وهذا السند رجاله ثقات ولكن فيه الشك بمن حدث ابن أبي نجيح وعطاء ومجاهد ثقتان روايتهما عن عمر مرسلة، فالسند ضعيف

8 – صحيح: أخرجه البخاري في الأنبياء الحديث 3469. ومسلم في فضائل الصحابة الحديث 3693. وأحمد في المسند الحديث 24166.
9 – صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق الحديث 3294. ومسلم في الفضائل الحديث 2396. وأحمد في المسند الحديث 1472.

10- صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الفضائل الحديث 3680. باب 6. مناقب عمر بن الخطاب ومسلم في الفضائل الحديث 2391. باب 2. من فضائل عمر رضي الله عنه.

11 – أنظر حلية الأولياء 1/84. رقم 116

12 – رواه البخاري / الصحيح 1/102، 249، 2/277، 4/227، مسلم / الصحيح / شرح النووي 2/170 – 175، 18/16،17، الترمذي / السنن 3/357، 358 وغيرهم.

13 – انظر: ابن حجر / فتح الباري 6/603-607.

14 – رواه البخاري/ الأدب المفرد، ص: 353 بإسناد صحيح.
قال: حدّثنا عبد الغفّار بن داود، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنّ عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة لِمَ كان أبو بكر يكتب: "من أبي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ كان عمر يكتب من بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر. من أوّل من كتب أمير المؤمنين؟".
قال: حدّثتني جدّتي الشّفاء وكانت من المهاجرات الأوّل، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السّوق دخل عليها، قالت: كتب عمر… الأثر.
وصححه الشيخ الألباني/صحيح الأدب المفرد 390، ورواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/244،245، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/97، الطبراني/ المعجم الكبير 1/64، الحاكم/ المستدرك 3/81،82 وغيرهم.

15 – صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة الحديث 3700. باب 8. قصة البيعة.





بارك الله فيك وسدد خطاكم الله اجمعنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومع جميع الصالحين ومع حبيبك سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم
تقبل مروري
اختك هناء




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي ابو سليمان

وجزاك الله خير

موضوع مفيد للجميع




تعليمية




تعليمية




مشكور على الموضوع الرائع الله يعطيك العافية ننتظر جديدك
تحياتي




بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

الإمام أحمد بن حنبل إمام السنة

تعليمية تعليمية
الإمام أحمد بن حنبل…. إمام السنة

1-نسبه:

هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.


2-نشأته وتعلمه:

قدم به والده من مرو وهو حمل، فوضعته أمه ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين فكفلته أمه، وقد كان في حداثته يختلف إلى مجلس القاضي أبي يوسف، ثم ترك ذلك وأقبل على سماع الحديث، وكان سنه ست عشرة سنة، ثم حج عدة مرات وجاور بمكة مرتين، ثم سافر إلى عبد الرزاق في اليمن وكتب عنه، وقد طاف في البلاد والآفاق وسمع من مشايخ العصر وكانوا يجلونه ويحترمونه.

قال ابن الجوزي: ابتدأ أحمد رضي الله عنه في طلب العلم من شيوخ بغداد ثم رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة، وكتب عن علماء كل بلد، ثم ذكر أسماء من لقي من كبار العلماء وروى عنهم مرتبين على حروف المعجم من الألف إلى الياء،

ثم ذكر من روى عنهم ممن عرف بكنيته ولم يتحقق عنده اسمه، ثم ذكر من روى عنهن من النساء وقد ذكر خلقاً كثيراً من شيوخه.

3-غزارة علمه:


قال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء، وقال أحمد بن سعيد الرازي: ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه ومعانيه من أبي عبد الله أحمد بن حنبل.
وقال أبو عاصم: ليس ثمة ببغداد إلا ذلك الرجل يعني أحمد بن حنبل ما جاءنا من ثم أحد مثله يحسن الفقه، وقال الخلال: كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها.

وكان إذا تكلم في الفقه تكلم كلام رجل قد انتقد العلوم فتكلم عن معرفة، وقال أبو زرعة كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث فقيل له وما يدريك، قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.

وقال ابن الجوزي: وقد كان أحمد يذكر الجرح والتعديل من حفظه إذا سئل عنه كما يقرأ الفاتحة ومن نظر في كتاب العلل لأبي بكر الخلال عرف ذلك، ولم يكن هذا لأحد من بقية الأئمة، وكذلك

.

إنفراده في علم النقل بفتاوي الصحابة وقضاياهم وإجماعهم واختلافهم لا ينازع في ذلك، وأما علم العربية فقد قال أحمد كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو الشيباني، وأما القياس فله من الاستنباط ما يطول شرحه،
قال الإمام ابن الجوزي: واعلم أنا نظرنا في أدلة الشرع وأصول الفقه، وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين فرأينا هذا الرجل أوفرهم حظاً من تلك العلوم، فإنه كان من الحافظين لكتاب الله عز وجل، قال أبو بكر بن حمدان القطيعي: قرأت على عبد الله بن أحمد بن حنبل قال لقنني أبي أحمد بن حنبل القرآن كله باختياره، وقرأ ابن حنبل على يحيى بن آدم وعبيد بن الصباح وإسماعيل بن جعفر وغيرهم بإسنادهم.

وكان أحمد لا يميل شيئاً في القرآن ويروى الحديث: "أنزل مفخماً ففخموه"، وكان لا يدغم شيئاً من القرآن إلا (اتخذتم) وبابه كأبى بكر، ويمد مداً متوسطاً وكان رضي الله عنه من المصنفين في فنون العلم من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر إلى غير ذلك، وأما النقل فقد سلم الكل له إنفراده فيه بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظه منه ومعرفة صحيحه من سقيمه وفنون علومه، وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك. ومن أراد معرفة مقام أحمد في ذلك مقام مالك فلينظر فرق ما بين المسند والموطأ.

قال ابن بدران في كتاب المدخل في ذكر مؤلفاته: والمسند وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً، وقال عبد الله قرأ علينا أبي المسند وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا: هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث.. انتهى.

وهذا يدل على غزارة علمه بالحديث وتميزه فيه وقوة نقده.
وهكذا من يتعلم العلم من مصادره الأصيلة: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتتلمذ على حملته من جهابذة العلماء مع النية الصادقة والعمل به، فإنه حري أن يوفق لتحمل العلم النافع ويكون إماماً في الدين، كما كان الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام وحملة الشريعة. فعسى أن يكون في هذا حافزاً لشباب المسلمين اليوم وقد توفرت لهم وسائل التعلم ليهبوا لحمل هذا العلم الذي به عزهم وشرفهم في الدنيا والآخرة نرجو ذلك.


4-علمه وأخلاقه:


من المعلوم أن العلم وسيلة للعمل ومصحح له، فالغاية المطلوبة هي العمل الصالح والعلم وسيلة لتلك الغاية –وفي الحكمة المأثورة: "علم بلا عمل كشجر بلا ثمر"، والله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ})282 سورة البقرة).

والصحابة رضي الله عنهم يقول قائلهم: ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن، قالوا فتعلمنا العلم والعمل جميعاً، وكان سلفنا الصالح على هذه الصفة، ومنهم الإمام أحمد فقد اتصف بالعلم الغزير والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة.

ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة قال: وعن عبد الله بن أحمد قال كان أبي أصبر الناس على الوحدة، لم يره أحد إلا في مسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق.

وعنه قال: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين وكان يقرأ في كل يوماً سبُعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو، وحج أبي خمس حجات، ثلاث حجج ماشياً واثنتين راكباً، وأنفق في بعض حجاته عشرين درهما، وعنه قال: كنت أسمع أبي كثيراً يقول في دبر الصلاة: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك صنه عن المسألة لغيرك، وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ورد كتاب علي بن الجهم: أن أمير المؤمنين (يعني المتوكل) قد وجه إليك يعقوب المعروف بقوصرة ومعه جائزة ويأمرك بالخروج، فالله الله أن تستعفي أو ترد المال فيتسع القول لمن يبغضك، فلما كان من
الغد ورد يعقوب فدخل عليه فقال: يا أبا عبد الله أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول قد أحببت أن آنس بقربك وأن أتبرك بدعائك وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك وأخرج صرة فيها بدرة نحو مائتي دينار والباقي دراهم صحاح، فلم ينظر إليها ثم شدها يعقوب، وقال له أعود غداً حتى أبصر ما تعزم عليه، وانصرف فجئت بإجانة خضراء فكببتها على البدرة، فلما كان عند المغرب قال: يا صالح خذ هذا فصيره عندك، فصيرتها عند رأسي فوق البيت، فلما كان سحراً إذا هو ينادي يا صالح فقمت فصعدت إليه فقال: ما نمت ليلتي هذه فقلت: لم يا أبت؟ فجعل يبكي وقال: سلمت من هؤلاء حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم، قد عزمت على أن أفرق هذا الشيء إذا أصبحت فقلت ذاك إليك،
فلما أصبح قال: جئني يا صالح بميزان، وقال: وجهوا إلي أبناء المهاجرين والأنصار. ثم قال: وجه إلى آل فلان، فلم يزل يفرقها كلها ونفضت الكيس ونحن في حالة الله تعالى بها عليم، وكتب صاحب البريد أنه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس، قال علي بن الجهم فقلت يا أمير المؤمنين قد علم الناس أنه قد قبل منك، وما يصنع أحمد بالمال وإنما قوته رغيف، فقال لي صدقت يا علي وبهذه النقولات عن ابني الإمام وقد عايشا أباهما معايشة خاصة أكبر دليل على مدى صلاح الإمام أحمد وتقواه وزهده وورعه.


وأما تواضعه:


فقد قال ابن الجوزي بلغني عن أبي الحسين بن المنادي قالسمعت جدي يقول: كان أحمد من أحب الناس وأكرمهم نفساً وأحسنهم عشرة وأدباً، كثير الإطراق، معرضاً عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين والزهاد في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بش به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعاً شديداً وكانوا يكرمونه ويعظمونه،
قال الخلال: وأخبرني محمد بن الحسين أن أبا بكر المروذي حدثهم قال: كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جهل عليه احتمل وحلم، ويقول: يكفى الله، ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة فكانوا يجيئون إلى أبي عبد الله فلا يظهر لهم ميله مع عمه ولا يغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكرامة، وكان كثير التواضع يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلسه، مائلاً إليهم مقصراً عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعض العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر يقعد حيث انتهى به المجلس، وكان لا يمد قدمه في المجلس ويكرم جليسه، وكان حسن الخلق، دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، وكان يحب في الله ويبغض في الله، وكان إذا أحب رجلاً أحب له ما يحب لنفسه، وكره له ما يكره لنفسه ولم يمنعه حبه إياه أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظلم وإثم أو مكروه إن كان منه، وكان إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة. وأحب أن يعرف أحواله، وكان رجلاً فطناً. إذا كان شيء لا يرضاه اضطرب لذلك، ويغضب لله ولا يغضب لنفسه فلا ينتصر لها، فإذا كان في أمر من الدين اشتد له غضبه حتى كأنه ليس هو، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان حسن الجوار، يؤذى فيصبر ويحتمل الأذى من الجار… انتهى.

هذه أخلاق الإمام أحمد. علم وعمل وتواضع وصبر واحتمال، وجدير بمن تربى على الكتاب والسنة وتتلمذ على العلماء العاملين وخالط الصالحين أن يكون كذلك، بخلاف من يتربى على نظريات الفلاسفة وأفكار الغرب فإنه يتأثر بها ويتخلق بها، فيجب على المسلمين أن يوجهوا أولادهم إلى الكتاب والسنة وأخلاق السلف الصالح، ليتربوا التربية الصحيحة، ويتوجهوا الوجهة السليمة ويتركوا استيراد النظريات التربوية من الكفار وفلاسفة الغرب.

5-محنته وصلابته في الحق:


قال الحافظ ابن كثير رحمه الله باب ذكر ما جاء في محنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل / في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق بسبب القرآن العظيم. وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد والتهديد بالقتل بسوء العذاب وأليم العقاب وقلة مبالاته بما كان منهم من ذلك إليه وصبره عليه وتمسكه بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم، وكان أحمد عالماً بما ورد بمثل حاله من الآيات المتلوة والأخبار المأثورة. وبلغه بما أوصي به في المنام واليقظة فرضي وسلم إيماناً واحتساباً وفاز بخير الدنيا ونعيم الآخرة، وهيأه الله بما آتاه من ذلك لبلوغ أعلى منازل أهل البلاء في الله من أوليائه، ثم قال ابن كثير رحمه الله: وقد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل- قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب

السلف ومنهاجهم، فلما ولي الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك، وزينوا له، واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد –إسحاق بن إبراهيم بن مصعب- يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة ثماني عشرة ومائتين، فلما وصل الكتاب كما ذكرنا استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجند يسابورى، فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك. وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد –فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، قال فجثى الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته، قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، قال أحمد ففرحنا ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد وأن الأمر شديد، فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسرى ونالني منهم أذى كثير، وكان في رجليه القيود ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق وصلى عليه أحمد –فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان فأودع السجن نحواً من ثمانية وعشرين شهراً وقيل نيفاً وثلاثين شهراً، ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم، وكان أحمد وهو في
السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه، ولما أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده، قال أحمد: فلم أستطع أن أمشي بها فربطتها في التكة وحملتها بيدي، ثم جاءوني بدابة فحملت عليها فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود.
وليس معي أحد يمسكني فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم فأدخلت في بيت وأغلق علي. وليس عندي سراج فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد ثم دعيت فأدخلت على المعتصم .

وذكر ابن كثير رحمه الله المناظرة التي دارت بينه وبين خصومه بحضرة المعتصم في موضوع خلق القرآن إلى أن قال: ثم لم يزالوا يقولون له يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له -يعني المعتصم- شد قطع الله يدك- ويجيء الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطاً فأغمي علي وذهب عقلي مراراً فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي وقام المعتصم إلي يدعوني إلى قولهم فلم أجبه- وجعلوا يقولون: ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل.

فأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء الثالثة فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً، وقيل ثمانين

سوطاً ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً، ولما رجع إلى منزله جاء الجراح فقطع لحماً ميتاً من جسده وجعل يداويه، ولما شفاه الله بالعافية بقى مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد –وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} الآية، ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك، انتهى باختصار.

وهكذا ثبت الإمام أحمد رحمه الله على الحق، وصبر على السجن والضرب ولم تأخذه في الله لومة لائم، ولم ترهبه السلطة والجبروت، فكانت العاقبة والعقوبة لأعدائه، ومع هذا يعفو ويصفح عن خصومه ويجعلهم في حل ما عدا المبتدعة
لأن المبتدعة انتهكوا محارم الله ولم تكن إساءتهم قاصرة عليه، إنه الإيمان الراسخ والتربية النافعة المستمدة من الكتاب والسنة يصنعان الرجال، ويبعثان على الثبات في مواقف الفتن والأهوال، وهكذا تكون مواقف الأبطال.


6-مميزات مذهبه والأصول التي بناه عليها:

مذاهب أهل السنة كلها مذاهب حق لا سيما مذاهب الأئمة الأربعة
أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وكل مذهب من هذه المذاهب السنية له مميزات، ويمتاز مذهب الإمام أحمد من بينها بقربه من النصوص وفتاوي الصحابة.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: رويت فتاويه ومسائله وحدث بها قرناً بعد قرن، فصارت إماماً وقدوة لأهل السنة على اختلافطبقاتهم حتى إن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره يعظمون نصوصه وفتاواه ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوي الصحابة، ومن تأمل فتاواه وفتاوي الصحابة رأى مطابقة كل منهما على الأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تحريه لفتاوي الصحابة كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه بل أعظم، حتى إنه ليقدم فتاويهم على الحديث المرسل.


أصول مذهبه:

كان مذهبه مبنياً على خمسة أصول وهي:

1- النصوص، فإذا وجد نصاً أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه.

2- ما أفتى به الصحابة فإذا وجد لأحدهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع- بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئاً يدفعه أو نحو هذا.

3- إذا اختلف الصحابة في المسألة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال للدليل حكى الخلاف ولم يجزم بقول.

4- الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ويرجح ذلك على القياس، والمراد بالحديث الضعيف عند قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل والمنكر ولا ما في روايته متهم.

5- فإذا لم يكن هناك نص ولا قول للصحابة أو أحدهم ولا أثر مرسل أو ضعيف عدل إلى القياس فاستعمله للضرورة.

فهذه الأصول الخمسة هي أصول مذهبه وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين، وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف-كما قال لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. أي لم يسبق أن قال فيها أحد من الأئمة بشيء.

7-مؤلفاته:


قال الإمام ابن القيم: كان الإمام أحمد رحمه الله شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه ويشتد عليه جداً، فعلم الله حسن نيته وقصده فكتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفراً، ومنّ الله سبحانه علينا بأكثرها فلم يفتنا منها إلا القليل، وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو عشرين سفراً أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله وحدث بها قرناً بعد قرن، فصارت إماماً وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، وقال ابن الجوزي: كان الإمام أحمد رضي الله عنه لا يرى وضع الكتب، وينهى أن يكتب عنه كلامه ومسائله ولو رأى ذلك لكانت تصانيفه كثيرة، ولنقلت عنه كتب واقتصر الإمام أحمد على التصنيف في النقول أي الأحاديث والآثار وهذه بعض مؤلفاته:

1) المسند في الحديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً.

2) التفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً- يعني من الأحاديث والآثار.
3) الناسخ والمنسوخ.
4) التاريخ.
5) المقدم والمؤخر في القرآن.
6) جوابات القرآن.
7) المناسك الكبير والصغير.
8) الزهد.
9) الرد على الجهمية.


8- وفاته:


مرض في أول شهر ربيع الأول من سنة أحدى وأربعين ومائتين، وتوفي ليلة الجمعة وهي ليلة الثاني عشر من هذا الشهر، ولم حضرته الوفاة أشار إلى أهله أن يوضؤه فجعلوا يوضؤنه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي وهو يذكر الله عز وجل في جميع ذلك، فلما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ورضي عنه، فغسلوه وكفنوه بثوب كان قد غزلته جاريته، وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله ما لم يعلم عددهم إلا الله، ثم صلي عليه وأعيدت الصلاة عليه عند القبر. ثم أعيدت الصلاة أيضاً على القبر بعد دفنه، ولم يستقر في قبره رحمه الله إلا بعد العصر وذلك لكثرة الخلق الذين حضروا. وقد قدر عدد الذين صلوا عليه وشيعوه إلى قبره بألف ألف، وفي رواية وسبعمائة ألف أي مليون وسبعمائة ألف رحم الله الإمام أحمد رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً، وجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

من أعلام المجددين
للشيخ
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
تعليمية تعليمية




بارك الله فيك أخي على الموضوع القيم

جزيت الجنة




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن تعليمية
بارك الله فيك أخي على الموضوع القيم

جزيت الجنة

وفيك بارك الله
اللهم آمين و
إياكم




بارك الله فيك واصل في التميز




ويمتاز مذهب الإمام أحمد من بينها بقربه من النصوص وفتاوي الصحابة.

انه فعلا امام السنة
شكرا على الموضوع القيم




تعليمية




بارك الله فيك وجعلك ممن يقفوا اثر هذا الامام




التصنيفات
السير والتراجم

شـجـاعـة الـصـدّيـق

شـجـاعـة الـصـدّيـق

قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- :

( وكثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة ، وهما متغايران ؛ فإن الشجاعة هي: ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش.

وكان الصديق- رضي الله عنه- أشجع الأمة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وكان عمر وغيره أقوى منه ، ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال ، وهو في ذلك ثابت القلب ، ربيط الجأش ، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم ، فيثبتهم ويشجعهم.

ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار وليلته.

وثبات قلبه يوم بدر وهو يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( يا رسول الله ! كفاك بعض مناشدتك ربك ، فإنه منجز لكما وعدك )).

وثبات قلبه يوم أحد ، وقد صرخ الشيطان في الناس بأن محمدا قد قتل ، ولم يبق أحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا دون عشرين في أحد ، وهو مع ذلك ثابت القلب ساكن الجأش.

وثبات قلبه يوم الخندق ، وقد زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر.

وثبات قلبه يوم الحديبية ، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب حتى إن الصديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه.

وثبات قلبه يوم حنين ، حيث فر الناس ، وهو لم يفر.

وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع ، وكادت تزول لها الجبال ، وعقرت لها أقدام الأبطال ، وماجت لها قلوب أهل الإسلام ، كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح ، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصياح ، وخرج الناس بها من دين الله أفواجا ، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجا ، وانقطع لها الوحي من السماء ، وكاد لولا دفاع الله تعالى لطمس نجوم الاهتداء ، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم ، وكيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم وحبيبهم ، وطاشت الأحلام ، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام ، واشرأب النفاق، ومد أهله الاعناق ، ورفع الباطل رأسا كان تحت قدم الرسول –صلى الله عليه وسلم- موضوعا ، وسمع المسلمون من أعداء الله تعالى ما لم يكن في حياته بينهم مسموعاً ، وطمع عدو الله أن يعيد الناس إلى عبادة الأصنام ، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام ، وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن ، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهود والتمجس والشرك وعبادة الصلبان ، فشمر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار ، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار ، وامتطى من ظهور عزائمه جواداً لم يكن يكبو يوم السباق ، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همه اللحاق ، وقال: (( والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي ، ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي ، ولأدخلنهم في الباب الذي خرجوا منه ، ولأردنهم إلى الحق الذي رغبوا عنه )). فثبت الله تعالى بذلك القلب -الذي لو وزن بقلوب الأمة لرجحها- جيوش الإسلام ، وأذل بها المنافقين والمرتدين وأهل الكتاب وعبدة الأصنام ، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها ، وجرت الملة الحنيفية على سننها ومنهاجها ، وتولى حزب الشيطان وهم الخاسرون ، وأذن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق: ألا إن حزب الله هم الغالبون.

هذا ؛ وما ضعفت جيوش عزماته ، ولا استكانت ولا وهنت ، بل لم تزل الجيوش بها مؤيدة ومنصورة ، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن ، بل لم تزل مذلولة مكسورة.

تلك لعمر الله الشجاعة التي تضاءلت لها فرسان الأمم ، والهمة التي تصاغرت عندها عليات الهمم ، ويحق لصديق الأمة أن يضرب من هذا المغنم بأوفر نصيب ، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكمال التعصيب.

وقد كان الموروث صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس ، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمة بالقياس ، ويكفي أن عمر بن الخطاب سهم من كنانته ، وخالد بن الوليد سلاح من أسلحته ، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته ، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمد من ثباته وشجاعته ).

انتهـــى.

( الفروسية 466-469 )





جزاك الله خيرا .في ميزان حسناتك وصالح اعمالك




تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاكم الله خير الجزاء.




ويا ليت هؤلاء الرجال يعودون …..شكرا اختي على الموضوع




بارك الله فيك




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة الشيخ أحمد محمد شاكر

الشيخ أحمد محمد شاكر ..
محدث العصر

الشيخ "أحمد شاكر" هو أحد أبناء الشيخ "محمد شاكر"، أحد أبرز علماء الأزهر في مطلع
القرن الرابع عشر الهجري، والذي يمتد نسبه إلى أسرة "أبي علياء" بجرجا من صعيد مصر،
وهي أسرة شريفة، ينتهي نسبها إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما..
وقد درس بالأزهر وتتلمذ على يد أكبر علمائه.

عمل الشيخ "محمد شاكر" بالقضاء، وفي عام 1900 م اختير لمنصب قاضي القضاة
بالسودان حيث وضع نظام القضاء الشرعي بها، ثم في عام 1905 عُين شيخاً لعلماء الإسكندرية، ثم شيخاً لمعهدها الديني، ثم وكيلاً لمشيخة الأزهر في عام 1909 ،
ثم استقال في عام 1913 ليتفرغ لأبحاثه العلمية.

أنجب الشيخ " محمد شاكر" عدداً من الأبناء، كان من أبرزهم الشيخ العلامة إمام محدثي
العصر الشيخ " أحمد محمد شاكر"، الذي ولد في فجر يوم الجمعة 29 من جمادى الآخرة 1309هـ الموافق 29 من يناير 1892م.

نشأته :

في تلك البيئة العلمية نشأ الشيخ "أحمد شاكر"، فتعهده أبوه بالتعليم حتى حفظ القرآن
الكريم في سن مبكرة.
انتقل في سن الثامنة من عمره إلى السودان حين عُين في منصب قاضي القضاة، وأكمل

تعليمه في كلية "جوردون" بالخرطوم، حتى انتهاء فترة العمل في الخرطوم، عاد مع
والده إلى مصر ليلتحق بمعهد الإسكندرية الديني الأزهري.

تحصيله العلم :

أخذ الطالب النابغ "أحمد شاكر" ينهل من علوم المعهد الأزهري بهمة وحماس، فتعلم على يد الشيخ "محمود أبو دقيقة" – من كبار علماء الأزهر وقتها – الفقه وصوره حتى نبغ فيهما.
وتعلم على يد أبيه التفسير مثل تفسير النسفي وتفسير البغوي، كما درس من الحديث صحيح مسلم، وسنن الترمذي، وبعض الدروس في صحيح البخاري، كما درس جمع الجوامع وشرح الإسنوي على المناهج في أصول الفقه، وكتاب الهداية في الفقه الحنفي.

وعند انتقال والده للقاهرة ليشغل منصب وكيل مشيخة الجامع الأزهر عام 1909م، اتسعت أمام طالب العلم النابه آفاق التحصيل، وامتد اتصاله بالعلماء، حيث التقى كثير من العلماء الأجلاء في ذلك الوقت، من الأزهر، ومن الدول الأخرى، فلم يكن يسمع بزيارة عالم
للقاهرة إلا ويلحق به ويلتقيه ليأخذ منه، فالتقى الشيخ العلامة "عبد الله بن إدريس السنوسي" محدث المغرب وقرأى عليه وأُجيز منه برواية الكتب الستة، كما التقى الشيخ العلامة "محمد الأمين الشنقيطي"، و"أحمد بن الشمس الشنقيطي"، و"شاكر العراقي"، و"طاهر الجزائري"،
كما التقى من مشاهير هذا العصر، الشيخ "محمد رشيد رضا"، والشيخ "سليم البشري"
شيخ الجامع الأزهر، وقد أجازه جميعهم بمروياتهم في السنة النبوية.

وهكذا برز الشيخ "أحمد شاكر" في علوم السنة وبرع فيها، حتى انتهت إليه إمامة الحديث
في مصر.

وفي عام 1917 م حصل على الشهادة العالمية من الأزهر، واشتغل بالتدريس فترة قصيرة،
ثم عمل بعدها في القضاء، وترقى في منصبه حتى اختير نائبًا لرئيس المحكمة الشرعية العليا،
وظل بها حتى أُحيل إلى التقاعد عام 1951 م.

لمحات من حياته العلمية :

تركزت جهود الشيخ "أحمد شاكر" العلمية حول إحياء التراث العلمي والسعي لنشره بعد
تحقيقه وتنقيحه، والكتابة العلمية التى تجلى فيها اجتهاده في بعض المسائل.
إلا أن تحقيق التراث وإحياءه شغل الهم الأكبر في حياة الشيخ العلمية، حيث فرغ جل جهده لذلك، وكان كتابه"الرسالة" للشافعي هو أول كتاب حققه وخرج إلى الناس، إلا أن تحقيقه
كان على غير ما اعتادت الحياة العلمية وقتها، حيث كان ينتشر وقتها تحقيقات المستشرقين لكتب العلماء المسلمين التي لم تكن تخلو من شوائب ودسائس ومطاعن، فاستقبلت الحياة
العلمية تحقيق الشيخ بترحاب، ومدح كثير من علماء تلك الفترة في إخراجه الكتاب بتلك الصورة الدقيقة الرصينة، حيث اعتمد الشيخ في تحقيقه على أصل قديم للكتاب بخط "الربيع
بن سليمان" تلميذ الشافعي نفسه كتبه في حياته، وقام الشيخ "أحمد شاكر" بوضع مقدمة للكتاب بلغت نحو 100 صفحة تناول فيها حياة الإمام وفقه، وأهمية الكتاب، ومنهجه في التحقيق والتخريج، كما خرج أحاديث الكتاب تخريجاً علمياً دقيقاً، مع وضع فهارس شاملة
في نهاية الكتاب، كما ضمنه تعليقات وشروح لإتمام الفائدة للقارئ والدارس.
بعد ذلك تفرغ الشيخ لأمهات كتب السنة، وعكف على تحقيقها، فأخرج جزأين من
سنن الترمذي، وأخرج الجزء الأول من صحيح ابن حبان، كما اشترك مع الشيخ
"محمد حامد الفقي" في تحقيق تهذيب سنن أبي داود.

كذلك بذل علامة عصره الشيخ "أحمد شاكر" جهداً ضخماً في تحقيق مسند الإمام أحمد بن حنبل وهو أكبر دواوين السنة، فالكتاب يقوم على تقسيم الأحاديث حسب الرواة، كل راوٍ على حدة، فمسند ابن مسعود مثلاً يضم الأحاديث التي رواها دون ترتيب، وهكذا، وكان التعامل مع المسند بهذه الصورة يمثل صعوبة للباحثين والمتخصصين، وهو ما كان جعل الحافظ الذهبي قبل ذلك يتمنى أن يقيض لهذا الديوان الكبير من يخدمه ويبوبه ويرتب هيئته.

وهكذا، كان المجهود الواقع على عاتق الشيخ "شاكر" مجهوداً عظيماً، يحتاج لمن هو في مثل علمه وتمكنه، وهكذا تمكن من إخراج خمسة عشر جزءاً على أحسن ما يكون التحقيق، فقد قام بترقيم أحاديث الكتاب، وعلق عليها وخرّجها، وحكم عليها صحة وضعفًا، وضبط أعلامها، وشرح غريبها، وجعل لكل جزء فهارس فنية دقيقة.

كما اشترك مع أخيه الأستاذ "محمود شاكر" في تحقيق تفسير الطبري مع التعليق عليه.
ولم تقتصر جهود الشيخ "شاكر" على علوم السنة فقط، بل امتدت جهوده إلى اللغة والأدب، فأخرج " الشعر والشعراء" لابن قتيبة، و"لباب الآداب" لأسامة بن منقذ، و"المعرب" للجواليقي، واشترك مع الأستاذ "عبد السلام هارون" – وهو ابن خاله – في تحقيق "المفضليات" و"الأصمعيات" و"إصلاح المنطق لابن السكيت".
أما ما يتعلق بمؤلفاته وبحوثه التي ضمت اجتهاداته في شتى العلوم، فكان أهم ما ألفه من كتب: "الكتاب والسنة"، و"كلمة حق"، و"عمدة التفسير"، وهو اختصار قام به لتفسير ابن كثير، وأخرج منه خمسة أجزاء، و"الباعث الحثيث"، وهو شرح لكتاب "اختصار علوم الحديث" لـ ابن كثير، وشرح أيضًا " ألفية الحديث" للسيوطي.

منقول




بارك الله فيك واصل في التميز




تعليمية




دائما مواضيعك مميزة بارك الله فيك
جزاك الله خيرا




بارك الله فيك أختي الفاضلة على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

فضائل معاوية بن أبي سفيان مدون الوحي

تعليمية تعليمية
فضائل معاوية بن أبي سفيان

تعليمية
مدون الوحي وكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم

لقد قَضى الله بحِكمته أن يكونَ لنبيِّه المصطفى المختار – صلَّى الله عليه وسلَّم – صحبٌ كرام، ورجال أفذاذ، هم خيرُ الخلق بعد الأنبياء، وهم الذين حملوا رسالةَ هذا الدِّين وبثِّها في أصقاع المعمورة، واختصَّهم الله – سبحانه – بصحبة نبيِّه الكريم – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولولا انفرادُهم بالأفضلية والخيرية، لَمَا اختيروا لهذه الصُّحبة العظيمة، والتي هي أجلُّ مرافقة على مرِّ العصور؛ كيف لا، وهي مرافقةُ أفضلِ الخَلق وأكرمهم؟!

روى أحمد عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – أنَّه قال: "إنَّ الله نظر في قلوب العِباد فوجد قلبَ محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثمَّ نظر في قلوب العِباد بعدَ قلب محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العِباد، فجعلهم وُزراءَ نبيِّه، يقاتلون على دينه"، ومن المؤسِف أن يقع البعضُ في الصحابة الأخيار، وأن ينال ممَّن صحبوا الرسول الكريم – صلَّى الله عليه وسلَّم – وشهد لهم كبارُ هذه الأمَّة بعد رسولها – صلَّى الله عليه وسلَّم – بالخير والصلاح، ونصَّبوهم المناصبَ العالية في دولتهم، وسيَّروهم على الجُيوشِ الفاتحة لبلاد العالَم آنذاك.

ومِن هؤلاء الصحابة الكرام: الصحابيُّ الجليل، الخليفة والملك القائد، صاحب الفتوحات الإسلاميَّة، والقائد المحنَّك، وداهيةُ زمانه: معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه وأرضاه.

خالُ المؤمنين، وكاتبُ وحي رسول ربِّ العالمين، وكاتب رسائل النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لرؤساء القبائل العربيَّة.

روى عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أحاديثَ كثيرة؛ في الصحيحين وغيرهما من السُّنن والمسانيد.

شَهِد حنينًا، وشهد اليمامة، وكان – رضي الله عنه – عاقلاً في دُنياه، لبيبًا عالِمًا حليمًا، مَلِكًا قويًّا، حسنَ التدبير عاقلاً حكيمًا، فصيحًا بليغًا، وكان كريمًا باذلاً للمال يَحلُم في موْضع الحِلم، ويشتدُّ في موضع الشِّدة، إلاَّ أنَّ الحلم كان أغلبَ عليه، وكان يُضرب بحلمه المَثل، قال ابن عون: "كان الرَّجل يقول لـ معاوية: واللهِ لتستقيمنَّ بنا يا معاويةُ، أو لنُقومنَّك، فيقول: بماذا؟ فيقول: بالخشب فيقول: إذًا نستقيم".

وقال قبيصةُ بن جابر: صحبتُ معاويةَ، فما رأيتُ رجلاً أثقل حِلمًا، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه، شهد له الصحابة بالصُّحبة والفِقه؛ فعن ‏‏ابن أبي مُليكةَ ‏‏قال:‏ "‏أوتر ‏معاويةُ ‏‏بعدَ العشاء بركعة، وعنده ‏‏مولًى ‏‏لابن عبَّاس،‏ ‏فأتى ‏ابن عبَّاس، ‏‏فقال ‏: ‏دعه؛ فإنَّه قد صحب رسولَ الله – ‏‏صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ رواه البخاري.

وعن ‏‏معاوية – صلَّى الله عليه وسلَّم – ‏‏قال:‏ "إنَّكم لتصلُّون صلاةً، لقد صَحبْنا رسولَ الله – ‏‏صلَّى الله عليه وسلَّم – ‏فما رأيناه يُصلِّيها، ولقد نهى عنهما؛‏ ‏يعني: الركعتين بعد العصر"؛ رواه البخاري.

قال عنه ابن المبارك – رحمه الله -: "معاوية عندنا مِحنة؛ فمَن رأيناه ينظر إليه شَزرًا اتهمناه على القوم؛ يعني: الصحابة"؛ "البداية والنهاية"، وعن أبي إسحاقَ قال: "كان معاوية؛ وما رأينا بعدَه مثله".

دعا له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: ((اللهمَّ اجعلْه هاديًا مهديًّا))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وأخرج أحمد في مسنده عن العِرباض بن سارية – رضي الله عنه – أنه قال: سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((اللهم عَلِّم معاويةَ الكتاب والحساب، وقِهِ العَذاب)).

وأخرج ابن أبي شيبةَ في المصنَّف، والطبرانيُّ في الكبير، عن عبدالملك بن عمير قال: قال معاوية: "ما زِلتُ أطمع في الخِلافة منذ قال لي رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معاويةُ، إذا ملكتَ فأَحسِن)).

قال عنه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : "يذكرون كِسرى وقيصر ودَهاءَهما، وعندكم معاوية!".

ولولا فضلُ معاويةَ ومكانتُه عند الصحابة، لَمَا استعمله أميرُ المؤمنين عمر خلفًا لأخيه يزيدَ بعد موته بالشَّام، فكان في الشَّام خليفةً عشرين سنة، وملِكًا عشرين سنة، وكان سلطانُه قويًّا.

سُئل عبدالله بن المبارك: أيهما أفضل: معاويةُ بن أبي سفيان، أم عمرُ بن عبدالعزيز؟ فقال: والله إنَّ الغُبار الذي دَخَل في أنف معاويةَ مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أفضل مِن عُمرَ بألف مرَّة؛ صلَّى معاوية – رضي الله عنه – خَلفَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربَّنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟!

عن أبي أُسامة، قيل له: أيُّهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: "أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لا يُقاس بهم أحد"، قال الإمام النووي: "وأمَّا معاوية فهو مِن العدول الفضلاء، والصحابة النُّجباء"؛ شرح النووي على صحيح مسلم.

ولَمَّا مات علي – رضي الله عنه – ذهب الناس إلى الحسنِ بن علي – رضي الله عنهما – ليبايعوه، فبايعوا الحسن، فتنازل الحسنُ عن الأمر لمعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – وحَقن دماءَ المسلمين، وحقَّق ما قاله مِن قبلُ الصادق المصدوق – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد جاء في "صحيح البخاري": أنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – صَعد يومًا على المنبر، وأجلس إلى جانبه الحسنَ بن علي، ثم نظر النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى الناس ونظر إلى الحسن، وقال: ((أيُّها الناس، إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، سيصلح الله به بين فِئتين عظيمتَين مِن المسلمين)).

وكانت خلافة معاوية خيرًا للمسلمين؛ انطفأتِ بها الفِتنة، واجتمع المسلمون على رايةٍ واحدة، وعادتِ الفُتوحات، وسار معاوية – رضي الله عنه – سِيرةً حسنة بالناس، فقرَّب البعيد، ولم يبقَ في أيَّامه معارضٌ؛ سوى قلَّة من الخوارج، وفي عهده اشتهر ما يُسمَّى بالصوائف والشواتي، وهي غزوة الشِّتاء والصيف.

عن أمِّ حرامٍ: أنَّها سمعت رسول اللَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((أوَّلُ جيشٍ من أمَّتي يغزون هذا البحرَ قد أوجبوا))، فقالت أمُّ حرامٍ: يا رسولَ اللَّه، أنا منهم؟ فقال: ((أنتِ منهم))، ثمَّ قال رسولُ اللَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أوَّل جيشٍ من أمَّتي يغزون مدينةَ قيصر مغفورٌ لهم))، فقالت أمُّ حرامٍ: يا رسول الله، أنا منهم؟ قال: ((لا))؛ رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر: "قال المهلَّب: في هذا الحديث منقبةٌ لـ معاويةَ؛ لأنَّه أوَّل مَن غزا البحر، ومنقبةٌ لولده يزيد؛ لأنَّه أوَّل مَن غزا مدينةَ قيصر" ا.هـ.

وفي عهده أقام دارًا لصناعة السُّفن في مصر، وفتح القسطنطينية، وفتح تكريت، ورودوس، وبنزرت، وسوسة، وسجستان، وقوهستان، وبلاد السند، وبَنَى القيروان، وتحوَّلت الخلافة في عهده إلى مُلك؛ فعن سفينة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خلافة النبوَّة ثلاثون سنة، ثم يُؤتِي اللهُ الملكَ مَن يشاء، أو مُلكَه مَن يشاء))؛ رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح.

ومِن أقواله وحِكمه – رضي الله عنه -: "لا حَكيمَ إلاَّ ذُو تَجرِبَة".

وكان يقول: "كلُّ الناس أَقدِرُ على رضاه، إلاَّ حاسد نعمة؛ فإنَّه لا يُرضيه إلاَّ زوالها"، وكان معاوية – رضي الله عنه – محبًّا لآلِ بيت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم.

يقول ضرار بن الحارث الصدائي – أحد أهل العراق من جيش علي بن أبي طالب -: " دخلت على معاويةَ وهو خليفةٌ بعد ما قُتل أبو الحسن – رضي الله عنه وأرضاه – فعرَف أنِّي من جيش علي – رضي الله عنه – فقال: يا ضرارُ، حدِّثني عن علي بن أبي طالب، قال: فتحرَّجتُ أن أحدِّثه؛ لأنَّهما تقاتلاَ، فقلت: اعفني يا أميرَ المؤمنين، قال: عزمتُ عليك إلاَّ حدَّثتني عن علي؛ فإنِّي أحبُّ الحديث عنه، قال ضرار: أمَا إنْ سألتني يا أميرَ المؤمنين، فوالله لقد صاحبتُ عليًّا فوجدته عابدًا عالمًا زاهدًا، والله لقد رأيتُه في اللَّيل الدامس – أي: المظلم – يقبض على لحيته بيديه، وهو يقول: "يا دُنيا يا دَنية، طلَّقتُك ثلاثًا، زادُك حقير، وعمرُك قصير، وسَفرُك طويل، آهٍ من قلَّة الزَّادِ، وبُعدِ السفر، ولقاء الموت!"، فبكى معاوية حتى تغيَّر على جلسائه، وسالت بالدُّموع لحيته، ثم قال: رَحِم الله أبا الحسن، ثم قال: صدق الله: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 – 16].

ولَمَّا حضر معاويةَ بن أبي سفيان الموتُ، نزل مِن على كُرسيه، وكشف البِساط، ومرَّغ وجهه بالتراب، وقال: صدق الله: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 – 16].

فينبغي على كلِّ مسلم – عبادَ الله – عدمُ الخوض فيما دار بين الصحابة، فلا نخوض فيما شَجَر بينهم؛ بل نتولاَّهم جميعًا – رضي الله عنهم – ونترضَّى عنهم؛ قال – سبحانه -:
{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

وسُئل عمر بن عبدالعزيز عمَّا وقع بين الصحابة مِن فتنٍ وحوادثَ وحروب، قال: "تلك أمورٌ سلَّم الله منها سيوفَنا من دمائهم، فلماذا لا نُسلِّم ألسنتنا من الخوض فيها؟!"

وقال الإمام أحمد: "ومِن السُّنَّة ذِكْرُ محاسن أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كلِّهم أجمعين، والكفُّ عن الذي شَجَر بينهم، فمن سبَّ أصحاب رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أو واحدًا، فهو مبتدعٌ رافضي، حبُّهم سُنَّة، والدُّعاء لهم قُربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآرائهم فَضيلة"؛ السُّنة للإمام أحمد.

تعليمية تعليمية




تعليمية تعليمية
خطبة بعنوان:
الملك المبجل الموقر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي وسع كل شيءٍ رحمةً وعلماً، ورفع بعض خلقه على بعض، منةً منه وفضلاً، وإكراماً وإعزازاً، وله الحجة البالغة، والحِكَم الباهرة فيما اختار، ومن اصطفى، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
وأشهد أن لا إله إلا هو، الملك الكريم، الحكيم الخبير، السميع العليم، الرقيب الحفيظ.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي خُتمت به الأنبياء والمرسلون، وفَتح به ربه قلوباً غلفاً، وعيوناً عمياً، وآذاناً صماً، فصلى الله عليه وسلم وبارك، وعلى أزواجه وذريته وباقي آل بيته، وعلى أصحابه السادة الغُرر، الأئمة الكٌبَر، البررة الأنجاب، السابقين إلى تصديقه ونصرته، والناقلين لسننه وأحكامه، وأقواله وأفعاله وأحواله، والباذلين أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنشر دينه، وهداية الناس إليه، حتى كان جميعه راجعاً إلى نقلهم وتعليمهم، ومتلقى من جهتهم، فلهم مثل أجور كل من اهتدى بشيء منه على مر الأزمان، واختلاف البلدان، وتنوع الأجناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
أما بعد أيها الناس:
فإن من أعظم خصال التقوى، وأجل صفات أهل الإيمان، وأحسن خلال المسلم، ودلائل جميل الديانة، وشواهد صلاح الباطن، وعلامات وفور العقل وصحته، هو حب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلامة القلوب والألسن جهتهم، وذكرهم بين الناس بالجميل، وإعزازهم وإجلالهم وتوقيرهم.
وعلى هذه العقيدة الطيبة الزكية سار أهل السنة والحديث على مر الأزمان، وتباين الأقطار، واختلاف الأجناس والألوان واللغات، وسيستمرون عليها إلى قيام الساعة.
ومن قرأ القرآن المجيد فلن يجد إلا هذه العقيدة، ومن نظر أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه زادته إيماناً وتمسكاً بهذه العقيدة، ومن وقف على أقوال أجلة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة إليهم وجد أنهم لا يخرجون عن هذه العقيدة الطيبة المباركة، ومن قلب دواوين السنة المطولة والمختصرة زادته ثباتاً إلى ثبات.
أيها الناس:
قال الله جل وعلا في شأن الصحابة رضي الله عنهم:
{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم }.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
ثناء الله تعالى على الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم الذين سبقونا إلى الإيمان والهجرة والجهاد وإقامة الدين.
ومن هذه الفوائد:
إخبار الله تعالى جميع خلقه بأنه قد رضي عن هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ومن هذه الفوائد:
تبشير هؤلاء الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم بأنهم من أهل الجنة الخالدين فيها أبداً.
ومن هذه الفوائد:
بيان الله لمن جاء بعد هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم بأنه لن يرضى عنهم إلا إذا كانوا ممن اتبع هؤلاء الصحابة بإحسان.
ومن هذه الفوائد:
الحكم بصحة إيمان هؤلاء الصحابة الأخيار رضي الله عنهم، وسلامة ما كانوا عليه من القول والعمل.
حيث جمع الله تعالى لهم بين رضاه عنهم، ووعدهم بدخول الجنة، وشَرَطَ الرضا عن من بعدهم باتباعهم.
وقال الله عز وجل في شأن الصحابة رضي الله عنهم:
{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة وممثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً }.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
ثناء الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وذكر شيء من صفاتهم الطيبة الجليلة.
ومن هذه الفوائد:
إخبار الله تعالى بأن هذا الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهذه الصفات التي وصفهم بها في القرآن، مذكورة فيما أنزل على موسى عليه السلام في التوراة.
ومن هذه الفوائد:
إخبار الله تعالى بأنه قد أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وذكر شيئاً من صفاتهم فيما أنزل على عيسى عليه السلام في الإنجيل.
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بأنهم لا يريدون بعبادته إلا وجه، حيث قال سبحانه: { يبتغون فضلاً من ربهم ورضوناً } وهذه تزكية منه تعالى لبواطنهم.
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بحسن صلاتهم وكثرتها، حيث قال سبحانه: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } وهذه تزكية منه تعالى لظواهرهم.
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بالشجاعة والبسالة مع أعدائه الكفار.
ومن هذه الفوائد:
بيان أن الله تعالى قد جعل نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه محل غيظ لأعدائه الكفار.
ومن هذه الفوائد:
الإشارة إلى ذم الروافض والخوارج لأنهم قد شابهوا الكفار في غيظهم وغضبهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وقال الله تعالى بعد أن مدح الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم في سورة الحشر:
{ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم }.
وقد دلت هذه الآية العظيمة على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم بالإيمان والسابقة إليه.
ومن هذه الفوائد:
بيان عقيدة أهل الإيمان الحق في الصحابة رضي الله عنهم، وأنها: سلامة القلوب والألسن جهتهم.
حيث أخبر سبحانه أن من جاء بعد هؤلاء الصحابة من المؤمنين: يدعون للصحابة بالمغفرة، ويشهدون لهم بالإيمان، وبسابقتهم إليه، وأنهم إخوان لهم فيه، ويسألونه أن يسلم قلوبهم من الغل عليهم أو أحد منهم.
ومن هذه الفوائد:
بيان قبح ما عليه الروافض والخوارج جهة الصحابة رضي الله عنهم، حيث دُعوا إلى سلامة الألسن مع الصحابة بالدعاء والاستغفار لهم، وإلى سلامة القلوب بعدم الغل والبغض والحقد عليهم، فأبغضوهم وسبوهم وشوهوا صورهم وتأريخهم بين الناس.
أيها الناس:
قال رسول صلى الله عليه وسلم في حق جميع أصحابه رضي الله عنهم:
(( خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم )) رواه مسلم.
وفي هذا الحديث الشريف:
دلالة ظاهرة جلية على أن الصحابة رضي الله عنهم أفضل هذه الأمة بلا منازع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في حق أصحابه من الأنصار رضي الله عنهم:
(( لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق )) رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الحديث الشريف:
دلالة واضحة على ذم كل من لا يحب الأنصار، وأن مبغضهم من المنافقين.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني )) رواه ابن أبي شيبة.
وهذه شهادة بأن أمته لا تزال بخير ما دام الصحابة أو من رآهم وصاحبهم فيهم وبينهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً لأمته جميعاً:
(( لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )) رواه البخاري ومسلم.
وقد دل هذا الحديث الشريف على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
حرمة سب أو عيب أو ذم الصحابة أو أحد منهم.
ومن هذه الفوائد:
بيان قبح ما عليه الروافض والخوارج حيث يسبون ويذمون من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرض لجانبهم أو أحدهم.
ومن هذه الفوائد:
أن العمل الكثير من غير الصحابة لا يساوي العمل القليل من الصحابة رضي الله عنهم.
حيث دل الحديث على أن الصحابي رضي الله عنه لو تصدق في سبيل الله بملء كفيه، وتصدق غير الصحابي بمثل جبل أحد ذهباً فصدقة الصحابي رضي الله عنه أعظم وأفضل عند الله تعالى.
وقد ثبت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال:
(( لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادتكم أربعين سنة )) رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
ومن هذه الفوائد:
بيان عظم منزلة الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبير شرفها، وسعادة من نالها.
أيها الناس:
إن من المسائل التي ذكرها أئمة أهل السنة والحديث في كتب الاعتقاد على اختلاف عصورهم وبلدانهم ولغاتهم ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
الذم والقدح والتحذير والبغض والكراهية لكل من يذكر الصحابة أو يذكر أحداً منهم بسوء، وأنه مبتدع.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:
من انتقص واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساويه كان مبتدعاً، حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً.اهـ
وقال رحمه الله أيضاً:
إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام.اهـ
وقال رحمه الله أيضاً:
من تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينطوي إلا على بلية، وله خبيئة سوء، إذ قصد إلى خير الناس وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ
وقال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله:
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة.اهـ
المسألة الثانية:
السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم من الخلاف بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، حتى لا تنجر الألسن أو القلوب إلى ذم أو بغض أحد منهم فتهلك.
ولأن أكثر ما يروى من الأقاويل والقصص في ذلك أكثره كذب، ومنه ما زيد فيه أو نُقص حتى تغير عن معناه الصحيح، والصحيح منه قليل، وهم فيه إما مجتهدون مصيبون أو مجتهدون مخطئون، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.
المسألة الثالثة:
وجوب لزوم ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم في سائر أبواب الدين في باب العقيدة، وفي باب العبادات، وفي باب المعاملات، وفي الفعل والترك، وفي العمل بالسنن واجتناب البدع، وفي فهم نصوص القرآن والسنة.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:
أصول السنة عندنا ـ يعني عند أهل السنة والحديث ـ التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدع فهي ضلالة.اهـ
بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأحسنه الموافق للقرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز أوليائه، ومحب أهل طاعته، ومخزي شانئيهم ومن قلاهم، والصلاة والسلام على نبيه المؤيد بالبراهين والمعجزات، وعلى آل بيته، وعلى الصحابة الكرام المكرمين المرضيين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء والمصير.
أما بعد أيها الناس:
إن جرأة الرافضة والخوارج على الصحابة بالقدح والطعن والتشويه ليست بغريبة منهم، ولا جديدة علينا، وكتب أهل السنة والحديث من مختلف الأقطار ومع تعاقب الأزمان في الرد عليهم متكاثرة، ولا تزال في ازدياد، ومشهورة متداولة قريبة المنال، وذلك نصرة لله ولدينه ولرسوله وللمؤمنين.
وكذلك كراهية أهل السنة لهم، بسب ما هم عليه من الباطل في جانب الصحابة وغيره، معروفة مستقرة، ولا تزال الأجيال تتوارثها، وتتقرب إلا الله بها، إلا من جهل عقيدتهم، أو لبس عليه دعاة البدع دينه، أو كان في قلبه شيء من دغش وهوى لا ترويه نصوص الوحي المنزل.
وإنما العجب والغريب أمران:
أولهما: أن يتجرأ بعض الكتاب والمؤلفين ممن يعدون أنفسهم دعاة وموجهين للأمة إلى الطعن والقدح في بعض الصحابة الأخيار، لا سيما أمير المؤمنين المبجل الموقر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعن أبيه.
ثانيهما: أن يخرج أقوام فيبجلون هذا الطاعن ويلقبونه بألقاب شريفةٍ أو يلتمسون له المعاذير، ويزداد عندهم توقيراً وإجلالاً ومكانةً.
أيها الناس:
إن القدح والعيب في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جريمة منكرة، وسيئة شنيعة، وقبيحة شديدة.
ومن قدح فيه أو عابه أو أطلق قلمه أو لسانه بذلك فقد خالف القرآن العظيم، وعارض السنة النبوية، واهتدى بغير هداهما، وكان منحرفاً إلى هواه.
وذلك لأن كل نص فيهما قد جاء فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم، ووجوب محبتهم وتوقيرهم واحترامهم وتبجيلهم، وحرمة سبهم وعيبهم، فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه، وهو من أهله، لأنه من الصحابة، بل هو صحابي ابن صحابي.
وقد قيل للإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله:
أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز.اهـ
وقيل للإمام أحمد رحمه الله:
أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس القرن الذي بعثت فيهم )).اهـ
وقيل للمعافى بن عمران رحمه الله:
أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فغضب على السائل وقال له: أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين، معاوية صاحبه ـ يعني: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ـ وصهره كاتبه وأمينه على وحي الله.اهـ
أيها الناس:
إن مناقب هذا الأمير المبجل، والصحابي الموقر، ملك أهل الإسلام، كثيرة مشهور، ظاهرة غير خفية، وحسنٌ إمتاع القلوب، وتشنيف الأسماع، وتنوير العقول بشيء منها.
فمن هذه المناقب:
أنه كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وصدقوه ونصروه وجاهدوا بين يديه وتلقوا العلم عنه.
ومن هذه المناقب:
أنه كان كاتباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب عنه الوحي الذي أنزل عليه هداية للخلق أجمعين.
ومن المؤكدة عند جميعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يختار لكتابة الوحي ولا غيره عنه إلا من كان عنده أميناً مرضياً.
ومن هذه المناقب:
أنه ممن أعز الله تعالى بهم الإسلام وأهله.
حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفةً كلهم من قريش )) رواه البخاري.
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:
وأول ملوك الإسلام معاوية، وهو خير ملوك المسلمين.اهـ
ومن هذه المناقب:
دخوله في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا )) رواه البخاري
وقد كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول من ركب البحر من الغزاة في سبيل الله تعالى، بل وكان أمير هذا الجيش، وذلك في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فهنيئاً له هذا الموعود من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه البشارة العظيمة الجليلة.
ومن هذه المناقب:
تولية ثلاثة من الخلفاء الراشدين المهديين له، وهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
حيث ولاه أبو بكر على بعض المدد الذي أرسله إلى بلاد الشام مجاهداً في سبيل الله تعالى، ثم ولا عمر على بعض أقاليم الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم ولاه عثمان أميراً على بلاد الشام كلها.
ومن هذه المناقب:
اتساع رقعة الإسلام في عهده حتى وصلت إلى حدود القسطنطينية، وإلى شمال أفريقية، وإلى حدود روسياً.
ويا لله كم ترتب على كثرة الفتوح لأمصار الناس في عهده من إسلام الألوف، ومئات الألوف، بل والملايين.
فهنيئاً له ما سيناله من الأجور بسب إسلام هؤلاء.
أيها المسلمون:
إن سبب الكلام عن هذا الصحابي الجليل، والمجاهد النبيل، والأمير الكبير، أمران:
أولهما: أنا على مقربة من يوم عاشوراء، وهو يوم جليل، يوم نجا الله فيه موسى عليه السلام ومن معه، يوم سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه لأمته، يوم صيامه يكفر ذنوب السنة التي قبله، وقد استبدل الرافضة ـ ردهم الله إلى الهدى ـ هذا الصيام بالإكثار من لعن وسب هذا الصحابي، وتشويه صورته وتأريخه عبر وسائل إعلامهم المقروءة والمسموعة والمرئية، فمناسب أن يدافع عنه، وتُحيى فضائله ومناقبه.
وثانيهما: أن هذا الصحابي رضي الله عنه بوابة الصحابة الباقين، فمن تجرأ عليه بعيب أو قدح تجرأ على غيره، وإن سُكتَ عنه سُكت على من تجرأ على غيره.
وقد قال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي رحمه الله:
معاوية سترٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.اهـ
وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد رحمه الله ـ وقد سئل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخلة سوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني )).اهـ
أيها الناس:
إنه والله يزعجنا ويؤذينا ويحزن قلوبنا أن تبيع بعض المكتبات ودور النشر في أنحاء شتى من بلادنا الإسلامية بعض الكتب التي فيها الطعن في هذا الصحابي الجليل، ومن أخصها كتب سيد قطب، حيث قال في كتاب له بعنوان: " كتب وشخصيات" كما في الصفحة الثانية والأربعين بعد المائة الثانية:
وحين يركن معاوية وزميله ـ يعني به: عمرو بن العاص ـ إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل.اهـ
أيها الناس:
إن هذا الرمي من سيد قطب لهذين الصحابيين الجليلين:
بالكذب والغش والخداع والنفاق والرشوة وشراء الذمم، لمن أقبح وأشنع وأغلظ السب والطعن والقدح والعيب، ولو قيلت هذه الكبائر أو بعضها في أحدنا أو في أبويه أو في أولاده أو في قبيلته أو في أهل بلده لغضب شديداً، ولما أطاقته نفسه، ولتوخم قلبه، ولقاطع قائلها وذمه وحذر منه، ونفر عنه، ونفر الناس منه، بل قد يقاضيه في المحاكم، ويطالب بعقوبته، وسحب هذه الكتب، وتغريم مؤلفها وناشرها ومن يبيعها.
بل إن سيد قطب لم يتوقف عند هذا بل جاوز إلى الطعن في أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمبشر بالجنة، والمشهود له بالموت شهيداً، الذي جهز جيش العسرة، والذي يستحي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وملائكة الرحمن، الأواه المنيب، الخاشع العابد، العادل الحليم، الراكع الساجد الصائم.
حيث زعم في كتابه " العدالة الاجتماعية ":
إن أسس الدين قد تحطمت في عهده، وأنه انحرف عن روح الإسلام، وأن خلافته كانت فجوة بين خلافة الشيخين وعلي، وأن الفئة الضالة المنحرفة التي خرجت عليه وأراقت دمه الزكي كانت أقرب إلى روح الإسلام منه.
أيها الناس:
إن مما يزعجنا ويؤذينا ويحزن قلوبنا أيضاً ما تفوه به طارق السويدان في إحدى الحسينيات، وانتشر بين الناس في شريط، حيث قال ـ أصلحه الله ـ لم يستمع إليه من أهلها:
أنا أتشبث بكل حريتك، بس لا تسب أبو هريرة عندي، سبه في بيتك كيفك لا تسبه عندي.اهـ
فعجباً لهذا الرجل.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأمته جميعاً ناهياً ومحذراً:
(( لا تسبوا أصحابي )).
وهو يقول: سبه في بيتك كيفك.
وكذلك يؤذينا ويخالف عقيدتنا أيضاً تكلم طارق السويدان في بعض أشرطته عما وقع بين الصحابة من خلاف، وإيراده فيها قصصاً ضعيفةً، وأقاويل مكذوبة عليهم.
حتى أفتى جمع من أهل العلم بحرمة بيع هذه الأشرطة، والاستماع إليها، ومنهم العلامة العثيمين رحمه الله، والعلامة صالح الفوزان.
وتصدى غير واحد من المختصين لنقضها، والرد عليها، وبيان ما فيها من ضلال وانحراف.
أيها الناس:
قال أنس بن مالك رضي الله عنه:
(( بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد، فلقينا رجلاً عند سُدة المسجد فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعدت لها؟ قال: فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: " فأنت مع من أحببت "
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإنك مع من أحببت" ثم قال: فأنا أحب الله ورسوله، وأبا بكر وعمر، فأرجوا أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم )) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
فاللهم اجعلنا ممن يحب صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم حباً كثيراً، وممن يتولاهم، ويجلهم ويوقرهم، ويترضى عنهم، ويعرف لهم سابقتهم وفضلهم، ويستغفر لهم، ويسير على طريقهم، ويقتدي بهم، إنك سميع الدعاء.
{ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم }.
{ رنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }.
اللهم صل على عبدك ورسولك الكريم الموقر المبجل محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العدناني، وعلى أزواجه وذريته، وجميع قرابته، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وسلم تسليماً كثيراً.
وكتبها: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.

تعليمية تعليمية




تعليمية




تسلمي يا غالية سررت بمرورك العطر




تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

مـن أعــلام المحـدثـين: أبو زرعة الرازي

بسم الله الرحمن الرحـــــــــيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مـن أعــلام المحـدثـين

أبو زرعة الرازي
(200-264 هـ)

بقلم الشيخ العلامة المحدث: عبد المحسن بن حمد العباد البدر
(حفظه الله تعالى)

المدرس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية سابقاً


نسبه وكنيته ونسبته:

هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ.

كنيته أبو زرعة وقد اشتهر بهذه الكنية.

يقال له الرازي نسبة إلى الري بزيادة زاي وهي بلده ويقال له القرشي المخزومي نسبة إلى قبيلة نسبة ولاء وهو عياش بياء مثناه من تحت وآخره شين معجمة ابن مطرّف القرشي هكذا في المنهج الأحمد وتاريخ بغداد وتهذيب التهذيب أما كتاب الجمع بين رجال الصحيحين وطبقات الحنابلة ففيهما عباس بموحدة ومهملة.

ممن روى عنهم:

رحل أبو زرعة إلى الحرمين والعراق والشام والجزيرة وخراسان ومصر وروى عن كثيرين، فروى عن أبي عاصم وأبي نعيم وقبيصة بن عقبة ومسلم بن إبراهيم وأبي الوليد الطيالسي وأحمد بن يونس وخلاد بن يحيى والقعنبي ومحمد بن سعيد بن سابق وأبي ثابت المدني وأبي سلمة التبوذكي والحكم بن موسى ويحيى بن عبد الله بن بكير وخلق كثير سواهم.

ممن رووا عنه :

روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وإسحاق بن موسى الأنصاري وحرملة بن يحيى والربيع بن سليمان ومحمد بن حميد الرازي وعمرو بن علي ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم.

من خرج حديثه:

خرج حديثه مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم كل منهم روى عنه مباشرة، والذي أخرجه مسلم في صحيحه عنه حديث واحد أخرجه في أول كتاب الرقاق وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك».

وقال النووي في شرحه (17-54) وهذا الحديث رواه مسلم عن أبي زرعة الرازي أحد حفاظ الإسلام وأكثرهم حفظاً ولم يروي مسلم في صحيحه عنه غير هذا الحديث وهو من أقران مسلم توفي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين انتهى وقد أشار الخزرجي في الخلاصة إليه فقال: وعنه مسلم فرد حديث ونقل الحافظ بن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب أن مسلماً روى عنه حديثين.

ثناء الأئمة عليه:

لأبي زرعة الرازي من ثناء الأئمة حظ وافر ونصيب كبير فقد ذكروه بخير وأثنوا عليه في دينه وورعه وقوة حفظه وسعة علمه قال فيه النسائي:"ثقة"، وقال أبو حاتم: "إمام" وقال الخطيب: "كان إماماً رزيناً حافظاً مكثراً صادقاً"، وقال عبد الله بن أحمد: "لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي وكان كثير المذاكرة له فسمعت أبي يقول يوماً: ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة"، وقال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول ما جاوز النهر أفقه من إسحاق ولا أحفظ من أبي زرعة"، وقال صالح بن محمد عن أبي زرعة: "أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات"، وقال أيضاً: "سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن إبراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف حديث"، وقال أبو يعلى الموصلي: "ما سمعت يذكر أحد في الحفظ إلاّ كان اسمه أكبر من رؤيته إلاّ أبا زرعة فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه"، وقال أبو جعفر التستري: "سمعت أبا زرعة يقول: ما سمعت أذني شيئاً من العلم إلاّ وعا قلبي وإن كنت لأمشي في السوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنيات فأضع أصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي"، وقال أبو حاتم: "حدثني أبو زرعة وما خلف بعده مثله علماً وفقهاً وفهماً وصيانة وصدقاً ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله"، قال: "وإذا رأيت الرازي ينتقص أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع"، وروى البيهقي عن ابن وارة قال: "كنا عند إسحاق بنيسابور فقال رجل: سمعت أحمد يقول صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ ستمائة ألف حديث"، وقال محمد ابن جعفر بن حمكويه: "قال أبو زرعة: أحفظ ستمائة ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد"، وقال ابن حبان في الثقات: "كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدين والورع والمواظبة على الحفظ والمذاكرة وترك الدنيا وما فيه الناس"، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الإمام حافظ العصر"، وقال: "كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاء ًوديناً وإخلاصاً وعلماً وعملاً"، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: "ما رأيت أحفظ من أبي زرعة"، وقال علي بن الجنيد: "ما رأيت أعلم من أبي زرعة"، وقال يونس بن عبد الأعلى: "ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة"، وقال بن كثير في البداية والنهاية: "أحد الحفاظ المشهورين"، قيل أنه كان يحفظ سبعمائة ألف حديث وكان فقيهاً ورعاً زاهداً عابداً متواضعاً خاشعاً أثنى عليه أهل زمانه وشهدوا له بالتقدم على أقرانه وقال ابن الجوزي في صفة الصفوة: "كان من كبار الحفاظ وسادات أهل التقوى". وقال ابن حجر في التقريب: "إمام حافظ ثقة مشهور"، وروي عن أبي زرعة "أن رجلاً استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث فقال: تمسك بزوجتك" وقال النووي في شرح مسلم: "أحد حفاظ الإسلام وأكثرهم حفظاً".

آثاره:

لأبي زرعة الرازي مسند ذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة ص64 ويوجد في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية كتاب: الضعفاء والكذابون والمتروكون من أصحاب الحديث عن أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين مما سألهم عنه وجمعه وألفه أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار البرذعي الحافظ المتوفى سنة 292 وهو برقم 719 قسم التاريخ.

وفاته:

توفي أبو زرعة رحمه الله بالري سنة أربع وستين ومائتين في يوم الإثنين آخر يوم من السنة أرخ وفاته في هذه السنة الحافظ في التقريب والذهبي في العبر وابن كثير في البداية والنهاية وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة ولم أقف على ما يخالف هذا القول إلاّ قولاً حكاه الحافظ في تهذيب التهذيب عن أبي حاتم أنه توفي سنة ثمان وستين أي ومائتين أما سنة ولادته فقد سئل عنها فقال: "ولدت سنة مائتين" نقل ذلك ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة وذكر بن كثير في البداية والنهاية قولاً آخر في سنة ولادته وأنها في سنة تسعين ومائة ولا شك أن الأرجح في ذلك ما ذكره هو عن نفسه ومدة عمره على هذا أربع وستون سنة رحمه الله.

وروي أنه عند وفاته اجتمع عنده عدد من العلماء الرازيين فأرادوا تلقينه فاستحيوا منه فرأوا أن يتذاكروا في حديث التلقين فشرع أحدهم بإسناد حديث ثم وقف أثناءه فقال أبو زرعة رحمه الله حدثنا بندار وساق إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلاّ الله»، وتوفي رحمه الله.

ممن ترجم له:

1- ترجم له ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل 328.

2- والذهبي في العبر 2-28 وتذكرة الحفاظ 2-136.

3- وابن حجر في تهذيب التهذيب 7-30 وفي التقريب 1-536.

4- والخزرجي في الخلاصة 213.

5- وابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين 306.

6- والخطيب في تاريخ بغداد 10- 326.

7– وابن كثير في البداية والنهاية 11- 37.

8- والعليمي في المنهج الأحمد 1- 148.

9- وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 1- 199.

10- وابن عماد في شذرات الذهب 2- 148.

11- وابن الجوزي في صفة الصفوة 4- 69.

12- وكحالة في معجم المؤلفين 6- 239.

انتهى




تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاكم الله خير الجزاء.




بارك الله فيك




التصنيفات
السير والتراجم

الإمام مالك بن أنس إمامُ دار الهجرة

تعليمية تعليمية

الإمام مالك بن أنس
إمامُ دار الهجرة

هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث, وهو ذو أصبح الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني إمام دار الهجرة, وعدادهم في بني تيم بن مرة من قريش حلفاء عثمان بن عبيد الله التيمي أخي طلحة بن عبيد الله.
مولده على الأصحّ في سنة ثلاث وتسعين للهجرة.

شيوخه:
روى عن إبراهيم بن أبي عبلة المقدسي, وأيوب بن أبي تميمة السختياني, وثور بن زيدالديلي, وجعفر بن محمد الصادق, وحميد الطويل, وداود بن الحصين, وربيعة بن أبي عبد الرحمن, وسعيد بن أبي سعيد المقبري, وصالح بن كيسان, وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, وعبد الله بن دينار, وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان, وعبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك, وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, وأبي أمية عبد الكريم بن أبي المخارق البصري, وعطاء الخرساني, وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص.

تلاميذه ومن روى عنه:
روى عنه إبراهيم بن طهمان – ومات قبله – , وإبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة, وأبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي, وأبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري, وإسحاق بن محمد الفروي, وإسماعيل بن أبي أويس, وإسماعيل بن علية, وإسماعيل بن موسى الفزاري, وأشهب بن عبد العزيز, وحبيب بن أبي حبيب كاتب مالك والحسين بن الوليد النيسابوري, وسعيد بن منصور, وسفيان الثوري – ومات قبله -, وسفيان بن عيينة, وشعبة بن الحجاج – ومات قبله -, وأبو عاصم الضحاك بن مخلد, وعبد الله بن المبارك, وعبد الله بن محمد النفيلي, وعبد الله بن مسلمة القعنبي, وعبد الله بن وهب, وعبد الله بن يوسف التنيسي, وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي – وهو أكبر منه , وعبد الرحمن بن مهدي, وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج – وهو أكبر منه -, وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون, وعلي بن الجعد, وأبو نعيم الفضل بن دكين, وليث بن سعد – وهو من أقرانه – ومحمد بن إدريس الشافعي, ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري – وهو من شيوخه -, ومصعب بن عبد الله الزبيري, ووكيع بن الجراح, والوليد بن مسلم, ويحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة, ويحيى بن سعيد الأنصاري – وهو من شيوخه – ويحيى بن سعيد القطان, ويحيى بن عبد الله بن بكير, وأبو إسحاق الفزاري وأبو عامر العقدي, وأبو الوليد الطيالسي.

مناقبه وثناء العلماء عليه:
قال محمد بن سعد: وكان مالك ثقة مأمونا ثبتا ورعا فقيها عالماً حجةً.
قال البخاري عن علي بن المديني: له نحو ألف حديث. وقال محمد بن إسحاق الثقفي السراج: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن أصحّ الأسانيد فقال: مالك عن نافع عن بن عمر. وقال أبو بكر الأعين عن أبي سلمة الخزاعي: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يحدث, توضأ وضوءه للصلاة, ولبس أحسن ثيابه, ولبس قلنسوة, ومشط لحيته. فقيل له في ذلك فقال: أوقِّر به حديث رسول
صلى الله عليه وسلم.
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي عن معن بن عيسى: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل, وتبخر, وتطيّب؛ فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبَرَه وقال قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ } فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وقال علي بن المديني عن سفيان بن عيينة: ما كان أشدّ انتقاد مالك للرجال وأعلمَه بشأنهم.
وقال علي بن المديني: سألت مالكا عن رجل فقال: رأيتَه في كتبي؟ قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيتَه في كتبي.

مصنّفاته:
من أشهرها:
•1- رسالته إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية. وهو من خيار الكتب في هذا الباب, الدالّ على سعة علمه بهذا الشأن.
•2- كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر. وهو كتاب جيد مفيد جداً قد اعتمد عليه الناس في هذا الباب وجعلوه أصلاً.
•3- رسالة في الأقضية, مجلد, رواية محمد بن يوسف بن مطروح, عن عبد الله بن عبد الجليل, مؤدب مالك بن أنس.
•4- رسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف في الفتوى, وهي مشهورة, يرميها خالد بن نزار, ومحمد بن مطرف, وهو ثقة من كبار أهل المدينة.
•5- رسالة إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ.
قال عنها الذهبي في السير (8/89): إسنادها منقطع، قد أنكرها إسماعيل القاضي وغيره، وفيها أحاديث لا تعرف.
قلت: هذه الرسالة موضوعة.
وقال القاضي الابهري: فيها أحاديث لو سمع مالك من يحدث بها لأدَّبه
•6- كتاب في تفسير غريب القرآن. يرويه عنه خالد بن عبد الرحمن المخزومي.
•7- وقد نُسب له أيضاً كتاب يُسمى ( السرّ ) من رواية ابن القاسم عنه.
•8- رسالة إلى الليث بن سعد في إجماع أهل المدينة. وهي مشهورة معروفة.
•9- الموطأ, وهو أشهرها وأهمها.

محنته:
قال ابن سعد: حدثنا الواقدي قال: لما دعي مالك، وشوْوِرَ، وسمع منه، وقبل قوله، حُسد، وبغوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتجّ عليه بما رُفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو.

وفاته:
قال الواقدي: مات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومئة. وهو ابن تسعين سنة, وحمل به ثلاث سنين – يعني بقي في بطن أمه ثلاث سنين -.
وقال محمد بن سعد عن إسماعيل بن أبي أويس: اشتكى مالك بن أنس أياما يسيرة, فسألت بعض أهلنا عمّا قال عند الموت فقالوا: تشهَّد ثم قال: لله الأمر من قبل ومن بعد.
وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة, في خلافة هارون, وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس, وهو يومئذ والٍ على المدينة.
ودفن بالبقيع, وكان بن خمس وثمانين.
قال محمد بن سعد: فذكرت ذلك لمصعب بن عبد الله فقال أنا أحفظ الناس لموت مالك بن أنس: مات في صفر سنة تسع وسبعين ومئة.
قال عبد الله بن يوسف: وقال أبو ضمرة علي بن ضمرة: قال أبو المعافى بن أبي رافع المديني
ألا إنّ فقد العلم في فقد مالك فلا زال فينا صالحُ الحالِ مالك

يقيم طريق الحق والحقُّ واضحٌ ويهدي كما تهدي النجوم الشَّوابك

فلولاه ما قامت حدودٌ كثيرة *** ولولاه لاشتدّتْ علينا المسالك
عشَوْنا إليه نبتغي ضوءَ رأيهِ **** وقد لزم الغيّ اللحوحُ المماحِكُ

مصادر ترجمته:
التاريخ الكبير للبخاري 7/ الترجمة1323
تاريخ الدوري 2/543
الجرح والتعديل 8/ الترجمة902
حلية الأولياء 6/316
الفهرست لابن النديم280-284
سير أعلام النبلاء8/43-121
البداية والنهاية 10/174-175
تهذيب الكمال 27/91-119
.

تعليمية تعليمية




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنين تعليمية
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وفيك بارك الله




جزاك الله خيرا




Tiffany 1837 Three-drop circle pendant T1N18 [tiffany1401] – €95.66 : Zen Cart!, The Art of E-commerce




بارك الله بقولك وعملك الطيب جزاك الله عنا




جزاك الله خيرا




التصنيفات
السير والتراجم

الإمام أبو حنيفة النعمان

الإمام أبو حنيفة النعمان ..أحد الائمة الاربعة عند أهل السنة


النعمان بن ثابت التيمى ، أبو حنيفة الكوفى ، مولى بنى تيم الله بن ثعلبة ، فقيه أهل العراق ، قال حفيده اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان : ذهب ثابت – والد أبي حنيفة – إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبو حنيفة صغير، فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي -رضي الله عنه- فينا.
و قيل : إنه من أبناء فارس . ولد: سنة ثمانين، في حياة صغار الصحابة. ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه لما قدم عليهم الكوفة. اهـ .
الفقيه المجتهد المحقق، أحد الائمة الاربعة عند أهل السنة , كان كريما في أخلاقه، جوادا، حسن المنطق والصورة، جهوري الصوت، إذا حدث انطلق في القول وكان لكلامه دوي.
عن المثنى بن رجاء، قال: جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة، تصدق بمثلها.
وروى: جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع، قال: كان أبو حنيفة ورعا، تقيا، مفضلا على إخوانه. وعن شريك، قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد؛ لكثرة صلاته.
قال الإمام مالك، يصفه: رأيت رجلا لو كلمته في السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .

وعن الإمام الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.

وأبو نعيم ، قال : كان أبو حنيفة صاحب غوص فى المسائل .
عبد الله بن داود الخريبى يقول : يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبى حنيفة فى صلاتهم . قال : و ذكر حفظه عليهم السنن و الفقه .
و شداد بن حكيم يقول : ما رأيت أعلم من أبى حنيفة .
و قال النخعى : حدثنا إسماعيل بن محمد الفارسى ، قال : سمعت مكى بن إبراهيم ذكر أبا حنيفة ، فقال : كان أعلم أهل زمانه .

وكان أبو حنيفة النعمان – رحمه الله – شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة ، وكان جميل الوجه، سري الثوب، عطر الريح.
وهذا أبو يوسف تلميذ أبى جنيفة – رحمهما الله – قال : كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.
فقيه معتبر من سلسلة شريفة ابتدأت بالإمام علي بن أبي طالب : فأفقه أهل الكوفة: علي، وابن مسعود، وأفقه أصحابهما: علقمة، وأفقه أصحابه: إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم: حماد، وأفقه أصحاب حماد: أبو حنيفة، وأفقه أصحابه: أبو يوسف.
بعث الخليفة المنصور إلى ابي حنيفة في الحيرة، ، فقال:
يا أبا حنيفة! إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيئ له من مسائلك الصعاب.
فهيأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلمت، وأذن لي، فجلست. ثم التفت إلي جعفر، فقال: يا أبا عبد الله! تعرف هذا؟
قال: نعم، هذا أبو حنيفة.
ثم أتبعها: قد أتانا.
ثم قال: يا أبا حنيفة! هات من مسائلك، نسأل أبا عبد الله.
فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على أربعين مسألة، ما أخرم منها مسألة.
ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟.

وكان يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة، لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.
وهذا تلميذه أبو يوسف يقول: قال أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم، جعلت أتخير العلوم، وأسأل عن عواقبها. فقيل: تعلم القرآن . .. الحديث .. الشعر… الكلام ، قال: « كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يوما، فقالت لي: رجل له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟
فلم أدر ما أقول، فأمرتها أن تسأل حمادا، ثم ترجع تخبرني.
فسألته، فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت، فقد حلت للأزواج.
فرجعت، فأخبرتني.
فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي، فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد، فأحفظها، ويخطئ أصحابه.
فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة.

وقال : ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه، وتعلمته.
وكان – رحمه الله – يحيي الليل صلاة من العشاء حتى الفجر فعن أسد بن عمرو: أن أبا حنيفة -رحمه الله- صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة. فعن عبد الحميد الحماني: « أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر. قال: فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم كل ليلة عند السحر.»
وروى: بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف، قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة، وتضرعا، ودعاء.
و قال النخعى أيضا : حدثنا محمد بن على بن عفان ، قال : حدثنا على بن حفص البزاز ، قال : سمعت حفص بن عبد الرحمن يقول : سمعت مسعر بن كدام يقول : دخلت ذات ليلة المسجد ، فرأيت رجلا يصلى ، فاستمليت قراءته ، فقرأ سبعا ، فقلت : يركع ، ثم قرأ الثلث ، ثم النصف ، فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله فى ركعة ، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة .
و قال النخعى أيضا : حدثنا إبراهيم بن مخلد البلخى ، قال : حدثنا إبراهيم بن رستم المروزى ، قال : سمعت خارجة بن مصعب يقول : ختم القرآن فى ركعة أربعة من الأئمة : عثمان بن عفان ، و تميم الدارى ، و سعيد بن جبير ، و أبو حنيفة .
قال : و قال إبراهيم بن مخلد : حدثنا أحمد بن يحيى الباهلى ، قال : حدثنا يحيى ابن نصر ، قال : كان أبو حنيفة ربما ختم القرآن فى شهر رمصان ستين ختمة !

وروى: نوح الجامع، عن أبي حنيفة، أنه قال: ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة، اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال.
و قال المزى :
و قال مرة : كان أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق ، و لم يتهم بالكذب ، و لقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا .

فقد طلب المنصور أبا حنيفة، فأراده على القضاء، وحلف ليلين، فأبى، وحلف: إني لا أفعل. فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف؟ قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني. فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.
وقيل: دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي، فقال: يا شيخ! إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل، فيقول لي: اقتله، أو اقطعه، أو اضربه، ولا أعلم بقصته، فماذا أفعل؟
فقال: هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب، أو بأمر لم يجب؟ قال: بل بما قد وجب. قال: فبادر إلى الواجب.

سئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة؟
قال: أبو حنيفة.
وقال الخريبي: ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد ، أو جاهل.
وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.

قيل للقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود : ترضى أن تكون من غلمان أبى حنيفة ؟ قال : ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبى حنيفة ، و قال له القاسم : تعال معى إليه ، فجاء فلما جاء إليه لزمه ، و قال : ما رأيت مثل هذا .
زاد الفرائضى : قال سليمان : و كان أبو حنيفة ورعا سخيا .

وسئل يزيد بن هارون : أيما أفقه أبو حنيفة أو سفيان ؟ قال : سفيان أحفظ للحديث ، و أبو حنيفة أفقه . و قال النخعى أيضا : حدثنا أبو قلابة ، قال : سمعت محمد بن عبد الله الأنصارى ، قال : كان أبو حنيفة يتبين عقله فى منطقه و مشيه و مدخله و مخرجه .
وعبد الله بن المبارك يقول : رأيت أعبد الناس ، و رأيت أورع الناس ، و رأيت أعلم الناس ، و رأيت أفقه الناس ، فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبى رواد ، و أما أورع الناس فالفضيل بن عياض ، و أما أعلم الناس فسفيان الثورى ، و أما أفقه الناس فأبو حنيفة ثم قال : ما رأيت فى الفقه مثله . وهذا محمد بن بشر ، قال : كنت أختلف إلى أبى حنيفة و إلى سفيان ، فآتى أبا حنيفة فيقول لى : من أين جئت ؟ فأقول : من عند سفيان ، فيقول : لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة و الأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله . فآتى سفيان فيقول : من أين جئت ؟ فأقول من عند أبى حنيفة فيقول : لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض .
روى له الترمذى فى كتاب " العلل " من " جامعه " قوله : ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفى ، و لا أفضل من عطاء بن أبى رباح .
و روى له النسائى حديث أبى رزين ، عن ابن عباس ، قال :
" ليس على من أتى بهيمة حد " . اهـ .

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 10 / 451
( عقب قوله : فى كتاب النسائى حديثه عن عاصم بن أبى ذر عن ابن عباس ، قال : ليس على من اتى بهيمة حد . )
و فى رواية أبى على الأسيوطى و المغاربة عن النسائى قال : حدثنا على بن حجر حدثنا عيسى ـ هو ابن يونس ـ عن النعمان عن عاصم . . . فذكره ، و لم ينسب النعمان .
و فى رواية ابن الأحمر : يعنى أبا حنيفة ، أورد عقيب حديث الدراوردى عن عمرو عن
عكرمة عن ابن عباس مرفوعا : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . . . الحديث .
و ليس هذا الحديث فى رواية حمزة بن السنى و لا ابن حيوة عن النسائى .
و قد تابع النعمان عليه عن عاصم : سفيان الثورى .
و مناقب الإمام أبى حنيفة كثيرة جدا ، فرضى الله تعالى عنه و أسكنه الفردوس ،
آمين . اهـ .

وكان عبد الله بن المبارك يقول : إذا اجتمع هذان على شىء فذاك قوى . يعنى : الثورى ، و أبا حنيفة . وكان يقول : إن كان أحد ينبغى له أن يقول برأيه ، فأبو حنيفة ينبغى له أن يقول برأيه .

مدح عبد الله بن المبارك أبا حنيفة :

رأيت أبا حنيفة كـل يــوم *** يزيد نبــالة و يزيد خيـرا
و ينطق بالصواب و يصطفيـه **** إذا ما قال أهل الجور جورا
يقـايس من يقايســه بلــب *** فمـن ذا تجعلـون له نظيـرا
كفانا فقد حماد و كــانـت *** مصيبتنـا بـه أمـرا كبيـرا
فرد شماتة الأعداء عنـــا *** وأبدى بـعده علمـا كثيـرا
رأيت أبا حنيفة حيـن يؤتى *** ويطلب علـمه بحـرا غزيـرا
إذا ما المشكلات تدافعتها *** رجال العلم كان بها بصيـرا

وقال الإمام محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – عند حديث رقم 397 في السلسلة الضعيفة : أن أبا حنيفة رحمه الله على جلالته في الفقه.
قال الصنعاني في « رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار » : ولا غرابة في أن يكون لمثله أكثر من قول واحد في بعض المسائل وأن يخطئ في بعض آخر فإن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يخلو منها أحد من العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن من المعلوم أن أحدهم كلما طال به الزمن في طلب العلم وتقدم به في ذلك العمر كلما ازداد به معرفة ونضجا وهذا هو السبب في كثرة الأقوال التي تروى في المسألة الواحدة عن بعض الأئمة المتبوعين وبخاصة منهم الإمامين أحمد وأبا حنيفة وتميز الإمام الشافعي من بينهم بمذهبه القديم والجديد . وهذا أبو الحسن الأشعري – إمام الأشاعرة في العقيدة – نشأ في الاعتزال أربعين عاما يناظر عليه ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموع ) ( 4 / 72 )
وقد صرح بهذه الحقيقة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين نهى أبا يوسف عن تقليده فقال له : " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " . " وفي رواية : حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "

موته :

كان روح بن عبادة يقول : كنت عند ابن جريج سنة خمسين يعنى و مئة ، و أتاه موت أبى حنيفة ، فاسترجع ، و توجع ، و قال : أى علم ذهب ؟ قال : و مات فيها ابن جريج . عن روح بن عبادة و غيره أن وفاته كانت سنة خمسين و مئة .
ويحدث حفيده إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة ، عن أبيه ، قال : لما مات أبى سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله ففعل ، فلما غسله قال : رحمك الله غفر لك لم تفطر منذ ثلاثين سنة ، و لم يتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة ، و قد أتعبت من بعدك و فضحت القراء .
و قال أحمد بن عبد الله الأسلمى : حدثنا الحسن بن يوسف الرجل الصالح ، قال : يوم مات أبو حنيفة صلى عليه ست مرات من كثرة الزحام آخرهم صلى عليه ابنه حماد ، و غسله الحسن بن عمارة و رجل آخر .

رحم الله أبا حنيفة النعمان وأدخله جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا و نفع بكم

أسأل الله أن يوفقنا و إياكم لإثراء هذا المنبر الطيب

بالتوفيق إن شاء الله




شكرا وبارك الله فيك
جزاك الله خيرا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبيد الله تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا و نفع بكم

أسأل الله أن يوفقنا و إياكم لإثراء هذا المنبر الطيب

بالتوفيق إن شاء الله

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وجزاك الله خير الجزاء

نسال الله ان يوفقنا الى ما يحبه ويرضاه و يجعلنا من عباده الصالحين
ويعيننا على فعل الخير




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى24 تعليمية
شكرا وبارك الله فيك
جزاك الله خيرا

لا شكر على واجب اخي
وفيك بارك الله




بارك الله فيك أخي الفاضل في ميزان حسناتك إن شاء الله

جزيت الجنة




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتن تعليمية
بارك الله فيك أخي الفاضل في ميزان حسناتك إن شاء الله

جزيت الجنة

وفيك بارك الله
اللهم امين واياكم




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة الإمام ابن القيم

بسم الله الرحمن الرحيم

نسبه ونسبته:

هو الفقيه، المفتي، الإمام الربّاني شيخ الإسلام الثاني أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرعي ثم الدِّمشقي الشهير بـ"ابن قيم الجوزية" لا غيره خلافًا للكوثري الذي نبزه بـ"ابن زفيل" .


ولادته:


ولد -رحمه الله- في السابع من شهر صفر الخير سنة (691هـ).


أسرته ونشأته وطلبه للعلم:


نشأ ابن قيِّم الجوزية في جوِّ علمي في كنف والده الشيخ الصالح قيم الجوزية، وأخذ عنه الفرائض، وذكرت كتب التراجم بعض أفراد أسرته كابن أخيه أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن الذي اقتنى أكثر مكتبة عمّه، وأبناؤه عبد الله وإبراهيم، وكلهم معروف بالعلم وطلبه.

وعُرف عن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- الرغبة الصادقة الجامحة في طلب العلم، والجَلَد والتَّفاني في البحث منذ نعومة أظفاره؛ فقد سمع من الشِّهاب العابر المتوفى سنة (697هـ) فقال -رحمه الله- : "وسمّعت عليه عدّة أجزاء، ولم يتفق لي قراءة هذا العلم عليه؛ لصغر السِّنِّ ، واخترام المنية له -رحمه الله- " وبهذا يكون قد بدأ الطلب لسبع سنين مضت من عمره.


رحلاته:


قَدم ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- القاهرة غير مرّة ، وناظر ، وذاكر.

وقد أشار إلى ذلك المقريزي فقال : "وقدم القاهرة غير مرّة" .

قال: "وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر" .

وقال: "وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة" .

وزار بيت المقدس، وأعطى فيها دروسًا.

قال: "ومثله لي قلته في القدس" .

وكان -رحمه الله- كثير الحجِّ والمجاورة كما ذكر في بعض كتبه . قال ابن رجب: وحج مرات كثيرةً، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدّة العبادة وكثرة الطواف أمرًا يُتعجب منه" .


مكتبته:


كان ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- مُغرمًا بجمع الكتب، وهذا دليلُ الرَّغبة الصّادقة للعلم بحثًا وتصنيفًا، وقراءةً وإقراءً يظهر ذلك في غزارة المادة العلمية في مؤلفاته، والقدرة العجيبة على حشد الأدلة.

وقد وصف تلاميذه -رحمهم الله- مكتبته فأجادوا:

قال ابن رجب: "وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره" .

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "واقتنى من الكتب ما لم لا يتهيأ لغيره تحصيل عُشْرِه من كتب السلف والخلف" .

قلت: ومع هذا كله يقول بتواضع جم: "بحسب بضاعتنا المزجاة من الكتب" .

ورحم اللهُ شيخه شيخَ الإسلام ابن تيمية القائل: "فمن نوّر الله قلبه هداه ما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزدْهُ كثرةُ الكتب إلا حيرة وضلالةً" .


مشاهير شيوخه:


تلقى ابن قيم الجوزية -رحمه الله- العلم على كثير من المشايخ ، ومنهم:

1- قيم الجوزية والده -رحمه الله-.

2- شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لازمه ، وتفقه به، وقرأ عليه كثيرًا من الكتب ، وبدأت ملازمته له سنة (712هـ) حتى توفي شيخ الإسلام سجينًا في قلعة دمشق (728هـ).

3- المزي -رحمه الله- .


تلاميذه :

1- ابن رجب الحنبلي ، صرح بأنه شيخه، ثم قال: "ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة ، وسمّعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السّنة ، وأشياء من تصانيفه وغيرها" .

2- ابن كثير -رحمه الله- قال : "وكنت من أصحب الناس له وأحبّ الناس إليه" .

3- الذهبي -رحمه الله- ترجم لابن القيم الجوزية في "المعجم المختص" بشيوخه .

4- ابن عبد الهادي -رحمه الله- ؛ كما قال ابن رجب:"وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له كابن عبد الهادي وغيره" .

5- الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط" ، كما قال الشوكاني: "ثم ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة (755هـ) فسمع من التقي السبكي وجماعة زيادة عن مائة كابن القيم" .


علاقته بشيخه ابن تيمية ومنهجه :


بدأت ملازمة ابن قيم الجوزية لشيخ الإسلام ابن تيمية عند قدومه إلى دمشق سنة (712هـ) ، واستمرت إلى وفاة الشيخ سنة (728هـ) ، وبهذا تكون مدة مرافقة ابن قيم الجوزية لشيخه ستة عشر عامًا بقي طيلتها قريبًا منه يتلقى عنه علمًا جمًا ، وقرأ عليه فنونًا كثيرة.

قال الصفدي:"قرأ عليه قطعة من "المحرّر" لجدّه المجد، وقرأ عليه من "المحصول" ، ومن كتاب "الأحكام" للسيف الآمدي، وقرأ عليه قطعة من "الأربعين" و"المحصل" وقرأ عليه كثيرًا من تصانيفه" .

وبدأت هذه الملازمة بتوبة ابن قيم الجوزية على يدي شيخه ابن تيمية ؛ كما أشار إلى ذلك بقوله

يـا قـوم والله العظيـم نصـيحة
مـن مشـفق وأخ لكـم معـوان

جربت هـذا كلـه ووقعت فـي
تلك الشبــاك وكنت ذا طيـران

حتى أتـاح لـي الإلـه بفضلـه
مـن ليس تجـزيه يـدي ولسـاني

فتـى أتى مـن أرض حـرّان فيا
أهلًا بمـن قـد جـاء من حــران

وكان لهذه الملازمة أثرٌ بالغٌ في نفس ابن قيم الجوزية ؛ فشارك شيخه في الذَّبِّ عن المنهج السلفي، وحمل رايتَه من بعده ، وتحرر من كل تبعية لغير كتاب الله وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفهم السلف الصالح.

قال الشوكاني : "وليس له على غير الدليل مُعَوَّل في الغالب، وقد يميل نادرًا إلى المذهب الذي نشأ عليه، ولكنه لا يتجاسر على الدَّفع في وجوه الأدلة بالمحامل الباردة ؛ كما يفعله غيرُه من المتمذهبين، بل لا بد له من مستند في ذلك ، وغالب أبحاثه الإنصافُ والميلُ مع الدليل حيث مال، وعدم التعويل على القيل والقال، وإذا استوعب الكلام في بحث وطوَّل ذيولَه أتى بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدورُ الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل، وأظنها سرت إليه بركةُ ملازمته لشيخه ابن تيمية في السَّراء والضّراء والقيام معه في محنه، ومواساته بنفسه، وطول تردده إليه.

وبالجملة فهو أحد من قام بنشر السُّنة، وجعلها بينه وبين الآراء المحدثة أعظم جُنَّة ، فرحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرًا .

ومع هذا كله فلم يكن ابن قيم الجوزية -رحمه الله- نسخةً من شيخه ابن تيمية، بل كان متفننًا في علوم شتى -باتفاق المتقدمين والمتأخرين- تدل على علو كعبه، ورسوخه في العلم.

وكيف يكون ابن قيم الجوزية مُرَدِّدًا لصدى صوت شيخه ابن تيمية -رحمه الله- وهو ينكرُ التقليدَ ويحاربُه بكلِّ ما أتي من حَوْل وقوَّة؟!


ثناء العلماء عليه:

قال ابن كثير -رحمه الله- : "سمع الحديث ، واشتغل بالعلم ، وبرع في علوم متعددة ، ولا سيما علم التفسير والحديث الأصلين ، ولما عاد الشيخُ تقي الدين ابن تيمية من الدّيار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علمًا جمًّا ، مع ما سلف له من الاشتغال؛ فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال ، وكان حسنَ القراءة والخُلُق ، وكثيرَ التَّودُّد لا يحسدُ أحدًا ولا يؤذيه ، ولا يستغيبُه ولا يحقدُ على أحد ، وكنت أصحب الناس له ، وأحب الناس إليه ، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثرَ عبادة منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جدًا ، ويمدُّ ركوعَه وسجودَه ويلومُه كثير من أصحابه في بعض الأحيان ، فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك -رحمه الله- ، وله من التّصانيف الكِبار والصِّغار شيءٌ كثير ، وكتَبَ بخطّه الحسنِ شيئًا كثيرًا ، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف.

وبالجملة كان قليلَ النظير في مجموعه وأموره وأحواله ، والغالب عليه الخيرُ والأخلاقُ الصالحةُ ، سامحه الله ورحمه" .

قال ابن رجب -رحمه الله- : "وتفقه في المذهب ، وبرع وأفتى ، ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه ، وتفنَّن في علوم الإسلام ، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه ، وبأصول الدين ، وإليه فيهما المنتهى ، والحديث معانيه وفقهه ، ودقائق الاستنباط منه ، لا يُلحق في ذلك ، وبالفقه وأصوله وبالعربية ، وله فيها اليَدُ الطولى ، وتعلم الكلام والنَّحو وغير ذلك ، وكان عالمًا بعلم السّلوك ، وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم ودقائقهم ، له في كل فَنّ من هذه الفنون اليد الطولى.

وكان -رحمه الله- ذا عبادة وتَهَجد ، وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، وَتَألُّه ولهج بالذّكر ، وشغف بالمحبة ، والإنابة والاستغفار ، والافتقار إلى الله والانكسار له ، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته ، لم أشاهد مثله في ذلك ، ولا رأيت أوسع منه علمًا ، ولا أعْرَف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله " .

وقال ابن ناصر الدين الدمشقي -رحمه الله- : "وكان ذا فنون في العلوم ، وخاصة التفسير والأصول في المنطوق والمفهوم" .

وقال السيوطي -رحمه الله- :"قد صَنَّفَ ، وناظر ، واجتهد ، وصار من الأئمة الكبار في التفسير والحديث ، والفروع ، والأصلين ، والعربية" .


مؤلفاته :


ضرب ابن قيم الجوزية بحظ وافر في علوم شتى يظهر هذا الأمر جَليًّا لمن استقصى كتبه التي كانت للمتقين إمامًا، وأفاد منها الموافق والمخالف.

قال ابن حجر -رحمه الله- ، "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته" .

وإليك أشهرها مرتَّبة على حروف المعجم:

1-اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.

2- أحكام أهل الذمة.

3- إعلام الموقعين عن رب العالمين.

4- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.

5-بدائع الفوائد.

6- تحفة المودود في أحكام المولود.

7- تهذيب مختصر سنن أبي داود.

8- الجواب الكافي، وهو المسمى "الداء والدواء".

9- جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام.

10- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.

11- حكم تارك الصلاة.

12- "الرسالة التبوكية "وهو الذي بين يديك.

13- روضة المحبين ونزهة المشتاقين.

14- الروح.

15- زاد المعاد في هدي خير العباد.

16- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

17- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.

18-طريق الهجرتين وباب السعادتين.

19- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.

20- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، وقد انتهيت من تحقيقه بحمد الله وفضله على نسختين خطيتين.

21- الفروسية.

22- الفوائد.

23- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ، وهي "القصيدة النونية".

24- الكلام على مسألة السماع.

25- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

26- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة.

27- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.

28- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.

29– الوابل الصيب في الكلم الطيب.


محنة وثبات :


حُبس مع شيخه ابن تيمية في المرة الأخيرة في القلعة منفردًا عنه بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبًا بالدرة سنة (726هـ) ، ولم يفرج عنه إلا بعد موت شيخه سنة (728هـ) .

وحبس مرة لإنكاره شدّ الرحال إلى قبر الخليل.

قال ابن رجب -رحمه الله- : "وقد امتحن وأوذي مرات" .


وفاته :


توفي -رحمه الله- ليلة الخميس ثالث عشرين من رجب الفرد سنة (751هـ) ، ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير -رحمه الله- وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجمعنا وإياه في عليين مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا.


مصادر ترجمته:

1- "أبجد العلوم" ، صديق حسن خان ، (3 / 138).

2- "البداية والنهاية" ، ابن كثير ، (14 / 234).

3- "البدر الطالع" ، الشوكاني ، (2 / 143).

4- "بغية الوعاة" ، للسيوطي ، (1 / 62).

5- "التاج المكلل" ، صديق حسن خان ، (ص416).

6- "الدرر الكامنة" ، ابن حجر ، (4 / 21-23).

7- "ذيل طبقات الحنابلة" ، ابن رجب ، (2 / 447).

8- "ذيل العبر في خبر من عبر" ، (5 / 282).

9- "الرد الوافر" ابن ناصر الدين الدمشقي (ص68).

10- "شذرات الذهب" ، ابن العماد ، (6 / 168).

11- "طبقات المفسرين" ، للداوودي ، (2 / 93).

12- "الفتح المبين في طبقات الأصوليين" ، المراغي ، (2 / 76).

وقد صنفت كتب مفردة مثل:

1- "ابن قيم الجوزية" ، محمد مسلم الغنيمي.

2- "ابن قيم الجوزية حياته وآثاره" ، بكر بن عبد الله أبو زيد.

3- "ابن قيم الجوزية وموقفه من التفكير الإسلامي" ، عوض الله حجازي.

4- "ابن القيم وآثاره العلمية" ، أحمد ماهر البقري.

5- "ابن القيم اللغوي" ، أحمد ماهر البقري.

6- "ابن قيم الجوزية عصره ومنهجه" ، عبد العظيم عبد السلام.




تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاكم الله خير الجزاء.




بارك الله فيك