التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة فضيلة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله

سيرة فضيلة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله و ثناء العلماء عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة العلاَّمة السلفي الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله

فصلٌ في التعريف بالشيخ:
أ – اســمه: هو: محمد أمان بن علي جامي علي، يكنى بأبي أحمد.
ب – موطـنه: الحبشة، منطقة هرر، قرية طغا طاب.
ج – سنة ولادته: وُلد كما هو مدوَّن في أوراقه الرسمية سنة 1349 هـ.
فصلٌ في طلبه للعلم:

أ- طلبه للعلم في الحبشة:
نشأ الشيخ في قرية طغا طاب وفيها تعلم القرآن الكريم، و بعدما ختمه شرع في دراسة كتب الفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، و درس العربية في قريته أيضاً على الشيخ محمد أمين الهرري ثم ترك قريته على عادة أهل تلك الناحية إلى قرية أخرى, وفيها التقى مع زميل طلبه وهجرته إلى البلاد السعودية الشيخ عبدالكريم, فانعقدت بينهما الأخوة الإسلامية ثم ذهبا معاً إلى شيخ يُسمى الشيخ موسى, ودرسا عليه نظم الزبد لابن رسلان, ثم درسا متن المنهاج على الشيخ أبادر و تعلما في هذه القرية عدة فنون. ثم اشتاقا إلى السفر للبلاد المقدسة مكة المكرمة للتعلم و أداء فريضة الحج. فخرجا من الحبشة إلى الصومال فركبا البحر متوجيهن إلى عدن – حيث واجهتهما مصاعب ومخاطر في البحر و البر – ثم سارا إلى الحُدَيدة سيراً على الأقدام فصاما شهر رمضان فيها ثم غادرا إلى السعودية فمرا بصامطة و أبي عريش حتى حصلا على إذن الدخول إلى مكة وكان هذا سيراً على الأقدام. و في اليمن حذرهما بعض الشيوخ فيها من الدعوة السلفية التي يطلقون عليها الوهابية.
ب –طلبه للعلم في السعودية: بعد أداء الشيخ فريضة الحج عام 1369هـ بدأ رحمه الله طلبه للعلم بالمسجد الحرام في حلقات العلم المبثوثة في رحابه, و استفاد من فضيلة الشيخ عبدالرزاق حمزة رحمه الله, و فضيلة الشيخ عبدالحق الهاشمي رحمه الله, و فضيلة الشيخ محمد عبدلله الصومالي وغيرهم. و في مكة تعرَّف على سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وصَحِبهُ في سفره إلى الرياض لما افتُتح المعهد العلمي و كان ذلك في أوائل السبعينيات الهجرية. وممن زامله في دراسته الثانوية بالمعهد العلمي فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد, و فضيلة الشيخ علي بن مهنا القاضي بالمحكمة الشرعية الكبرى بالمدينة سابقاً، كما أنه لازم حِلَق العلم المنتشرة في الرياض. فقد استفاد و تأثر بسماحة المفتي العلاَّمة الفقيه الأصولي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله. كما كان ملازماً لفضيلة الشيخ عبدالرحمن الأفريقي رحمه الله، كما لازم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله, فنهل من علمهِ الجم وخُلُقهِ الكريم، كما أخذ العلم بالرياض على فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، وفضيلة الشيخ العلاَّمة المحدِّث حماد الأنصاري رحمه الله, و تأثر المُتَرجم له بالشيخ عبدالرزاق عفيفي كثيراً حتى في أسلوب تدريسه. كما استفاد و تأثر بفضيلة الشيخ العلاَّمة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله, حيث كانت بينهما مراسلات، علماً بأن المُتَرجم له لم يدرس على الشيخ السعدي. كما تعلم على فضيلة الشيخ العلاَّمة محمد خليل هراس رحمه الله, و كان متأثراً به أيضاً. كما استفاد من فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله.

فصلٌ في مــؤهـلاته العـلمية: حصل على الثانوية من المعهد العلمي بالرياض. ثم انتسب بكلية الشريعة و حصل على شهادتها سنة 1380هـ. ثم معادلة الماجستير في الشريعة من جامعة البنجاب عام 1974م. ثم الدكتوراة من دار العلوم بالقاهرة.

فصلٌ في مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
لقد كان للشيخ رحمه الله مكانته العلمية عند أهل العلم و الفضل، فقد ذكروه بالجميل و كان محل ثقتهم، بل بلغت الثقة بعلمه وعقيدته أنه عندما كان طالباً في الرياض, و رأى شيخه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله نجابته و حرصه على العلم قدمه إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله, حيث تم التعاقد معه للتدريس بمعهد صامطة العلمي بمنطقة جازان. و أيضاً مما يدل على الثقة بعلمه و عقيدته و مكانته عند أهل العلم أنه عند افتتاح الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة انتُدب للتدريس فيها بعد وقوع اختيار سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عليه، و معلوم أن الجامعة الإسلامية أُنشئت لنشر العقيدة السلفية, و قد أوكَلَت الجامعة تدريس هذه العقيدة إلى فضيلة المُتَرجم له بالمعهد الثانوي ثم بكلية الشريعة ثقةً بعقيدته و علمه و منهجه رحمه الله، وذلك ليُسهم في تحقيق أهداف الجامعة. و إليك أخي القارئ كلام العلماء الثقات فيما كتبوه عن فضيلة شيخنا محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى:
ففي كتاب سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رقم 64 في 9/1/1418هـ قال عن الشيخ محمد أمان: {معروفٌ لديَّ بالعلم و الفضل و حسن العقيدة، و النشاط في الدعوة إلى الله سبحانه و التحذير من البدع و الخرافات غفر الله له و أسكنه فسيح جناته و أصلح ذريته وجمعنا و إياكم و إياه في دار كرامته إنه سميع قريب}.
وكتب فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان في كتابه المؤرخ 3/3/1418هـ قائلاً: {الشيخ محمد أمان كما عرفته: إن المتعلمين و حملة الشهادات العليا المتنوعة كثيرون, و لكن قليلٌ منهم من يستفيد من علمه و يستفاد منه، و الشيخ محمد أمان الجامي هو من تلك القلة النادرة من العلماء الذين سخَّروا علمهم و جهدهم في نفع المسلمين و توجيههم بالدعوة إلى الله على بصيرة من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف وفي جولاته في الأقطار الإسلامية الخارجية و تجواله في المملكة لإلقاء الدروس و المحاضرات في مختلف المناطق يدعو إلى التوحيد و ينشر العقيدة الصحيحة ويوجِّه شباب الأمة إلى منهج السلف الصالح و يحذِّرهم من المبادئ الهدامة و الدعوات المضللة. و من لم يعرفه شخصياً فليعرفه من خلال كتبه المفيدة و أشرطته العديدة التي تتضمن فيض ما يحمله من علم غزير و نفع كثير }.
وكتب فضيلة الشيخ العلاَّمة عبدالمحسن بن حمد العباد المدرس بالمسجد النبوي، حفظه الله: {عرفتُ الشيخ محمد أمان بن علي الجامي طالباً في معهد الرياض العلمي ثم مدرِّساً بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في المرحلة الثانوية ثم في المرحلة الجامعية. عرفته حسن العقيدة سليم الاتجاه، وله عناية في بيان العقيدة على مذهب السلف، و التحذير من البدع وذلك في دروسه و محاضراته و كتاباته غفر الله له و رحمه و أجزل له المثوبة}.
وقال معالي مدير الجامعة الإسلامية الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله العبود وفقه الله في كتابه المؤرخ في 15/4/1417هـ: { الحمد لله رب العامين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين و على آله و أصحابه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فقد رغب مني الأخ الشيخ مصطفى بن عبدالقادر أن أكتب عن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله شيئاً مما أعرفه عنه من المحاسن لتكون من بعده في الآخرين فأجبته بهذه الأحرف اليسيرة على الرغم من أنني لم أكن من تلامذته ولا من أصحابه الملازمين له طويلي ملاقاته و مخالطته، ولكن صار بيني و بينه رحمه الله لقاءات استفدت منها، و تم من خلالها التعارف و انعقاد المحبة بيننا في الله تعالى و توثيق التوافق على منهج السلف الصالح في العقيدة و الرد على المخالفين. رحم الله الشيخ محمد أمان و أسكنه فسيح جناته و ألحقنا و إياه بالصاحين من أمة محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم و بارك على عبده و رسوله محمد و على آله و أصحابه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين}.
وقَــالَ فضيلة الشيخ محمد بن علي بن محمد ثاني المدرس بالمسجد النبوي رحمه الله في كتابه المؤرخ في 4/1/1417هـ: { و فضيلته عالمٌ سلفيٌ من الطراز الأول في التفاني في الدعوة الإسلامية وله نشاط في المحاضرات في المساجد و الندوات العلمية في الداخل و الخارج، وله مؤلفات في العقيدة و غيرها جزاه الله عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء و أجزل له الأجر في الآخرة إنه سميعٌ مجيب}.
وقَـالَ فضيلة الشيخ محمد عبدالوهاب مرزوق البنا حفظه الله عن المُتَرجم له: {ولقد كان رحمه الله على خير ما نُحب من حسن الخلق وسلامة العقيدة و طيب العِشرة، أسأل الله أن يتغمده برحمته و يسكنه فسيح جناته و يجمعنا جميعاً إخواناً على سرر متقابلين}
و كتب فضيلة الشيخ عمر بن محمد فلاته المدرس بالمسجد النبوي و مدير شعبة دار الحديث رحمه الله في كتابه المؤرخ في 8/2/1417هـ فمما جاء فيه: { و بالجملة فلقد كان رحمه الله صادق اللهجة عظيم الانتماء لمذهب أهل السنة، قوي الإرادة داعياً إلى الله بقوله و عمله و لسانه، عفَّ اللسان قوي البيان سريع الغضب عند انتهاك حرمات الله، تتحدث عنه مجالسُهُ في المسجد النبوي الشريف التي أدَّاها و قام بها, و تآليفه التي نشرها و رحلاته التي قام بها، و لقد رافقته في السفر فكان نعم الصديق, و رافق هو فضيلة الشيخ العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله صاحب أضواء البيان و غيره – فكان له أيضاً نعم الرفيق – و السفر هو الذي يُظهر الرجالَ على حقيقتهم. لا يجامل و لا ينافق و لا يماري و لا يجادل، إن كان معه الدليل صدع به، و إن ظهر له خلاف ما هو عليه قال به و رجع إليه و هذا هو دأب المؤمنين كما قال الله تعالى في كتابه:{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله …}الآية. و أُشهدُ الله تعالى أنه رحمه الله قد أدى كثيراً مما عليه من خدمة الدين، و نشر سنة سيد المرسلين. و لقد صادف كثيراً من الأذى و كثيراً من الكيد و المكر فلم ينثنِ ولم يفزع حتى لقي الله. وكان آخر كلامه شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله}.
وكتب فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد حمود الوائلي المدرس بالمسجد النبوي و الجامعة الإسلامية و وكيلها للدراسات العليا و البحث العلمي في كتابه المؤرخ في 29/5/1417هـ: بدأت معرفتي بالشيخ رحمه الله عام 1381هـ عندما قامت هذه الدولة السعودية الكريمة حفظها الله بإنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في العام المذكور و كان رحمه الله من أوائل المدرِّسين بها وكنتُ أحد طلابها، كان رحمه الله من بين عدد من المشايخ الذين يولون طلابهم عناية خاصة لا تقف عند علاقة المدرس بتلميذه في الفصل وكان في عامة دروسه يُعنى عناية عظيمة بعقيدة السلف الصالح – رضي الله عنهم – لا يترك مناسبة تمر دون أن يبين فيها مكانة هذه العقيدة، لا فرق في ذلك بين دروس العقيدة و غيرها. وهو حين يتحدث عن عقيدة السلف الصالح و يسعى في غرسها في نفوس أبنائه الطلاب الذين جاء أكثرهم من كل فج عميق، إنما يتحدث بلسان خبير بتلك العقيدة، لأنه ذاق حلاوتها و سبر غورها حتى إن السامع المشاهد له و هو يتكلم عنها ليحس أن قلبه ينضح حباً و تعلقاً بها، و كانت له رحلات في مجالي الدعوة و التعليم خارج المملكة. و إن القارئ ليلمس صدق دعوته في كتبه و رسائله التي ألَّفها. و قد حضرت مناقشة رسالته في مرحلة الدكتوراه في دار العلوم التابعة لجامعة القاهرة بمصر و كان يسعى في عامة مباحثها إلى بيان صفاء عقيدة السلف الصالح و سلامة منهجها و تجلت شخصيته العلمية في قدرته – أثناء المناقشة – على كشف زيف كل منهجٍ خرج عن عقيدة السلف, و بطلان كل دعوةٍ صُوبت نحو دعاتها المخلصين الذين أفنوا أعمارهم في خدمتها و الوقوف عندها و الدعوة إليها و دحض كل مقالة أو شبهة يحاول أهل الباطل النيل بها من هذه العقيدة. }.
و كتب فضيلة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وفقه الله: { فإن فضيلة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله رحمة واسعة كان فيما علمتُ من أشد المدافعين عن عقيدة السلف الصالح رحمهم الله جميعاً الداعين إليها، الذابين عنها في الكتب و المحاضرات و الندوات. و كان شديداً في الإنكار على من خالف عقيدة السلف الصالح، و كأنما قد نذر حياته لهذه العقيدة تعلماً و تعليماً و تدريساً و دعوة، و كان يدرك أهمية هذه العقيدة في حياة الإنسان و صلاحها. كما كان يدرك خطورة البدع المخالفة لهذه العقيدة على حياة الفرد و المجتمع، فرحمه الله رحمة واسعة و غفر له و لجميع المسلمين آمين يا رب العالمين }.
مما سبق من كلام أهل العلم و الفضل عن الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تَظهر مكانته العلمية و جهوده و جهاده في الدعوة إلى الله منذ ما يقرب من أربعين عاماً، وصلته الوثيقة بالعلماء، واهتمامه رحمه الله و عنايته بتقرير و بيان العقيدة السلفية و الرد على المبتدعة المتنكبين لصراط السلف الصالح و دحض شبههم الغوية، حتى يكاد يرحمه الله لا يُعرف إلا بالعقيدة و ذلك لعنايته بها. هذا و كانت له مشاركة في علم التفسير و الفقه مع المعرفة التامة باللغة العربية.

فصلٌ في ذكر بعض مؤلفاته:
منها كتاب { الصفات الإلهية في الكتاب و السنة النبوية في ضوء الإثبات و التنزيه } وهو من أنفع كتبه رحمه الله. و كتاب { أضواء على طريق الدعوة إلى الإسلام } و يحتوي هذا الكتاب على عدة محاضرات فيها تقريرُ العقيدة السلفية و عرضٌ للدعوة في أفريقيا، و ذكرٌ لمشاكل الدعوة و الدعاة في العصر الحديث مع الحلول المناسبة لتلك المشاكل، و ردٌ على الصوفية. و كتاب{ مجموع رسائل الجامي في العقيدة و السُنة }.و رسالة بعنوان { المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية } و هي في الأصل محاضرة ألقاها في السودان سنة 1383هـ و ردَّ فيها على الملحد محمود طه. و رسالة بعنوان { حقيقة الديموقراطية و أنها ليست من الإسلام } و هي في الأصل محاضرة ألقاها سنة 1412هـ. و رسالة بعنوان { حقيقة الشورى في الإسلام } و رسالة بعنوان { العقيدة الإسلامية و تاريخها }.

فصل في ذكر بعض تلاميذه:
رجلٌ هذه مكانته عند ذوي العلم، و هذه جهوده في الدعوة إلى الله تعالى و حبه لهذه العقيدة السلفية الخالدة التي أوذي في سبيل نشرها و تقريرها في نفوس المسلمين، سواء في داخل المملكة أو خارجها, يصعُبُ حصر طلبته و تلاميذه, و كان من أبرز طلبته كلٌ من:
فضيلة الشيخ الدكتور السلفي ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله. وفضيلة الشيخ العلاَّمة زيد بن هادي المدخلي حفظه الله. وفضيلة الدكتور علي بن ناصر فقيهي المدرس بالمسجد النبوي حفظه الله. وفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد حمود الوائلي المدرس بالمسجد النبوي و وكيل الجامعة الإسلامية للدراسات العليا حفظه الله. وفضيلة الشيخ المحدِّث عبدالقادر بن حبيب الله السندي رحمه الله. وفضيلة الدكتور صالح بن سعد السحيمي المدرس بالمسجد النبوي و الجامعة الإسلامية حفظه الله. وفضيلة الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي المدرس بالجامعة الإسلامية حفظه الله. وفضيلة الدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله. وفضيلة الدكتور صالح الرفاعي حفظه الله. وفضيلة الدكتور فلاح إسماعيل المدرس بجامعة الكويت حفظه الله. وفضيلة الدكتور فلاح بن ثاني المدرِّس بجامعة الكويت حفظه الله. وآخرين يصعب حصرهم.

فصلٌ في ذكر بعض أخلاقه الفاضلة:
1- كان رحمه الله تعالى ناصحاً – فيما نحسب – لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم. ويظهر ذلك بأدنى تأمل، فقد نذر حياته في تقرير عقيدة السلف الصالح، و ذلك من خلال دروسه و تآليفه و محاضراته و ردوده على المخالفين للكتاب و السنة، و كان عادلاً في رده على المخالف مجانباً للعصبية و الهوى.
2- قلة مخالطته للناس: كان رحمه الله معروفاً بقلة مخالطته للناس إلا في الخير، فأغلب أوقاته و أيامه محفوظة، و طريقته في ذلك معروفة إذ يخرج من البيت إلى العمل بالجامعة ثم يعود إلى البيت ثم إلى المسجد النبوي الشريف لإلقاء دروسه بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء و بعد الفجر و هكذا إلى أن لازم الفراش بسبب اشتداد المرض.
3- عِفة لسانه: كان رحمه الله عف اللسان لا يلمز و لا يطعن و لا يغتاب، بل و لا يسمح لأحد أن يغتاب أحداً بحضرته، ولا يسمح بنقل الكلام و عيوب الناس إليه، و إذا وقع بعض طلبة العلم في خطأ طلب الشريط أو الكتاب فيسمع أو يقرأ، فإذا ظهر له أنه خطأ قام بما يجب على مثله من النصيحة.
4- عفوه و حلمه: فبقدر ما واجه من الأذى و المحن و الكيد و المكر, قابل من أساء إليه بالحلم والعفو. وقد كان يأتيه بعض من كان ينال من عرضه بالسب، أو الطعن، أو الافتراء، فيستسمح منه فيقول رحمه الله: أرجو الله تعالى ألا يدخل أحداً النار بسببي، و يسامح من يتكلم في عرضه و يقول: لا داعي لأن يأتي من يعتذر فإني قد عفوت عن الجميع، و يطلب من جلسائه إبلاغ ذلك عنه.
5- عنايته و تعهده بطلبته فقد كان رحمه الله من الذين يولون طلابهم عناية خاصة لا تنتهي بانتهاء الدرس، بل كان يحضر مناسباتهم و يسأل عن أحوالهم، و يعالج بعض مشاكلهم الأسرية، و بالجملة فلقد كان يبذل ماله وجاهه و وقته لمساعدة المحتاج منهم. وكان هذا التصرف منه يترك أثراً بالغاً عند طلابه، فرُزق بسبب ذلك المحبة الصادقة منهم. وقد شعروا بعد موته بفراغ في هذه الناحية. و الحق إن الشيخ رحمه الله اجتمعت فيه خصالُ خيرٍ كثيرة، و ما تم نقله آنفاً عن أهل العلم كافٍ و الله أعلم.

فصلٌ في عقيدته السلفية:
مما يدل على عقيدة الشيخ السلفية أنه كان يدرِّس كتب العقيدة السلفية مثل: الواسطية و الفتوى الحموية الكبرى و التدمرية و شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز و الإيمان و ثلاثة الأصول و فتح المجيد شرح كتاب التوحيد و قرة عيون الموحدين و الأصول الستة و الواجبات المتحتمات و القواعد المثلى و تجريد التوحيد للمقريزي.
و رده على أهل البدع كالأشاعرة و الصوفية و الشيعة الروافض وذلك في كتبه و مقالاته في المجلات العلمية و في محاضراته و دروسه فعلى سبيل المثال كتابه {أضواء على طريق الدعوة إلى الإسلام }.
و من خلال كلام أهل العلم السابق في بيان عقيدته السلفية.

مرضُه و موتُه:
لقد اُبتلي في آخر عمره – رحمه الله تعالى – بمرضٍ عُضال حتى ألزمه الفراش نحو عام فصبر و احتسب. وفي صبيحة يوم الأربعاء السادس و العشرين من شهر شعبان سنة 1416هـ أسلمَ روحه لبارئها، فصُلي عليه بعد الظهر, و دُفن في بقيع الغرقد بالمدينة النبوية.
وشهد دفنه جمعٌ كبير من العلماء و القضاة و طلبة العلم و غيرهم. و بموته حصل نقص في العلماء العاملين, فنسأل الله تعالى أن يغفر له و يرحمه و يخلف على المسلمين عدداً من العلماء العاملين آمين.
من الموقع الرسمي لفظيلة الشيخ رحمه الله




مكتبة الشيخ محمد أمان الجامي – الإصدار الثالث

الوصف: برنامج يعتني بتراث الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله- عميد كلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً، من كتب ومقالات ومحاضرات وشروح وأشرطة مفرغة في العقيدة والفقه وغيرهما، والكتب والمواد التي يتضمنها البرنامج كالتالي:
– سيرة فضيلة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله و ثناء العلماء عليه
– الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية
– الأمالي الجامية على الأصول الستة
– العقل والنـَّقل عند ابن رشد
– شرح الأصول الثلاثة
– شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى
– شرح متن شروط الصلاة وأركانها وواجباتها
– شرح فصل في أسباب إنشراح الصدر من زاد المعاد في هدي خير العباد
– تصحيح المفاهيم في جوانب العقيدة
– نظـام الأسـرة في الإسـلام
– الحج عرفة
– توزيع الثروات في الإسلام
– الإسلام في أفريقيا عبر التاريخ
– الحكم على الشيء فرع عن تصوره
– العيد في الإسلام معناه وحقيقته
– المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية
– شرح الرسالة التدمرية
– قرة عيون السلفية بالإجابات على الأسئلة الكويتية
– ما هكذا يا سعد تورد الإبل
– ماذا تعرف عن أورومو؟
– مشاكل الدعوة والدعاة في العصر الحديث
– من أعماق الكتب
– منزلة السنة في التشريع الإسلامي
– التصوف من صور الجاهلية
– 28 سؤالاً في الدعوة السلفية
– الأجوبة الذهبية على الأسئلة المنهجية
– العقيدة أولاً
– الرد على حسن الترابي
– منهج أهل السنة والجماعة في الدعوة إلى الله
– صور من الجاهليات المعاصرة
– تصحيح المفاهيم ومناقشة الآراء مع الشيخ ناصر الدين الألباني
– الحكم بغير ما أنزل الله
– الرد على الأشاعرة والمعتزلة
– هذه هي عقيدتنا
– من الولي
وقد تم إعداد البرنامج بثلاث صيغ: صيغة ملف تنفيذي (exe)، وصيغة ملف مساعدة (chm)، وصيغة (bok) الخاصة بالموسوعة الشاملة.

تعليمية
تعليمية

حجم الملف: 5 ميجا بايت.




بارك الله فيك اخي بإنتظار المزيد من ابداعاتك
لك ودي




بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله

محاضرة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته

لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ألقيت بقاعة المحاضرات بالجامعة الإسلامية. أخذت من شريط التسجيل، وقد ألقيت ارتجالا، ولم تقيد من قبل.

الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب: دعوته، وسيرته.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: أيها الإخوان الفضلاء، أيها الأبناء الأعزاء. هذه المحاضرة الموجزة أتقدم بها بين أيديكم تنويرا للأفكار، وإيضاحا للحقائق، ونصحا لله ولعباده وأداء لبعض ما يجب علي من الحق نحو المحاضر عنه وهذه المحاضرة عنوانها:
الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب. دعوته وسيرته.

لما كان الحديث عن المصلحين، والدعاة والمجددين، والتذكير بأحوالهم وخصالهم الحميدة، وأعمالهم المجيدة، وشرح سيرتهم التي دلت على إخلاصهم، وعلى صدقهم في دعوتهم، وإصلاحهم.
وأعمالهم وسيرتهم؛ مما تشتاق إليه النفوس الطيبة، وترتاح له القلوب، ويود سماعه كل غيور على الدين، وكل راغب في الإصلاح، والدعوة إلى سبيل الحق رأيت أن أتحدث إليكم عن رجل عظيم ومصلح كبير وداعية غيور، ألا وهو الشيخ الإمام المجدد للإسلام في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية.
نسبه

هو: الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النجدي، لقد عرف الناس هذا الإمام ولا سيما علماؤهم ورؤساؤهم وكبراؤهم وأعيانهم في الجزيرة العربية وفي خارجها، ولقد كتب الناس عنه كتابات كثيرة ما بين موجز وما بين مطول، ولقد أفرده كثير من الناس بكتابات حتى المستشرقون كتبوا عنه كتابات كثيرة، وكتب عنه آخرون في أثناء كتاباتهم عن المصلحين وفي أثناء كتاباتهم في التاريخ، وصفه المنصفون منهم بأنه مصلح عظيم، وبأنه مجدد للإسلام، وبأنه على هدى ونور من ربه، وتعدادهم يشق كثيرا.
من جملتهم المؤلف الكبير أبو بكر الشيخ حسين بن غنام الأحسائي. فقد كتب عن هذا الشيخ، فأجاد وأفاد وذكر دعوته، وذكر سيرته وذكر غزواته، وأطنب في ذلك وكتب كثيرا من رسائله واستنباطاته من كتاب الله عز وجل ومنهم الشيخ الإمام عثمان بن بشر في كتابه عنوان المجد، فقد كتب عن هذا الشيخ، وعن دعوته، وعن سيرته، وعن تاريخ حياته، وعن غزواته وجهاده، ومنهم خارج الجزيرة الدكتور أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح، فقد كتب عنه وأنصفه، ومنهم الشيخ الكبير مسعود عالم الندوي، فقد كتب عنه وسماه المصلح المظلوم وكتب عن سيرته وأجاد في ذلك.
وكتب عنه أيضا آخرون، منهم الشيخ الكبير الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني. فقد كان في زمانه وقد كان على دعوته، فلما بلغه دعوة الشيخ سر بها وحمد الله عليها. وكذلك كتب عنه العلامة الكبير الشيخ محمد بن علي الشوكاني صاحب نيل الأوطار ورثاه بمرثية عظيمة، وكتب عنه جمع غفير غير هؤلاء يعرفهم القراء والعلماء ولأجل كون كثير من الناس قد يخفى عليه حال هذا الإمام وسيرته ودعوته رأيت أن أساهم في بيان حاله وما كان عليه من سيرة حسنة، ودعوة صالحة، وجهاد صادق وأن أشرح قليلا مما أعرفه عن هذا الإمام حتى يتبصر في أمره من كان عنده شيء من لبس، أو شيء من شك في حال هذا الرجل ودعوته، وما كان عليه.

مولده ونشأته

ولد هذا الإمام في عام (1115) هجرية هذا هو المشهور في مولده رحمة الله عليه، وقيل في عام (1111) هجرية والمعروف الأول أنه ولد في عام 1115 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية. وتعلم على أبيه في بلدة العيينة وهذه البلدة هي مسقط رأسه رحمة الله عليه وهي قرية معلومة في اليمامة في نجد شمال غرب مدينة الرياض بينها وبين الرياض مسيرة سبعين كيلو مترا تقريبا، أو ما يقارب ذلك من جهة الغرب.
ولد فيها رحمة الله عليه ونشأ نشأة صالحة، وقرأ القرآن مبكرا، واجتهد في الدراسة، والتفقه على أبيه الشيخ عبد الوهاب بن سليمان – وكان فقيها كبيرا وعالما قديرا، وكان قاضيا في بلدة العيينة – ثم بعد بلوغ الحلم حج وقصد بيت الله الحرام وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف.
ثم توجه إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فاجتمع بعلمائها، وأقام فيها مدة، وأخذ من عالمين كبيرين مشهورين في المدينة ذلك الوقت، وهما: الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، أصله من المجمعة، وهو والد الشيخ إبراهيم بن عبد الله صاحب العذب الفائض في علم الفرائض، وأخذ أيضا عن الشيخ الكبير محمد حياة السندي بالمدينة. هذان العالمان ممن اشتهر أخذ الشيخ عنهما بالمدينة، ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف.
رحلته في طلب العلم

ورحل الشيخ لطلب العلم إلى العراق فقصد البصرة واجتمع بعلمائها، وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم.
وأظهر الدعوة هناك إلى توحيد الله ودعا الناس إلى السنة، وأظهر للناس أن الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا دينهم عن كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وناقش وذاكر في ذلك، وناظر هنالك من العلماء، واشتهر من مشايخه، هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى، فخرج من أجل ذلك وكان من نيته أن يقصد الشام فلم يقدر على ذلك لعدم وجود النفقة الكافية، فخرج من البصرة إلى الزبير وتوجه من الزبير إلى الأحساء واجتمع بعلمائها وذاكرهم في أشياء من أصول الدين ثم توجه إلى بلاد حريملاء وذلك (والله أعلم) في العقد الخامس من القرن الثاني عشر لأن أباه كان قاضيا في العيينة وصار بينه وبين أميرها نزاع فانتقل عنها إلى حريملاء سنة 1139 هجرية فقدم الشيخ محمد على أبيه في حريملاء بعد انتقاله إليها سنة 1139 هجرية فيكون قدومه حريملاء في عام 1140 أو ما بعدها، واستقر هناك ولم يزل مشتغلا بالعلم والتعليم والدعوة في حريملاء حتى مات والده في عام 1153 هجرية فحصل من بعض أهل حريملاء شر عليه، وهم بعض السفلة بها أن يفتك به، وقيل إن بعضهم تسور عليه الجدار فعلم بهم بعض الناس فهربوا، وبعد ذلك ارتحل الشيخ إلى العيينة رحمة الله عليه، وأسباب غضب هؤلاء السفلة عليه أنه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وكان يحث الأمراء على تعزير المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء، ومن جملتهم هؤلاء السفلة الذين يقال لهم العبيد هناك، ولما عرفوا من الشيخ أنه ضدهم وأنه لا يرضى بأفعالهم، وأنه يحرض الأمراء على عقوباتهم، والحد من شرهم غضبوا وهموا أن يفتكوا به، فصانه الله وحماه ثم انتقل إلى بلدة العيينة وأميرها إذ ذاك عثمان بن نصار بن معمر، فنزل عليه ورحب به الأمير، وقال: قم بالدعوة إلى الله ونحن معك وناصروك وأظهر له الخير، والمحبة والموافقة على ما هو عليه.
فاشتغل الشيخ بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الله عز وجل وتوجيه الناس إلى الخير، والمحبة في الله، رجالهم ونسائهم، واشتهر أمره في العيينة وعظم صيته وجاء إليه الناس من القرى المجاورة، وفي يوم من الأيام قال الشيخ للأمير عثمان دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه فإنها أسست على غير هدى، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد، وحصل بها الشرك فيجب هدمها، فقال الأمير عثمان لا مانع من ذلك، فقال الشيخ إني أخشى أن يثور لها أهل الجبيلة، والجبيلة قرية هناك قريبة من القبر، فخرج عثمان ومعه جيش يبلغون 600 مقاتل لهدم القبة، ومعهم الشيخ رحمة الله عليه فلما قربوا من القبة خرج أهل الجبيلة لما سمعوا بذلك لينصروها ويحموها، فلما رأوا الأمير عثمان ومن معه كفوا ورجعوا عن ذلك، فباشر الشيخ هدمها وإزالتها فأزالها الله عز وجل على يديه رحمة الله عليه.

حال نجد قبل قيام الشيخ رحمة الله عليه وعن أسباب قيامه ودعوته

ولنذكر نبذة عن حال نجد قبل قيام الشيخ رحمة الله عليه، وعن أسباب قيامه، ودعوته:
كان أهل نجد قبل دعوة الشيخ على حالة لا يرضاها مؤمن، وكان الشرك الأكبر قد نشأ في نجد وانتشر حتى عبدت القباب وعبدت الأشجار، والأحجار، وعبدت الغيران، وعبد من يدعي بالولاية، وهو من المعتوهين، وعبد من دون الله أناس يدعون بالولاية، وهم مجانين مجاذيب لا عقول عندهم، واشتهر في نجد السحرة والكهنة، وسؤالهم وتصديقهم وليس هناك منكر إلا من شاء الله، وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وشهواتها، وقل القائم لله والناصر لدينه وهكذا في الحرمين الشريفين وفي اليمن اشتهر في ذلك الشرك وبناء القباب على القبور، ودعاء الأولياء والاستغاثة بهم، وفي اليمن من ذلك الشيء الكثير، وفي بلدان نجد من ذلك ما لا يحصى، ما بين قبر وما بين غار، وبين شجرة وبين مجذوب، ومجنون يدعى من دون الله ويستغاث به مع الله، وكذلك مما عرف في نجد واشتهر دعاء الجن والاستغاثة بهم وذبح الذبائح لهم وجعلها في الزوايا من البيوت رجاء نجدتهم، وخوف شرهم، فلما رأى الشيخ الإمام هذا الشرك وظهوره في الناس وعدم وجود منكر لذلك وقائم بالدعوة إلى الله في ذلك شمر عن ساعد الجد وصبر على الدعوة وعرف أنه لا بد من جهاد، وصبر، وتحمل للأذى.

فجد في التعليم والتوجيه والإرشاد وهو في العيينة، وفي مكاتبة العلماء في ذلك والمذاكرة معهم رجاء أن يقوموا معه في نصرة دين الله، والمجاهدة في هذا الشرك وهذه الخرافات. فأجاب دعوته كثيرون من علماء نجد وعلماء الحرمين، وعلماء اليمن، وغيرهم وكتبوا إليه بالموافقة، وخالف آخرون وعابوا ما دعا إليه وذموه ونفروا عنه وهم بين أمرين، ما بين جاهل خرافي لا يعرف دين الله ولا يعرف توحيد الله، وإنما يعرف ما هو عليه وآباؤه وأجداده من الجهل والضلال والشرك، والبدع، والخرافات، كما قال الله – جل وعلا – عن أمثال أولئك: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف : 23]
طائفة ممن ينتسبون إلى العلم ردوا عليه عنادا وحسدا

وطائفة أخرى ممن ينسبون إلى العلم ردوا عليه عنادا وحسدا لئلا يقول العامة: ما بالكم لم تنكروا علينا هذا الشيء؟! لماذا جاء ابن عبد الوهاب وصار على الحق وأنتم علماء ولم تنكروا هذا الباطل؟! فحسدوه وخجلوا من العامة، وأظهروا العناد للحق إيثارا للعاجل على الآجل، واقتداء باليهود في إيثارهم الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية والسلامة.
أما الشيخ فقد صبر وجد في الدعوة وشجعه من شجعه من العلماء والأعيان في داخل الجزيرة، وفي خارجها، وعزم على ذلك، واستعان بربه عز وجل وعكف على الكتب النافعة ودرسها وعكف قبل ذلك على كتاب الله، وكانت له اليد الطولى في تفسير كتاب الله، والاستنباط منه، وعكف على سيرة الرسول
صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه، وجد في ذلك وتبصر فيه حتى أدرك من ذلك ما أعانه الله به وثبته على الحق فشمر عن ساعد الجد، وصمم على الدعوة وعلى أن ينشرها بين الناس ويكاتب الأمراء والعلماء في ذلك وليكن في ذلك ما يكون، فحقق الله له الآمال الطيبة، ونشر به الدعوة، وأيد به الحق، وهيأ الله له أنصارا ومساعدين وأعوانا حتى ظهر دين الله وعلت كلمة الله، فاستمر الشيخ في الدعوة في العيينة بالتعليم والإرشاد، ثم شمر عن ساعد الجد إلى العمل وإزالة الشرك بالفعل لما رأى الدعوة لم تؤثر في بعض الناس فباشر الدعوة عمليا ليزيل بيده ما تيسر وما أمكن من آثار الشرك. فقال الشيخ للأمير عثمان بن معمر لا بد من هدم هذه القبة التي على قبر زيد وزيد بن الخطاب رضي الله عنه هو أخو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع، وكان من جملة الشهداء في قتال مسيلمة الكذاب في عام 12 من الهجرة النبوية، فكان ممن قتل هناك وبني على قبره قبة فيما يذكرون، وقد يكون قبر غيره، لكنه فيما يذكرون أنه قبره – فوافقه عثمان كما تقدم، وهدمت القبة بحمد الله وزال أثرها إلى اليوم ولله الحمد والمنة، أماتها جل وعلا لما هدمت عن نية صالحة، وقصد مستقيم ونصر للحق، وهناك قبور أخرى منها قبر يقال إنه قبر ضرار بن الأزور كانت عليه قبة هدمت أيضا، وهناك مشاهد أخرى أزالها الله عز وجل وكانت هناك غيران وأشجار تعبد من دون الله جل وعلا فأزيلت وقضى عليها وحذر الناس عنها.

دعوة الشيخ قولا وعملا

والمقصود أن الشيخ استمر رحمة الله عليه على الدعوة قولا وعملا كما تقدم، ثم إن الشيخ أتته امرأة واعترفت عنده بالزنا عدة مرات، وسأل عن عقلها فقيل إنها عاقلة ولا بأس بها، فلما صممت على الاعتراف، ولم ترجع عن اعترافها، ولم تدع إكراها ولا شبهة وكانت محصنة. أمر الشيخ رحمة الله عليه بأن ترجم فرجمت بأمره حالة كونه قاضيا بالعيينة، فاشتهر أمره بعد ذلك بهدم القبة وبرجم المرأة وبالدعوة العظيمة إلى الله وهجرة المهاجرين إلى العيينة، وبلغ أمير الأحساء وتوابعها من بني خالد سليمان بن عريعر الخالدي أمر الشيخ وأنه يدعو إلى الله وأنه يهدم القباب، وأنه يقيم الحدود فعظم على هذا البدوي أمر الشيخ، لأن من عادة البادية إلا من هدى الله، الإقدام على الظلم، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك الحرمات، فخاف إن هذا الشيخ يعظم أمره ويزيل سلطان الأمير البدوي، فكتب إلى عثمان يتوعده ويأمره أن يقتل هذا المطوع الذي عنده في العيينة.
وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا، وكذا!! فإما أن تقتله، وإما أن نقطع عنك خراجك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراج من الذهب، فعظم على عثمان أمر هذا الأمير، وخاف إن عصاه أن يقطع عنه خراجه أو يحاربه، فقال للشيخ إن هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا وأنه لا يحسن منا أن نقتلك وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربته، فإذا رأيت أن تخرج عنا فعلت، فقال له الشيخ إن الذي أدعو إليه هو دين الله وتحقيق كلمة لا إله إلا الله، وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، فمن تمسك بهذا الدين ونصره وصدق في ذلك نصره الله وأيده وولاه على بلاد أعدائه، فإن صبرت واستقمت وقبلت هذا الخير فأبشر فسينصرك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يوليك الله بلاده وعشيرته.
فقال: أيها الشيخ إنا لا نستطيع محاربته، ولا صبر لنا على مخالفته، فخرج الشيخ عند ذلك وتحول من العيينة إلى بلاد الدرعية، جاء إليها ماشيا فيما ذكروا حتى وصل إليها في آخر النهار، وقد خرج من العيينة في أول النهار ماشيا على الأقدام لم يرحله عثمان، فدخل على شخص من خيارها في أعلى البلد يقال له محمد بن سويلم العريني فنزل عليه، ويقال إن هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرض بما رحبت، وخاف من أمير الدرعية محمد بن سعود فطمأنه الشيخ وقال له أبشر بخير، وهذا الذي أدعو الناس إليه دين الله، وسوف يظهره الله، فبلغ محمد بن سعود خبر الشيخ محمد، ويقال إن الذي أخبره به زوجته جاء إليها بعض الصالحين وقال لها أخبري محمدا بهذا الرجل، وشجعيه على قبول دعوته وحرضيه على مؤازرته ومساعدته وكانت امرأة صالحة طيبة، فلما دخل عليها محمد بن مسعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك، رجل داعية يدعو إلى دين الله، ويدعو إلى كتاب الله، يدعو إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يا لها من غنيمة! بادر بقبوله وبادر بنصرته، ولا تقف في ذلك أبدا، فقبل الأمير مشورتها، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه، ويقال إن المرأة أيضا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين وقالوا له: لا ينبغي أن تدعوه إليك، بل ينبغي أن تقصده في منزله، وأن تقصده أنت وأن تعظم العلم والداعي إلى الخير، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادة والخير رحمة الله عليه وأكرم الله مثواه، فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم، وقصده وسلم عليه وتحدث معه، وقال له يا شيخ محمد أبشر بالنصرة وأبشر بالأمن وأبشر بالمساعدة فقال له الشيخ وأنت أبشر بالنصرة أيضا والتمكين والعاقبة الحميدة، هذا دين الله من نصره نصره الله، ومن أيده أيده الله وسوف تجد آثار ذلك سريعا، فقال يا شيخ سأبايعك على دين الله ورسوله وعلى الجهاد في سبيل الله، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله على أعداء الإسلام، أن تبتغي غير أرضنا، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى فقال: لا أبايعك على هذا.. أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج عن بلادك أبدا، فبايعه على النصرة وعلى البقاء في البلد وأنه يبقى عند الأمير يساعده، ويجاهد معه في سبيل الله حتى يظهر دين الله، وتمت البيعة على ذلك. وتوافد الناس إلى الدرعية من كل مكان، من العيينة، وعرقة، ومنفوحة، والرياض وغير ذلك من البلدان المجاورة، ولم تزل الدرعية موضع هجرة يهاجر إليها الناس من كل مكان، وتسامع الناس بأخبار الشيخ، ودروسه في الدرعية ودعوته إلى الله وإرشاده إليه، فأتوا زرافات ووحدانا.
فأقام الشيخ بالدرعية معظما مؤيدا محبوبا منصورا ورتب الدروس في الدرعية في العقائد، وفي القرآن الكريم، وفي التفسير، وفي الفقه، وأصوله، والحديث، ومصطلحه، والعلوم العربية، والتاريخية، وغير ذلك من العلوم النافعة، وتوافد الناس عليه من كل مكان، وتعلم الناس عليه في الدرعية الشباب وغيرهم، ورتب للناس دروسا كثيرة للعامة، والخاصة، ونشر العلم في الدرعية واستمر على الدعوة.

بداية دعوة الشيخ للجهاد ومكاتبته للناس وأمراء المناطق والعلماء والأمصار

ثم بدأ بالجهاد وكاتب الناس إلى الدخول في هذا الميدان وإزالة الشرك الذي في بلادهم، وبدأ بأهل نجد، وكاتب أمراءها وعلماءها. كاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس، كاتب علماء الخرج وأمراءها، وعلماء بلاد الجنوب والقصيم وحائل والوشم، وسدير وغير ذلك، ولم يزل يكاتبهم ويكاتب علماءهم وأمراءهم، وهكذا علماء الأحساء وعلماء الحرمين الشريفين، وهكذا علماء الخارج في مصر، والشام، والعراق، والهند واليمن وغير ذلك، ولم يزل يكاتب الناس ويقيم الحجج ويذكر الناس ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع، وليس معنى هذا أنه ليس هناك أنصار للدين بل هناك أنصار والله جل وعلا قد ضمن لهذا الدين أن لا بد له من ناصر ولا تزال طائفة في هذه الأمة على الحق منصورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فهناك أنصار للحق في أقطار كثيرة.

عودة للحديث عن بلاد نجد وما كان فيها من الشرك والفساد

ولكن الحديت الآن عن نجد، فكان فيها من الشر والفساد والشرك والخرافات ما لا يحصيه إلا الله – عز وجل. مع أن فيها علماء فيهم خير، ولكن لم يقدر لهم أن ينشطوا في الدعوة وأن يقوموا بها كما ينبغي، وهناك أيضا في اليمن وغير اليمن دعاة إلى الحق وأنصار قد عرفوا هذا الشرك وهذه الخرافات، ولكن لم يقدر الله لدعوتهم من النجاح ما قدر لدعوة الشيخ محمد لأسباب كثيرة، منها: عدم تيسر الناصر المساعد لهم. ومنها: عدم الصبر لكثير من الدعاة وتحمل الأذى في سبيل الله، ومنها: قلة علوم بعض الدعاة التي يستطيع بها أن يوجه الناس بالأساليب المناسبة، والعبارات اللائقة، والحكمة والموعظة الحسنة.
ومنها: أسباب أخرى غير هذه الأسباب، وبسبب هذه المكاتبات الكثيرة والرسائل والجهاد اشتهر أمر الشيخ، وظهر أمر الدعوة، واتصلت رسائله بالعلماء في داخل الجزيرة، وفي خارجها.
وتأثر بدعوته جمع غفير من الناس في الهند وفي أندونسيا، وفي أفغانستان، وفي أفريقيا وفي المغرب، وهكذا في مصر، والشام، والعراق، وكان هناك دعاة كثيرون عندهم معرفة بالحق والدعوة إليه فلما بلغتهم دعوة الشيخ زاد نشاطهم، وزادت قوتهم واشتهروا بالدعوة. ولم تزل دعوة الشيخ تشتهر وتظهر بين العالم الإسلامي وغيره، ثم في هذا العصر الأخير طبعت كتبه، ورسائله، وكتب أبنائه، وأحفاده، وأنصاره، وأعوانه من علماء المسلمين في الجزيرة وخارجها. وكذلك طبعت الكتب المؤلفة في دعوته، وترجمته، وأحواله، وأحوال أنصاره، حتى اشتهرت بين الناس في غالب الأقطار والأمصار، ومن المعلوم أن لكل نعمة حاسدا وأن لكـل داعي أعـداء كثيرين كما قـال الله تعالـى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : 112]

تقسيم خصوم الشيخ إلى ثلاثة أقسام

فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة، وألف المؤلفات القيمة، ونشرها في الناس، وكاتبه العلماء، ظهر جماعة كثيرون من حساده، ومن مخالفيه، وظهر أيضا أعداء آخرون، وصار أعداؤه وخصومه قسمين: قسم عادوه باسم العلم والدين.
وقسم: عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم، وتستروا باسم الدين، واستغلوا عداوة من عاداه من العلماء الذين أظهروا عداوته وقالوا إنه على غير الحق، وإنه كيت وكيت.
والشيخ رحمة الله عليه مستمر في الدعوة يزيل الشبه، ويوضح الدليل، ويرشد الناس إلى الحقائق على ما هي عليه من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وطورا يقولون إنه من الخوارج، وتارة يقولون: يخرق الإجماع، ويدعي الاجتهاد المطلق ولا يبالي بمن قبله من العلماء والفقهاء وتارة يرمونه بأشياء أخرى وما ذاك إلا من قلة العلم من طائفة منهم وطائفة أخرى قلدت غيرها واعتمدت على غيرها، وطائفة أخرى خافت على مراكزها فعادته سياسة وتسترت باسم الإسلام والدين واعتمدت على أقوال المخرفين والمضللين.

والخصوم في الحقيقة ثلاثة أقسام:
علماء مخرفون يرون الحق باطلا والباطل حقا، ويعتقدون أن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، ودعاءها من دون الله والاستغاثة بها وما أشبه ذلك دين وهدى، ويعتقدون أن من أنكر ذلك فقد أبغض الصالحين، وأبغض الأولياء، وهو عدو يجب جهاده.
وقسم آخر: من المنسوبين للعلم جهلوا حقيقة هذا الرجل، ولم يعرفوا عنه الحق الذي دعا إليه بل قلدوا غيرهم وصدقوا ما قيل فيه من الخرافيين المضللين، وظنوا أنهم على هدى فيما نسبوه إليه من بغض الأولياء والأنبياء، ومن معاداتهم، وإنكار كراماتهم، فذموا الشيخ، وعابوا دعوته ونفروا عنه.
وقسم آخر: خافوا على المناصب والمراتب فعادوه لئلا تمتد أيدي أنصار الدعوة الإسلامية إليهم فتزيلهم عن مراكزهم، وتستولي على بلادهم، واستمرت الحرب الكلامية، والمجادلات والمساجلات بين الشيخ وخصومه، يكاتبهم ويكاتبونه، ويجادلهم ويرد عليهم، ويردون عليه، وهكذا جرى بين أبنائه وأحفاده وأنصاره وبين خصوم الدعوة، حتى اجتمع من ذلك رسائل كثيرة، وردود جمة، وقد جمعت هذه الرسائل والفتاوى والردود فبلغت مجلدات، وقد طبع أكثرها والحمد لله، واستمر الشيخ في الدعوة والجهاد وساعده الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية، وجد الأسرة السعودية على ذلك، ورفعت راية الجهاد وبدأ الجهاد من عام 1158 هـ. بدأ الجهاد بالسيف، وبالكلام والبيان، والحجة، والبرهان، ثم استمرت الدعوة مع الجهاد بالسيف، ومعلوم أن الداعي إلى الله عز وجل إذا لم يكن لديه قوة تنصر الحق وتنفذه فسرعان ما تخبو دعوته وتنطفي شهرته، ثم يقل أنصاره. ومعلوم ما للسلاح والقوة من الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع المعارضين ونصر الحق، وقمع الباطل، ولقد صدق الله العظيـم في قوله عز وجل وهو الصادق سبحانـه في كل ما يقـول: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد : 25]
فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق وينشر به الهدى ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة، فهو الملزم بالحق، وهو القامع للباطل، ولقد أحسن من قال في مثل هذا: فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق وينشر به الهدى ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة، فهو الملزم بالحق، وهو القامع للباطل، ولقد أحسن من قال في مثل هذا:

وما هو إلا الوحي أو حد مرهف ***
فهذا دواء الداء من كل جاهل

تزيل ظباه اخدعي كل مائل ***
وهذا دواء الداء من كل عادل

فالعاقل ذو الفطرة السليمة، ينتفع بالبينة، ويقبل الحق بدليله، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف، فجد الشيخ رحمه الله في الدعوة والجهاد، وساعده أنصاره من آل سعود، طيب الله ثراهم على ذلك، واستمروا في الجهاد والدعوة من عام 1158 هـ إلى أن توفي الشيخ في عام 1206 هـ فاستمر الجهاد والدعوة قريبا من خمسين عاما.
جهاد، ودعوة، ونضال، وجدال في الحق، وإيضاح لما قاله الله ورسوله، ودعوة إلى دين الله، وإرشاد إلى ما شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
حتى التزم الناس بالطاعة، ودخلوا في دين الله، وهدموا ما عندهم من القباب، وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور، وحكموا الشريعة، ودانوا بها، وتركوا ما كانوا عليه من تحكيم سوالف الآباء والأجداد، وقوانينهم، ورجعوا إلى الحق. وعمرت المساجد بالصلوات، وحلقات العلم، وأديت الزكوات، وصام الناس رمضان، كما شرع الله عز وجل وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وساد الأمن في الأمصار، والقرى، والطرق، والبوادي، ووقف البادية عند حدهم، ودخلوا في دين الله وقبلوا الحق، ونشر الشيخ فيهم الدعوة. وأرسل الشيخ إليهم المرشدين، والدعاة في الصحراء والبوادي، كما أرسل المعلمين، والمرشدين، والقضاة إلى البلدان والقرى، وعم هذا الخير العظيم والهدى المستبين نجدا كلها وانتشر فيها الحق، وظهر فيها دين الله (. ثم بعد وفاة الشيخ رحمة الله عليه استمر أبناؤه، وأحفاده، وتلاميذه، وأنصاره في الدعوة والجهاد، وعلى رأس أبنائه الشيخ الإمام عبد الله بن محمد، والشيخ حسين بن محمد، والشيخ علي بن محمد، والشيخ إبراهيم بن محمد، ومن أحفاده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي بن حسين، والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد وجماعة آخرون ومن تلاميذه أيضا الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، وجمع غفير من علماء الدرعية، وغيرهم استمروا في الدعوة والجهاد ونشروا دين الله تعالى وكتابة الرسائل وتأليفات المؤلفات، وجهاد أعداء الدين، وليس بين هؤلاء الدعاة وخصومهم شيء إلا أن هؤلاء دعوا إلى توحيد الله وإخلاص العبادة لله عز وجل والاستقامة على ذلك، وهدم المساجد والقباب التي على القبور، ودعوا إلى تحكيم الشريعة والاستقامة عليها ودعوا إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود الشرعية.
هذه أسباب النزاع بينهم وبين الناس.
والخلاصة: أنهم أرشدوا الناس إلى توحيد الله، وأمروهم بذلك وحذروا الناس من الشرك بالله ومن وسائله وذرائعه، وألزموا الناس بالشريعة الإسلامية، ومن أبى واستمر على الشرك بعد الدعوة والبيان، والإيضاح والحجة، جاهدوه في الله عز وجل وقصدوه في بلاده حتى يخضع للحق، وينيب إليه أو يلزموه به بالقوة والسيف، حتى يخضع هو وأهل بلده إلى ذلك، وكذلك حذروا الناس من البدع والخرافات، التي ما أنزل الله بها من سلطان، كالبناء على القبور، واتخاذ القباب عليها والتحاكم إلى الطواغيت، وسؤال السحرة والكهنة، وتصديقهم وغير ذلك، فأزال الله ذلك على يدي الشيخ وأنصاره رحمة الله عليهم جميعا.
وعمرت المساجد بتدريس الكتاب العظيم والسنة المطهرة، والتاريخ الإسلامي، والعلوم العربية النافعة، وصار الناس في مذاكرة، وعلم، وهدى، ودعوة، وإرشاد، وآخرون منهم فيما يتعلق بدنياهم من الزراعة والصناعة وغير ذلك، علم وعمل، ودعوة وإرشاد، ودنيا ودين فهو يتعلم ويذاكر، ومع ذلك يعمل في حقله الزراعي، أو في صناعته أو تجارته وغير ذلك، فتارة لدينه، وتارة لدنياه دعاة إلى الله وموجهون إلى سبيله ومع ذلك يشتغلون بأنواع الصناعة الرائجة في بلادهم، ويحصلون من ذلك على ما يغنيهم عن خارج بلادهم، وبعد فراغ الدعاة وآل سعود من نجد امتدت دعوتهم إلى الحرمين، وجنوب الجزيرة، وكاتبوا علماء الحرمين سابقا، ولاحقا فلما لم تجد الدعوة واستمر أهل الحرمين على ما هم عليه من تعظيم القباب، واتخاذها على القبور، ووجود الشرك عندها، والسؤال لأربابها.
سار الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بعد وفاة الشيخ بإحدى عشرة سنة متوجها إلى الحجاز، ونازل أهل الطائف ثم قصد أهل مكة وكان أهل الطائف قد توجه إليهم قبل سعود الأمير عثمان بن عبد الرحمن المضايفي، ونازلهم بقوة أرسلها إليه الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد أمير الدرعية بقوة عظيمة من أهل نجد وغيرهم، ساعدوه حتى استولى على الطائف، وأخرج منها أمراء الشريف، وأظهر فيه الدعوة إلى الله، وأرشد إلى الحق، ونهى فيها عن الشرك، وعبادة ابن عباس، وغيره مما كان يعبده هناك الجهال، والسفهاء من أهل الطائف، ثم توجه الأمير سعود عن أمر أبيه عبد العزيز إلى جهة الحجاز، وجمعت الجيوش حول مكة. فلما عرف شريفها أنه لا بد من التسليم أو الفرار فر إلى جدة، ودخل سعود ومن معه من المسلمين البلاد من غير قتال واستولوا على مكة في فجر يوم السبت 8 محرم من عام 1218 هـ وأظهروا فيها الدعوة إلى دين الله، وهدموا ما فيها من القباب التي بنيت على قبر خديجة وغيره، فأزالوا القباب كلها، وأظهروا فيها الدعوة إلى توحيد الله عز وجل وعينوا فيها العلماء والمدرسين، والموجهين والمرشدين، والقضاة الحاكمين بالشريعة.
ثم بعد مدة وجيزة فتحت المدينة، واستولى آل سعود على المدينة في عام 1220 هـ بعد مكة بنحو سنتين، واستمر الحرمان في ولاية آل سعود، وعينوا فيها الموجهين والمرشدين، وأظهروا في البلاد العدل وتحكيم الشريعة، والإحسان إلى أهلها ولا سيما فقرائهم ومحاويجهم فأحسنوا إليهم بالأموال، وواسوهم، وعلموهم كتاب الله. وأرشدوهم إلى الخير، وعظموا العلماء، وشجعوهم على التعليم، والإرشاد ولم يزل الحرمان الشريفان تحت ولاية آل سعود إلى عام 1226هـ ثم بدأت الجيوش المصرية والتركية تتوجه إلى الحجاز لقتال آل سعود وإخراجهم من الحرمين، لأسباب كثيرة تقدم بعضها.
وهذه الأسباب كما تقدم هي أن أعداءهم، وحسادهم، والمخرفين الذين ليس لهم بصيرة، وبعض السياسيين الذين أرادوا إخماد هذه الدعوة وخافوا منها أن تزيل مراكزهم، وأن تقضي على أطماعهم، كذبوا على الشيخ، وأتباعه، وأنصاره، وقالوا إنهم يبغضون الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنهم يبغضون الأولياء، وينكرون كراماتهم، وقالوا إنهم أيضا يقولون كيت وكيت مما يزعمون أنهم ينتقصون به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وصدق هذا بعض الجهال، وبعض المغرضين، وجعلوه سلما للنيل منهم والقتال لهم، وتشجيع الأتراك والمصريين على حربهم، فجرى ما جرى من الفتن والقتال – وصار القتال بين الجنود المصرية والتركية ومن معهم وبين آل سعود في نجد، والحجاز، سجالا مدة طويلة من عام 1226 هـ إلى عام 1233 هـ سبع سنين كلها قتال ونضال بين قوى الحق وقوى الباطل.
خلاصة دعوة الشيخ

والخلاصة: أن هذا الإمام الذي هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه إنما قام لإظهار دين الله، وإرشاد الناس إلى توحيد الله، وإنكار ما أدخل الناس فيه من البدع والخرافات، وقام أيضا لإلزام الناس بالحق، وزجرهم عن الباطل، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.
هذه خلاصة دعوته رحمة الله تعالى عليه، وهو في العقيدة على طريقة السلف الصالح يؤمن بالله وبأسمائه، وصفاته، ويؤمن بملائكته، ورسله وكتبه، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وهو على طريقة أئمة الإسلام في توحيد الله، وإخلاص العبادة له جل وعلا.
وفي الإيمان بأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه، لا يعطل صفات الله، ولا يشبه الله بخلقه. وفي الإيمان بالبعث، والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك. ويقول في الإيمان ما قاله السلف إنه قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كل هذا من عقيدته رحمه الله، فهو على طريقتهم وعلى عقيدتهم قولا وعملا، لم يخرج عن طريقتهم البتة، وليس له في ذلك مذهب خاص، ولا طريقة خاصة، بل هو على طريق السلف الصالح من الصحابة وأتباعهم بإحسان، رضي الله عن الجميع.
وإنما أظهر ذلك في نجد، وما حولها ودعا إلى ذلك ثم جاهد عليه من أباه، وعانده، وقاتلهم، حتى ظهر دين الله وانتصر الحق.
وكذلك هو على ما عليه المسلمون من الدعوة إلى الله، وإنكار الباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ولكن الشيخ وأنصاره يدعون الناس إلى الحق، ويلزمونهم به، وينهونهم عن الباطل، وينكرونه عليهم، ويزجرونهم عنه حتى يتركوه، وكذلك جد في إنكار البدع والخرافات حتى أزالها الله سبحانه بسبب دعوته. فالأسباب الثلاثة المتقدمة آنفا هي أسباب العداوة، والنزاع بينه وبين الناس وهي:
أولا: إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص.
ثانيا: إنكار البدع، والخرافات، كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونحو ذلك كالموالد والطرق التي أحدثتها طوائف المتصوفة.
ثالثا: أنه يأمر الناس بالمعروف، ويلزمهم به بالقوة فمن أبى المعروف الذي أوجبه الله عليه، ألزم به وعزر عليه إذا تركه وينهى الناس عن المنكرات، ويزجرهم عنها، ويقيم حدودها، ويلزم الناس بالحق، ويزجرهم عن الباطل، وبذلك ظهر الحق، وانتشر، وكبت الباطل، وانقمع، وصار الناس في سيرة حسنة، ومنهج قويم في أسواقهم، وفي مساجدهم، في سائر أحوالهم، لا تعرف البدع بينهم ولا يوجد في بلادهم الشرك، ولا تظهر المنكرات بينهم، بل من شاهد بلادهم وشاهد أحوالهم وما هم عليه ذكر حال السلف الصالح وما كانوا عليه زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وزمن أصحابه، وزمن أتباعه بإحسان في القرون المفضلة رحمة الله عليهم.
فالقوم ساروا سيرتهم، ونهجوا منهجهم، وصبروا على ذلك، وجدوا فيه، وجاهدوا عليه، فلما حصل بعض التغيير في آخر الزمان بعد وفاة الشيخ محمد بمدة طويلة ووفاة كثير من أبنائه رحمة الله عليهم وكثير من أنصاره حصل بعض التغيير جاء الابتلاء وجاء الامتحان بالدولة التركية، والدولة المصرية، إلا مصداق قوله ). (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : 11]
نسأل الله عز وجل أن يجعل ما أصابهم تكفيرا وتمحيصا من الذنوب، ورفعة، وشهادة لمن قتل منهم – رضي الله عنهم ورحمهم. ولم تزل دعوتهم بحمد الله قائمة منتشرة إلى يومنا هذا فإن الجنود المصرية لما عثت في نجد، وقتلت من قتلت، وخربت ما خربت، لم يمض على ذلك إلا سنوات قليلة ثم قامت الدعوة بعد ذلك وانتشرت، ونهض بالدعوة بعد ذلك بنحو خمس سنين الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمة الله عليه فنشر الدعوة في نجد وما حولها، وانتشر العلماء في نجد وأخرج من كان هناك من الأتراك والمصريين أخرجهم من نجد وقراها، وبلدانها وانتشرت الدعوة بعد ذلك في نجد في عام 1240 هـ وكان تخريب الدرعية والقضاء على دولة آل سعود في عام 1233 هـ. فمكث الناس في نجد في فوضى، وقتال وفتن بنحو خمس سنين من أربع وثلاثين إلى عام 1239 هـ ثم في عام أربعين بعد المائتين وألف اجتمع شمل المسلمين في نجد على الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، وظهر الحق وكتب العلماء الرسائل إلى القرى والبلدان، وشجعوا الناس ودعوهم إلى دين الله وانطفأت الفتن التي بينهم بعد الحروب الطويلة التي حصلت على أيدي المصريين، وأعوانهم، وهكذا انطفأت الحروب، والفتن التي وقعت بينهم على أثر تلك الحروب، وخمدت نارها، وظهر دين الله، واشتغل الناس بعد ذلك بالتعليم، والإرشاد، والدعوة، والتوجيه، حتى عادت المياه إلى مجاريها. وعاد الناس إلى أحوالهم، وما كانوا عليه في عهد الشيخ، وعهد تلامذته، وأبنائه، وأنصاره، رضي الله عن الجميع ورحمهم، واستمرت الدعوة من عام 1240 هـ إلى يومنا هذا بحمد الله، ولم يزل يخلف آل سعود بعضهم بعضا، وآل الشيخ وعلماء نجد بعضهم بعضا فآل سعود يخلف بعضهم بعضا في الإمامة والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله.
وهكذا العلماء يخلف بعضهم بعضا في الدعوة إلى الله والإرشاد إليه، والتوجيه إلى الحق.
إلا أن الحرمين بقيا مفصولين عن الدولة السعودية دهرا طويلا ثم عادا إليهم في عام 1343 هـ واستولى على الحرمين الشريفين الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمة الله عليه ولم يزالا بحمد الله تحت ولاية هذه الدولة إلى يومنا هذا، فلله الحمد ونسأل الله عز وجل أن يصلح البقية الباقية من آل سعود، ومن آل الشيخ، ومن علماء المسلمين جميعا في هذه البلاد، وغيرها وأن يوفقهم جميعا لما يرضيه وأن يصلح علماء المسلمين أينما كانوا وأن ينصر بالجميع الحق، ويخذل بهم الباطل، وأن يوفق دعاة الهدى أينما كانوا للقيام بما أوجب الله عليهم، وأن يهدينا وإياهم صراطه المستقيم، وأن يعمر الحرمين الشريفين، وملحقاتهما، وسائر بلاد المسلمين بالهدى، ودين الحق، وبتعظيم كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن يمن على الجميع بالفقه فيهما، والتمسك بهما، والصبر على ذلك، والثبات عليه، والتحاكم إليهما، حتى يلقوا ربهم عز وجل إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
وهذا آخر ما تيسر بيانه، والتعريف به، من حال الشيخ، ودعوته وأنصاره، وخصومه والله المستعان، وعليه الاتكال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه، والحمد لله رب العالمين.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز




مؤلفات الشيخ :

ذكر الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في ترجمته للشيخ في الجزء الثاني عشر من "الدرر السنية" من مؤلفاته ما يلي:
1- "كتاب التوحيد فيما يجب من حق الله على العبيد".

2- كتاب "كشف الشبهات".

3- كتاب "أصول الإيمان".

4- كتاب "فضائل الإسلام".

5- كتاب "فضائل القرآن".

6- كتاب "السيرة المختصرة".

7- كتاب "السيرة المطولة".

8- كتاب "مجموع الحديث على أبواب الفقه".

9- كتاب "مختصر الإنصاف والشرح الكبير".

10- كتاب "مختصر الصواعق".

11- كتاب "مختصر فتح الباري".

12- كتاب "مختصر الهدي".

– كتاب "مختصر العقل والنقل".

14- كتاب "مختصر المنهاج".

15- كتاب "مختصر الإيمان".

16- كتاب "آداب المشي إلى الصلاة".

وفاته الشيخ رحمه الله

في عام ست ومئتين وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم (1206 هـ ) توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، قال ابن غنام في الروضة (2/154 ) : كان ابتداء المرض به في شوال ، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر

.
وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم في الدرر السنية (12/20 ) ، أما ابن بشر فيقول
: كانت وفاته آخر ذي القعدة من السنة المذكورة . عنوان المجد (1/95 ) . وقول ابن غنام أرجح ؛ لتقدمه في الزمن على ابن بشر ومعاصرته للشيخ وشهوده زمن وفاته وتدوينه لتاريخه .
وكان للشيخ من العمر نحو اثنتين وتسعين سنة ، وتوفي ولم يخلف ديناراً ولا درهماً ، فلم يوزع بين ورثته مال ولم يقسم . انظر : روضة ابن غنام (2/155 ) .

من كتاب عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي من تأليف الدكتور صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود




تحميل موسوعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب – الإصدار الثالث

الوصف: برنامج موسوعي لمؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويعد البرنامج من أكبر الموسوعات الالكترونية التي عنيت بجمع كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتبلغ الكتب في البرنامج ثلاثة وثلاثين مؤلفا من أبرز مؤلفات الشيخ، ويتيح البرنامج تصفح الكتب إضافة إلى خواص النسخ والبحث والطباعة، وتشمل الكتب في الموسوعة ما يلي:

– أحاديث في الفتن والحوادث
– أحكام الصلاة
– آداب المشي إلى الصلاة
– أربع قواعد تدور الأحكام عليها
– أصول الإيمان
– منسك الحج
– الجواهر المضية
– الخطب المنبرية
– الرسائل الشخصية
– الرسالة المفيدة
– الطهارة
– القواعد الأربعة
– الكبائر
– مسائل الجاهلية
– بعض فوائد صلح الحديبية
– تفسير آيات من القرآن الكريم
– ثلاثة أصول
– مجموعة الحديث على أبواب الفقه
– رسالة في الرد على الرافضة
– شروط الصلاة وأركانها وواجباتها
– فتاوى ومسائل
– فضائل القرآن
– فضل الإسلام
– كتاب التوحيد
– كشف الشبهات
– مبحث الاجتهاد والخلاف
– مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان
– مختصر الإنصاف والشرح الكبير
– مختصر تفسير سورة الأنفال
– مختصر زاد المعاد لابن قيم الجوزية
– مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
– مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام ابن تيمية
– مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
وقد تم إعداد الموسوعة بثلاث صيغ: صيغة ملف تنفيذي (exe)، وصيغة ملف مساعدة (chm)، وصيغة (bok) الخاصة بالموسوعة الشاملة، مع توثيق الكتب بترقيم الصفحات لتوافق المطبوع.

تعليمية
تعليمية

حجم الملف: 12 ميجا بايت. تحميل البرنامج




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

ترجمة مختصرة للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله

علامة اليمن السعيد ؛ وناشر دعوة التوحيد ؛ مقبل الوادعي ؛ الإمام الرشيد

الحمد لله الذي أنعم على أمة الإسلام بما لم ينعم به على أمة قبلها ، وأبان لها طريق الهداية وهداها سبلها ،وأرسل إليها رسولاً {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }، وامتن عليها بأئمة بعد نبيها فإنه بعباده خبير عليم ، سخر هؤلاء الأعلام لهذا الدين كما سخر لسليمان { الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب }، فكانوا خير خلف لأولئك الأصحاب ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ومكر الكائدين الماكرين ، رضي الله عنهم فإنهم على مرِّ العصور حماة هذا الدين .

وصلى الله على سيدنا محمد القائل : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ، وعلى أصحابه وآل بيته الكرام فإنهم منارات هذه الأمة وميامينها .
أما بعد ؛

فقد طلب مني أحد الأخوة الكرام ترجمة لشيخنا مقبل الوادعي– رحمه الله – للتعريف به ؛ فقد جهل هذا الإمام كثير من الناس ، وجهلوا ما قدّم في حياته للإسلام والمسلمين ؛ فلم أجد بدًّا من إجابته لطلبه ؛ لمعزة هذا الطالب علينا ، فهو أحد تلاميذنا الكرام المحبين للحق – نحسبه والله حسيبه – ، ووفاءً لحق شيخنا علينا .

وقبل أن أبدأ بالترجمة أذكر الطلب الذي وجِّه إلي من تلميذنا الكريم حيث قال : شيخنا الفاضل ؛ بناء على طلب كثير من الإخوة ، وحتى نبين لكثير من الناس من هو الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله – نرجو كتابة ( ترجمة للشيخ ) لأن كثيراً من الناس – وللأسف – لا يعرفون من هو الشيخ مقبل علامة اليمن ، مع الشكر والاحترام .

قلت : وهذا الذي ذكره أخونا الكريم ؛ من جهل الناس بالشيخ مقبل الوادعي ليس خاصاً بعامة الناس ، بل وكثير من أتباع المنهج الحق كذلك . وذلك بسبب إيجاد فجوة متعمّدة من بعض من يشار إليهم بالبنان بين أتباع دعوة الحق في هذه البلاد ، وعلمائها ؛ فقد سمعت أحدهم يقول

– صراحة – : علقوا الشباب بالعلماء ، ويشير إلى نفسه .

وليس هذا خاصّا بالشيخ مقبل وحده ؛ بل بالأكثر من علماء هذه الدعوة المباركة ، فعندما دخلت هذه البلاد كنت أذكر رموزاً من علماء هذه الدعوة بين شبابها ؛ فإذا بهم ينظر بعضهم إلى بعض ، وحالهم وقالهم يقول : من هذا ؟!
ولذا أبدأ بالمقصود بعون الرب المعبود:
الشيخ مقبل الوادعي : هو مقبل بن هادي بن مقبل الهمداني الوادعي الخِلالي من قبيلة آل راشد .
وقبيلة وادعة من بلاد اليمن ، وأكثرهم يسكن في دمّاج ؛ قرية من قرى صَعدة شمال اليمن .
طلب شيخنا

– رحمه الله – العلم وهو في الخامسة والثلاثين من عمره تقريباً ، ودرس على مجموعة من العلماء من الحجاز واليمن ومصر ونجد والصومال والهند والباكستان ، ودرس على الإمامين عبد العزيز بن باز ومحمد ناصر الدين الألباني – رحم الله الجميع .

ووجد رحمه الله صعوبة في الطلب لقلة المعينين عليه كما هو الحال في كثير من بلاد الإسلام ، ولكن الله وفّقه واستمر في الدراسة ، وتخرّج من معهد الحرم المكي ومن الجامعة الإسلامية في الحجاز .
وفي أثناء دراسته كان يدرِّس بعض طلبة العلم في النحو والحديث ، وأخذ يدعو إلى الله، وانتشرت دعوته رحمه الله في مدة قليلة وباجتهاد كبير منه وممن كان معه .
ولكن وكما هو الحال اليوم خرج الخوارج على الحكومة في تلك البلاد ، فاتهمّوا الشيخ بأنه معهم ، ولم يثبت عليه شيء .
فرُحِّل من السعودية إلى اليمن .
فرحل الشيخ ولم يكن يعلم أن في رحيله هذا خيراً كبيراً له ولأهل اليمن ؛ فقد كانت اليمن في تلك الفترة تعج بالصوفية والشيعة الزيدية ، فأراد الله بتلك البلاد خيراً فأعاد لهم الإمام مقبل بن هادي الوادعي ليقوم على تعليم الناس الكتاب والسنة وردّهم إلى منهج الصحابة الكرام ومن سلك سبيلهم من علماء الأمة ، بعد أن خيم الجهل على تلك البلاد .
وبالفعل تمكن رحمه الله من نشر دعوة الحق بين أهل اليمن وأخرج الناس من ظلمات التشيّع والتصوّف إلى نور الكتاب والسنة بعد جهاد ونضال شديد ؛ وصل في بعض الأحيان إلى المضاربة والعراك ، وفي بعضها الآخر إلى محاولة قتل الشيخ

– رحمه الله – ولكن الله سلم، وحفظه منهم ، والفضل في هذا لله أولا ثم لقبيلته جزاهم الله خيراً .

فانقلبت اليمن بفضل الله ورحمته ثم بجهد الشيخ وصبره من بلاد تحوي أهل الشرك والبدع إلى بلاد تحوي أهل التوحيد والسنة ، وبلغ عدد تلاميذ الشيخ الذين اجتمعوا عنده لطلب العلم نحو ألف طالب وخمسمائة عائلة ، وانتشرت دعوته خارج اليمن وحضر عنده لطلب العلم الكثير من طلبة العلم من خارج اليمن : من الدول الإسلامية وأروبا وأميركا وروسيا وغيرها من أنحاء العالم .
والآن بحمد الله أهل السنة في اليمن كثر وأقوياء ولهم نشاط كبير في الدعوة إلى دين الله الحق ، فلا تكاد تجد قرية في اليمن إلا وفيها طالب من طلبة الشيخ يعلم الناس الكتاب والسنة، فرحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى .
وأما دعوة الشيخ ، فكان رحمه الله يدعو إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهج أصحاب رسول الله ومن اتبعهم بإحسان وكان يحارب الشرك من عبادة القبور والسحر والكهانة والتنجيم وغيرها ، والبدع بشتى أنواعها ، وكان يحذر من كل من وجد منه مخالفة للكتاب والسنة تؤدي إلى ضياع الحق ، وإظهار الباطل .
وكان من أهل الحديث الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله " ، قال الإمام أحمد وغيره : " إن لم يكونوا من أهل الحديث فلا أدري من هم " .
وبالجملة فقد نفع الله به نفعاً كبيراً ، وكان بحق من مجددي الدين في هذا الزمان ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " ، أخرجه أبو داود وغيره ، وهو صحيح .
وله مؤلفات كثيرة من أحسنها وأنفعها كتاب " الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ، جمع فيه الشيخ – رحمه الله – بعض الأحاديث الصحيحة التي لم يخرجها البخاري ومسلم ، فكان كتاباً متمّماً للصحيحين .
وكان الشيخ رحمه الله زاهداً أتته الدنيا راغمة ، ومع ذلك لم يلق لها بالاً ، وكان همُّه الوحيد هو تعليم طلبة العلم ونشر دعوته ، وقد رأيت بيته عندما ذهبت إليه لطلب العلم فوجدته بيتاً من طين ، مع أنه كان قادراً على أن يبني بيتاً فاخراً من الأموال التي تأتيه، ولكنه كان يؤثر بها تلاميذه .
وكان يحب طلبة العلم ويحترمهم ويقدرهم .
وبهذه المناسبة أذكر فائدة أخذتها منه مباشرة :
قلت للشيخ

– رحمه الله – بعد أن صلى العصر : المثنى بن إبراهيم الآملي شيخ الطبري ذكر ابن كثير إسناداً للطبري عن المثنى بن إبراهيم هذا ثم قال : إسناده صحيح ؛ هل يكفي هذا في توثيق المثنى ، فقال لي : لا يكفي ، قلت : ولِمَ ؟ قال: من أين له ابن كثير توثيقه ؟!

ومن مواقفه التربوية معي أنا شخصياً ؛ أنه أوقفني مرة ليسألني سؤالاً ، فاستحييت وتغير لون وجهي ، وارتبكت في الإجابة ، فلما رأى ذلك مني قال لي : تعال وأجب من عندي ، فازددت إحراجاً ، وما وصلت عنده إلا والعرق يتصبب مني ، فأخذه الضحك ثم قال : اسمعوا لأخيكم الأردني ماذا يقول ، فهربت ورجعت مكاني ، فلم يتمالك نفسه من الضحك , وأراد بذلك رحمه الله تعويدنا على الوقوف والكلام أمام الناس ، فرحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة وجزاه عنا خيراً ورفع منزلته في الفردوس الأعلى .

كتبه : أبو الحسن علي الرملي
يوم 5 / 11 / 1443 هـ




السلام عليكم و رحمة الله و بركآآته
بارك الله فيك أختي




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاك الله خيرا.




التصنيفات
السير والتراجم

أبو بكر الصديق رضي الله عنه

1 – أبو بكر الصديق رضي الله عنه


ذكر اسمه ونسبه:

اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.

واسم أمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة.

وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال:
أحدهما : ما روي عن عائشة انها سئلت: لِمَ سُمي أبو بكر عتيقاً؟ فقالت: نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هذا عتيق الله من النار) .
والثاني : أنه اسم سمّته به أمه، قاله موسى بن طلحة.
والثالث : أنه سمي به لجمال وجهه قاله الليث بن سعد.
وقال ابن قتيبة لقبّه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي صلى الله عليه وسلم صِدّيقاً وقال: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا).
وكان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء: ( الصديق ).

وعن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: (هل قلت في أبي بكر شيئاً) فقال: نعم: فقال (قل وانا أسمع). فقال:

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد … طاف العدوُّ به إذ صعَّد الجبلا
وكان حبَّ رسول الله، قد علموا … من البرية لم يعدِل به رجلا

فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ( صدقت يا حسان، هو كما قلت) .

وعن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقتُه يوماً.
قال: فجئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أبقيت لأهلك؟) قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أبقيت لأهلك؟) فقال:( أبقيت لهم الله ورسوله ). فقلتُ: لا أسابقك إلى شيْ أبداً

عن أبي سعيد قال خطب رسول الله. صلى الله عليه وسلم الناس فقال:( ان الله عز وجل خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده) فبكى أبو بكر رحمة الله عليه فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان ابو بكر أعلمنا به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي عز وجل لا تخذت أبا بكر، لكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) أخرجاه الشيخان في الصحيحين.

عن أبي الدرداء، قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما صاحبكم فقد غامر) ، فسلم وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك. فقال: ( يغفر الله لك يا أبا بكر)، ثلاثاً، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثَم أبو بكر فقالوا: لا ،فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال ابو بكر صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟) مرتين، فما أوذي بعدها انفرد بإخراجه البخاري.

وعن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس) . قالت: فقلت: يا رسول الله إن با بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر. فقال: ( مروا أبا بكر فليصل بالناس) . قالت: فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس) .
قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس وقالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد، سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم مكانك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر أخرجاه الشيخين في الصحيحين.

وعن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال يا محمد مالي ارى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره فقال ( يا جبريل انفق ماله علي قبل الفتح ) قال فان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا بكر، إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ) فقال أبو بكر عليه السلام (اسخط على ربي؟ أنا عن ربي راض عن ربي راض، أنا عن ربي راض).

وعن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم أنت فقال أنا إلا رجل من المسلمين انفرد بإخراجه البخاري.

وعن أبي سريحة قال سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر (إلا ان أبا بكر منيب القلب).

وعن أبي عمران الجوني قال قال أبو بكر الصديق ( لوددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن) رواه أحمد.

وعن الحسن قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه (يا ليتني شجرة تعضد ثم تؤكل) .

وعن هشام عن محمد قال كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر.

وعن محمد بن سيرين قال لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي. صلى الله عليه وسلم من أبي بكر.
وعن قيس قال رأيت أبا بكر أخذا بطرف لسانه ويقول (هذا الذي أوردني الموارد).

وعن ابن مليكة قال كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق قال فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه قال فقالوا له أفلا أمرتنا نناولكه؟ قال: (إن حبي. صلى الله عليه وسلم امرني أن لا أسال الناس شيئا) رواه الإمام أحمد.

وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال (السوق) قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال ( فمن أين أطعم عيالي ) قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.

عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما ولى أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن قد نزل القرآن وسَن النبي صلى الله عليه وسلم السُنًن فعلمنا، إعلموا أن أكيس الكيس التقوى وان أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى أخذ له بحقه وان أضعفكم عندي القوي حتى أخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فان أحسنت فأعينوني وان زغت فقوموني
.

وعن عبد الله بن عكيم قال خطبنا أبو بكر فقال:
أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وان تثنوا عليه بما هو أهله وان تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الألحاف بالمسالة إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] اعلموا عباد الله ان الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ولا يطفأ نوره فصدقوا قوله وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم القيامة وإنما خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في اجل قد غيب عنكم علمه فان استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم قبل إن تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم إن تكونوا أمثالهم ألوحا ألوحا النجاء النجاء إن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع

وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له (اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وانه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، حق لميزان يوضع فيه الحقُ غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بأتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحقَّ لميزانٍ يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وان الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: اني لأخاف أن لا الحق بهم وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قالت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله. فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعّت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تعجزه

من كتاب صفة الصفوة لبن الجوزي رحمه الله

يتبع باذن الله




وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبدٌ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر. قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً.

وعنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال: (أما بعد يا بنية، فان أحب الناس غنىً إلي بعدي أنتِ، وإن أعز الناس علي فقراً بعدي أنت، وإني كنت نحلتُك جدادا عشرين وسقا من مالي فوددت والله انك حزته وإنما هو أخواك وأختاك قالت قلت هذان أخواي فمن أختاي قال ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية ) وفي رواية قد القي في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم.

وعنها قالت: لما ثقل أبو بكر قال أي يوم هذا قلنا يوم الاثنين قال فإني أرجو ما بيني وبين الليل قالت وكان عليه ثوب عليه درع من مشق فقال إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا أفلا نجعلها جددا كلها قال لا إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء أخرجه البخاري.

من كتاب صفة الصفوة لبن الجوزي رحمه الله





قال وأخبرنا جعفر، أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبو سعيد الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضاح الحرفي السمسار، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني بأشد شيء رأيته صنعه المشركون برسول اله صلى الله عليه وسلم. قال: أقبل عقبة بن أبي معيط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً. فأقبل أبو بكر، فأخذ منكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال أبو بكر: يا قوم، أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.

أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه، أخبرنا أبو محمد بن الطراح، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي، حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا سوار بن مصعب، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، صلى الله عليهما وسلم وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر ) . ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم راسه إلى السماء فقال: ( إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون النجم – أو الكواكب – في السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ) – قلت لأبي سعيد – : وما " أنعما " ؟ قال: أهل ذاك هما.

وأسلم على يد أبي بكر الزبير، وعثمان، و عبد الرحمن بن عوف، وطلحة. وأعتق سبعة كانوا يعذبون في الله تعالى، منهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وغيرهما يذكرون في مواضعهم.

أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الثقفي، أخبرنا أبو علي قراءة عليه وأنا حاضر أسمع، أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: أبو نعيم: وحدثنا عبد الله بن الحسن بن بندار، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قالا: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: ( اثبت فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان ) .

حدثنا بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( التوبة 119 ) مع أبي بكر وعمر

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة العلوي، وأبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي قالا: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن القاسم، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان، أخبرنا جعفر بن محمد القلانسي بالرملة، أخبرنا داود بن الربيع بن مصحح، أخبرنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن اسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أصبح منكم صائماً ) قال أبو بكر: أنا. قال: ( من تصدق بصدقة ) قال أبو بكر: أنا. قال: ( من شهد جنازة) قال أبو بكر: أنا. قال: ( من أطعم اليوم مسكيناً ) قال أبو بكر: أنا. قال: ( من جمعهن في يوم واحد وجبت له – أو غفر له )

أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال: أخبرنا أبي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني، أخبرنا أبو بكر خليل بن هبة الله بن الخليل، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجورجاني، حدثني الحسين بن عيسى، حدثنا عبد المد بن عبد الوارث، حدثنا عبد الواحد بن زيد، حدثني أسلم الكوفي، عن مرة، عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشراب، فأتي بماء وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه، ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت. ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسألته، ثم أفاق فقالوا: يا خليف رسول الله، ما أبكاك؟ قال: ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته، يدفع عن نفسه شيئاً، ولم ار أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى أحداً معك؟ قال: ((هذه الدنيا تمثلت فقلت لها: إليك عني ، فتنحت ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلت فلن يفلت من بعدك )) . فذكرت ذلك فمقت أن تلحقني.

قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن المجلي، حدثنا محمد بن محمد بن أحمد العكبري، حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: كان أبو بكر إذا مدح قال: (اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون )

وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو القاسم الواسطي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني الحسن بن علي ببن محمد الواعظ، حدثنا أبو نصر إسحاق بن أحمد بن شبيب البخاري، حدثنا أبو الحسن نصر بن أحمد بن إسماعيل بن سايح بن قوامة ببخارى، أخبرنا جبريل بن منجاع الكشاني بها، حدثنا قتيبة، حدثنا رشدين، عن الحجاج، بن شداد المرادي، عن أبي صالح الغفاري: أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء، في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها ويقوم بأمرها، فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت. فجاءها غير مرة كي لا يُسبَق إليها، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة. فقال عمر: أنت هو لعمري

مقتبس من كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لبن الأثير رحمه الله




جزاكم الله خيرا ، بحث طيب ، جعله الله في ميزان حسناتكم

…………………….

هذه مقتطفات من سيرة الصحابي الجليل أبي بكر الصديق ، و نقلته من بحث لإحدى الأخوات جزاها الله خيرا ، و هو مقتبس من عدة مراجع

أبو بكر الصديق – رضي الله عنه –

(11 – 13 هـ / 632 – 634م)
نسبه ومولده:
هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة. ويلتقي مع الرسول صلى الله عليه و سلم في مُرَّة وهو الجدُّ السادس له عليه الصلاة والسلام. ووصفه الرسول صلى الله عليه و سلم بالصِّديِّق عقب حادثة الإِسراء والمعراج إذ صدقـه حين كذّبـه المشركـون. "عندما أُسري بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد الناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر- رضي اللّه عنه- فقالوا: "هل لك إلى صاحبـك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس "؟ قال: "أو قال ذلـك؟ " قالوا: "نعم ". قال: "لئن قال ذلك لقد صدق". قالوا: "أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح "؟! قال: "نعم، إني أصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غَدْوَةٍ أو رَوْحَةٍ ، فلذلك سُمِّي أبو بكر الصديق

سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد الأول رقم 306، أخرجه الحاكم في المستدرك 3/62, 63.
إسلامه وبعض مشاهده:
كان أبو بكر – رضي اللّه عنه – سريع الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد عُدَّ أبو بكر الصديق أول من آمن من الرجال(وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بُعث كذبه الناس وصدقه أبو بكر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن اللّه بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟" (مرتين).

الصفات الخُلُقية: كان – رضي اللّه عنه- أوّاها ( شديد الحياء كثير الورع حازماً مع رحمة يحفظ شرفه وكرامته وكان غنياً بجاهه وأخلاقه. ولم يؤثَر عنه عبادة الأصنام وأُثِر عنه الأخلاق الطيبة.
وقـد أجمـع أهـل السنة على أنَّ أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليَّ، وكان- رضي اللّه عنه- حكيماً فقد ظهرت حكمته ورباطة جأشه في مواجهة مصاب الأمة بوفاة النبي صلى الله عليه و سلم كـما ظهرت شخصيته القوية وحنكته السياسية في اجتماع السقيفة.
وقد عبر عن تواضع جَمٍّ وزهد في الخلافة حين رُشِّح ( لها وذلك "في خطبتـه التي خطبهـا في الناس بعد البيعة ومما جاء فيها: أني قد وليت عليكم ولست بخيركـم. الخطبة" (ومع علمه بالقرآن والسنة وفهمه لمقاصد الشرع وأحكامه فقد كان كثير الاستشارة للصحابة وكانت الرحمة تغلب على آرائه فقد أشار بقبول المفاداة من أسرى بدر (.

أسلوبه في الحكم – رضي اللّه عنه -:
أعلن أبو بكر – رضي اللّه عنه – أسلوبه في الحكم من خلال خطبته القصيرة التي خطبها في الناس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:
"يا أيها الناس إِني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركـم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقْوِّمُوني: الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوى عنـدي حتى ارجـع عليه حقه إن شاء اللّه، والقوي فيكـم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء اللّه لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا خذلهم ولا تشيع الفـاحشة في قوم إلا عمهم اللّه بالبلاء. أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكـم "

ثانياً: محاربة المرتدين:
وصلت أنبـاء الردة إلى عاصمة الدولة الإِسلامية (المدينة النبوية) وكان المرتدون على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عاد إلى عبادة الأوثـان.
القسم الثاني: اتبع أدعياء النبوة.

القسم الثالث: استمر على الإِسلام ولكنهم جحدوا الزكاة وتَأَوَّلُوها بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم

فتح الـباري 12/276.

( وقد أرسل الفريق الثالث وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة عدا العباس بن عبد المطلب – رضي اللّه عنه – وقد وافق عدد من كبار الصحابة على قبول ما جاءت به رسل هذا الفريق وناقشوا في ذلك الأمر، أبا بكر ومنهم عمر بن الخطاب، وأبـو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم. إلاّ أن أبا بكر – رضيِ اللّه عنه – رفضهم قولهم ذلك وقال قولته المشهورة: "واللّه لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و سلم لجاهدتهم عليه".
وقال عمر لأبي بكر – رضي اللّه عنهما -: كيف تقاتلهم وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فمن قال: "لا إله إلا اللّه" فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على اللّه "( فقال أبو بكر: "واللّه لأقاتلن من فَرَّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. واللّه لو منعوني عناقاً(لقاتلتهم على منعهم ". وهكذا رأي أبي بكر – رضي اللّه عنه- أن الإِسلام كُلُّ لا يتجزأ وليس هناك من فرق بين فريضة وأخرى والزكاة أهم تشريع في النظام الاقتصادي الإِسلامي وركن من أركـان الإِسـلام وعبادة بحد ذاتها ولا يمكن تطبيق جزء من الإِسلام وإهمال آخر ورأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل، وقال عمر- رضي اللّه عنه-: "يا خليفة رسول اللّه! تألف الناس وأرفق بهم " فأجابه أبو بكر: "رجوت نصرتـك وجئتني بخـذلانـك؟ أجبّـار في الجـاهلية وخوار في الإسلام؟ إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أو ينقص وأنا حي؟ أليس قد قاَل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم: "إلا بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة واللّه لو خذلني الناس كلهم لجاهدته! بنفسي
التاريخ الإسلامي، محمود شاكر ص 68.

ثالثاً: جمع القرآن الكريم:

لقد كانت هذه الفكرة من عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه- قال: "أرسل إليّ أبو بكر الصديق بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده " قال أبو بكر- رضي اللّه عنه-: "إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر( يوم اليمامـة. بقُرَّاء القرآن وإني أخشى إن استمر القتل بالقُراء بالمواطن( فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن… ولم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللّه صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر وأمر زيد بن ثابت فجمع القرآن من العسب( واللخاف وصدور الرجال(


رابعاً: الفتوحات الإسلامية:

بعد أن استقر الحكـم لأبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- وقمع فتنة المرتدين وعادت الأمور إلى نصابها اتجه الصديق- رضي اللّه عنه- إلى الغاية السـامية في الإِسـلام وهي إعلاء كلمة لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه وإخراج الناس بها من الظلمات إلى النور لذا فقد آن الأوان لنشر الدعوة خارج الجزيرة العربية فكانت الفتوحات في عهده في جبهتين:


الأولى: جبهة الفرس في الشرق:

الثانية: جبهة الروم في الشمال:


أ- معركة أجنادين: سنة 13 هـ :

ب- مرج الصُّفر سنة 13:

مرض أبي بكر- رضي اللّه عنه- ووفاته:

كان سبب مرض أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- أنه اغتسل في يوم بارد فأصيب بالحُمى خمسة عشر يوماً لا يخرج فيها إلى الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس وكان الناس يدخلون إليه يزورونه وهو في البيت وكان عثمان- رضي اللّه عنه- ألزمهم له في مرضه.

ومـازال المرض به حتى توفي أبو بكر- رضي اللّه عنه- مساء ليلة الثـلاثـاء لثـماني ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال.

وقـد أوصى- رضي اللّه عنه- أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس – رضي اللّه عنها- وكفن بثوبين وقيل: بثلاثة.

وصلى عليه عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه-، ودفن ليلاً إلى جانب صاحبه عليه الصلاة والسلام وجُعِل رأسه بمحاذاة( كتفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم () رحمه اللّه ورضي عنه وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء.

المراجع باختصار:

سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد الأول رقم 306، أخرجه الحاكم في المستدرك 3/62, 63.
()فتح الباري 7/170.
()فتح الباري 7/18.
)سورة التوبة آية 40.
()جمع رقيق وهو المحلول.
()أحمد، فضائل الصحابة 1/65 بإسناد صحيح.
الخوخة: باب صغير ينفذ منه إلى المسجد.
()خفيف العارضين: العارض صفحة الخد والمراد خفيف شعر الخد.
( أجنأ: الأحدب وكذلك يطلق على انحناء ما بيت الكتفين على الصدر.
() غائر العينين. أي عيناه داخلتان في رأسه.
مسند أحمد 2/133.
() سيرة ابن هشام 4/661، البداية والنهايةِ 6/305.
( قمع: أي قهرهم وذَللَّهم (المرتدين).
) أنباء. أي أخبار.
() أغار: أي اشتد قي العدو وأسرع.
() فتح الـباري 12/276.
() أخرجه البخاري في الاعتصام، ومسلم في الإيمان، وأبو داود، والنسائي في الزكاة، والترمذي في الإيمان.
() العناق: السخلة الأنثى الصغيرةَ من الماعز.
() التاريخ الإسلامي، محمود شاكر ص 68.
() تُراق الدماء: تنصبّ
() انظر نص هذا الكتاب في البداية والنهاية، لابن كثير ج5 ص 320-321.
() تجلى: ظهر.




دائما مواضيعك مميزة بارك الله فيك
بارك الله بقولك وعملك الطيب جزاك الله عنا




بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

العلاّمة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

العلاّمة الفقيه محمد بن صالح العثيمين

1347 – 1421هـ

نسبه ومولده:
هو صاحب الفضيلة الشيخ العالم المحقق, الفقيه المفسّر, الورع الزاهد، محمد ابن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن آل عثيمين من الوهبة من بني تميم.

ولد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ في عنيزة – إحدى مدن القصيم – في المملكة العربية السعودية.
نشأته العلمية:
ألحقه والده – رحمه الله تعالى – ليتعلم القرآن الكريم عند جدّه من جهة أمه المعلِّم عبد الرحمن بن سليمان الدامغ – رحمه الله -, ثمَّ تعلَّم الكتابة, وشيئًا من الحساب, والنصوص الأدبية في مدرسة الأستاذ عبدالعزيز بن صالح الدامغ – حفظه الله -, وذلك قبل أن يلتحق بمدرسة المعلِّم علي بن عبد الله الشحيتان – رحمه الله – حيث حفظ القرآن الكريم عنده عن ظهر قلب ولمّا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره بعد.
وبتوجيه من والده – رحمه الله – أقبل على طلب العلم الشرعي، وكان فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – يدرِّس العلوم الشرعية والعربية في الجامع الكبير بعنيزة, وقد رتَّب اثنين من طلبته الكبار؛ لتدريس المبتدئين من الطلبة, فانضم الشيخ إلى حلقة الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع ـ رحمه الله ـ حتى أدرك من العلم في التوحيد, والفقه, والنحو ما أدرك.
ثم جلس في حلقة شيخه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله, فدرس عليه في التفسير, والحديث, والسيرة النبوية, والتوحيد, والفقه, والأصول, والفرائض, والنحو, وحفظ مختصرات المتون في هذه العلوم.

ويُعدّ فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – هو شيخه الأول؛ إذ أخذ عنه العلم؛ معرفةً وطريقةً أكثر مما أخذ عن غيره, وتأثر بمنهجه وتأصيله, وطريقة تدريسه، واتِّباعه للدليل.
وعندما كان الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان – رحمه الله – قاضيًا في عنيزة قرأ عليه في علم الفرائض, كما قرأ على الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – في النحو والبلاغة أثناء وجوده مدرّسًا في تلك المدينة.

ولما فتح المعهد العلمي في الرياض أشار عليه بعضُ إخوانه أن يلتحق به, فاستأذن شيخَه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – فأذن له, والتحق بالمعهد عامي 1372 – 1373هـ.
ولقد انتفع – خلال السنتين اللّتين انتظم فيهما في معهد الرياض العلمي – بالعلماء الذين كانوا يدرِّسون فيه حينذاك ومنهم: العلامة المفسِّر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي, والشيخ الفقيه عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد, والشيخ المحدِّث عبد الرحمن الإفريقي – رحمهم الله تعالى -.

وفي أثناء ذلك اتصل بسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله -, فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية, وانتفع به في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها, ويُعدُّ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – هو شيخه الثاني في التحصيل والتأثُّر به.
ثم عاد إلى عنيزة عام 1374هـ وصار يَدرُسُ على شيخه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي, ويتابع دراسته انتسابًا في كلية الشريعة, التي أصبحت جزءًا من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة, حتى نال الشهادة العالية.

تدريسه:
توسَّم فيه شيخه النّجابة وسرعة التحصيل العلمي فشجّعه على التدريس وهو ما زال طالبًا في حلقته, فبدأ التدريس عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة.
ولمّا تخرَّج من المعهد العلمي في الرياض عُيِّن مدرِّسًا في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.

وفي سنة 1376هـ توفي شيخه العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله تعالى – فتولّى بعده إمامة الجامع الكبير في عنيزة, وإمامة العيدين فيها, والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع؛ وهي التي أسسها شيخه – رحمه الله – عام 1359هـ.
ولما كثر الطلبة, وصارت المكتبة لا تكفيهم؛ بدأ فضيلة الشيخ – رحمه الله – يدرِّس في المسجد الجامع نفسه, واجتمع إليه الطلاب وتوافدوا من المملكة وغيرها حتى كانوا يبلغون المئات في بعض الدروس, وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل جاد, لا لمجرد الاستماع, وبقي على ذلك, إمامًا وخطيبًا ومدرسًا, حتى وفاته – رحمه الله تعالى -.
بقي الشيخ مدرِّسًا في المعهد العلمي من عام 1374هـ إلى عام 1398هـ عندما انتقل إلى التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وظل أستاذًا فيها حتى وفاته- رحمه الله تعالى -.
وكان يدرِّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج ورمضان والإجازات الصيفية منذ عام 1402هـ , حتى وفاته – رحمه الله تعالى-.
وللشيخ – رحمه الله – أسلوب تعليمي فريد في جودته ونجاحه, فهو يناقش طلابه ويتقبل أسئلتهم, ويُلقي الدروس والمحاضرات بهمَّة عالية ونفسٍ مطمئنة واثقة, مبتهجًا بنشره للعلم وتقريبه إلى الناس.
آثاره العلمية:
ظهرت جهوده العظيمة – رحمه الله تعالى – خلال أكثر من خمسين عامًا من العطاء والبذل في نشر العلم والتدريس والوعظ والإرشاد والتوجيه وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى -.
ولقد اهتم بالتأليف وتحرير الفتاوى والأجوبة التي تميَّزت بالتأصيل العلمي الرصين, وصدرت له العشرات من الكتب والرسائل والمحاضرات والفتاوى والخطب واللقاءات والمقالات, كما صدر له آلاف الساعات الصوتية التي سجلت محاضراته وخطبه ولقاءاته وبرامجه الإذاعية ودروسه العلمية في تفسير القرآن الكريم والشروحات المتميزة للحديث الشريف والسيرة النبوية والمتون والمنظومات في العلوم الشرعية والنحوية.
وإنفاذًا للقواعد والضوابط والتوجيهات التي قررها فضيلته – رحمه الله تعالى – لنشر مؤلفاته, ورسائله, ودروسه, ومحاضراته, وخطبه, وفتاواه ولقاءاته, تقوم مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية – بعون الله وتوفيقه – بواجب وشرف المسؤولية لإخراج كافة آثاره العلمية والعناية بها.
وبناءً على توجيهاته – رحمه الله تعالى – أنشئ له موقع خاص على شبكة المعلومات الدولية ، من أجل تعميم الفائدة المرجوة – بعون الله تعالى – وتقديم جميع آثاره العلمية من المؤلفات والتسجيلات الصوتية.
أعماله وجهوده الأخرى:

إلى جانب تلك الجهود المثمرة في مجالات التدريس والتأليف والإمامة والخطابة والإفتاء والدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى – كان لفضيلة الشيخ أعمال كثيرة موفقة منها ما يلي:

· عضوًا في هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من عام 1407هـ إلى وفاته.
·
عضوًا في المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العامين الدراسيين 1398 – 1400هـ.
·
عضوًا في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم ورئيسًا لقسم العقيدة فيها.
·
وفي آخر فترة تدريسه بالمعهد العلمي شارك في عضوية لجنة الخطط والمناهج للمعاهد العلمية, وألّف عددًا من الكتب المقررة بها.
·
عضوًا في لجنة التوعية في موسم الحج من عام 1392هـ إلى وفاته – رحمه الله تعالى – حيث كان يلقي دروسًا ومحاضرات في مكة والمشاعر, ويفتي في المسائل والأحكام الشرعية.
·
ترأس جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في عنيزة من تأسيسها عام 1405هـ إلى وفاته.
·
ألقى محاضرات عديدة داخل المملكة العربية السعودية على فئات متنوعة من الناس, كما ألقى محاضرات عبر الهاتف على تجمعات ومراكز إسلامية في جهات مختلفة من العالم.
·
من علماء المملكة الكبار الذين يجيبون على أسئلة المستفسرين حول أحكام الدين وأصوله عقيدة وشريعة، وذلك عبر البرامج الإذاعية من المملكة العربية السعودية وأشهرها برنامج «نور على الدرب».
·
نذر نفسه للإجابة على أسئلة السائلين مهاتفه ومكاتبة ومشافهة.
·
رتَّب لقاءات علمية مجدولة, أسبوعية وشهرية وسنوية.
·
شارك في العديد من المؤتمرات التي عقدت في المملكة العربية السعودية.
·
ولأنه يهتم بالسلوك التربوي والجانب الوعظي اعتنى بتوجيه الطلاب وإرشادهم إلى سلوك المنهج الجاد في طلب العلم وتحصيله, وعمل على استقطابهم والصبر على تعليمهم وتحمل أسئلتهم المتعددة, والاهتمام بأمورهم.
·
وللشيخ – رحمه الله – أعمال عديدة في ميادين الخير وأبواب البرّ ومجالات الإحسان إلى الناس, والسعي في حوائجهم وكتابة الوثائق والعقود بينهم, وإسداء النصيحة لهم بصدق وإخلاص.
مكانته العلمية:

يُعَدُّ فضيلة الشيخ – رحمه الله تعالى – من الراسخين في العلم الذين وهبهم الله – بمنّه وكرمه – تأصيلاً ومَلَكة عظيمة في معرفة الدليل واتباعه واستنباط الأحكام والفوائد من الكتاب والسنّة, وسبر أغوار اللغة العربية معانِيَ وإعرابًا وبلاغة.
ولما تحلَّى به من صفات العلماء الجليلة وأخلاقهم الحميدة والجمع بين العلم والعمل أحبَّه الناس محبة عظيمة, وقدّره الجميع كل التقدير, ورزقه الله القبول لديهم واطمأنوا لاختياراته الفقهية, وأقبلوا على دروسه وفتاواه وآثاره العلمية, ينهلون من معين علمه ويستفيدون من نصحه ومواعظه.
وقد مُنح جائزة الملك فيصل – رحمه الله – العالمية لخدمة الإسلام عام 1414هـ, وجاء في الحيثيات التي أبدتها لجنة الاختيار لمنحه الجائزة ما يلي:
أولاً: تحلِّيه بأخلاق العلماء الفاضلة التي من أبرزها الورع, ورحابة الصدر، وقول الحق, والعمل لمصلحة المسلمين, والنصح لخاصتهم وعامتهم.
ثانيًا:
انتفاع الكثيرين بعلمه؛ تدريسًا وإفتاءً وتأليفًا.
ثالثًا:
إلقاؤه المحاضرات العامة النافعة في مختلف مناطق المملكة.
رابعًا:
مشاركته المفيدة في مؤتمرات إسلامية كثيرة.
خامسًا:
اتباعه أسلوبًا متميزًا في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, وتقديمه مثلاً حيًّا لمنهج السلف الصالح؛ فكرًا وسلوكًا.
عقِبُه:

له خمسة من البنين, وثلاث من البنات, وبنوه هم: عبد الله, وعبد الرحمن, وإبراهيم, وعبد العزيز, وعبد الرحيم.
وفاتـه:

تُوفي – رحمه الله – في مدينة جدّة قبيل مغرب يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال عام 1421هـ, وصُلِّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة عصر يوم الخميس, ثم شيّعته تلك الآلاف من المصلّين والحشود العظيمة في مشاهد مؤثرة, ودفن في مكة المكرمة.
وبعد صلاة الجمعة من اليوم التالي صُلِّي عليه صلاة الغائب في جميع مدن المملكة العربية السعودية.
رحم الله شيخنا رحمة الأبرار, وأسكنه فسيح جناته, ومَنَّ عليه بمغفرته ورضوانه, وجزاه عما قدّم للإسلام والمسلمين خيرًا.

اللجنة العلمية
في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

موقع الشيخ رحمه الله




رحمه الله كان جبل من جبال الاسلام في العلم ولازال علمه نافعا

بارك الله فيك اخي على الموضوع القيم

تقبل مروري

اختك هناء




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المعلمة هناء تعليمية
رحمه الله كان جبل من جبال الاسلام في العلم ولازال علمه نافعا

بارك الله فيك اخي على الموضوع القيم

تقبل مروري

اختك هناء

وفيكم بارك الله




تحميل مكتبة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – الإصدار الثاني

الوصف: برنامج موسوعي لمؤلفات الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقاً -رحمه الله-، ويعد البرنامج من أكبر الموسوعات الالكترونية التي عنيت بجمع كتب وتراث الشيخ محمد العثيمين، ويضم ترجمة للشيخ ومجموعة من مؤلفاته، ويتيح البرنامج تصفح الكتب إضافة إلى خواص النسخ والبحث والطباعة، وتشمل محتويات البرنامج ما يلي:

– 48 سؤالاً في الصيام
– 60 سؤال وجواب في أحكام الحيض [موافق للمطبوع]
– أحكام الاضحية والذكاة
– أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنه منها [موافق للمطبوع]
– الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع
– الأصول من علم الأصول [موافق للمطبوع]
– الاعتدال في الدعوة
– الخلاف بين العلماء [موافق للمطبوع]
– الذكر الثمين
– الزواج [موافق للمطبوع]
– الشرح الممتع على زاد المستقنع [موافق للمطبوع]
– الضياء اللامع من الخطب الجوامع
– القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى [موافق للمطبوع]
– القول المفيد على كتاب التوحيد [موافق للمطبوع]
– اللقاء الشهري
– المداينة [موافق للمطبوع]
– المناهي اللفظية
– المنتقى من فرائد الفوائد
– المنهج لمريد العمرة والحج [موافق للمطبوع]
– بحوث وفتاوى في المسح على الخفين [موافق للمطبوع]
– تسهيل الفرائض [موافق للمطبوع]
– تعاون الدعاة وأثره في المجتمع
– تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
– تفسير العلامة محمد العثيمين
– تقريب التدمرية [موافق للمطبوع]
– تلخيص فقه الفرائض [موافق للمطبوع]
– جلسات رمضانية 1410 هـ – 1415 هـ
– حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة [موافق للمطبوع]
– حكم تارك الصلاة [موافق للمطبوع]
– دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416ه
– دروس الشيخ محمد بن صالح العثيمين
– رسالة الحجاب
– رسالة في الدماء الطبيعية للنساء [موافق للمطبوع]
– رسالة في القضاء والقدر [موافق للمطبوع]
– رسالة في زكاة الحلي [موافق للمطبوع]
– رسالة في سجود السهو [موافق للمطبوع]
– زاد الداعية إلى الله
– شرح الأربعين النووية
– شرح التدمرية
– شرح العقيدة السفارينية
– شرح العقيدة الواسطية [موافق للمطبوع]
– شرح ألفية ابن مالك للعثيمين
– شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث [موافق للمطبوع]
– شرح ثلاثة الأصول [موافق للمطبوع]
– شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
– شرح دعاء قنوت الوتر
– شرح رياض الصالحين
– طهارة المريض وصلاته [موافق للمطبوع]
– عقيدة أهل السنة والجماعة [موافق للمطبوع]
– فتاوى أركان الإسلام
– فتاوى نور على الدرب
– فتح رب البرية بتلخيص الحموية
– فصول في الصيام والتراويح والزكاة
– فقه العبادات
– كتاب العلم [موافق للمطبوع]
– كيف تؤدي مناسك الحج والعمرة [موافق للمطبوع]
– لقاء الباب المفتوح
– مجالس شهر رمضان [موافق للمطبوع]
– مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين [موافق للمطبوع]
– مجموعة أسئلة تهم الاسرة المسلمة [موافق للمطبوع]
– مجموعة أسئلة في بيع و شراء الذهب
– مختصر مغني اللبيب عن كتاب الأعاريب [موافق للمطبوع]
– مصطلح الحديث
– مطوية نبذ في الصيام
– مكارم الاخلاق [موافق للمطبوع]
– من الأحكام الفقهية في الطهارة والصلاة والجنائز
– من مشكلات الشباب [موافق للمطبوع]
– مناسك الحج والعمرة والمشروع في الزيارة
– منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل [موافق للمطبوع]
– نبذة في العقيدة الإسلامية
– أخطاء يرتكبها بعض الحجاج
– تعليق العثيمين على صحيح البخاري
– شرح باب صفة الصلاة من الزاد عام 1419 ه
– شرح كتاب الصوم من بلوغ المرام
– رسالة في البيع
– قواعد في الإملاء
– مجموعة رسائل ملحقة بكتاب العلم
– منظومة في القواعد والأصول

وقد تم إعداد البرنامج بثلاث صيغ: صيغة ملف تنفيذي (exe)، وصيغة ملف مساعدة (chm)، وصيغة (bok) الخاصة بالموسوعة الشاملة، مع توثيق الكتب بترقيم الصفحات لتوافق المطبوع، كما تم تجهيز صيغة (chm) بطريقة تسمح لعملها على الأجهزة الكفية (Pocket PC) وأجهزة الآي باد والآي فون باستخدام التطبيقات المخصصة لذلك.

تعليمية
تعليمية

تحميل صيغ البرنامج:
صيغة ملف تنفيذي (Exe)
الحجم: 27 ميجا
صيغة ملف مساعدة (Chm)
الحجم: 47 ميجا
صيغة الموسوعة الشاملة (bok) الحجم: 27 ميجا




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

مَنْ هُوَ الإِمَامُ الآجُرِّي؟

تعليمية



مَنْ هُوَ الإِمَامُ الآجُرِّي؟

اسمه ونسبه: هو الإِمَامُ الْحَافِظُ الثَّبْتُ النِّحْرِيرْ، وَبَحْرُ الْعِلْمِ، صَاحِبُ السُنَّةِ الأَثَريّ، الزَّاخِرُ بِالْفَضْلِ الْغَزِيرْ، المُحدِّثُ الفقيه القدوة أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، الآجُرِّيُّ الْبَغْدَادِيُّ.

و(الآجُرِّي) بفتحٍ أوله ممدود، وضم الجيم وكسر الراء المشددة، نشبةٌ إلى قريةٍ من قرى بغداد يقال لها (الآجُرّ)، ودَرْبُ الآجُرِّ مَحَلَّةٌ كَانَتْ بِبَغْدَادَ مِنْ مَحَالِ نَهْرِ طَابِقٍ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، سَكَنَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَلِمِ، وَهُوَ الآنَ خَرَابٌ قَالَهُ يَاقٌوتٌ الحَمَوِيَ فِي مُعْجَمِ البُلْدَانِ.

مولده ونشأته:نَشَأَ بِدَرْبِ الآجُرِّ بِبَغْدَادَ، نَشْأَةَ مَنْ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور، فَبَكَّرَ إِلَى مَجَالِسِ عُلَمَاءِ بَلْدَتِهِ وَهُوَ يَتْلُو: اللَّهُمَّ بَارَكَ لِي فِى الْغُدُو وُالْبُكُور؛ وَلازَمَ الْحِشْمَةَ وَالْوَقَارَ وَالْوَرَعَ الْمَتِين، وَسَلَكَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ سُنُنَ السَّادَةِ السَّالِفِين، وَجَدَّ فِي الْقِيَامِ فِى جَوْفِ الدَّيَاجِي قَانِتَاً، يَتْلُو بِلِسَانِ التَّذَلُّلِ وَالاعْتِذَارِ وَالرَّجَا:


اتَّخِذْ طَـاعَةَ الإِلَهِ سَـبِيلاً …. تَجِدِ الْفَوْزَ بِالْجِنَانِ وَتَنْجُو
وَاتْرُكْ الإِثْمَ وَالْفَوَاحِشَ طُرَّا …. يُؤْتِكَ اللهُ مَـا تَرُومُ وَترْجُو


وَسَمِعَ وَهُوَ حَدَثٌ يَافِعٌ أَبَا مُسْلِمٍ الْكجِّيَّ الَّذِي فَاقَ مُحَدِّثِي عَصْرِهِ، وَأَقرَّ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالصَّدَارِةِ أَبْنَاءُ دَهْرِهِ؛ فَحَصَّلَ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ الْحَدِيثَ بَالأَسَانِيدِ الْعَوَالِي، وَتَفَرَّد عَنْ أَقْرَانِهِ وَذَوِيهِ بِأَوْسَاطِ الْمَعَالِي.

تَصَدّى رِجَالٌ فِي الْمَعَالِي لِيُدْرِكُوا …. مَـدَاكَ وَمَـا أَدْرَكْتَهُ فَتَـذَبْذَبُوا
وَرُمْتَ الَّذِي رَامُوا فَأَذْلَلْتَ صَعْبَهُ …. وَرَامُوا الَّذِي أَذْلَلْتَ مِنْهُ فَأَصْعَبُوا


ثُمَّ صَحِبَ بَعْدَهُ أَئِمَّةً تُشَدُّ إِلَيْهِمْ الرِّحَالُ وَيُقْصَدُونَ، مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانَاً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، فَلازَمَ أَبَا بَكْرٍ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيَّ أَوْحَدَ الْحُفَّاظِ الرُّفَعَاءِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ بِهِمَّتِهِ عَنْهُ إَلَى بَيْضَاءَ وَلا صَفْرَاءَ، حَتَّى وَعَى صَدْرُهُ وَخَزَنَتْ دَفَاتِرُهُ مَا لَدِيهِ، وَحَمِدَ عِنْدَ إِيَابِهِ السُّرَى وَالإِدْلاجَ إِلَيْهِ.


وَزَاحَمَ بِرُكْبَتَيْهِ أُلُوفَ الْحَاضِرِينَ مَجَالِسَ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحِيَى بْنِ صَاعِدٍ حَامِي جَنَابِ الشَّرْعِ مِنْ الَحَدِيثِ الْمُفْتَرَى، وَالذَّائِدِ عَنْ السُّنَّةِ وَنَاصِرِهَا نَصْرَاً عَزِيزَاً مُؤَزَّرَا، فَقَرَّبَهُ مِنْهُ وَأَدْنَاهُ، وَأَمْلَى عَلَيْهِ فَوَائِدَ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا سِوَاهُ، وَمَا بَرِحَ يَرْتَحِلُ فِى الأَمْصَارِ يَطْلُبُ الْمَزِيد، حَتَّى حَوَى مِنْ الْحَدِيثِ وَالآثَارِ فَوْقَ مَا يُرِيد، وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ:

وَمَا لِي حَـالَةٌ أَرْجُـو بَقَاهَا …. سِوَى التَّشْمِِيرِ فِي طَلَبِ المَعَالِي
نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِـدْ شَيْئَاً بِعَيْنِي …. مِنْ الدُّنْيَا يَزِيـدُ عَلَى خِلالِي

أّقَامَ وَحَدَّثَ بِبَغدادٍ قَبْلَ سَنَةِ ثَلاَثِينَ وَثَلاَثُمَائِة (330 هـ)، وَقَدْ سَأَلَ الله أَنْ يَرْزُقَهُ الإِقَامَةَ بِهَا سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مُجَاوِراً ثَلاثِينَ عَاماً حَتَى كَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا؛ َصَارَ شَيْخَهَا وَمُفِيدَ حُجَّاجِهَا وَالْقَاطِنِين، عَلَى خُلُقٍ أَرَقَّ مِنْ النَّسِيمِ، وَمُحَيَّا تَعْرِفُ فِيهِ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، وَغَـدَتْ مَجَالِسُهُ بِكُبَرَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ صَبَاحَاً مُشْرِقَاً، وَأَمْسَتْ أَوْقَاتُهُ غَيْثَاً بِالْخَيْرَات مُغْدِقَاً،وَأَذَاعَ أَرِيجَ ثَنَاءِهِ مِسْكُ اللَّيْلِ وَكَافُورُ الصَّبَاح، وَخَجَلَ عِنْدَ ذِكْرِهِ كُلُّ مُنَاظِرٍ مُعَانِدٍ وَكَبْشٍ نَطَّاح، وَوَضَحَ بُرْهَانُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتُعُوِّذَ مِنْ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس، وَنَادِي لِسَانُ الْحَقِّ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيَؤُمْ النَّاس.

وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ (280 هـ) بِبَغْدَادٍ، وَقِيلَ سَنَةَ (264 هـ).

شيوخه:
من تتبع مؤلفاته -رحمه الله-، يرى أن له مشايخ كثيرون، كما ذكره غير واحد من المؤرخين. ومن شيوخه:

· أبومسلم الكجي أو الكشي إبراهيم بن عبدالله (ت292هـ).

· أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه أبوالعباس القطان (ت304هـ).

· أبو شعيب الحداني.

· خلف بن عمرو العكبري.

· أبوخليفة الفضل بن حباب.

· المفضل بن حباب الجندي أبوسعيد الحافظ (ت308هـ).

· هارون بن يوسف بن زياد.

· قاسم بن زكريا المطرز البغدادي (ت305هـ).

· أبوبكر بن أبي داود عبدالله بن سليمان بن الأشعث السجستاني (ت316هـ).

· أحمد بن يحيي الحلواني.

· جعفر بن محمد بن الحسن أبوبكر الفريابي ثم التركي (ت301هـ).


وغيرهم خلق كثير منهم عبد الله بن عباس الطيالسي وحامد بن شعيب البلخي وأحمد بن سهل الأشناني المقرئ، ومن نظر في كتب الإمام الآجري خاصة الشريعة و تحريم النرد والشطرنج والملاهي وقف على جم غفير غير هؤلاء.

تلاميذه: نجد بتتبع المصادر التاريخية أنَّ له الكثير من التلاميذ، منهم:

· أبو نُعيم أحمد بن عبدالله الحافظ الأصبهاني، صاحب الحلية (ت 404هـ).

· محمد بن الحسين بن المفضل القطَّان.

· أبوالحسن الحمامي.

· عبدالرحمن بن عمر بن النحاس.

· علي بن أحمد المقرىء.

· محمود بن عمر العكبري.

· أبوالحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بشران.

· أبوالقاسم عبدالملك بن محمد بن عبدالله بن بشران البغدادي (ت403ه).

  • وقد ذكر الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ وذلك في الصفحة السادسة والثلاثون بعد المائة التاسعة أنه روى عنه خلق كثير في مكة المكرمة من الحجاج والمغاربة.


مكانته العلمية ومصنفاته:
اتفق المؤرخون على إمامته في الفقه والحديث مع صلاحه وورعه وزهده.

قال الذهبي: الإمام المحدث القدوة، شيخ الحرم الشريف، كان صدوقا خيرا عابدا صاحب سنة واتباع، وقال في العلُوّ: كان الآجُرِّي أثرياً حَسَنَ التصانيف.
قال الخطيب: كان الآجُرِّي ثقةً صدوقاً ديناُ، له تصانيف.
وقال السيوطي: كان عالماً عاملاً صاحب سنة، دينا ثقة.
وقال ابن مفلح الحنبلي: كان من الفقهاء والكبار.
وقال ياقوت: كان ثقة، صنف تصانيف كثيرة، حدث ببغداد، ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى أن مات.
وقال النديم: الفقيه، أحد الصالحين العُباد، كان مقيما بمكة.

مذهبه: كان سلفياً أثرياً محارباً للتعصب المذهبي، وهذا شيءٌ جليٌ واضحٌ في كتبه، وقد تنازع المؤرخون على أي مذهب تفقَه، فمنهم من يقول أنه تفقه على مذهب الشافعي انظر الوفيات لابن خلكان وطبقات الشافعية، ومنهم من يقول أنه تفقه على مذهب أحمد بن حنبل انظر طبقات الحنابلة وشذرات الذهب.


مُصنفاته:

1- الأربعين في الحديث.
له نسخة مخطوطة في المكتبة الظاهرية 4 ( ق49 – 80).
وله نسخة أخرى قطعة منها في مجموع 27- (ق34-45).
(فهرس المكتبة الظاهرية ص2 ).
وذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ ص936.
والتاج السبكي في طبقات الشافعية 3/149.

2- أخبار عمر بن عبدالعزيز.
مخطوط بالمكتبة الظاهرية بدمشق رقم المجموع 30(ورق 1 : 22)
وله صورة في مكتبة الجامعة الإسلامية رقم106.
(فهرس مخطوط الظاهرية / ص2)؟

3- أخلاق حملة القرآن.
ذكره ابن خير الأشبيلي من " فهرس ما رواه عن شيوخه " ص185 .

4- أحكام النساء.
ذكره ابن النديم في " الفهرست " ص215 .

5- أخلاق العلماء.
وقد طبع هذا الكتاب طبعتين:
– الطبعة الأولى بالقاهرة 1931م.
– الطبعة الثانية بطابع النصر الحديثة بالرياض نشر وتوزيع إدارة البحوث العلمية والإفتاء بتحقيق الشيخ إسماعيل الأنصاري.

6- التصديق بالنظر إلى الله عز وجل وما أعده لأوليائه.
مخطوط وله نسختان في المكتبة الظاهرية:
أ- من مجموع 21 (ق185-200).
ب- نسخة من آخرها ورقتين في مجموع 116 (ق114-118).

7- الشريعة.
طبع هذا الكتاب في القاهرة سنة 1369 بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي وأعادت طبعه مرة أخرى أخيراً دار الكتب العلمية ببيروت.


8- الغرباء من المؤمنين.
في وصف حالهم وواجب المسلم في رعايتهم:
مخطوط في الظاهرية رقم4572 (ق48-63).

9- أدب النفوس.
مخطوط وله نسخة في المكتبة الظاهرية، برقم مجموع حديث 248 (23-29) وغيرها من الكتب الأخرى النافعة.

وله العديد من المصنفات الأخرى منها: " النصيحة" وينقل عنها ابن مفلح صاحب الفروع في الفروع اختياراتٍ حسنة، وله " الثمانين " و " أداب العلماء " و "مسألة الطائفين" و" التهجد" و" فرض العلم" و " صفة قبر النبي صلي الله عليه وسلم" و" مختصر الفقه" و "تحريم النرد والشطرنج" و "ذمُّ اللواط" وذكر بعض المؤرخين أنَّ مؤلفاته تزيد عن هذه التي ذكرت بكثير.

تأريخ وفاته:

اتفق المؤرخون على وفاة الإمام الآجري في سنة ستين وثلاثمائة (360هـ) بمكة المكرمة.
ونقل التقي الفاسي من "العقد الثمين" عن العلامة ابن رشيد أنه قال في رحلته: " قرأت بخط شيخنا الخطيب الصالح أبي عبدالله بن صالح ما نصه أنه وجد بخط أبي جعفر أحمد بن محمد بن ميمون الطليطلي ما نصه: سألنا أبا الفضل محمد بن أحمد الزاز متى توفي الآجري؟ قال: " توفي -رحمه الله- يوم الجمعة أول يوم محرم سنة ستين وثلاثمائة بمكة المكرمة ودفن فيها وكان قد بلغ من العمر ستاً وتسعين سنة أو نحوها".
قال: وكان يدعو كثيراً ألا تبلغه سنة ستين، فما مضى من أول يوم من السنة إلا ساعة حتى توفي -رحمه الله تعالى-.

المصادر:

1- ترجمته في كتاب الشريعة الذي نشرته دار البصيرة.

2- الكوكب الدري في ترجمة الإمام أبي بكر الآجُرِّي الذي نشره أبو الأشبال الهواري في سحاب السلفية.

3- ترجمته في كتاب أخلاق حملة القرآن الذي نشرته دار الكتب العلمية.

4- ترجمته في كتاب أخلاق العلماء الذي أصدرته الدار المصرية اللبنانية.

5- ترجمته في موقع جامع الحديث النبوي، أشمل موسوعة لكتب السنة النبوية.

6- ألف بين جميع هذه التراجم التي ذكرت على عجالة: لقمان بن أبي القاسم الأنصاري.








السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا على الموضوع




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




بــــــــــارك الله فيــــــــــــك اخي وجــــــــــــزاك الله خير الجــــــــــــــــــــــ ــزاء ……………..سلااااام ي




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




جزاك الله خيرا.




التصنيفات
السير والتراجم

خصال أم المؤمنين

وكانت امرأة بيضاء جميلة.
ومن ثم يقال لها: الحميراء.
ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، ولا أحب امرأة حبها.
ولا أعلم في أمه محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقا، أمرأة أعلم منها.
وذهب بعض العلماء إلى أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر، وإن كان للصديقة خديجة شأن ولا يلحق، وأنا واقف في أيتهما أفضل.
نعم جزمت بأفضلية خديجة عليها لامور ليس هذا موضعها .
حدثنا هاشم بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة [ من ] حرير ، فيقول: هذه امرأتك.
فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه.
فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه " .
وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي، عن ابن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها
في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هذه زوجتك في الدنيا
والآخرة " .

حسنه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الله.
ورواه عبد الرحمن بن مهدي عنه مرسلا.
بشر بن الوليد القاضي: حدثنا عمر بن عبدالرحمن عن سليمان الشيباني، عن علي بن زيد بن جدعان، عن جدته، عن عائشة أنها قالت: لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفة وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلفت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما.
رواه أبو بكر الآخري، عن أحمد بن يحيى الحلواني ، عنه.
وإسناده جيد

سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله




تعليمية




تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع الرائع والقيم
بارك الله بقولك وعملك الطيب جزاك الله عنا




بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

صان البسملة فرفع الله ذكره

صان البسملة أن تمتهن فرفع الله ذكره في الدنيا والآخرة..

27/08/2009 التحرير
حجم الخط:
تعليمية
قال عنه الخطيب البغدادي: "كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة واستقامة المذهب، وعزوف النفس وإسقاط الفضول.."


و قال عنه الإمام الحافظ إبراهيم الحربي: "قد رأيت رجالات الدنيا، ولم أر مثل ثلاثة: رأيت أحمد بن حنبل وتعجز النساء أن تلد مثله.. ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءا عقلا، ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نفخ فيه علم". وقال أيضا: "ما أخرجت بغداد أتم عقلا ولا أحفظ للسانه من بشر بن الحارث، كان في كل شعره عقل.. ووطىء الناس عقبه خمسين سنة، ما عرف له غيبة لمسلم.. لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء، وما نقص من عقله شيء!"..
قصة توبته: عن أبي حفص عمر بن عبد الله الواعظ قال: كان بشر بن الحارث شاطرا يجرح بالحديد (أي لصا.. يعتدي على الناس ليأخذ ما عندهم).. وكان سبب توبته أنه وجد قرطاسا في الحمام فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.. فعظم ذلك عليه، ورفع طرفه إلى السماء، وقال: "سيدي! اسمك ها هنا ملقى؟! فرفعه من الأرض، وأزال عنه الأوساخ التي كانت عليه.. وأتى عطارا، فاشترى قارورة، بدرهم لم يكن معه سواه.. ولطخ القرطاس بالعطر، وأدخله في شق حائط، وانصرف إلى زجاج كان يجالسه.. فقال له الزجاج: والله يا أخي لقد رأيت لك في هذه الليلة رؤيا ما رأيت أحسن منها، ولست أقول لك حتى تحدثني ما فعلت في هذه الأيام فيما بينك وبين الله تعالى!.. فقال ما فعلت شيئا أعلمه غير أني اجتزت اليوم بحمام (فذكر القصة).. فقال الزجاج: "رأيت كأن قائلا يقول لي في المنام، قل لبشر ترفع اسما لنا من الأرض إجلالا أن يداس؟؟.. لننوهن باسمك في الدنيا والآخرة." (أي لنرفعن ذكرك الحسن بين الناس).. فتاب رحمه الله.. واشتهر بعبادته بين الناس.. حتى أن جنازته كانت شيئا عجيبا لم ير مثله في بغداد.. فقد أخرجت بعد صلاة الصبح، ولم تصل إلى المقبرة إلا في الليل.. وكان اليوم صيفا والنهار فيه طول.. وسمع الإمامان "أبو نصر التمار" و"علي بن المديني"، يصيحان في الجنازة: "هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة!!".




سبحان الله

بارك الله فيك

على هذه العبر والافادة الطيبة من استاذة طيبة




سبحان الله

بارك الله فيك

شكرا لك ماما غاية الهدى على الموضوع تقبلي مروري و تحيتي.




ممتنة أنا لتواجدكم على صفحتي و لردكم الكريم

أمدكم الله بالصحة والعافية وقواكم بالعلم والإيمان

مزيدا من العطاء …مزيدا من المنفعة تحيــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــاتي

تعليمية




بوركت أختاااااااااااااااااااااا اااااااااه تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

السيدة راحيل ومقتطفات من سيرتها

عندما بلغ سيدنا يعقوب سن الزواج، أشار عليه أبواه أن يتوجه الى خاله (لابان) فى أرض (حران) بالعراق ويخطب إحدى ابنتيه، فقد آمنتا بدين إبراهيم عليه السلام. فانطلق يعقوب عليه السلام إلى مسقط رأسه فى بلاد المقدس وتوجه نحو العراق، ولما قدم يعقوب على خاله فى أرض حران، وجد له إبنتان وهما: (ليا) وهى الكبرى، و("راحيل") وهى الصغرى.

وكانت ("راحيل") قد أوتيت حظا من الذكاء والصفاء والنقاء، وكانت تفوق أختها (ليا) فى الحسن فتقدم يعقوب عليه السلام – الى خاله وخطب منه ابنته "راحيل" وسأله خاله :

هل من مال أزوجك عليه إبنتى "راحيل"؟!.فقال يعقوب: لا يا خالي إننى غريب هنا كما تعلم ولكنى مستعد بما تطلب منى. وتابع قائلا: يا خالى إن شئت أن تأخذنى أجيرا حتى تستوفى صداق إبنتك ("راحيل") فأنا على إستعداد لذلك. وعندئذ قال له خاله وقد ظهرت عليه امارات الرضا: قبلت، وأن صداق "راحيل" أن تأجرنى 7 سنين. فقال يعقوب: قبلت، فزوجنى "راحيل" وهى شرطى، ولك أن أخدمك 7 حجج….وأجاب لابان يعقوب على شرطه. عندئذ قال يعقوب: ذلك بينى وبينك.

وأخذ يرعى يعقوب لخاله سبعة أعوام كوامل، فلما وفى لخاله شرطه الذى اتفقا عليه، صنع خاله لابان طعاما من أجل الزفاف وجمع الناس عليه. وأقبل ليل ذلك اليوم، ودخل يعقوب خيمته، فالفى فيها زوجة، فلما تنفس الصبح، وأشرقت الأرض بنور ربها، وجد أن خاله قد زوجه ابنته الكبرى (ليا)، بينما كان الشرط بينهما ان يزوجه صغراهما "راحيل".

فقال يعقوب: لا حول ولا قوة الا بالله. وجاء لخاله لابان غاضبا فقال له: لقد غدرت بى، ولقد غدرتنى وخدعتنى واستحللت فعلى سبع سنين، وليست على غير امرأتى، وانما خطبت اليك "راحيل"، ولم اخطب ليا…..أليس كذلك؟!فقال خاله: رويدك يا إبن أختى، فأنا لم أخدعك، إنه ليس من عادتنا فى هذه البلاد أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، وهل تريد أن تدخل على خالك العار والسبة بهذه الفعلة؟قال يعقوب: معاذ الله…فقال خاله: إن أحببت "راحيل" أن تكون زوجة لك فاعمل لى 7 أعوام أخرى.

وإنقضت سبع سنين، ولد ليعقوب خلالها بضعة أولاد من زوجه "ليان"، وجاء اليوم الذى ينتظره يعقوب ورأى ليلة تحقيق حلمه ليقترن بتلك المرأة التى ستكون أم نبى ورسول كريم وزوج نبى ورسول كريم.

وزفت إليه "راحيل" وكان اذ ذاك سائغا وجائزا فى ملتهم زواج الأختين على ما يبدو، ثم نسخ ذلك فيما بعد فى شريعة التوراة. ولبعض المفسرين رأى وهو أنه لما توفيت "ليا"، تزوج يعقوب "راحيل".

وهب (لابان) لكل واحدة من ابنتيه جاريه، فوهب الى ابنته الكبرى "ليا" جارية اسمها (زلفى)، ووهب للصغرى "راحيل" جارية إسمها (بلهى). ولم تنجب "راحيل"فى بداية زواجها من يعقوب، وتأخر عليها الولد، ورأت أن اختها "ليا" قد أنجبت أربعة أولاد، وكات الغيرة تلعب بها عندما نذرت أن تهب لزوجها يعقوب جاريتها (بلهى)، ويبدو ان "ليا" قد وهبت له جاريتها (زلفى) منافسة لاختها ("راحيل")، وولدت كل واحدة من الجاريتين ليعقوب.

ولما رأت "راحيل" ان أختها "ليا" والجاريتين (زلفى) و(بلهى) قد ولدت لزوجها يعقوب ولم تلد هى، توجهت الى الله بجوارحها وقلبها، ودعته أن يهب لها غلاما زكيا من يعقوب. وإستجاب الله عز وجل دعاء "راحيل" وأجاب نداءها، ورحم ضعفها، وأكرمها، فحملت من نبى الله يعقوب، ثم ولد له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا مخلصا سمته يوسف، وكان يوسف عليه السلام أشب الناس بجدته لأبيه سارة زوج إبراهيم عليه السلام، ولذا فقد كان أحب أبناء يعقوب الى قلبه.

كان ليعقوب عليه السلام – اثنا عشر ولدا من أربع أزواج، وهم على النحو التالى:

أول زوجاته "ليا" وقد رزق منها: روبيل، شمعون، لاوى، يهودا، ايساخر، زابلون. والثانية "راحيل"ٍ وقد رزق منها: يوسف، بنيامين. الثالثة (بلهى) وقد رزق منها: دان، نفتالى. الرابعة (زلفى) وقد رزق منها: جاد، اشير.

وقد خص الله عز وجل يوسف عليه السلام بالنبوة من بين أولاد يعقوب – عليه السلام – ((ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات …)) – غافر. أما قول الله سبحانه: ((إنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده وأوصينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط…)).

اللأسباط هنا ليس المراد بها أنهم أولاد يعقوب الإثنا عشر، بل المراد هنا حفدته وذرارى ابنائه. والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم يرجعون الى أب واحد، وقد أصبح كل واحد من أبناء يعقوب أبا لسبط من أسباط بنى اسرائيل، فجميع بنى اسرائيل وجدوا وتناسلوا من أولاد يعقوب الإثنى عشر. فالمقصود أنه قد ظهرت فى هذه الأسباط النبوة.

سبط لاوى فيه "موسى وهارون والياس واليسع".سبط يودت فيه " دلون وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى".سبط بنيامين فيه "يونس" عليه السلام.

ولكن اخوة يوسف ليسوا أنبياء كيوسف وأبيهم يعقوب، لأنهم إذا كانوا أنبياء ما قدموا على الإفتراء والكذب، وما ألقا يوسف فى الجباء، وما أقدموا على القتل والسعى بالإفساد، كل ذلك من الكبائر التى تنافى عصمة الانبياء.

قصة "راحيل" مع الاصنام:

ظلت "راحيل" مع زوجها يعقوب قرابة عشرين سنة وهم مقيمون فى أرض العراق، وكانت "راحيل" تؤمن بالله عز وجل وتعبده مع زوجها يعقوب، وكانت فكرة الأصنام منتشره فى بلاد أبيها، وودت لو إستطاعت تحطيم جميع تلك الاصنام التى أضلت كثيرا من الناس، وجرتهم الى طريق الغواية، وأبعدتهم عن طريق الرشاد.

أوحى الله عز وجل الى يعقوب أن يرجع الى بلاد أبيه وقومه فى بلاد المقدس ويترك أرض حران فى العراق. وهمس يعقوب الى أهله وأولاده بما أوصاه ربه، فامتثل جميعهم لأمره، وأجابوه مبادرين الى طاعته، وفى مقدمتهم "راحيل". عندئذ حمل يعقوب أهله وماله وإنطلق نحو بلاد أبيه، بينما أخذت "راحيل" أصنام ابيها إلى مكان بعيد لتلقى بهم فى أحد الأنهار، ولم يشعر أحد بما صنعت "راحيل".

وجاء يعقوب الى أبيه اسحاق _ عليهما السلام – فأقام عنده فى قرية (حيرون) فى أرض كنعان، حيث كان يسكن ابراهيم عليه السلام وهى مدينة الخليل – وهناك فى أرض حجرون حملت "راحيل" فولدت غلاما هو بنيامين وهو شقيق يوسف عليه السلام. وكان يوسف واخوه احب الى يعقوب من سائر إخوته.

"راحيل" ورؤيا يوسف:

قص يوسف على أبيه ما رآه فى الرؤيا وقال ((إذ قال يوسف لأبيه يا أبت……)). كان فى نبرات يوسف لهجة مميزة جعلت يعقوب يضمه الى صدره ويحتويه فى حضنه كانما يحميه من خطر يوشك أن ينقض عليه، اذ لاحظ فى إخوته الاحد عشر كراهية ليوسف، بيد أن يوسف لم يكن يعرف شيئا عن هذا، وانما أخبر والده بالرؤيا لأنه علم بالهام ربانى أو بتعليم سابق من أبيه ان للرؤيا تعبيرا … وعلم ان الكواكب والشمس والقمر كناية عن مخلوقات شريفة، وأن المخلوقات الشريفة كناية عن عظم شأنه وعلو مكانته وسمو كرامته.

قال ابن حبان رحمه الله فى تفسيرهSadفهم يعقوب من رؤيا يوسف عليهما السلام أن الله تعالى يبلغه مبلغا من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين، فخاف عليه من حسد إخوته، فنهاه أن يقص رؤياه عليهم). ولما علمت "راحيل" عن أمر رؤيا يوسف بعد أن أخبرها يعقوب بالرؤيا وتأويلها، أشفقت ايضا على ابنها وزاد قلقها عليه.

حذر يعقوب يوسف من أن يقص رؤياه على إخوته مع أن هذا التحذير قد يثير فى نفسه كراهة لإخوته، لأنه وثق بكمال عقله وصفاء سريرته ومكارم خلقه. وبعدها شرع يعقوب فى تعبيرها وتأويلها على وجه مفاده:

(يا بنى، إنه كما سخر الله لك تلك الكواكب العظيمة مع الشمس والقمر ساجدة لك، كذلك يختارك سبحانه ويصطفيك لنبوته، ويعلمك من تأويل الاحاديث، ويتم نعمته بإرسالك، ولهذا قال له: ((كما أتمها على أبويك من قبل ابراهيم واسحاق* إن ربك عليم حكيم). وهو أعلم حيث يجعل رسالته، ويعطيها لمن يستحقها بحكمته سبحانه.

(ورفع ابوية على العرش):

ومرت الأحداث بيوسف عليه السلام وقد وردت مفصله فى سورة (يوسف)، وجاء تحقيق رؤياه وسجود أمه وأبيه وإخوته حينما أصبح عزيز مصر، وذلك بعد سنوات تزيد على الثلاثين عاما، وتقترب من الأربعين على أصح الأقوال. وخلال تلك الفترة الطويلة، كان يعقوب يقاسى الفراق والحزن على ولده يوسف، ثم لما أن جاءه الخبر بفقد إبنه الآخر بنيامين شقيق يوسف بل واسترقاقه، وكان عينا يعقوب قد ابيضت من الحزن وهو كظيم. وظل قلبه موصولا بالله، وصبر صبرا جميلا، وكان الرجاء والأمل معقودان فى قمة صبرى، وسقط شعاع من الرجاء الى قلب يعقوب يبشره برحمة الله.

هذا هو موقف يعقوب عليه السلام من شدة الحزن، فما نتصور أن يكون موقف "راحيل" أم يوسف وأم بنيامين الذى فقد فيما بعد؟!.

واما السجود ليوسف عليه السلام فقد كان هذا سائغا فى شريعتهم.

مع الصابرات الخالدات:

لعل "راحيل" واحدة من نساء الانبياء اللاتى سجل التاريخ مواقفها العطرة فى مجالات خيرة متعدة، فقد كانت خير امرأة فى كل موقف، كانت مثال الزوجة الوفية، ومثال الأم العطوف، ومثال العابدة الشاكرة والصابرة المؤمنة. ويبدو أن شهرتها إنطلقت من شهرة ابنها يوسف عليه السلام ولما حدث له وأحدث من قصة شائعة عظيمة. كانت "راحيل" خلال احداثها مسلمة مستسلمه لقضاء الله مع زوجها يعقوب، بل وابنها يوسف.

وأصبحت "راحيل" أم ملك….أعظم ملوك الأرض، ولكنها لم تنس أنها زوج نبى وأم نبى، وظلت شاكرة عابدة لما أنعم الله عليها وعلى زوجها وابنها من فضل، وجمع شملهم بعد مدة طويلة، بل ويأس من الاجتماع، ورأت حسن عاقبة الصبر فى الدنيا، وما اعد الله لها من اكرام فى ولدها الذى اختصه الله عزل وجل بالنبوة.

وللإمام الرازى – رحمه الله – كلام جميل حول العناية الالهية التى إكتنفت "راحيل" وزوجها وإخوة يوسف، حيث يقول فى تفسير قوله تعالى: ((إن ربى لطيف لما يشاء))…..أى أن حصول الإجتماع بين يوسف وأبويه – يعقوب و"راحيل" – وإخوته مع الالفة والمحبة، وفراغ البال، كان فى غاية البعد عن العقول إلا أنه تعالى لطيف، فاذا قضى وأراد شيئا سهل عليه فحصل وإن كان فى غاية البعد على الحصول.

وتابعت "راحيل" حياتها فى كنف ولدها يوسف الى ان لقيت ربها وهى راضية مرضيه. وأشارت بعض المصادر بأن "راحيل" قد توفيت فى فلسطين، فربما رجعت "راحيل" من مصر الى فلسطين وتوفيت هناك وهذا محتمل.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكي استاذتنا

موضوع قيمه وبه فائدة

جزاك الله خيرا




أحسن القصص قصص الأنبياء و الرسل و الصالحين و الصالحات
بارك الله فيك أختي




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمزة بل العزيز تعليمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكي استاذتنا

موضوع قيمه وبه فائدة

جزاك الله خيرا


وفيك بارك المولى أسعدني مرورك وردك الطيب

تحياتي….




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة noujoud تعليمية
أحسن القصص قصص الأنبياء و الرسل و الصالحين و الصالحات
بارك الله فيك أختي


وفيك بارك الرحمن

فعلا أحسن القصص ، قصص السلف الصالح فيه الموعظة والعبر

تسلمي بنيتي




تعليمية تعليمية

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الانبياء المرسلين .

لك كل الشكر والامتنان اختنا غاية الهدى والله اشتقت بشكل خاص الى مواضيعك المثرية والقيمة فبدون مجاملة او اي شيء من هذا القبيل احب واعتدت على مسايرة مواضيعك فهي في غاية الروعة الله يجازيك ويجعل اعمالك الصالحة في ميزان حسناتك بأنتظار موضوع اخر لك .
السلام عليكم


تعليمية تعليمية




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




التصنيفات
السير والتراجم

أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه:


أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ابن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي أبو حفص. أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وقالت طائفة في أم عمر: حنتمة بنت هشام بن المغيرة. ومن قال ذلك فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام بن المغيرة وليس كذلك، وإنما هي ابنة عمهما، فإن هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة أم عمر وهشام والد الحارث وأبي جهل وهاشم بن المغيرة هذا جد عمر لأمه كان يقال له ذو الرمحين.

ولد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وروى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: سمعت عمر يقول: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين.

قال الزبير: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية وذلك أن قريشاً كانت إذا وقعت بينهم حرب وبين غيرهم بعثوا سفيراً. وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به و بعثوه منافراً ومفاخراً.

ذكر صفته رضي الله عنه:

كان رضي الله عنه ضخم الجسم ، بعيد ما بين المنكبين ، وكان رضي الله عنه قوي الجسم والبنية ،وكان يسرع في مشيته، وكان في رجليه روح1.
وكان ابيض امهق تعلوه حمرة طوالا اصلع اجلح شديد حمرة العين في عارضه خفة وقال وهب صفته في التوارة قرن من حديد أمير شديد.

ذكر أولاده:

كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة أمهم زينب بنت مظعون ، وزيد الأكبر ورقية أمهما أم كلثوم بنت علي ، وزيد الأصغر وعبيد الله أمهما أم كلثوم بنت جرول ، وعاصم أمه جميلة ، وعبد الرحمن الأوسط أمه لهية أم ولد ، وعبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد وفاطمة أمها أم حكيم بنت الحارث ، وعياض أمه عاتكة بنت زيد وزينب أمها فكيهة أم ولد.

إسلامه:

ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى إسلام عمر رضي الله عنه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة والتي كانت في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة2

وكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة في شهر رجب. وكانت بسبب اشتداد إيذاء قريش للمؤمنين، وعدم قدرة النبيّ صلى الله عليه وسلم على دفع الأذى عنهم، وأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالهجرة إليها لأن بها ملكاً لا يظلم أحد عنده. وكان عدد المهاجرين فيها اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، ثم عاد هؤلاء المهاجرون بعد أن أشيع أن قريشاً أسلمت وذلك في شهر شوال من السنة نفسها، ثم أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهم ولغيرهم بالهجرة إلى الحبشة مرة ثانية بعد أن تبين لهم كذب ما أشيع من إسلام قريش. وكان عدد المهاجرين في الهجرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة امرأة
وثبت في الصحيح3 أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد ما تعرض له عمر رضي الله عنه من ضرب قريش له لما أسلم وعقل ذلك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولد بعد البعثة بسنتين لأن عمره كان يوم غزوة أحد أربعة عشر عاماً3، وكانت أحد بعد البعثة بستة عشر عاماً، فإذا كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنة الخامسة من البعثة يكون عمرُ ابن عمر ثلاث سنوات وهو سن لا يعقل فيه الطفل غالباً

والذي أرى أنه أقرب للصواب أن يكون إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة4.
أما تحديد اليوم والوقت الذي أسلم فيه، فروي أنه كان يوم الثلاثاء.
وقيل يوم الخميس، وقيل يوم الجمعة، وقيل إن إسلامه كان بعد صلاة المغرب

أما كيفية إسلامه رضي الله عنه فقد وردت فيها نصوص عديدة مختلفة من طرق ضعيفة وهي بمجموعها تفيد أن إسلام عمر رضي الله عنه كان بسبب سماعه القرآن وتأثره به وهاته روايتين منها :

الرواية الأولى:

روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِشَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} ، فقلت:كاهن، فقال: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ( الحاقة 40 -47 ) إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع5.

الرواية الثانية :

قال عمر: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة
عند دور آل عمر بن عبد الله بن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحداً، فقلت: لو أني جئت فلاناً الخمار وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، فخرجت فجئته فلم أجده فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين، فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني، فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر،

فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت، ودخلني الإسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن حسين، وكانت طريقه حتى يجزع المسعى ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري، ثم على دار الأخنس بن شريق حتى يدخل بيته، وكان مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان، قال عمر: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار أزهر أدركته، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تتبعته لأوذيه، فنهمني، ثم قال: (ما جاء بك يابن الخطاب هذه الساعة ؟) قلت: جئت لأومن بالله ورسوله، وبما جاء من عند الله، فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (هداك الله يا عمر)، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته6 .

هجرته رضي الله عنه


أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إذناً، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني بالبصرة، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي، عن أبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه.
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب قال: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل: قلنا: الميعاد بيننا " التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فليمض صاحباه. فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة.
قال ابن إسحاق: نزل عمر بن الخطاب، وزيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة، وحنيس بن حذافة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله، وخولي بن أبي خولي، وهلال بن أبي خولي، وعياش بن أبي ربيعة، وخالد وإياس وعاقل بنو البكير، نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر، في بني عمرو بن عوف.
أنبأنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الفارسي، أنبأنا أبو بكر القطيعي، أنبأنا عبد الله بن احمد، حدثني أبي، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى، أخو بني فهر. ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أثري. ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه.
شهوده رضي الله عنه بدراً وغيرها من المشاهد:
شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، وأحداً، والخندق وبيعة الرضوان، وخيبر، والفتح، وحنيناً، وغيرها من المشاهد، وكان أشد الناس على الكفار. وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية، فقال: " يا رسول الله، قد علمت قريش شدة عداوتي لها، وإن ظفروا بي قتلوني " . فتركه، وأرسل عثمان.
أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق – في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر – قال: وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال: " ذفران " ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعضه نزل. وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فقال أبو بكر فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن. وذكر تمام الخبر.
وهو الذي أشار بقتل أسارى المشركين ببدر، والقصة مشهورة.
وقال ابن إسحاق وغيره من أهل السير، ممن شهد بدراً من بني عدي بن كعب: عمر بن الخطاب بن نفيل، لم يختلفوا فيه.
وشهد أيضاً أحداً، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر جملة من مناقبه وفضائله:

قال أهل العلم لما أسلم عمر عز الإسلام وهاجر جهرا وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ للمسلمين وأول من جمع القرآن في المصحف وأول من جمع الناس على صلاة التراويح وأول من عس في عمله وحمل الدرة وأدب بها وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة ودون الديوان وفرض الأعطية وحج بأزواج رسول الله في آخر حجة حجها.

عن عائشة عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: (قد كان في الأمم محدثون فان يكن في أمتي فعمر) حديث متفق عليه7.
وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) أخرجه االشيخان في الصحيحين8.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة) .
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اشد أمتي في أمر الله عمر) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها عمر فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا يفري فرية حتى ضرب الناس بعطن) حديث متفق على صحته.
وعنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث فقال: (بينما أنا نائم أتيت بقدح فشربت منه حتى اني أرى الري يخرج من أطرافي ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم) وهذا متفق على صحته9.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال النبي (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبِي طلحة وسَمِعتُ خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لِمَن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك) فقال: عمر (بأبِي وأمي يا رسول الله أعليك أغار). رواه البخاري (3679).

وعن مُحَمَّد بن سعد بن أبِي وقَّاص عن أبيه قال: استأذن عمر بن الْخَطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتُهن على صوته، فلما استأذن عمر بن الْخَطاب قمن فبادرن الْحِجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال: عمر أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلمَّا سَمِعن صوتك ابتدرن الْحِجاب)، فقال عمر: (فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله)، ثُمَّ قال عمر: (يا عدوَّات أنفسهن، أتَهَبنني ولا تَهَبْن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقلن : نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله ( إيهاً يا ابن الْخَطاب! والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا قط إلا سلك فجًّا غيْر فجّك)). أخرجه البخاري حديث (3683).

وعن ابن أبِي مليكة أنه سَمِع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعنِي إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبِي طالب فترحَّم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إلَي أن ألقى الله بِمِثل عمله منك، وأيْمُ الله إن كنت لأظن أن يَجْعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنِّي كثيرًا أسْمَع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر). أخرجه البخاري حديث (3685).

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم أعزَّ الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك بأبِي جهل أو بعمر ابن الْخَطاب)، قال: فكان أحبهما إليه عمر بن الْخَطاب. أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/95)، وفِي فضائل الصَّحابة بنفس الإسناد برقم (312)، وإسناده حسن.

وقال ابن عمر:ما نزل بالنَّاس أمرٌ قطّ فقالوا فيه وقال فيه ابن الخطاب أو قال عمر إلاَّ نزل القرآن على نَحْو مِمَّا قال عمر. أخرجه الإمام أحْمَد فِي فضائل الصَّحابة برقم (314)، وأخرجه الترمذي (5/618) من طريق أبِي عامر، وإسناده حسن.

وعن أبِي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:(جُعِلَ الْحَق على لسان عمر وقلبه). أخرجه الإمام أحْمَد فِي الْمُسند (2/401)، وفي فضائل الصَّحابة برقم (315)، وإسناده حسن.
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبوبكر وعمر سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين). حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وغيره

عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة). حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره.

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر وزيري يقوم مقامي وعمر ينطق على لساني، وأنا من عثمان وعثمان مني، كأني بك يا أبا بكر تشفع لأمتي). أخرجه ابن النجار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر وعمر خير أهل السموات والأرض، وخير من بقي إلى يوم القيامة). أخرجه الديلمي في مسند الفردوس

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة). أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة وغيره.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهذه التي يوزن بها فوُضِعتُ في كفَّة ووضعت أمتي في كفة فوزنت بهم فرجحت ثم جيء بأبي بكر فوزن، فوزن بهم، ثم جيء بعمر فوزن، فوزن بهم، ثم جيء بعثمان فوزن، فوزن بهم، ثم رفعت). أخرجه الإمام أحمد.

عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى عمر وتبسَّم إليه، فقال: (يا ابن الخطاب أتدري بما تبسمت إليك؟) قال: الله ورسوله أعلم. قال: (إن الله عزوجل باهى بأهل عرفة، وباهى بك خاصة). أخرجه الطبراني.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة، وإنه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمته محدَّث، وإن يكن في أمتي منهم أحد فهوعمر). قالوا: يا رسول الله كيف يحدَّث؟ قال: (تتكلم الملائكة على لسانه). أخرجه الطبراني.

وذكر سيف بن عمر عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم النخعي. قال: أول من ولى شيئاً من أمور المسلمين عمر بن الخطاب، ولاه أبو بكر القضاء فكان أول قاض في الإسلام وقال: اقض بين الناس، فإني في شغل وأمر ابن مسعود بعس المدينة

زهده وتواضعه رضي الله عنه:

ومن صفات عمر رضي الله عنه الدالة على عزمه وقوة إرادته إضافة إلى قوة دينه وإيمانه الزهد في الدنيا وزينتها، والرغبة فيما عند الله، ومن الآثار الدالة على زهده في الدنيا ما ذكره رضي الله عنه عن نفسه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذه فتموله 10 ، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك).
عن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة وعن أنس قال كان بين كتفي عمر ثلاث رقاع.
وعن مصعب بن سعد قال قالت حفصة لعمر يا أمير المؤمنين اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير فقال اني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله. صلى الله عل العيش وكذلك أبو بكر فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي رواه أحمد 11 .

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو بكر بن المزرقي، حدثنا أبو الحسين بن المهتدي، أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي، حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قال طلحة بن عبيد الله: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة.
قال: وأنبأنا أبي، حدثنا أبو علي القرئ كتابة – وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه – أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد بن جرير، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: قال سعد بن أبي وقاص: والله ما كان عمر بأقدمنا هجرة، وقد عرفت بأي شيء فضلنا؛ كان أزهدنا في الدنيا.

أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي، أنبأنا أبي، أنبأنا إسماعيل بن أحمد أبو القاسم، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا داود بن عمرو، أنبأنا ابن أبي غنية، هو يحيى بن عبد الملك، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال: قال الأحنف: كنت مع عمر بن الخطاب، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني. قال: فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني! قال: فانصرف الرجل وهو يتذمر – قال: علي الرجل. فألقى إليه المخفقة وقال: امتثل. فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي، فأعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه، فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض.
قال: وحدثنا أبي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسين المهتدي، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن ابن بن مليكة قال: بينما عمر قد وضع بين يديه طعاماً إذ جاء الغلام فقال: هذا عتبة بن فرقد بالباب، قال: وما أقدم عتبة؟ ائذن له. فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه: خبز وزيت. قال: اقترب يا عتبة فأصب من هذا. قال: فذهب يأكل فإذا هو طعام جشب لا يستطيع أن يسيغه. قال: يا أمير المؤمنين، هل لك في طعام يقال له: الحواري؟ قال: ويلك، ويسع ذلك المسلمين كلهم؟ قال: لا والله. قال: ويلك يا عتبة، أفأردت أن آكل طيباً في حياتي الدنيا وأستمتع؟.

وروى زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أمة الله، أيش بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالت: بكاؤهم من الجوع. قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا، أوهمهم أن فيها شيئاً من دقيق وسمن. فجلس عمر فبكى، ثم جاء إلى دار الصدقة فأخذ غرارة، وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم، احمل عليّ. فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك! فقال لي: لا أم لك يا أسلم، أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة – قال: فحمله على عنقه، حتى أتى به منزل المرأة – قال: وأخذ القدر، فجعل فيها شيئاً من دقيق وشيئاً من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر – قال أسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين! قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.

خلافته رضي الله عنه وسيرته

قال حمزة بن عمرو توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبو بكر.
عن جامع بن شداد عن أبيه قال كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر إن قال اللهم اني شديد فليني وأني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني.

أنبأنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإسنادهم، عن محمد بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله، حدثني أبو بكر بن سالم، عن سالم، عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أر عبقرياً يفري فريه، حتى روي النس، وضربوا بعطن ) .
وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد، وحمل من الأموال، وما غنمه المسلمون من الكفار.
وقد ورد في حديث آخر: ( وإن وليتموها – يعني الخلافة – تجدوه قوياً في الدنيا، قوياً في أمر الله).
قال أحمد بن عثمان: أنبأنا أبو مسعود سليمان، أنبأنا أبو بكر بن مردويه الحافظ قال: حدثنا سليمان بن احمد، حدثنا هاشم بن مرثد، حدثنا أبو صالح الفراء، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء – أو: عن زيد بن وهب – أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعر بغير الذي هم أهل له من الإسلام. وذكر الحديث، قال: فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: (مروا أبا بكر أن يصلي بالناس)، وهو يرى مكاني، فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض الله نبيه ارتد الناس عن الإسلام، فقالوا: نصلي ولا نعطى الزكاة، فرضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أبو بكر منفرداً برأيه، فرجح برأيه رأيهم جميعاً، وقال: ( والله لو منعوني عقالاً ما فرض الله ورسوله لجاهدتهم عليه، كما أجاهدهم على الصلاة ) . فأعطى المسلمون البيعة طائعين، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة، فخرج منها سليماً، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ننكر من أمره شيئاً، حتى حضرته الوفاة، فرأى أن عمر أقوى عليها، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده، واستشار المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، وقالوا: أتؤمر علينا من كان عناناً وأنت حي؟ فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه؟ قال: أقول لربي إذا قدمت عليه: إلهي أمرت عليهم خير أهلك " فأمر علينا عمر، فقام فينا بأمر صاحبيه، لا ننكر منه شيئاً، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا، فتح الله به الأرضين، ومصر به الأمصار، لا تأخذه في الله لومة لائم، البعيد والقريب سواء في العدل والحق، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه، حتى إن كنا لنظن أن السكينة تنطق على لسانه، وأن ملكاً بين عينيه يسدده ويوفقه..
قال: وأنبأنا ابن مردويه، حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن القاسم البزار، حدثنا يحيى بن مسعود، حدثني عبد الله بن محمد بن أيوب، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب قال: إن الله جعل أبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة، فسبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا والله من بعدهما إتعاباً شديداً، فذكرهما حزن للأمة، وطعن على الأئمة.

قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟" قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة والصدقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، قال عمر: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق، قال الصحابة رضوان الله عليهم: قلنا علم عمر الباب؟ قال حذيفة: نعم، كما أن دون غداً الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط12.
ففي هذا الحديث إخبار بعدم وقوع الفتن في عهد عمر رضي الله عنه. فقد مثل حياة عمر بباب لحائط الفتنة وراءه ومثل موته رضي الله عنه بكسر هذا الباب وأنه إذا مات فإن الباب سوف لن يغلق، لأنه كسر كسراً ولم يفتح. وهو إشارة إلى أن الفتن سوف تظهر بعد موته ولن يكون لها مانع أو راد. وقد بدأت الفتنة بعد خلافته قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتن، وظهرت الأهواء والبدع في الأمة الإسلامية13.

ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم في فضل خلافة عمر رضي الله عنه: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن عمر كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل فيه الإسلام ولا يخرج منه، فلما قتل عمر انثلم الحصن، فالإسلام يخرج منه، ولا يدخل فيه.
وقال رضي الله عنه: إن إسلام عمر كان نصراً، وإن إمرته كانت فتحاً.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل ما يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر كان كالرجل المدبر ما يزداد إلا بعداً.

أول من لقب أمير المؤمنين

ومن ألقابه رضي الله عنه بعد الخلافة (أمير المؤمنين) وهو أول من لقب بهذا اللقب وسبب ذلك أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عامله بالعراق: أن ابعث إليّ برجلين جلدين، نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه صاحب العوعدي بن حاتم، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فوجدا عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو، فدخل على عمر، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت. قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين. فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه إنه الأمير ونحن المؤمنون. فجرى الكتاب من ذلك اليوم14.

ذكر وفاته رضي الله عنه:

عن عمرو بن ميمون، قال: إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفّين قال: استووا حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الْكَلْبُ، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمرّ على أحد يميناً ولا شمالً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرنساَ فلما ظنَّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه.
وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه. فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فانهم لا يدرون غير انهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة قال الصَّنَعُ؟ قال: نعم. قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم.
فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكان الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا باس وقال يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي لبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب
فقال ابشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي.
فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال ابن أخي ارفع ثوبك فانه أبقى لثوبك وأتقى لربك.
يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفى له مال آل عمر فاده من أموالهم وآلا فسل في بني عدي بن كعب فان لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أيريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي.
فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال ارفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان منه شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لي فأدخلوني وان ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فلما قبض خرجنا به فانطلقنا به فسلم عبد الله بن عمر وقال يستأذن عمر قالت ادخلوه فادخل فوضع هنالك مع صاحبيه انفرد بإخراجه البخاري15.
وعن عثمان بن عفان قال أنا آخركم عهدا بعمر دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله فقال له ضع خدي بالأرض قال فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك في الثانية أو الثالثة وسمعته يقول ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي حتى فاضت نفسه.
قال سعد بن أبي وقاص طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين.

وعن الشعبي أن أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وان عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين.
وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وستين وقال ابن عباس كان عمر ابن ست وستين وقال قتادة ابن إحدى وستين وصلى عليه صهيب وقال سليمان بن يسار ناحت الجن على عمر رضي الله عنه.
عليك سلام من أمير وباركت … يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها … بواثق في أكمامها لم تفتق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة … ليدرك ما قدمت ألامس يسبق
ابعد قتيل بالمدينة بالمدينة أظلمت … له الأرض تهتز العضاه بأسوق
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الأرض رجل أحب إلي إن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب.
وعن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال كان العباس خليلا لعمر فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام قال فراه بعد حول وهو يمسح العرق عن وجهه قال ما فعلت قال هذا أوان فرغت أن كاد عرشي ليهد لولا اني لقيت رؤوفا رحيما.

المراجع

صفة الصفوة ( الامام الذهبي)


الانْـتِصار لِكتَابِ العَزيز الْجبَّار ولأصحابِ مُحَمَّد الأَخْيار على أعدائهم الأشرار (رَبِيع بن هَادي بن عُمَيْر الْمَدْخلِي)

– الغرر في فضائل عمر (جلال الدين السيوطي)

دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب (عبد السلام بن محسن آل عيسى)

أسد الغابة في معرفة الصحابة ((عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم بن محمد بن الأثير (المتوفى : 630هـ))
– الإستيعاب في معرفة الأصحاب (أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى : 463هـ) )


الهوامش

1- الرَّوَح: إتساع ما بين الفخذين، أو سعة في الرجلين، وهو دون الفحج والأروح الذي تتدانى عَقِباه، وتتباعد صدور قدميه، ابن منظور/ لسان العرب 5/364.

2 – ابن هشام/ السيرة النبوية 1/422، وقال ابن حجر رحمه الله: جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، وقد ذكر من وجه آخر أن إسلامه كان عقب هجرة الحبشة الأولى فتح الباري 7/1.
3 – البخاري 2/323.
4 – رواه البخاري/ الصحيح 2/30، وانظر: ابن حجر/ فتح الباري 7/392.

5 – وانظر: ابن كثير/ البداية والنهاية 3/79. حيث رجح رحمه الله تأخر إسلام عمر رضي الله عنه حتى السنة التاسعة من البعثة.

6 – رواه أحمد/ المسند 1/17،

7- رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/427،428، قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن أصحاب عطاء ومجاهد أو عن من روى ذلك، وهذا السند رجاله ثقات ولكن فيه الشك بمن حدث ابن أبي نجيح وعطاء ومجاهد ثقتان روايتهما عن عمر مرسلة، فالسند ضعيف

8 – صحيح: أخرجه البخاري في الأنبياء الحديث 3469. ومسلم في فضائل الصحابة الحديث 3693. وأحمد في المسند الحديث 24166.
9 – صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق الحديث 3294. ومسلم في الفضائل الحديث 2396. وأحمد في المسند الحديث 1472.

10- صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الفضائل الحديث 3680. باب 6. مناقب عمر بن الخطاب ومسلم في الفضائل الحديث 2391. باب 2. من فضائل عمر رضي الله عنه.

11 – أنظر حلية الأولياء 1/84. رقم 116

12 – رواه البخاري / الصحيح 1/102، 249، 2/277، 4/227، مسلم / الصحيح / شرح النووي 2/170 – 175، 18/16،17، الترمذي / السنن 3/357، 358 وغيرهم.

13 – انظر: ابن حجر / فتح الباري 6/603-607.

14 – رواه البخاري/ الأدب المفرد، ص: 353 بإسناد صحيح.
قال: حدّثنا عبد الغفّار بن داود، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرّحمن عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنّ عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة لِمَ كان أبو بكر يكتب: "من أبي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ كان عمر يكتب من بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر. من أوّل من كتب أمير المؤمنين؟".
قال: حدّثتني جدّتي الشّفاء وكانت من المهاجرات الأوّل، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا هو دخل السّوق دخل عليها، قالت: كتب عمر… الأثر.
وصححه الشيخ الألباني/صحيح الأدب المفرد 390، ورواه ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/244،245، ابن أبي عاصم/ الآحاد والمثاني 1/97، الطبراني/ المعجم الكبير 1/64، الحاكم/ المستدرك 3/81،82 وغيرهم.

15 – صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة الحديث 3700. باب 8. قصة البيعة.





بارك الله فيك وسدد خطاكم الله اجمعنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومع جميع الصالحين ومع حبيبك سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم
تقبل مروري
اختك هناء




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي ابو سليمان

وجزاك الله خير

موضوع مفيد للجميع




تعليمية




تعليمية




مشكور على الموضوع الرائع الله يعطيك العافية ننتظر جديدك
تحياتي




بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق