التصنيفات
رموز و شخصيات

جلسة مع العالم محمد الصالح الصديق

"الشروق" تكرّم العالم المجاهد "محمد الصالح الصديق" صاحب المائة كتاب وكتاب

27/08/2009 تومي عياد الأحمدي/ هشام موفق
حجم الخط: <a href="http://40404040404040404040:tsz('article_body','12px')” target=”_blank” rel=”nofollow”>

تعليمية
<a href="http://40404040404040404040:tsz('article_body','16px')” target=”_blank” rel=”nofollow”> تعليمية

تعليميةمحمد الصالح الصديق.. ثنائية القلم والرشاش- تصوير بلال.ز
مواصلة لسلسلة التكريمات التي تخص بها مؤسسة "الشروق" العلماء الجزائريين والمفكرين الأجلاء، تم تكريم الأستاذ الأديب والعالم الفذ الشيخ محمد الصالح الصديق صبيحة يوم أمس الأول بحضور ثلة من رفقائه على رأسهم الشيخ العلامة محمد الطاهر آيت علجت، الذي أشاد بخصال المكرم وعرج على أهم المحطات التي جمعتهما.

  • وأثنى مدير "الشروق" الأستاذ علي فضيل بدوره على صاحب تركة المائة كتب وكتاب، مؤكدا تمسك المؤسسة بهذه السنة الحسنة، سنة تكريم العلماء والأدباء والمفكرين الجزائريين. من جهته عبر الشيخ محمد الصالح الصديق عن سعادته الغامرة وهو يجلس بين رفقاء دربه، ودعا لـ "الشروق" التي منحته هذه الفرصة بدوام التألق والإشراق.
  • وأجمع رفقاء المحتفى به على أن هذا الرجل جدير بهذا التكريم، بالنظر لمساره الطويل الذي قضاه طالبا ومعلما ومجاهدا وكاتبا، حتى بلغت شهرته الآفاق وأصبح مرجعا يقصده طلاب العلم من كل صوب. وأُلبس الشيخ محمد الصالح الصديق برنوس "الشروق" كما مُنح درع العرفان والتقدير، بالإضافة إلى صك. واختتم التكريم برفع أيدي الدعاء للجزائر والجزائريين بالخير واليمن والبركات في هذا الشهر الكريم.
  • علي فضيل (مدير عام الشروق):
  • الشيخ محمد الصديق قامة علمية نفخر بها
  • عبر الأستاذ علي فضيل عن سعادته الغامرة وهو يجلس في حضرة الأديب العلامة محمد الصالح الصديق، الذي اعتبره قامة شاهقة في ميدان العلم والمعرفة، واعتبر تكريمه في هذا الشهر المبارك تكريما للفكر والعلم والأدب وللمجاهدين المخلصين، الذين نذروا حياتهم لبناء وطنهم. كما أكد أنه شخصيا كان يتابع أحاديثه المتلفزة والإذاعية التي كانت تطرب لها الآذان خاصة وأنه يلقيها بلغة عربية فصيحة موسيقاها قبائلية ناصعة، وأشار الأستاذ علي فضيل إلى ضرورة التعريف بفكر الأستاذ محمد الصالح الصديق للأجيال خاصة وأنه صاحب 101 كتاب، التي تعتبر خزانا معرفيا لا ينضب.
  • الشيخ محمد الطاهر آيت علجت
  • محمد الصالح جمع بين عراقة النسب وصلاح الأعمال
  • أثنى الشيخ محمد الطاهر آيت علجت على الشيخ محمد الصالح الصديق ثناء عاطرا، حيث ذكّر بنسبه العريق وعراقة أسرته في العلم والفضل والصلاح، قبل أن يذكر مآثر الشيخ محمد الصالح، قائلا إنه جمع بين بين عراقة النسب وصلاح العمل،لاسيما وأن العلاقة بين الرجلين وطيدة تعمّقت خلال دراسة الشيخين في الزيتونة بتونس، ثم بليبيا حيث كان الشيخ محمد الصالح الصديق مسؤولا إعلاميا لجبهة التحرير الوطني، في حين كان الشيخ محمد الطاهر آيت علجت مسؤولا ثقافيا لها في نفس المكان.
  • وذكّر الشيخ آيت علجت بسعة علم الشيخ محمد الصالح وأشار إلى جملة من تآليفه، معتبرا أنه كان السبب الذي جعله يقبل التوجه إلى ليبيا لما يعرفه عنه من حسن الخلق ورجاحة العقل وصدق اللهجة والإخلاص لقضية الجزائر وكفاح شعبها.
  • الشيخ محمد الصالح الصديق يرتدي برنوس "الشروق" ويصرح:
  • تكريم الشروق يعكس اهتمامها برجال العلم والثقافة
  • بتواضعه المعهود قال الأستاذ محمد الصالح الصديق بعد ارتدائه لبرنوس الشروق "يعجز اللسان عن وصف هذا الموقف الجليل الذي حبتني به جريدة الشروق، القريبة من نفسي لخطها الوطني العروبي الأصيل، أحس أني في لحظة صوفية شاعرية وأنا أستمع لشهادات الرفقاء والإخوة، الذين قالوا فيّ كلاما كبيرا قد لا أستحقه، إني سعيد بهذا التكريم وأشكر الشروق التي سنت هذه السنة الحميدة، التي تعكس مدى اهتمامها بالعلماء والمفكرين من أبناء هذا الوطن الحبيب". بعدها رفع يديه بالدعاء للجزائر بالخير الكثير وللشروق بدوام التألق والإشراق.
  • محمد الهادي الحسني:
  • "اسم محمد الصالح الصديق يعبر عنه"
  • روى الأستاذ محمد الهادي الحسني علاقته بالشيخ محمد الصالح الصديق، علاقة قال إنها بدأت بالتلمذة في سنة 1964 في ثانوية عبان رمضان رقت إلى صداقة وصحبة، وذكر محمد الهادي الحسني أن الشيخ محمد الصالح الصديق كان في قمة التواضع حيث أنه كان يسمح له بالجلوس إليه، وهو بعد تلميذ مجالسة الأصدقاء.
  • وذكر الهادي الحسني الذي شارك "الشروق" في ندوة كرمت فيها الشيخ محمد الصالح الصديق أن للشيخ أفضالا كثيرة عليه لعل أهمها انه هو الذي لفت انتباهه إلى مكانة وقيمة الشيخ البشير الإبراهيمي وقال "ذات يوم دخل علينا الأستاذ محمد الصالح على غير عادته.. دخل عابس الوجه مقطب الجبين، وضع محفظته على الطاولة، وقال لنا اليوم فقط الجزائر اعلم علمائها وأبلغ بلغائها.. الشيخ محمد البشير الإبراهيمي" وذكر الأستاذ محمد الهادي الحسني انه قبل ذلك كان يعتقد أن البشير الإبراهيمي مجرد إمام عادي..
  • بالإضافة إلى إشادته بأخلاق محمد الصالح الصديق التي قال بأنها تعبر عن اسمه، روى الهادي الحسني انه لما كاتب في الثمانينيات مقالا يمدح فيه الشيخ محمد الصالح الصديق وقال عنه إنه مريض بالكتابة وما دام أنه لم ييأس من التعقيدات والعراقيل التي كان يجدها كل كاتب فإنه لن يشفي من المرض، قال الحسني إن العقيد محمدي السعيد لم يفهم المدح فثارت ثائرته وهدد بالانتقام من الهادي الحسني.
  • وفي سياق تقديمه لشهادته حول الشيخ محمد الصالح الصديق أشاد محمد الهادي الحسني باستمراره على نفس النهج الذي السابق، وقال إن من يقرأ ما كان يكتبه محمد الصالح الصديق الآن في البصائر لا يجد تناقضا أو انقطاعا أو اختلافا بين الرجلين وذكر محمد الهادي بيتين من الشعر قيلا في الشيخ محمد الصالح الصديق الأول قاله محمد العيد آل خليفة سنة 1952:
  • لما لا تكون لما تروم من المنى *** كفؤا وأنت "الصالح الصديق"
  • والبيت الثاني قاله أبو اليقضان سنة 1955 في حق محمد الصالح الصديق وجاء فيه
  • يا أيها "الصديق" بشرى بالمنى *** إذ نلت حقا أفخر النيشان.
  • الدكتور أحمد بن نعمان:
  • "الله لم يقبض محمد الصالح الصديق شهيدا لأنه أراد له دورا في الجهاد الأكبر"
  • قال الدكتور احمد بن نعمان الذي كان محمد الصالح الصديق زميلا لوالده الشهيد ومعلما لكثير من أعمامه، فقد أشاد بالدور الذي لعبه محمد الصالح الصديق في الدفاع عن اللغة العربية والهوية الوطنية التي قال بأنها هي الجهاد الأكبر. وقال أحمد بن نعمان إن هناك أمما تمتلك أهراما حجرية وهبتها لها الطبيعة إلا أن في الجزائر أهراما بشرية منها الشيخ محمد الصالح الصديق، وقال إن الأهرام البشرية أهم من الأهرام الحجرية لأنها أهرام إرادية وليست هبة طبيعية يمكن لزلزال أن يذهب بها.
  • وأضاف أن محمد الصالح الصديق الذي كرمته "الشروق" أول أمس، رجل صالح وصادق تعلم من القرآن رسمه وأخلاقه حتى أنه "قرآن يمشي" وقال إن محمد الصالح الصديق يستحق أن يطلق عليه اسم ذي القرنين، لأنه عاش في قرنين، ويستحق ان يطلق عليه اسم ذي الثقافتين لأنه يستميت في الدفاع عن الثقافة العربية وعن الثقافة الإسلامية، وذي المائتين لأنه ألف إلى حد الآن 103 من الكتب، وأشاد بن نعمان بمبادرة "الشروق" لتكريم محمد الصالح الصديق وعدد من العلماء والمفكرين.
  • الدكتور عامر مصباح:
  • "ألفت21 كتابا بفضل أستاذي محمد الصالح الصديق"
  • ركز الدكتور عامر مصباح، في كلمته التي ألقاها خلال الحفل التكريمي الذي أقامته "الشروق" على شرف الشيخ محمد الصالح الصديق، على تشجيع الشيخ محمد الصالح للشباب على البحث والتأليف، وقال إنه شخصيا حضي بدعم وتشجيع من الشيخ محمد الصالح الصديق الذي ساعدته على التعرف على اغلب دور النشر، وقال عامر مصباح "الشيخ محمد الصالح الصديق يقول لي دائما اكتب وليس هناك كتاب لا ينشر" وبالفعل قال الدكتور عامر انه لا يبقى كتاب أكثر من شهر على مكتبه إلا ونشر، وقال إنه كلما لقي مشكلة أو واجه إحباطا من دور النشر ذهب إلى الشيخ محمد الصالح ليذهب عنه ما يجده من نفسه من اثر الإحباط.
  • الشاعر الصادق سلايمية:
  • "بدأت أقرأ كتاب محمد الصالح حين بدأت أهجي الحروف الأبجدية"
  • أنشد الشاعر صادق سلايمية قصيدة مدح فيها محمد الصالح الصديق الذي اعتبره واحدا من عظماء الجزائر، وقال إنه أول ما قرأ في حياته هو كتاب العقيد عميروش الذي ألفه محمد الصالح الصديق، وقال إنه قرأه منذ أن كان يتعلم تهجية القراءة والحروف، وقال إنه بعد أن تعرف على محمد الصالح الصديق وجده رجلا يزرع الأمل ويعين الناس على تفجير مواهبهم والطاقات التي بداخلهم.
  • النائب إسماعيل ميرة:
  • "محمد الصالح الصديق عالم نحرير وأديب عبقري جمع الله فيه كل آيات الطيبة والوقار"
  • النائب اسماعيل ميرة مؤلف كتاب "المجاهد محمد الصالح الصديق بين صرير الأقلام وقعقعة السلاح" والذي أنجز منه طبعتين، قال في كلمته التي أثنى من خلالها على مبادرة "الشروق": "محمد الصالح الصديق عالم نحرير وأديب عبقري جمع الله فيه كل آيات الطيبة والوقار، وقد وفقه الله تعال بعون منه الى الجمع بين الجهاد بالقلم والجهاد بالبدن" وأضاف إنه أفنى أسعد وأشقى أيام حياته في خدمة الجزائر، لكن اسماعيل ميرة -نجل الشهيد عبد الرحمان ميرة- قال إن هناك فرقا في التعامل مع العلماء وغيرهم.
  • وعاد إلى كلمة ألقاها الدكتور عبد المجيد بيرم بمناسبة تكريم الشيخ محمد الصالح الصديق قال فيها "حينما نجري موازنة بين تكريم اصحاب العقول والأقلام وأصحاب الخواصر والأقدام نجد بونا شاسعا بينهما".
  • وذكر إسماعيل ميرة في ختام تدخله طرفة وقعت بين الشيخ وقضاة في المسجد النبوي الشريف حين كان في زيارة إلى المسجد النبوي وقامت زوجته بتصوير قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما عتبره القضاة تعديا على الشرع الذي حرم التصوير، ولكن المحاكمة والنقاش انتهت بدعوة الشيخ إلى عشاء اعتذر عنها.
  • الدكتور عبد الرزاق ڤسوم:
  • "الشيخ محمد الصالح ممن ينسحب ليستجيب"
  • اعتبر أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر، الدكتور عبد الرزاق ڤسوم، الشيخ محمد الصالح الصديق أحد أعمدة العلم والأدب في الجزائر، وأحد عظمائها الذين جمعوا بين العلم النافع وتعليم الخير ودماثة الخلق.
  • وقال في شهادته التي ألقاها في حفل التكريم: "إن المرء ليجد صعوبة في الحديث عن صنفين من الناس، الصنف الأول هم الذين لا نجد ما نتحدث عنهم من شح في المصادر أو فقر في المعلومات، والصنف الثاني هم من كانوا على شاكلة العالم محمد الصالح الصديق، الذين تعددت مجالات اهتماماتهم وجوانب العظمة في شخصيتهم أو حياتهم".
  • وعدّد قسوم نواحي العظمة في شخصية وحياة المكرَّم، مشيرا في كلمته إلى "الأدب الملتزم الهادف" الذي سعى الشيخ الصالح الصديق إلى نشره في كتاباته التي تعدّت الـ 100، و"علوم القرآن الإسلامية التي يسقطها على واقع الأمة"، منوها بدوره الجهادي الملتزم بقضايا الوطن الذي خاضه بالسلاح والإعلام، ولافتا إلى دماثة خلقه، وروح الدعابة والفكاهة التي تميزه عن كثير ممن كتبوا في تلك الفنون.
  • واستعان الدكتور بما يقوله الفلاسفة في وصف سلوك الشيخ محمد الصالح حين قال: "الشيخ الصديق ممن ينسحب ليستجيب دون انزواء، ينسحب للتأمل والتفكر، ثم يستجيب بالإنتاج الذي يعود بالفائدة على الأمة"، معتبرا إياه "ناسكا في معبد الثقافة ممن تعدت مؤلفاتُهم حياتَهم".
  • ولم يغفل الدكتور ڤسوم الإشادة بلفتة "الشروق" التكريمية، وطالب بأن تكون هذه الخطوات في تكريم علماء وأعلام الجزائر "سنة حسنة" تدأب على تكرارها، وقال: "نُشيد بالسنة الحسنة للشروق بتكريم من أهملهم الإعلام، وتقدّمهم كأمثلة للأجيال الصاعدة"، معبرا عن اعتزازه الخاص عندما يُدعى إلى لقاء يضم نخبة من العلماء والمثقفين والملتزمين بقضايا الأمة وثوابت الوطن"، حسب تعبيره.
  • عبد الحميد عبدوس (مدير تحرير البصائر):
  • "الشيخ محمد الصالح هو من حبب إلينا اللغة العربية"
  • قال عبد الحميد عبدوس، مدير تحرير أسبوعية البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إن الشيخ محمد الصالح صديق هو من حبب إليه اللغة العربية، عندما كان طالبا عنده في ثانوية "ابن خلدون" بداية السبعينيات، وببرامجه في الإذاعة الوطنية إذاك، مشيرا إلى الغربة التي كانت تعيشها اللغة العربية في ذلك الوقت إلى درجة أنه "كنا نستحيي أن نمشي بجريدة معربة في الشارع" حسب تعبيره.
  • وأثنى عبدوس في كلمته المقتضبة في التكريم، على "الأخلاق العالية التي يتميز بها محمد الصالح الصديق، وخاصة خلق التواضع فيه، وقال في شهادته "كنا نعتقد لما كنا في الثانوية أن نجم الإذاعة لا يقترب إليه إلا بموعد، لكننا وجدنا في الشيخ محمد الصالح مثال التواضع والحب والحرص".
  • وأضاف مدير تحرير البصائر:"حتى اليوم ما زال الشيخ متواضعا، ومنضبطا حتى في مقالاته التي يرسلها للبصائر، من حيث التوقيت والتصحيح".
  • الدكتور محمد الشريف إيلمان:
  • "أنا أعمل على ترجمة كتب للشيخ محمد الصالح الصديق"
  • كشف الدكتور محمد الشريف إيلمان عن مشروع ترجمة أعمال الشيخ محمد الصالح الصديق، وقال في الندوة التكريمية: "أعكف على ترجمة رسالة الشيخ محمد الصالح "ومضات من سورة الفاتحة" وتحقيقها"، بعد انقطاع اضطراري حسبه.
  • وامتدح المتحدث في شهادته خصال الشيخ، وتعرض في كلمته إلى ملابسات تعرّفه عليه، مثنيا على حرص الشيخ الصالح على الحث على الإبداع في كل مجالات الحياة، خاصة الكتابة والنشر منها، وقال: "كلما ألتقي الشيخ الصديق يبادرني بالسؤال: "ماذا كتبت وماذا نشرت؟".
  • ** بورتريه
  • الشيخ محمد الصالح الصديق: عمـيد المؤلفـين وصوت الثـورة
  • يقول: "لتبقى شابا يلزمك الإيمان واحترام الوقت والمشي"
  • استقبلنا ببيته بالقبة، وكان الزمن مساء رمضانيا ساخنا، كنا نعتقد في البداية أن السنوات الأربع والثمانين وتعب هذا الشهر الكريم سيرهقان صاحب المائة كتاب وكتاب، لكننا تفاجأنا بشاب يافع حاضر البديهة والنكتة، ينطق بالحكمة ويسترسل في الحديث عن ذكرياته الكثيرة، حتى توغل معه في أعماقها وتعيش حالاتها. جمعنا معه المقام أكثر من ثلاث ساعات، اكتشفنا فيها معدن هذا الرجل الذي يحمل في ذاته شخصيات متعددة "الأديب، المفكر، الفقيه، الصحفي…" وسبق وأن رأيناه بهذه الأوصاف من خلال كتبه التي غزت الآفاق شهرة، وتوالدت الواحد تلو الآخر حتى امتلأت بها المكتبات.. هو العلامة الأديب المجاهد محمد الصالح الصديق، الذي نذر حياته لخدمة وطنه ودينه ولغته:
  • حفظه القرآن على يدي والده
  • حظيت تيزي وزو، المدينة النائمة في حضن البحر ملفوفة بخضرة الطبيعة ورائحة التاريخ العريق، بميلاد واحد من أهرام الجزائر الشاهقة علما وأدبا وثقافة، هو المجاهد الأديب العلامة محمد الصالح الصديق، الذي هلت بشائر حلوله الدنيا يوم 19 ديسمبر 1925 بقرية "أبيزار"، وشهدت خطواته الأولى قرية "إبسكرين" الواقعة في ضواحي بلدية "أفريحة" دائرة عزازڤة. والده الحاج البشير آيت الصديق إمام المنطقة لأكثر من 40 سنة حفظه القرآن ومبادئ اللغة العربية وهو لم يتجاوز التاسعة.
  • ابن باديس يتنبأ له بمستقبل علمي باهر
  • شاءت الأقدار أن يلتقي الطفل محمد الصالح الصديق بالإمام العلامة ابن باديس بالعاصمة أثناء مرافقته لوالده في نزهة، فاكتشف إمام المصلحين أن هذا الطفل يحمل في صدره كتاب الله كاملا، فوضع يده اليمنى على رأسه وقرأ قوله تعالى: "وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما" ودعا له أن يفتح أمامه أبواب المعرفة والعلم الخصيب. وبعد أن أكمل تعليمه الابتدائي أدخله والده معهد عبد الرحمان اليلولي، وعندما أنهى دراسته هناك التحق بجامع الزيتونة أين فتح الله عليه ونال شهادة التحصيل.
  • نشر كتابا وهو لا يزال طالبا بالزيتونة
  • لم يحدث في تاريخ الزيتونة أن حظي طالب بشرف تأليف ونشر كتاب إلا محمد الصالح الصديق، حيث تمكن من تأليف كتاب موسوم بـ "أدباء التحصيل" ونشره على حسابه سنة 1951، وهو ما جلب له الانتباه ومكنه من تبوئ مكانة خاصة عند أساتذته خاصة منهم محمد بوشربية.
  • بعد انتهاء دراسته بتونس عاد إلى أرض الوطن وعين أستاذا بمعهد "سيدي عبد الرحمان اليلولي" إضافة إلى تكليفه بشؤون إدارته، فتفانى في مهمته حتى أصبح مثالا يحتذى به في الجدية واحترام الوقت والعلم الغزير.
  • تعرضه للاستنطاق وقصة إصدار كتابه الثاني "مقاصد القرآن"
  • ذاع صيت الشيخ محمد الصالح الصديق لدرجة أن تعرض لاستنطاق بشع من قبل السلطات الفرنسية خاصة بعد علمها بنشاطه الثوري، الذي بدأه منذ فجر اندلاع الثورة التحريرية المباركة مكلفا بجمع المال، بعدها بأشهر أصدر كتابه الثاني "مقاصد القرآن" الذي انطلقت شهرته في الأفق حتى بلغ إلى أيدي الرئيس جمال عبد الناصر والملك محمد الخامس، اللذين كتبا إليه رسالتي مدح وثناء، كما مدحه محمد العيد آل خليفة وأبو اليقظان الجزائري والشاعر التونسي محمد مزهود بقصائد شعرية عصماء.
  • وفي سنة 1956 أوقف من جديد من قبل السلطات الاستعمارية، وتعرض لاستنطاق بشع، وعندما لم يظفر منه الضابط بمعلومات أخرج له كتابه "مقاصد القرآن" وقاله له: "إن من يؤلف كتابا لا يمكن له أن يكون محايدا، لذلك لن نثق فيك وسنجعلك تدفع الثمن حياتك"، لكن مشيئة الله أنقذته من مخالبهم فأطلق سراحه وما كاد يصدق. لكن ما وقع لم يثن عزمه في مواصلة طريق الجهاد، حيث واصل مهمة جمع الأسلحة والمال لصالح الثورة.
  • سفره إلى تونس بوثائق مزورة
  • عندما أحس الشيخ محمد الصالح الصديق أنه آيل للهلاك على أيدي جنود المستعمر، نصحته قيادة الولاية الثالثة بالسفر إلى تونس لتولي مهمة أخرى، فاستجاب للنصيحة وسافر إليها جوا من فرنسا بوثائق مزورة، ولبث هناك زمنا مناضلا في القاعدة الثورية، ثم انتقل إلى ليبيا بطلب من المجاهد علي محساس الذي كان يدير جريدة "المقاومة" هناك وهي اللسان الرسمي لجبهة وجيش التحرير الوطني، حيث عينه محررا في القسم العربي، بعدها تقرر أن يكون إلى جانب الرائد إيدير في المنطقة القتالية بـ "فزان" على الحدود الجزائرية الليبية. بعدها عين سنة 1958 مكلفا بالإعلام بالقاعدة الثورية بليبيا، يلقي المحاضرات ويحرر المقالات ويخاطب إذاعيا للترويج للقضية الجزائرية حتى نالت الجزائر استقلالها سنة 1962.
  • زواجه وسجنه من طرف بورقيبة
  • عندما كان الأستاذ محمد الصالح الصديق مسؤولا لمكتب الإعلام بليبيا قرر أن يكمل نصف دينه، فكانت من نصيبه فتاة جزائرية مقيمة بتونس بنى بها بحضور الشهيد عبد الرحمان ميرة، السعيد محمدي والسعيد يازوران. وعندما تأهب للعودة مع زوجته إلى مقر عمله بليبيا على متن سيارة فارهة لأحد أصدقائه يدعى مختار الجيجلي، وفي الطريق مروا على مدينة "مدنين" لكنهم تفاجؤوا بسيارة عسكرية تونسية توقفهم في الطريق، نزل منها ضابط وقال له: إن الوالي يستضيفك بمقر إقامته، فما كان من الأستاذ محمد الصالح الصديق إلا قبول الدعوة، لكنه فوجئ بالضابط يضعه في السجن رفقة زوجته حيث لبثا فيه 19 يوما من دون أن يعرفا سببا لذلك، حتى أفرج عنهما بوساطة من كريم بلقاسم الذي علم بالأمر عن طريق شرطية فتاة جزائرية كانت تعمل مخبرة في هذا السجن لصالح الثورة الجزائرية. واستنتج الأستاذ الصديق أن سبب سجنه هو تصريح صحفي قال فيه "إن الرئيس بورقيبة رجل حزم وعزم، فهو يخدم ثورتنا بكل قوة، فلا أظنه يقبل فكرة مد أنبوب بترول من الجزائر إلى إيطاليا عبر الأراضي التونسية، إلا إذا كان خائنا..".
  • محمد الصالح الصديق هو من دشن "صوت الجزائر" بليبيا وليس "الأمين دباغين"
  • يفند الأستاذ محمد الصالح الصديق ما يشاع حول تدشين إذاعة "صوت الجزائر بليبيا" من طرف الأمين دباغين حسب رواية الأستاذ عبد القادر نور في إحدى مقالاته، حيث أكد أنه هو من دشن هذه الإذاعة في ليبيا بحضور بشير قاضي وحسن يامي.
  • والجدير بالذكر أن فضيلة الشيخ لم يتوقف عن التأليف وهو يزاول مهامه في الدعاية للثورة حيث أصدر "صور من البطولة، عميروش، من قلب اللهب، والجزائر بين الماضي والحاضر" منها ما ترجم للغات أجنبية.
  • "عندما دخلت مجلسه قال العقاد: قفوا للجزائر"
  • من جملة ما يتذكره الأستاذ محمد الصالح الصديق لقاءه التاريخي مع الأديب الكبير العقاد ببيته بالقاهرة، يقول "قدمت طلب مقابلة للعقاد عن طريق سكرتيرته، فكان لي ذلك، حيث قصدت مجلسه الكائن ببيته بمصر الجديدة، ولما دخلت وجدت العقاد يجلس بين نخبة من المثقفين والأدباء، وبمجرد إلقائي السلام قال العقاد "قوموا للجزائر" ثم طلب مني الجلوس إلى جانبه، وسألني أسئلة محرجة عن الثورة التحريرية".
  • "عندما سألت طه حسين عن الثورة الجزائرية قال لي "مش وقتو""
  • قال الشيخ محمد الصالح الصديق إنه التقى مرتين بالأديب الكبير طه حسين، المرة الأولى كانت بتونس "طلب بورقيبة من طه حسين تشريف جامع الزيتونة بحضوره حفل تخرج الطلبة في آخر السنة الدراسية، وكنت من بين المدعوين باعتباري ممثلا لجبهة التحرير الوطني أنا والشيخ عبد الرحمان شيبان، وخلال المحاضرة التي ألقاها طه حسين لم يشر هذا الأخير في معرض حديثه إلى ثورة الجزائر التي كانت أهم حدث في تلك الفترة في العالم ككل، وهو الأمر الذي جعل الناس يسبونه، وجعلني أطلب لقاءه لأقدم له احتجاجي، وبعد مشقة وصلت إليه، وعندما سألته: لماذا لم تتحدث عن الثورة الجزائرية قال لي "مش وقتو"، وهي نفس الجملة التي قالها لي بعد عشر سنوات في لقائي الثاني به ببيته بالقاهرة، ولم أعرف السبب إلى اليوم".
  • "عميروش أهداني ساعة يد ما زالت إلى اليوم"
  • مما يتذكره الشيخ محمد الصالح الصديق عن الشهيد عميروش ذكرى لا تزال راسخة في مخيلته "ذات يوم كنت أكتب مقالا حول الشهيد البطل شيحاني بشير، فجاء عميروش ووجدني على تلك الحال، فطلب مني ترك الكتابة والذهاب معه لتناول وجبة الغداء، لكني رفضت وقلت له لا أستطيع الذهاب حتى أكمل المقال، فغضب، لكنه عندما عرف بأن موضوعه يدور حول شيحاني بشير تركني لحالي، وقبل أن يذهب أهداني ساعة يد وقال لي: هذه هدية لتعد بها الساعات والدقائق الباقية لفرنسا بالجزائر".
  • قصة الأميرة
  • "توسمت في بوتفليقة أن يكون رئيسا"
  • روى الشيخ أنه التقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة غداة الاستقلال مباشرة بمطار ليبيا "كلفت باستقبال بوتفليقة الذي كان سيسافر إلى القاهرة برفقة بشير بومعزة، ولأن الطائرة تتوقف بمطار ليبيا وصلني تيليغراما لاستقبال هذين الأخوين، ومن حسن الحظ أنه لدى وصولهما إلى ليبيا تأخرت الطائرة المتجهة إلى القاهرة لمدة ثلاث ساعات، كانت فرصة تحدثت فيها مع بوتفليقة في ميادين شتى، فانبهرت بثقافته الموسوعية، وأهم انطباع ظل راسخا في مخيلتي هو حديثه من موقع رئيس للجمهورية، وهو ما تحقق له بعد أكثر من 30 سنة، فعندما فاز بالعهدة الأولى راسلته مهنئا وذكرته بلقائنا، فأمر أن تنشر هذه الرسالة في الصحافة الوطنية.
  • رئيسا لهيئة إحياء التراث
  • بعد الاستقلال التحق الأستاذ محمد الصالح الصديق بوزارة الخارجية، وكان يأمل في تعيينه بمنصب يليق بمقامه، لكنه ظل قابعا في مكاتب الوزارة من دون أمل، فاستقال والتحق بالتعليم الذي زاوله أستاذا للغة العربية والتربية الإسلامية من سنة 1965 إلى سنة 1981. وفي عهد تولي الشيخ عبد الرحمان شيبان لحقيبة وزارة الشؤون الدينية عين في منصب رئيس لهيئة إحياء الثراث، وكان من أجل أعمالها إحياء فكر ابن باديس. وإلى جانب مهمته تلك كان الأستاذ محمد الصالح الصديق يؤلف الكتب ويقدم أحاديث في الإذاعة والتلفزيون ويكتب المقالات وينشط المحاضرات.




شكرا لك استاذة على هذا اللمحة والنقل الطيب لهذه الشخصية الثورية والفكرية

بارك الله فيك




مشكوووووووووووووووووووووو ووووور تواجدك على صفحتي

وفقك الله واحسن إليك .

تعليمية




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.