التصنيفات
العربية والعرب,صرف,نحو,إملاء...إلخ

الغيرة على اللغة العربية


الأعراب هم أهل اللغة الصافية، وأبعد الناس، لفترة طويلة من عهود الإسلام، عن اللحن، لبعدهم عن الاختلاط بالأعاجم، ولانعزالهم في البادية، حتى إن بعض من أراد أن تصفوا لغته، أو يأخذ اللغة الصافية لِيُدَوِّنَها، شعرًا ونثرًا، كان يذهب إلى البادية، يعيش بين أهلها، ويأخذ اللغة من معينها الصافي، ومنبعها الثرّ، وقد دُوِّنَ من جواهرها ما ملأ مجلدات .

لهذا قيل عن أعرابي أنه لما دخل السوق، ورأى الباعة الحضر يلحنون، وفي الوقت نفسه يربحون، عجب من ذلك، والرواية كالآتي:

دخل أعرابي السوق، فسمعهم يلحنون، فقال:

"سبحان الله! يلحنون ويربحون، ونحن لا نلحن ولا نربح".

"ويُرْوى مثلها عن عمرو بن العلاء:

"مرّ أبو عمرو بن العلاء بالبصرة، فإذا أعدال مطروحة، مكتوب عليها "لأبو فلان" فقال أبوعمرو: يا رب يلحنون ويُرْزَقُوْنَ".

ومثله ما جاء على لسان الأصمعي، وهو صاحب الأخبار الطريفة، سواء منها ما قاله حقيقةً، أو ما قيل على لسانه، خاصةً ما يتصل بالأعراب، لاختلاطه بهم في البادية، وحرصه على الرواية عنهم، ونقل غريب أخبارهم، مما سهّل على الناحتين نحله بعض الأخبار، اعتمادًا على أنها تحمل روحه، وتسير على نمط ما يرويه من غرائب الأخبار، والخبر الآتي قد يكون قاله الأصمعي، وقد لايكون قاله؛ ولكن الملاحظ فيه قرن استجابة الله للدعاء بصفائه من اللحن، وهو مثل قرن مكسب التاجر رغم لحنه:

"سمع الأصمعي رجلاً عند الملتزم يقول:

يا ذي الجلال والإِكرام".

فقال: من كم تدعو؟

قال: من سبع سنين دأبًا، فلم أر الإِجابة.

فقال: إنك تلحن في الدعاء، فأَنّى يُسْتَجَابُ لك؟

قال: قل: يا ذا الجلال والإِكرام .

ففعل، فأُجِيْبَ".

ولعل هذا جاء عن طريق الموعظة، وَسِيْقَ حتى يحرص الناس على الأدب مع الله في مخاطبته بلغة لا شِيَةَ فيها، وعلى هذا فقد تكون القصة قِيْلَتْ على لسان الأصمعي لهذا السبب؛ لأن المهمّ في الدعاء ليس الكلمات، ولكن صفاء النية، ونقاء القلب، واتجاه المرء إلى ربه بإخلاص، والعربي والعجمي في مخاطبة الله سواء، واللغات وسائل، والمهم ما يكمن خلف الوسائل. ولكن ما قيل على لسان الأصمعي إذا لم يكن قاله، فهو قياس على مخاطبة الناس، فلو أراد شخص في ذلك الزمن أن يخاطب الخليفة، ويطلب رفده، أو فزعته، أو إنصافه، لاختار من الكلمات أقواها، ومن الأسلوب أجمله، بعبارات جذّابة، وأسلوب منمق، لا للتأثير فقط، ولكن ليدل بذلك على الاعتناء والاهتمام، وهذا في حدِّ ذاته يدل على الأدب، وحسن الخلق، ومراعاة المقام، والإنسان أولى أن يُرَاعِيَ ذلك مع الله – سبحانه وتعالى – إذا اتجه إليه .

والوليد بن عبد الملك عرف باللحن، ويعزو والده ذلك إلى تدليلهم إياه، وعدم إرسالهم إياه إلى البادية، أسوة بما كان يعمل مع أولاد الخلفاء والكبراء، ولعل لعطف والدته عليه دخل في ذلك.

وقد ظهر اللحن عليه، أكثر من ذي قبل، عندما أصبح خليفة، واللحن يرعب الخليفة، لأنه يقلل من تأثير القول، فإذا لحن الخليفة أخذ الناس يفكرون في اللحن، وانصرفوا عن المعاني، فلم تأتِ الخطبة بما هو مطلوب منها، وما قصدت له. وكان عبدالملك بن مروان عندما لاحظ عليه أحد جلسائه كثرة الشيب، أجابه بأن ذلك:

"من طلوع المنابر، وتوقع اللحن".

"أما الوليد فيبدو أن أخطاءه كثيرة، وقد يكون بعضها مزادًا، لأنه إذا ظهر في الخليفة عيب كثر الناحلون عليه، وكثرت القصص المتخيلة.

وهذه إحدى القصص التي تُرْوى عن لحنه، وهي إذا صحت فادحة:

"كان الوليد بن عبدالملك لحّانة، فقرأ في خطبة: ﴿يالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةُ﴾ بالرفع .

فقال أخوه سليمان: "عليك".

وإرسال الأبناء إلى البادية شائع بين كل الطبقات تقريبًا، ويبدو أنه ينظر إليه نظرةً عاليةً، لأنه يضمن تقدّمًا في المجتمع للابن الذي رضع اللغة العربية وآدابها من مصدرها الأصيل، ومن منبعها الصافي، ويحدث أحيانًا أن الحرص على هذا المسلك يدخل في نطاق المغالاة، ويأتي للغلام بضرر كبير، قد يُميته، والقصة التالية تشهد على شيء من هذا:

يذكر صاحب معجم الأدباء عن محمد بن أحمد أبو الندى الغُنْدِجاني اللغوي:

"أنه غاب عن أهله مدةً، وأقام في البادية سنين عدةً، وعاد يروي ويخبر؛ وكان له ابن، فأخذ يطليه بالزيت، ويقفه في شمس القيظ بالغندجان، (بليدة في فارس)، وهي حارة جدًّا، ولم يزل يفعل به ذلك، ليكون أسمر اللون كالعرب، حتى مات ذلك المسكين".

إن الأب كان مولَعًا بالاقتراب من الأعراب، والاستفادة منهم، ولم يكفه ما يحصل عليه منهم من شعر ونثر، ولا ما يخرج به من أخبار ومشاهدات، ولايكفيه أن يأخذ ابنه بشيء من ذلك، وإنما يريد أن يكون أسمر مثلهم، وقد قاده حمقه إلى أن أهلك ولده .

ومن الخلفاء شديدي النفرة من اللحن، الغيورين على اللغة، وحماية جانبها من الإِهمال والضرر، عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – فقد أُثِرَ عنه أقوال في هذا تدل على التفات واضح إلى هذا الجانب، وهذا مثل من الأمثلة التي تؤكّد هذا :

"تضجر عمر بن عبد العزيز من كلام رجل، فقال شرطي على رأسه: قم فقد "أوذيت" أمير المؤمنين.

فقال عمر: أنت والله أشد أذى بكلامك هذا منه".

والقواد لهم همومهم مع اللحن، خاصةً وأن بعضهم لم يكونوا ممن يهتم بجانب اللغة، وهمهم ينصب على صلاحهم وتدريبهم، وهنا قصة حدثت لمسلمة بن عبد الملك مع أحد جنده:

"كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند، فقال لرجل:

ما اسمك؟

فقال: عبدَ الله (بنصب الدال).

قال: ابن من؟

قال: ابن عبدِ الرحمن، بالجر.

فأمر بضربه، فقال:

بسمُ الله (بضم الميم).

فقال: دعوه، فلو كان تاركا (اللحن) لتركه تحت السياط".

وقد يخطئ الفهيم، ويغيب عنه وجه الصواب، ولا يدري حتى يُنبّه، ويأتي ذلك من شبهة اللحن في لفظ بسبب لفظ يشبهه أو قريب منه. وهذا المأمون من الخلفاء الذين اعتني بثقافتهم العربية، وأرضعوا لبانها من الصغر، واخْتِيْرَ لتأديبهم فطاحل العلماء والأدباء والنحاة واللغويين، حتى كان من أبرز أهل زمانه، ولكن غاب عنه أمر في اللغة، اضطر معه أحد جلسائه أن ينبهه إليه، بطريقة لبقة:

"حدث المأمون عن هشيم يرفعه:

إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سَداد من عوز.

فقال النضر بن شميل: صدق يا أمير المؤمنين هشيم، فإنه حدثنا عوف يرفعه: كان فيها سِداد من عوز.

وكان المأمون متكئًا، فاستوى جالسًا، فقال:

كيف قلت؟

قلت: السَّداد هنا لحن، وإنما لحن هشيم، وكان لحانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه .

قال: أو تعرف العرب ذلك؟

قلت: نعم، هذا العرجي يقول:

أضاعوني وأي فتىً أضاعوا

ليوم كــــريهة وسِداد ثغــــــــر

فقال: قبّح الله من لا أدب له.

ثم وصلني بخمسين ألفًا".

هذه الروح التي أبداها المأمون في حرصه على جرِّ كلمة بدلاً من فتحها، وقبوله للتصحيح، وإثابته عليه ثوابًا جزيلاً، وتعليقه هذا التعليق المنير، هي التي – بعد الله – حفظت للغة منذ تلك الأزمان كرامتها، وصانت عزتها، وأبقت كيانها. ونحن، ونحن نسوق مثل هذه الاستدراكات المضيئة، فإنما نحدّد دورنا لا في اللغة، ولكن في الدين والوطنية أيضًا .




تبكي لغة القرآن حاليا على ما فعلناه بها…نحن الذين أهملناها وسمحنا للغة العجم أن تطغى عليها
سامحنا الله وهدانا
بارك الله فيك أستاذة على الموضوع القيم




بارك الله فيك




اقتباس:
تبكي لغة القرآن حاليا على ما فعلناه بها…نحن الذين أهملناها وسمحنا للغة العجم أن تطغى عليها
سامحنا الله وهدانا
بارك الله فيك أستاذة على الموضوع القيم


فعلا أجحفنا في حق لغة الضاد ورقصنا إعجابا بلغةالعجم لغة الحضارة

في نظر من اتهموا لغتهم بالعجز والعقم.

فحري ٌّ بنا أن نحي لغتنا في خشوع ٍ وإكبار ولولا عظمتها لما كانت لسان حال القرآن الكريم

بورك فيك أيها المعطاء على متابعتك وحسن ردك.




بارك الله فيك أستاذة على الموضوع القيم




اننا شعوب متناحرة متخلفة , فلا يمكن للغتنا الا ان تكون كدلك
العيب فينا




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العمري محمود تعليمية
بارك الله فيك أستاذة على الموضوع القيم


وفيك بارك المولى

سعيدة بمرورك وطيب ردك

وشكرا على المرور على صفحتي بالفيس بوك الخاصة بالبشير الإبراهيمي




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.