[فتاوى] فتوى العلامة زيد بن محمد المدخلي في مسألة العذر بالجهل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، وبعد:
فهذه فتوى العلامة زيد بن محمد المدخلي حفظه الله لمن سأله في قضية العذر بالجهل من كتاب "العقد المنضد الجديد في الإجابة عن مسائل في الفقه والمناهج والتوحيد" الجزء الثالث: ص 50 – السؤال 24
س24: سائل من المغرب يقول: ممكن تأصيل لمسألة العذر بالجهل وهل نأكل ذبائح بعض الجزَّارين الذين يعتقدون في أصحاب القبور وقد يكون عندهم جهل بأمور العقيدة ؟
ج24: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن آمن به واتبع هداه.
أما بعد:
فإن الأدلة من الكتاب والسنة تمنع من الحكم بالكفر الأكبر والشرك الأكبر على المكلَّفين إلا أن يكونوا قد بلغهم القرآن الكريم أو بيان معناه من دعاة الإسلام الموثوقين وبلغة المدعوين أنفسهم لقول الله تعالى: ﴿وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ﴾[الأنعام:19].وقوله تعالى :﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ [الإسراء:15].
وإذ كان الأمر كذلك فمن بلغته الدعوة الإسلامية من غير المسلمين على هذا الأساس وأصرّ على كفره حتى مات عليه فهو من أهل النار كما تقدم في الآيتين الكريمتين، ولِمَا صحَّ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار"[1]
أما الذين لم تبلغهم الدعوة الإسلامية على وجه تقوم به الحجة عليهم فأمرهم إلى الله، والأصح من أقوال أهل العلم فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع الأوامر دخل الجنة، ومن عصا دخل النار.
وقد أورد ابن القيم : في كتابه طريق الهجرتين تحت عنوان (طبقات المكلفين) ما يدل على ذلك؛ إذ أورد ما رواه الإمام أحمد بسنده عن الأسود بن سريع- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع، ورجل هرم، ورجل أحمق، ورجل مات في الفترة، أما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وأنا ما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل، وأما الذي في الفترة فيقول: رب ما أتاني رسول ويأخذ مواثيقهم ليطيعنَّه فيرسل إليهم رسولًا أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا"([2]). ولهذا الحديث شواهد يعضد بعضها بعضًا فتصلح للاحتجاج على صحة امتحان من ذكروا فيها.
إذا فُهم هذا فلنعلم أنه يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في مسائل الدين أو لا يعذر باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحًا وخفاءً، وتفاوت مدارك الناس قوةً وضعفًا، فمن أقيمت عليه الحجة الرسالية بالبيان فإما أن يرضى ويسلم فينجو، وإما أن يصرَّ بعد البيان على الشرك والكفر فيعامل معاملة الكافرين في الدنيا، ويستحقُّ العذاب الأليم في الآخرة إن مات على كفره وشركه؛ لأنه قد وصله البلاغ، وقامت عليه الحجة، فاستحبَّ الضلالة على الهدى، والكفر على الإيمان.
وأما من عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام، ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية فأعرض عنها وأصرَّ على الكفر كما في حديث أبي هريرة الذي سبق ذكره.
وأما ما ذكرت أيها السائل من أن بعض الجزَّارين من عُبَّاد القبور -أي: يستغيثون بالموتى، ويذبحون لأصحاب الأضرحة- وهم في بلد إسلامي فيه علماء أصحاب سنة وفيه أهل بدع وضلال، فهل يجوز لنا أن نأكل ذبائحهم بعد أن تأكدنا من شركهم وضلالهم؟
والجواب: يجب أن تقام عليهم الحجة من أهل العلم الشرعي والمعتقد الصحيح، فإن انتهوا وأقاموا الصلاة والتزموا بأحكام الإسلام فتؤكل ذبائحهم في المستقبل، وإن أصرُّوا على شركهم وضلالهم بعدما بُين لهم الحق فلا يجوز لمسلم صادق في إسلامه أن يأكل ذبائحهم أو يعتبرهم من المسلمين، والله أعلم وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــ
([1]) أخرجه مسلم (153).
([2]) أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/356)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (881).
مشاركة الأخ علي أبي معاذ الجزائري أثابه الله في سحاب
للامانة العلمية الموضوع منقول