[صوتية وتفريغها] (ما اعتصم المعتصمون بشيء كالإعتصام بالكتاب والسنة) لفضيلة الشيخ محمد الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة إلى ليبيا مع الأسئلة بتاريخ 26 جمادى الأولى 1443هـ
لفضيلة الشيخ محمد الإمام -وفقه الله تعالى-
حمّل الصوتية من هنا
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،
أحمد الله الذي يسّر لنا هذا التواصل مع إخواننا في القطر الليبي، هذا من فضل الله علينا والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، أيها الإخوة الكرام إن تواصلنا معكم هو من أجل التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن من أعظم الواجبات التي أوجبها الله علينا أن نكون على هذا وقد جعل الله النصح دينا كاملا قال عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) ومعناه أن بقاء الدين وانتشار الإسلام وصلاح أحوال الناس يتحقق إذا تناصحوا والنصح هو ما يبذله الناصح شفقة ورحمة للمنصوح من دعوته إلى الخير وتحريره من الشر.
أيها الإخوة ألا وإن من أعظم المواضيع التي تطرق ومما تشتاق إليه النفوس أصحاب الهمم العالية والعزائم القوية والنفوس الطاهرة موضوع التمسك بالكتاب والسنة، لأن البعد عن هذا هو من أعظم الغوائل في هذه الحياة والوصول إلى التمسك هو أعظم ما يكرم الله به ويختص به ويوفق إليه ويقتفي له من يشاء من العباد، انظروا إلى فهم السلف لهذا الأمر فقد جاء عن أبي العالية وعن مجاهد بن جبر أنهما قالا والله ما ندري أيّ النعمتين علينا أعظم أن هدانا الله للإسلام أم أن جنبنا أهل الأهواء والمراد بأهل الأهواء أهل البدع، فانظروا إلى هذا الفقه العميق كيف رأوا أن سلامتهم من البدع كسلامتهم من الكفر، وأن بقائهم على السنة الصافية النقية كبقاء المسلم على الإسلام.
فيا أيها الإخوة الكرام فلا يكن شيء أعزّ في نفوسنا من أننا نتمسك بكتاب ربنا وبسنة نبينا عليه الصلاة والسلام ومن ذاق طعم التمسك ومن وجد حلاوة التمسك إنه لا يرجع إلى التهتك بإذن الله، ولهذا قال بعض العلماء إنني لأعمل بسنة من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام فأشعر كأني فتحت مدينة لأنك عندما تعمل بالسنة تنتصر على الهوى وهذا أصل النصر الأكبر وتنتصر على النفس الأمارة بالسوء وتنتصر على شياطين الجن والإنس وهذا أصل كل نصر من أنواع النصر الحسي هذا الإنتصار المعنوي أصل للإنتصار الحسي وهذا الإنتصار المعنوي لا يتحقق الإنتصار الحسي إلا به فما أكثر الذين يتطلعون ويطمحون للإنتصار الحسي وهم مهزومون من جهة إفتقاد الإنتصار المعنوي.
فيا أيها الأخ الكريم إننا بحاجة إلى أننا نعرف مدى عظيم زيادة الإصطفاء والإجتباء والإختيار من الله لمن أقبل على التمسك على الكتاب والسنة لا يريد شرقية ولا غربية ولا بدعية ولا حزبية ولا يريد عقلانية ولا آرائية وإنما يريد الكتاب والسنة على طريقة السلف فهذا عطاء أعطاه الله لأنبيائه ورسله وكذلك لأتباعهم وخلفائهم، الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يبين لنا عظمة الإتباع فلهذا روى البخاري ومسلم من حديث أنس أن أعرابيا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال يا رسول الله متى الساعة قال وما أعددت لها قال والله ما أعددت لها من كثرة صلاة ولا صيام أي من كثرة نوافل الصلاة ونوافل الصيام ولكني أحب الله ورسوله فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام مبشرا أنت مع من أحببت قال أنس فما فرحنا بشيء كفرحنا بهذا الحديث لأننا نحب الله ورسوله ونحب أبا بكر وعمر وإن لم نعمل بعملهم، فبعض الصحابة كان يظن أنه لا يرافق رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا من كان كثير الأعمال من التنفلات في الصدقات في الصلاة في الصيام في الحج والعمرة وغير ذلك فبيّن لهم النبي عليه الصلاة والسلام أن الإكثار من النوافل ليس بشرط حتى لا يرافق إلا بتحقيقه بل بين لهم أن الدين يسر وأن المرافقة له تتحقق لكل مسلم ومسلمة كان تاجرا أو مزارعا أو إداريا كان جنديا أو عسكريا إلى غير ذلك تتحقق له المرافقة للنبي وتُرجى له بإذن الله إذا كان يتبع ولا يبتدع وإن كان قليل النوافل إلا أنه إذا علم أن هذه بدعة لم يقبلها ورغبته في الإتباع وحب اتباع الرسول ولسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فدعوة أهل السنة والجماعة هي دعوة اليسر بحمد الله لا العسر ودعوة البر والإحسان ودعوة الحنفية السمحة ليس فيها الحرج والعناء وإنما يأتي العناء والشقاء بمخافة الكتاب والسنة ودعوة أهل السنة والجماعة فيها الأمان بإذن الله والضمان للمتمسكين الأمان والضمان من الشقاء والضلال قال ربنا في الكتاب الكريم (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) أخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد جيد أنه قال ضمن الله لمن اتبع كتابه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، فما أعظم هذا الضمان وما أفقرنا إلى هذا الأمان من قبل الرحمن من أجل أن ننجوا من مكائد الشيطان ومكر بني الإنسان، فالإتباع للكتاب والسنة عصمة وأي عصمة فما اعتصم المعتصمون بشيء كالإعتصام بالكتاب والسنة، أخرج الدارمي في سننه وابن عبد البر في الجامع عن أمير المؤمنين ابن شهاب قال كان علماؤنا يقولون الإعتصام بالسنة نجاة إذا تمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا على ما كان عليه السلف ومن تبعهم بإحسان نجونا من غوائل أنفسنا ومن أدواء أهوائنا ومن تسلطات أعدائنا ومن حصول الشبهات وتمكن الشهوات فما أعظمه من خير يتحقق لمن رضي بالتمسك بالكتاب والسنة له وعليه.
أيها الإخوة إن التمسك لا يقوم إلا على الصدق في الإتباع وعلى الإخلاص لله رب العالمين ويقوم على الرغبة فيما عند الله والرهبة مما عند الله فمن عرف قدر الإتباع ومنافعه الواسعة وخيراته الكثيرة قبله ولم يسهل عليه أن يتركه بل يصير عنده نزع قلبه أهون من أن يُنزع عن شيء من الحق وأن يترك شيئا من الحق، فاحرصوا رعاكم الله على الإقبال على التفقه في الإسلام حتى تعرفوا هدي رسولكم عليه الصلاة والسلام أكثر وأكثر وحتى يسهل عليكم الإتباع ويسهل عليكم ترك الإبتداع لأن بالعلم تنكشف الحقائق وتتضح الأمور وتصلح الأحوال فأقبلوا على العلم الشرعي قدر المستطاع وعلى العمل بمقتضاه واحرصوا على أن لا يفوتكم هذا الخير واجتنبوا ما يعقب الضير من الجدالات هنالك أشخاص يضيعون أنفسهم في الجدالات في مسائل لا يحسنونها وليسوا مطالبين بها ولكن الشيطان حريص على إفساد المسلم فيأتي إلى كل واحد من الباب الذي يتوقع أن يفسده فاحذروا أن نضيع وأن نحرم من العلم النافع ومن التزود من العمل الصالح بسبب الغفلة وبسبب الضعف في الهمم وانهيار العزائم وبسبب الإنشغال بالجدالات أسأل الله بمنه وكرمه وفضله وإحسانه أن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
للامانة العلمية الموضوع منقول