أهمية التوحيد..لشيخ العلامة الفوزان
أهمية التـوحيد
الشيخ صالح الفوزان
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا ًعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ( يـَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( يـَـأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرا ًوَنِسَاء ًوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ً) ( يَــأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا ًيُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا ًعَظِيماً ). أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و سلم وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ . وبــعد … نقدم هذه المحاضرة القيمة والتي بعنوان " أهمية التوحيد " لفضيلة الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء والتي ألقاها فضيلته في يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر صفر لعام 1413 هـ. أهمية التـوحيد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد… ليس هو من المواضيع التي تقل فائدتها أو المواضيع التي تختص ببعض الناس دون بعض وإنما هو موضوع يجب على كل مسلم معرفته ، ألا وهو أهمية التوحيد ومكانته في الإسلام ذلك الموضوع الذي يجب علينا دائماً أن نتحدث عنه وأن نوضحه وأن نتعلمه لأنه مناط السعادة في الدنيا والآخرة. معنـى التوحيـد: التوحيد معناه: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وترك عبادة ما سواه. وهذا الموضوع تكرر ذكره في كتاب الله عز وجل ولا محال تخلو سورة ممن سور القرآن العظيم إلا وفيها ذكر للتوحيد وأمر به وحث عليه وهناك سور كثيرة وخصوصاً المكية تكون من أولها إلى آخرها في موضوع التوحيد، بل إن الأمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "مدارج الساكين" يقول: إن القرآن كله في التوحيد لأنه إما خبر عن الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وأمر بعبادته وحده لا شريك له ونهي عن الشرك ، وإما بيان لجزاء الموحدين الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل في الدنيا والآخرة وبيان لجزاء المشركين الذين أعرضوا عن التوحيد وما حل بهم من العقوبات في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة ، وإما إخبار عن الموحدين من الرسل وأتباعهم أو إخبار عن المكذبين من المشركين وأتباعهم من الأمم السابقة كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات وغيرهم من الأمم لما أعرضوا عن التوحيد وعصوا الرسل وماذا حل بهم ، وإما بيان الحلال والحرام وهذا من حقوق التوحيد فالقرآن كله توحيد لأنه إما لبيان التوحيد وبيان مناقضاته ومنقصاته ، وإما إخبار عن أهل التوحيد وما أكرمهم الله به أو إخبار عن المشركين وما انتقم الله تعالى منهم به في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة ، وإما أحكام حلال وحرام وهذا من حقوق التوحيد فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه ومفسداته ومبطلاته فالقرآن كله يدور على التوحيد. إن بعض الناس اليوم من جهلة الدعاة وأقولها بأسف لأنه لا يصلح للدعوة من كان جاهلاً لا يجوز أن يدخل في مجال الدعوة إلا من كان عالماً مسلحاً بالعلم ولكن فيه من جهلة الدعاة من يهونون من شأن التوحيد ويقولون الناس مسلمون وانتم في بلاد مسلمين, العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى من يلقي محاضرات في التوحيد أو يقرر مقررات في المدارس في التوحيد أو يقرأ كتب التوحيد بالمساجد هكذا يقولون..! ، وهذا من الجهل العظيم لأن المسلم أحوج من غيره لمعرفة التوحيد من أجل أن يحققه ومن أجل أن يقوم به ومن أجل أن يبتعد عما يخل به أو يناقضه من الشركيات والبدع والخرافات ما يكفي أن يكون مسلماً بالاسم من غير أن يحقق الإسلام ولن يحققه إلا إذا عرف أساسه وقاعدته التي يبنى عليها وهو التوحيد. فإن الناس إذا جهلوا التوحيد وجهلوا مسائل الشرك وأمور الجاهلية فإنهم حينئذٍ يقعون في الشرك من حيث يدرون أو لا يدرون وحينئذٍ تقوض عقيدة التوحيد كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: [ إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ] وهل كل المسلمين يعرفون أمور العقيدة ويعرفون التوحيد ؟ إذا كان العلماء يعلمون هذا فالعلماء قلة وأقل من القليل العلماء بالمعنى الصحيح أقل من القليل وكلما تأخر الزمان فإن العلماء على الحقيقة يقلون ويكثر المتعالمون ويكثر القراء ويكثر الرؤوس الجهّال كما قال صلى الله عليه وسلم :[ إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض هذا العلم بموت العلماء حيى إذا لم يبقى عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا فأفتوا بغير علمٍٍ فضلوا وأضلوا ] وفي حديث آخر أنه في آخر الزمان يقل العلماء ويكثر القرّاء ، وفي أثر آخر يكثر الخطباء في آخر الزمان ويقل الفقهاء ومن هنا يجب علينا أن نهتم بجانب التوحيد وأن نعتني به عناية تامة بأن ندرسه وندرّسه ونحاضر فيه ونعقد فيه الندوات ونشكل به البرامج في وسائل الإعلام ونكتب في الصحف وندعو إلى التوحيد رضي من رضي وغضب من غضب لأن هذا أساس ديننا وهذا مبنى عقيدتنا ونحن أحوج الناس إلى أن نتعرف عليه وأن نتدارسه وأن نبينه للناس. في العالم الإسلامي ـ ماعدا هذه البلاد التي حماها الله بدعوة التوحيد ـ المشاهد الشركية المشيدة على القبور كما تسمعون عنها أو كما رآها بعضكم ممن سافر، الدين عندهم هو الشرك وعبادة الموتى والتقرب إلى القبور ومن لم يفعل ذلك عندهم فليس بمسلم لأنه بزعمهم يتنقّص الأولياء كما يقولون وهناك دعاة لا يهتمون في تلك البلاد بأمر التوحيد مع الأسف إنما يدعون الناس إلى الأخلاق الطيبة وإلى ترك الزنا وترك شرب الخمور هذه كبائر محرمات بلا شك ولكن حتى لو ترك الناس الزنا وشرب الخمور وحسنوا أخلاقهم وتركوا الربا لكن لم يتركوا الكبائر ما داموا أنهم لم يتركوا الشرك وحتى من لم يشرك ما دام أنه لا ينكر الشرك ولا يدعوا إلى التوحيد ولا يتبرأ من المشركين فإنه يكون مثلهم ولهذا يقول جل وعلا لنبيه (( وما أنا من المشركين )) ]سورة يوسف-108[ ، هذا فيه البراءة من المشركين، فالمسلم الموحد لابد أن يتبرأ من المشركين ولا يسعه أن يسكت والشرك يعج في البلد والأضرحة تبنى والطواف بالقبور معمور ولا يسع من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسكت على هذا الوباء الخطير الذي يفتك بجسم الأمة ويقول لا ادعوا الناس إلى حسن السيرة والسلوك وترك الخمور وترك الزنا، وماذا تجدي هذه الأمور مع فقد الأساس ؟ أنت لما تبني بناءً ألست أول شيء تهتم بالأساس والقواعد من أجل أن تقيم البناء الصحيح وإلا إذا لم تهتم بالأساس ولم تهتم بقواعد البناء فإنك مهما شيدته ونمقته فإنه عرضة للسقوط ويكون خطراً عليك وعلى من دخل هذا المبنى ، كذلك الدين إذا لم يقم على عقيدة سليمة وأساس صحيح وتوحيد لله وتنزيه عن الشرك وإبعاد للمشركين عن موطن الإسلام فإن هذا الدين لا ينفع أهله لأنه دين لم يبنى على أساس ولم يبنى على قاعدة سليمة. النبي صلى الله عليه و سلم مكث بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى التوحيد يقول للناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ـيدعو إلى التوحيد ـ.السور المكية كلها تعالج قضية التوحيد وتأسيس العقيدة ثم لمّا تأسس التوحيد وقامت العقيدة نزلت شرائع الإسلام ، نزل الأمر بالصلاة والأمر بالزكاة هذا إنما نزل بالمدينة ـ الصلاة فرضت على النبي صلى الله عليه و سلم في مكة ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بأشهربعد تأسيس التوحيد وبعدما بنيت العقيدة ثم نزلت الزكاة ونزل الصيام والحج وبقية شرائع الإسلام ـ ، ويوضح هذا جلياً أن الرسول لما بعث معاداً رضي الله عنه إلى اليمن رسم له منهج الدعوة وقال له: [ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم ]1. التوحيد هو أول شيء أمر النبي صلى الله عليه و سلم معاذاً بالدعوة إليه وهذا ليس خاص بمعاذ، هذا عام لكل من يدعو إلى الله عز وجل أن نبدأ بهذا الأصل فإن هم أطاعوك لذلك وشهدوا أن لا إله إلا الله واعترفوا بعقيدة التوحيد حينئذٍ مرهم بالصلاة والزكاة أما بدون أن يقروا بالتوحيد فلا تأمرهم بالصلاة لأنه لا فائدة للصلاة والزكاة ولجميع الأعمال ـ ولو كثرت ـ بدون توحيد. قال اله سبحانه وتعالى (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ))] سورة الزمر 65-66[ ، وقال الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم في قوله تعالى (( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون…… إلى قوله تعالى …… ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون )) ]سورة الأنعام 83…88[. الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أول ما يبدءون بدعوة التوحيد قال الله تعالى في نوح علية السلام (( لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره )) ]سورة الأعراف 59[ ، وقال تعالى (( وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره )) ]سورة هود 61 [ ، ((وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره )) ]سورة هود 61 [، (( وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره)) ]سورة هود 84[ ،بل إنه سبحانه وتعالى أجمل الرسل في قوله (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة))]سورة النحل 36 [ وقال تعالى((وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله أنا فاعبدون)) ]سورة الأنبياء 25.[ هذا هو الأساس وهذا هو الأصل وهذا هو القاعدة، فكيف نزهد في هذا الأمر ونغفل عنه ونخطّئ من يدعو إليه ويقال عن هذا يفرق بين المسلمين! لا هذا لا يفرق بين المسلمين هذا يجمع كلمة المسلمين لأن كلمة المسلمين لا تجتمع إلا على كلمة التوحيد ولا يستتب الأمن والاستقرار إلا على التوحيد قال الله سبحانه وتعالى (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً )) ]سورة النور55 [، بهذا الشرط هذا هو الأساس إنما تحصل هذه المطالب العظيمة بعبادة الله وحده لا شريك له " يعبدونني لا يشركون بي شيئاً "، فلا تجتمع كلمة الأمة ولا يصح بناء الأمة إلا على كلمة التوحيد، ـ على عقيدة التوحيد الصحيحة ـ أما إذا دخل الشرك وتفشّت البدع والخرافات وتركت وقيل اتركوا الناس، الناس أحرار في عقائدهم اتركوهم لا تنفروهم، بهذا يحصل الاختلاف ويحصل التفرق ويدخل الشيطان بين صفوف المسلمين فيفرق جماعتهم كما هو الواقع. أضرب لكم مثلاً في هذه البلاد: هذه البلاد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله إلى التوحيد كانت متفرقة كل قرية لها أمير وحكومة وكل قرية تخض للأخرى وكل قرية تحارب الأخرى بل يذكر التاريخ أن أهل القرية يتقاتلون فيما بينهم ـ سلب ونهب وقتل وقتيل ـ، فلما جاء الله بهذه الدعوة المباركة على يد هذا الرجل الصالح المفلح توحدت البلاد وصارت تحت قيادة واحدة وصارت لها دولة قامت على الدين وعلى التوحيد ولا زالت ولله الحمد، هذا لأنه أسس التوحيد، لكن قبل أن يؤسس التوحيد في البلاد كانت البلاد متفرقة وكانوا يتبركون بالأشجار والأحجار وكان السحرة يعملون عملهم بين الناس وكان المشعوذون يتجولون في القرى ويخربون عقائد الناس وكان الحكم عند القبائل والعوائد الجاهلية ما فيه حكم بالشرع ولا فيه عقيدة صحيحة ولا فيه اجتماع، فلما جاء الله بهذا النور وبهذه الدعوة المباركة توحدت البلاد واطمأن العباد وأقيمت الحدود وأمر بالمعروف ونهي من المنكر وصار المسلمون أخوة، هذا ببركة عقيدة التوحيد الصالحة الصحيحة. وحالة العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم كانوا متفرقين متشتتين ـ ثارات وغارات وقبائل ـ فلما بُعث النبي صلى الله عليه و سلم ودعاهم إلى التوحيد واستجابوا لله ورسوله توحدوا وصاروا قوة هائلة في الأرض سادت العباد والبلاد وذكرهم الله تعالى بقوله (( واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون )) ]سورة آل عمران-103 [، الله سبحانه وتعالى بين ما كانت عليه حالتهم قبل دعوة الرسول صلى الله عليه و سلم وما كانت عليه بعد دعوته صلى الله عليه و سلم واستجابتهم له، ويقول الله سبحانه وتعالى: (( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين )) ]سورة آل عمران-164 [، كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم في ضلال مبين وكانوا مطمعاً للشعوب الأخرى ـ فارس و الروم ـ وكل دولة من دول الكفر كان لها نصيب في جزيرة العرب فلما جاء الإسلام ودخلوا في دين الله انعكس الأمر فصارت جزيرة العرب تسيطر على العالم وامتدت الفتوح وانتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجاً. والإمام مالك رحمه الله يقول: [ لايصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها ] فإذا كانت هذه الأمة الآن تريد الاجتماع وتريد القوة وتريد الائتلاف فإنه لا يصلحها إلا ما أصلح أولها، الذي أصلح أولها هو التوحيد ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بالتوحيد والاجتماع على كلمة التوحيد وعلى كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم. هذا هو الذي يجمع الأمة " العقيدة الصحيحة والعمل الصالح "، الله تعالى يقول:(( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق)) ]سورة الفتح-28 [.الهدى هو العلم النافع ودين الحق هو العمل الصالح ولا يمكن أن تجتمع هذه الأمة إلا بالعلم النافع والعمل الصالح الذي أساسه التوحيد وإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة. ليس التوحيد ما يقوله بعض الجهّال أو الضلاّل الذين يقولون أن التوحيد هو الإقرار بوجود الله أو الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت، هذا توحيد لكنه ليس التوحيد المطلوب هذا التوحيد الذي يقولونه أقرّ به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام يقول الله سبحانه تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولونّ الله )) ]سورة لقمان-25 [، ويقول الله سبحانه وتعالى (( أمّن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ومن يدبر الأمر فسيقولون الله )) ]سورة النمل-64 [، ويقول(( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله )) ]سورة المؤمنون-84 [، صاروا مقرّين بأن الله هو الخالق الرازق الذي يملك السماوات والأرض ومن فيهن وهم مشركون ولم يدخلهم ذلك في الإسلام حتى أقرّوا واعترفوا بأن العبادة لله سبحانه وتعالى فأفردوا الله بالعبادة وتركوا عبادة الأصنام والأوثان والأحجار والأشجار وأخلصوا العبادة لله حينئذٍ صاروا مسلمين، أما اقتصار التوحيد على توحيد الربوبية فهذا ليس بتوحيد هذا أقرّ به أبو جهل رأس الكفر وأبو لهب وكل الكفرة أقرّوا بتوحيد الربوبية وأنّ الله هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر لكنهم يعبدون معه أصنام فصاروا مشركين ـ موحدين توحيد الربوبية ومشركين بالألوهية ـولا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية. لابد من توحيد الألوهية الذي هو إفراد الله بالعبادة وترك عبادة من سواه كما قال الله تعالى (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) ]سورة النحل-36 [،وقال تعالى(( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً)) ]سورة النساء-36 [، ما قال أقرّوا بأنّ الله هو الخالق الرازق المحي المميت لأن هذا موجود يقرّون به ولكن هذا لا يكفي. التوحيد المطلوب هو توحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة الذي لا ينجي من عذاب الله إلا هو يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :[ أمرت أن أقاتل الناس ـ أي يقاتل الناس الذين يقولون أن الله هو الخالق الرازق المحي المميت ـ حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها ]2، المشركون كانوا يقرّون أن الله هو الخالق الرازق المدبّر ويعترفون أن آلهتهم التي يعبدونها أنّها لا تخلق ولا ترزق ولا تدبّر شيئاً إنما اتخذوها شفعاء ووسائط بين الله بزعمهم ومع إقرارهم بتوحيد الربوبية لمّا قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قولوا لا إله إلا الله قالوا: (( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ من بينهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلا اختلاق آءنزل عليه الذكر من بيننا بل لمّا يذوقوا عذاب ))]سورة ص-4..6 [،يعني كذب يتهمون الرسول صلى الله عليه و سلم لمّا دعاهم إلى توحيد الألوهية وقال تعالى في الآية الأخرى: (( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ))]سورة الصافات-35 [، ويقولون: (( آءنّا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدّق المرسلين )) ]سورة الصافات-37 [، المرسلون كلهم يدعون إلى لا إله إلا الله وخاتمهم وإمامهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه و سلم صدّقهم ودعا إلى التوحيد بل جاء بالحق وصدّق المرسلين الذين من قبله لأنهم كلهم دعوا إلى التوحيد وإلى عبادة الله وحده لا شريك له. لو كان معنى لا إله إلا الله هو الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله دلّ على هذا أن هذا غير هذا وأنه لابد من إفراد الله تعالى بالعبادة قال الله تعالى: (( يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ـ لأنهم يقرّون بأن الله هو الذي خلقهم ـ والذين قبلكم لعلّكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )) ]سورة البقرة-21،22 [، لا تجعلوا الناس شركاء في العبادة وأنتم تعلمون أن لا خالق ولا رازق إلا الله تعالى وتقرّون بأنّ آلهتكم هذه لا تخلق ولا ترزق، احتج الله عليهم بما أقرّوا به على ما جحدوه من توحيد الألوهية. فتوحيد الألوهية هو مناط السعادة والشقاوة لابد من تحقيقه ولابد من الدعوة إليه ولابد من بيانه للناس، فالذي يقول لا إله إلا الله ولكنه يعبد القبور والأشجار والأحجار ويتقرّب إلى الأولياء والصالحين والجن والملائكة بشيءٍ من العبادات، هذا مشرك كافر بالله سبحانه وتعالى يجب أن يدعى إلى التوحيد فإن أقرّ به وإلاّ قتل قال الله تعالى: (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولّوا فاعلموا أن الله هو مولاكم نعم المولى ونعم النصير )) ]سورة الأنفال-39،40 [، " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة " يعني شرك، " ويكون الدين كله لله " لا يكون فيه شيء للقبر ولا للصنم ولا للولي ولا للملك ولا للجن ولا للإنس الدين كله لله ـ الدين الذي هو العبادة ‘‘ الصلاة والصيام والدعاء والخوف والرجاء والنذر والرغبة والرهبة والذبح وغير ذلك ‘‘. فالذي يقسم الدين بين الله وغيره كالقبر والولي فهذا مشرك بالله عزّ وجل كافر بالله، الله تعالى يقول في الحديث القدسي[ أنا أغنـى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه ]3، وفي رواية [ فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ]4، فالله عزّ وجل لا يقبل العمل الذي فيه شرك ولا يقبل إلا العمل الخالص لوجهه الكريم ولابد مع ذلك البراءة من المشركين ومن الشرك، يقول الله تعالى:( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين)) ]سورة النحل-120 [، ويقول: (( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين )) ]سورة الزخرف-26 [، وقال (( لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا إنّا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده )) ]سورة الممتحنة-4 [، هذا هو الدين وهذه ملّة إبراهيم عليه والسلام التي لا ينجو أحد إلا باتباعها ولا يدخل الجنة أحد إلا باتباعها، فأمر العقيدة والتوحيد عظيم، فالكفار والمشركين من اليهود والنصارى يدعون إلى التوحيد وكذلك المرتدّون من المسلمين الذين قالوا لا إله إلا الله ودخلوا الإسلام ثم نكصوا على أعقابهم وصاروا يدعون القبور هؤلاء نحكم عليهم بالردة وندعوهم إلى التوحيد والرجوع إلى الدين من جديد فإن تابوا وإلا قُتلوا (( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحشروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )) ]سورة التوبة-5 [، وفي الآية الأخرى: (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين )) ]سورة التوبة-11 [. فالمشرك والكافر يدعى إلى الإسلام والمرتد من المسلمين يدعى إلى التوبة وتصحيح الدين الذي أخل به من عقيدته ويدعى إلى إخلاص العبادة والتوبة من عبادة القبور ومن التقرب إلى الأولياء والصالحين وتحقيق معنى لا إله إلا الله التي ينطق بها، وكذلك المسلم الموحد الذي لا يصدر منه شرك أيضاً يبين له التوحيد الصحيح حتى لا يخطئ وتشرح له العقيدة وخصوصاً أولاد المسلمين وعوام المسلمين وطلبة العلم المبتدئين، وكذلك العلماء الضلاّل أيضاً يدعون إلى تصحيح علمهم وعقيدتهم. فاليهود كانوا علماء لكنهم علماء سوء فالرسول وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا قال لمعاذ[ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ـ أي علماء ـ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ]، أهل علم وأهل دين ويدعون إلى شهادة أن لا إله إلا الله لأنهم تركوها وهم يدّعون أنهم على دين فالانتساب إلى الدين لا يكفي. الله تعالى يقول: (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون))]سورة التوبة 29 [ ،فالعالم إذا انحرف فإنه يدعى إلى التوحيد ولو كان عالماً فإن استجاب وإلا فإنه يقتل إن كان فرداً وإن كانوا جماعة يقاتلون حتى يكون الدين كله لله عزّ وجل. التـوحيد إذاً هو: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه نوضح هذا للناس وتوضح العبادة ما معناها. العـبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة. العبادة تكون بالقلب ‘ من الخوف والخشية والرجاء والرغبة والرهبة والتوكل والإنابة والإخلاص‘ هذه كلها من أعمال القلب وتسمى عبادة قلبية. وتكون على اللسان ‘ من ذكر لله سبحانه وتعالى والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد ‘ هذه عبادة يتحرك بها اللسان. وتكون على الجوارح ‘ من الصلاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله وإخراج الزكاة وصلة الأرحام والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‘. فكل هذه عبادة شرعها الله عزّ وجل وكلها يجب أن تفرد وتخلص لله عزّ وجل ولا يكون فيها شائبة شرك قال تعالى: (( قل إنما أنا يشرٌ مثلكم يُوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً )) ]سورة الكهف-110 [، لم يقتصر على قوله " فليعمل عملاً صالحاً " بل قال " ولا يشرك " لأن العمل الصالح إن دخله شرك بطل وإن كان صالحاً يفسده الشرك ويبطله. والعمل لا يقبل إلا بشرطين : الشـرط الأول: الإخلاص لوجـه الله تعـالى. الشـرط الثـاني: المتـابعة للرسـول صلى الله عليه و سلم . قوله " من أسلم وجهه لله " هذا هو الإخلاص، الإخلاص في العمل بحيث لا يكون فيه شرك لا أكبر ولا أصغر. وقوله " وهو محسن " هذا هو الشرط الثاني، فالإحسان هو المتابعة للرسولصلى الله عليه و سلم . فكل عمل لا يتوفر فيه هذان الشرطان يكون باطلاً ـ فالعمل إذا كان فيه شرك فهو مردود وإذا كان فيه بدعة فهو مردود أيضاً لقوله صلى الله عليه و سلم [ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد]5 وفي رواية [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ]6، فمهما حسنت نية الإنسان وقصده إذا كان يعمل عملاً لم يشرعه الرسول صلى الله عليه و سلم فهو بدعة ومردود عليه ولا يقبل مه شيء، وهذا هو معنى شهادة أن إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه و سلم . ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: متابعته والاقتداء به وترك ما نهى عنه وتصديقه صلى الله عليه و سلم، أما الذي يقول أشهد أن محمداً رسول الله ولكنه لا يتّبعه ولا يعمل بشريعته بل يعمل بالبدع والمحدثات فهذا لا تصح شهادته، فلا بد من الإخلاص ـ وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله ـ ومتابعته ـ وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه و سلم . فالمشرّع هو الرسولصلى الله عليه و سلم وليس المشرّع العالم الفلاني أو الشيخ الفلاني، إنما العلماء يتبعون الرسول صلى الله عليه و سلم ويقتدون به، أمّا من انحرف عن طريق الرسول صلى الله عليه و سلم فإنه لا يتّبع ولا يُقتدى به ولو كان عالماً فهناك من العلماء الضلاّل الذين أضلوا الناس والنبي صلى الله عليه و سلم يقول: [ إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين ]7 الرسول صلى الله عليه و سلم يخشى على أمته الأئمة المضلين أئمة ومضلين يدعون إلى البدعة وإلى الخرافة وإلى المحدثات والعياذ بالله ويدعون إلى عبادة غير الله هؤلاء هم الأئمة المضلون من العلماء. فالدين هو ما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم وما توفي صلى الله عليه و سلم إلا والدين قد تكامل وأي أحد يزيد إضافة بعد الرسول صلى الله عليه و سلم ويريد أن يجعلها من الدين نقول له أن هذه بدعة، الله تعالى يقول (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) ]سورة المائدة-3 [، هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو واقف بعرفة في حجة الوداع ما عاش بعدها إلا شهرين وأياماً وتوفي صلى الله عليه و سلم وقد أكمل الله تعالى به الدين فحسبنا بما جاء من غير زيادة ولا نقصان هذا الذي يريد النجاة أما الذي يريد أن يشرّع للناس وأن يأتي للناس بعادات وتقاليد ومحدثات فذا مضلّل. [ النبي صلى الله عليه و سلم يقول لمّا وعظ أصحابه موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قالوا يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ]8. وكان صلى الله عليه و سلم يقول في خطبه [ إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمدٍ? وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ] هكذا النبي صلى الله عليه و سلم يوصي الناس بالتمسك بكتاب الله وبسنته ويحذرهم من البدع والمحدثات والله تعالى أنزل وفرض علينا قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا وفي آخرها(( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) الذين أنعم عليهم هم أهل العلم النافع والعمل الصالح أهل الاقتداء والاتباع قال الله تعالى (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً )) ]سورة النساء-69 [. " صراط الذين أنعمت عليهم " يعني " النبيئين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " ، " غير المغضوب عليهم " هم العلماء الذين يدعون الناس إلى الضلال الذين لا يعملون بعلمهم يعرفون الحق ولا يعملون به يدعون إلى خلافه لهوىً في نفوسهم أو لأطماع يحصلون عليها أو رئاسات يتبوءونها ، يدعون الناس إلى إلى غير ما يعتقدون وإلى غير ما يعلمون من أجل أن يترأسوا عليهم ويتأكّلوا منهم ومن أجل أن يضلوهم عن سواء السبيل ، فالمغضوب عليهم كل من كان عنده علم ولكنه يخالفه ولا يعمل به وفي طليعتهم اليهود فهم عندهم علم (( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ـ يعني محمد صلى الله عليه و سلم ـ كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتـمون الحـق وهم يعلمون )) ]سورة البقرة-146 [، فاليهود يعلمون ولكنهم لا يعملون بعلمهم فهم مغضوبٌ عليهم وكذلك مثلهم من هذه الأمة كل عالم يخالف علمه ولا يعمل به ولا يفتي بالحق ولا يدعو إلى التوحيد ولا يحذر الناس من الشرك يدخل في المغضوب عليهم. " ولا الضالّين " الضالّون هم الجهّال الذين يعبدون الله على جهل وعلى غير دليل بالبدع والخرافات والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان فكل مخرّف ومبتدع ومُحدث في الدين ما ليس منه فهو داخل في الضالين ولهذا يقول عبد الله بن المبارك: [ من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبّادنا ففيه شبه من النصارى ] ومصداق هذا في الآية الكريمة " غير المغضوب عليهم ولا الضالين ". فالحاصل أن التوحيد هو الأساس وأنّ العقيدة هي رأس الدين ويجب أن نهتم بها وندعو الكفار إليها وندعو المرتدّين إلى الرجوع إليها وإلا يقتلون على ردتهم قال صلى الله عليه و سلم [ من بدّل دينه فاقتلوه ]9، وقال صلى الله عليه و سلم [ لا يحل دم امرئ إلا بثلاث الثيّب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفرّق للجماعة ]10 ، فالتارك لدينه هو المرتد المفرِّق لجماعة المسلمين فهذا يقتل. فلذلك يجب أن ندعو المسلمين إلى أن يحققوا التوحيد ولا يكفي أن نتركهم ونقول أنهم مسلمين ويكفي ذلك، بل يجب أن نبين لهم العقيدة الصحيحة ونعلِّمهم وندرِّسهم ونحفِّظهم إيِّاها ونعلِّمهم ما يخلُّ بها من الشرك الأكبر والأصغر والبدع والخرافات لكي يجتنبوها لأنهم إذا جهلوها وقعوا فيها. فبعض الناس يقول أنَّ أولاد المسلمين أولاد بيئة وأولا فطرة وهم مسلمون بدون توحيد ولا داعي لتعليمهم أركان الإسلام والإيمان وأركان التوحيد في المدارس، فهذا مضلِّل يريد تضليل المسلمين والعياذ بالله . سبحان الله ! إذا ما علّمناهم كيف يعرفون الدين وكيف يعرفون عبادة الله سبحانه وتعالى سيأخذون الدين من العادة (( إنّا وجدنا آبائنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون ))]سورة الزخرف-23 [، فنقول لهم لا بل يجب أن يأخذوا الدين عن علم وعن اعتقاد ومعرفة قال الله تعالى: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) ]سورة محمد-19 [. " فاعلم " أمر بالعلم قبل القول والعمل قال الله سبحانه وتعالى (( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون )) ]سورة الزخرف-86 [. " شهد بالحق " قال لا إله إلا الله، " وهم يعلمون " يعني هذه الكلمة. وكيف يعرفون معناها وهم لم يتعلّموا ولم يدرسوا كتب العقيدة الصحيحة ولم يحفظوها ؟ ، فلا يكفي أن يقول لا إله إلا الله دون أن يعرفها ويطبقها ويوالي أهلها ويعادي أعدائها. فالعقيدة هي أساس ديننا وهي قاعدة شريعتنا ولا يصح عمل إلا بتصحيح العقيدة مهما كانت الأعمال، الله يقول في الكفار والمشركين الذين يعملون من غير عقيدة ، (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً )) ]سورة الفرقان-23 [، ـ الهباء هو الغبار الذي يصير أمام الشمس شعاعاً ـ أعمال الكفار يوم القيامة تصير هباءً لأنها ما بنيت على عقيدة يقول الله تعالى (( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب )) ]سورة النور-39 [، ـ ماذا تكون حالة العطشان إذا جاء ليشرب ولم يجد شيئاً ؟ كذلك حالة المشرك والكافر والعياذ بالله إذا جاء يوم القيامة وهو بحاجة للحسنات والأعمال الصالحة وما وجد شيئاً ـ ، ويقول الله سبحانه وتعالى (( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد )) ]سورة إبراهيم-18 [ ،هذه أمثلة القرآن في أعمال الكفار والمشركين لأنها لم تبنى على أساس وهو العقيدة. إذن العقيدة أمر مهم لا يجوز للمسلم أن يتساهل بشأنها وأن يحقِّر من ويقول وأن يقلِّل من أهميتها ويقول انظروا للناس واقعين في الربا والسفور والزنا نعم هذه معاصي ولكنهم واقعين فيما هو أكبر من ذلك وهو الشرك والكفر بالله ، ففي البلاد التي يسمونها إسلامية تجدهم واقعين في الشرك في وضح النهار تبنى الأصنام ويطوفون بها ويذبحون وينذرون لها ومع هذا نغطي رؤوسنا ونقول ادعوا الناس إلى الأخلاق والزهد ويقولون أن الشرك هو محبة الدنيا أخرجوها من قلوبكم، والبعض يقول أن الشرك هو الحاكمية اتركوا المحاكم تحكم بالشرع ـ نعم مطلوب أنّ المحاكم تحكم بالشرع ـ ولكن حتى لو فرضنا أنها حكمت بالشرع فما دام الشرك موجود ومادام في الأرض أضرحة وقبور وفيها دعاة إلى الشرك لا يكفي أن نجعل المحاكم تحكم بالشرع ، الشرك ليس بالحاكمية فقط بل هو عبادة غير الله سبحانه وتعالى وتدخل فيه الحاكمية. فالرسول صلى الله عليه و سلم لو قال للمشركين اتركونا نجتمع ونبطل الحكم بعوائد الجاهلية ونحكم الناس بالشرع وليبقى كل واحد على دينه فلا يكون هذا دين ولا تستقيم به ملّة . فلابدّ من تصحيح العقيدة أولاً ولابد من تحقيق لا إله إلا الله ولابد من إزالة الشرك ومظاهره من البلاد ثمّ تأتي بعد ذلك أوامر الدين وشرائعه لأننا إذا حققنا الأساس أقمنا عليه البناء الصحيح. (( أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أمّن أسّس بنيانه على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين )) ]سورة التوبة-109 [ . فالواجب علينا أن نعرف هذا الأمر وأن نهتم به وأن ندرسه أولاً وندرِّسه لأبنائنا وإخواننا وأن نحرص عليه ونكثِّف مناهجه في المدارس والمعاهد والكليات وفي المساجد وأن نعمِّر به بيوتنا ودروسنا. هذا هو الأساس الصحيح وماعداه فهو تابع له ومكمل له. فلهذا ندعو إلى تصحيح العقيدة والعناية بها وتعلمها وتعليمها وتأليف الكتب والرسائل فيها وطبعها ونشرها وتوزيعها ، ثمّ يتبعها بقية أوامر وشرائع الدين. نسأل الله عزّ وجل أن يرزقنا وإيّاكم معرفة الحق والعمل به والدعوة إليه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (( والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحـق وتواصوا بالصبر )). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 1- متفق عليه 1- متفـق عليه 1- في صحيح مسلم 2- في سنن ابن ماجة 1- متفق عليه 2- متفق عليه 3- رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وهو في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود وسنن الدارمي 1- الحديث أورده النووي في الأربعين، ورواه أبو داوود والترمذي وقال: حسن صحيح وهذا لفظه: [ وعظنا رسول الله ? موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ]. وكذلك موجود في سنن ابن ماجة ومسند أحمد وسنن الدارمي. 1- رواه البخاري في صحيحه والترمذي والنسائي وأبو داوود وابن ماجة في سننهم وأحمد في مسنده 2- رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي والنسائي وأبو داوود وابن ماجة والدارمي في سننهم والإمام أحمد في مسنده.
للامانة الموضوع منقول
|
||
جزاكم الله خيرا و أحسن إليكم و غفر لنا و لكم
بارك الله فيك أختي أم ليلى على الموضوع الطيب
تقبلي مروري
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
بارك الله فيك
شكرا
في محرآب التميز ..
لك قدرة عجيبة على صياغة الكلم
وجعلها سلسلة وذات احرف عذبة
سلمت أناملك
لك قدرة عجيبة على صياغة الكلم
وجعلها سلسلة وذات احرف عذبة
سلمت أناملك