التصنيفات
اسلاميات عامة

النهي عن التشبه بالكفار في اللباس


قال عليه الصلاة السلام: (كُلْ ما شئتَ، والبسْ ما شئتَ، ما جاوزك سرف ومخيلة)، فكلْ ما شئتَ، والبسْ ما شئتَ؛
لكن بشرط واحد: لا تضيِّع شخصيتك المسلمة بأن تَنْماعَ في مظهرك متشبهاً بشعب من الشعوب أو أمة من الأمم الأخرى التي لا تؤمن بالله ورسوله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن التشبه بالكفار، وهذه الناحية -مع الأسف الشديد- مما تعرَّى منه جمهور المسلمين اليوم، فلا يكادون يقيمون وزناً لمثل هذا البحث من الناحية الفكرية العلمية، فلا تجد خطيباً، ولا واعظاً، ولا مرشداً، ولا مؤلفاً يؤلف ولو بطريق المرور سريعاً، فيكتب في تبليغ الناس عن هذه الظاهرة التي انتشرت بين المسلمين، وهي إعراضهم عن تقاليد آبائهم وأجدادهم وأزيائهم إلى تقليدهم لأزياء الكفار. وأصبح هذا مع الأسف الشديد دَيْدَن شباب اليوم! فأي موضة تأتيهم فإنهم لا يدخلون فيها أي تغيير أو تبديل، ولو أنهم حرصوا على الشرع مثل هذا الحرص في عدم التغيير والتبديل لكانوا منصورين على أعدائهم الكافرين.
أنا يؤسفني جداً أن أدخل المسجد وأجد فيه شباباً مسلمين يصلون، وبعضهم ممن تبنوا دعوة الكتاب والسنة، فيصلي أمامي فأتعجب! هل هذا مسلم يصلي أم أنه رجل منافق يصلي؟! لِمَ؟! لأنه يلبس لباس الكفار، فما يسمونه بالبنطلون يَعَضُّ على فخِذَيه وعلى إلْيَتَيه عضاً، وربما إذا سجد ظهر لِمَن خلفه ما بينهما، هل هذا هو اللباس الإسلامي يا جماعة؟! حاشا لله عز وجل! لكن هذا هو التقليد، كان هناك تقليد نشكو منه كثيراً وكثيراً، وإذا بنا نبتلى بتقليد أفظع منه؛ لأن ذلك كيفما كان فنحن نقلد مسلمين ونقلد أئمة في الدين؛ لكن الإسلام يريدنا أن نأخذ الدين مباشرة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فما بالنا اليوم نقلد أئمة الكافرين الذين يضعون هذه النظم في اللباس، سواءً للنساء أو للرجال أو للشباب، فالذي يأتينا نقبله دون أي بحث أو سؤال أو تفتيش؟! والحق أقول: أنا لا أعتقد أن الأمة المسلمة -ولا أريد التعميم على مائة مليون مسلم، فهذا مستحيل، وإنما نخبة منهم- لا يمكن أبداً أن تعود إليهم العزة بالإسلام وهم على هذا الوضع الذي يعيشون فيه!!
وكثيرٌ من الكتاب الإسلاميين اليوم ومن المحاضرين وأمثالهم يصرِّحون بأن هذه القضايا التي جعلها الإسلام مبادئ وقواعد؛ مثل: (مَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم)، يقولون: هذه مسائل تافهة، وهذه أمور تعتبر من القشور! نحن لا بد أن نشتغل الآن باللباب!! وليتهم يشتغلون باللباب؛ لأن الذي لا يحافظ على القشر لا يمكن أن يحافظ على اللباب؛ لأن ربنا عز وجل بحكمته كما حصَّن لباباً مادياً ببعض القشور المتنوعة، كذلك أيضاً حصَّن لباباً روحياً معنوياً بأمور أخرى يسميها هؤلاء بالقشور، ونحن نسميها بمثل ما قال الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به… إلخ) . لذلك فإن الأمة المسلمة الحية لا يمكن أبداً أن تكون مسلمة في قلبها، وغير مسلمة في قالبها، لأن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ أبداً.

مفرغة من شريط ( الالبسة والازياء في الاسلام )
لفظيلة الشيخ الألباني رحمه الله




جزاكم الله خيرا
كإضافة:
حرمة التشبه بالكفار




بارك لله فيك

وجعلك دخراا للمنتدى بمواضيعك




اللهم اهدهم واهدينا شكرا لك ننتضر جديدك




جزاك الله كل خير




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




شكراااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااا




التصنيفات
اسلاميات عامة

في بيان معنى النهي عن الصيام في النصف الثاني من شعبان

النهي عن الصيام في النصف الثاني من شعبان
هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان ؟ لأنني سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام بعد نصف شعبان ؟.
الحمد لله
روى أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (590) .
فهذا الحديث يدل على النهي عن الصيام بعد نصف شعبان ، أي ابتداءً من اليوم السادس عشر.
غير أنه قد ورد ما يدل على جواز الصيام . فمن ذلك :
ما رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) .
فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام ، كرجل اعتاد صوم يوم الاثنين والخميس ، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً . . ونحو ذلك .
وروى البخاري (1970) مسلم (1156) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ) . واللفظ لمسلم .
قال النووي :
قَوْلهَا : ( كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه , كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلا ) الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلأَوَّلِ , وَبَيَان أَنَّ قَوْلهَا "كُلّه" أَيْ غَالِبُهُ اهـ .
فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان ، ولكن لمن وصله بما قبل النصف .
وقد عمل الشافعية بهذه الأحاديث كلها ، فقالوا :
لا يجوز أن يصوم بعد النصف من شعبان إلا لمن كان له عادة ، أو وصله بما قبل النصف .
هذا هو الأصح عند أكثرهم أن النهي في الحديث للتحريم .
وذهب بعضهم –كالروياني- إلى أن النهي للكراهة لا التحريم .

انظر : المجموع (6/399-400) . وفتح الباري (4/129) .
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين (ص : 412) :
( باب النهي عن تقدم رمضان بصومٍ بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس ) اهـ .
وذهب جمهور العلماء إلى تضعيف حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان ، وبناءً عليه قالوا : لا يكره الصيام بعد نصف شعبان .
قال الحافظ : وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ اهـ من فتح الباري . وممن ضعفه كذلك البيهقي والطحاوي .
وذكر ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد قال عن هذا الحديث :
( لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ . وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ , فَلَمْ يُصَحِّحْهُ , وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ , وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ . قَالَ أَحْمَدُ : وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا) اهـ
والعلاء هو العلاء بن عبد الرحمن يروي هذا الحديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" على من ضَعَّفَ الحديثَ ، فقال ما محصله :
إن هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ، وإنَّ تفرد العلاء بهذا الحديث لا يُعَدُّ قادحاً في الحديث لأن العلاء ثقة ، وقد أخرج له مسلم في صحيحه عدة أحاديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وكثير من السنن تفرد بها ثقاتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبلتها الأمة وعملت بها . . ثم قال :
وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان , فَلا مُعَارَضَة بَيْنهمَا , وَإِنَّ تِلْكَ الأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله , وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي , وَحَدِيث الْعَلاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف , لا لِعَادَةٍ , وَلا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله اهـ
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان فقال :
هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني ، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف ، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/385) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (3/394) :
وحتى لو صح الحديث فالنهي فيه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة فقط ، كما أخذ بذلك بعض أهل العلم رحمهم الله ، إلا من له عادة بصوم ، فإنه يصوم ولو بعد نصف شعبان اهـ
وخلاصة الجواب :
أنه يُنهى عن الصيام في النصف الثاني من شعبان إما على سبيل الكراهة أو التحريم ، إلا لمن له عادة بالصيام ، أو وصل الصيام بما قبل النصف . والله تعالى أعلم .
والحكمة من هذا النهي أن تتابع الصيام قد يضعف عن صيام رمضان .
فإن قيل : وإذا صام من أول الشهر فهو أشد ضعفاً !
فالجواب : أن من صام من أول شعبان يكون قد اعتاد على الصيام ، فتقل عليه مشقة الصيام .
قَالَ الْقَارِي : وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ ، رَحْمَةً عَلَى الأُمَّةِ أَنْ يَضْعُفُوا عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ بِصِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ النَّشَاطِ . وَأَمَّا مَنْ صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ فَيَتَعَوَّدُ بِالصَّوْمِ وَيَزُولُ عَنْهُ الْكُلْفَةُ اهـ
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب.




بارك الله فيك اخي الكريم




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[خطبة جمعة] ـ النهي عن مشابهة المشركين ـ لفضيلة الشيخ عزالدّين رمضاني حفظه الله- عقيد

تعليمية تعليمية
[خطبة جمعة] ـ النهي عن مشابهة المشركين ـ لفضيلة الشيخ عزالدّين رمضاني حفظه الله


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ـ النهي عن مشابهة المشركين ـ

http://www.archive.org/details/Cheikh3azdine_59

التاريخ : 28 محرم 1443 ه

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




بارك الله فيكِ أختي الفاضلة




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[مطوية] جمع أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

تعليمية تعليمية
[مطوية] جمع أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

المطويات الدعوية …113

جمع أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه مطوية جمعت فيها أحاديث النهي عن فتنة اتخاذ القبور مساجد والتي هي قنطرة إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله لخصتها من "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد "للعلامة الألباني رحمه الله سائلا الله أن ينفع بها.

1 – عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
قالت : فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا .

أبرز- أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل والمراد دفن خارج بيته كذا في " فتح الباري "
فائدة : قول عائشة هذا يدل دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبني عليه مسجد فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه وسلم في البيت يؤيد ذلك أنه خلاف الأصل لأن السنة الدفن في المقابر .

2 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

3 – و 4 عن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول : " لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد تقول عائشة يحذر مثل الذي صنعوا " .
قال الحافظ ابن حجر : " وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم " .
قلت –الألباني رحمه الله-: يعني من هذه الأمة وفي الحديث الآتي التصريح بنهيهم عن ذلك
فتنبه.

5 – عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها : مارية وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فذكرن من حسنها وتصاويرها قالت : [ فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ] فقال : " أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله [ يوم القيامة ] " .
قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " :
هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده فتصوير صور الآدميين يحرم وبناء القبور على المساجد بانفراده يحرم كما دلت عليه نصوص أخر يأتي ذكر بعضها قال
: والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأم سلمة كانت على الحيطان ونحوها ولم يكن لها ظل فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرك بها والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام وهو من جنس عبادة الأوثان وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك والتلهي محرم وهو من الكبائر وفاعله من أشد الناس عذابا يوم القيامة فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره وأنه تعالى ليس كمثله شئ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى ".

6 – عن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول :
قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء وإني أبرء إلى الله أن يكون لي فيكم
خليل وإن الله عز وجل قد اتخذني خليلا كما تخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا [ وإن ] من كان قبلكم [ كانوا ] يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك .

7 – عن الحارث النجراني قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول :
ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك .
8- عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه : " أدخلوا علي أصحابي "
فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة معافري [ فكشف القناع ] فقال : " لعن الله اليهود [ والنصارى ] اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .

9 – عن أبي عبيدة بن الجراح قال : آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم :
أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شرار الناس الذي اتخذوا ( وفي رواية : يتخذون ) قبور أنبيائهم مساجد.

10 – عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله ( وفي رواية : قاتل الله ) اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

11- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

12 – عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد .

13 – عن علي بن أبي طالب قال :
لقيني العباس فقال : يا علي انطلق بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان لنا من الأمر شئ وإلا أوصى بنا الناس فدخلنا عليه وهو مغمى عليه فرفع رأسه فقال :
لعن الله اليهود اتخذوا قبور الأنبياء مساجد " . زاد في رواية : " ثم قالها الثالثة "
فلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شئ .

14 – عن أمهات المؤمنين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : كيف نبني قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أنجعله مسجدا ؟ فقال أبو بكر الصديق : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .


أعد المطويات أبو أسامة سمير الجزائري

قدم لها الشيخ علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[مطوية] مطوية معنى النهي عن اتخاذ القبور مساجد

تعليمية تعليمية
[مطوية] مطوية معنى النهي عن اتخاذ القبور مساجد

المطويات الدعوية …114

معنى النهي عن اتخاذ القبور مساجد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه مطوية في التحذير من اتخاذ القبور مساجد لخصتها من "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد "للعلامة الألباني رحمه الله سائلا الله أن ينفع بها.


عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
لقد تبين من هذا الحديث خطر اتخاذ القبور مساجد وما على من فعل ذلك من الوعيد الشديد عند الله عز وجل فعلينا أن نفقه معنى الاتخاذ المذكور حتى نحذره فأقول :
الذي يمكن أن يفهم من هذا الاتخاذ إنما هو ثلاث معان :

الأول : الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها .
الثاني : السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء .
الثالث : بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها .
وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء وجاءت بها نصوص صريحة عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم
أما الأول :

1. فقال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " ( 1 / 121 ) :
واتخاذ القبر مسجدا معناه الصلاة عليه أو إليه
فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملا لمعنيين أحدهما الصلاة على القبر
2. وقال الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 214 ) : " واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها أو بمعنى الصلاة عليها " .
قلت : يعني أنه يعم المعنيين كليهما ويحتمل انه أراد المعاني الثلاثة وهو الذي فهمه الإمام الشافعي رحمه الله وسيأتي نص كلامه في ذلك .
وأما المعنى الثاني : فقال المناوي في " فيض القدير " حيث شرح الحديث الثالث المتقدم :
أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وإن اتخاذها مساجد لازم لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم . قال القاضي ( يعني البيضاوي ) : لما كانت اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه
قلت : وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه فقال صلى الله عليه وسلم :
لا تجلسوا على القبور و لا تصلوا إليها .

وأما المعنى الثالث :

1.فقد قال به الإمام البخاري فإنه ترجم للحديث الأول بقوله " باب ما يكره من اتخاذ القبور مسجدا على القبور "
فقد أشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجدا يلزم منه النهي عن بناء المساجد عليه وهذا أمر واضح وقد صرح به المناوي آنفا.

2. قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث : " قال الكرماني : مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم ".

3. و هو الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الأول :
فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا
إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة مكشوفة ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن بينى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم فتشملهم اللعنة .
…فهذا يدل على أنه لا فرق بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد فالكل حرام لأن المحذور واحد ولذلك قال الحافظ العراقي :
فلو بنى مسجدا يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط ان يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفة وقفه مسجدا نقله المناوي في
فيض القدير " ( 5 / 274 ) وأقره

قلت : وفي هذا إشارة إلى أن المسجد والقبر لا يجتمعان في دين الإسلام كما تقدم ويأتي
ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ :
أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا . . . أولئك شرار الخلق . . . )
فهو نص صريح :

1. في تحريم بناء المسجد على قبور الأنبياء والصالحين لأنه صرح أنه
من أسباب كونهم من شرار الخلق عند الله تعالى ويؤيده حديث جابر رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " .

فإنه بعمومه يشمل بناء المسجد على القبر كما يشمل بناء القبة عليه بل الأول أولى بالنهي كما لا يخفى
فثبت أن هذا المعنى صحيح أيضا يدل عليه لفظ ( الاتخاذ ) وتؤيده الأدلة الأخرى .
2- أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه مثاله إذا نهى الشارع عن بيع الخمر فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يخفى بل النهي عنه من باب أولى .
3- إذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمنا بالصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمنا عن الصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء أيضا وهذا بين لا يخفى على العاقل إن شاء الله تعالى .
وجملة القول : أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلاثة فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم .

أعد المطويات أبو أسامة سمير الجزائري

قدم لها الشيخ علي الرملي حفظه الله المشرف العام على شبكة الدين القيم

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية




التصنيفات
الفقه واصوله

هل يجوز الصلاة في أوقات النهي للعثيمين

السؤال

جزاكم الله خيرا هذه السائلة تقول ما أوقات النهي عن الصلاة وما الحكم عند نسيان الصلاة وتذكرها في هذه الأوقات هل تجوز الصلاة في هذه الأوقات جزاكم الله خيرا؟

الجواب

الشيخ: أوقات النهي خمسة بالتفصيل وثلاثة بالإجمال أما بالإجمال فهي ثلاثة من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح ومقدار ذلك ثلث ساعة أو ربع ساعة بعد طلوعها وعند قيامها حتى تزول ومقدار ذلك نحو عشر دقائق إلى سبع دقائق قبل الزوال ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس هذا بالإجمال أما بالتفصيل فيه هي خمسة من صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ومن طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول ومن صلاة العصر إلى أن يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح ومن ذلك إلى الغروب وإنما فصلت هذا التفصيل لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة إلى أن ترتفع يعني قيد رمح وعند قيامها حتى تزول أو قال حين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ولهذا كانت هذه الثلاث الساعات أو هذه الثلاث الأوقات القصيرة لا يدفن فيها الميت إذا وصلوا به إلى المقبرة وكانت الشمس قد طلعت لا يدفنونه حتى ترتفع قيد رمح وإذا وصلوا به إلى المقبرة عند الزوال أي قبل الزوال بنحو سبع دقائق أو خمس دقائق فإنهم لا يدفنونه حتى تزول وإذا وصلوا به إلى المقبرة وقد بقي على الشمس أن تغرب مقدار رمح فإنهم لا يدفنونه حتى تغرب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يقبر الأموات في هذه الأوقات.

المصدر فتاوي نورعلى الدرب للشيخ محمد العثيمين




التصنيفات
الفقه واصوله

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئا ت أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" [الحج: 1-2]، وقال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" [لقمان: 33]،وقال الله تعالى: +وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" [البقرة: 281]، وقال الله تعالى: +وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عليكم رَقِيباً" [النساء: 1]، وقال الله تعالى: +وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [الأنفال: 25] .
عباد الله، لا تغرنَّكم الحياة الدنيا فما أسرع زوالها، ولا يغرنَّكم زهرتها ونعيمها فما أقرب تلفها، +وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" [لقمان:33] .
لا تغرنَّكم الأموال وكثرتها ولا يغرنَّكم رغد العيش ونضارة الدنيا وزهرتها، لا يغرنَّكم ما أنعم الله به عليكم من العافية والأمان ولا يغرنَّكم إمهال الله لكم مع تقصيركم في الواجب وكثرة العصيان .
أيها المسلمون، إن اغتراركم واللهِ بهذا من الأماني الباطلة والآمال الكاذبة، إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
عباد الله، انظروا إلى مَنْ حولكم من الأمم والقرى، انظروا إليهم فقد انتشرت المعاصي في مجتمع الأمة الإسلامية وأصبح ما كان منكراً بالأمس معروفاً باليوم، من هؤلاء مَنْ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، تعاملوا بالربا ومنعوا الزكاة، تعاملوا بالربا صراحة أو بالربا خيانة وخديعة، قال تعالى: +يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" [البقرة: 9] .
منعوا الزكاة تعللاً واتباعاً لرخص بعض العلماء ولم يروا أن الحق ما قام عليه الدليل وأنه لا يجوز لأحد أن يتَّبع رخص العلماء؛ فإن مَن تتبع الرخص فقد قال بعض العلماء: مَن تتبع الرخص فقد تزندق، ابتعدوا عن الحياء وانتهكوا الحرمات وصاروا كالبهائم: يطلبون متاع الدنيا وإن أضاعوا الدين، صدوا عن سبيل الله واتبعوا سبلَ الكافرين، زُيِّن لهم سوء أعمالهم فظنوا ذلك تحرراً وتقدماً وتطوراً وما علموا أن ذلك هو الرق تحت قيود الهوى والتأخر عن طريق السلف الصالح إلى الوراء والتدهور إلى الهاوية والردى .
قال ابن القيم في مثل هؤلاء:

هربوا من الرِّق الذي خُلقوا له
فبُلُوا برقِّ النفس والشيطانِ

هكذا كثير من الناس في بعض البلاد الإسلامية وإننا نخشى أن يصيب بلادنا المحافظة التي أكثر أهلها – ولله الحمد – يريدون الحق ويعملون به، أخشى أن ينتشر هذا الوباء إلى بلادنا فنهلك أو نكاد نهلك .
أيها المسلمون المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، إن أسباب هذا التدهور ترجع إلى أمرين، أحدهما: ضعف الدين في النفوس وقوة الداعي إلى الباطل، والثاني: ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداهنة في دين الله – عزَّ وجل – وأن حماية الدين الإسلامي لا تكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر: بما أمر الله به ورسوله، والنهي: عما نهى الله عنه ورسوله لقصد النصيحة لله ولعباد الله .
أيها المسلمون، أيها الإخوة، إننا إذا لم نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر فإنه يوشك أن نضيع كما ضاع غيرنا؛ ولهذا قال الله عزَّ وجل: +وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران: 104]، أسأل الله – تعالى – في هذا المقام أن يجعلني وإياكم من هذه الأمة، اللهم اجعلنا من الأمة الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويفلحون في الدنيا والآخرة .
أتلو بقية الآية، قال الله عزَّ وجل: +وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [آل عمران: 105] .
نعم، إذا لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر تفرقنا ولابدَّ؛ لأن كل واحد يركب رأسه ويفعل ما شاء وما تمليه عليه نفسه وهواه وحينئذٍ يحصل التفرق بين الأمة الإسلامية .
أيها المسلمون، إنكم تقرؤون قول الله – عزَّ وجل – يخاطب هذه الأمة: +كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه" [آل عمران: 110]، ونحن إن قمنا بهذه الأوصاف الثلاثة: الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدَق علينا أننا خير أمة أخرجت للناس وإن تركنا ذلك لم نكن هكذا بل ربما نكون من شرار الأمم؛ لأنه لا نسبَ بين الله وبين العباد ولكن مَن اتقى الله فهو الكريم عنده، فأكرم الناس عند الله أتقاكم .
أيها الإخوة، إن بعض الناس يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخصوص بمن عينتهم الدولة لذلك ولكن هذا ظنٌّ خاطئ؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس، إنه واجب على الناس جميعاً، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مَن رأى منكم منكراً، و«مَن»هذه شرطية وهي من صيغ العموم فهي عامة لكل مَن رأى المنكر يجب عليه أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، يغيِّره بيده إن كان ذلك موكولاً إليه من قِبل الولي: من قبل ولاة الأمر وإلا فلينتقل إلى المرتبة الثانية فليغير بلسانه: بالكلام: بالنصح والإرشاد فإن لم يمكن ذلك ففي قلبه: ينكر المنكر ويبغضه ويتبرأ منه ومن فاعله ولكنه لا يتبرأ من فاعل المنكر براءة مطلقة؛ لأن فاعل المنكر المؤمن فيه جانب خير وفيه جانب شر فيتبرأ منه من جانب الشر ويواليه من جانب الخير، وإذا لم ينفع مع الإنسان الآتي للمنكر: إذا لم ينفع معه الكلام فإنه يمكن بل يجب عليه أن يرفع ذلك إلى المسؤولين الذين يتولون تأديب هذا الفاعل وهو إذا رفعه إليهم برأت ذمته وسلم من الإثم، وعلى هؤلاء المسؤولين إذا بلغهم عن فاعل منكر أنه مُصِرٌّ عليه، عليهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح وأن يجتمعوا على ذلك لينالوا الفوز والفلاح .
إن عليهم، أي: على المسؤولين أن يتركوا الدعة والسكون وأن يقوموا لله – تعالى – مخلصين له الدين وسوف تكون العاقبة لهم، قال تعالى: +إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" [هود: 49] .
أيها المسلمون، إن الأمة لا يمكن أن تكون أمة قوية مرموقة حتى تتحد في أهدافها وأعمالها ولن يمكنها ذلك حتى تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون على دينٍ واحد في العقيدة وفي القول وفي العمل صراطاً مستقيماً: صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، أما إذا لم تقم بذلك فإنها تتفكك وتنفصم عراها: يكون لكل واحد هدف ولكل واحد طريق وعمل، يتفرقون أحزاباً: كل حزب بما لديهم فرحون وحينئذٍ يصدق عليهم قول الله عزَّ وجل: +إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [الأنعام: 159] .
أيها المسلمون، أنتم أمة واحدة، إذا لم تقوموا بأمر الله وتسعوا في إصلاح مجتمعكم بالالتزام بدين الله فمَن الذي يقوم ويسعى بذلك ؟ إذا لم تتكاتفوا على منع الشر والفساد فكلكم هالك .
فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعزيراً فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه أو يأكل معه فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داوود وعيسى بن مريم»+ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" [المائدة: 78]، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «والذي نفس محمد بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرونه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم» .

و لما فتح المسلمون جزيرة قبرص فرق أهلها وبكى بعضهم إلى بعض فرأوا أبا الدرداء – رضي الله عنه – يبكي فقيل له: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال: ويحك، ما أهون الخلق على الله، ما أهون الخلق على الله، ما أهون الخلق على الله إذا هم أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى .
أيها المسلمون، إن من المؤسف المروع أن نرى مجتمع الأمة الإسلامية هكذا: شعوباً متفككة لا يغارون لديننا ولا يخافون من وبال إلا أن يشاء الله .
إن من المؤسف ألا يتفقد الرجل أهله وولده ولا ينظر في جيرانه بل تراه يرى المعاصي فيهم لا ينهاهم عنها ويرى التقصير في الواجب فلا يتداركه وهذا – أيها المسلمون – هذا من غرور الشيطان، يقول لك: إذا هممتَ أن تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر يقول لك: إن هذا لا يفيد، إنه سوف يُصِرُّ على ما هو عليه من ترك المعروف وانتهاك المنكر، هكذا يقول لك الشيطان يخذلك ولكن هذا بلا شك من غرور الشيطان، مُر بالمعروف وانهَ عن المنكر فربما كلمة صارت بمنزلة الصاعقة تفرق أهل الشر .
استمع إلى قول موسى – عليه الصلاة والسلام – لما اجتمع إليه السحرة حين قال لهم: «ويلكم، لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابه وقد خاب مَن افترى» فماذا كان من هذا الجمع العظيم الذي يرى أن العزة له قال الله تعالى: +فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ" [طه: 62]، وتفرقوا واختلفوا وحينئذٍ صارت الغلبة لموسى عليه الصلاة والسلام .
أيها الإخوة، إن الواجب علينا أن نكون أمة واحدة يصلح بعضنا بعضاً؛ حتى لا نهلك لاسيما مع كثرة النعم والانغماس في الترف، يقول الله تبارك وتعالى: +وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" [الإسراء: 16]، +أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا"أي: أمرناهم أمراً كونيًّا قدريًّا أن يفسقوا فيفسقوا فيها فحينئذٍ حق عليها القول فدمرناها تدميراً، وقال تعالى: +فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" [الأنعام: 44]، اللهم إنا نسألك أن تلهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا وهيئ لنا الخير واجمع كلمتنا على الحق وأبرم لأمتنا أمراً يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن ولاه، وسلَّم تسليماً كثيراً .
أما بعد:
فيا عباد الله، استمعوا إلى قول الله تبارك وتعالى: +كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأعراف: 31]، ونحن الآن – ولله الحمد – قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة وافرة فعلينا أن نمتثل أمر الله – تعالى – بالتنعم بما أنعم الله به علينا: نأكل ونشرب ولكن لا نسرف، والإسراف: مجاوزة الحد؛ فإن الله لا يحب المسرفين، وأنتم تعلمون ما أنعم الله به علينا من الكهرباء التي فيها إضاءة بيوتنا وفيها تبريد غرفنا وحجرنا وفيها مصالح كثيرة لا تعدُّ ولا تحصى، و ما أنعم الله به علينا من الماء الذي هو مادة الحياة والتي لا يمكن أن يحيا الإنسان إلا به، هاتان النعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، كثير من الناس يسرف فيهما فتجده يضيء أنواراً كثيرة لا داعي لها: يجعل على حائط البيت وسورِهِ يجعل عليه لمبات كثيرة لا داعي لها؛ فالطريق مضاء لا يحتاج إلى إضاءتها والبيت لا ينتفع بها ولا يحتاجها وهذا من الإسراف بلا شك وفيه أيضاً ضرر على العموم؛ لأن هذه المولدات للكهرباء إذا تحملت كثيراً فربما لا تطيق ذلك وحينئذٍ يخسرها الشعب، وتجد بعض الناس يوَلِّع المكيفات بكثرة وافرة بل ربما يوَلِّعها وهو لا يحتاج إليها حتى سمعت أن بعض الموظفين يوَلِّع المكيف بعد انتهاء الدوام إلى أن يأتي الدوام من الغد وهذا مع كونه إسرافاً ففيه جناية على الدولة؛ لأن الدولة لا تسمح أن يضيع هذا هكذا بدون فائدة، أما في الماء فحدِّث ولا حرج؛ فإن من الناس مَن يغسل سطوح البيت ويغسل أحواش البيت في الأسبوع مرتين وربما أكثر مع أنه لا داعي لذلك وهذا يضر الآخرين لا سيما في شدة القيظ؛ فإن الناس يحتاجون إلى الماء، يحتاجون إلى الماء بكثرة؛ ولذلك ارحم إخوانك واقتصر في صرف الماء، اقتصر على ما تدعو الحاجة إليه فقط، ثم إن بعض الناس لما كان لا يأتي كل يوم صار يفتح البزابيز في الوقت الذي لا يأتي فيه الماء ثم يتركها فإذا جاء الماء فإذا هي مفتوحة فيضيع هكذا؛ ولذلك نحن نقول لإخواننا: إذا فتح الإنسان بزبوز الماء ثم وجده لا يأتي منه الماء فليغلقه؛ لأنه ربما يأتي الماء في حال غفلته: في حال خروجه من البيت أو منامه أو غير ذلك فإذا لم يجد الماء يعبر من هذا البزبوز فإنه يغلقه حتى إذا جاء الماء لم يضع هدراً .
أيها الإخوة، هذه مسائل قد يؤسفني أن أتكلم بها من على هذا المنبر؛ لأنها أمر لا تحتاج إلى تذكير ولكن +ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" [الذاريات: 55] .
كل إنسان عنده قلب، كل إنسان عنده غَيره على إخوانه وبلده، يعرف أن مثل هذه الأمور ضياع وفساد، أسأل الله – تعالى- أن يوقظ قلوبنا لما فيه منفعتنا ومصلحتنا ومصلحة أمتنا .
أيها الإخوة، اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثتها، وكل محدثة – يعني: في الدين – بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار .
أيها الإخوة، أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد – صلى الله عليه وسلم – امتثالاً لأمر الله ووفاءً بحق رسول الله وابتغاءً لثواب الله عزَّ وجل؛ فإن مَن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم مَن أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره، وشتِّت شمله، وفرِّق جمعه، واهزم جنده، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

خطبة جمعة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين




التصنيفات
الفقه واصوله

النهي عن الصلاة بين السواري

تعليمية


النهي عن الصلاة بين السواري


فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله :

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة – الحديث رقم (335): (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا):

وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري ، وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر ، إلا عند الاضطرار ؛ كما وقع لهم .

وقد روى ابن القاسم في " المدونة " ( 1 / 106 ) ، والبيهقي ( 3 / 104 ) من طريق أبي إسحاق عن معدي كرب عن ابن مسعود أنه قال : (لا تصفوا بين السواري).
وقال البيهقي : (وهذا ـ والله أعلم ـ لأن الاسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف).
وقال مالك : (لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد).
وفي " المغني " لابن قدامة (2 / 220) : (لا يكره للإمام أن يقف بين السواري ، ويكره للمأمومين ؛ لأنها تقطع صفوفهم ، وكرهه ابن مسعود والنخعي ، وروي عن حذيفة وابن عباس ، ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر ؛ لأنه لا دليل على المنع ، ولنا ما روي عن معاوية ابن قرة . . . ولأنها تقطع الصف ، فإن كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين ؛ لم يكره ؛ لأنه لا ينقطع بها).

وفي "فتح الباري" (1 / 477) : (قال المحب الطبري : كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد في ذلك ، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف ، أو لأنه موضع النعال .انتهى . وقال القرطبي : روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين).

قلت: وفي حكم السارية المنبر الطويل ذو الدرجات الكثيرة ، فإنه يقطع الصف الأول ، وتارة الثاني أيضاً ؛ قال الغزالي في " الإحياء " (2 / 139) : (إن المنبر يقطع بعض الصفوف ، وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر ، وما على طرفيه مقطوع ، وكان الثوري يقول : الصف الأول ، هو الخارج بين يدي المنبر ، وهو متجه ؛ لأنه متصل ، ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه).

قلت: وإنما يقطع المنبر الصف إذا كان مخالفاً لمنبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان له ثلاث درجات ، فلا ينقطع الصف بمثله ، لأن الإمام يقف بجانب الدرجة الدنيا منها ، فكان من شؤم مخالفة السنة في المنبر الوقوع في النهي الذي في هذا الحديث .

ومثل ذلك في قطع الصف المدافىء التي توضع في بعض المساجد وضعاً يترتب منه قطع الصف؛ دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد أو أحد من المصلين فيه؛ لِـبُعْـد الناس أولاً عن التفقه في الدين ، وثانياً لعدم مبالاتهم بالابتعاد عما نهى عنه الشارع وكرهه.

وينبغي أن يُعلَم أن كل من سعى إلى وضع منبر طويل قاطع للصفوف، أو يضع المدفئة التي تقطع الصف ؛ فإنه يخشى أن يلحقه نصيب وافر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (. . . ومن قطع صفاً قطعه الله ) ، أخرجه أبو داود بسند صحيح ؛ كما بينته في صحيح أبي داود (رقم 672)).

انتهى النقل




شكرا وبارك الله فيكم ونفع بكم

اللهم فقهنا في الدين




التصنيفات
الفقه واصوله

النهي عن التشبه ببعض الحيوانات في الصلاة

النهي عن التشبه ببعض الحيوانات في الصلاة
الشيخ د. رضا بوشامة

إنَّ الله عزَّ وجلَّ خلق الخلق وأمرهم بطاعته، وفرض عليهم واجبات وشرائع لبلوغ مرضاته، ومن أعظم الواجبات قدرًا، وأرفعها ذكرًا؛ الصَّلاة الَّتي هي عمود الدِّين، وأسّه المتين، تشتمل على أركان وواجبات، وقيام وخفض ورفع ومستحبَّات، بيَّنها الرَّسول صلى الله عليه وسلم في سنَّته وأمر المسلمين بمتابعته، ونهى عن أفعال تخلُّ بتمامها وأركانها، وحذَّر من أعمال تَذهب بجمالها وخشوعها.
وممَّا نهى عنه ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ أفعال فيها مشابهة لأفعال بعض الحيوانات؛ وذلك أنَّ هدي المصلِّي مخالف لهديها، فكما أنَّ الشَّريعة جاءت بالنَّهي عن التَّشبُّه بالكفَّار والشَّياطين، وعن مشابهة الرِّجال للنِّساء والنِّساء للرِّجال، بل عن مشابهة كلِّ ناقص، جاءت أيضًا بالنَّهي عن التَّشبُّه بالحيوان في أفعال مخصوصة في الصَّلاة؛ يقع في كثيرٍ منها الجهَّال الَّذين هم بعيدون كلَّ البعد عن الاقتداء بسيِّد الخلق وإمام المصلِّين الَّذي أمرنا بالتَّشبُّه به في الصَّلاة؛ إذ قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»([1])، وكان الأليق والواجب على المسلم المتابع لنبيِّه صلى الله عليه وسلم أن يحذو حذوه في أفعال الصَّلاة، إلَّا أنَّ الجهل بسنَّته صيَّر كثيرًا من النَّاس لا يتشبَّهون به في صلاته، بل تشبَّهوا بما نُهوا عن التَّشبُّه بهم من الحيوانات والبهائم.
والتَّشبُّه بالشَّيء يقتضي من الحمد والذمِّ بحسب الشَّبَه، فمَن تشبَّه بخير الخلق حُمد، ومن تشبَّه بغيره ممَّن أمرنا بمفارقته وعدم مشابهته ذُمَّ بحسب شبهه به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لعن المتشبِّهين من الرِّجال بالنِّساء، والمتشبِّهات من النِّساء بالرِّجال؛ وذلك لأنَّ الله خلق كلَّ نوع من الحيوان وجعل صلاحَه وكمالَه في أمر مشتَرك بينه وبين غيره وبين أمر مختصٍّ به، فأمَّا الأمور المشتركة فليست من خصائص أحدِ النَّوعين، ولهذا لم يكن من مواقع النَّهي وإنَّما مواقع النَّهي الأمور المختصَّة، فإذا كانت الأمور الَّتي هي من خصائص النِّساء ليس للرِّجال التَّشبُّه بهنَّ فيها، والأمورُ الَّتي هي مِن خصائص الرِّجال ليس للنِّساء التَّشبُّه بهم فيها، فالأمورُ الَّتي هي من خصائص البهائم لا يجوز للآدمي التَّشبُّه بالبهائم فيها بطريق الأولى والأحرى، وذلك لأنَّ الإنسان بينه وبين الحيوان قدرٌ جامع مشترَك، وقدرٌ فارق مختَصّ، ثمَّ الأمرُ المشترك كالأكل والشُّرب والنِّكاح والأصوات والحركات لما اقترنت بالوصف المختصِّ كان للإنسان فيها أحكامٌ تخصُّه ليس له أن يتشبَّه بما يفعله الحيوان فيها، فالأمورُ المختصَّة به أولى مع أنَّه في الحقيقة لا مشترك بينه وبينها، ولكن فيه أوصاف تشبه أوصافها من بعض الوجوه والقدر المشترك إنَّما وجوده في الذِّهن لا في الخارج، وإذا كان كذلك فالله تعالى قد جعل الإنسان مخالفًا بالحقيقة للحيوان، وجعل كمالَه وصلاحه في الأمور الَّتي تناسبُه وهي جميعها لا يماثل فيها الحيوان، فإذا تعمَّد مماثلةَ الحيوان وتغيير خلق الله فقد دخل في فسادِ الفطرة والشِّرعة وذلك محرَّم»([2]).
وهذا الذي ذكره ابن تيمية من مفارقة الآدمي للحيوان وعدم التَّشبُّه به عام في أوقاته كلِّها، فكيف التَّشبُّه به في أعظم عبادة أوجبها الله تعالى على عباده، وألزمهم بمتابعة سيِّد خلقه، فالمفارقة وعدم التَّشبُّه في مثل هذا آكد وأوجب، ولا يتمُّ ذلك إلَّا إذا عرف المكلَّف الأفعال والصِّفات والهيئات الَّتي ورد النَّهي عن فعلها في الصَّلاة تشبُّهًا بأفعال وصفات الحيوانات، فمن ذلك:
1 ـ النَّهي عن النَّقر كنقرة الدِّيك أو الغراب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ ونهاني عن ثلاث؛ أمرني بركعتي الضُّحى كلَّ يوم، والوتر قبل النَّوم، وصيام ثلاثةِ أيَّام من كلِّ شهر، ونهاني عن نَقرة كنقرَةِ الدِّيك، وإقعاءٍ كإقعاءِ الكَلب، والْتِفاتٍ كالْتِفاتِ الثعلب»([3]).
فتضمَّن الحديث النَّهي عن نَقْرِ الصَّلاة كنقر الدِّيك، وهو ما يفعله كثيرٌ من العوام وكبار السِّنِّ من عدم الاطمئنان في الرَّفع والخفض والسُّجود والرُّكوع، فتراه ينقر صلاته كما ينقر الدِّيك الأرض بحثًا عن الحَبِّ والطَّعام، وسببه الجهل والاهتمام بشواغل الدُّنيا، فإذا قام إلى الصَّلاة نقرها نقر الدِّيك فلم يتمَّ ركوعَها ولا سجودها، وهو يحسب أنَّه صلَّى وأتمَّ صلاته.
وقد جاء ما يفسِّر ذلك في حديث آخر وأنَّه من عمل المنافقين لا من عمل عِبَاد الله الخاشعين، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِصَلَاةِ المُنَافِقِ؛ يَدَعُ العَصْرَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ـ أَوْ عَلَى قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ـ قَامَ فَنَقَرَهَا نَقَرَاتِ الدِّيكِ، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»([4]).

وعن أبي عبد الله الأشعريِّ قال: «صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثمَّ جلس في طائفةٍ منهم، فدخل رجلٌ فقام يُصلِّي، فجعل يركع ويَنقرُ في سُجودِه، فقال: أتَرَونَ هَذَا؛ مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، يَنْقُرُ صَلَاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الغُرَابُ الدَّمَ، إِنَّمَا مَثَل الَّذِي يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالجَائِعِ لَا يَأْكُلُ إلَّا تَمْرةً أَوْ تَمْرَتَيْنِ، فَمَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ!؟ فَأَسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَوَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ»، قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله الأشعري: مَن حدَّثك بهذا الحديث؟ قال: أمراءُ الأجناد؛ عَمرو بن العاص وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشُرحبيل ابن حَسَنة ، كلُّ هؤلاء سمعوه من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم»([5]).
ووصَف رسول الله صلى الله عليه وسلم من يَنقر الصَّلاةَ نقرَ الدِّيك، ولا يتمُّ ركوعها وسجودها باللِّصِّ، وجعل لِصَّ الصَّلاةِ وسارقَها شرًّا من لِصِّ الأموال وسارقِها، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ، قالوا: يا رسول الله، وكيف يَسرِق من صلاته؟ قال: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا، أو قال: لَا يُقِيمُ صُلْبَه فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»([6])، فصرَّح بأنَّه أسوأُ حالًا مِن سارق الأموال، ولا رَيب أنَّ لِصَّ الدِّين شرٌّ مِن لصِّ الدُّنيا.
وعن أبي وائل، عن حُذيفة: «رأى رجلًا لا يُتمُّ رُّكوعَه ولا سجوده، فلمَّا قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليتَ، قال: وأحسبه قال: لو مُتَّ مُتَّ على غير سنَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم»([7]).
وعن سلمان الفارسي قال: «الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ، فَمَنْ أَوْفَى أُوفِيَ [لَهُ]، وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لِلْمُطَفِّفِينَ»([8]).
لذا كان الإمام مالك رحمه الله يقول: «ويُقال: لكلِّ شيء وفاءٌ وتطفيف»([9])، فإذا توعَّد الله سبحانه بالويل للمطفِّفين في الميزان والأموال، فما الظَّنُّ بالمطفِّفين في الصَّلاة!؟
وعَن عمرو بن راشد اللَّيثيّ قال: «والله إنِّي لأصلِّي أمام المسور بن مخرمة، فصلَّيت صلاةَ الشَّباب كنقر الدِّيك([10])، فزحف إليَّ فقال: قم فصلِّ، قلت: قد صلَّيتُ عافاك الله، قال: كذبتَ، والله ما صلَّيتَ! والله لا تريم حتى تصلِّي، فقمتُ فصلَّيتُ فأتممتُ، فقال المسور: والله لا تعصون الله ونحن ننظرُ ما استطعنا»([11]).
والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة، فحريٌّ بالمسلم أن يكون ذا وَقَارٍ وسكينة وطمأنينة في صلاته ليسلم من الوعيد الشَّديد، وتسلم له صلاتُه الَّتي إذا صلحت صلح سائرُ عمله.
2 ـ الإقعاء كإقعاء الكلب أو القرد:
وتقدَّم في حديث أبي هريرة النَّهيُ عن الإقعاء كإقعاء الكلب، وفي بعض الطُّرق كإقعاء القرد([12])، والإقعاء نوعان: أحدهما مشروع، والآخر منهيٌّ عنه، فالمنهيُّ عنه هو ما قاله أبو عبيدة مَعمر بن المثنى: أن يلصق إِلْيَتَيْهِ بالأرض وينتصب على ساقَيه ويضعَ يديه بالأرض، وقال في موضع آخر: الإقعاءُ: جلوسُ الإنسان على إليتيه، ناصبًا فخذيه مثلَ إقعاء الكلب والسَّبُع([13]).
ويُقال: أقعى الكلب ولا يُقال: قَعدَ ولا جلس، وقعودُه إقعاؤُه، ويُقال: إنَّه ليس شيء يكون إذا قام أقصر منه إذا قعد إلَّا الكلب إذا أقعى([14]).
هذا الَّذي ورد النَّهي عنه في الحديث المتقدِّم وغيره، وأمَّا الإقعاء المحمود فليس فيه تشبُّه بالكلب والسَّبع، أن يضع إليَتيه على عقِبيه ورُكبتيه على الأرض، لما روى مسلم في «صحيحه» عن طاوس قال: «قلنا لابن عبَّاس في الإقعاء على القدمين؟ فقال: هي السُّنَّة، فقلنا له: إنَّا لنراه جفاءً بالرَّجل؟ فقال ابن عباس: بل هي سنَّة نبيِّك صلى الله عليه وسلم!»([15]).
3 ـ الالتفات كالتفات الثَّعلب:
وتقدَّم الحديث في ذلك، وشبَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الملتفتَ في صلاته بالثَّعلب؛ لأنَّ الثَّعلب يُكثر الالتفات؛ إذ هو في يقين دائم أنَّه مَطرود مطلوبٌ، فإذا التفت العبدُ في صلاته نقصَ خشوعُه بقدر التفاته، والواجب عليه الإقبال على الله بقلبه وجسده، وأن لا يلتفت إلى غيره ما دام في صلاته، والالتفات إنَّما هو خَطفة يخطفها الشَّيطان من صلاة العبد، إذا ترك الإقبال على الله والتفت إلى غيره، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصَّلاة؟ فقال: هو اختلاسٌ يختلسه الشَّيطانُ من صلاة العبد»([16]).
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا…» الحديث، إلى أن قال: «وَإِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَه لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ…» الحديث([17]).
وقد ورد ترهيب شديد ووعيد أليم فيمَن يرفع بصرَه إلى السَّماء في الصَّلاة ولا يُقبل على الله، وهو من الالتفات المنهيِّ عنه في الأحاديث المتقدِّمة، فعن أنس بن مالك قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُه في ذلك حتَّى قال: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ»([18]).
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ»([19]).
4 ـ الافتراش كافتراش السَّبُع أو الكلب:
ومن الأمور الَّتي يتشبَّه بها بعضُ المصلِّين الجاهلين ببعض الحيوانات المفترسة أن يفترش افتراش السَّبع في الصَّلاة، والمراد به افتراش الذِّراعين في السُّجود، قال الزَّبيدي: «وافتَرش ذِرَاعَيْهِ : بَسَطَهُما على الأرض، وفي الحديث: نَهَى في الصَّلاةِ عن افْتِراشِ السَّبُعِ، وهو أَن يَبْسُطَ ذِرَاعَيْهِ في السُّجُودِ ولا يُقِلَّهُما ويرفَعَهُما عن الأَرْضِ إِذا سَجَدَ كما يَفْتَرِشُ الذِّئْبُ والكَلْبُ ذِرَاعَيْه ويَبْسُطُهُمَا، ويُقَالُ: افْتَرَشَ الأَسَدُ ذِرَاعَيْه : إِذا رَبَضَ عَلَيْهِمَا ومَدَّهُمَا وكذلِكَ الذِّئْبُ قال:
تَرَى السِّرْحَانَ مُفْتَرِشًا يَدَيْهِ كَأَنَّ بَيَاضَ لَبَّتِهِ الصَّدِيعُ»([20]).
وقد ورد النَّهي عن هذا التَّشبُّه في أحاديث منها: ما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَفرِشُ رجلَه اليُسرى ويَنصِب رِجلَه اليُمنى، وكان ينهى عن عقبة الشَّيطان، وينهى أن يَفرشَ الرَّجل ذِرَاعَيْه افترَاشَ السَّبُع»([21]).
وعن أنس بن مالك، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ»([22]).
وعن جابر رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الكَلْبِ».
قال التِّرمذي: «حديث جابر حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم، يختارون الاعتـدالَ في السُّجـود، ويَكرهون الافـتـرَاشَ كافتِراشِ السَّبُع»([23]).
والاعتدال في السُّجود هو أن يضع يديه، وهما الكفَّان، على الأرض كما أمر بذلك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأن لا يفترش ذراعيه.
5 ـ البُروك كبروكِ البَعير:
بَرَكَ البعيرُ إذا أناخ في موضع فلَزِمه، وقد جاء النَّهيُّ عن التَّشبُّه بالبعير في بروكه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ؛ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ»([24]).
وقد اختلف العلماء فيما يقدِّمه المصلِّي عند إرادة السُّجود، رُكبتيه أم يديه؟ فمَن قال بتقديم الرُّكبتين أجاب عن الحديث الوارد بأنَّه مقلوب، ـ والحديث المقلوب في علم المصطلح مشتقٌّ من القلب وهو تبديل شيء بآخر، أو ما وقعت المخالفة فيه بالتَّقديم والتَّأخير ـ، قالوا: إنَّ متنَ الحديث انقلبَ على أحدِ الرُّواة، والصَّواب فيه أن يقول: «فلَيضَع رُكبتيه قبل يديه»؛ لأنَّ البعيرَ يَبرُك على رُكبَتيه قبل يديه.
وأجاب القائلون بظاهر الحديث، فقالوا: إنَّ الحديث ليس فيه قلب، وهو على بابه، وذلك أنَّ البعيرَ رُكبتاه في يديه، وبنو آدم ليسوا كذلك كما هو مقرَّرٌ عند أهل اللُّغة، ومعنى الحديث: لا يَبرك على ركبتيه اللَّتين في رِجليه كما يَبرك البعيرُ على ركبتيه اللَّتين في يديه؛ ولكن يبدأ فيضع أوَّلًا يديه اللَّتين ليس فيهما رُكبتاه، ثمَّ يضع ركبتيه فيكون ما يفعل في ذلك بخلاف ما يفعل البعير.
ومن رام تفصيل المسألة فعليه بكتب الحديث والفقه، والغرضُ هو مخالفة البعير في بروكه، فمَن رأى أنَّ الصَّواب هو البدء بالرُّكبتين قبل اليدين فليفعل ذلك مخالفة للبعير، ومن ترجَّح لديه ظاهر الحديث ـ وهو الذي تدلُّ عليه الأدلة ـ فليبدأ بيديه، وكلٌّ على خير ما دام الاعتماد على الدَّليل لا مجرَّد التَّعصُّب والتَّقليد.
6 ـ رفع الأيدي وقتَ السَّلام كأذناب الخيل:
ورد النَّهي في السُّنَّة عن رفع الأيدي إشارةً إلى السَّلام من الجانبين، فعَن جابر بن سمرة قال: «كنَّا إذا صلَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السَّلام عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلَى مَا تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْل شُمْس؟ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ»([25]).
قال النَّووي في شرح هذا الحديث: «قوله صلى الله عليه وسلم: «مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْل شُمْس» هو بإسكان الميم وضمِّها، وهي الَّتي لا تستقرُّ، بل تضطرب وتتحرَّك بأذنابها وأرجلها، والمراد بالرَّفع المنهيِّ عنه هنا رفعهم أيديهم عند السَّلام مشيرين إلى السَّلام من الجانبين»([26]).
فهذه ستُّ خصال نُهي المصلِّي عن التَّشبُّه بها ببعض الحيوانات، فجدِيرٌ بمَن أراد الخيرَ لنفسه، واتِّباع نبيِّه صلى الله عليه وسلم في صلاته وسائر تصرُّفاته أن يجتهِدَ في تعلُّم سنَّته ومعرفة حديثه، وأن يعرف قدر هذه الصَّلاة ويُعظِّمها بالحرص على إتمامها والإتيان بها كما صلاَّها أفضل الخلق عليه الصَّلاة والسَّلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


([1]) رواه البخاري في «صحيحه» (631).
([2]) «مجموع الفتاوى» (32/260).
([3]) رواه أحمد في «المسند» (13/468)، وحسَّنه الألباني في «صفة الصَّلاة» (ص 132).
([4]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/434)، وأحمد في «المسند» (31/211)، وهذا لفظه.
([5]) رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/332)، وصحَّحه الألباني في «صفة الصَّلاة» (ص 132).
([6]) رواه أحمد في «المسند» (37/319)، ورواه مالك في «الموطَّأ» (462) من حديث النُّعمان بن مرَّة مرسلًا.
([7]) «صحيح البخاري» (389).
([8]) «مصنَّف عبد الرزَّاق» (2 /373)، وفي إسناده سالم بن أبي الجعد: وهو ثقة إلا أنه كثير الإرسال، ولم يذكر في شيوخه سلمان، ولم يثبت سماعه من ثوبان، وقد توفي بعد سلمان بعشرين سنة.
([9]) «الموطَّأ» (1/42).
([10]) في الزَّمن الماضي كان نقر الصَّلاة وعدم إتمام ركوعها وسجودها خاصًّا ببعض الشَّباب وصغار السِّنِّ لطيشهم وبُعدهم عن مجالس الذِّكر، وأمَّا اليوم فالأمر صار خاصًّا ـ في الغالب ـ بكبار السِّنِّ، والله المستعان.
([11]) «كتاب الزُّهد» لابن المبارك (ص 486).
([12]) عند أحمد (7595) وغيره، وحسنه الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ص131).
([13]) «السُّنن الكبرى» للبيهقي (2/120).
([14]) «موسوعة شروح الموطَّأ» (التَّمهيد ـ 4/397).
([15]) «صحيح مسلم» (1/380).
([16]) «صحيح البخاري» (751).
([17]) رواه التِّرمذي (2863)، وقال حديث: «حسن صحيح».
([18]) «صحيح البخاري» (750).
([19]) «صحيح مسلم» (1/321).
([20]) «تاج العروس» (17/308، 309 ـ مادة: فرش).
([21]) «صحيح مسلم» (1/357).
([22]) «صحيح البخاري» (822).
([23]) «جامع التِّرمذي» ( 275).
([24]) أخرجه أبو داود (840)، وغيره، وهو صحيح.
([25]) «صحيح مسلم» (1/322).
([26]) «شرح صحيح مسلم» (3/152).




جزاكــِ الله خيرًا و نفع بكــِ ،،




جعله الله في ميزان حسناتك وأنار دربك كما أضاءت مداخلتك فضاء المنتدى




السلام عليكم شكرا لك يأخي على هده النصائح القيمة هذا كل ما يحتاجه شبابنا اليوم من وعي ديني كل ما ينقص مجتمعنا الأخلاق .الاحترام المتبادل والتربية وتقبل النصائح كتلك التي تفضلتم بها




جزاكــِ الله خيرًا و نفع بكــِ ،،




بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
نترقب المزيد
بالتوفيق




بارك الله فيك




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

وجوب اتباع الكتاب والسنة والنهي عن الابتداع في شعبان

وجوب إتباع الكتاب والسنة والنهي عن الابتداع في شعبان وغيره- خطبة لمعالي الشيخ صالح الفوزان

الحمد لله رب العالمين، أمرنا بإتباع الكتاب والسنة، ونهانا عن الابتداع والفتنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ترك أمته على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه وتمسكوا بسنته ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتمسكوا بكتابه وسنة نبيه ففيهما الكفاية والهدى والنور، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ظلال وغرور، قال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْـزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) [الأعراف: 3]، وقال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طه: 123]؛ فقد وعد الله من تمسك بكتابه وعمل به أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وتوعد من أعرض عن كتابه فقال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

أي من خالف أمري وما أنزلته على رسولي فأعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه: 124]، أي ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره، وليس ما شاء وأكل ما شاء فإن قلبه في قلق وحيرة وشك، وقيل: إن المعيشة الضنك أن يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]، أي أعمى البصر والبصيرة كما قال تعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) [الإسراء: 97]، وقد أمر الله بطاعته وطاعة رسول في كثير من الآيات، وطاعة الله تكون بإتباع كتابه، وطاعة الرسول تكون بإتباع سنته قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 13-14]،

وهذا من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن شهد أن لا إله إلا الله وجب عليه أن يطيعه ويتبع كتابه، ومن شهد أن محمدا رسول الله، وجب عليه أن يطيعه ويتبع سنته.

وقد أخبر الله سبحانه أن من يطع الرسول فذلك دليل على محبته لله ومحبة الله له، ومن لم يطع الرسول فإن ذلك دليل على كفره قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31-32].

وأخبر أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله؛ لأن طاعة الرسول طاعة لمن أرسله قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء: 80]،
وأخبر سبحانه أن من أطاع الرسول حصلت له الهداية التامة قال تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور: 54]، وأخبر أن طاعة الرسول سبب للرحمة قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 132]، وأخبر أن من عصى الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو ضال متبع لهواه. قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) [القصص: 50].

وتوعد من خالف أمر الرسول بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

قال ابن كثير -رحمه الله-: أي فليحذر وليخش من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) [النور: 63]، أي في قلوبهم من كفر ونفاق أو بدعة: (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر من مخالفة الكتاب والسنة وبين أن ما خالف الكتاب والسنة فهو بدعة وضلالة فكان يقول في خطبه: "إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"، ويقول: "من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، أي مردود على محدثه وعمله لا يقبل؛ لأنه بدعة مخالفة لما شرعه الله لعباده، ففي الدين التي ليس لها دليل من الكتاب والسنة يقصد فاعلها ومخترعها التقرب بها إلى الله عز وجل، كإحداث عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، أو تخصيص وقت للعبادة لم يخصصه الله ولا رسوله لها، أو فعل العبادة على صفة لم يشرعها الله ولا رسوله.

فالبدعة قد تكون بإحداث عبادة ليس لها أصل في الشرع مثل بدعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، واحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، أو بمناسبة الهجرة النبوية. أو تخصيص وقت من الأوقات للعبادة ليس له خصوصية في الشرع كتخصيص شهر رجب أو ليلة النصف من شعبان بصلاة أو ذكر أو دعاء، وتخصيص يوم النصف من شهر شعبان بصيام، وقد تكون البدعة بإحداث صفة للعبادة غير مشروعة كالدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة والأذكار الجماعية وما أشبه ذلك، والبدع تصد عن دين الله وتبعد عن الله وتوجب العقوبة العاجلة والآجلة، لأنها من دين الشيطان، لا من دين الرحمن.

والمبتدع متبع لهواء (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) [القصص: 50].

والمبتدع يقول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم قرين الشرك قال تعالى محذراً من ذلك: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].

قال الإمام ابن القيم: والقول على الله بلا علم والشرك متلازمان، ولما كانت هذه البدع المضلة جهلا بصفات الله وتكذيبا بما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت من أكبر الكبائر إن قصرت عن الكفر، وكانت أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها، وقال إبليس لعنه الله: أهلكت آدم بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله وبالاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ومعلوم أن المذنب إنما ضرره على نفسه، وأما المبتدع فضرره على الناس، وفتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة المذنب في الشهوة، والمبتدع يتهم ربه بأنه لم يكمل الدين قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مكذب لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3]، أو يتهم الرسول بعدم الإبلاغ.

فالمبتدع يريد أن يفرق جماعة المسلمين؛ لأن اجتماع المسلمين إنما يتحقق بإتباع ما شرع الله كما قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، وقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

فالمبتدع يريد أن يفرق المسلمين عن صراط الله وعن سبيله المتحد إلى سبيل البدع المختلفة؛ لأن البدع لا تقف عند حد ولا تنتهي إلى غاية. فكل مبتدع له طريقة خاصة غير طريقة المبتدع الآخر. كما صور النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك حينما خط بيده خطا وقال: "هذا سبيل الله مستقيما، وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: هذا السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعوا إليه ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]" رواه أحمد والحاكم. وقال صحيح ولم يخرجاه، وهو
دليل واضح على أن البدع تفرق المسلمين.

عباد الله: إننا في زمان كثرت فيه البدع ونشط فيه المبتدعة فصاروا يروجون البدع بين الناس ويدعون إليها في كل مناسبة، وهذا بسبب غربة الدين، وقلة العلماء المصلحين. ومن هذه البدع ما يروج كل عام، ويغتر به الجهال والعوام، من الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيصها بأنواع من الذكر والصلاة، لأنهم يزعمون أنها تقدر فيها الأجال والأرزاق وما يجري في العام ويضنون أنها هي المعنية بقوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4]. ويخصون اليوم الخامس عشر من شهر شعبان بالصيام ويستدلون بحديث روي في هذا، وهذا كله من البدع المحدثة؛ لأنه لم يثبت تخصيص ليلة النصف من شعبان بذكر ولا قيام، ولا تخصيص يومها بالصيام، لم يثبت في ذلك حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما لم يثبت فيه دليل فهو بدعة في الدين ومخالف لعمل المسلمين المتمسكين بالسنة التاركين للبدعة.

وإليكم ما قاله العلماء المحققون في هذه الليلة، قال أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع: وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال: (ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ولا يرون لها فضلا سواها).

وقال ابن رجب في كتابه لطائف المعارف: وأنكر ذلك –يعني تخصيص ليلة النصف من شعبان-، أكثر علماء الحجاز. منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم. وقالوا ذلك كله بدعة. وقال أيضا: قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه وقال الحافظ العراقي: حديث صلاة ليلة النصف من شعبان باطل، وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات.

وأما صيام يوم النصف من شعبان فلم يثبت بخصوصه حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. والحديث الوارد فيه ضعيف كما قاله ابن رجب وغيره. والضعيف لا تقوم به حجة.

وأما زعمهم أنها الليلة تقدر فيها أعمال السنة وأنها المعنية بقوله تعالى: (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4،3]؛ فهو زعم باطل؛ لأن المراد بتلك الليلة ليلة القدر كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1]، وهي في رمضان لا في شعبان؛ لأن الله سبحانه قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]؛ فالقرآن أنزل في ليلة القدر وليلة القدر في رمضان بلا خلاف. بدليل قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]. قال الإمام ابن كثير: يقول الله تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1] وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]، قال: ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة. فإن نص القرآن أنها في رمضان. ثم قال عن الحديث المروي في ليلة النصف من شعبان وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى"، قال هو حديث مرسل مثله لا يعارض النصوص.

فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم وما كان عليه السلف الصالح، واحذروا من البدع ومروجها كما حذركم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

( من كتاب الخطب المنبرية، لمعالي الشيخ الدكتور صالح الفوزان/ ج1)




بارك الله فيك وجزاك خيرا




جزاك الله خيرا




جزاكِ الله خيـــــــــــــــ ــــــــــــرا




بارك الله فيم وجزاكم الله خير الجزاء




بارك الله فيكم جميع ربي شح لي صدري ويسر لي امري




بارك الله فيكي اختاه وجزاكي الخير
تحياتي