ها هي مجلَّة " الإصلاح " تستقبل عامَها الخامس ، وأوطانٌ عربيَّةٌ وإسلاميَّةٌ تستفيقُ على وقع أحداث متتابعة متَسارعة كأمواج البَحر المتلاطمَة ، وانتفاضات ( شبابيَّة ) ، وثورات شعوب على حكَّامها، رافعة شعار التَّغيير ، وقد يُوافق ذلكَ مجرى السُّنن الكونيَّة من النِّهاية الوخيمة والعاقبة السَّيئة للظُّلم والجور والاستبداد ، لكن هذا لا يسوِّغ الخروج في هذه الثَّورات العارمة ، والمظاهرات الحاشدة ، لأنَّها ليسَت مِن أساليبِ الشَّريعة في المناصحة ، ولا من طرائق تَغيير المنكر ، ودفع الظُّلم ودَرئه ، كما قرَّره العلماء المحقِّقون من أهل السُّنَّة والجماعة.
إنَّ منَ المعلوم قطعًا أنَّ تغيير الأحوال بيد الله تعالى وحدَه ، يصرِّف الأمُور وفقَ مشيئتِه وإرادتِه ، يعزُّ ويذلُّ ، ويرفع ويضع ، ويؤتي الملك مَن يشاء وينـزعُه ممَّن يشاء ، لكن الله جعلَ لهذا التَّغيير سنَّةً كونيَّةً ، فلا تتحوَّل الأمَّة من حال الضَّيق والضَّنك إلى حال السَّعة والعزِّ والنِّعمة والـمَنعة ونحوها ، إلاَّ إذا أحدث أفرادُها التَّغيير في أنفُسهم ، قال الله تعالى : ﴿ إنَّ الله لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمّ ﴾ ،فليس منَ الحكمَة أن يعيشَ أحدٌ عمرًا طويلاً لا يسأمُ فيه منَ المطالبة باستِبدال حاكم أو تغيير حكومَةٍ ، ولا يلتفتُ يومًا إلى نفسه يعاتبُها ويلومُها ، ويُغيِّر ما بها من سُوءٍ ويطهِّرها ممَّا علق بها من شرور ، ويُصلح ما بينَه وبين ربِّه سبحانه .
وقد علَّمنا التَّاريخ أنَّ هذه الثَّورات قَد تحملُ معَها رياح التَّغيير ، فأطيحت أنظمة ، وأسقطت دول ، وقام على أنقاضها دولٌ بإيديولجيَّات وضعيَّة ، وفلسفات لائكيَّةٍ ، ونُظم علمانيَّةٍ غيَّبت الدِّين تغييبًا ، إلاَّ أنَّها لم تحقِّق للنَّاس ما كانوا يؤمِّلون ، وخابت معها الظُّنون .
إنَّ الَّذي دعا إليه الأنبياء والرُّسل – عليهم السَّلام – وعلى رأسهم خاتم النَّبييِّن صلى الله عليه وسلم ، هو التَّغيير النَّافع لكلِّ مجتمَع في أيِّ مكان وفي أيِّ زمان ، وهو الاجتماع على أنَّه لا إله إلاَّ الله ولا معبودَ بحقٍّ سواه ، ونبذ الشِّرك ومظاهره ، وأن يكونَ غرسُ التَّوحيد في نفوس أفراد الأمَّة هو القضيَّة الَّتي يقوم عليها النِّظام ، وبهذا يكون الإصلاح ويتحقَّق العدل ، وأمَّا التَّغيير الَّذي لا يضَع ذلك في حُسبانه ، ويجعل أمر التَّوحيد والدِّين هو آخرَ اهتماماتِه فهُو الخسرانُ بعينِه .
وعليه ، فأيُّ تغيير لا يأخُذُ بزمامِه ورثةُ الأنبياءِ ، يعني العُلماء الرَّبَّانيِّين فهو عُرضة للاضطراب والاختلال ، وقد يستَغرب هذا الكلام مَن لم تلتصق ثقافتُه بالوحي أو مَن صار لُقمةً سائغةً لوسائل الإعلام تصقُل ذهنَه وأفكارَه وتصوُّراتِه ، وأمَّا مَن لازمَ كتابَ الله وسنَّةَ رسوله صلى الله عليه وسلم علم
يقينًا أنَّه هو التَّغيير المطلوب .
المصدر : العدد الرابع والعشرون لمجلَّة الإصلاح الجزائرية
صانها الله من كل سوء
نقله على الجهاز في مجلس الواحد قبيل المغرب ليوم الإثنين :
7 جمادى الأولى 1443هـ الموافق لـ : 11 أفريل 2022 م
سفيان ابن عبد الله الجزائري – غفر الله له