التصنيفات
العقيدة الاسلامية

العبد وشهوات الدنيا

العبد وشهوات الدنيا
لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها, وخداع الأمل لأربابه, وتملك الشيطان قياد النفوس, ورأوا الدولة للنفس الأمارة, لجأوا إلى حصن التضرّع والالتجاء, كمايأوي العبد المذعور إلى حرم سيده.

شهوات الدنيا كلعب الخيال, ونظر الجاهل مقصور على الظاهر, فأما ذو العقل فيرى ما وراء الستر. لاح لهم المشتهى, فلما مدوا أيدي التناول بأن لأبصار البصائر خيط الفخ, فطاروا بأجنحة الحذر, وصوبوا إلى الرحيل الثاني: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} يونس 26, تلمح القوم الجود, ففهموا المقصود, فأجمعوا الرحيل قبل الرحيل وشمروا للسير في سواء السبيل, فالناس مشتغلون بالفضلات, وهم في قطع الفلوات, وعصافير الهوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذبح. وقع ثعلبان في شبكة, فقال أحدهما للآخر: أين الملتقى بعد هذا؟ فقال: بعد يومين في الدباغة. تالله ما كانت الأيام إلا مناما, فاستيقظوا وقد حصلوا على الظفر. ما مضى من الدنيا أحلام, وما بقي منها أماني, والوقت ضائع بينهما.
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمٌه, وولد لا يعذره, وجار لا يأمنه, وصاحب لا ينصحه, وشريك لا ينصفه, وعدو لا ينام عن معاداته, ونفس أمارة بالسوء, ودنيا متزيّنة, وهوى مرد, وشهوة غالبة له, وغضب قاهر, وشيطان مزين, وضعف مستول عليه.
فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها, وان تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة.
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة التهما, واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما, وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ, عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم, وظلمة في قلوبهم, وكدر في أفهامهم, ومحق في عقولهم. وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم, حتى ربي فيها الصغير, وهرم عليها الكبير, فلم يروها منكرا. فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن, والنفس مقام العقل, والهوى مقام الرشد, والضلال مقام الهدى, والمنكر مقام المعروف, والجهل مقام العلم, والرياء مقام الإخلاص, والباطل مقام الإخلاص, والباطل مقام الحق, والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقابل النصيحة, والظلم مقام العدل فصارت الدولة
والغلبة لهذه الأمور, وأهلها هم المشار إليهم وكانت قبل ذلك لأضدادها وكان أهلها هم المشار إليهم .
فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت, وراياتها قد نصبت, وجيوشها قد ركبت, فبطن الأرض والله خير من ظهرها, وقلل الجبال خير مكن السهول, ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس.
اقشعرّت الأرض وأظلمت السماء, وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة, وذهبت البركات, وقلّت الخيرات, وهزلت الوحوش, وتكدرت الحياة من فسق الظلمة, بكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة, وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح. وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه, ومؤذن بليل بلاء قد ادلهمّ ظلامه. فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح. وكأنكم بالباب وقد أغلق, وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} الشعراء 227.

اشتر نفسك اليوم, فإن السوق قائمة, والثمن موجود, والبضائع رخيصة, وسيأتي على تلك السوق والبضايع يوم لا تصل فيها إلى قليل ولا كثير: { ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}التغابن 9, { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْه} الفرقان 27.

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى **** وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله ***** وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه. إذا حملت على القلب هموم الدنيا وأثقالها, وتهاونت بأورادها التي هي قوته وحياته, كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها, فما أسرع ما تقف به.

ومشتت العزمات ينفق عمره ***** حيران لا ظفر ولا إخفاق الشياطين
هل السائق العجلان يملك أمره **** فما كل سير اليعملات وحيد

رويدا بأخفاف المطى فإنما***** تداس جباه تحتها وخدود

اليعملات : الناقة السريعة

من كتاب الفوائد لبن قيم الجوزية




بارك الله فيك اخي عبد الرحمان جزاك الله خير




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

التوحيد سبب من أسباب التوفيق لحسن تعامل العبد مع نفسه، ومع الخلق، ومع ربه جل وعلا

تعليمية تعليمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاو والسلام على الرسول الأمين

هذا جزء من شريط فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب
للشيخ

صالح بن عبد العزيزآل الشيخ

الفضل السابع

( أما السابع فمن فضل التوحيد أنّ التوحيد إذا قوي وإذا أحبّ العبد توحيد ربه وعلِمه وتعلمه، فإنه يوفق لكل قول وعمل صالح، سواءٌ أكان هذا القول والعمل ظاهرا أم باطنا، في نفسه أو في غيره، وهذه من أعظم المهمات؛ لأن العبد لا يخلو:
* إما أن يتعامل مع نفسه.

* أو أن يتعامل مع غيره.

* أو أن يتعامل مع ربه جل وعلا، وتعامله مع الله جل وعلا عبادة؛ يعني بالعبادات.

وتعامله مع نفسه، في شأن هوى نفسه، وما يَرغَب فيه وما لا يرغب وكيف يمتثل الشرع في نفسه.

ومع غيره في تأديته لحقوق الناس والعباد، ابتداء بحق والديه، وحق زوجه، وحق أولاده، وحق جيرانه، وحق زملائه، ومن يخالطه، وحق العلماء، وحق ولاة الأمر، وحق الصحابة رضوان الله عليهم، وحق أهل الإيمان بعامة، وهكذا في هذا الشأن.

التوحيد سبب من أسباب التوفيق لحسن تعامل العبد مع نفسه، ومع الخلق، ومع ربه جل وعلا.
أمّا مع الله جل وعلا: فأهل التوحيد يحبون عبادة الله جل وعلا، يحبون الإخلاص، أيضا يحبون أنواع العبادات؛ تجد الموحّد الحق يصلي، تجد الموحّد يعطي الزكاة، تجد الموحّد يصوم رغبة واختيارا، تجده يحجّ رغبة، كلما قوي التوحيد قوي تعلق العبد في الصلاة؛ تعلقه بالصلاة الفرض وبالنوافل، تعلقه بصيام الفرض وبالنوافل، وهكذا ففي تعامله وعبادته لربه بحسَب توحيده وقوته يُقبل على ذلك ويوفَّق لهذا الأمر، لهذا فانظروا إلى نفسك في أيّ من المجالات، إذا أحسست في نفسك تقصيرا في الفرائض أو حتى في النوافل، ففتِّش فستجد أن بعض الدنيا والخلق زاحموا محبة الله جل وعلا في القلب ولا بد، يجتمع في القلب واردان؛ وارد محبة الله جل وعلا وتوحيده، ووارد محبة الدنيا والخلق والرغبة فيها، فيتزاحمان، فإذا قوي التوحيد أضعف الشيء الآخر، وإذا قوي الآخر أضعف التوحيد بحسبه، ولهذا العلم بالتوحيد وتعليم التوحيد وإرشاد الناس إليه هو أعظم البر والإحسان إلى الخلق؛ لأنه به ينفتح ذلك إذا أُحسن تقريره وشرحه للناس وترغيب الناس فيه.

أمّا تعامل العبد مع نفسه: فإن العبد له هوى وله رغبة؛ له هوى في بعض المحرمات، لا أحد يسلم من ذلك، له هوى ورغبة في ترك بعض الفرائض؛ تتثاقل عليه، ذلك تعامله مع نفسه فيما يأتي وفيها يذر، كلّما قوي توحيد الله في القلب، وعِلْم العبد بربه، بربوبيته وأنّه سبحانه هذه الأرض جميعا، والقلوب جميعا بين أصبع من أصابعه، الأرض قبضته يوم القيامة، وأنّ هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنه سبحانه هو الذي يدبر هذا الملكوت، وأنه هو الذي يعطي ويمنع، وينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط، ويخلق سبحانه، ويحيي ويميت، ويصح ويمرض، ويغني ويفقر، وأنَّه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فحينئذ يقوى في قلبه العلم بالله جل وعلا، يقوى في قلبه التوكل على الله جل وعلا، يقوى في قلبه محبة الله جل وعلا، كذلك العلم بأنّه هو المستحق للعبادة وحده، هو المستحق للطاعة سبحانه وتعالى طاعة العبادة وحده، هو المستحق لكذا، وكذا، وكذا من أنواع العبادات، فإنّه حينئذ يعظُم في قلبه محبة الله وتوحيده، وتضعف نوازع الشر في نفسه.

أما تعامله مع الخلق: فإنّ الموحّد لا يغيب عن باله إذا قوي توحيده، أنّ أنسه بالله فوق كل أنس، وأنّ رضا الله جل وعلا عنه فوق كل رضا، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، من التمس رضا الناس مهما كانوا؛ كبارا أو صغارا، رعاة أو رعية، ملوكا أو مملوكين، ومن كانوا، من التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن التمس رضا الله ولم ينظر إلى الناس أن يسخطون أم يرضون رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. وهذه مجربة فيمن سار على شرع الله بالحكمة والموعظة الحسنة في هذا الأمر.

فالتعامل مع الناس إذا تعلق القلب بالله فإنه سيعاملهم والله جل وعلا بين عينه، يرجوه ويخافه ويتّقيه ويحبه، يخشى أن يتغير قلبه عليه بظلم عبد من العباد، فلهذا يصلح علمه في نفسه ومع الخلق.

فإذن أهل التوحيد يوفَّقون للأعمال الظاهرة والباطنة المتنوعة، وللأقوال الظاهرة والباطنة في تعامل العبد مع نفسه ومع الخلق وفي عبادة الله الواحد الأحد.

والله الموفق

تعليمية تعليمية




اقتباس:
فإنّ الموحّد لا يغيب عن باله إذا قوي توحيده، أنّ أنسه بالله فوق كل أنس، وأنّ رضا الله جل وعلا عنه فوق كل رضا

جزاكم الله خيرا
نسأل المولى عز وجل أن يهدينا التوحيد الخالص ويثبتنا عليه




و خيرا جزاكم ،،
اللهم آمـــين




لَكَ مِنَّيْ وُرُوْدٌ يَكْسُوْهَا الْبَيَاضَ

أُحِتِّرَامِيَ لِشَخْصِكَ




تعليمية




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك على الموضوع و جزاك خير الجزاء




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

[كتاب مصور] تاريخ تدوين العقيدة السلفية تاليف العلامة عبد السلام بن برجس العبد الكريم

تعليمية تعليمية
[كتاب مصور] تاريخ تدوين العقيدة السلفية تاليف العلامة عبد السلام بن برجس العبد الكريم


تاريخ تدوين العقيدة السلفية

تاليف
العلامة عبد السلام بن برجس العبد الكريم
طبعة دار المنهاج
الطبعة الاولى 1443 هـ

رابط التحميل :
http://www.archive.org/download/koto…rikh_akida.pdf

للامانة العلمية الموضوع منقول

تعليمية تعليمية